رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع والستون 67 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع والستون بقلم سهام صادق

  

وقف "صالح" مكانه متيبسًا ينظر نحو ما سقط من يدها ثم إليها بنظرة كانت إنعكاس لمشاعر عِدة اجتاحته لكن إرتبكها الملحوظ جعله ينتبه على نفسه ويبتلع ريقه حتى يستطيع إخراج الكلام الذي انحشر بحلقه. 

أخفض رأسه بخزي عندما رأها تدور حول نفسها تبحث عن القطعه العلوية من منامتها؛ فدخوله المفاجئ إلى غرفتها ألجم لسانها عن التفوه بشئ، لتزفر أنفاسها بضيق بعدما يأست من إيجاد تلك القطعه التي كانت واضحة للأعيُن. 

انتزع نفسه من ذلك الشعور الذي تجرع معه مرارة صَار يعرف سببها واقترب منها متسائلًا:

_ بتدوري علي إيه؟

تأففت بحنق وهربت بعينيها بعيدًا وهي تُداري بذراعيها الجزء العلوي من جسدها؛ فاستطرد قائلًا: 

_ لو بتدوري على دي، فهي اهي.

أسرعت بالنظر إلى ما بقبضة يده لتتسع حدقتيها بدهشة ثم اجتذبتها منه حتى ترتديها وبصوت متحشرج هتفت. 

_ ممكن تخرج من الأوضة.

لقد تأخرت كثيرًا على قول ما كان ينتظره منها فور إقتحامه لغرفتها لكن على ما يبدو توترها شَتَّتَها. 

ابتسم وهو يحرك رأسه بيأس منها وسُرعان ما كان الفزع يحتل ملامح وجهه عندما خرج منها تآوه خافت. 

تساءَل بقلق ثم اجتذب كلتا ذراعيها ليمررهما برفق داخل كّمم منامتها. 

_ مالك فيكي إيه؟ 

ثم تذكر ما تناسى أمره. 

_ عبوة المرهم دي كانت لإيه؟ 

لم ينتظرها لتُجيب عليه وأسرع نحو عبوة المرهم يلتقطها.

_ ممكن تديني المرهم وتطلع من الأوضة. 

حدق بالعبوة الخاصة بتسكين آلام الظهر ثم تنهد بقوة معبرًا عن سخطه. 

_ قوليلي كنتي هتحطي إزاي. 

تحاشت النظر إليه وجلست على الفراش. 

_ ليا ايدين على فكرة. 

أتمزح هي؟ أم أنها تُحاول إثبات أنها تستطيع تدبير حالها دونه. 

_ ما أنا عارف إنك عندك ايدين يا "زينب".

زجرته بنظرة حادة لظنها أنه يسخر من حديثها، فأردف دون أن يعطيها فرصة للكلام. 

_ خليني أساعدك. 

هَـزت رأسها رافضة؛ فابتسم وهو يتجه إليها. 

_ كنت عارف إنك هتوافقي على طول. 

قالها بداعبه، فانتفضت من على الفراش وهي تضع يدها أسفل ظهرها من شدة الآلم. 

_ أنا موافقتش... 

وابتعلت بقية حديثها ثم عضت على طرف شفتها حتى تكتم صيحة الآلم التي كادت أن تنفلت منها. 

_ حاضر ، هحط ليكي المرهم براحه وبشويش وبآدب كمان. 

_ أنت بتقول إيه؟ 

انفرج ثغره بابتسامه واسعة ورفع عبوه المرهم أمامه وبصوت مرح قال: 

_ بقول خليني اساعدك أنا زي جوزك برضو.

وقبل أن تعترض على كلامه، خرجت نبرة صوته هذه المرة بلين. 

_"زينب" خليني بجد اساعدك لانك مش هتعرفي تحددي مكان الوجع فين. 

تعلقت عيناها به بقلة حيله ، فأخذ يُحرك رأسه لها بمُهادَنة حتى تقبل مساعدته ليزفر أنفاسه بإرتياح عندما رأها تجلس على الفراش. 

لقد صار يعلم جزء من طباعها لتداعب شفتيه ابتسامة خفيفه لكنها تلاشت سريعًا. 

_ غمض عينيك وأنت بتحط. 

قالتها ثم رفعت وجهها إليه وأردفت بتحذير أذهله. 

_ ارفع جزء صغير من التي شيرت.

ظنته سيعترض لكن ابتسم وبصوت رخيم هتف. 

_ حاضر ، أي أوامر تانية يا "زينب" هانم؟ 

بنظرة متغطرسة أجابته بعدما أشاحت بوجهها عنه. 

_ لأ ، لو فيه حاجه تانيه هقولك. 

أراد الضحك بشدة، فهو لم يرى بحياته امرأه بطباعها الفريدة. 

ارتجف جسدها فور أن وضع يده على ظهرها، فأطبقت على شفتيها حتى تكتم ذلك الآنين الذي كاد أن يصدر منها. 

_ هنا الوجع يا "زينب".

غمغم بها وهو يُحرك يده برفق إلى أن خرج منها صوت تأوها عاليًا. 

تنهد ثم فتح عيناه وتمتم بضجر. 

_ لأ أنا مش هفضل مغمض عيني كده، لا عارف امسك طرف التي شيرت ولا عارف احط الكريم في المكان الصح. 

_ خلاص هات أن أحط لنفسي. 

بضيق رد على كلامها. 

_ ارفعي ايدك يا "زينب" وبلاش عِناد الأطفال. 

_ أنا مش طفله.

استمر الجدال بينهما لدقائق إلى أن وجدت لا مفر أمامها إلا أن تخلع قميص منامتها بالكامل ليتمكن من وضع المرهم وينتهي هذا الأمر. 

افتر ثغره عن ابتسامة عندما رأها تنفخ خديها بحنق ثم عادت لترفع ذراعيها وتضعهم فوق حمالة الصدر التي ترتديها. 

توقفت يده عند فوهه العبوة وانحبست أنفاسه داخل صدره عندما تعلقت عيناه بما لم ينتبه عليه قبل أيام. 

خفق قلبه وهدرت أنفاسه وهو يرى اسمه مرسوم بنقشة صغيرة على كتفها وبجانبه قلب بالكاد رأه. 

رفرفت بأهدابها وقالت حتى تهرب من هذا الوضع السخيف. 

_ كفايه كده، بدأت أحس بتحسن.

لم يكن إنتباهه معها بل كان ضائع وحائر، يتساءَل داخله هل فعلت هذا من أجله أم هذا الشئ تفعله جميع النساء. 

عندما طال صمته، تحركت حتى تنهض من على الفراش لكنه كان أسرع منها والتقط ذراعها. 

نفض رأسه من ذلك الشعور الذي اجتاحه وبصوت متهدج خرج بصعوبه منه هتف. 

_ هو أنا لحقت يا "زينب"، اثبتي بس مكانك تمام. 

_ طيب بسرعه،"يزيد" بره وقاعد لوحده.

هَـزَّ رأسه ومَـازالت عيناه عالقة بما رسمته على كتفها ورغم أن موضع الآلم لم يكن عند الكتف إلا أنه تعمد أن يُمرر أصابع يده على تلك النقشة التي بدأ لونها يبهت. 

زفرة طويلة خرجت من بين شفتيّ "زينب" عندما أخبرها أنه انتهى. 

استدارت جِهته حتى تأخذ قميص منامتها من جِواره لكنه التقطه قبلها قائلًا بحزم.

_ بيتهيألي إني اثبت حسن نيتي، فخليني من غير جدال اساعدك تلبسي التي شيرت.

امتقاع ملامحها وتلك النظرة التي رمقته بها جعلته يرغب بالضحك. 

_ تمت المهمه يا "زينب" هانم.

_ شكرًا. 

ردها المقتضب لم يزعجه بل انفجر ضاحكًا. 

_ طيب وبتقوليها من غير نفس كده ليه. 

_ يعني عايزنى اقولها إزاي.

هتفت بها ثم تحركت من أمامه لكنها توقفت مكانها وأطرقت رأسها أرضًا. 

_ قوليها زي ما بتقوليها لأي شخص عادي في حياتك يا "زينب" ولا أنا هفضل في قايمة الأعداء.

لا تعرف لِما شعرت بنغزة قوية بقلبها بعد حديثه لتجده يتحرك نحو منضدة الزينة ويترك عبوة المرهم عليها ثم غادر الغرفة. اتجهت بأنظارها نحو باب الغرفة الذي أغلقه ورائه وقد أصابها شعور بالضيق. 
.... 

اليوم الثالث لها بمدينة شرم الشيخ وقد فقدت الأمل في فرصة الإلتقاء معه، لتزفر أنفاسها بضيق و تهتف حانقه. 

_ يعنى أنا بِعت ڤيديوهات "زوزو" لـ "صالح" وعملت معاه اتفاقيه هتخليني ابوس ايدين "زوزو" عشان تسامحني لما تعرف بيها وفي الاخر همشي من هنا من غير أي إحراز هدف،، حقك عليا يا "زوزو" أنا لازم اكلمك واعتذر منك. 

أخرجت "سما" هاتفها بالفعل حتى تُحادث "زينب" لكن يدها توقفت داخل جيب البنطال لتحدق بالجالس على إحدى الطاولات بمطعم الفندق وسُرعان ما كان الحنق يُغادر ملامحها وتنْفَرج أسارير وجهها. 

_ أخيرًا يا دكتور.

قالتها وقد التمعت عيناها وهي تنظر إليه ثم تنهدت وتمتمت بهمس خافت وهي تتحرك نحو إحدى الطاولات القريبة منه.

_ دكتور "مازن" الوسيم. 

حركت المقعد حتى تلفت نظره لكنه كان مشغول بالحديث مع أحد أصدقائه. 

أتى النادل بعد جلوسها وقد تعجب من محاولتها في رفع نبرة صوتها رغم أنه قريب منها للغايه ويسمعها تمامًا. 

لفتت أنظار جميع من بالمطعم حتى ذلك الصديق الذي كان معه لكن هو كانت عيناه مرتكزه بإهتمام نحو التقارير الطبية التي أمامه. 

ابتعد النادل عنها بعدما دون طلباتها وقد طلبت أصناف عِدة من أطباق الفطور المعروضة بقائمة الطعام. 

مررت أصابعها في خُصلات شعرها بحنق ثم أطلقت زفره طويلة كانت مسموعه. 

أغلقت جفنيها حتى تستطيع التفكير بشئ آخر تستطيع لفت نظره به لكنها بالنهاية شعرت بالضجر لتلتقط هاتفها من على الطاولة وأخذت تتصفحه. 

_ خلينا نقوم يا "فؤاد" لو خلصت قهوتك. 

قالها "مازن" لصديقه ثم أخذ يجمع متعلقاته الشخصية من على الطاولة. 

انتبهت "سما" على حديثه وأسرعت بالنهوض ولم تجد أمامها إلا إظاهر دهشتها لرؤيته. 

_ دكتور "مازن"، معقول.

اتجهت أنظار "مازن" عليها، فـ انفكت عقدة حاجبيه وابتسم. 

_ أنسه "سما"، ازيك.

_"مازن" انا هسبقك. 

قالها صديقه ثم غادر لتنظر "سما" نحو التقارير التي يحملها. 

_ أنا أول ما سمعت الصوت قولت لنفسي نبرة الصوت دي أنا عارفاها كويس. 

ثم تساءَلت وهي تطرق رأسها بحرج. 

_ هو أنت مأخدتش بالك من الإزعاج اللي أنا كنت عملاه.

لم يكن "مازن" من الشخصيات التي تتمتع بالذوق واللباقه مع النساء إلا القليلات اللاتي يفرضون حضورهن.

_ بصراحه أنا مش شاطر أوي في تميز الأصوات.

انمحت تلك الابتسامة التي داعبت شفتي "سما" ورفعت رأسها إليه ليقول: 

_ أنا مضطر استأذن منك دلوقتي يا "سما" لأن المؤتمر هيبدأ بعد ربع ساعه.

شعرت بصدمة قوية تملكتها ولأول مره ترغب بالبكاء، هي لا تنبهر بالرجال بسهوله لكن هو مختلفًا بالنسبه لها. 

_ "سما". 

عندما عاد إليها مجددًا وهتف باسمها خفق قلبها واستدارت إليه وعلى محياها ابتسامة صغيرة. 

_ خلينا نتقابل بـ الليل تمام. 

أسرعت بـهَـز رأسها إليه وبصوت متحشرج هتفت. 

_ تمام 
... 

داعب "عزيز" خديها بأنامله لتنفرج شفتيه بإبتسامة واسعة عندما بدأت تمط شفتيها بعبوس. 

_ "ليلى" اصحى دي تاني مره اصحيكي ولو البرنامج بتاع فسحة النهارده ضاع مننا يبقى أنتِ... 

لم يستكمل بقية حديثه ليجدها تنفض غطاء الفراش من عليها وتنظر إليه بلهفة. 

_ بجد يا "عزيز" هنخرج خلاص.

شعر بالضيق من نفسه، فَــ ثلاث أيام مرت منذ قدومهم ولم يخرجوا للتنزه رغم أن الأجواء بالخارج رائعه. 

اختفت تلك الابتسامة التي كانت تزين ثغره لتتساءَل بحيرة. 

_ هو أنت ليه كشرت فجأة. 

أخفي "عزيز" ذلك الشعور الذي سيطر عليه فجأة وابتسم. 

_ ملكيش دعوه بتكشيرتي دلوقتي وقومي يلا اجهزي عشان نخرج نفطر بره ونعمل كل اللي نفسك فيه ولا أنتِ عارفه إيه ممكن يحصل.

أسرعت إليه لتحتضنه وهي لا تُصدق أنها أخيرًا سترى المدينه وتتجول بها. 

_ بحبك يا "عزيز". 

ضمها" عزيز" إلى حضنه وقد أراد أن يخبرها بعشقه لها لكن ابتلع الكلمة بمرارة ورددها داخله، لقد صار عاشقًا بجنون وأصبح نسخة من شقيقه. 

_ بسرعه على الحمام وانا هطلع ليكي الهدوم تمام  ولا تحبي اساعدك من البدايه. 

قالها وهو يغمز لها بطرف عينه لتهرب من أمامه بحرج. 

هَـز رأسه بيأس من خجلها لكنه من داخله كان سعيد بهذا الأمر، "ليلى" مَـازالت تتفتح على يديه وعليه أن يظل محاوط عليها بعناية داخل بستانه.

... 

ابتسامة واسعة رسمتها "سمية" على شفتيها عند دلوفها الغرفة. 

_ ادخل ولا هعطلك يا حبيبي. 

رفع "سيف" عيناه عن جهاز الحاسوب الذي أمامه لتقترب "سمية" منه لتتساءَل. 

_ اختك سافرت امبارح؟ 
 
رمقها "سيف" بنظرة ساخرة، فهل تذكرت "نيرة" اليوم رغم علمها بموعد رحيلها.

_ سافرت يا "سمية" يا هانم.
 
نبرة صوته الساخره لم تغفل عنها لتزفر أنفاسها بقوة وتعطي تبريرًا كالمعتاد على جفائها معهم كأم. 

_ كان غصب عنى يا حبيبي مروحش معاكم المطار، كان عندي عشاء عمل مهم.
 
ليتها لم تبرر له ليشيح عيناه عنها ويهتف بجمود. 

_ والله أنا بالنسبه ليا ميفرقش معايا لكن "نيرة" لسا شيفاكي في صورة الأم.
 
_ "سيف" أنت بتقول إيه.
 
لقد طعنتها الكلمة لكنه يعلم أن تأثرها بكلامه يأتي وليد اللحظة لا غير. 

_ الكلمة وجعتك أوي يا "سمية" هانم.
 
بغضب صاحت به واقتربت من المقعد الجالس عليه. 

_ أنت مالك فيك إيه من ساعة اخر كلام بينا وأنت مش طايق ليا كلمة، على فكرة أنا أمك وأي حاجة بعملها، بعملها عشانك أنت. 

دفع مقعده إلى الوراء ثم نهض وابتعد عنها. 

_ أنتِ أي حاجه بتعمليها، بتعمليها عشان نفسك. 

_ لأ بجد أنت بقيت لا تطاق.
 
قالتها بحنق ثم تحركت لتُغادر الغرفة لكنها توقفت مكانها، فهل ستجعل الفجوة بينها وبين "سيف" تزداد؟ "سيف" ابنها وكفتها الرابحة. 

_ على فكرة أنا كنت جيالك عشان اقولك إن عملتلك توكيل، يعني خليت قرارت كتير في الشركة تكون تحت تصرفك. 
.... 

طفلة هي، طفلة في جسد امرأة أغرقته في عشقها وجعلته يكسر من أجلها كل القيود. 

ضحك "عزيز" بقوة وهو يراها تقترب من أحد الأفيال ثم تبتعد عنه. 

_ يا حبيبتي متخافيش، كائن أليف صدقيني ...مش عارف هتركبي إزاي وأنتِ خايفه. 

مطت شفتيها بعبوس ونظرت إليه. 

_ لأ خلاص يا "عزيز" مش عايزه اركبه.
 
_ يا جبانه.
 
زجرته بنظرة غاضبة ليقهقه عاليًا. 

_ تفتكري بنظرتك دي أنتِ خوفتيني. 

واقترب منها وبهمس خافت أردف.

_ ده أنتِ كده خلتيني عايز اكلك أكل. 

_ "عـزيـز". 

صاحت به بعدما دفعته عنها برفق واستدارت بجسدها لتنظر نحو الفيلة. 

_ خلينا نختار فيل صغير عشان اعرف اتعامل معاه. 

لم يضحك بحياته من قبل مثلما ضحك اليوم، اليوم اكتشف من خِصالها أنها تشبه الأطفال حين تلهو بالحديقة. 

_ أنت بتضحك ليه يا "عزيز". 

وبصوت رخيم أجابها بعدما اجتذبها إلى صدره وضمها إليه. 

_"عزيز" هيموت منك يا "ليلى"، كفايه عليا كده النهاردة.
 
انتهت جولتهم اليوم بعدما قضوا أمسيتهم في بازار كالاري الليلي ثم ذهابهم إلى أحد مراكز التسوق وقد أصرت عليه أن يشتروا ما يلزمهم فهي لم تعد تُفضل الطعام الذي يأتي إليهم. 

بإنهاك ارتمى "عزيز" على أقرب أريكة كانت أمامه بعدما وضع الأغراض لها  بالمطبخ. 

_ "ليلى" ممكن كوبايه ماية. 

أسرعت بإحضار كوب الماء إليه ليلتقطه منها ويرتشفه دفعه واحده. 

_ شكرًا يا حبيبتي.
 
ابتسمت ثم جلست جواره وتساءَلت. 

_ هنكرر الخروجه تاني؟ 

حدقها بنظرة هادئه ثم مَدّ كفوف يديه يمسح بهما على خديها. 

_ أنتِ عايزه إيه؟ 

بإبتسامة واسعة ردت وهي تنظر في عينيه. 

_ نكررها يوم و يوم... يوم نرتاح ويوم نقضيه بره زي النهاردة. 

وأردفت وهي تتثاءب. 

_ هقوم ارتب الحاجات اللي جبناها وبعدين احضن مخدتي وانام. 

بإستنكار تمتم. 

_ ننام ، وتحضني المخدة...قومي يا "ليلى" من قدامي.
 
كادت أن تنهض بالفعل ليجفلها بحملها على ذراعيه وتمتم بمكر. 

_ عايزه تحضني المخده يا "ليلى". 

_ يا "عزيز" عايزه ارتب... 

لم يتركها لتتفوه بمزيد من الكلام، وفي دقائق معدوده كانت بين ذراعيه يُعلمها فنون الحُب ليكون هو المعلم وهي تلميذته النجيبة. 

وكما اعتاد منها أن تؤكد له أنها بالفعل راضية ومتخمة. 
...
اطلق "شاكر" زفرة إرتياح بعدما اخبره "نائل" إنه سيأتي بصحبة نجيب إلى المزرعه.

_ لازم ابعدك شويه يا "نائل"، وجودك بعيد عن حفيدتك هيفرق مع حفيدي

لم تكن دعوة "شاكر" إلا هدفًا لأمر يسعى لحدوثه، أما "نائل" لم يتخذ قرار الذهاب للمزرعه إلا توقً للمكان الذي قضى فيه أجمل ذكريات عمره مع "زينب" حبيبته الغالية.

_ وحشتيني يا "زينب".

قالها "نائل" بشوق وآلم لم يترك فؤاده يومًا مهما حاوطته من ذكريات سعيده.

_ ليه بطلتي تجيلي في أحلامي، ليه يا حببتي.

وذكرى بعيدة اقتحمت رأسه اتبعها بعدها الفراق. 
«أنا حامل يا نائل» 
....

فتح صالح باب غرفتها برفق بعدما طرقه، لترفع رأسها عن الوسادة وتنظر إليه، وقد التقطت عيناها عبوة مرهم جديدة يحملها.

_ لسه تعبانة، ولا بقيتي أحسن؟
أشاحت وجهها عنه وازدردت لعابها حتى تستطيع إخراج صوتها، فهو قبل طرقه الباب كانت تبكي على حظها... فقد أخذت زميلاتها اليوم في المعهد يتمازحن بأحاديث محرجة عن أزواجهن وعن علاقاتهن الزوجية، حتى إنهن اقترحن عليها أن يذهبن جميعًا في عطلة.

عندما اقترب منها، انتبه إلى احمرار عينيها ليسأل بقلق:

_ إنتِ كنتِ بتعيطي؟

_ لا، أنا مبعيطش، ولا هعيط، لأني قوية.

ردها جعله يتأكد أنها كانت تبكي، بل والأمر لم يكن بالهين.

_ هو البكا ضعف يا زينب؟

_ أيوة، ضعف. ممكن تخرج وتسيبني لوحدي؟

هجومها جعله يتردد للحظة، لكنه في النهاية حسم قراره واقترب منها. وقبل أن تتوقع ردة فعله، اجتذبها إلى صدره.

_ عيطي يا زينب، عيطي في حضني المرة دي. واعتبريني عابر سبيل. صدقيني، هنسي الليلة دي تمامًا، لكن عيطي وخرجي كل اللي جواكي.

وبكت، مثلما بكت يوم وفاة والدها وجدتها، لتسقط دموعه معها.

---

لقد تأجلت عزيمته لها لهذا اليوم. ارتدت سما ثوبًا يليق بها، وقد جعلها فاتنة.
ألقت نظرة أخيرة على مظهرها برضى، ثم التقطت حقيبتها الصغيرة وغادرت غرفتها بالفندق.

عندما دلفت إلى المطعم، رفع مازن عينيه عن هاتفه، فتلاقت عيناهما، لينهض على الفور من مقعده.
ارتجفت يدها عندما صافحها، ورغم أنه صافحها من قبل، إلا أن هذه المرة كان قلبها يخفق بطريقة عجيبة.

_ أتمنى تكوني قبلتي اعتذاري امبارح. حقيقي كنت مضطر ألغي ميعادنا.
بتوتر ردت وهي تخفض رأسها:

_ ما دام جيت، فأكيد قبلت اعتذارك.

ابتسم مازن وحرك رأسه، ثم سألها:

_ تحبي نشرب حاجة الأول ولا نطلب العشا؟
نظرت إليه وبهمس خافت لم تتصنعه، خرج صوتها:

_ إنت عايز إيه؟

وَدَّ مازن لو استطاع الضحك، لكنه يعلم أنه إذا فعل ذلك سيحرجها.

_ تمام، نطلب الأكل وبعدين نخرج نتمشى شوية.

تراقص قلبها فرحًا، والتمعت عيناها، لكنه لم يرَ ذلك، إذ ركز انتباهه على قائمة الطعام.
أحاديثهما كانت رتيبة، جميعها عن العائلة، إلى أن انتهيا من تناول الطعام الذي جعلها تفقد حماسها. لكن خروجهم للتمشية قليلًا أعاد الأمل إلى داخلها، فربما يعبر لها عن شيء لفت نظره اليوم.

_ أنا شايفك إنتِ وزينب قريبين أوي من بعض.
اتسعت ابتسامتها بحب عندما ذكر زينب.

أنا وزينب زي الحلة والغطا.

خرجت ضحكتها الجميلة التي غفل عنها، وأردفت بعدما تمالكت نفسها وتوقفت عن الضحك:

_ زوزو دي الفاكهة بتاعة جدو. بصراحة، كابتن صالح محظوظ إنها كانت من نصيبه.

توقف مازن عن السير، وقد تحولت ملامح وجهه للتجهم. تعلقت عينا سما به وتسألت:

_ وقفت ليه؟
خرج السؤال من شفتيه دون أن يُفكر في عواقبه:

_ هو جواز صالح وزينب جواز طبيعي يا سما؟

تعليقات