رواية لعنة الخطيئة الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم فاطمة أحمد
ربما اليوم وربما غدا.
________________
شدد يده الممسكة بالعجلة وهو يقود السيارة مركزا على الطريق أمامه في صمت نادر ما يحدث حينما تكون بجواره فحاد بعينيه إليها لثوانٍ قليلة وبرطم :
- انا مش متعود على سكوتك ده خير.
كانت هذه الأخيرة لا تزال تحت وقع الصدمة مما شهدت عليه منذ قليل حتى استفاقت على سؤاله فنظرت له وقالت :
- لأول مرة في الحياة ولاد عيلة الصاوي وعيلة الشرقاوي بيحطو ايدهم سوا وبيتفقو على هدف واحد وأنا كنت شاهدة على لحظة الاتفاق فـ اتخيل ردة فعلي.
أمال آدم شفته إلى الجانب وعلَّق بفتور :
- ده مجرد عهد سلام مؤقت واحنا الاتنين اضطرينا ناخده ونتعاون مع بعض عشان نوصل للبلطجي اللي ناوي علينا وبعد ما نلاقيه هترجع كل حاجة زي الأول.
- يعني مفيش أمل من ان العداوة ديه تنتهي للأبد.
تمتم نيجار بصوت خافت التقطته أذناه فأجابها مستهجنا :
- دماغك راحت لبعيد اوي عداوة ايه اللي هتنتهي احنا بيننا تار و دم هيفضل لآخر العمر ... عيلة الشرقاوي مديونة ليا بحاجات كتير ومش هيقدرو يدفعو تمنها مهما عملوا.
أحست بكلماته كرصاصات تنزل عليها بضراوة خاصة حين شعرت بأنه يقصدها بجملته الأخيرة فاِنكمشت على نفسها وعادت لصمتها المدقع ليقطعه آدم مجددا :
- مش عاوز حد يعرف باللي حصل في المزرعة ومتجيبيش سيرة ابن عمك خالص مفهوم.
أومأت بموافقة وبعد دقائق وصلا للسرايا ودلفا سويا، استقبلتهما حكمت التي كانت تجلس في منتصف البهو بوجه متجهم وعينين تقطران شرّا وسخطا جعل حليمة تدرك أنها بالتأكيد لم تُسعد في مشوارها الصباحي وتساءلت إلى أين ذهبت.
أما الجدة فعندما رأت نيجار قادمة من الخارج مع حفيدها استقامت واقفة وقالت بصوت جهوري :
- أهلا بيكم نورتو كنتي فين يا هانم سبتي البيت يضرب يقلب وروحتي ع فين ؟!
وخزها لسانها الشائك لترد عليها ولكنها تراجعت لعلمها بأن هذه السيدة العجوز تود سحبها للشجار أمام آدم فبلعت لسانها وتحفظت عن الرد مما جعل حكمت تزداد عصبية بينما تهدر :
- انتي مش سامعة أنا بقول ايه.
- كانت معايا في المزرعة يا ستي.
ردّ آدم بصلابة وحزم لتنظر له باِستنكار حاد :
- هي روحت للمزرعة بتاعتنا ومعاك انت !
- ايوة خير أنا لازم اخد اذن من حد هنا في السرايا عشان اودي مراتي معايا لأي حته ؟
غمغم من بين أسنانه مشددا على لفظ زوجتي كي ينبهها بأنه هو المسؤول الأول عن نيجار ليس هي وبالفعل التقطت الجدة استشعارات ضيقه وتحذيره فتراجعت عن هجومها وثبتت عصاها على الأرض معقبة بنبرة جادة :
- لا حاشاك يا ولد ولدي بس بنات الأصول بيحطو كبيرة العيلة في الاعتبار قبل ما يخرجو علشان يبقى ليها علم بتحركاتهم وخاصة البت ديه.
قلبت نيجار عيناها بملل ثم تركت التجمع وصعدت بينما طلبت الجدة من آدم أن يأت معها وحين تبعها هذا الأخير إلى غرفتها التفت له وتساءلت بوجوم :
- عرفتوا مين اللي عمل الهجوم وكسّر المحل ؟
أجابها بنفي وشرح لها بأنه يبحث في الأمر خاصة أن العملية تمّت باِحتراف ولم يتركوا أي دليل يوصلهم للفاعل في وقت قصير فزفرت حكمت بضيق محاولة التفكير في أي شخص يستطيع الإقدام على هذا الفِعل ببساطة ولم تجد شيئا حتى صفوان الذي عينته أول المتهمين في البداية لا يمكنه أن يهاجم عائلة الصاوي ويتسبب في المقابل بخسائر مالية كبيرة لنفسه.
ثم برطمت بتشنج كأنها تحدث نفسها :
- ياترى مين عمل كده وايه مصلحته هو من جوا القرية ولا من برا و ازاي تجيله القوة علشان يهاجم عيلتين مين عنده جرأة يتحدانا.
رفعت رأسها واِصطدمت بآدم الذي كان يضم يديه لبعضهما ويرشقها بنظرات غامضة متشككة فبادلته نظرات أخرى متسائلة ليجيب عليها هو :
- بفكر لو الشخص ده عنده عداوة معايا أنا شخصيا أو مع عيلتنا و جاي ينتقم.
- قصدك ايه.
- بقصد انه زي ما حضرتك انتي و ابويا رميتو واحدة ست في الماضي وابنها رجع بعد سنين عشان ينتقم مننا فيمكن اللي اتهجم علينا يبقى واحد زي مراد وعاوز ياخد بتاره ... ممكن نقدر نوصله لو خدنا الاحتمال ده بعين الاعتبار.
رد عليها بجدية صريحة مواجها إياها بظنونه التي حفرت لنفسها مكانا بذهنه لتجفل الأخرى وتقطب حاجبيها مفكرة في مدى امكانية تحقق هذا الاحتمال وظهور شخص هاجمهم بدافع الانتقام، زمَّت شفتيها وطال صمتها ليقطعه صوت آدم الساخر :
- في ايه القائمة طويلة لدرجة انك مش قادرة تفتكري كل الأسامي ؟
ضربت حكمت على العصا على الأرضية بقوة وزمجرت بحزم :
- اقف عندك ! متنساش انك بتكلم جدتك وتتجاوز حدودك ديه عيلة الصاوي طول عمرها كبيرة وبتجري ورا مصالح وأمن الأهالي ومش معنى ان واحد مكناش بنعرف بوجوده ظهر وقال انا ابنكم يعني هتحصل كل مرة.
وطالما انت بتقول ان ممكن يبقى واحد عاوز ينتقم مننا زي مراد فـ ليه ميكونش مراد نفسه اللي عمل كده.
- معتقدش، ده بقاله فترة متدمر من وقت والدته ما اتوفت ويوم الهجوم انا روحت قابلته ومكنش قادر يصلب طوله يبقى ازاي هيقدر ينفذ هجومين على اماكن مختلفة.
- والله مش ده اللي شوفته انا النهارده وش مراد ونظراته وكلامه بيأكدولي ان حقده علينا كبير لدرجة ممكن يعمل أي حاجة وفي أي وقت.
ذهل آدم ورفع حاجباه للأعلى مستفهما :
- مش فاهم يعني انتي روحتي تقابلي مراد ؟ ازاي و ليه.
تذكرت إهاناته الموجهة لها ونظرات الحقد والبغض فشدت على أصابع يدها مومئة :
- جالي فضول أشوف الحفيد اللي لسه عارفة بوجوده وبصراحة هو مقصرش في استقباله ليا مسابش كلمة مقالهليش ... المهم اللي عاوزة اقوله ان احتمال كبير يكون ليه ايد في الموضوع أو على مشترك معاهم ماهو اتفق قبل كده مع عدوك عشان يقتلك فـ ايه اللي هيمنعه دلوقتي.
أطرق قليلا وللأسف فلقد وجد كلامها منطقيا ولكن لماذا هو متأسف إن مراد اعتبره طوال حياته عدوا له -حتى هو مازال لم يعتبره أخا بالمناسبة- لكن على الأقل لم يقم آدم بفعل يؤذي أحدا من عائلته مهما كانت الأسباب أو بالأحرى لم يستمر في أذية شخص لم يصبه بضرر قط.
ترى لماذا يمتحن دائما عن طريق غدر المقربين منه !
أخرج نفسا عميقا مثقلا بالهموم وحكَّ ذقنه هاتفا :
- هدور حواليه وأشوف النتيجة ... المهم انا مروح للبستان دلوقتي لأني مروحتلوش النهارده ولا اطمنت على الشغل فيه وهنكمل في التفاصيل لما ارجع.
ودّعها مغادرا وفي المساء عاد متأخرا وصعد إلى غرفته وهو يعتقد بأنها نامت ولكن عند ولوجه وجد نيجار واقفة أمام المرآة ترتدي برنس حمام يصل لما فوق ركبتيها مبرزا جمال ساقيها وعندما كادت تخلعه من عليها لمحته واقفا فأعادت غلق الرداء بتلقائية وقالت :
- انت جيت ده انا افتكرتك هتقضي الليلة برا.
لم يجبها آدم الذي توهجت عيناه بوهج عنيف انبثقت ثناياه من حدقتيه المرتكزتان على انحناءات جسدها الملتف ببرنس الحمام الأبيض القصير ثم خصلات شعرها الرطبة و وجنتيها الحمراوتين إثر حمام ساخن ...
احتشدت أنفاسه بداخله وشعر بنفسه يهوي إلى الأسفل فتنحنح وبرطم :
- مكنش عندي شغل كتير.
همهمت نيجار ودَنت منه حتى وقفت أمامه مباشرة وسألته ببساطة :
- انت اتعشيت ؟
- ايوة كلت مع فاروق يلا ابعدي خليني اعرف انام.
طالعته وهو يرمقها بجمود لم يُخفي أثر تلك اللمعة التي تكتسي عيناه حينما يكون راغبا بها فرفعت حاجبها واقتربت أكثر لتلتصق به وتهمس بتحشرج :
- طيب مالك بتكلمني كده ليه وليه بتتهرب بعيونك مني في حاجة.
ثم رفعت اصبعها ومررته إياه على صدره بحركات دائرية مردفة :
- تعرف ايه اكتر حاجة بحبها فيك ؟
قلب آدم عيناه بامتعاض وأبعد يدها عنه لكنها عادت تضعها عليه وتكمل، بنبرة أنثوية مثقلة بالحب :
- لما ترسملي الوش الخشب وتعاملني ببرود بس ساعتها ببقى منجذبة ليك أكثر انت لو شوفت وشك بعينيا وسمعت صوتك القوي بوداني كنت هتفهم قصدي ومشاعري.
ازدرد لعابه من قربها المُهلك وكأي رجل لم يكن ليتحمل وجود امرأة بهيأة فاتنة في غرفته دون أن يتأثر خاصة وهي تحتك به وكل ما فيها يصرح بإعجابها وحماسها إتجاهه، ورغم كل ما يعيشه في هذه اللحظة إلا أن جمود عينيه لم يختفي فـرسمت نيجار بسمة ساخرة على وجهها واستدركت :
- بس قلبك قاسي ومبيحسش وشيطانك قوي ومبيخليكش تمشي ورا اللي قلبك عاوزه.
ألقت جملتها المستهزئة وتحركت لتذهب بيد أنها وجدت نفسها تعود إليه حينما أدخل اصبعيه في الرباط الملتف حولها وشدَّها منه حتى اصطدمت بصدره، شهقت بخفة وطالعته وهو يتحدث بخشونة :
- و ايه اللي عاوزه قلبي.
" الاستسلام للحب "، احتفظت نيجار بهذه الإجابة لنفسها وهي تبادله النظرات الولهة وسمعته يستدرك بتحشرج بينما ينحني عليها :
- قولتي انك بتنجذبي ليا بسبب وشي وصوتي بس ؟
ابتسمت وهزت رأسها بنفي موضحة :
- كلك على بعضك بتجذبني حتى تعرف أنا بفكر أحيانا وبقول ياترى ايه اللي كانت بتتوحم عليه حماتي عشان تجيب واحد زيك للدنيا.
انزلقت ضحكة قصيرة منه وعقب متهكما :
- استني انتي كده بتبالغي ... طب بتعرفي ايه المميز فيكي ؟
- لا ايه هو.
- انك حيّة وبتخوفي ... بس جميلة.
أنهى آدم جملته المتناقضة واقتحم شفتاها مقبلا إياهما بشغف عصف به فرفعت نيجار يديها تحاوط بهما ذراعه وأغمضت عيناها مستسلمة إليه في لحظات نادرا ما تجمع بينهما ...
_______________
بعد مرور يومين.
في صباح إجازته نهض من نومه واغتسل ثم بعثر الملفات الخاصة بعمله على الطاولة ووضع بجواره قهوته التي يدمنها وبدأ بفحص السجلات المتكومة عليه إثر الإجازة الطويلة التي أخذها...
بيد أن تركيزه تشتت حين سمع صوت رنين جرس منزله فتأفف ونهض بتكاسل
وفتحه ليرى ثاني زائر غير متوقع ... تلك التي من المفترض أن تكون شقيقته !
وقف مراد يطالعها ببلاهة من دون أن يظهر وجهه أي تفسير حتى صدع صوت ليلى الساخر وهي تقول :
- هتسيبني واقفة عند الباب كده ؟
تدارك نفسه وتنحنح مفسحا لها المجال فدخلت ولفت بصرها في المكان بتفحص وفضول، كان من الساخر أن تزور هذا الشاب أو بالأحرى أخاها الذي لم تعلم بوجوده سوى من فترة قصيرة فقط لكن عندما استرقت السمع لمحادثة جدتها مع مساعدها الأيمن والتقطت أذناها عنوان بيته الذي زارته فيه لم تستطع كبح ذاتها عن مواجهته هي أيضا.
كان الآخر يطالعها بتلكؤ مابين الحرج والانزعاج وتساءل بداخله عن سبب قدومها حتى أنه فكر لوهلة بطردها لولا أنها استدارت إليه فأبعد عيناه عنها وأشار بيده في الهواء مغمغما بصوت مثقل :
- اتفضلي اقعدي ... تحبي تشربي حاجة ؟
انتقل الحرج إلى وجه ليلى التي كانت تعبث بأصابع يديها ثم أجابته بنبرة حاولت إكسابها قدرا من الثبات :
- أنا شامة ريحة قهوة ممكن اشرب لو لسه مخلصتش.
أماء مراد بإيجاب وتوجه إلى المطبخ ليفرغ محتويات الدلة في الكوب بعناية وعاد إلى البهو متوسط الحجم حيث كانت جالسة على أريكة واسعة وأعطاه لها، ثم أخذ مكانا يقابلها منه مباشرة وساد الصمت بينهما ناشرا الشحنات السلبية في الهواء حتى نطقت ليلى بصوت شجن وهي تنظر لعينيه :
- انت كنت بتعرف بعلاقتنا ببعض يوم قطعت طريقنا وانا مروحة للكلية ويوم ساعدتني ولحقتني لما كنت واقفة لوحدي في الشارع.
أطرق مراد قليلا وأجاب بعد ثوانٍ :
- انا بعرف من قبلها بكتير بس مقطعتش طريقكم للسبب ده ولا ساعدتك عشان انتي اختي ... بقصد اني كنت هعمل نفس التصرف مع أي بنت غيرك.
كتم في داخله حقيقة أنه التقاها في ذلك المساء صدفة لكنه عندما رآها بمفردها بدأ يتبعها بالسيارة تحسُّبا لتعرضها إلى مثل هذه المواقف.
رمقته الأخر بجمود تحول إلى سخرية وهي تقول :
- تساعد اي بنت غريبة عنك ومبتعرفهاش عادي ... بس أخوك من لحمك ودمك بتخطط لـ انك تسرقه وتقتله مش كده.
- افندم !
- مش انت بردو اتفقت مع ابن الشرقاوي عدو آدم اللدود ووقعتوه من خلال نيجار وبعدين طعنتوه و ولعتو في البيت ؟ كنت حاسس بـ ايه وانت بتخلي الناس تؤذي أخوك الكبير وبتساعدهم كمان.
- ياريت متدخليش في الموضوع ده ولا تجيبيلي سيرته انتي لسه صغيرة ومش هتفهمي أسبابي وظروفي لأنك تربيتي مرتاحة في بيت عيلتك ومواجهتيش اي حاجة من اللي انا واجهتها.
وضعت ليلى الكوب بقوة على سطح المائدة مصدرة ضجيجا عاليا وتشدقت بقوة وثقة غير قابلة للنقاش :
- أولا أنا مش صغيرة أنا كبيرة وواعية بالدرجة اللي تخليني متأكدة من انه مفيش سبب يخليك تعمل اللي عملته بعرف انك عانيت وتعذبت انت ومامتك ربنا يرحمها بس ده ميبررش محاولاتك عشان تؤذي ابيه آدم وتقتله لانه حتى هو مكنش بيعرف بوجودك وصدقني لو عرف من قبل كان هيدور عليك بنفسه ويخليك واحد من عيلتنا !
ضرب مراد بيده على ساقه وانتصب واقفا بعدما نضب صبره وزمجر بحدة :
- أنا مش طالب منك تتفهميني ولا تحكيلي عن أمجاد أخوكي لأنه سهل اوي الشخص يحكم على الناس من المكان اللي هو قاعد فيه وسهل يطلب من غيره يبقو مثاليين وكويسين مهما كانت الظروف اللي مروا بيها زي ما انتي بتعملي ... ودلوقتي لو خلصتي كلامك اللي جاية عشانه وشفيتي غليلك بتقدري تتفضلي لأني مشغول ومش فاضي.
حسنا إنه يقوم بطردها من منزله الآن كان هذا واضحا لليلى التي ارتعبت لوهلة حين رأته يتشنج بعصبية على حين غرة بعدما هدوئه الذي كان عليه منذ طرقت بابه، ثم حدجته بتزمت وقالت :
- أساسا أنا مجتش عشان اقضي باقي اليوم معاك كنت هروح من نفسي اول ما اخلص كلام معاك.
مشت بخطوات سريعة وانفعالية ناهبة الأرض نهبًا وحين كادت تتجاوزه أوقفها متلفظا بصلابة :
- استني.
توقفت تلقائيا لينظر مراد بهدوء ثم عاد ينظر أمامه وأردف بنبرة أكثر هدوءًا :
- أنا مخططتش لـ اني اقتل أخوكي اينعم اتفقت مع صفوان عشان ناخد سبايك الدهب منه بس مكنتش بعرف أنهم هيأذوه ويحاولوا يقتلوه ... اللي عايزك تفهميه ان هجومي من البداية كان ناحية اعتبار وسمعة عيلتكم اللي ياما افتخرتوا بيها وظلمتوا الناس علشانها وبالتالي مكنتش هستفاد من حاجة لما اقتل حد فيكم.
سرق دهشة من عينيها بعدما استمعت لإعترافه بأنه لم يكن يقصد قتل أخاه، ولا تدري حقا إن كان يجب عليها الارتياح بعدما انزاح ثقل هذه الصدمة من قلبها أم تغضبب وهي تسمعه أيضا يكرر بثقة أنه قَصد تحطيم اعتزاز وسمعة العائلة وإيذاء آدم في عمله الذي لطالما تعب فيه.
وقفت ليلى بتلكؤ للحظات قبل أن تحسم أمرها وتغادر فلعن مراد بصوت عالٍ متشدقا :
- كل حد منهم بيلاقي نفسه فاضي بيجي لعندي عشان يسمعني كلمتين يسمّو بدني ويوروني قد ايه هما مثاليين وأنا شخص سيء !!
أما عند ليلى بمجرد تجاوزها عتبة الباب لمحت محمد الذي كان مستندا على السيارة ويهز ساقه بتوتر وعصبية فتنهدت ملقية أنفاسها الثقيلة خارجا ثم دنت منه بهدوء عكس حالته وهو يحترق من الداخل ويمنع نفسه بصعوبة من اقتحام هذا المنزل.
وحين تفاجأ بوقوفها أمامه بغتة اعتدل في وقفته سريعا وردد بلهفة :
- انتي كويسة ؟
أماءت بإيجاب وركبت في المقعد الخلفي دون كلمة إضافية فأخذ هو مكانه وسألها باِحتراز وتأهب :
- في حاجة حصلت هو أذاكي أو ضايقك بكلمة ؟
- لا.
- اومال ليه باين عليه مزعوجة كده.
- أكيد مش هبقى برقص من الفرحة وأنا بقابل اخويا التاني اللي بيتغدى على كرهه ناحيتنا.
أجابته ليلى باِقتضاب فتنحنح محمد وهزَّ رأسه بتفهم قبل أن ينطلق عائدا بها للسرايا وتذكر صدمته التي تلقاها حين طلبت منه أخذها لعنوان الشاب الذي التقياه سابقا وقبل أن يعبر هو عن صدمته على شكل كلمات مستنكرة ساخطة أخبرته مباشرة بأن هذا الشاب هو أخوها !
عاد محمد من قوقعة ذكرياته مفكرا في أنه من المستحيل أن يسمع شيئا آخر يضاهي في صدمته حقيقة ارتباط المدعو مراد بعائلة الصاوي لا يصدق بأن ذاك العابث الذي ظنه يعاكس ليلى قد اتضح بأنه من عائلتها وربما لو لم يرَ مدى الجدية في وجهها لظنها تلقي عليه مزحة ثقيلة وفي النهاية لم يكن في يده شيء غير تصديقها...
- انت بتفكر في الموضوع صح ومستغرب مننا.
صدع صوتها قاطعا حاجز الصمت فأجابها من دون أي محاولة منه للإنكار :
- بصراحة ايوة من لما قولتيلي وانا مش مستوعب وعماله افكر في حاجات كتير.
فهمت ليلى بأنه يفكر في السبب الذي جعل مراد يعيش بعيدا عن العائلة ومن هي والدته ولماذا يحقد عليهم إلى هذا الحد فتنهدت واسندت نفسها لطرف باب السيارة مطالعة الشوارع وقد رفضت إرضاء فضوله، وهذا ما جعل محمد يسألها :
- وكمان مش فاهم انتي حكيتيلي عن موضوع حساس للدرجة ديه ليه مع انه اكيد حكمت هانم وآدم بيه هيتعصبوا اوي لما يعرفوا انه الخبر طلع لبرا.
- لأني كنت بعرف انك هترفض توديني ليه لو معرفتش انه بيبقى اخويا وطبعا أنا مبقدرش اخرج وأروح لأي مكان لوحدي من غير ما حد يشوفني.
- ده مش كفاية يعني انتي كنتي هتحكي لأي واحد تاني عن الموضوع ده عشان يقبل ياخدك لعند مراد ؟
- لا طبعا مستحيل كنت هروح في داهية.
- اشمعنا أنا يعني.
- لأني بثق فيك.
أجابته مباشرة ومن دون مواربة فاِرتجفت يد محمد التي أمسكت بعجلة القيادة وتلألأت ابتسامة مبهجة على وجهه كتمها سريعا حين نظرت ليلى إليه وقالت :
- بتمنى انك تبقى قد الثقة ديه ومحدش غيرك يعرف بالموضوع.
أماء بتأكيد ورد عليها بكلمات مطمئنة مفادها أنه لن يفسد ثقتها فيه وسيعتبر نفسه لم يسمع شيئا حتى.
وصلا بعد مدة وترجلت هي بعدما منحته ابتسامة بادلها محمد الذي كادت بسمته تشق وجهه غير أنه لم يلاحظ وجود شقيقه الأكبر الذي خرج من السرايا ورأى نظراتهما الملفتة للإنتباه فـاِنتظر دخول ليلى ثم توجه لمحمد وسأله مقتضبا :
- انتو كنتو فين لحد دلوقتي مش المفروض تجيبها في وقت أبكر ؟
- ها ايوة بس كان عندها حصة تعويض وانا استنيتها لحد ما تخلص وجبتها.
- وآدم بيه بيعرف ؟
- طبعا انا اتصلت بيه وقولتله، ليه في حاجة ؟
تساءل محمد بترقب معتقدا بأن أخاه علم بذهابهما لوجهة أخرى فهز فاروق رأسه بنفي وأجابه بجفاء :
- لا مفيش، حلو انك بتعمل شغلك مضبوط بس ابقى طمني انا كمان لأني قلقت لما لقيتك اتأخرت ودلوقتي ارجع للبيت واستريح شويا قبل ما تاخد مناوبتك في الحراسة الليلة ديه.
- حاضر يا ابيه.
** في الداخل بمجرد ولوج ليلى استقبلتها حليمة بقلق وهمست لها :
- ايه اللي عملتيه ده ازاي بتروحي لبيت مراد فجأة ومن غير ما تاخدي الاذن انتي عارفة هيحصل ايه لو الخبر وصل لستك و أخوكي !
جالت ببصرها في المكان حولها كي تطمئن من خلوّه ثم ردت عليها بهمس مماثل :
- بس أنا بعتلك ميسيج وحكيتلك مكنتش هقدر اسيطر على فضولي ومشوفهوش.
- رسالتك قلقتني اكتر يابنتي آدم هيتعصب اوي لما يعرف ده وممكن يقطع رزق السواق بتاعك كمان لانه سايرك وسمع كلامك.
عاتبتها عمتها بلوم وقلق تسرّب للأخرى وهي تتخيل بأنه كان من الممكن أن تُكشف القصة فيُطرد محمد بسببها، وحتى لو لم تكشف اليوم لكن مالذي سيحدث اذا تواجه مراد مع آدم مستقبلا وأخبره بأن أخته الأصغر ذهبت إليه ؟
اضطربت ليلى مفكرة في الأمر بشكل جيد حتى سحبتها حليمة إلى غرفتها وهتفت بنبرة لينة :
- انتي قابلتيه ؟ عمل ايه لما شافك وتكلمتوا في ايه.
جلست على طرف الأريكة وقصّت لها الحوار الذي دار بينهما بالتفصيل وأنهت كلامها وهي تقول :
- أنا مش عارفة اذا الحقيقة ديه ليها داعي ولا لا بس مراد مكنش عنده نية يقتل ابيه آدم ولا حتى كان بيعرف انهم هيطعنوه.
نظرت لها حليمة بذهول مما سمعته ثم هتفت مستدركة :
- انا عاتبت مراد اكتر من مرة على جريمته فحق آدم ليه مقاليش ساعتها انه مخططش يقتله ! ومع ذلك زي ما قولتي الله اعلم لو الحقيقة ديه هتفيدنا ولا لأ.
- كنت هسأله عن مقابلته مع ستي بس تراجعت وهو أصلا مأدانيش فرصة اتكلم لاني أول ما جبت سيرة عمايله في الماضي قام وطردني مع اني كلمته بهدوء.
تنهدت ليلى ببراءة فتأملتها حليمة برفعة حاجب وابتسمت محدثة نفسها :
- اه انا بعرف كويس الهدوء بتاعك بقص إيدي اذا مدخلتيش فيه شمال وطلعتيه عن شعوره ده انتي من عيلة الصاوي وحفيدة حكمت كمان.
________________
عند آدم كان في المحل مشغولا بترتيبات إعادة تصليحه من جديد عندما جاء إليه فاروق وقال بجدية :
- حضرتك أنا دورت في قايمة التجار اللي كنا بنتعامل معاهم قبل كده ودورت في القايمة اللي اداهالنا صفوان الشرقاوي كمان ولقيت كام اسم مشترك مابيينا من اللي عملو مشاكل مع العيلتين في صفقات الشغل فـ هبدأ ادور دلوقتي وراهم ممكن حد منهم يطلع حاقد عليكم وعاوز ينتقم.
- طيب وبالنسبة لمراد ؟
- بعد وفاة والدته خد فترة كويسة وهو حابس نفسه جوا بيته ومبيتعاملش مع حد حتى زباينه راح ألغى كل اجتماعاته معاهم ولسه راجع للشغل من 3 أيام بس يعني احتمال اشتراكه مع البلطجية ضعيف.
استمع له بتركيز وأحس بثقل ينزاح من على صدره بعدما كان يجثم طوال هذه المدة متوجسا من أن يعود ويتواجه ذلك الأخ الأبله وربما هذه المرة سيصبح قاتل أخيه لأنه بالتأكيد لن يتحمل أذية مضاعفة منه، ثم أومأ وربت على كتفه برضا :
- تمام انت لغاية دلوقتي بتعمل شغل حلو ولو استمرينا كده هنقدر نوصله في أسرع وقت.
همهم موافقا ولاذ بصمت متردد التقطه هذا الأخير فقطب حاجباه بترقب وقال :
- في حاجة تانية عايز تقولهالي ؟
- بصراحة أنا مش متأكد.
- انجز يا فاروق.
- حضرتك انت امبارح سمحت لمراتك تنزل للسوق لوحدها مش كده ومن غير حراسة.
تذكر آدم طلب نيجار بالنزول يوم أمس من أجل التبضع وثرثرتها المستمرة فوق رأسه حتى وافق في النهاية ليتخلص منها وبالفعل ذهبت وعادت في المساء.
أجابه بنعم وأمره بالمتابعة لينفذ فاروق ويعترف :
- وصلي خبر أنها قابلت ابن عمها في السوق واتكلموا سوا وكان باين انهم متفقين جدا مع بعض ... أنا مش عارف لو حضرتك بتعرف بلقائهم ولا لأ بس حبيت احطك في الصورة.
هل يمكن لجملة واحدة أن تُلهب أعصابه وتجعل شياطينه تحوم حوله ؟ هذا ما عاشه آدم الذي شعر لوهلة برأسه يلتهب بألسنة نار عاتية وقد تحررت السدود الكابحة لتيارات جنونه قبل أن يهدر بصوت قاتم :
- انت متأكد ؟
- أيوة، وواضح انك مكنتش بتعرف.
لا لم يعلم سوى في هذه الدقيقة، كان كالغرّ الأحمق وهو يسمح لها بالتجول في الشوارع بعدما فكر بأن حبسها زاد أكثر من الازم فذهبت والتقت بالرجل الذي حذرها من التواصل معه أكثر من مرة ثم عادت إليه ضاحكة ببراءة وتقصّ له أحداث يومها غافلة عن أهم شيء وهو لقاؤها بصفوان !!
إذا هل اتفقا من البداية لكي يلتقيا هل تتواصل نيجار مع صفوان عبر هاتفها الجديد بعدما منعها عن ذلك ولكن لماذا لقد تشاجرا سابقا وسمعه بلسانه وهو يطردها ويخبرها بأنها لم تعد من عائلة الشرقاوي اذا هل كانا يخدعانه لكي يأتِ في النهاية ويقترب منه ويصافحه باِسم عهد السلام ؟
حسنا هل كان الهجوم من طرف ثالث حقا أم هي خدعة أخرى.
ومع أن آدم يشعر بأنه ربما يبالغ في تقديره للأمور ولكن لماذا لم تخبره نيجار بلقائها مع صفوان وهي تعلم مدى حساسيته من ذلك لماذا أخفت عنه !!
استمر الشيطان في الوسوسة له واستحضار جميع اللحظات السيئة السابقة بينهما حتى تمكن شرّه منه وهرع إلى السرايا باِنفعال يكاد يفتك به وعند وصوله صعد لغرفتهما وكانت نيجار في لحظتها تمسك بعلبة قطيفة تضم دبلتين وعلى وجهها بسمة حالمة سعيدة ...
انتفضت فجأة اثر الاقتحام العنيف لكن عندما رأته عادت بسمتها واقتربت منه قائلة :
- انا كنت جايبة حاجة مهمة معايا امبارح بس موريتهالكش ساعتها عشان كنت مترددة.
- بجد ؟ وايه هي الحاجة ديه.
لم تلحظ نبرته المتجهمة وتنهدت بحماس بينما ترفع العلبة بين عينيه مرددة :
- دبلتين واحدة ليا وواحدة ليك زي ما انت عارف ظروف جوازنا مسمحتلناش نلبس دبل بس دلوقتي ...
- دلوقتي ؟ دلوقتي ايه الغبي القديم رجع وهتقدري تخدعيه من تاني.
- ايه الكلام ده انت بتقول ايه.
سألته بذهول غير مستوعبة لما يقوله فأشرف عليها آدم بقامته الطويلة وتشدق :
- من غير لف ودوران أنا هسألك سؤال واحد وبس ... في حاجة انتي مخبياها عليا ؟
رمقته نيجار بحيرة واضطراب دون أن تفهم مقصده أو الانقلاب المفاجئ البادي عليه حتى بدأت تعصف بالإدراك رويدا رويدا وهنا ضغطت بأصابعها على العلبة وتمتمت بتقطع :
- انت ... انت عرفت بخصوص صفوان !
أطلق آدم لعنة بذيئة وقد تأكد مما قيل له وهتف :
- يعني طلع جد وأنا زي الغبي مش عارف اللي بيحصل وبتجي تقوليلي خلينا نفتح صفحة جديدة.
نقل نظراته لها وهنا زمجر بصوت خشن وعالي :
- هو اللي زيك بيستاهل فرصة تانية أصلا !!
شهقت من صراخه وعادت إلى الخلف بتلقائية لكنه قبض عليها وتابع بعنف :
- أنا كام مرة حذرتك من انك تشوفيه كام مرة قولتلك متتواصليش معاه قابلتيه ليه و ازاي انتو كنتو بتتكلمو من ورايا طول الفترة ديه ؟
تسربت دموعها كالأمطار من عينيها ونفت سريعا بينما تبر
لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا