رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الخمسون50 بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الخمسون بقلم سهام صادق

 

تراجع إلى الوراء بخُطوات واهيه؛ فاصطدمت ساقيه بالفراش وهو ينظر إليها بنظرة ليس بها ندمًا عما فعله. ورغم أن القُبلة لم تكن إلا خاطفة لا تروي الظمأ لكنه كان سعيدًا بل وفي قمة سعادته. 

علت وتيرة أنفاسها وحدَجَته بنظرة شرسة وهي تضع أطراف أناملها على شفتيها وبأنفاس متهدجة خرجت نبره صوتها مهزوزة. 

_ أنت إزاي تعمل كده!! 

واِزدادت نظراتها شراسة وهي تراه ينظر إليها مبتسمًا. 

_ عملت إيه؟ 

تساءَل بجهل مصطنع واقترب منها لترفع يدها وتمدها للأمام. 

_ متقربش!! وياريت ترجع لصورة الزوج اللي شغله واخد كل أولوياته وبلاش توهم جدو إنك بتحبني وإن حياتنا طبيعية لأنك مهما عملت مش هشوف ده غير تمثيل. 

اِنمحت إبتسامته وانطفأت تلك اللمعة التي توهجت بها عينيه للحظات ليزدرد لُعابه متسائلًا بصوت متحشرج. 

_ تمثيل!! 

تمالكت "زينب" رجفة جسدها التي أصابتها أثر تقاربهم. 

_ اه تمثيل، أنت أصلاً ممثل بارع... بتعرف توهم اللي قدامك قد إيه أنت جنتل مان و فارس احلام أي بنت. 

_ لكن أنا مش بمثل عليكِ يا زينب ولا عملت كده من البدايه،، أنا مكنتش اقصد أذيكي صدقيني. 

قالها بصوت ضعيف وهو يقترب منها؛ فتراجعت إلى الواء وهي تُشير إليه ألا يقترب منها. 

_ معملتش كده من البداية؟ مقصدتش تأذيني... لأ أنت خدعتني وأذتني وعمري ما هسامحك عارف ليه. 

اِنحبست أنفاسه داخل صدره وأطرق رأسه أرضًا ليغلق جفنيها بقوة عقب حديثها. 

_ لأنك كسرت نفسي، كسرتها زي ما الكل كسرها... 
... 

ألقى "عزيز" نظرة راضية نحو الأرضية التي قام بتنظيفها ثم دلك عنقه بإرهاق ونظر نحو ساعة يده متنهدًا. 

تحرك إلى خارج المطبخ واِتجه نحو الغرفة المفتوح بابها ليرفع صوته عاليًا بمزاح بعدما اِستمع إلى صوت مِرَشَّة المياة. 

_ "ليلى" أفضل هنا في الاوضة مستنيكِ ولا استنى بره؟ 

توقفت "ليلى" عن فرك فروة رأسها وأسرعت بإغلاق المياة تنظر حولها تبحث عن المنشفة حتى تجفف جسدها. 

_ لأ أستنى بره الأوضة. 

اِرتفع حاجب "عزيز" بمكر وتحرك نحو باب الحمام حتى يظهر صوته أعلى. 

_ افرض احتاجتي حاجة هسمع صوتك إزاي لما تناديني. 

_ "عزيز" من فضلك. 

قالتها وهي تلتقط ملابسها واحتضنتها بحماية رغم غلقها لباب الحمام ليقهقه "عزيز" بمتعة. 

_ طيب هكون مؤدب وأخرج بس قوليلي هتكافئيني بإيه. 

_ "عـزيـز". 

صدح صوتها عاليًا ليتحرك نحو باب الغرفة قائلًا بخشونة بعدما أجلى حنجرته. 

_ هخرج خلاص بس افتكري إني ليا مكافأة. 

اِستندت "ليلى" برأسها على الباب حتى تسترقي السمع لتزفز أنفاسها أخيرًا بإطمئنان ثم أسرعت بإرتداء ملابسها بعُجالة ودون أن تنتبه انزلقت قدميها. 

تأوه قوي اِنفلت من بين شفتيها وهي تستند على ذراعيها حتى تستطيع النهوض. 
... 

إلتوت شفتيّ "سمية" بتهكم وهي ترى عائلة العم "سعيد" تترجل من السيارة لتضيق حدقتاها بترقب. 

_ عمو أكيد جاي وراهم. 

بجبين مقطب ضغطت "سمية" على نواجذها دون أن تحيد عيناها عنهم وقد تأكدت من عدم وجودها معهم.  

حاولت "سمية" السيطرة على إنفعالات وجهها ثم اِستدارت بجسدها نحو "نيرة" التي رافقتها لتودعها. 

_ ما دام "عزيز" على وصول اقعد استناه في الجنينة لأني عايزاه في موضوع مهم. 

قالتها وهي تربت برفق على خد "نيرة" التي أماءت برأسها لها. 

_ طيب ما ندخل جوه نستناه. 

تحركت "سمية" تحت أنظارها قائلة وهي تتجه نحو المكان المخصص بالحديقة للجلوس. 

_ أنا محتاجه اشرب سيجارة يا "نيرو"، فخليني هنا أحسن لأنك عارفه "سيف" بيضايق. 
.... 

فركت "زينب" عينيها حتى تتوقف عن البكاء لتضم تلك الدمية -التي جلبها- إلى حضنها تضرب عليها بيديها. 

_ فاكر إنه هيعرف يضحك عليا تاني، لأ خلاص أنا فهمت كل حاجه وفوقت من أوهامي.. 

عادت الدموع تتدفق من مقلتيها لترفع يدها ثم أغلقت عينيها بحسرة. 

_ خلوني لعبة في ايديهم عشان عارفين إني مش هقدر اتكلم. 

أزاحت الدمية عن حضنها وحدقت بها بنظرة خاوية وسُرعان ما كانت تدفعها بعيدًا عنها. 

_ هوجعك زي ما وجعتني. 
.... 

تسارعت دقات قلبه وهو يراها تقف أمام المرآة تُجفف خُصلات شعرها المبتلة. 

عيناه تحركت عليها ببطء بداية من قدميها إلى خُصلات شعرها التي تخطف أنفاسه وقد جمعته على أحد كتفيها حتى تتمكن من تجفيفه. تُهلكه هي بجمالها، جمال يراه نعمة ونقمة عليه؛ فهو كل يوم يغرق بعشقها. 

اِزدرد لُعابه وأغمض عينيه حتى يطرد عن رأسه ضجيج الماضي؛ فَـ "سالم" شقيقه عشق "سمية" لحد الهوس. 

شعرت بوجوده بالغرفة؛ فاستدارت إليه وهي ترفع خُصلات شعرها حتى تعقصها وترتدي بعدها حجابها ثم يُغادرون. 

_ خلاص خلصت، دقيقة بس واكون جاهزة. 

قالتها بتوتر وهي تُحاول كبت آلم عظامها ثم أسرعت بإلتقاط حجابها من على طاولة الزينة حتى تضعه على خُصلاتها. 

اِرتجف جسدها وهي ترى يده على يدها يلتقط منها الحجاب قائلًا بصوت هامس قرب أذنها. 

_ خلينا شويه. 

لم يعطيها فرصة للكلام وقد إلتفت ذراعه برفق حول خصرها وأغلق عينيه مستمتعًا بلذة قُربها. 

أغلقت عيناها مثله وقد داعبتها دفئ أنفاسه على عنقها. 

_ "عزيز" هنتأخر. 

بهمس خافت طلب منها راجيًا أن تصمت. 

_ متخافيش يا "ليلى" مش هعمل حاجه، أنا عايزك بس تكوني في حضني شويه. 

إنه يُحارب بقُربها حقيقة عاشها قديمًا مع أخيه الأكبر وصار اليوم يعيشها هو. 

اِسترخت في حضنه لكن ضغط ذراعيه حول خصرها جعلها تآن من الوجع. 

صوت تآلمها الخافت جعله يفتح عيناه فزعًا لتضيق حدقتيه متسائلًا: 

_ مالك في إيه؟ 

ردت بخفوت وهي تخفض رأسها. 

_ رجلي اتزحلقت في الحمام ، فوقعت. 

أغلق جفنيه لوهله ثم زفر أنفاسه بقوه وإلتقط يدها ليتحرك بها جِهة الفراش. 

_ وكنتي طبعًا مش هتقولي ليا لولا بس إني وجعتك. 

_  أنا كويسة، دي مجرد واقعة بسيطة بكره تخف. 

هتفت بها وهي تنظر إليه بعدما أجلسها على الفراش. 

_ بسيطة إيه وأنا مجرد ما شديتك لحضني أكتر متحملتيش. 

أرخت جفنيها وهي تتهرب من النظر إليه. 

_ خلينا نروح المستشفى. 

_ لا لا، أنا كويسه... أنا متعودة على كده. 

وأردفت وهي تتجاهل وجع جسدها. 

_ أنا عندي مغامرات كتير لو حكتهالك هتفضل تضحك وميقعش إلا الشاطر. 

جعلته رغمًا عنه يبتسم وبرفق رفع يديه يمررهم على خديها. 

_ بس أنا عايز اطمن عليكِ، فخلينا نروح المستشفى نطمن. 

لتزم شفتيها بعبوس وتحرك رأسها رافضة الأمر. 
... 

تأففت "سمية" بضجر بعدما ألقت عقب سيجارتها الثالثة، لقد مرت أكثر من ساعة ولم يأتي "عزيز" حتى الآن. 

_ أكلت عقله خلاص وهوسته بجمالها. 

اِحتقنت ملامحها وهي تزفر أنفاسها بقوة. 

_ هتجنن خلاص، ليه يا "عزيز" ليه بعد السنين دي تخطف قلبك ست ليه وانا قدمت نفسي ليك كتير. 

نهضت من على المقعد الجالسة عليه وقررت الرحيل قبل أن تنفلت زمام الأمور منها. 

_ بكره اخليك تشوف فيها "سمية" تانيه يا "عزيز".
تحركت نحو سيارتها وهي تتوعد بإحراق قلبه لكن توقفت مكانها وهي ترى سيارته تعبر بوابة الڤيلا. 
... 

حرك "عزيز" رأسه بيأس منها وهو يعطيها أحد المراهم التي أوصى بها الطبيب الصيدلي. 

_ لو تعبتي كلميني اخدك المستشفى. 

_ "عزيز" أنت مكبر الموضوع كده ليه. 

تنهد بقوة ومد كف يداعب به خدها. 

_ لأني بقيت عارفك كويس يا "ليلى"، بتتحملي التعب في سبيل إنك متقلقيش اللي حواليكي.. بس دلوقتي ده اختلف أنتِ مسئولة مني. 

لا تعرف كيف فعلتها لكنها فعلت ما دفعها إليه قلبها. 

ليرفع يده نحو خده بعدما لثمته بقبلة خاطفة. 

اِبتسم "عزيز" وهو يراها تخفض رأسها بعد فعلتها وقبل أن تَمُد يدها نحو مقبض باب السيارة لتفتحه قبض على ذراعها. 

اِبتعد عنها بعدما اقتطف من شفتيها قبلة لم تروي ظمأه لينظر إليها قائلًا بدعابة صارت تعتاد عليها معه: 

_ على فكرة أنا كنت مقرر اكون مؤدب لكن أنتِ اللي بدأتي وعيب في حقي لو مردتش الهدية. 

_ بس دي بوسة على الخد. 

ضحك وهو يترجل من السيارة. 

_ الهدية لازم تترد مضاعفة ونردها بكرم. 

أسرعت "سمية" بالإختباء خلف أحدى الشجيرات قصيرة الساق لترفع يدها نحو شفتيها حتى تكتم صوت أنفاسها الهادرة.
... 

القلق كان مرتسم على ملامح "عزيز" و"عايدة" وهم يروا "ليلى" تدلف المسكن وهي تعرج على أحد ساقيها. 

_ إيه اللي حصل.. 

تولى "عزيز" أمر الرد وهو يسندها. 

_ اتزحلقت في الحمام وبالعافية وافقت نروح الصيدلية نجيب حاجه تخفف الوجع. 

أسرعت "عايدة" جِهتها وإلتقطت يدها وتحركت بها نحو غرفتها. 

_ كان لازم تصممي تنضفي الشقة، كنا سمعنا كلام "عزيز" بيه وجبنا حد ينضفها. 

أتبعها "عزيز" بعينيه ثم تنهد. 

_ "عزيز" لو تعبت كلمني، دماغها للأسف ناشفه. 

أماء "عزيز" -العم- برأسه وتحرك معه نحو الباب وهو يشعر بالندم أنه لوهله شك بأمر تأخرهم في العودة. 

_ حاضر يا بيه. 
... 
... 
أشاح "عزيز" عيناه بضجر بعدما لمح "سمية" تقف قُرب سيارتها. تجاهلها ومضى في طريقه لتحتد عيناها بغضب وأسرعت ورائه. 

_ "عزيز" 

اِستدار بجسده وانتظرها أن تخبره بما تُريد؛ فأسدلت أهدابها وضمت كفوف يدها حتى تهدأ وتدفع غضبها جانبًا. 

_ ولا كأني ضيفة عندك يا "عزيز".

تنهد "عزيز" بمقت وأشاح عيناه عنها. 

_ قولي اللي عندك يا "سمية" 

اِمتقعت ملامح وجهها وإلتوت شفتيها بعبوس. 

_  مالك يا "عزيز" هو أنا وجودي لازم يكون وراه حاجة. 

قالتها وهي تَمُد يدها حتى تضعها على صدره ليزجرها بنظرة محذرة جعلتها تتراجع بتأفف. 

_ "سمية" لو معندكيش حاجة تقوليها، يبقى مع السلامه لأني مش فاضيلك. 

اِنفلتت ضحكة قوية منها ليُحدقها بنظرة حادة جعلتها تتوقف عن الضحك. 

_ معلش يا "عزيز" اصلي افتكرت حاجه ضحكتني. 

وبمكر أردفت . 

_ صحيح العروسة أخبارها إيه... "نيرة" قالتلي إن الفرح أخر الشهر. 

_ "سمية" قولت قولي اللي عندك أو مع السلامة. 

مررت "سمية" أصابعها في خُصلات شعرها المصبوغة متسائلة. 

_ مالك بس يا "عزيز" ده أنا حتى بسأل عن العروسة .. 

وواصلت كلامها بخبث اِستشعره. 

_ خد بالك شكلها شقية وهتتعبك. 

_ "سـمـيـة". 

اِرتفعت نبرة صوته بحده لـ تتراجع بجسدها وتفتح باب سيارتها. 

_ عمومًا أنا كنت هنا النهاردة عشان نحتفل بشغل "سيف" معايا في الشركة.

ألقت كلامها واِستقلت سيارتها لتنفرج عن شفتيها إبتسامة واسعة وهي تراه يندفع إلى داخل الڤيلا بخطوات غاضبة. 
.. .... 

«لأنك كسرت نفسي، كسرتها زي ما الكل كسرها. » 

نفض رأسه لمرات بعدما ضرب عجلة القيادة بكلتا يديه، فصوتها لا يُغادر رأسه. أغلق عيناه ثم اِستند برأسه على عجلة القيادة يتمتم بقلة حيلة. 

_ مكنتش عايز أذيكي يا "زينب"، صدقيني مكنتش عايز أذيكي.. قدرك وقعك مع واحد زيي عايش بذنب إنسانة تانيه. 

والماضي يعود ليطرق أبواب حصونه التي ظنها صارت صلدة. 

فلاش باك!! 

_ لأ خلاص مش هقعد شايفها وهي بتتألم ومش عارف أعمل ليها حاجه. 

قالها وهو ينتفض من على الفراش واِتجه نحو والدته وهي تساعد" سارة"  بالتحرك بالغرفة قليلًا وتطلب منها زفر أنفاسها ببطء. 

_ جهزيها يا ماما عشان ناخدها المستشفى، وغصب عنهم هخليهم يولدوها النهاردة. 

حاول سحب "سارة" إليه؛ فتعلقت عيناها به راجية. 

_ أنا مش عايزه النونو ده يا "صالح"، خليهم يخرجوه من بطني ده وحش بيوجعني. 

دمعت عينين "سارة" وهي تخبره بوجعها لينظر إلى والدته بنظرة جعلتها تخفض رأسها أرضًا. 

اِستدار "صالح" بجسده حتى يسمح لــ دموعه بالتحرر وسُرعان ما كان يمسحها ويهتف وهو يتحرك نحو باب الغرفة. 

_ هخلي السواق يجهز العربية وأنتوا اجهزوا. 

_ يا حبيبي لسا ميعاد الولاده بعد أسبوع وده طبيعي يحصل ليها الفترة دي، تعالا يا "صفوان" قوله لأن ابنك ناسي إننا دكاترة. 

قالتها "حورية" ونظرت نحو زوجها الذي دلف إلى الغرفة للتو واِتجه بعينيه نحو "سارة". 

_ الدكتوره بتاعتها قالتلك إيه لما كنتوا عندها امبارح؟ 

تنهدت "حورية" وهي تتحرك بـ"سارة" لتجلسها على الفراش. 

_ قالت بعد اسبوع ولادتها. 

لم يتحمل أن يقف هكذا ويسمع مناقشة والديه وأسرع نحو "سارة". 

_ انتوا مش شايفينها بتتوجع إزاي. 

وبغصب صاح وهو يتمنى لو كان جده موجود أمامه الآن. 

_ هو فين "شاكر" باشا عشان يشوف نتيجة اللي عمله. 

اِنسحبت "حورية" من الغرفة بعدما خانتها دموعها واِنسابت على خديها بقهر. 

اِبتلع "صفوان" لُعابه واقترب من مكان جلوس "سارة". 

_"صالح" اللي أنت بتعمله قدامها ده غلط، أنا و أمك عارفين كويس إن اللي "سارة" فيه ده طبيعي وعشان اريحك ساعدها تلبس هدومها وتعالا نروح المستشفى نطمن. 

ومثلما غادرت "حورية" عاجزة غادر "صفوان" بنفس العجز. 

أخفض "صفوان" رأسه بخزي عندما أغلق باب الغرفة ورائه واستمع إلى ما قالته ابنة أخيه. 

_ هنروح المستشفى عشان نطلعه من بطني صح، "صالح" خليهم يطلعوه أنا مش عايزاه ده وحش و أنا بكرهه. 

_ ليه عمل في ابني كده يا "صفوان". 

هتفت بها "حورية" وهي تقبض على قميصه بكلتا يديها باكية. 

_ قال إنه مجرد جواز على ورق عشان يعرف يراعي "سارة"، قولي ليه عمل فيه و فينا كده.. ابني واقف عاجز، خليتوه مقهور.. مستني طفل وهو مش عارف يا عالم هيطلع سليم ولا هيكون مريض زي "سارة"... 

سقطت دموع "صفوان"، فوالده فعل ما لا يستطيع مسامحته عليه. 

_ سامع بتقول إيه، مش عايزه الطفل لأنها مش فاهمه إنه ابنها... فاكرانا حطيناه جوه بطنها مع الأكل... اه يا
"صفوان" قلبي موجوع. 

سقطت "حورية" على ركبتيها وهي تدفن وجهها بين راحتي كفيه تبكي بضعف. 

_ ارجوكِ يا "حورية" كفاية، "صالح" محتاجنا دلوقتي. 

مسح "صفوان" دموعه وجثا أمامها يمسح دموعها. 

_ اللي حصل حصل خلاص، إنهيارنا مش هيصلح حاجه يا "حورية". 

حدقته "حورية" بنظرة خاوية وسُرعان ما تحولت إلى الفزع وهي ترى "صالح" يخرج من الغرفة يحمل "سارة" على ذراعيه ويتحرك نحو الدرج دون أن ينظر إليهم. 

باك!! 

فتح "صالح" عينيه محدقًا أمامه بالمساحة المظلمة التي لا ينيرها إلا ضوء السيارة. 

_ "صـالـح". 

هتف بها "فهد" صديقه متعجبًا من قدومه إلى الباخرة وقد ضاقت حدقتاه في ذعر من مظهره. 

_ مالك يا ابن "الزيني" طول عمري بشوفك ولا كأنك طالع من مجلة. 

قالها "فهد" بمِزاح وهو يجلس قُبالته ظنًا أن مزاحه سيخفف عنه. 

_ عايز سيجارة تنسيني نفسي. 

ظهرت الصدمة جَليَّة على ملامح "فهد" لينظر إليه "صالح" متسائلًا وهو يرخي رأسه إلى الوراء. 

_ معقول بطلت الأنواع اللي كانت بطلعك السحاب وتنسيك نفسك. 

_ "صالح" أنت فيك إيه، أنت مش طبيعي... 

قالها "فهد" وهو ينهض من مقعده ويقترب منه حتى يتحسس جبينه ليدفع "صالح" يده بعيدًا عنه. 

_ أنا مش مريض، قولي بقى هلاقي عندك اللي أنا عايزه ولا أروح ادور في مكان تاني. 

كاد أن ينهض "صالح" لكنه تهاوي بجسده على المقعد بعدما وضع "فهد" كلتا يديه على كتفيه. 

_ لأ ده شكل الموضوع كبير ومحتاج قاعده. 

تنهد "صالح" بقوة وهو يحملق بعتمة السماء. 

_ تعبان يا "فهد" وعايز حاجة تنسيني الدنيا. 

رمقه "فهد" وهو يطلق زفراته لعدة مرات. 

_ احكيلي يا "صالح" يمكن تلاقي عندي النصيحة. 

لم يندهش "فهد" مما يسمعه من "صالح" وعلى ما يبدو أن الزواج في عَوَائِلهم لا يتم إلا من أجل مصالح تم التخطيط لها. 

_ حبيتها مش كده.. 

تساءَل بها "فهد"؛ فتنهد "صالح" بثقل. 

_ هي تستاهل إنها تتحب. 

_ رد على سؤالي يا "صالح". 

أصر "فهد" أن يسمع الرد منه صريحًا لذلك كرر حديثه. 

_ مش عارف يا "فهد"، بس كل اللي بقيت عارفه إن جوايا حاجات كتير بتتغير... العتمة اللي جوه قلبي بدأت تزول لكن في المقابل أنا طفيتها. 

هَـز "فهد" رأسه متفهمًا؛ فهو يفهمه لأنه من قبل ذاق حلاوة الحب ومرارته. 

_ أنت عارف إن أنا و "نغم" بنت عمي متجوزين جواز مصالح، حاولت إني أحبها بصراحه لكن معرفتش مش عشان إني لسا منستش "غفران" بس أنا وهي في كل حاجه بعاد وكأننا اقطاب متنافرة. 

واستند "فهد" بكلتا ذراعيه على الطاولة وواصل كلامه. 

_ لكن أنت غيري بدأت تحب مراتك وما دام حبيتها حارب عشانها، اسمع كلمة كرهها ليك وكأنها بتقولك بحبك.. قالتلك ابعد، قرب بزيادة... اقولك على نصيحة سهله يا ابن "الزيني". 

اِعتدل "صالح" في جلوسه وكأن الكلام بدأ يستهويه؛فأردف "فهد" وهو يمد ذراعيه على ظهر مقعده. 

_ استعبط ما هو اصل يجوز في الحب -المشروع- الاستعباط...
.... 

اِندهشت "زينب" عندما اِستمعت إلى باب الشقة يُفتح بهذا الوقت من الصباح. أولاد أعمامها يعلمون بوجودها مع جدها بالشقة لذا لن يدخلوا إلا إذا قاموا بدق جرس الباب. 

اِرتجف جسدها عندما رأت عمها "هشام" أمامها ينظر إليه بنظرة ثاقبة. 

_ مالك خايفة كده ليه؟ 

أزاحت "زينب" تلك الخُصلة التي إنزلقت على جبينها وردت بعدما أخذت نفسًا عميقًا. 

_ أخاف من إيه يا عمو بس أنا استغربت، يعني حضرتك جاي بدري. 

حدجها "هشام" بنظرة ماقتة. 

_ أنتِ هتقوليلي اجي أمتي ولا مجيش. 

اِنتفضت "زينب" بإرتعاب من هجومه وتراجعت إلى الوراء. 

_ أنا مقصدش حاجة يا عمو. 

أشاح "هشام" عيناه عنها وتحرك نحو غرفة والده. 

_ سيادة اللوا صحي؟ 

بصوت خفيض مهزوز ردت. 

_ لأ لسا. 

_ طيب اعمليلي فنجان قهوه وهاتيه ليا في الصالون. 

أسرعت "زينب" لتعد له فنجان القهوة وقبل أن تتقدم منه إلتقطت أنفاسها. 

_ القهوة يا عمو اتفضل. 

_ اقعدي. 

قالها "هشام" بحزم لتنظر إليه بدهشة وسُرعان ما كانت تجلس أمامه بعدما رمقها بنظرته التي يرتجف معها جسدها. 

_ فيه مشاكل بينك وبين جوزك؟. 

سؤال عمها جعلها تفرك يديها ببعضها وتبتلع ريقها. 

هَـز "هشام" رأسه بعدما اِرتشف القليل من قهوته. 

_ كنت حاسس إن فيه حاجه، لا بتحضروا مناسبات سوا ولا حتى التجمعات العائلية بشوفكم مع بعض إلا قليل جداً. 

كادت أن تتحدث وتخبره بأنها لا تناسب تلك العائلة وترغب بالإنفصال لكن نهوضه من مقعده واقترابه منها أخرسها. 

_ عارفه لو اتطلقتي من ابن "الزيني" هخلي حياتك جحيم،، مش كفايه اتبلينا بيكِ. 

اِرتعشت شفتيها وإلتصقت بظهر الأريكة الجالسة عليها. 

_ أنت بتكرهني كده ليه، أنا بنت اخوك. 

بإستهزاء رد وهو يعود للجلوس على مقعده. 

_ أنا معنديش غير أخ واحد وأخت واحده... واحمدي ربنا إنك اتجوزتي جوازة تليق باسم العيلة لولا كده كنتِ هتفضلي طول عمرك منبوذة من العيلة. 

دق جرس الباب، فتأفف وهو ينهض حتى يفتح ليتلاشى عبوس وجهه وهو يرى "صالح" أمامه. 

_ صباح الخير يا سيادة المستشار. 

اغلقت "زينب" عينيها وهي تسمع صوته ثم فتحتهما ونهضت من مكانها. لقد حسم عقلها القرار واختارت الدور الجديد الذي عليها لعبه بمهارة.. زوجها وعائلته حلفًا قويًا وهل في ساحة الحرب نسمح للقلب بإختيار حُلفائنا. 

_ أنت جيت يا حبيبي، كنت فكراك مش هتيجي تفطر معايا أنا وجدو. 

حدقها "صالح" بنظرة مندهشة ونظر نحو يدها التي حاوطت بها ذراعه. 

تعليقات



×