رواية حب و حرب الفصل الاول بقلم عفاف سيد
كان يا مكان يا سعد يا اكرام كان فيه بنوته....
شرعت جنين في قص قصة قبل النوم كعادتها لإبن أختها الصغير نادر حينما أوقفها نادر مقاطعاً معترضاً على طريقة سردها قائلا....
_ يوو يا خالتو تاني... فأجابته جنين بسؤال...
_ مالك بس يا ندوي؟ ما أنا بحكي لك أهو زي ما أنت عايز.... برر نادر مقاطعته لها قائلاً .
_يا خالتو قلت لك ميت مرة مش بحب البدايات، و لا كان يا مكان ولا بتاع، أدخلي في الموضوع على طول .
أبتسمت جنين و أكملت حديثها قائلة
_ و الله أنت عيل ثئيل ولا تستاهل أصلا، مش عارفة أي دا، أول مرة أشوف طفل زيك ياخي .
قاطع نادر حديثها مرة أخرى ببراءة قائلاً .
_ و لا هتشوفي يا خالتو، عارفة لي؟ عشان أنا نادر مفيش مني .
جاءهُ الرد منها سريعا، تُمسك أذنيه بأصابعها معنفة إياه قائلة .
_ أيوا ساعدتك أبو الهول يعني ولا أي مش فاهمه ؟! دا حتى أبو الهول طالع عليه إشعات أنه عنده أخ تؤام مدفون لسه، بعدين يا تسمع الحكاية كلها ياما مش هحكي، هتقعد تقرف فيا هرميك لأمك، سامع ؟
و مرة أخرى قاطع أحدهم حديثها ولكن هذه المرة لم يكن نادر بل أمه، ( زهرة) بأبتسامتها اللطيفة و رقة صوتها قالت .
_ على أساس هو طالع لأبوه ولا لأمه !
إلا سبحان الخالق نسخة من خالته، كأنك أنتي اللي خلفتيه مش أنا، يعني ولا شكلي ولا طباعي، بعدين أنتي نسيتي ؟ من صغرك تقولي مش بتحبي البدايات و الإستهلال اللي ملوش لازمه، وهو كمان زيك، فقصري معاه و احكي له المفيد على طول.
ردت جنين بحنق شديد .
_ يا ست الكل على عيني و على رأسي بس الكلام دا كان في الحقيقة، و بعدين أنا مين كان بيحكي لي غيرك ؟! و بتحكي لي حكايات واقعية، انتي مش حافظة غير أبو زيد الهلالي و الزير سالم، بالله عليكي تسكتي يا شيخة متسديش نفس الواد، في الخيال لازم أحكي له الحكاية من البداية عشان يفهم الأحداث، أما بقى في الحقيقة رغم أني مبحبش البدايات لأن غالبا بتكون مزيفة بس برضو مضطرين نعيشه . ثم أردفت قائلة بحب بعد أن فكرت قليلاً .
_عارف يواد يا نودي، والله لاعمل زي ما أنت عايز ! يعني هنبقي مضطرين نعيش البدايات في الحقيقة و الخيال ؟!
هنكنسل البداية و نقراء من الحتة اللي تعجبنا ولو عايز ندخل على النهاية مرة واحده معنديش مانع.
أجاب نادر بمرح قائلاً .
_ أيوا بقى يا خالتو يا عسل، دلعيني .
وكانت الجملة التالية من زهرة موبخة لهما هما الإثنان .
_ والله شكل ما حد هيضيعك غير خالتك دي، اللي موافقاك في كل حاجه، إلا قولي لي يا آخرة صبري، أجازتك هتخلص امتى؟
اجابتها جنين بحزن لا تعلم له سبب .
_ بعد يومين كدا أن شاء الله.
أكملت زهرة قائلة بترجي .
_ طب يا ستي عشان خاطري بالله عليكي، روحي زوريهم المرة دي، كفاية كدا، الكل فهم وجهة نظرك و ندمانين و زعلانين أوي .
وكان رد جنين الصارم و الخالي من المشاعر .
_ موافقة بس بشرط .
جاءها الرد السريع و المليء بالحماس من زهرة .
_ أنت تؤمر يا جميل اطلبي كل اللي أنتي عايزاه، و أنا موافقة، طالما هتزوريهم المرة دي اطلبي عنيا حتى.
اطرقت زهره قليلا ثم استكملت حديثها سريعا وكأنها أدركت شيء بالغ الاهميه.
_ لأ، استني، عنيا لا، عايزاهم المسلسل الاسباني لسه مخلصش، اطلبي حا...
قاطعتها جنين بنفاذ صبر قائله .
_ يا ستي افصلي شوية المسلسلات لحست دماغك، افصلي، مش عايزه منك حاجة، غير أنك تروحي بكرا قبلي و تفهميهم إني جاية وراكي، بس شرطي أن منتكلمش في أي حاجة فاتت و نرجع زي زمان، وكأن اللي كان لم يكن.
_ زي ما هما بيعملو يعني ؟
_ زي ما هما بيعملو زي الجيران، المهم إن الموضوع ميتفتحش تاني و إلا مش راجعه، لو كان عندي شوية صبر فخلاص الكلية دي خدتهم مني و معدش عندى صبر .
هونت عليها زهرة قائلة وهي تضحك .
_ الكلية اللي زينة شباب البلد بيتعلمو فيها الصبر و التواضع، اخدت منك أنتي شوية الصبر اللي حيلتك، لي ياختشي الصبر عندهم شاحح للدرجة دي ؟
_ أي يا بت الظُرف اللي أنتي فيه وخفة الدم دي ؟! اسيبكم فترة اجي ألاقي اعدادتك بايظة كدا، المهم يا ظريفة، الكلية بتعلمني حجات كتير و أولهم الصبر، بس لأني مش ضامنه ردة فعلي لو الموضوع اتفتح تاني هتكون عامله ازاي؛ فقلت احذرهم و افهمك، يمكن أكون اتعلمت شوية حجات لحد دلوقتي في الكلية بس درس التحكم في المشاعر لسه مخلصش بخصوص الموضوع اللي مسببلي و مسببلهم كل التوتر ده، فقصري معايا .
اردفت زهرة بأبتسامة يشوبها الحزن لما أنهال عليها من ذكريات قائلة .
_ جنين أنا أسفه يا روحي، أسفه أنك اضطريتي تعيشي حجات كتير وحشة في حياتك بسبب و من غير سبب، و مش هقولك دا نصيبك و ارضي بيه زي الباقي، بالعكس انا مبسوطة أوي أنك اتحديتي الكل و حققتي حلمك، و متأكدة أنهم خلاص فهموا إن دي حياتك، و حلمك مش مجرد سراب، و حاضر يا روحي بكرا من النجمة هروح لبيت بابا و ماما و اوصلهم كل كلامك بالحرف .
نظرت لها جنين نظره غريبة تحمل استنكار ودهشة واضحة لِما تقوله زهرة، ثم قالت .
_ هو انتي بجد ؟! يعني بجد بجد فيه حد كدا زيك في الدنيا دي ؟!
ضحكت زهرة ضحكة صغيرة متألمة وهي تقلد نادر الصغير بصوت طفولي وهي تقول .
_لا يا خالتو عارفه لي؟ عشان أنا نادر مفيش زيي .
ثم ألتفتت بعيداً تمسح تلك الدمعة الصغيرة قبل أن تلاحظها جنين، و من ثم استدارت مرة اخرة، و
عم الصمت المكان حينما لاحظت زهرة شيء في جنين جعلها تركض إليها فزعة قائلة .
_ جنين ! جنين أنتي كويسه يا حبيبي ؟ أنا آسفة آسفة، والله آسفة، لو كنت قلت حاجة خلتك ترجعي تزعلي تاني ؟ أسفه .
في البداية لم تفهم جنين سبب خوف ولهفة زهرة عليها بهذا الشكل، ثم أدركت ذلك بعد لحظات، حينما شعرت بشيء سائل يسبح علي وجنتيها ببطىء؛ لتنظر إلى المرأة و تجد أنها تبكي دماً .
_ متخفيش يا زهرة أنا كويسة، دا مش بسببك يا روحي متخفيش .
_ مخفش إزاي يا جنين ؟! دي محصلتش معاكي من فترة طويلة، إحنا قلنا إنك خلاص نسيتي و تعايشتي مع الموضوع، جنين أنتي مخبيه عني حاجة ؟
نظرت إليها جنين بإستنكار و إبتسامة سخرية و قالت .
_ أنتي نسيتي ؟
لم تجب زهرة على هذا السؤال،
أقتربت منها جنين بكل حب و إمتنان .
_ مقدرش أخبي عنك حاجة يا زوز، دا أنتي أختي وصحبتي و حبيبة قلبي و بير أسراري كمان .
فردت زهرة بحذر شديد .
_ طب حصل أي خلاكي ترجعي تنتكسي كدا؟
أجابت جنين بإبتسامة مكسورة قائلة .
_ مشكلتي أني بتمنى أبقي زيك ومش قادرة.
ردت زهره بحب وهي تحتضن جنين .
_ بس أنا مش عايزاكي تبقي زيي أبدا يا جنين أبدا ً.
ثم حاولت أن تعود لجنين بالسؤال مرة أخرى.
_ يلا بقى بجد قولي لي، أي اللي حصل معاكي ؟
اجابت جنين بقوة مزيفة .
_ أبداً النهاردة حد من زمايلي قال: إن في كام شخص جايين جديد يدروبنا كانوا متوزيعين في بلاد برا مصر، للحظة خطر لي أنه ممكن يكون منهم و قلبي وجعني .
طمئنتها زهرة بكل حب، و الرجفة تحول دون خروج الكلمات صحيحة من فمها، قائلة .
_ لا، لا يا جنين، هو أي حد شغال بره يبقي هو ؟! أكيد لأ، أن شاء الله يكون لا، متشغليش بالك أنتي، وحتى لو هو، أنا متأكدة إنك هتقدري تقفي قصاده بكل قوة و ثبات، بعدين اوعى تنسي في يوم أنه أعز إنسان على قلبك و ضحيتي بحجات كتير عشانه، فاهمه ؟
قالت زهرة تلك الكلمات وهناك غصة تعصر قلبها و حزن كبير تجاهد في إخفائه، و لكن جنين لم تعلق على تلك المشاعر الجياشة، تحدثت فقط عما يخصها من هذا الحوار .
_ كان، كان أعز إنسان، دلوقتي هو ولا حاجة، يكفيني وجودك أنتي و نادر في حياتي، و كمان أنا متأكدة إني هقدر أقف قصاده، و مفيش حاجة هتهزني، بس خايفة لما أكون لوحدي أحس بكل حاجة تاني، وممكن أحن للي فات وساعتها أنتي مش هتكوني معايا عشان تطمنيني زي ما بتعملي دلوقتي .
و كالعادة حاولت زهرة صرف إنتباه جنين عما يعتريها من خوف قائلة .
_ جنين، لا متفكريش كدا ابدا كل حاجة هتبقي زي الفل انتي مش بتثقي فيا ؟
_ أكيد بثق فيكي .
_ يبقي اسمعي مني، يلا يا حبيبتي نادر نايم اهو، و في سابع نومه و أنتي كمان روحي اغسلي وشك وكلي لك لقمه، و تعالى ننام و بكرا باذن الله هيكون يوم حلو أوي مع العيلة، بمناسبة رجوعك ليهم، أما الماضى ف أنتي عارفة كويس أوي هتعملي أي، أنتي أقوى بنت أنا شوفتها في حياتي، و متأكدة أنك هتخليني فخورة بيكي كالعادة .
وصلها الرد من جنين في شكل إبتسامة صغيرة، وعناق دافىء، مليء بالحب و الامتنان، لتلك الأخت التى كانت لها كل شيء جميل في عالم مؤلم، لذا كان أقل ما تفعله من أجل إساعدها هو إصلاح تلك العلاقة المهترئة بينها و بين والديها، و قالت بحب .
_ مش أقوى منك يا أحلى زهرة في الدنيا .
عقب تلك الكلمات ذهبت جنين و تناولت وجبتها، ثم ذهبت إلى غرفتها، و اغمضت عينها، و سلمت نفسها للنوم، بعد ساعات من الأرق، استيقظت على ذاك الصوت الذي تعشقه، صوت نادر إبن أختها و شطر روحها... كان هذا ما يحدث مع جنين هنا، أما في مكان آخر، تحديداً في مطار القاهرة الدولي، في بقعة محظورة على المواطنين، هبطت طائرة خاصة بالمخابرات المصرية على متنها فوج مكون من خمسة أشخاص، وكان منها ( طاهر ) و المعروف أيضا بالقيثارة أو طائر القيثارة وذلك لقدرته على تقليد الأصوات و الشخصيات بمختلف أنواعها، مهما بلغت صعوبتها، يستطيع ان يتنكر في أي شخصية يريد، الشخص الثاني كان( عُدي )مهندش كمبيوتر خارق الذكاء، رغم أن كلية الشرطة لم تكن رغبته، إلا أنه عشق الشرطة بعد الانضمام إليها، و رؤية ما يعنيه حب الوطن، و الدفاع من أجله، قد يظن البعض أن الشخص المهتم بالحاسوب و البرمجيات سيكون خجول و منطوى بعض الشيء، لكن عُدي يحطم تلك القاعدة، و الثالث كان ( يونس) رجل قوي، ذكي و شجاع، الغريب أن من يراه للوهلة الأولى و من التعامل الأول يوقن أنه لس مجرد رجل عادي، و يملك من المقومات ما يؤهله للإنضمام الي كلية عريقه مثل كلية الشرطة، و لكنه لا يهتم لرأي أحد، و يا الهي ! كيف يملك هدوء و برودة أعصاب تفوق برودة القطبين، يخافه كل الطلاب بسبب تلك البرودة و تبلد المشاعر، و هذا في الحقيقة لا يهمه كثيرا؛ ف سرعان ما يحبه الجميع عندما يظهر قدرته، و يالا الغبطة التي لا تظهر لأحد و يسرها في نفسه حين يرى ملامح الجميع يجتاحها الذهول بسببه !
أما الشخص الرابع فقد كان (طه) الأخ الأصغر لطاهر، هو أخ غير شقيق، و يصغر طاهر بسنة واحدة، و لكنهما رغم إختلاف الأم إلى أنهما أعز الاصدقاء، و رابطة الصداقة بينهم قوية جداً، إذا كنت تبحث عن تكافؤ و تجانس في الفكر و الحركة فلدينا الثنائي ( T أو ط )، و اذا كان طاهر بارع في التقليد، ف طه بارع جدا في الكشف، يستطيع و بسهوله كشف أي تخفي، أو أجهزة تعقب، أو أصوات مقلدة، و رغم ذلك، الوحيد القادر على خداعه هو طاهر، ذاك الثنائي الخارق، لا أحد استطاع التغلب عليهما من قبل، و لديهما من المواهب الغير مكتشفه الكثير، ينتظران فقط الفرصة المناسبة لإظهار تلك المواهب الدفينة، ماذا أقول عن الشخص الخامس في تلك المجموعة، أنه ( قُصي ) ذاك الفتى الشقي لديه أساليب إلهاء عجبية كيف استطاع أن يلهى حرس الرئيس الخاصين لإحدى الدول، و سمح لفريقه بالدخول لقاعة المؤتمرات، لا بل و سمح حتى لطاهر أن يأخذ مكان الرئيس بكل سهولة، كل ذلك كان من أجل تأمين ذاك الرئيس وليس بنية سيئة، لا أعرف من دون ذاك القصي ماذا كان سيفعل الفريق، إذا أردت معرفة أي شيء عن اي شخص في العالم، لا تسأل عُدي الذي يملك الحاسوب الفائق بل اسأل ذلك العبقري ذو الذاكرة الفولازية قصي، و لا ننسى قوته الجسدية الكبيرة التى لطالما ساعد الفريق بها، و الشخص الأخير الذي لم يحضر مع هذا الخامسي كان قائدهم الذي غاب عن الحضور لأسباب تتعلق بالعمل، و سيلحق بهم بعد بضعة أيام، هذا الشخص هو القائد (نديم) في تلك المجموعة المكونه من ستة رجال مختارين بعناية لتنفيذ أصعب المهمات، وأكثرها دقة، من الكلية الحربية و كلية الشرطة، الآن لديهم مهمه ثتقل كاهلهم وهي التدريس، عليهم الآن تعليم الدفعات الجديدة من الشرطة، بعض الأشياء التى اكتسبوها بواقع خبرتهم، لا أدري كيف سيتعاملون مع الطلاب، فإن كان هناك شيء مشترك بين هؤلاء الرجال، فهذا الشيء هو التعرف على أشخاص جدد، ولا سيما إن كان عليهم التعامل معهم بشكل يومي، لا يحبون أبدا الضعف أن كنت ضعيف بينهم فلا مكان لك، فكيف سيجاريهم هؤلاء الطلاب، و لكن لا بأس، إنهم طلاب شرطة عليهم التحمل، يجب عليهم ذلك ... لنرى ماذا سيحدث بعد انضمام فريق التروس الحديدية للتدريس في أكاديمية الشرطة .