رواية قدري المجهول كاملة بقلم رغدة




 رواية قدري المجهول (كامله) بقلم رغدة 



قدري المجهول 


بقلمي_رغدة


الألم دائما أنيق لا يختار سوى القلوب الطيبه ...


نظرت لهذه الرساله على حاسوبها مطولا قبل ان تضغط على لوحة المفاتيح وتكتب ردا لها 


ايحق لي أن ابكي عندما لا استطيع تحمل الألم وحدي ؟؟ 


اغلقت الحاسوب دون أن تنتظر الرد واتجهت الى الشرفة وبيدها كوب القهوة ترتشف منه القليل وهي تحبس دموعها داخل عينيها 


تأملت الشارع الذي يضج بالاصوات ومزدحم بأشخاص مختلفين . كل منهم له حكاية .


قربت كرسيها وجلست عليه وهي تسند رأسها على يدها تتأمل الوجوه ربما يكون بملامح احدهم قصة تستطيع أن ترسمها وتكتبها بكلمات علها تخرجها من قوقعة مظلمة تختبئ داخلها 


وقع بصرها على امرأة تمسك بيد صغيرها تحاول قطع الشارع مرارا ولكن السيارات المسرعة لم تسعفها لتحقيق مرادها وبلحظة أفلت الصغير يد والدته وجرى 


صرختين صدرتا معا صرخة من والدته وصرخة من صفاء


ولكن كان القدر اقوى من كلتا الصرختين حين اصطدم الصغير بإحدى السيارات وطار لمسافة ليست قليله ليتمدد جسده الصغير بلا حراك 


دلفت والدة صفاء سريعا حين سمعت صرختها لتجد جسدها متصلبا واضعة يدها على فمها تشهق بقوة وقد أطلقت العنان لدموعها أن تهبط بغزارة على وجنتها 


نظرت لها والدتها وللتجمع في وسط الشارع وصرخات امرأة تدوي باسم ابنها الذي فارق الحياة 


احتضنت ابنتها وادخلتها للغرفة واغلقت الشرفة وعادت سريعا تحاول تهدئة ابنتها 


بعد وقت ليس بقليل غفت صفاء بين يدي والدتها 


غفت عينيها وبقي عقلها يتلاعب بها ويدخلها بدوامة احلام بل كوابيس هي ماضيها وحاضرها وربما مستقبلها ايضا 


خرجت والدتها وجلست في الصاله تتذكر ابنتها الصغرى عيناء 


كان يوم من أيام فصل الشتاء شديد البرودة حين اضطرت والدة صفاء للخروج لشراء بعض الحاجات وتركت ابنتيها في المنزل بعد ان القت عليهن الكثير من الوصايا . ولكن حين عادت فقدت أغلى ما تملك وعاشت باقي أيامها في حزن والم على من ذهبت وعلى من بقيت 

ابنتها الصغرى التي كانت فتاة تضج بالحيوية والسعادة تملأ المنزل ضحك ولعب ذهبت . فقدتها كما فقدت صدى ضحكاتها منذ سنوات 


اما صفاء فعادت بها أحلامها الى أصعب يوم في حياتها يوم تحمل ذنبه منذ سنوات ، يوم كان كفيل بتغيير حياتها لتتحول من اللون الأبيض الى حياة شديدة الظلمة والسواد 


(قبل عشر سنوات كانت صفاء تبلغ من العمر تسع سنوات وشقيقتها تبلغ ثمان سنوات تركتهم والدتهم وخرجت 


كانتا الطفلتان تجلسان امام المدفئة ينغمون بالدفء وكانت قطرات الأمطار تضرب النافذة بقوة وصوت الرياح تعصف بالانحاء  


عيناء: صفاء يا صفاء 


صفاء وهي تضع القلم من يدها : نعم ، عاوزة ايه تاني 


عيناء : انا جعت قومي اعمليلي حاجة أكلها 


صفاء: دلوقت ماما ترجع وتعملنا، ماما قالت منتحركش من مكانا 


عيناء ببوادر بكاء؛ كده يا صافي هتسيبيني جعانه . 


اشفقت صفاء على اختها وقامت للمطبخ وهي تقول: طب انا هعملك ساندويش جبنه ، اياكي تلمسي كتبي 


عيناء وهي تمسك احدى الكتب : مش هلمس حاجه بس انا عاوزة ساندويتش جبنه وابقي كتري الخيار عشان بحبه 


انهت كلامها والقت بالكتاب امامها دون أن تلحظ انه لامس المدفأة ونظرت للتلفاز 


حين يحين القدر لا شيء يوقفه ولا شيء يغيره مهما كانت قوته ومهما بذلت 


اشتعل الكتاب واشتعل معه الغطاء وخلال دقائق قليله كانت النيران تلتهم جسد الصغيرة لتبدا بالصراخ 


خرجت صفاء سريعا وبيدها قطعة من الخبز التي رمتها ارضا وبدأت تطفئ النار المشتعلة بشقيقتها بيديها العاريه . كانت دموعها تذرف ببزخ من ألمها وخوفها 

شعرت بيديها تذوب بسبب النيران 


حاولت سحب اختها التي سكنت حركتها وخفت صوتها ولكنها وقعت بجانبها غائبة عن الوعي ، ولعله كان خيرا لها حتى تنفصل عن الألم الذي عصف بها 


وصلت الأم لتجد امام منزلها سيارة إطفاء وسيارة إسعاف، ركضت للداخل ولكن الجيران منعوها 


بدأت تضرب على رأسها وصدرها وهي تنادي بأسماء صغيرتيها 


بعد قليل خرج المسعفون بحمالتين وعلى كل حمالة جسد صغيرة من صغيرتيها 


لحقتهم بقلب ملتاع على صغيرتيها اللواتي لم يحيين ما يكفي ولم يأخذن من هذه الحياة سوى الألم 


عدة ايام من العذاب ليعلن الطبيب وفاة الابنة الصغرى 

وأما صفاء فكانت تعاني من حروق كثيرة متفرقة في أنحاء جسدها 


وصل الاب من السفر بعد ان هاتفته زوجته واخبرته بالحادث حضر وأخذ عزاء ابنته الصغرى ومن بعدها طلق زوجته التي اتهمها بقتل طفلته وحين اثبتت التحقيقات براءتها تركها مع طفلته التي لم تنجو من اتهاماته وسافر مجددا تاركا خلفه قلوب محطمة واجساد مشوهة دون أي ذنب )


استيقظت صفاء تشعر بالألم في كل جسدها كأنها عاشت التجربة مجددا تنظر ليديها بألم فبرغم كم العمليات الجراحية التي خضعت لها على مر سنوات الا انها لم تتعافى بشكل كامل وبداخلها تشعر انها مشوهة بشكل كامل 


ترفض ان تخرج من المنزل او ان تقابل اي شخص حتى لو كان ضيف لديهم وان أصرت والدتها على خروجها فهي ترتدي ملابس ذات أكمام طويلة وغامقة اللون وتلف رقبتها بوشاح او ترتدي طرحة 


حاولت والدتها معها كثيرا ان تتأقلم وان تخرج وبأن وضعها ليس كما تشعر هي ولكنها رفضت تماما وعاشت بعزلة قاتله 


مر يومين على صفاء دون أن تفتح حاسوبها او حتى تغادر غرفتها 


تحركت نحو مكتبها ووصلت الحاسوب بالشاحن خاصته وقامت بتشغيله لتجد ان هنالك ردا على رسالتها 


من قال إن العين تفرز الدمع، الدموع الحقيقية هي بخار الروح المتألمة.


تأملت كلماتها حرفا حرفا نعم انه محق انها صاحبة روح خاوية ومتألمه ليس بيدها سوى البكاء ، تساءلت في نفسها كيف لشخص مجهول لا يعرفها ان يفهمها ويشعر بألمها وروحها 


فكتبت له تشكوا همها والمها وتعبها وضيقها 


ليت غيابها يا صديقي كذبة تعود في آخرها، تطبطب على كتفي لتخبرني بعدها أنها لن تتركني مجدّدًا، أحبها جدًّا وأشتاقها 


تبادلوا الكثير من الرسائل حتى ارسل لها 


ولا يغرَّنكَ الوجهُ الجميلُ فكم.. في الزهرِ سمٌ وكم في العُشْبِ عقارُ.


بهتت ملامحها وفكرت كثيرا هل هذه رسالة من الله 

جلست مطولا حتى بدات اصابعها المرتجفة تنقر على لوحة المفاتيح تبث به ألمها وماضيها وحاضرها ودموعها تتسابق مع حروفها 


ترددت كثيرا في ضغط كلمة ارسال ولكنها حسمت امرها وارسلتها وفي عقلها قناعة ان هذا الصديق سيرفضها ويبتعد عنها كما فعل المجتمع كله 


مر اليوم كله وهي تنتظر ان يفتح رسالتها وبدات تتردد هل تبقيها ام تحذفها 


وقبل ان تحذفها ظهر صديقها انه قد فتحها، اغلقت الحاسوب سريعا وانتفضت من مكانها وبدات تجوب غرفتها جيئة وذهابا بتوتر وتفرك يديها 


كل ما يجول بخاطرها هل ستعود وحيدة ام سيتقبلها وهي من كانت السبب بهلاك اختها الصغرى 


بعد وقت ليس قليل فتحت حاسوبها لتجد منه رسائل 

اغمضت عينيها المترقرقة بالدموع 


فتحت عينيها لتبدا بقراءة رسائله التي كانت بلسم لجراحها وروحها وقلبها 


من رضي بقضاء الله وقدره ارضاه الله واسعده، فالاقدار كلها سعيدة وحتى ان لم تعجبك، ف الله لا يكتب لنا سوى الخير 


وفاة شقيقتك كان قدرا ومكتوبا من الله وان لم تترككم والدتكم للقيت حتفها بطريقة اخرى 


آمني ان موتها ما هو الا قضاء الله ولكن ان تلومي نفسك وتعترضي على قضاء الله فهو خطأ. 


والدك هو الخاسر الاول والاخير فهو من ترك من يده وبكل ارادته اجمل زهرة وانقى طفلة كانت ستاخذ بيده الى الجنة 


فلا تبالي فهو الخاسر ولست انتي 


اما بالنسبة لما حدث لجسدك فهو ايضا قدرك وعيلكي ان ترضي به وتحبي نفسك لان الله لا يخلق الا كل شيء جميل 


ان احببتي نفسك احبك الاخرون بالاضافه الى ان روحك جميلة وقلبك نقي يوقع الجميع في حبك 


فها انا احبك ولم اركي ولم اعرف اسمك واظن انكي ايضا تحبينني او تعتبريني شخص مقرب لك ولذلك قد افضتي لي بمكنونات قلبك 


تشجعي وثقي بالله ومن ثم بنفسك واخرجي من قوقعتك وعزلتك فالحياة جميله وتستحقين ان تعيشيها بمرها وحلاوتها 


لا تلومي نفسك على شيء لم تقترفه يداك 


انتي قوية 


انتي جميله 


انتي تستحقين الحياة 


انتي تستحقين الحب 


هيا اتركي غرفتك وبيتك و حلقي عاليا في هذه الدنيا 


وسأنتظر رسالتك التي تخبريني بها عن جمال تلك الحديقه التي تطل على احدى النوادي (....) 


فهي حديقة جميلة مثلك 


سأنتظر وصفا لها ولكل شيء وقعت عليه عينيك 


انتهت من القراءه لتصل رساله اخرى يخبرها ان الحديقة في هذا الوقت من الغروب تكون خلابة ورائعه 


لا تعلم كيف ارتدت حجابها ومشت كالتائهة وخرجت بخطوات متلعثلمه 


شعرت ان كل الانظار منصبة عليها تتاملها حتى وصلت لتلك الحديقة التي لم تكن بعيدة عن منزلها 


وقفت مطولا مترددة بدخول الحديقة ولكنها قد وصلت ولن تضيع هذه الفرصة 


دلفت لترى ما ابهرها من جمال الحديقة فهي مليئة بالاشجار والازهار والالعاب الكثيرة والمراجيح الكبيرة 


تذكرت طفولتها التي دفنتها بإرادتها 


بدات تتجول بها غافلة عن كل تلك الاصوات واخذت تتحسس الالعاب بيدها وقلبها يتراقص وتشتم تلك الورود المختلفة الشكل واللون 


حتى قادتها قدميها و وصلت لتجمع كبير من الاطفال مختلفين الأعمار كانوا يضحكون بصخب 


وحين تأملتهم لجمتها الصدمه كان منهم من يجلس على كرسي متحرك ومنهم بأطراف صناعية وآخرون بتشوهات ظاهرة بالوجه 


اخذت تتمتم بسرها الحمدلله الحمدلله الحمدلله واستغفرت كثيرا فهي وضعها اقل بكثير من وضعهم وكانت معترضة على قدرها


استمعت لذلك الشاب (طارق) الذي يتوسطهم وهو يرتدي زي مهرج حين قال: تحبي تلعبي معانا 


فصرخ الاطفال: ايوة تعالي هتتبسطي معانا 


مسحت بظهر يدها دمعتها التي سارت على وجنتها وابتسمت لهم وجلست تستمع للقصص الممتعه المضحكه من الشاب و هو يقلد بحركاته وصوته الوحوش وضحكت مع الاطفال 


قضت معهم ساعتين شعرت بهم انها ولدت من جديد هنا والآن وغادرت على وعد بالقاء في اليوم التالي 


عادت لمنزلها بروح جديدة وقلب يتراقص وابتسامة كانت قد اضاعتها منذ سنوات بل انها كانت قد دفنت نفسها مع شقيقتها والآن عادت للحياة من جديد 


دخلت المنزل والقت نفسها بحضن والدتها وهي تتراقص وتضحك هي ووالدتها التي خفق قلبها من جديد لسعادة طفلتها 


وبعد وقت فتحت حاسوبها وقامت بمحادثة صديقها المجهول واخبرته عن سعادتها وعن روعة لقاء الاطفال 


وكيف انها تشعر بالحياة بلون جديد 


وتتالت الايام واصبحت صفاء شخص جديد مفعم بالحيوية والسعاده 


وبدأت تتردد على النادي الذي كان به مركز اعادة تأهيل للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصه 


تعلقت بهم وتعلقوا بها كما شعرت بروح عيناء بهم بكل طفل وكل ضحكة بكل هذه الوجوه البريئة 


كان طارق سعيد بوجودها فالقدر هو من عرفه عليها 

وجعله سببا لنجاتها من براثن الالم والذنب الذي تحمله دون سبب لم يفصح لها ابدا انه الصديق المجهول 


وترك لها مساحه خاصة لتلجأ له بالخفاء دون اي خجل او ارتباك بقي هو مرآتها للحياة، صديقها المجهول


تمت


انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار أراؤكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم



لمتابعه روايتنا زورو قناتنا على التلجرام من هنا 

تعليقات



×