رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السادس بقلم سيلا وليد
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
نَظرتِ بطْرفِ عَيناكِ نظرةً أذابَت سنينًا بقَلبي من جَليد…
وليُشهِدَ اللهُ أنِّي ما كنتُ قبلَ نظرتُكِ أدركُ أنَّ في يسارِ الصَّدرِ قَلب .....
*كيفَ لي* ..
أن أُسكِتَ حنينًا بقَلبي
يُعلنُ الانتِماءَ إليِك ..
*كيف أُخِّبئُ* ..
اشتياقًا يُنادي باسمِك..
*وكيفَ أنسَى* ..
حبًّا يُعلنُ أنَّ قلبي لن يكتَفي إلَّا بِك
*كيفَ أُقنعُ عقلي* ألَّا يَنشغلَ بِك..
*ذاكَ هوَ الحُبّ*
لم أقُل إنِّي وقعتُ في حُبِّكَ..
بل قلتُ وجدتُ مَوطِني ..
فليُشهِدُ اللهُ أنِّي بَنيتُ لكَ بينَ أضلُعي سكنًا فَعسى المُقامُ بالمُقيمِ يليق…
توقَّفَت رانيا تدورُ حولها:
وحشتيني يابنتِ عمِّي..مرَّت لحظاتٍ على فريدة وهي تحاولُ استجماعَ شتاتِ نفسها من هولِ المفاجأة، ثمَّ تحرَّكت إلى المقعدِ بجسدٍ جعلتهُ إلى حدٍّ ما منتصبًا، وخطت بخطواتٍ واثقة، جلست تضعُ ساقًا فوقَ الأخرى وشبحَ ابتسامةٍ ساخرةٍ لوَّنت ملامحها تشيرُ بأناملها على رانيا:
بس إنتِ ماوحشتنيش، عارفة ليه يارانيا…أصلِ الحقيرين اللي زيِّك حرام يكون ليهم نقطة شفقة في قلبي..
خطت رانيا بخيلاءٍ إلى جلوسها ترفعُ قامتها بتكبُّر:
حقيرة يافريدة، هيَّ مين منِّنا اللي حقيرة، اللي سرقت حبيب التانية ولَّا اللي عاشت طول حياتها تتمنَّى بس كلمة حلوة، اللي أخدت حبِّ أبوها والعيلة كلَّها واتَّهموني إنِّي شبه أمِّي الوحشة خرَّابة البيوت...أشارت على الفيلَّا قائلة:
بس شكلِك خاطفة راجل تقيل يابنتِ عمِّي ..نصبت عودها وتوقَّفت لتخطو إليها حتى وصلت أمامها:
جاية وعايزة إيه يارانيا…دفنتِك من زمان، ليه راجعة تدوَّري عليَّا تاني.
بنتي يافريدة…
رعشةٌ أصابت عمودها الفقري، لتبتلعَ ريقها بصعوبةٍ تنظرُ إليها بخوفٍ ظهرَ بملامحها، لتتراجعَ للخلفِ تهزُّ كتفها محاولةً السيطرة على انكشافِ أمرِ ميرال:
مالها بنتِك..اقتربت رانيا تُطالِعُها بشكٍّ مردفة:
ودِّيتيها فين يافريدة، أنا متأكدة إنِّك مستحيل تقتليها، قلبِك مايطوِعكيش…
رمقتها بغضبٍ لاحَ بعينيها وهدرت قائلة:
اللي شوفتُه منِّك يخلِّيني أموِّتِك وأموِّت كل اللي يقرَّب من حياتي، فريدة بتاعة زمان ماتت يارانيا، اللي قدَّامِك فريدة هانم السيوفي، يا مرات..
صمتت ترمُقها بنظراتٍ مشمئزَّة:
مرات راجح الشافعي، شوفي إنتِ فين وأنا فين..
كلمات أضرمت النيرانَ بداخلِ رانيا لتقتربَ بنوبةٍ من الحقد والغيرة:
ليه علشان إيه تحصلي على دا كلُّه، حلوة ماأنا حلوة، ليه إنتِ وزهرة أخدتوا كلِّ حاجة، واحدة اتجوِّزت واحد غني وعاشت حياتها كلَّها برَّة، غير القصور اللي امتلكتها، وإنتِ اتجوِّزتي جمال اللي كان أحسن واحد في العيلة وأذكاهم، وأنا في الآخر أتجوِّز حتِّة ظابط بمرتَّب مايكفيش يومين، غير جوازاتُه..تذكَّرت شيئًا:
كنتي تعرفي إنِّ راجح متجوِّز قبلِ عزة مراتُه صح يافريدة؟..
جلست مرَّةً أخرى تنظرُ بأظافرها بتكبُّر ثمَّ هزَّت رأسها بابتسامةٍ ساخرة:
أه أعرف أنُّه كان متجوِّز عليكي يارانيا، أصلُه واطي وحقير وكان دايمًا يجي على الغلابة، راجل عينه فارغه، مايملهاش غير التراب ، بنت كان كلِّ همَّها تصرِف على والدتها المريضة، يسبها في حالها، لا…لازم يقرفها ويهدِّدها علشان مزاجُه، ماهو واطي، نجس حقير كتب عليها عُرفي الحيوان بعد تهديدُه ليها، وياريتُه كان عايز يتجوِّزها كمان لولا تدخُل جمال، البنت أمَّها مااتحملتِش وهي بتشوفها كلِّ ليلة مذلولة لمزاج سي زفت وهوَّ بيعاملها زي الجارية وماتت الأم بحسرِتها، كنتي منتظرة من بنتِ عشرين سنة قدَّام جوزِك الحقير اللي استخدم نفوذه ضدَّها، لجأت لجمال علشان يحميها منُّه ومن ذلُّه وضغط عليه علشان يطلَّقها..
ليه مقولتليش الموضوع دا يافريدة…
كنت هقولِّك بس جمال كان عارف أدِّ إيه إنِّك حقيرة واطية، قالِّي سبيها تشرب من البحر..
قتلتي بنتي يافريدة..
بنت مين يامُّو بنت، بنتِك سبتها على الطريق زي ماسبتي ولادي للكلاب ياخدوهم..
سبتيها فين يافريدة، طمِّني قلبي وقوليلي سبتيها فين؟…
ماعرفش ويالَّه اطلعي برَّة وياريت ماترجعيش هنا تاني.
يعني مش عايزة تقولي ودِّيتي بنتي فين..
ماعرفشِ بنتِك فين ومايلزمنيش أعرف لأنَّها أكيد هاتطلع زيِّك..
حتى لو قولتلِك مكان ولادِك...هزَّة عنيفة أصابت فريدة، استدارت إليها لتصطدِمَ بعينيها المحدَّقتينِ بها باستخفاف..تراجعت متماسكةً بعدما استشفَّت من نظراتها الخديعة:
مش عايزة مبروكين عليكي..قالتها بجمودٍ رغمَ صرخةِ قلبها ..ثمَّ رفعت عينيها ونظرت إليها بقسوة:
هتفضلي تدوَّري على بنتِك العمر كلُّه..
قست ملامحُ رانيا بغضبٍ جحيميّ، فأشارت مهدِّدةً إيَّاها:
هفضحِك قدَّام جوزِك وولادُه…
زمَّت فريدة شفتيها تشيرُ إليها على الفيلَّا:
البيت قدَّامِك لو عايزة أنادي عليهُم ماعنديش مشكلة..
طالعتها بأعينٍ ناريَّة، وظلَّت حربُ النظراتِ بينهما إلى أن قاطعتها فريدة:
نفوذي أقوى منِّك بكتير يارانيا، زمان استضعفتوني إنتِ والحقير جوزِك، اللي ربِّنا هيخلَّص حقِّي منُّكم عن قريب، إمشي اطلعي برَّة..
وصلت إليها رانيا والشرُّ ينبثقُ بعينيها إلَّا أن فريدة قامت بصفعها بقوَّة، بدخولِ مصطفى ليقفَ مذهولًا عمَّا يراه:
فريدة!…استدارت إليهِ تشيرُ عليها:
خلِّيهم يرموا الزبالة دي برَّة يامصطفى..
قالتها وصعدت للأعلى بينما توقَّفت رانيا تطالعهُ للحظات، تنظرُ لهيئتهِ وهيبتهِ التي دبَّت بعضًا من الرهبة داخلها، إلَّا أنَّها تماسكت مستخدمةً أساليبها، ثمَّ اقتربت متصنِّعةً البكاءَ والظلم:
أنا بنتِ عمِّ فريدة بس هيَّ ..أشارَ بيديهِ إليها بالصمتِ ثمَّ هتف:
نوَّرتي يامدام ..قالها ووالاها ظهرهِ بعدَ معرفتهِ بهويتِها.
عندَ إلياس وميرال:
هبَّ فزعًا من نومهِ يردِّدُ اسمها، لم يشعر بنفسهِ وهو يغفو رغمًا عنهُ على المقعد، نهضَ من مكانهِ سريعًا بعدَ حلمهِ بل كابوسهِ المرعب، يبحثُ عنها وجدها مازالت تغوصُ بنومها، تنهيدةٌ عميقةٌ أخرجها من بينِ ضلوعهِ ثمَّ اقتربَ من الفراشِ مع تقلُبها وهي تبتسمُ بنومها كأنَّها تحلُم، دثَّرها جيدًا بعدما انكشفَ معظمِ جسدها أمامَ عينيه، تمدَّدَ بجوارِها يسبحُ بعينيهِ على ملامحها الهادئة، دنا من وجهها وسحبَ أنفاسها الناعمة يستنشِقُها وهو مطبقُ الجفنينِ ثمَّ تراجعَ يحدِّثُ نفسه:
مش هاقدَر أقرَّب منِّك، مقدرشِ ياميرال بقيتي نقطة ضفعي الوحيدة، للأسف قدرتي عليَّا يابنتِ فريدة..
داعبَ وجهها ثمَّ بسطَ ذراعيهِ وجذبها لأحضانهِ وتابعَ همسه:
الليلة بس هقدر أنام وأنا مش خايف أقوم الصبح على حد بيكلِّمني علشانِك، عرسانِك كانت كتيرة يابايرة..
بس عرفِت أتعامِل كويس مع الوضع ..ابتسمَ وهو يقتربُ من أذنها هامسا:
"بتسألي بحبِّك ولَّا لأ…هوَّ الحب يكون حب من غيرك يامعذباني"
ظلَّ يمسِّدُ على وجنتيها إلى أن غفا وكفِّهِ يحتضنُ وجنتها، بعدَ فترةٍ فتحت عينيها بتملُّلٍ تشعرُ بشيئٍ صلبٍ تحتَ رأسها، وفوقَ جسدها، وجدت ذراعهِ الذي يلتفُّ حولها والآخر تحتَ رأسها..طالعت قربهِ بهيام لا تصدِّقُ نفسها وهي بأحضانِه، تذكَّرت أفعالهِ المجنونةِ بالعشقِ معها ليلةِ أمس، نظرت لملامحهِ الرجوليةِ الخشنة وصلابتها، مرَّرت أناملها إلى أن توقَّفت على شفتيه، وتذكَّرت قبلاته، أغمضت عينيها تُراجعُ مشاهدهما وابتسامتها الخجولة تهمسُ لنفسها، أيُعقَل أنَّها أصبحت زوجتِه..زوجتهِ كرَّرتها مع نفسها هامسة:
معقول الراجل اللي نايم دا هوَّ اللي كنت في حضنُه من ساعات، هو إلياس نفسه، معقول بقنا قريبين أوي من بعض كدا، دنت تدفنُ نفسها بأحضانه:
وآاااااه طويلة أخرجتها من ثنايا روحها على ماوصلت إليهِ قائلةً بهمس:
ماعرفشِ حاسس بيَّا ولَّا لأ، بس بحبَّك أوي أوي ..قالتها تتمسَّحُ بصدرهِ كالقطةِ الأليفة، واستأنفت
متأكدة من حبَّك ليَّا، بلاش قسوة معايا ياإلياس، كفاية سنين حرماني منَّك، مش محتاجة غير حُضنك دا بس..لفَّ ذراعهِ يقرِّبُها إليهِ حتى لم يفصِل بينهما سوى الهواء، بعدما استمعَ إلى همسها ثمَّ رفعَ ذقنها يحتضنُ ثغرها بعدما فقدَ سيطرتِه، رفعت ذراعيها تحاوطُ عنقهِ مع قبلتهِ العاشقةِ للروحِ لتشتعلَ نيرانُ العشقِ مرَّةً أخرى ولن يُخمِدها سوى التقارب..
بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ فتحت عينيها تجذبُ ساعتها تنظرُ بها، تراجعت برأسها لمتيِّمَ القلبِ وجدتهُ مستغرقًا بنومهِ يبدو أنَّهُ لم ينم طيلةَ الليل، سحبت نفسها من بينِ أحضانه، وعيناها على وجهه، اعتدلت بهدوءٍ وبداخلها سعادةُ العالمِ كلِّه، جذبت قميصهِ تشتمُّ رائحتهِ بوله، ثمَّ ارتدتهُ وانحنت تدثِّرهُ بالغطاءِ متَّجهةً إلى الحماَّم..
خرجت بعدَ قليلٍ بروبِ الحمَّامِ تبحثُ عن حقيبةِ ملابسها، تحرَّكت للخارج، بحثت بكلِّ مكانٍ متذكِّرةً أنَّهُ جلبها..
تأفَّفت بعدما فقدت الأملَ في الحصولِ عليها..جذبت إسدالها وقامت بأداءِ فرضها، ثمَّ تحرَّكت مرَّةً أخرى للداخلِ تجذبُ قميصهِ الوحيد الموجودَ لديها، وارتدتهُ سريعًا وغادرت خارجَ الغرفةِ تبحثُ بأرجاءِ الجناحِ عن أيِّ طعام، وجدت طاولةً متحرِّكةً تُوضَعُ عليها بعضَ أصنافِ الطعام..رفعت غطاءها..
تنهَّدت متراجعةً على الأريكةِ بعدما حاولت أكلَ أيَّ شيئٍ إلَّا أنَّها لم تستطع.
جلبت هاتفها وفتحت الشرفةَ واتَّجهت تجلسُ ناظرةً إلى أمواجِ البحر، ثمَّ هاتفت فريدة.
عندَ فريدة
قبلَ قليلٍ دلفَ إليها مصطفى وجدها تجلسُ على الأرضيةِ تحتضنُ ساقيها وتبكي بصمت...
جلسَ بجوارِها يمسِّدُ على خصلاتها:
مش هتقدَر تقرَّب منِّك، مش واثقة فيَّا يافريدة ..رفعت عينيها تطالعهُ بحزنٍ سكنَ روحِها:
ماقدرشِ أعيش من غير ميرال يامصطفى، ماقدرش، بدل وصلِت لهنا أكيد عارفة حاجة ...احتضنها:
خلِّيها تثبت إنَّها بنتها، حتى لو أثبتت.. تفتكري ميرال هايكون موقفها إيه..
نزعت نفسها من أحضانهِ بفزع:
لا، حبيبتي ملهاش في الصراع اللي بينَّا..هيَّ ماتستهلِش، انا الحاجة الوحيدة اللي خلِّتني أوافق على إلياس قبلِ معرفتي أنُّه ابني، علشان متأكدة أنُّه هايقدَر على رانيا وراجح، تخيَّل بقى لمَّا يعرَف اللي عملوه فيه تفتكِر ممكن يعمل فيهم إيه؟..
ضمَّها مصطفى يربتُ على ظهرها:
ممكن تهدي، ولازم نفكَّر كويس إزاي هانواجِه إلياس.. الموضوع مش سهل أبدًا يافريدة، رفعَ ذقنها يتجوَّلُ بالنظرِ فوقَ ملامحها قائلًا:
إسلام عرف إن إلياس ابنِك ومش ابني ..هبَّت فزعة واهتزَّ جسدها تهزُّ رأسها برفضٍ لما استمعت إليه:
مستحيل، ليه تعرَّفُه قبلِ إلياس..
نهضَ من مكانهِ محاولًا تهدئتها:
أنا ماعرَّفتوش، هوَّ سمع كلامنا، وجه اتكلِّم معايا، معوَّدهم على الصراحة..
ضيَّقت مابينَ حاجبيها متسائلة:
يعني تغيُّره بسبب معرفتُه!..طيِّب أوعى يكون ناوي يقول لإلياس حاجة..
سحب كفَّها واتَّجهَ إلى الفراش يدثِّرُها:
نامي حبيبتي مش هيقولُّه حاجة، هوَّ خايف على إلياس من صدمتُه، ربنا يستر أنا عاجز ومش عارِف أعمِل إيه..
تشبَّثت بكفِّه:
خُدني في حُضنك يامصطفى، حاسة إنِّي سقعانة…
سقعانة..قالها بذهولٍ ثمَّ جلسَ بجوارِها يضعُ كفِّهِ على جبينها:
إنتِ سُخنة، الجوِّ حر
توسَّدت ساقيهِ تحتضنُها تهمسُ بخفوت:
سقعانة من الوحدة والخوف اللي محاصرني، خايفة من بكرة أوي يامصطفى...همست بها قبلَ أن تذهبَ بنومها:
فاقت على رنينِ الهاتف..تناوَلَهُ مصطفى بعدما أنيرَت شاشتهِ بصورتها.
اعتدلَ مبتسمًا وأجابها:
ميرو حبيبة عمُّو صباح الجمال..
أجابتهُ ضاحكة:
وحشتني أوي ياعمُّو...شاكسها وهو يرى اعتدالَ فريدة وتوَّرُدِ وجهها مرَّةً أخرى بالدموية بعد شحوبها وهي تستمعُ إلى ضحكاتِ ميرال..تابعَ مصطفى قائلًا:
يابكَّاشة، يعني ليلة ووحشتِك، المهم اليأس عامل معاكي إيه؟..
لملمت خصلاتها المتشرِّدة على وجهها بسببِ الرياحِ وأجابته:
إلياس كويس لسة نايم لمَّا يصحى هخليه يكلِّمَك..جذبت فريدة الهاتفَ وتسائلت بلهفة:
حبيبة ماما أنتوا كويسين ..توقَّفت ميرال تتحرَّكُ إلى أن استندت على جدارِ الشرفة:
ماما..شهقة خرجت من جوفِ فريدة تضعُ كفَّها على فمها قائلة:
روح ماما إنتي طمِّنيني عليكي، وعلى جوزِك، إلياس كويس معاكي، ولَّا عمَل حاجة…
تنهيدةٌ عميقةٌ أخرجتها من أشواقِ عشقها له حتى استمعت إليها فريدة لتشعرَ بالريبةِ منها:
إلياس كويس أوي ياماما، ماتوقَّعتِش يبقى كدا، بيحاول يسعدني وبس.
شعرت بالسعادةِ لتنهضَ من جوارِ مصطفى قائلة:
ميرال خلِّي بالِك منُّه أوي، اهتمِّي بيه حبيبتي ماتخلِهوش يشرَب سجاير على الريق، والقهوة يقلِّل منها ياميرال ..اهتمِّي بأكلُه أصلُه بينسى…
ضحكت ميرال وشاكستها:
ماما أنا اللي بنتِك مش هوّّ، المفروض هو اللي يهتم بيَّا ياستِّ ماما، بتوصيني عليه، هو دا عايز حد يهتمِّ بيه!…
والله..استدارت بعدما استمعت إلى صوتهِ خلفها..توَّردَت وجنتيها وهي تراهُ لأوَّلِ مرَّةٍ أمامها بتلكَ الهيئة، كانَ متوقِّفًا بطقمٍ رياضيٍّ شورت وحمَّالة، وخصلاتهِ المبعثرة من نومه..تناست أمرَ فريدة وهي تنظرُ إليهِ بإعجاب..اقتربَ متسائلًا:
بتكلِّمي مين..ابتلعت ريقها تشيرُ للهاتف:
دي دي ..ابتسمَ عليها يجذبُ الهاتفَ
وتحدَّث:
ألووو...نزلت دمعةٌ من عينيها غيرَ مصدِّقةٍ أنَّهُ يحادثُها، حاولت الحديثَ ولكنَّها لم تقوَ، شعرت بثقلِ لسانها مع انسيابِ دموعها للحظاتٍ تهمسُ اسمهِ بثقل:
إلياس عامل إيه ياحبيبي؟..
كويس، بابا عامل إيه وأُخواتي؟..
استدارت إلى مصطفى الذي خرجَ للشرفةِ ليتركها تتحدَّثُ مع ميرال براحةٍ تامَّة:
أجابتهُ بلهفةٍ تريدُ أن تستمتعَ بحديثهِ قائلة:
كويسين، إسلام وغادة لسة نايمين، وبابا برَّة في البالكون، لو عايز تكلِّمُه..
لا، خلاص هكلِّمه في وقتِ تاني ..
هاقفِل سلام..استنى صاحت بها ليتوقَّفَ منتظرًا حديثها، صمتت ولم تعي ماذا تقول..لحظاتِ صمتٍ موجعة لديها إلى أن همست بتقطُّع:
عامل إيه مع ميرال، رفعَ نظرهِ إليها وهنا توقَّفَ على هيأتِها التي لم يلتفت إليها منذُ دخوله، ليجيبها سريعًا:
إحنا كويسين، لازم أقفِل دلوقتي..قالها وأغلقَ الهاتفَ مقتربًا منها ينظرُ حولهُ ثمَّ جذبَ كفَّها ودلفَ للداخل:
إنتِ عايزاني أضربك ولَّا أموِّتك، قوليلي بس علشان أكون مستعدّ.
طالعتهُ بنظراتٍ مستفهمة، أشارَ على ساقيها العارية، وقميصهِ التي تُفتحُ بعضَ أزرارهِ الأولى..
إزاي توقفي برَّة كدا، اقتربَ منها إلى أن استندت على الجدارِ خلفها ترفعُ يدها محاولةً الحديث، ولكن هيأتهِ الغاضبة جعلتها تشعرُ بالخوف، لكمَ الحائطَ بجوارِها واقتربَ يهمسُ إليها بهسيسٍ مرعب:
حذَّرتِك قبلِ كدا وعدِّيت، أقسمُ بالله المرَّة الجاية ..قطعَ حديثهِ بعدما رفعت نفسها تقبِّلهُ وهي تحاوطُ عنقهِ علَّهُ يصمتَ من تهديداتهِ اللامتناهية.
تصلَّبَ جسدهِ من فعلتها المجنونة، وتوقَّفَ حائرَ العقل، ماذا يفعلُ بتلكَ الجنيَّةِ التي أذهبت عقلِه..لحظاتٍ وهي تحاولُ تشتيتهِ لأنَّها تعلمُ بتحذيراتهِ وقسمِه..أغمضت عينيها بعدما حاوطَ جسدها يرفعها لمستواه، ليتولَّى قبلتها المجنونة للحظات ..تركها بعدَ اختناقِها وتحرَّكَ إلى الحمَّامِ بعد ضعفهِ وفقدانهِ لسيطرتِه ..دلفَ ينزعُ ثيابهِ ويُلقيها بغضبٍ من نفسهِ الضعيفةِ أمامها، فتحَ المياهَ الباردةَ لتطُفئَ لهيبَ غضبهِ من حاله، لحظاتٍ مرَّت عليهِ وهو يريدُ أن يهدمَ المكانَ لما شعرَ بهِ من اقترابها..
رغمَ أنَّها زوجتهِ وحبيبتهِ ولكنَّهُ مغلَّفٌ بجمودِ قلاعهِ المستميتة أمامَ حصونها..
بالخارجِ توقَّفت تنظرُ إلى اختفائهِ من أمامها بشرود، ظنَّت أنَّ صباحهم مختلف، تمنَّت الكثير، ورغمَ تنازلها عن كبريائها وبدأت بتقبيلهِ إلَّا أنَّها شعرت بنفورهِ منها.
تحرَّكَت إلى أن وصلت الغرفةَ وتمدَّدت على الفراشِ تحتضنُ نفسها، خرجَ بعدَ دقائقَ يرمقُها بنظرةٍ سريعة، ثمَّ أردفَ وهو يتوقَّفُ أمام المرآةِ يصفِّفُ خصلاته:
قومي إجهزي علشان هنُخرج.
-مش عايزة..قالتها بخفوت، استدارَ مقتربًا منها يطالعُها بصمتٍ ثمَّ هتف:
يبقى ننزِل مصر، قعدتنا هنا مالهاش لازمة.
اعتدلت سريعًا وتحدَّثت غاضبةً مع دموعها التي نزلت رغمًا عنها:
-اتلكِك قول إنَّك مجبور تقعُد معايا، زي ماانجبرتِ على الجواز، بس أنا مش هجبرَك على حاجة ياحضرةِ الظابط،
طلَّقني وأهو ترتاح..
قست عيناهُ وأنفاسهِ التي تعالت..من يراهُ يجزمُ أنَّهُ سَيرتكبُ جريمةً لامحالة ..أطلَّ عليها بجسدهِ وحاورها بعينينٍ كلهيبٍ من جهنَّم:
أسمعِك بس تقولي حرف الطاء من كلمة طلاق دي، أقسم بالله هكرَّهك نفسِك يابنتِ فريدة، أطبقَ على فكِّها يضغطُ عليها بقوَّةٍ حتى شعرت بآلامها من شدَّةِ ضغطه، وانسيابِ عبراتها التي تدحرجت بغزارةٍ من تغيُّرِ حالته.. هدرَ بصوتٍ مرعب:
سمعتي قولت إيه، كلمة طلاق دي لو سمعت حرف منها هاخليكي تتمنِّي الموت ومش تلاقيه، قالها ليدفعُها بقوَّةٍ تهوي على الفراشِ واعتدلَ يشيرُ إليها:
قومي إجهزي هاننزِل نفطر ولو عايزة نلف شوية ماعنديش مشكلة، فاضي للعروسة دلوقتي، ياعالِم بعدِ شوية ماكُنشِ فاضي.
أغمضت جفونها من أثرِ الرجفةِ التي تسرَّبت لجسدِها، اعتدلت تأخذُ أنفاسها بعدما شعرت بانقباضِ صدرها..
توقَّفت واتَّجهت إلى حقيبةِ الملابسِ وقامت بإفراغِها جميعًا على الأرضيِّةِ أمامَ عينيهِ ثمَّ ركلَت ملابسهِ جميعها:
فين هدومي، ألبس إيه؟..مش دي هدومَك أهي..قالتها وهي تركُلَها بقدمِها وتصرخُ بعدما فقدت سيطرتها وانتابتها حالةً من الجنونِ من جمودهِ معها.
اقتربَ منها بعدما وجدها بتلكَ الحالة، حاوطَ جسدها يضمُّها لأحضانهِ يهدهدُها، ولكنَّها ظلَّت تلكمهُ وتصرخُ بوجهه:
بتعمل فيَّا كدا ليه، ليه، علشان إيه دا كلُّه، علشان بحبَّك، ماهو أنا اللي حيوانة إنِّي حبيت واحد زيَّك، واحد جبروت ماشي على الأرض يدوس على خلقِ الله، ظلَّت تلكمهُ وتنتحبُ ببكاءٍ شديدٍ تهزُّ رأسها:
حاولت أكرهَك وماقدرتِش، نظرت إليهِ بدموعها التي أغرقت وجهها:
إحرقلي قلبي دا الغبي، قلبي غبي ياإلياس، ساب كلِّ الرجالة وراحلَك إنتَ…
سحبها بقوَّةٍ لصدرهِ رغمَ كماتها إليه، حاولَ السيطرةَ على غضبها وهمسَ بحنانٍ لأوَّلِ مرَّة:
اشش خلاص إهدي، إهدي ..ظلَّ يردِّدُ لها بعضَ الكلماتِ الحانيةِ إلى أن سكنت بأحضانهِ مع شهقاتها التي تخرجُ من الحينِ للحين، ضمَّها بكلِّ قوَّتهِ وتراجعَ إلى الأريكةِ يتمدَّدُ ويجذبها لأحضانِه ..يعلمُ أنَّها اقترفت أخطاءً لم تتجنَّبها، داعبَ خصلاتِها وبصوتهِ الحنونِ الذي يخصُّها وحدها:
هدومِك في الأوضة التانية حبيت أدَّلع عليكي شوية، بلاش أدَّلع على مراتي..
ظلَّت كما هي تدفنُ رأسها بصدرهِ وشهقاتها مرتفعةٍ لبعضِ الوقتِ إلى أن استمعَ إلى صوتها:
رغم إنِّي بحبَّك بس كنت مستحيل أوافق على الجواز لو إنتَ رفضت، أنا مش هأقدَر أتعامِل معاك كدا، ولو ذنبي إنِّي حبيتَك انتقِم مني براحتك أنا موافقة.
أبعدها عنهُ قليلًا واحتضنَ وجهها الذي انتفخَ من كَثرةِ البكاء، رغمَ بكائها إلَّا أنَّها كانت فتنةٌ خلَّابةٌ اخترقت صمودِه، رفعَ أصابعهِ يزيحُ شعرها الذي التصقَ بمياهِ دموعِها على وجهها، ثمَّ انحنى على ثغرِها يقبِّلُها بكلِّ العشقِ الذي وضعهُ اللهُ بقلبهِ لها، يضمُّها لأحضانهِ ويشدِّدُ عليها يودُّ دفنها بينَ ضلوعهِ وقبلاتهِ التي يتعمَّقُ بها ليثبتَ لها أنَّها الوحيدةَ التي هزَّت كيانِه..ابتعدَ عنها بشقِّ الأنفسِ بعدما سيطرت على جميعِ حواسِه،
دفنت رأسها تبتعدُ عن نظراتهِ بخجل، لأوَّلِ مرَّة تشعرُ معهُ بتلكَ المشاعر، يومًا واحدًا وجعلها تتعلَّقُ بهِ بتلكَ الحالة.. فماذا لقلبِها الضعيفَ بعدَ فترة..
ظلَّ الصمتُ سيدُ الغرفةِ سوى من أنفاسهِ المرتفعةِ التي شعرت بها على عنقها، أغمضت عينيها تستمتِعُ بكلِّ شيئٍ يصدرُ منه، همسهِ الخافتِ في بعضِ الأحيانِ بحبِّها بطريقةٍ غيرَ مباشرة، أنفاسهِ الحارَّة التي تضربُ جسدها، نظراتهِ التي توحي بالكثيرِ والكثير...رجفةٌ كهربائيةٌ تسري بعمودها الفقري بعدما شعرت بأناملهِ فوقَ جسدها ..ارتفعت أنفاسها مطبقةَ الجفنين، وهو يقومُ بفتحِ أزرارِ قميصِه، الذي ترتديه، ارتجفَ جسدها بالكاملِ وشعرت بتخديرِه، بعدما عادَ إلى شهدِ شفتيها مرَّةً أخرى وكأنَّهُ يسقيها من الخمرِ ليذُهبَ عقلها بالكاملِ وتظلُّ تحتَ سطوةِ عشقهِ وحده، دقائقَ من ترانيمِ العشقِ العذبِ وكأنَّهما طيورًا من الكناري الذي يعزفُ لحنهما الأبدي.
بعدَ فترةٍ استندَ على الأريكةِ ومازالت بأحضانهِ يتلاعبُ بخصلاتها يطالِعُها بعيونٍ غيرَ التي كانَ يراها بها، رجلٌ بجبروتهِ انهزمَ أمامَ سحرِ عينيها.
ابتسمَ وهو يراها كطفلةٍ خجلةٍ من والدها بعدَ افتعالها لبعضِ الأخطاء.
رباااه ماالذي أشعرُ بهِ الآن بعدما كنتُ زاهدًا بجميعِ النساء، إلى أن اقتحمت قلبهِ الصحراوي كنسمةِ ربيعٍ لتستقرَّ تلكَ النسمةُ وتكبرُ وتكبرُ حتى أصبحت عاصفة…
لسة زعلانة منِّي؟..هكذا قالها وهو يمسِّدُ على خصلاتِها ..لم تُجبهُ وظلَّت كما هي ..رفعَ رأسها من أحضانهِ
يتعمَّقُ بالنظرِ لوجهها الذي أصبحَ وكأنَّهُ لوحةً مبدعة، ولما لا وقد أبدعَ الخالقُ برسمها لتصبحَ فتاتهِ وسيدةَ قلبهِ الأولى بذاكِ الجمالِ الرَّباني..
داعبَ وجنتيها واحتضنَ عينيها هامسًا بنبرةٍ شجيَّةٍ وكأنَّ الذي أمامها ليسَ هو الذي كانَ منذُ فترة..
ماتزعليش منِّي أنا لمَّا بتعصَّب بفقِد نفسي، وخاصَّةً لمَّا الموضوع يتعلَّق بيكي..
رفرفت أهدابها تبتعدُ من اختراقِ عينيه،
ثبَّتَ وجهها يُبحرُ بهِ كقائدِ سفينةٍ متسائلًا:
زعلانة...طالعتهُ للحظات، ثمَّ رفعت كفَّها على وجهه:
بتحبِّني ياإلياس، وضعت كفَّها على صدرهِ وهي تشعرُ باختراقِ دقَّاتِ قلبهِ لضلوعهِ ورفعت عينيها لعينيه:
دا ليَّا، ولَّا مجرَّد جواز علشان تبني عيلة ويبقى عندَك ولاد، حركت كفَّها مرَّةً أخرى على وجههِ تترجَّاهُ بعينيها:
جوازنا زي ماقولت ياإلياس، زي أي اتنين اتجوزوا وخلاص، أنا زي أي واحدة كان ممكن تتجوِّزها؟..
انحنى لمستواها، يجذبُ عنقها واضعًا جبينهِ فوقَ جبينها..وآاااه حارقة لفحت وجهها حتى شعرت بحرارته:
إنتِ كتلةِ النار اللي جوَّايا اللي ماعرفتِش أسيطر عليها علشان أطفِّيها..
رفعت رأسها تتسائلُ بعينيها التي لمعت بطبقةٍ كرستالية..مرَّرَ أناملهِ على وجهها وعانقها بعينيه:
لو شايفة علاقتي بيكي زي أي حد يبقى الكلام مالوش فايدة..
بتحبِّني؟..قالتها مرة أخرى وهي تطالعهُ بلهفةٍ منتظرةً حديثه:
طبعَ قبلةً أعلى رأسها:
قومي إجهزي علشان أنا جوعت..
تنهَّدت بعدما علِمت بهروبه..
إلياس أنا بحبَّك..نصبَ عودهِ وقامَ بحملها إلى الحمَّامِ ثمَّ أنزلها بهدوءٍ وهي تحاوطُ خصرِه ..رفعَ ذقنها وأردف:
لو عندي شك في حبِّك كنت مستحيل أتجوِّزك، وتأكدي الشعور متبادل،
يالَّه خدي شاور، وأنا هاجهِّز هدومِك، هالبِّسك على ذوقي إيه رأيك؟..
قالها بنبرةٍ هادئةٍ وهو ينظرُ لعينيها.
رفعت نفسها تطبعُ قبلةً على وجنتِه:
متأكدة من ذوقَك..
ضحكَ وتراجعَ للخارج.
عندَ آدم وصلَ إلى منزلِ والدِ إيلين، ترجَّلَ من السيارةِ ودلفَ للداخلِ وجدَ سهام زوجةَ والدها تجلسُ ترتشفُ الشاي..
فين ايلين؟!
توقَّفت مبتسمة :
أهلًا يادكتور، كانِت هنا من شوية، يمكن حد كلِّمها وراحت تشوفه.
انكمشت ملامحهِ بإعتراضٍ تجلَّى بنبرةِ صوتهِ القاسية قائلًا:
اسمعيني كويس، يمكن ماتعرفنيش، بس اللي يقرَّب من اللي يخصِّني أدوس عليه وأعدِّي، انتبهي لكلامِك، اللي بتتكلِّمي عنها مرات آدم زين الرفاعي اللي خطيبتُه تتهان من واحدة مش معروف أصلها وفصلها.
بغضبٍ لوَّنَ ملامحها هتفت بنبرةٍ فظَّة:
لا، أوقف عوج واتكلِّم عدل يادكتور، إنتَ في بيتي و...أشارَ إليها بالصمتِ وأجابها بلهجةٍ متكبرة:
بيت مين ياست إنتِ، أشارَ بيديهِ على البيت:
دا بيت مريم وايلين، إنتِ هنا ضيفة ومالكيش غير هدومِك اللي لبساها…
آدم…صاحَ بها محمود والد إيلين واقتربَ منهُ ينهرهُ غاضبًا:
إنتَ اتجنِّنت بتهين مراتي جوَّا بيتها…
تشعَّبَ الغضبُ بداخلِ آدم ولم يعيرُهُ اهتمامٍ ليصيحَ بصوتٍ مرتفع:
إيلين..كانت تجلسُ بالحديقةِ الخلفيةِ التي ترعاها بنفسها، هرولت للداخلِ عند سماعَها لصوته، توقَّفت على بُعدِ بعضِ الخطواتِ تهمسُ اسمه:
آدم ..بسطَ كفِّهِ إليها:
تعالي لازم تمشي من البيت دا، كدا كدا الفرح بعد شهر، لازم تيجي علشان تشوفي الشقة وتفرشيها على ذوقِك..
ضيَّقت عينيها تطالعهُ بتساؤل:
ليه؟!...اقتربَ بعدما شيَّعَ والدها بنظرةٍ مُخذية قائلًا:
خالِك عايزِك هناك، وكلِّم باباكي واتفق على كلِّ حاجة، مش كدا ياعمُّو؟..
اتَّجهت إيلين تنظرُ لوالدِها بصدمة، كيف يفعلُ بها ذلك، يُلقيها إلى خالها قبلَ قبلَ زواجِها، لم يكترث لفرحةِ خروجها من منزلِ والدها، نعم كعادتهِ تركها لهُ كاليتيمةِ التي ليسَ لديها أقارب…
اقتربت من والدها تسألُه:
يعني إيه الكلام دا؟!..
نظرَ للأرضِ مبتعدًا بنظراته، إلى أن قطعت زوجتهِ حديثها:
الفلوس ضاعت بتاعة جهازِك، والدكتور مش محتاج، يبقى تُقعدي هنا ليه، همَّا أولى بيكي كدا كدا هاتتجوِّزي، وأهو آدم مش غريب اختتمت حديثها تشيرُ على آدم:
مبروكة عليك يادكتور، يبقى إبعتلِنا كارت دعوة…
أطبقت على جفنيها تشعرُ بالإهانةِ من حديثها الذي ذبحَ روحها، اقتربَ آدمُ يحتضنُ كفَّها ثمَّ شيَّعَ والدها بنظرةٍ قائلًا بنبرة فظة:
مش عايزين منكم حاجة ولولا العيبة مكنَّاش محتاجينكو في الفرح ...قالها وسحبَ إيلين وتحرَّكَ للخارج…
خطت بجسدٍ بلا روح كجثَّةٍ لفظت أنفاسها، حاوطَ أكتافها بعدما توقَّفت تنظرُ إلى منزلِ والدها تودِّعهُ بدموعِ عينيها، المنزل الذي يحتوي ذكرياتِ والدتها الحنون، تحرَّكَت سهام لتغلقَ البابَ بوجهها، شهقةٌ خرجت من فمها ليضمُّها لأحضانهِ محاولًا تهدئتها:
إيلين أرجوكي بلاش عياط، سيبِك منها دي حيوانة ..أمي ياآدم ذكريات أمي هنا، أخدِت كلِّ حاجة..
احتضنَ وجهها ينظرُ لرماديتها:
إيلين حبيبتي ممكن تنسيها، مش عايزِك تعيَّطي على حاجة مش مستاهلة، ولو على ذكرياتِ عمِّتو، بكرة من الصبحِ هابعت حد مع مريم تجمَع كلِّ حاجة تخصُّكُم.
دفنت نفسها بأحضانهِ وبكت بنشيج،
ربتَ على ظهرها محاولًا تهدئتها، حاوطها وتحرَّكَ إلى سيارتهِ ليغادرَ بها المكانَ بأكمله.
عندَ اأسلان وصلَ إلى المكانِ الذي ينتظرهُ بهِ إسحاق، ترجَّلَ من السيارةِ وفتحَ بابها يساعدُ والدها بالنزول، رفعَ نظرهِ إليها يشيرُ على المدخل..
تحرَّكت بجوارهِ إلى أن وصلَ إسحاق،
أومأَ اسحاق برأسهِ لمحمود:
إزاي حضرتَك؟..
أهلًا بيك ياباشا، سحبَ كفَّ أرسلان متحرِّكًا:
إنتَ عملت إيه، إزاي قدرت تقنعُه بالسرعةِ دي؟…
تحرَّكَ بجوارهِ وتحدَّثَ متهكِّمًا:
إيه إسحاقو مش واخد بالَك من اللقب ولَّا إيه، معاك رجلُ العقاب ياسيدي…
حاوطَ كتفهِ وتحرَّكَ يضحكُ عليهِ بصوتٍ مرتفع..كان يسيرُ محمود والدُ غرام خلفهم وعيناهُ تتابعُ تحرُّكِهم ومُزاحِهم مع بعضهم البعض، تذكَّرَ حديثهِ لابنهِ زياد بعدَ مغادرةِ أرسلان من منزله:
خد حبيبي الاسم دا ابحث عنُّه كدا
شوفُه مشهور ولَّا إيه…
أمسكَ زياد البطاقةَ الخاصَّةَ بأرسلان وبحثَ عنهُ عن طريقِ شبكاتِ التواصلِ الاجتماعي، رفعَ نظرهِ لوالدِه:
دا من عيلة غنية أوي يابابا، عندُه نادي مشهور أوي في مدينتي، بص باباه دا..ودا عمُّه، بس ماعرفشِ مين دول، همَّا كاتبين تحت فاروق وإسحاق الجارحي وأسرِتُه،
استنى هاشوف صفحتُه الشخصية، أو الإنستا، ظلَّ يقلِّبُ إلى أن وصلَ إلى صفحتهِ وأردف؛
ليه أخت في أولى جامعة بس، علاقاتهِ محدودة مفيش غير عمُّه بس في معظمِ ظهوره، بس فيه حاجة لفتت نظري يابابا..طالعهُ والدهِ منتظرًا حديثه:
هتفَ يشيرُ إلى الأدعيةِ والآياتِ القرآنية، يعني شكلُه عارف ربِّنا يابابا، شوف صورُه كلَّها في أماكن كويسة…
خرجَ من شرودهِ على احتضانِ ابنتهِ لكفِّه:
بابا أنا مش عايزة..حاوطَ والدها أكتافها وتحرَّكَ خلفهم:
حبيبتي أنا استودعتِك عند ربنا، وشكلُه ابنِ حلال، نظرت إليهِ بخوفٍ وهو يتحدَّثُ مع إسحاق ويضحك:
شكلَك حافظ العمارة والمأذون ياإسحاقو، إنتَ متجوِّز على دينا ولَّا إيه؟..
لكزهُ بجنبهِ مردِّدًا:
إمشي ياأهبل وبطَّل كلام كتير، توقَّفَ لدى الشقةِ التي يقطنُ بها المأذون ليلتفتَ بعدما استمعَ إلى صوتها:
لا..أنا مش موافقة، بابا تعالَ نمشي من هنا، ونرجَع الصعيد هناك هيحمونا..
صعيد..قالها أرسلان يطالعُ عمِّهِ بذهول..أومأَ بعينيه:
-وعليه تار، إتلم خلِّي الليلة تعدِّي، اقتربَ إسحاق منها ..انكمشت متراجعةً إلى أحضانِ والدها، فرفعَ يدهِ إليها:
خلاص إهدي، براحتِك اتفضلي إرجعي، قالها وهو يشيرُ إلى الدرجِ ثمَّ التفتَ إلى أرسلان:
كنت هتتجوِّز واحدة غصبَ عنَّها هوَّ أنا ربيتَك على كدا؟!..
تأفَّفَ بضجرٍ من كلماتِ إسحاق، رغمَ أنَّهُ يعلمُ إلى مايرمي به، ولكنَّهُ شعرَ بالاختناقِ ليقتربَ منها:
بصِّي يا..صمتَ محاولًا أن يتذكَّرَ اسمها، فهتفَ إسحاق غرام هتفضحنا يخربيت عقلَك..
غرام أنا فهمَّتِك على كلِّ حاجة، مش عاجبِك براحتِك…
إنتَ مخابرات يابني؟..أردفَ بها محمود وهو يدقِّقُ النظرَ بعينيه..
هزَّ رأسهِ بالنفي سريعًا وأطلقَ ضحكةً ساخرة:
مخابرات إيه بس ياعم محمود، ليه بتقول كدا ..
أومال ليه عايز تتجوِّز بنتي يابني بالطريقة دي وتسافِر بيها؟…
ليه همَّا المخابرات بس اللي بيتجوِّزوا؟..
لا مش قصدي، بس غامضين ومركز ودخولَك لبنتي وإنَّك تاخدها يبقى أكيد منصِب أعلى من اللي كانت فيه.
عم محمود اسمعني..عندنا مشكلة وحلَّها في جواز أرسلان، وزي ماقولت لحضرِتَك بنتك بنتنا وعمرنا ما هانفرَّط فيها، إحنا عندنا بنات وزي ما أرسلان قالَّك أنُّه معجب بالبنت ..تقابلت أعينهُم للحظاتٍ ثمَّ تراجعَ مستندًا على الجدارِ يهمس:
إسحاق أنا خُلقي ضيِّق، هضربه هو وبنته ..أومأَ لهُ باطمئنان..
ظلَّ الحديثُ لبعضِ الدقائقَ إلى أن زفرَ أرسلان مع دلوفهم بعدَ إقناعها.
بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ توقَّفَ أمامَ منزلها لخروجها عروسًا أمامَ أهالي المنطقة بعدَ شرطِ والدها بذلك ..استقلَّت بجوارهِ السيارةَ التي انطلقت بهما إلى المطار منهُ إلى روما
بعدَ مرورِ عدة ساعاتٍ :
وصلا إلى الفندقِ الذي سيقضي به شهرَ عسلهِ المزعوم، خلَّلَ أناملهِ الخشنة بأناملها الرقيقةَ وتحرَّكَ بقامتهِ بشموخٍ وكبرياء، تليقانِ بشخصِه، توقَّفَ لدى الاستعلامات وخلعَ نظارتهِ يتحدَّثُ باللكنةِ الإيطالية، يستعلِمُ عن جناحهِ الخاص..
وصلَ بعدَ قليل ودلفَ لجناحهِ الذي يُعتبَر من أرقى الأجنحة بهذا الفندق، تطلَّع بعينيهِ الصقرية في كلِّ جانبٍ بالجناح، ثمَّ أشارَ إليها بالدخول:
إنتِ مصدَّقة إنِّك عروسة ومُنتظرة العرض اللي المجانين بيعملوه وأشيلِك وكدا..تؤ يا..صمتَ يشيرُ بيديه:
إنتِ قولتيلي اسمك إيه؟…قامت بنزعِ طرحةِ زفافها تلقيها أمامهِ وهرولت لأوَّلِ غرفةٍ تُغلقها خلفها دونَ حديث..شهقَ بتصنُّع قائلًا:
البت اتجنِّنت.. دخلت وماردِّتشِ عليَّا، معقول بتعملِّي مفاجأة ليلة الدخلة ..قطعَ حديثهِ مع نفسهِ رنينَ هاتفه، رفعهُ ينظرُ لشاشتهِ بابتسامةٍ ساخرةٍ مجيبًا:
هوَّ حضرتَك قضيت شهرِ عسلَك في إيطاليا قبلِ كدا؟..
قهقهَ إسحاق قائلًا:
إيه ياعريس ببارِك، وبقولَّك سبع ولَّا ضبع؟..
قوَّسَ فمهِ متذكِّرًا مافعلتهُ تلكَ الفتاة فأردفَ متهكِّمًا:
أه والعيال بتلعَب في الشارع..
ارتفعت ضحكاتُ الآخرِ لتصُمَّ أذنيه، فهتفَ من بينِ ضحكاته:
لئيم ياصقورتي تتجوِّز في يوم وتخلِّف في نفسِ اليوم وعيالَك يلعبوا في الشارع كمان..
ابتسمَ الآخرُ على حديثهِ قائلًا:
فيه جديد؟..أجابه:
أه..صمتَ يستمعُ إليهِ فهبَّ من مكانهِ متسائلًا:
إلياس ياخدُه ليه؟..
أجابهُ متهكِّمًا..
بيرُدّ الزيارة، على العموم كنت متوقِع من إلياس كدا، حاولت أفهِّمك طبعُه، بس إنتَ اللي عملت سبعِ الليل، ماتقلقش، بعت لإلياس..
انتظرَ حديثهِ متسائلًا:
وقالَّك إيه؟...ضحكَ الآخرُ قائلًا:
ابنِ السيوفي عايز زيارتي باين، وبيعمِل تقيل شكلُه فاهم اللعبة، حرَّص وخلِّي بالك من نفسَك، فيه واحد كان على طيارتَك، حجز قبلِ ميعادِ الطيَّارة بنصِّ ساعة، إنتَ فاهم معنى كدا إيه..
حكَّ ذقنهِ عندما فطنَ مايرمي إليه ثمَّ ابتسمَ قائلًا:
مرحب وناخد بعض بالأحضان..
لا ياخفيف أحضُن عروستَك ..هنا استمعَ إلى تحطيمٍ بالداخل، فهرولَ يدفعُ البابَ بقدمهِ بقوَّة، حتى انفتحَ وتوقَّفَ مذهولًا لما رآه، وجدها مزَّقت الفستان وألقتهُ بالأرض ..حركتها الهوجاءَ جعلت نيرانُ غضبهِ تزدادُ بداخله..كوَّرَ قبضتهِ محاولًا السيطرة على أعصابهِ من تلكَ الشرسة..
رفعَ عينيهِ إليها وتساءلَ بهدوءٍ رغمَ بركانهِ الكامنِ بصدره:
عملتي كدا ليه، إنتِ عارفة إحنا فين أصلًا، دا فندق مش بيدخلُه غير الناس الراقية، لمَّا يسمعوا حركاتِك دي يقولوا إيه..
إمشي اطلَع برَّة..قالتها وهي تدفعهُ بعنف ..قامَ بنزعِ ربطةِ عنقهِ وومضت عيناهُ بلمعةِ تحدِّي يشيرُ إليها:
ماتنسيش نفسِك، إنتِ مين علشان تقوليلي أطلع برَّة، اسمعي علشان ماليش خُلق ..إنتِ مراتي أه بس ورق، حتى لو مراتي حقيقي مالكيش إنِّك تكلِّميني بالطريقة دي، أوضتِك اللي جنبِ دي يالَّه اطلعي عايز أنام، ولمِّي الفستان..
تراجعت للخلفِ إلى أن وصلت إلى البابِ وتحرَّكت سريعًا للخارج..
جلسَ يزفرُ بأنفاسٍ حارقة، يهمسُ لنفسه:
وبعدهالِك يااسمِك إيه شكلِك هاتتعبيني..
عندَ إلياس وصلَ إلى الشاطئ بعد تناولِهم طعامَ الإفطار، عانقَ كفَّها وتحرَّكَ على الشاطئ:
لسة بتحبِّي قعدةِ البحر.. رفعت رأسها إليهِ تهزُّها قائلة:
أوي، البحر دا بحسُه بير أسراري.
توقَّفَ ينظرُ لتقلُّبِ الأمواجِ قائلًا:
خلِّي بالِك بس علشان غدَّار وموجُه بيقلِب بسرعة، ماتدِلوش الأمان أوي..
احتضنت ذراعهِ ووضعت رأسها عليهِ متمتمة:
لا، البحر صاحب صاحبُه، يعني اللي يفهمُه صح مش هيخاف.
طالعها مستغربًا حديثها:
اللي هوَّ إيه مش فاهم ..أشارت إلى الأرضِ بعدما تجوَّلت بالمكانِ قائلة:
ينفَع أقعد على الأرض؟..الشاطئ مفيش ناس هنا..
أومأَ وجلسَ ثمَّ أشارَ إليها بالجلوسِ أمامهِ ليحتويها بين ذراعيه ..شعرت بالسعادةِ من طلبِه ..جلست وفردت ساقيها تستند بجسدها عليه تنظرُ إلى البحرِ بصمتٍ تتذكَّرُ طفولتهما وكأنَّهما يتحرَّكانِ أمامها،
رجعت برأسها عليهِ تشيرُ للموجِ الذي ارتفع:
شايف الموج علي فجأة إزاي...كانَ ينظرُ بهاتفهِ ولم يستمع إلى حديثها، استدارت برأسها بعدما وجدت صمتِه:
بتعمِل إيه؟..
رفعَ رأسهِ من فوقِ الهاتفِ وأجابها:
بشوف الأخبار، استدارت تجذبُ منهُ الهاتفَ بغضبٍ وتمتمت:
يعني بكلِّم نفسي وحضرتَك بتقولِّي شغل، حتى في شهر العسل!..
أشارَ إليها:
هاتي الفون ياميرال، رجعت بهِ للخلفِ تهزُّ رأسها بالرفض:
مش هاتاخدُه ياإلياس، من حقِّي يكون وقتَك ليَّا وبس، أومال لمَّا نرجع، انحنى يجذبُ الهاتفَ من كفِّها، جفلَ من أفعالها الطفولية، أمسكَ الهاتفَ وتابعَ مايفعلهُ دونَ اهتمامٍ لحزنها، انسحبت من أحضانِه، وجلست على بُعدِ خطوةٍ تنظرُ بصمتٍ للبحر، وتكوَّرَت عبراتها بالدموعِ تهاتفُ نفسها:
هايفضَل زي ماهوَّ..تنهيدةٌ عميقةٌ أخرجتها من ذلكَ الرجلَ الذي يثيرُ بداخلها مشاعرَ متضاربة، بعدَ دقائقَ وهي شاردةٌ بمنظرِ البحر، شعرت بهِ خلفها يلفُّ ذراعيهِ حولَ جسدها ويجذبها بتملُّك لأحضانه يهمس بجوار أذنها
-دلوقتي ملك ايديكي، رفعت رأسها تطالعه متمتمة
-إنت مش ملكي ماتضحكش على نفسك، حتى مش قادر تحسسني بأهميتي في حياتك، وضع أنامله على شفتيها وتحدث
-لو زي مابتقولي مكنتش عملت شهر عسل
-وليه عملت شهر عسل ياترى
لملم خصلاتها وابتسامة خلابة تجلت بملامحه
-علشان أجمع اوقات حلوة معاكي، احتضن أحشائها يكفيه وأكمل وعيناه تتعمق بالنظر بعيناها
-علشان نحكي ذكريات حلوة لأولادنا إن شاءالله،
-ولادنا ...قالتها وهي تضع كفيها فوق كفه
-متجوزين علشان نجيب ولاد بس ياإلياس ..قرص وجنتيها
-بطلي غباء ياميرال، حاوط جسدها يفتح هاتفه
-شوفي كدا علشان شوية الغباء اللي عندك ..قلبت بهاتفه، لتجد الكثير من صورها، رفعت عيناها تهمس له
-صوري، ليه بتعمل فيا كدا، أخذ الهاتف ثمَّ قامَ بفتحِ مشغِّلَ الأغاني على أغنيةِ العندليب حبَّك نار..
تراجعت بجسدِها لتصبحَ بأحضانِه، بعدما صمت ينظر للبحر، دون أن يجيبها، سحبت نفسًا و أغمضت عينيها تستمتِعُ بصوتِ الموجِ مع صوتِ العندليب، انحنى مستندًا بذقنهِ على رأسها، لفحتهُ رائحتها الخلَّابة التي دغدغت مشاعرِه، شعرَ بخفقانٍ لذيذٍ كإيقاعٍ موسيقيّ، ازدادَ بريقُ العشقِ بنظراتهِ وهو يسبحُ بالنظرِ على ملامحها، رفعت كفَّها على وجههِ متسائلة:
حلوة وعجباك..استندَ بجبينهِ وتنهَّدَ بغرامها الذي يسري بأوردَتِه:
أوي، حلوة وجميلة وتاخدي العقل.
طيِّب ودا ماأخدوش؟..
قالتها وهي تضعُ كفَّها موضعَ نبضِه..
رفعَ كفَّها يقبِّلهُ مبتسمًا، وأشارَ إلى البحر:
اشتكتيني للبحرِ كام مرَّة؟..
لوَّحت بيديها قائلة:
كتير أوي، بلاش أعدِّلَك وترجَع تقول نكدية..
عمري ...قالها وهو يهمسُ أمامَ شفتيها..تبسَّمَت لهُ وقلبها أصبحَ كطبولِ حربٍ من تغيُّرهِ في بعضِ الأحيان..كنت محتفظ بصوري ليه
-عادي مجمع صور العيلة كلها
متقولش كدا علشان مزعلش منك بجد
نزل بنظره اليها
عايزة تسمعي ايه، سحبت بصرها بعيدا عنه ولكنه عادت إليه بعدما همس
-اشتياق ياميرال
-اشتياق!! همست بها وهي تنظر لعيناه الذي يحاول أن يخفي لمعة الحب بهما وتسائلت
-كنت بتشتاق لي ..ابتسم بعدما وجد ارتجاف شفتيها ليقترب هامسا
-جدًا جدًا، ارتحتي كدا ...اومأت له برأسها مبتسمة، انحنى لمستواها
-طيب جنانك اللي قبل الفرح ورفضك اقول عليه ايه
-تخبيني في حضنك، ارتفعت ضحكاته على كلماته ليضمها متمتمًا:
-اخبيكي من الدنيا كلها بس خايف حضني اللي يأذيك
-راضية بأذيته انت مالك
طبع قبلة أعلى رأسها
-خايف عليكي من نفسي، خايف اخسرك، رفعت رأسها
-لو خايف عليا بلاش تبعدني عن حضنك، دا أكبر أذى ليا
-مقدرش ابعدك إلا إذا انت اللي بعدتي
دفنت رأسها بصدرهِ وتمنَّت أنَّ الحياةَ تتوقَّفُ هنا ..همست وأنفاسها الناعمة تغازلُه:
عمري ماهبعد طول ماانا بحبك،
راقت له كلماتها ليجيبها
-وأنا هحميكي من نفسي على قد ماأقدر، مستحيل ابعدك عن حضني تأكدي، دنى إلى أن لمس ثغرها بخاصته
-من إمتى دا بينبُض باسمي؟..
اعتدل بجسده متراجع يستند بكفيه على الشاطئ لحظاتٍ وهو يحاورُها بعينيهِ بكثيرٍ من المشاعر، ثمَّ أطلقَ تنهيدةً حارَّةً أحرقت ضلوعهِ بنيرانِ عشقها المكنونَ بقلبِه..
مرَّرت أناملها على صدرهِ بعدما وجدت صمته:
عارف من إمتى وأنا بحبَّك؟..
ابتسمَ منحنيًا يهمسُ لها:
عارف كلِّ حاجة، وحاولت أكرَّهِك فيَّا، بس ربِّنا كان رايد تكوني معايا..
ليه ياإلياس ليه عذِّبتني؟..
تراجعَ ونظرَ للبحرِ بصمت.. أشارت إلى هاتفهِ وتساءلت:
طيِّب ممكن تقولِّي ليه الأغنية دي ولَّا مش من حقي أعرف، مايمكن حضرتَك بتحبِّ واحدة تانية..
ضحكَ عليها بصوتٍ مرتفعٍ ثمَّ انحنى يحتضنُ ثغرها مداعبًا أنفها وهو يقول:
لأن حبِّك نار فعلًا ياميرو..
اعتدلت وجلست على ركبتيها أمامه:
ياااه ميرو من زمان أوي ماقولتهاش بالطريقة دي، وبعدين أنا حبِّي نار في إيه؟!..
آلمهُ سؤالها، بماذا يجيبها..
تسطَّحَ على الرمالِ يضعُ كفَّيهِ تحتَ رأسِه، اقتربت منهُ تضعُ رأسها فوقَ صدرهِ دونَ خجلٍ وهمست بضعفٍ هزَّ كيانِه:
عارفة إنِّي زهَّقتَك وكنت بتضايق منِّي، كسرتني كتير علشان كدا كنت ناوية أنقل بيت جديد، كنت بهرَب من حصارك.. رفعَ كفِّهِ يمسِّدُ على خصلاتها ثمَّ تنهَّد تنهيدةً عميقةً وهو يطبقُ على جفنيهِ متذكِّرًا تلكَ الليلةِ بعدما ألقت قنبلتها بتركِها البيت، اعتدلت تستندُ بذقنها على صدرهِ تنظرُ لعينيه:
قولِّي ليه كنت مضَّايق منِّي وكنت مرحَّب بنقلي، للدرجة دي ماكُنتش فارقة معاك، كنت كارهني أوي كدا!..
ابتعدَ بنظرهِ عنها بعدما اعتدلَ ينفضُ كفَّيهِ من التراب، أدارت وجههِ تتعمَّقُ بعينيهِ علَّها تجدُ بها مايريحُ قلبها:
ليه كنتِ كارهني أوي كدا، عملت فيك إيه؟..بتكرَهني صح، كنت بتكرهني علشان ماما اتجوِّزِت والدَك، أنا عارفة كلِّ حاجة، سمعتَك وإنتَ بتقولَّها علِّمي بنتِك بدل ماتتعلِّم تكون نسخة وتبيع عيالها.. تقصُد إيه ياإلياس…
ماما عملِت إيه خلِّتَك تكرهها وتكرهني معاها؟..
تعلقَّت عيناهُ بعينيها، وهو يقاتلُ بضراوةٍ دقَّاتهِ العنيفةِ التي تضربُ صدرهِ بعنفٍ وهو يرى دموعها التي نزلت على صدرهِ كالبلُّورِ الذي يشحذهُ دونَ رحمة:
أنا ماكرهتكيش..ليه بتقولي كدا؟!..
أفلتت ضحكةً ساخرة، مبتلعةً غصةً بطعمِ مرارِ الأيامِ التي كان يعاملُها بها:
أومال كنتِ بتحبِّني، تيجي نحسب كام ليلة نمت معيَّطة فيها بسببَك..
ميرال بطَّلي كلام مالوش لازمة مش عايز كلام وإنتِ ماتعرفيش حاجة.
دنت منهُ تحاوطُ وجههِ متسائلةً بلهفة:
إلياس إيه اللي بينَك وبين ماما؟..
أشاحَ بعينيهِ بعيدًا ينظرُ إلى البحرِ:
مش قولتلِك من شوية البحر غدَّار زي ناس كتيرة في حياتنا..
ماما مش غدَّارة ياإلياس ومش هاسمحلَك تهنها مرَّة تانية.
توقَّفَ يَبسطُ كفِّهِ ليساعدها بالتوقُّف:
قومي علشان نخرج نلفِّ شوية وأفسَّحِك بدل ماتقولي حابسِك..
توقَّفت بعدما فقدت الأمل في الحديثِ معهُ بعدما تبدَّلت ملامحهِ للتجهُّمِ وببراعتهِ المعتادة أوقفها عن الحديثِ وهو يحاوطُ جسدها ويتحرَّكُ للداخل، دلفَ يشيرُ إليها:
غيَّري هدومِك وإجهزي.. هزَّت رأسها وتحرَّكت دونَ حديث.
عندَ فريدة:
قبلَ قليلٍ بعد إغلاقها الهاتف اتَّجهت إلى الشرفةِ بعد مغادرةِ زوجها لعملِه، دلفت الخادمةُ بمشروبها لتحتسي بعضهُ وتنظرَ بشرودٍ لحديقةِ فيلَّتها..
ذهبت بذكرياتِها للماضي..
فلاش باك:
دلفت غادة ببعضِ الأوراقِ بيدها مبتسمة: شوفي جبتلِك إيه
وضعت ميرال على الفراش وتوقَّفت تُطالِعُها باستفهام..
إيه دا؟!..
جلست غادة بعدما ناولتها الأوراق:
دي أسماء كنيتِك الجديدة، فريدة عز الدين..اسم بنتِك بقى غيَّرتُه أعذريني..
دلفَ إلياس إليهما:
مامي عايز أشوف ميرو، داعبت فريدة خصلاتِه، ثمَّ رفعت عينيها إلى غادة:
سمِّتوها إيه؟..توقَّفت غادة مردِّدَةً:
مش هيَّ كانت مثبَّتة بمروة، أنا غيَّرتها زي ماإنتِ كنتي بتناديها ميرال، اتَّجهت إلى إلياس وتابعت ضاحكة:
سألت إلياس نسمِّيها مروة ولَّا ميرال قالي ميَّار، خلِّيت مصطفى يكتبها ميرال جمال الدين زي ماطلبتي أهو، مش جمال الشافعي.
اقتربت من غادة وتلألأت عيناها بنجومها، وهي تحتضنُ كفَّيها:
لو كان عندي أخت ماكَنتشِ هاتعمل اللي عملتيه معايا، شكرًا ياغادة بجد.
سحبتها وأجلستها بجوارِها:
قوليلي صحيح إنتِ ماعندكيش أخوات خالص؟..
هزَّت رأسها بحزنٍ أطلَّ من عينيها بالنفي قائلة:
أنا وحيدة كان ليَّا أخ ومات وهوَّ عشر سنين، قبل ولادتي والدي ووالدتي اتوفوا في حادث سير، وأنا عندي خمس سنين..عمِّي اللي ربَّاني، ابتسمت من بينِ أحزانها:
عمِّي كان حنيِّن أوي عليَّا، ماكنشِ عندُه غير صبي واحد، إتجوِّز أوَّل مرَّة خلَّف رانيا..بس مامتها ماعجبتهاش العيشة وطلبت الطلاق واتجوِّزت واحد تاني، وهوَّ إتجوِّز واحدة طيِّبة كانت بتعاملني زي بنتها، ربِّنا رزقها بولد سمِّتُه زين علشان كان زين الرجال فعلًا، وبنتين توأم كانوا أصغر منِّي بحوالي عشر سنين، وكانوا جُمال أوي شبه عمِّي الله يرحمُه، نظرت إليها وبدأت تقصُّ عليها حياتها دونَ إخفاءِ شيئ، استطردت باقي حديثها:
كنت أنا ورانيا وزهرة ونورة صُحاب، رانيا كانت أكبرنا وكانت عاملة علينا ريِّسة..قالتها متهكِّمة، ماكنتش بتحبِّ زهرة خالص، علشان عيونها كانت لوالدتها ..حياتنا كانت حلوة، رغم كنت يتيمة بس عمِّي وطنط أميرة ماحسِّسونيش باليُتم، كانت دايمًا تقولِّي إنتِ أختهم الكبيرة من عقلِك، رانيا من صُغرها وهيَّ كانت حقودة أوي بس من طيبتي مالاحظتِش، زين كان أصغر منِّي بتلات سنين، بس هوَّ لمَّا خلَّص الجامعة عمِّي سفَّره برة، كان بيدرس وبيشتغل في نفسِ الوقت، وفضلت أنا والبنات مع بعض، لحدِّ ماطنط أميرة ماتت، بعد موتها بفترة جمال خطبني، أصلِ جمال بيكون ابنِ أخو طنط أميرة، وكان بيحبِّني من وأنا في إعدادي وكلِّم عمِّي عنِّي، بس عمِّي رفض وقالُّه لازم تخلَّص تعليمها، دي يتيمة يابني وأنا ماقدرش أقِّل معها زيها زي أخواتها..
أفلتت ضحكةً مع عبرةٍ غائرةٍ انسابت من عينيها لترفعَ نظرها إلى غادة بعيونها المترقرقة:
عمِّي كان عايز يجوِّزني زين اللي أصغر مني بتلات سنين..بس طبعًا أنا رفضت، مش علشان هو وحش أبدًا والله، زين كان حلو وراجل زيُّه زي جمال، بس كان أصغر مني وأنا كنت رافضة المبدأ، جمال فضل منتظرني لحد أول سنة ليَّا في الجامعة، أصر إنِّنا نتجوِّز وأكمِّل عنده، وافقت واتجوِّزت..أجلِّت الخلفة اربع سنين علشان أكمِّل دراستي،أنا معايا تربية نوعية رياض أطفال، بس مااشتغلتِش بيها، خلِّفت يوسف واهتمِّيت ببيتي، ورانيا كانت خلَّصت حقوق وبعدِت عنِّنا، سافرت تقعُد مع أمَّها في الإمارات لمدِّة سنة، رجعت بعد ماخلِّفت يوسف، وزين بعت أخد زهرة ونورة بعدِ موت عمِّي.. واتفرَّقنا ومن وقتها ماعرفشِ عنُّهم حاجة، كنت طلبت من جمال يسأل عليهُم قالِّي آخر مرَّة زين كلِّمُه قالُّه في النمسا مع أخواته، كان اشتغل أستاذ في الجامعة، وبعدِ كدا جمال مات ودخلت في حياتي اللي حكتلِك عنها.
ربتت غادة على ظهرها، ممكن أخلِّي مصطفى يوصلُّه لو عايزة؟..
هزَّت رأسها بالنفي قائلة:
لا، هوَّ مسافر حتى لو رجع كتَّر خيرُه على اللي عملُه معايا وقتِ الفرح، ماعرفشِ ظروفه إيه، مش عايزة أشغلُه بمشاكلي كفاية عليه أخواتُه البنات.
خرجت من شرودها على رنينِ هاتفها:
أيوة يامدام عرفتلِك كلِّ مايخص مدام رانيا الشافعي، قصَّ الرجلُ الذي عينتهُ بجمعِ المعلوماتِ عنهما كلَّ ما عرفه، أغلقت معهُ قائلة:
إبعتلي العناوين دي وانتظر منِّي الجديد ..قالتها وتوقَّفت متَّجهةً إلى ثيابها بعدما هاتفت السائقَ الخاصَّ بها لنزولها لعملها..
عندَ يزن:
توقَّفت سيارةُ مرسيدس مايبخ أمامَ الورشة التب يعملُ بها، ثمَّ ترجلَّت تخلعُ نظارتها وتحرَّكت للداخلِ تسألُ عنه:
صباح الخير..رفعَ مالكُ الورشة رأسهِ بعدما استمعَ إلى صوتها، توقَّفَ يهزُّ رأسهِ قائلًا:
أومري ياهانم، طافت بعينيها على المكانِ متسائلة:
الباشمهندس يزن السوهاجي موجود؟..بترت حديثها عندما استمعت إلى صوتِ الدرَّاجةِ البخارية، التفتت خلفها على الصوت، ترجَّلَ يضعها بمكانها واقتربَ يشيِّعها بنظرةٍ سريعة، ثمَّ اقتربَ من الرجل:
فيه حاجة ياعمُّو؟..أشارَ إليها قائلًا:
الستِ هانم كانت بتسأل عنَّك..
عقدت ذراعيها فوقَ صدرها وتساءلت بنبرةٍ عتابية:
ماجِتش ليه؟..كلِّمناك من أسبوع وكلِّ يوم ننتظرَك..
استندَ على السيارةِ يطالُعها:
ليه..عايزين منِّي إيه؟..أنا مش من النوع اللي باخد تمن جدعنتي مع حد، أي حد مكاني كان هايعمل مع والدِك كدا..
اقتربت منهُ وهتفت قائلةً بنبرةٍ هادئة:
ليه بتسمِّيها تمن، والدي عندُه معرض سيارات كبير ومحتاج حد أمين يمسك المعرض دا، وبما إنَّك خبرة فاهيكون كويس..
معرض!!وأنا إيه اللي يفهِّمني في شغلِ المعارض؟..
فتحت بابَ سيارتها تشيرُ إليه:
هانتكلِّم كدا، ممكن نقعد عند بابا في الشركة ونتكلِّم..
صمتَ لدقائقَ وهي تطالعهُ منتظرةً ردِّه، دلفَ للداخلِ لمدَّةِ دقائقَ وخرجَ يجاورها السيارة، وصلَ بعدَ قليلٍ إلى المكان المنشود، ترجَّلَ ينظرُ إلى مبنى الشركة العملاق الذي يُدوَّنُ عليها:
جروب مالك العمري للصناعات الإلكترونية، تحرَّكَ بجوارِها قائلًا:
إلكترونيات مش سيارات، التفتت إليهِ مبتسمةً ثمَّ تحرَّكت بخطواتها الواثقة بينَ موظفيها:
بابا مهندس إلكترونيات، وخالو مهندس سيارات، نمشي مشروع مشترك..
رفعَ حاجبهِ يهزُّ رأسهِ متمتمًا:
عيلة هندسيَّة يعني..ابتسمت تشيرُ إلى نفسها:
أنا إدارة أعمال، بناءً على طلبِ بابا طبعًا..هزَّ رأسهِ دونَ حديث، دلفت للداخل:
صباح الخير ياباشمهندس..
توقَّفَ لاستقباله:
أهلًا يابني ..اقتربَ وحيَّاهُ قائلًا:
أهلًا بحضرتَك...أشارَ لهُ بالجلوسِ ثمَّ تحدَّث:
تشرَب إيه؟..
مش جاي أشرب، عندي شُغل، ماحبتش أكسِف الأستاذة..
جلست راحيل بمقابلتهِ وأشارت على نفسها:
اسمي رحيل ياباشمهندس، مش أستاذة ..استدارَ لوالدها:
سامع حضرتَك..نهضَ مالك من مكانهِ وهو يستندُ على عكَّازهِ بسببِ وعكتهِ الصحيَّة..
جلسَ على الأريكةِ وهتفَ بصوتٍ مجهد:
عايزَك معايا، أو بالمعنى الأصح، محتاج حد أمين يساعد رحيل.
قطبَ جبينهِ متسائلًا:
مش فاهم حضرتَك..تراجعَ بجسده:
عندي معرض سيارات تكون مسؤول عنُّه، ابنِ أختي كان هوَّ المسؤول، لكنه هايسافر بعدِ أسبوع، ورحيل مالهاش في السيارات، قولت إيه؟..
ظلَّ يزن يطالعهُ لبعضِ الوقت، ثمَّ توقَّف:
أنا مابشتغلِش عندِ حد، الورشة ليَّا جزء فيها، علشان كدا طلبَك مرفوض يافندم ..توقَّفت رحيل بمقابلتهِ وأردفت:
طيِّب إيه رأيك تدخُل شريك؟..
ارتفعَ جانبَ وجههِ بشبهِ ابتسامةٍ ساخرةٍ ثمَّ انحنى يغرزُ عينيهِ بها:
حضرتِك بتستهزئي بيَّا؟..
هزَّت رأسها سريعًا بالنفي قائلة:
أبدًا والله بتكلِّم جد، أشارَ بسبباتهِ بأن تصمتَ ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ إلى مالك والدها:
أنا ساعدتَك شهامة مش محتاج مقابل، بلاش تعمل تمن لشهامتي يامالك باشا..
توقَّفَ مالك واقتربَ منهُ يشيرُ إلى رحيل:
رحيل بنتي الوحيدة، بحلفلِك بيها أنا مش بعرِض عليك تمن مساعدتك، أنا بعرض عليك الاحتياج، محتاج راجل شهم وأمين مع بنتي،أنا ماليش غير أخت واحدة وكبيرة وعندها ولدين واحد منهم دكتور تشريح ودا مالوش في شغلنا غير إنِّ همَّا عندهم شُغلهم، والتاني مسافر بعد كام يوم وكان المسؤول عن المعرض، أنا من قبلِ ماأقابلك كنت بدوَّر، فيه كتير بس فين الأمين؟..
وإيه اللي يخليك تثق فيَّا مش يمكن أغدر بيك؟،،،
لا مش هاتغدر..تهكَّمَ يزن قائلًا:
ماتُكنشِ واثق أوي كدا يامالك بيه.
تراجعَ مالك على الأريكة:
الشاب اللي في سنَّك يقوم من أحسن نومه في عزِّ الشتا والمطر وينزل يصلِّي الفجر، دا مايتخافشِ منُّه، الشاب اللي يتنازِل عن حياته علشان أخواته دا ميتخافش منُّه، الشاب اللي يرفُض ياخد ملايين مقابل يسلِّمني لأعدائي دا مايتخافشِ منُّه يابني..أهمِّ حاجة تكون خايف من ربنا ودا اللي لقيتُه فيك واتمنِّيت يكون عندي ولد زيَّك.
صمتَ يزن وهناكَ صراعٌ بينَ عقلهِ وقلبهِ بعدما علمَ بصلةِ القرابة بينهُ وبينَ خطيبَ حبيبته:
هفكَّر وأرُد عليك ..قالها وتحرَّكَ للخارجِ دونَ حديثٍ آخر..
وصلَ بعدَ فترةٍِ إلى حارتهِ الشعبية التي يقطنُ بها، كان يسيرُ بالشارعِ بذهنٍ شاردٍ بعدما ترجَّلَ من سيارةِ الأجرة، مرَّت سيارةُ طارق خطيبَ مها وهي جالسةً جواره، وتوقَّفت على بُعدِ بعضِ الأمتارِ أمامَ منزلها ..تحرَّكَ من جوارِهم ولم يكترث لأمرهم خاصَّةً حينما استمعَ إلى حديثه:
حبيبتي إنتِ تُؤمري وكلِّ اللي تُطلبيه يكون تحتِ رجلِك، هوَّ إنتِ مخطوبة لحد هيِّن، دا أنا طارق الشافعي
ردَّت والدتها بفخر:
تسلم ياخطيب بنتي، أومال إيه..هيَّ دي العرسان اللي تشرح الروح، مش واحد مزيِّت ومشحِّم وياريت ملكُه كمان دا صبي..
أطلقَ طارق ضحكة:
مزيَّت إيه؟.. بس بلاش الكلام اللي يقلب المعدة دا ياطنط..دلفَ للداخلِ يصفعُ البابَ خلفهِ بقوَّةٍ وبداخلهِ بركانًا قابلًا للاشتعالِ بوجهها، ورغمَ ذلكَ تحرَّكَ أمامهم بثقةٍ وشموخٍ لا يعلمُ كيفَ اكتسبها، استندَ على البابِ وهو يطبقُ على جفنيهِ مكوِّرًا قبضته، فلقد أظلمت قلبهِ وأحرقتهُ بنيرانِ الغدر، دلفَ للداخلِ ينظرُ بأرجاءِ المنزل، يبدو أن أختهِ لم تعد إلى الآن..
أمسكَ هاتفهِ وتحدَّث:
كريم إنتَ فين ؟..
أجابهُ على الجانبِ الآخر:
عندي شوية شغل، فيه حاجة؟..دلفَ إلى غرفتهِ ينزعُ ثيابهِ وأردف:
مستنيك بالليل على القهوة عايز آخد رأيك في موضوع..
تمام ياهندسة...قالها كريم وأغلقَ الهاتف..
فتح خزانة والدته وأخرج الصندوق الذي امنه والده عليه
-يوم مالدنيا تقفل في وشك هتلاقي حقيقتك في الصندوق دا، شهادة ميلادك بوالدك الأصلية وعيلته، عايزك تسامحنا يابني وتأكد عملنا كدا علشان نحافظ عليك
وضع كفيه الذي ارتجف وهو يحركه عليه يهمس لنفسه
-خمس سنين وأنا كل مااطلعك برة برجع ادخلك تاني، معرفش ليه عندي احساس أن الصندوق دا هيكون جحيمي، تناول المفتاح وقام بفتحه اخيرا، دلفت ايمان تنادي على أخيها
-معاذ انت جيت، أجابها من خلفها .
-أنا وراكي ..ضيقت عيناها تدلف للداخل ..
اومال مين اللي جوا ..دفعت باب غرفة أخيها وجدته جالسًا وأمامه صندوق يقوم بغلقه
مرَّ أسبوع والوضعُ هادئًا بينَ الجميع، قبلَ يزن عرضَ مالك العمري، وتمَّ تحديدُ موعدِ حفلِ الزفافِ الخاص بآدم وإيلين ..قبلَ حفلِ الزفافِ بأسبوعين دلفَ زين إلى غرفتها التي جلست بها بعدَ مجيئها إلى منزلِ خالها…
جلسَ بمقابلتها مبتسمًا:
محتاجة أيِّ حاجة ياحبيبتي، معلِش انشغلت بالشغلِ علشان الكام يوم الإجازة..
فين آدم ياخالو، من وقت ماجابني هنا ماعرفشِ عنُّه حاجة؟..
مسَّدَ على شعرها وأفلتَ ضحكة:
أنا بعَّدتُه عن هنا علشان تشتاقوا لبعض ..نظرت للأسفلِ بخجلٍ تفركُ كفَّيها، نهضَ متوقِّفًا:
أي حاجة محتاجاها عرَّفي مريم لو مكسوفة من خالِك ..عايز فستان حلو للحنَّة، إنزلي مع أختِك وعمِّتك عايزين ياخدوكي مشوار..
أومأت لهُ دونَ حديث..
عندَ أرسلان قبلَ أسبوع:
كانت تحبسُ نفسها بالغرفةِ طيلةَ وجودِه، ذاتَ مساءٍ طرقَ عليها الباب:
عايز أتكلِّم معاكي لو سمحتي..
خرجت بعدما ارتدت حجابها، جلست بمقابلتِه، بسطَ كفِّهِ بكوبِ العصيرِ وأردف:
إشربي دا ..هزَّت رأسها تنظرُ إليهِ بخوف ..أطلقَ ضحكةً صاخبةً على حركتها ثمَّ توقَّفَ واتَّجهَ يجلسُ بجوارِها على الأريكة، تراجعت للخلفِ بذعر، ضيَّقَ عينيهِ مردفًا:
إيه يابنتي ليه بتحسِّسيني هعمل فيكي حاجة؟..
إتجوِّزتني ليه؟..تساءلت بها بتقطُّع..
جذبَ سجائرهِ ونهضَ يتوقَّفُ أمامَ الشرفةِ وأردفَ بصوتهِ الرخيم:
عندِك فستان أدخلي إلبسيه، وفيه باروكة كمان، بلاش الحجاب النهاردة..هبَّت معترضة:
لا، طبعًا مستحيل أخلع حجابي، استدارَ إليها مقتربًا وهو ينفثُ سيجارته:
اسمعيني كويس علشان أدخل المكان دا لازم تكوني معايا، وكمان ماينفعشِ تدخلي بالحجاب..
خلاص شوف أي واحدة.
جزَّ على أسنانهِ واقتربَ منها يطبقُ على ذراعها بعنف:
الكلمة اللي أقولها تقولي حاضر من غير ولا كلمة، قولت تُدخلي تغيَّري، الفستان محتشم، وبعدين شعرِك مش هايظهر، الباروكة زيَّها زي الحجاب..
فتحت فمها للحديث، أشارَ إليها بالصمت:
مش عايز ولا حرف سمعتيني، أدخُلي غيَّري ولَّا أغيَّرلِك أنا…
هزَّت رأسها تشيرُ لكفَّيها الذي يضغطُ عليهما حتى آلمها...تراجعَ للخلفِ يشيرُ إليها بالدخول:
بعدِ ساعة كانَ يدلفُ إلى أكبرِ الفنادقِ في العاصمةِ الإيطالية، بحفلٍ يجمعُ عددًا من المشاهير، ظلَّ يتنقَّلُ بجوارها وهو يقبضُ على كفِّها، يتجوَّلُ بالمكان..
ظلَّ لمدَّةِ ساعةٍ بالحفلِ ثمَّ خرجَ دونَ أيِّ شيئ..استغربت وجودهِم وطريقةِ حديثهِ مع البعض، رغمَ أنَّها لا تتقنُ اللكنةَ الإيطالية، إلَّا أنَّها شكَّت بأفعالهِ وأحاديثه..
مرَّ أسبوع على ذاكَ الحال، بخروجهِم كلَّ مساءٍ وكأنَّهم عروسانِ يقضيانِ شهرَ عسلهما.
إجهزي هاننقل من هنا فورًا، قالها وهو يجمعُ أشيائهِ متَّجهًا إلى فينيسيا.
وصلَ إلى فندقٍ بالقربِ من الفندقِ الذي يقطنُ بهِ إلياس، تجهَّزَ لأداءِ مهمتهِ التي جاءَ من أجلها..
جلست تنتظرُ حديثِه، كان يقومُ ببعضِ الأعمالِ على جهازه، رفعَ عينيهِ إليها ثمَّ أردف:
غرام الصندوق دا هايفضَل معاكي لبُكرة الصبح لو مارجعتِش إفتحيه…
شعرت برهبةٍ انتابت جسدها، ولم تشعر بنفسها وهي تتساءل:
ليه، رايح فين، وأنا مش هاروح معاك؟!..هزَّ رأسهِ بالنفي قائلًا:
اسمعيني للآخر .. الصندوق دا هتفتحيه لو مارجعتِش للصُبح، هاتلاقي فيه رقم هتكلِّميه وهوَّ هايتصرَّف ويقولِّك تعملي إيه..
نهضت من مكانها وجلست بجوارِه:
إنتَ رايح فين وهتسبني لوحدي أنا ماعرفشِ أتصرَّف هنا..
احتضنَ كفَّيها اللذانِ لأوَّلِ مرَّة يلمسهما ثمَّ هتف:
ماتخافيش أنا واخد كلِّ احتياطاتي، اللي كنت جايبِك علشانُه خلَّصُته، لسة أهم حاجة إدعيلي أخلَّصها من غير مشاكل.
إنتَ ظابط صح؟..ربتَ على كفِّها:
صلِّي وإدعي وزي ما قولتلِك لحدِّ الصبح لازم تتصلي بالرقمِ اللي هنا..
أخرجَ قداحته، ثمَّ فتحها يخرجُ مفتاحًا صغيرًا، ثمَّ وضعهُ مرَّةً أخرى بالقدَّاحة:
شوفتي خرَّجتهُ إزاي ..إكتبي اسمك هنا وهايفتح معاكي، وبعدِ كدا استخدمي المفتاح، إيَّاكي تخرجي برَّة الأوضة حتى لو الفندق ولَّع سمعتيني..
قالها ونهضَ يضعُ سلاحهِ بخصرِه، ثمَّ تناولَ الإسكارف الخاص بهِ واستدارَ متَّجهًا إلى الباب، صاحت باسمه:
أرسلان..توقَّفَ فجأةً مع رجفةٍ تسلَّلت لدواخلهِ وهو يستمعُ إلى همسها باسمهِ لأوَّلِ مرَّة ..تلألأت عيناها بخطٍّ من الدموعِ وهمست له:
لا إله إلا الله..أجابها بعدما التفتَ إليها:
محمد رسولُ الله..
مش هعمل حاجة لأنِّي متأكدة إنَّك هاترجع وكمان هاتعمل اللي رايحلُه، خد بالَك من نفسك..استدارَ إلى البابِ وفتحهُ ثمَّ التفتَ يشيِّعَها بنظرةٍ سريعةٍ وتحرَّكَ للخارج:
هوت على المقعدِ تبكي بشهقات، والخوفُ يسيطرُ على دواخلها، كم كانت تشعرُ بالأمانِ بجواره، مَن هذا الشخصَ الذي راعها بحنانهِ وأمانهِ رغمَ عدمِ معرفتها به ..نهضت متَّجهةً للواحدِ القهارِ وقامت بأداءِ صلاةِ قضاءِ الحاجةِ وهي تدعي لهُ بالسجودِ مع شهقاتها المرتفعة ولا تعلمُ لماذا كلَّ هذا الخوف..
عندَ أرسلان دلفَ للمكانِ المنشود، لمدَّةِ دقائقَ وخرج، ولكنَّ هناك حدثَ مالا يتوقعهُ من أجهزةِ إنذارٍ بعدما حصلَ على ما يريدهُ من تلكَ الغرفة، تحرَّكَ سريعًا إلى أن وصلَ إلى شاطئِ البحرِ وهناكَ من يطاردونه..
عندَ إلياس كانَ عائدًا من رحلةٍ يوميةٍ للتجوِّلِ بالمناطقِ المشهورة، ترجَّلَ من السيارةِ متَّجهًا للداخلِ ولكنَّها تشبثت بكفِّه:
تعالَ نتمشى على البحر، الجو حلو أوي ..أومأَ دونَ حديث، عانقت ذراعهِ وتحرَّكت بجواره:
هاتفضل قالب وشَّك كدا، وبعدين بقى..
نظرَ إليها من فوقِ كتفهِ قائلًا:
إيه قالب وشَّك دي، بتجيبي الألفاظ دي منين ..ضحكت بنعومةٍ ثمَّ غمزت له:
من ظابط دمُّه مسكر، كان كلِّ ماأروح عندُه يسمَّعني كلام ماكنتش بعرف معناه إلَّا لمَّا أبحث عنُّه، عملت إيه أنا كمان..عملتلُه قاموس لغوي..
ابتسمَ بخفَّةٍ هامسًا:
مجنونة، ومش هتعقل..
أسرعت متوقِّفةً أمامهِ تشيرُ لنفسها:
أنا مجنونة، ماشاء الله على العاقل، اللي كان مجنِّني معاه، جذبها بقوَّةٍ من خصرها واحتواها بين ذراعيه:
مين اللي جنِّن مين، دا أنا كنت عايز..بترَ حديثهِ عندما خُيِّلَ بأحدهم يهرولُ اتَّجاهَ الشاطئ، سحبَ كفَّها وتحرَّكَ سريعًا إلى جناحهم وفتحهُ من جهةِ الشاطئ يجذبها للداخل.
أدخلي بسرعة، قالها وعينيهِ تتجوَّلُ بالمكان، نظرت للخارجِ على نظراته:
إلياس فيه إيه؟..
أشارَ إليها بالدخول:
أدخلي جوَّا وأنا راجع، تشبَّثت بكفِّهِ بعدما استمعت إلى طلقاتٍ ناريةٍ بالخارج:
إيه الصوت دا، ضرب نار..إحنا فين
ظلَّت نظراتهِ تتابعُ من توجَّهَ إلى البحرِ في مكانٍ مظلم، استدارَ إليها بعدما جذبت ذراعه:
أدخل جوَّا، دي شكلها شرطة بيجروا ورا حد ..
سحبَ كفَّها للداخلِ واحتضنَ وجهها بعدما وضعت كفَّيها على أذنها من الأصواتِ التي بالخارج:
ميرال إهدي ممكن يكون حالة شغب في الفنادق اللي جنبنا، مستحيل يكون فيه حاجة هنا، الفندق دا ملَكي مستحيل حد يقتحمُه..
دفنت نفسها بأحضانهِ حتى تبعدهُ عن الخروجِ قائلة:
أنا خايفة ماتسبنيش، نظرَ إليها وفهمَ ماتريده، سحبها للغرفة:
بطَّلي شغل أطفال بقى،إنتِ كبرتي..
قطبت جبينها متصنِّعةً عدمِ الفهم..
مسحَ على وجههِ واتَّجهَ إلى الشرفةِ ينظرُ للخارج، وجدهُ يتحرَّكُ باتِّجاهِ أحدِ الأجنحة..هرولَ للخارجِ بعدما أغلقَ البابَ على ميرال، وهتف:
ميرال مشوار سريع وراجع، إياكي أسمع صوتِك..قالها وتحرَّكَ للخارجِ بحذر، يريدُ أن يعلمَ ماالذي يحدث بالخارج، فتحَ بابَ غرفتهِ إلَّا أنَّهُ وجدَ أحدُهما يدفعهُ بقوَّةٍ للداخلِ
يضعُ السلاحَ برأسه:
لا تصدر صوتًا كي لا أقتلك، كوَّرَ إلياس قبضتهِ محاولًا أن يسيطرَ على غضبهِ وعليهِ التفكيرَ للتَّخلصِ من ذاكَ الشخص، التفتَ أرسلان ينظرُ من الشرفةِ على الصوتِ الخارجي، ركلهُ إلياس بساقيهِ ليسقطَ على الأرضِ أمامهُ وبحركةٍ سريعةٍ أخرجَ سلاحهِ يضعهُ برأسهِ ويحدِّثهُ باللكنةِ الإيطالية:
من أنتَ وماذا فعلت، قالها وهو يرفعُ الماسك من فوقِ وجههِ من الخلفِ والآن سأسلِّمك أيها الزنديقُ للسلطاتِ الإيطالية، قالها ثمَّ أدارَ وجههِ إليه..
طالعَ كلًّا منهما الآخرَ بصدمةٍ وبصوتٍ واحد:
إنتَ..إنتَ، نظرَ إلياس للخارجِ سريعًا، ثمَّ سحبهُ للداخلِ وأغلقَ البابَ خلفه، طالعهُ بصدمةٍ يمسحُ على خصلاته:
بتعمِل إيه هنا، وإزاي توقع بالطريقة دي ..شوفلي حاجة تكتم الجرح دا الأوَّل..نظرَ لذراعهِ المصاب، بطعنة ثمَّ استمعَ إلى صوتِ ميرال بالداخل:
إلياس افتح الباب، قالتها بصراخ..
نظرَ إلى أرسلان ثمَّ إلى بابِ غرفته، وتوجَّهَ إليها قائلًا:
ماتخافش دي مراتي..قالها وهو يفتحُ البابَ إليها، دفعتهُ تصرخُ بوجهه:
إنتَ مجنون تقفل عليَّا الباب، تحرَّكَ يبحثُ عن علبةِ الإسعافاتِ الأوليةِ وتركها تصرخُ كعادتها..
حملَ الصندوقَ واتَّجهَ إليهِ وجدَ العرقَ يغزو جبينه، شهقت ميرال تضعُ كفَّيها على فمها حينما وجدتهُ جالسًا على الأرضيةِ يمسكُ ذراعه..
جلسَ بجوارهِ يشيرُ إلى ميرال:
هاتي قميص من قمصاني بسرعة، لازم نتخلَّص من القميص دا، قالها بعدما نزعَ قميصهِ وقامَ بضمادِ جراحه..
مضروب بسلاح أبيض، فكَّرتُه رصاصة
بس الجرح عميق ومحتاج خياطة، هاتتحمِّل الوجع طبعًا نسيوا يحطُّوا بنج هنا ...قالها إلياس مازحًا..
أغمضَ أرسلان عينيه:
الجرح عميق أوي خد بالك مش حاسس بدراعي..
جلست ميرال بجوارهِ تنظرُ إليهِ بذهولٍ وهو يقومُ بتضميدِ جرحهِ بالخياطة، والآخر محاولًا السيطرة على آلامهِ بقوَّةٍ ظهرت من خلالِ تجمُّعِ العبراتِ تحتَ جفنيه..
أنهى مايفعلهُ إلياس ثمَّ جمعَ الأشياءَ سريعًا، يشيرُ إليها:
اتصرفي في القميص دا، هاتلاقيهم بعد شوية بيلفُّوا على الأوض..
مش إنتَ قولت الفندق دا تبع الطبقة الملكية، اتَّجهَ بنظرهِ إلى أرسلان ثمَّ أجابها:
إعملي اللي قولت عليه يالَّه..أشارت على أرسلان وابتسمت:
ماعرفشِ ليه حاسة أنُّكم شبه بعض،
غريبة قالتها وهي تتوقَّفُ تحملُ القميصَ الذي عليهِ آثارُ الدماء، وقامت بقصِّهِ إلى قطعٍ صغيرةٍ وألقتهُ بالحمَّامِ تصفِّقُ بيديها:
الاتنين اللي برَّة دول ظباط ماعرفوش يفكَّروا في اللي أنا فكَّرت فيه..
بتكلِّمي نفسِك اتجننتي!..
قالها وهو يفتحُ الثلاجة يجذبُ العصائر، ثمَّ رفعَ عينيهِ إليها:
عملتي إيه بالقميص ..أشارَت إلى الحمَّامِ
نزل البلاعة ..خرجَ يهزُّ رأسهِ وهو يضحكُ عليها..
خرجَ وجدهُ غفا على المقعد، حملَ سلاحهِ يخبئُه، ثمَّ قامَ بدثره، توقَّفت بجواره:
ظابط صح، ومصري، أصلك مش هاتساعده لله في لله
ماتعرفيش تسكتي شوية، هيحصل حاجة ..
أشارت إليهِ قائلة:
شبهَك على فكرة ..استدارَ إليها متخصِّرًا :
شبهي من أنهي ناحية يعني، انحنت تنظرُ إلى أرسلان الغافي، ثمَّ رفعت رأسها إليه:
واللهِ شبهَك يمكن شبهُ في الرخامة، المهم فيكوا حاجة أنتوا الاتنين..أه افتكرت ظباط باردين.،
جزَّ على أسنانهِ يشيرُ إليها بالدخول:
أدخلي جوَّا بدل مالطشِك قلم على وشِّك أدير راسك الناحية التانية..
برَّقت عينيها تطالعهُ بذهولٍ ثمَّ فتحت فاهها للحديث، إلَّا أنَّهُ وضعَ أناملهِ على فمها:
كلمة كمان وهطلع أقولُّهم إنِّك الإرهابية اللي بيدوَروا عليها..
شهقةٌ خرجت منها وتوسعت عيناها تشيرُ إلى أرسلان:
هوَّ إرهابي، يالهوي، إنتَ مدخَّل عندنا إرهابي، وبتقول ظابط، إنتَ مع الإرهابيين؟!..احتضنَ ثغرها ليجعلها تصمت، لحظاتٍ وهو يقبِّلُها ثمَّ انحنى يحملُها ودلفَ بها إلى الداخلِ ووضعها على الفراشِ يهمسُ لها:
ميرو مش عايز صوت، لازم أتصرَّف علشان أخرَّجه من هنا من غير ما حد يمسكُه..ماشي ..
هوَّ إرهابي ياإلياس..تنهَّدَ بغضبٍ وتراجعَ للخارجِ يستغفر ربه
ظلَّت على الفراشِ لبعضٍ من الوقت، وضعت أناملها على شفتيها تتحسَّسها، وابتسامةٍ على وجهها ثمَّ تسطَّحت على ظهرها وعيناها تنبثقُ منها السعادةَ على ماتشعرُ تهمسُ لنفسها:
ميرو بتحبَّك أوي ومتأكِّدة كمان إنَّك بتحبَّها..
بالخارجِ فتحَ أرسلان عينيهِ بتشوُّش، واعتدلَ متسائلًا:
-إيه اللي حصل، ؟!
أدلتلك مسكِّن ينوَّمك دقايق علشان الجرح، لازم دكتور يشوفه..
اعتدلَ يبحثُ عن سلاحه:
فين مسدسي..رفعهُ أمامه:
دخلت بيه إزاي، توقَّفَ متألِّمًا:
لازم أرجع حالًا مراتي لوحدها في الفندق، لازم أرجع قبلِ الصبح، خلِّي المسدس معاك علشان أكيد هاتفتِش برَّة..
طيِّب واللي معاك..طالعهُ لفترةٍ من الصمتِ ثمَّ انحنى على حذائه:
أمانة عندك لحدِّ ماأرجعلَك بكرة، أكيد فاهم كلامي..أومأَ له، جمعَ أشيائه يضعها بمكانٍ آمنٍ ثمَّ نهض…
استنى هاخرج معاك، علشان ماحدِّش يشُك ..
هستناك برَّة ..قالها وهو يتحرَّكُ لخارجِ الجناحِ الخلفي، وصلَ إلى بابِ الغرفة:
ميرال عندي مشوار هارجعلِك بعد شوية، أوعي تعملي أي غلط…
توقَّفت واقتربت منه:
الشخص اللي برَّة مشي ..قبَّلَ جبينها:
يالَّة سلام قالها وهو يغلقُ البابَ بالمفتاح، طرقت على الباب:
إلياس افتح الباب، تحدَّثَ من خلفِ البابِ لو عايزاني أموت صرَّخي كمان ياميرو ..قالها وتحرَّكَ للخارج..
غادرَ الإخوان مع بعضهما البعض دونَ معرفتِهم بالقرابةِ التي تجمعهُم ..توقَّفَ عدَّةَ مرَّاتٍ لإجابةِ بعضِ الأسئلةِ من أينَ أتيتَ وأينَ ذاهبٌ وتفتيشٌ دقيق، ضغطَ أحدُهم على ذراعِ أرسلان وهو يقومُ بتفتيشه، ضغطَ على شفتيهِ من الألم.. لاحظَ إلياس توجُّعه، فصاحَ غاضبًا:
كيف تعاملوننا بأنَّنا مجرمي حرب، هل ثقتنا بالمكانِ تفعل بنا ذالك، صاحَ وصاحَ إلى أن أشارَ أمنُ الفندق بخروجهم..وصلَ إلى الخارجِ واستقلَّ سيارةَ أجرةٍ وهو يضغطُ على ذراعهِ من الألم، همسَ إلياس إليه:
هنخرج على بلدة بعيدة شوية، علشان لازم تتفحِص، دراعك ممكن يتئذي.
أغمضَ عينيهِ بعدما شعرَ بنخرِ عظمِ جسدهِ بالكامل..
بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ عاد إلى الفندقِ الذي يقطنُ به، فتحَ البابَ وتوقَّفَ إلياس بالخارج:
لازم أرجع علشان مراتي زمانها قلقانة، وإنتَ واظب على العلاج، وبكرة هاجي أطَّمن عليك..استمعَ اليها من الخلف:
أرسلان ..استدارَ بعد مغادرةِ إلياس..
هرولت إليهِ وتوقَّفت أمامهِ تطالعهُ بذعرٍ من حالتهِ وهو يحملُ ذراعه:
إيه اللي حصل وصوت مين دا، دا صوت مصري، حاسة سمعتُه قبلِ كدا..
رفعَ ذراعهِ إليها اقتربت منهُ ليضمُّها هامسًا:
تعبان أوي عايز أنام..حاوطت خصرهِ وتحرَّكت معهُ إلى الفراش، دثَّرتهُ بغطاءٍ خفيفٍ شعرت بحرارته:
جسمَك سخن هاشوفلَك خافض معايا في الشنطة، جذبَ كفَّها يضعها تحتَ رأسه:
خلِّيكي جنبي ..قالها وأغمضَ عينيهِ ليذهبَ بنومه، نظرت إليهِ مبتسمةً تهمسُ لنفسها:
ياترى القدر مخبِّي ليَّ إيه معاك، استندت على ذراعه، ثمَّ رفعت كفَّها تضعها على خصلاته:
شكلَك وسيم أوي، معقول يكون ليَّا نصيب معاك، ولَّا هايكون مجرَّد اتفاق زي ماقولت..ارتفعت حرارته، فتوقَّفت تجلبُ الثلج تضعهُ على رأسه
وكفًَّها فوقَ رأسهِ حتى غفت بجوارهِ لتضعَ رأسها بجوارِ رأسه.
عندَ إلياس:
وصلَ إلى جناحهِ فتحَ بابَ الغرفة، دفعتهُ تصرخُ بهِ وتلكمهُ بصدرهِ مع بكائها مرَّةً واحتضانها لهُ مرَّة وقبلاتها بدموعها مرَّةً أخرى..
ضمَّها يهدئها بعدما شعرَ بما تشعرُ به:
خلاص أنا جيت أهو .ارتجفَ جسدها بشهقاتها من كثرةِ بكائها، ضمَّها يمسِّدُ على رأسها:
إهدي بقى إيه متجوِّز طفلة ..دفعتهُ تمسحُ دموعها كالأطفال، واتَّجهت إلى الأشياءِ الموضوعةِ بأركانِ الغرفةِ وقامت بتحطيمها وتنثرها على الأرضية وهي تسبُّه، ثمَّ اتَّجهت إليهِ كالمجنونة:
عايزة أرجع مصر دلوقتي مستحيل أقعد معاك دقيقة تاني، واللهِ لآخد حقِّ منَّك، رجَّعني مصر دلوقتي قالتها وهي تضربُ أقدامها بالأرض.
اقتربَ منها بعدما نجحت في إخراجِ وحوشهِ الكامنةِ بموجةٍ من الغضبِ على أفعالها:
لو سمعت صوتِك ..رفعت رأسها تهزُّها بعنفٍ واقتربت منهُ تدفعهُ بقوَّةٍ:
هتعمل إيه، قولِّي هتعمل إيه هتحبسني، يالَّة أنا قدَّامك احبسني أهوو ..سحبها بقوَّةٍ لتصطدمَ بصدرهِ ثمَّ انحنى يهمسُ لها :
لا..عندي طريقة تانية أتمنَّى ماتخلنيش أوصلها، قالها وهو يمرِّرُ أناملهِ على عنقها بحركةٍ أجفلتها فحاولت التحرُّر من قبضته، ضمَّها بقوَّةٍ يضغطُ على خصرها:
إيه ياروحي، مش مستحملة لمستي ليه، ولَّايمكن أسبوع تعَّبك نسَّاكي حنان جوزِك، شهقت بعدما علمت بما يرمي إليه..حاولت التملُّصَ من قبضته:
قليل الأدب واللي يشوف الراجل يقول محترم..
قهقهَ عليها وهو يحاصرُها:
طيِّب حد يشوف الجمال دا ويكون مؤدَّب ياروحي..
إلياس إبعد كدا ..دنى يدفنُ رأسهِ بعنقها يهمسُ بأنفاسهِ الحارَّة:
مش عيب تزقِّي جوزِك يامحترمة، يالَّة إجهزي لجوزِك حبيبك ياروحي، كفاية الأسبوع اللي فات كتير أوي..
جحظت عيناها تطالعهُ مصدومةً من حديثهِ وبداخلها نيرانًا تغلي بأوردتها من بروده ..
دفعتهُ وابتعدت عنه:
دا من إيه إن شاءالله، شايفني جارية، لا فوق يابنِ السيوفي، أنا مراتك مش بنت من الشارع لمزاج جنابِ البيه،
ويالَّه اطلع برَّة عايزة أنام بهدوء، قالتها وهي تدفعهُ للخارجِ وتغلقُ الباب:
فعلًا ظابط أمنِ دولة مستفز ومستبِّد.
استمعَ إلى حديثها وخرجَ مبتسمًا على جنانها، تمدَّدَ على الأريكةِ حتى غفا بمكانه، استيقظَ على صوتها:
قوم عايزة أنزل البحر، نظرَ بساعته:
تنزلي البحر الساعة سبعة الصُبح!..
أه مش عجبك ولَّا إيه..
متخلنيش اتعصب عليكي ياميرال، لو سمعت صوتك هزعلك
ضربت ساقيها وتحركت للداخل تدور حول نفسها
-نايم البارد وانا هنا باكل في نفسي طيب استنى عليا ياإلياس..قامت بنزع ثيابها واردت شورت قصير فوقه كنزة حمالات، لم تغطي سوى نصفها العلوي
وقامت برفع خصلاتها مع بعض الخصلات العشوائية، تهمس لنفسها
-هشوفك يابارد هتعمل ايه لما اقولك نازلة البحر كدا
خطت للخارج تجذب حذائها ولم تلتفت إليه
-هنزل أنا البحر، خليك نايم..رفع رأسه ينظر إليها بذهول، هز ساقيه بعدما علم تلاعبه بأعصابه،
حاولَ إخفاءِ ابتسامتهِ قدرَ المستطاعِ كي يُبدي جدِّيتهُ برفضهِ عمَّا تفعلهُ ولكنَّها نجحت وبجدارةٍ في تسديدِ هدفها حينما اقتربت تتدلَّلُ وجلست فوقَ الطاولةِ تتناولُ الفواكهَ وتهزُّ ساقيها بانفعال قائلة
-جعانة من امبارح الضهر ماأكلتش بسبب واحد مابيفكرش غير ازاي يضايقني، وأنا هموت من الخوف عليه، أنا غلطانة مالي انا يروح مع ظابط ولا ارهابي، غبية ياميرال وياريته بعد كدا يسمعك كلمة حلوة، نهضَ من مكانهِ بعدما فقدَ سيطرتهِ على طغيانها الأنثوي، حاوطَ جسدها من الخلفِ يهمسُ بجوارِ أذنها:
طيِّب قوليلي كنتي منتظرة منِّي إيه وأنا متأكِّد من جنانِك..
استدارت برأسها تشيِّعهُ بنظرةٍ صامتةٍ ثمَّ اتَّجهت تجذبُ التفاحَ تتناولهُ بطريقةٍ أثارت حنقه، رفعتها لفمها تلذَّذها إلَّا أنَّهُ القطها بطريقةٍ جعلت جسدها يرتعشُ من فعلته، تجمَّدت وفقدت اتزانها، قامَ بحملِها بين ذراعيهِ، ومازال يسكرها بخمره المسكر، واتَّجهَ إلى الأريكة، وضعها بحنانٍ ثمَّ ملَّسَ على وجهها:
صدَّقيني خفت عليكي، عارفِك متهورة..
تقوم تحبسني، وتسبني الوقت دا كلُّه تلات ساعات وأنا هاتجنِّن عليك وماعرفشِ إنتَ فين…
خلاص حصل خير ورجعتلِك أهو.
هبَّت من مكانها تهزُّ رأسها:
لا.. لازم آخد حقِّي منَّك، استدارت تشيرُ إليه:
اعتذر قولِّي أنا آسف ياميرو يامراتي ياحبيبتي..، ولا أقولك قولي بحبك أكتر من أي حاجة..اقتربت منه ونظرت لداخل عيناه
-انا مش طفلة علشان تعمل معايا كدا، انا مراتك ومن حقي أعرف النفس اللي بتتنفسه، لو هتفضل معايا كدا يبقى كل واحد يعيش حياته اللي هو شايفها صح، انا ممكن أتنازل علشان حاجات كتيرة علشان اسعدك، لكن هتستهزئ بقيمتي معاك يبقى انت حر وأنا حرة
توقَّفَ متخصِّرًا، يطالِعها بصمتٍ للحظاتٍ ثمَّ أردف:
إجهزي هنسافر هاتصل أحجز
تسمَّرت بوقفتها من فعلته، نظرت إلى سرابِ توقُّفهِ، ثمَّ هوت على المقعدِ بعدَ خروجه ..جلست تهمسُ لنفسها:
دا بيتكلِّم بجد، يعني صدَّق الكلام..
بعد أسبوعين من عودتهما للقاهرة
بشقة ارسلان فتح عيناه على رنين هاتفه
-ارسلان تعالى على المستشفى، باباك اتنقل من ساعة..هب من مكانه متجها إلى غرفة ملابسه
-ايه اللي حصل؟!
معرفش انا لسة رايح اهو ملك كلمتني وهي منهارة، حاولت تكلمك على رقمك التاني شكلك قافله
-تمام تمام ...مسافة السكة
خرجت من الحمام تطالعه باستفهام
-فيه حاجة ولا ايه..خلع تي شيرته وارتدى قميصه سريعا حتى لم يقو على إغلاقه زرايره، تقدمت منه وحاولت مساعدته
-اهد