رواية بقايا عطر عتيق الفصل السابع بقلم مريم نصار
بينما كانت سميرة تسير بهدوء في الطريق المؤدي إلى الدار، لمحت صبري واقفًا يتحدث مع فاطمة. فضولها دفعها للتقدم نحوهما، وكانت فاطمه قد رحلت فسألت صبري بلهجة حادة:
ـ صبري، إيه اللي جابك هنا وكت واقف ليه مع فاطمة؟
ابتسم صبري ابتسامة خبيـ.ـثة، وأجابها بلا مبالاة:
ـ كيفك ياام صالح! اني كت جايكي عشان اقولك ،أمك عاوزاكي تحودي عليها ساعة العصريه.
توقفت سميرة لحظة وهي تفكر في الأمر، ثم قالت:
ـ خير وأمك هتعوزني في ايه ياصبري؟
رد عليها صبري بضحكة صغيرة:
ـ واني إيش دراني أمك رايداكي ليه؟ تبقي روحي وساعتها هتعرفي وتبقي عرفيني اني كمان بالمرة.
تنهدت بضيـ.ـق لأنها تعلم أنه لن يرح علقها ولن يبوح بالأمر حتى لو على علم به، فتركت الأمر جانباً واردفت متساله:
ـ وماله اني هبقى اعدي عليها في الدار، بس برضو مقولتليش انت ليه توقف فاطنه في الشارع كده عيني عينك قدام الناس وتكلمها، أنت مش عارف إن ديه عيب وتجيب الكلام العاطل لبت عمك!
وضع يده في جيب جلبابه وقال بدهاء:
ـ بت عمي اديكي قولتيها اهه يام صالح، وبعدين اني هوقفها ليه يعني اني كت بسألها محتاجه لحاجه يابت عمي! قالتلي متحرمش منك يابن العم ومشت.
لوت سميره فمها وقالت ساخره:
ـ وانبي إيه! بقي حتة العيله اللي معرفاش حاجه دي هتقولك متحرمش منك!
ثم اكملت بنبره تشبه التنبيه:
ـ بلاش تدخل في مشا.كل مع دار عمك ياصبري وخصوصي سي حسين جوزي خليك ولد عمهم الكبير الزين العاقل.
حرك رأسه بإبتسامة بارده عريضه ثم استدار ومشى مبتعدًا، تاركًا سميرة واقفة تراقبه.
بعد أن افتر.قوا، أكملت فاطمة طريقها إلى الحقل. كان قلبها يد.ق بسرعة من الار.تباك، ولم تكن قد تمالكت نفسها بعد. عندما وصلت، استقبلها أخيها سعد بنظرة مر.يبة، ويضع عنها الطعام أرضا فسألها وهو يرفع حاجبيه:
ـ إيهي مالك! وشك محمر كده ليه، يابت يا فاطمه؟
حاولت فاطمة تمالك نفسها، وقالت بسرعة وهي تتجنب النظر إليه:
ـ أسكت يابا سعد مش اني واني جايه الغيط، شوفت حنش في السكة نواحي أرض أبو بكري وخو.فت. والنعمه من الر.عبه كت هتكفي على وشي.
تعجب سعد من ردها، ثم قال وهو يهز رأسه:
ـ حنش! اممم طب يختي، همي روحي اعملينا شاي في حطب المنقد بدل الحديت الماسخ دي، وجمدي قلبك كده شوية اومال.
هزت فاطمة رأسها بصمت، واتجهت لتحضير الشاي، وهي تحاول أن تخفي خجلها وارتباكها وحيرتها بعد لقائها مع صبري.
ارتفع صوت آذان العصر في البلدة وذهب الرجال للمسجد وبعدما استأذنت سميرة زوجها، ذهبت إلى بيت أمها زاهية بخطوات مترددة، وهي تفكر فيما قد تريده أمها منها. وعندما وصلت، طرقت الباب وفتحت لها أزهار وهى تحمل شوالا فوق رأسها ودخلت سميره، قائلة:
ـ العواف يا أزهار؟
ـ الله يعافيكي يا عمه سميره، خشي امي قاعده في المندرة جوه.
نظرت سميره إلى ما تحمله أزهار فوق رأسها وقالت:
ـ عايزاني احططك الشوال؟ ولا انتي رايحه فين كده؟
ـ رايحه الطاحونه عشان أبَيضّ شوية الرز دول في مكنة ابو سويلم قبل المغربيه ما تليل هتعوزي مني حاجه يا عمه؟
ـ عوزاكي بخير يا أزهار.
ولجت سميره للمندرة لتجد أمها جالسه أرضا وامامها قطعة من الخبز الناشف وصحن به جبن وآخر به مخلل وتأكل منه، جلست سميره على الدكه وقالت:
العواف عليكي يما.
ردت أمها قائلة:
ـ الله يعافيكي ياسميره قربي تعالي كولي شوية جبنه مش ومخلل وعودين جرجير حلوين قوي.
ـ بألف هنا ويدوم خيرك يما، سبقناكي.
عوجت زاهيه فمها وقالت:
ـ امم وكلتوا ايه بقى!
ـ اجابتها سميره:
ـ عملنا صواني رز معمر تستاهل حنكك وبط و وز محشي ومتحمر في الزبدة الفلاحي.
اشتهت زاهيه الطعام وهى تقول:
ـ اه حلو الوكل ده وانبي لاخلي حريم الدار تعمله بكره. الواحد قلبه هيقف من وكل المش.
ابتسمت سميره وهى تقول:
ـ بعيد الشر على قلبك يما، بس خير صبري قالي إنك عاوزاني.
حملت زاهية الصحون وضعتها جانباً وغطتها بقطعة من القماش وردت بسخر.ية واضحة وعينين تحملان لؤ.مًا خفيًا:
ـ وهعوزك في إيه يانضري غير من اللي سمعته وخر.م وداني.
تعجبت سميرة وسألت بفضو.ل:
ـ خير يا رب! إيه اللي حصل يما؟
زاهية لم تنتظر طويلاً لتوجه السؤال الذي أثار فضو.لها:
ـ وهياجي منين الخير يابت ابو عبد اللطيف، إلا هو صحيح، جوزك وافق إن صالح يروح البندر يكمل علامه هناك؟
رفعت سميرة حاجبها بحيرة، وردت بعد تفكير بسيط:
ـ أه، هي الحكايه كده بقى؟
ثم وضعت يدها فوق الأخرى بارتياح وقالت:
ـ أيوه يما، بس چد صالح، أبويا الحج عبد الرحيم الله يستره، هو اللي وافق وقال لازمن صالح يتعلم ويتنور. وجوزي سي حسين مردش كلام أبوه واصل و وافق على أمره.
تضا.يقت زاهية وقالت با.نفعال:
ـ ايهي! ماسخم من سيدي اللي ستي يختي،وإزاي يابت جوزك يوافق على حاجه زي دي! ده لا كان ولا يكون أبدًا.
زاد تعجب سميرة، وقالت مد.افعة:
ـ ليه إن شاء الله؟ جرا إيه يما!فيها إيه لما ابني يتعلم؟
اجابتها بحنق واختنا.ق:
ـ ناسيه ولا إي إياك ياسميره! فيها إن أخوكي عبد الحميد عملها قبل سابق وجر.سنا في الكفر كله، وكل حين ومين يسألني عليه؛ إبنك طفش إبنك راح فين! عايش ولا ميـ.ـت! لحد ما وشي بقى في الأرض منيهم، عاوزه ابنك يبقى زيه؟ عاوزه حريم الكفر ياكلوا وشك انتي التانيه زي أمك؟
دافعت سميرة بصلا.بة:
ـ الله أعلم بظروف أخويا عبد الحميد يما. الغايب حجته معاه،وبعدين ابني مش زي حد، ابني صالح، اني عرفاه زين. ده نفسه يتعلم عشان يفيد أهل الكفر ويبقى أفندي قد الدنيا.
ضحكت زاهية بسخر.ية، وقالت:
ـ أفندي؟ واللاه ياأفندي! حط على راسك البرنيطه وتعالى أعملك في الحته زيطه.
ثم أضافت بتذ.مر:
ـ إنتي يابت جرى لمخك حاجه؟ تلاته بالله العظيم فقر.يه زي ستك كريمه وكمان أبوكي! ده بدل ما تخلي الواد يشد حيله ويبقى في ضهر أبوه ويعرف أرضه آخرها فين؟ ولا تسيبي عيال سلايفك هما اللي يكوشوا على ورث عبد الرحيم أبو قاسم. بعد ما يمو.ت!
صد.مت وغضـ.ـبت سميرة ورفعت صوتها قائلة:
ـ الله أكبر! تفي من حنكك اومال إيه الحديت اللي مالوش عازه ده يما؟ الله يطولنا في عمر الحاج والحاجه. وبعدين ورث إيه وبتاع إيه؟! أني مش عارفه مالك يما. وهتدنك تعملي معايا كده لحد امتى؟
ثم ضيّقت عينيها بنظرة شك وسألت أمها:
ـ وبعدين هو مين اللي قالك إن صالح هيكمل علامه؟ ده محدش يعرف لسه غيرنا.
ارتبكت قليلاً وقالت متو.ترة:
ـ أيهي هو في حاجه بتستخبى! اني كنت في السوق أولت امبارح وسمعت طرا.طيش كلام من حريم الكفر.
نظرت إليها سميرة بشك أكبر وقالت:
ـ حريم الكفر برده ولا حريم من قلب دارنا؟!
ثم تابعت بتحدٍ:
ـ وهي سخامة البرك صباح، مفيش غيرها، اللي خبصت علينا جلا.بة النصا.يب!
نظرت زاهية لسميرة بعينين مليئتين بالحيرة، وكأنها لم تكن تريد أن تتعمق أكثر في الحديث عن صباح. شعرت بتوتر داخلها، وكأنها قد أوقعت نفسها في فخ لم تكن تريده. لكنها حاولت أن تخفي ارتبا.كها، فأجابت ببرود:
ـ ايهي متوطي حسك يابت ياسميره اومال! وصباح ولا غيرها هتفرق يعني، اللي سمعته قولته! وبعدين انتي هتسيبي المصـ.ـيبه وتمسكي في ديلها؟
تنهّدت سميرة ورفعت رأسها بتحدٍ:
ـ المصيـ.ـبه هتحصل لو سبت أبني جاهل يما، وأني متوكده و واسجه في أبويا الحاج عبد الرحيم وفي كلامه.
قاطعتها زاهية بسرعة وهي تحاول أن تغير مجرى الحديث:
ـ انتي حره بكره نقعد جمب الحيطه ونسمع الزيطه، وادي دقني أهي لو إبنك فلح.
ردت سميرة بجدية، وهي تحملق في أمها بإندهاش:
ـ اما أمرك عجيب والله يما، ده بدل ماتدعي لإبن بتك تقومي تراهني على فشله؟
تجاهلت زاهية كلام سميرة، وقالت بنبرة هادئة لكنها تحمل إصرارًا:
ـ اني قلت اللي عندي. بس انتي هتدنك هبله مش فاهمه حاجه، اني أكتر واحده عوزه مصلحتك في دار القواسمه وعلى طول قافله دماغك وياي. انتي حره. اني وعيتك والباقي عليكي يابت أبو عبد اللطيف.
سميرة لم تعد ترغب في مواصلة النقاش أكثر. استأذنت من أمها وهي تضع الطرحة على رأسها بإحكام، وقبل أن تخرج من باب المندره استدارت لأمها وقالت منبهه:
ـ آه صحيح قبل ما انسى.خلي إبنك الكبير يخجل على حاله وميوقفش بت عمه في الطريق تاني الناس موارهاش شغلانه غير في اللت والعجن، وفاطمه لسه عيلة صغيره.وإلا بقى يستحمل اللي هيجراله من خواتها الرجاله.
أنهت كلامها واتسعت عين زاهيه مما سمعته للتو، وخرجت سميره من الدار وهي تشعر بثقل الكلمات التي سمعتها. في الطريق إلى بيتها، كانت تفكر في كل ما قالته أمها وكانت متيقنة بأن صباح هى من أفصحت بكل شئ.
وحينما عادت سميرة إلى الدار، وجدت صباح جالسة في الحوش، تنخل الدقيق بحركة رتيبة ومتقنة. كانت الشمس قد بدأت في الميلان قليلًا نحو المغيب، مما أضفى ظلالًا طويلة على المكان. وقفت سميرة للحظة، ونظرت إلى صباح بنظرة مليئة بالغيـ.ـظ، تلك النظرة التي تحمل في طياتها كل شيء؛ الغضـ.ـب، الغير.ة، والضـ.ـيق.
كانت مشاعرها في تلك اللحظة تكاد تنفـ.ـجر، لكنها بحكمتها المعتادة امتصت غضـ.ـبها، وابتلعت مرا.رتها. لفت الطرحة بإحكام على رأسها، ثم سارت في صمت، متجهة إلى داخل البيت. لكن صباح، التي لم تكن غافلة عن أي شيء يحدث حولها، رفعت رأسها ببطء ونظرت إلى سميرة بعيون تحمل خليطًا من التحد.ي والحنـ.ـق. تابعت أثر سميرة وهي تبتعد، تشعر كأن نير.ان الغـ.ـيرة تحر.ق قلبها من الداخل.
كانت صباح تتأ.لم بصمت، تشعر بأنها على هامش الحياة في هذا البيت. رغم أنها كانت تقوم بكل ما عليها، ورغم عملها في الدار، إلا أن الحظ لم يكن يومًا في صفها. شعرت أن الجميع يفضلون سميرة، تلك التي لا تبذل مجهودًا كبيراً لكن تحصل على كل شيء. كان ذلك الإحساس بالمناصفة، وكأن الجميع يقسمون لها النصيب الأكبر، يزيد من أ.لم صباح ويعزز شعورها بالظـ.ـلم.
انغمست في نخل الدقيق مرة أخرى، لكن تلك الحركات التي كانت تقوم بها بمهارة أصبحت الآن أقل انضباطًا، وكأن الغضـ.ـب بداخلها بدأ يظهر حتى في أدق التفاصيل.
رأت زوجها قادماً على بغلته وكانت هى تغـ.ـلي من الداخل، لم تكن تستطيع تجاهل شعورها بالظـ.ـلم. اقتربت من عبد العزيز بخطوات غا.ضبة، بينما كان يربط الحمار بقرب الدار. عندما رآها قادمة، تأ.فف بصوت خا.فت وحاول أن يبدو مشغولًا.
ـ عبد العزيز، أنت مش ناوي تعمل حاجه؟
نطقت بحد.ة، وهي تضغط على كلماتها بشد.ة.
أغمض عينيه قليلًا وز.فر، محاولًا تجنب الخوض في جد.ال:
ـ ماني بربط البغل اهو يا صباح، روحي ناوليني غمر برسيم احطهم للبها.يم في الزر.يبة.
صر.ت صباح على أسنانها وقالت:
ـ الصبر من عندك يا رب، برسيم إيه يا عبد العزيز؟ أنا بتحدت في إيه وانت بتقول إيه؟
التفت إليها أخيرًا، وكان وجهها ملطخًا ببعض الطحين الأبيض، فأضاف بلهجة سا.خرة:
ـ والله أحسن حاجة إن وشك مداري في الطحين، شايل عني ياما. الله يكون في عون الطحين، زماناته بيقول: ليه تر.موني الر.مية المنيلة دي، عملت ايه في حياتي بس!
نظرت إليه نظرة غا.ضبة وقالت:
ـ إنت بتتمسـ.ـخر عليا!
ضحك عبد العزيز محاولًا إنهاء الجدال، وقال بنبرة مستر.خية:
ـ استهدي بالله يام راضي، اني بضحك معاكي هو أنا اقدر أتمسـ.ـخر عليكي بردك؟
نظرت إليه بنظرة متشككة وقالت:
ـ بتضحك معايا! وماله ياسيد الرجاله اضحك وهزر على كيفك، بس اسمعني زين بقى، عشان في كلام لازمن يتقال.
نفخ بنفا.ذ صبر وقال:
ـ كبي اللي في بطنك، ياصباح.
ردت بغـ.ـضب، غير عابئة بسخريته:
ـ أبوك الحج عبد الرحيم وافق على تعليم صالح، طب وعيالنا؟ مش هيتعلموا؟ ولا هو مفيش عدل في الدار دي؟
عبد العزيز حاول تفادي المشا.كل وقال ببرود:
ـ يا صباح، هو انتي مش بتفوتي فرصة إلا لما تنكد.ي عليا؟ انتي مش عارفة تفرحي شوية لَجل ربنا؟
صاحت صباح، وقد بدأ صبر.ها ينفد:
ـ شوف الراجل ياولاه، برده مردتش على سؤالي ياعبد العزيز! مدام صالح هيروح البندر، يبقى عيالنا لازمن يتعلموا زييه برضو، ولا عيال الكبير يتعلموا وإحنا عيالنا هتفضل جهلة؟
عبد العزيز، وهو يشعر بأن النقاش بدأ يخرج عن السيطر.ة، رد بحد.ة:
ـ ياوليا اتلمي واكتمي بقى،بزياداكي جُرس وفضا.يح، وابويا الحج عبد الرحيم هو اللي وافق وقال كلمته. والدار لسه ما صدقت تهدى وترجع زي ما كانت، وانتي جاية تحطي نا.رك جمب الجا.ز تاني. ليه؟
وضعت صباح يدها في جانبها وردت بسخط:
ـ أيوه أيوه قول إنك خايف تنطق وحد يسمعلك. حوش حوش بقى وشوف اللي مش شايل هم عياله! وخايف.
عبد العزيز، وهو يضيق ذرعًا بها:
ـ يا بنت الناس، العيال لسه صغار، وكلامك ديه لسه بدري ياما عليه.
صباح، وهي تشعر بالإحباط:
ـ الصغير بكره يكبر ياحبيبي، وقولي بقى اخرتها ايه معاك ولا انت مش هتتحدت ويا أبوك الحج؟
عبد العزيز بحزم:
ـ أيوه، إني مش هتكلم في حاجه سابقه لأونها لما العيال تكبر يبقى يساويها ربتا، ولو مش عاجبك انتي بقى، اتشمللي انتي يختي وروحي قولي لأبويا الحج عبد الرحيم إنك مش راضية! والدار دي كلها مفيهاش عدل، وكله ظـ.لم في ظـ.لم.
صرت على أسنانها، لأنه يعرف أنها لا يمكنها مواجهة الجد عبد الرحيم، فظلت صامتة، لكنه صمت كان مليئًا بالغضـ.ـب والمرا.رة.
في اليوم التالي صباحًا، ذهب الإخوة إلى الأرض كعادتهم، وكان الجد عبد الرحيم جالسًا تحت تكعيبة العنب، مستمتعًا بظلها الهادئ. جلست الجدة نعيمة أمامه، وضعت الخشبة التي تستند عليها بجانبها، وسألته بترقب:
ـ ناوي على إيه يا حاج عبد الرحيم؟
رد عبد الرحيم بتجاعيد وجهه وابتسامة خفيفة:
ـ في أي يا حاجة؟
سألت نعيمة بجدية:
ـ إني شايفاك ساكت ومش راضي تريحني وتقولي ليه وافقت على تعليم أحفادك.
تنهد عبد الرحيم، وهو يمسك مسبحته، وقال ببطء:
ـ زمن عبد الحميد إبن أخويا خُلص وانتهى يا حاجه نعيمة. وديه كان من سنين ودلوقتي، كل الناس في الكفر بتعلم عيالها. واني بعد تفكير طويل شايف الصالح إن صالح وعيال الدار بعد أكده يتعلموا ويتنورا، واهو برضو لما يكبر صالح ويبقى راجل ملو هدومه متعلم ومتنور هيكون هو القلم في يد أبوه.
أجابت نعيمة بقلق:
ـ ايوه، بس إيش ضمنك إن صالح هيعاود ويرجع على الكفر؟ ما يمكن يعمل زي خاله؟ ولا مثلا تغويه واحده من بنات البندر! ساعتها، حسين ابنك مش هيستحمل ياحج.
رد عبد الرحيم بثقة:
ـ حفيدي متربي على الأصول والقلب الطيب، يا نعيمة. ابن الأصول مهما يتوه في الدنيا، مسيره يرجع لعشه.
قالت نعيمة، وهي تفكر في كلامه:
ـ يعني انت شايف كده، يا حاج؟
أجاب عبد الرحيم بحزم:
ـ ايوه، يا حاجه. اتكلنا على الله.
بهذا، غمر الصمت المكان، بينما كانت الجدة نعيمة تستوعب الموقف وتفكر في كلمات زوجها، وكان عبد الرحيم مطمئنًا لقراره، مؤمنًا بأن صالح سيعود إلى جذوره مهما تاه في الحياة.
في إحدى زوايا البيت، كانت فاطمة جالسة بجانب وفاء، وهي مشغولة بإعداد المحشي لتساعدها في انهائة. كانت وفاء في الشهر الثامن من حملها، وملامح البطن البارز تشير إلى قرب موعد الولادة. بينما كانتا تعملان، بدأت وفاء تحكي لها عن فرح ابنة الجيران بحماس: وسألت فاطمة بفضول:
ـ يعني يامرت أخويا كانت الليله حلوه؟ والعروسة جت على الهودج؟
ردت وفاء بفرح:
ـ ايوه، طبعاً! العروسة جت على الهودج، وكان الفرح جميل وشوار العروسة كامل من مجاميعه.
ثم أضافت بضحكة:
ـ بس اسكتي، يا فاطمة، على اللي حصل الليله اللي فاتت لمرت عمك زاهية في الفرح.
بدأت فاطمه تشعر بالفضول، سألت:
ـ إيه اللي حصل؟ أحكي وقولي بسرعه.
أكملت وفاء سارده للموقف وهي تضحك:
ـ وهي قاعدة تتحدت مع الحريم قدامهم منقد النا.ر، عيال الدار كانوا بيجروا ورا بعض، وعيل منهم كان معاه لمبة جاز رايح يعبيها. اتكعبل في خاله زاهيه ووقع عليها، وحبة الجا.ز اللي في اللمبه وقعوا على طرحتها. النا.ر اللي في المنقد شمت الجا.ز وبعدين قا.دت نا.ر في الطرحة. زاهية فضلت تصو.ت، والحريم جابوا تراب وكبوه فوق راس خاله زاهيه لحد ما طفوها.
ما إن سمعت فاطمه، متخيلة هذا المشهد المضحك. قهقهت عالياً بصوت مرتفع وتكاد عيناها تدمعان كلما تذكرت ما حدث لزوجة عمها وقالت بين ضحكاتها:
ـ يلهوي مش قادرة أبطل ضحك واللي زاد وغطى الحريم وهما يحطوا التراب على راسها.
ثم سكتت للحظه واكملت بحيره:
ـ ياريتي جيت معاكوا مش عارفه ليه أبويا الحج هيفضل حابسني كده، فرح بت أبو سويلم مرضيش يخليني اروح معاكوا، وحنة بنت أبو حامد برضو قال خليني اهني، مش عارفه ليه.
ردت وفاء قائلة بعقلانيه:
ـ ابوكي الحج حسين بيغار على حريم الدار كُلّتها، مابالك بقى بأخته وآخر العنقود كمان!
ـ يعني فكرك عشان كده يامرت اخويا؟
ضحكت وفاء مجيبه:
ـ اومال يعني عشان متحطيش تراب فوق راس مرت عمك زاهيه؟
عادت ضحكاتهم مرة أخرى واكملوا الطعام حتى انتهوا وبعد أن انتهت فاطمة من الضحك، رفعت حلة المحشي وضعتها على الكانون، ثم أشعلت الحطب لتسويته. في الوقت نفسه، كان الرجال متوجهين إلى صلاة الجمعة، وسط الأمطار الخفيفة،بينما كانت سميرة تحمر البط والدجاج، واضعه صنينه فوق رأسها لتفادي مياة المطر ،وإخلاص تكنس الحوش، وصباح تخبز الرقاق. كل واحدة منهن كانت منهمكة في عملها، تجتهد في تحضير وجبة الغداء.
عندما انتهى الرجال من الصلاة وعادوا إلى المنزل، كانت الجدة نعيمة قد أعدت كل شيء، وبدأت في توزيع الدجاج الذي تم طهيه داخل الرقاق. المشهد كان يعكس الروح الجماعية للعائلة، حيث كل واحد كان يساهم في تحضير وجبة الغداء والمساعدة في الأعمال المنزلية على قلب رجل واحد.
كانت الشمس تتسلل بخجل بين الأغصان، مُلونة الحقول بأشعة ذهبية دافئة، بينما إسماعيل يمضي يومه في سقاية الأرض. كان الصباح مشبعًا برائحة التراب الرطب، وصوت الماء يتدفق من الساقية بخفة ليُحيي الزرع العطِش. وقف إسماعيل هناك، ممسكًا بالدلو، منغمسًا في عمله، والعرق يتصبب من جبينه بفعل الحرارة والجهد.
بينما هو منهمك في سقاية الأرض، لمح من بعيد طيفًا يتحرك بين الحقول. رفع رأسه ليرى فتاة شابة، تشق طريقها عبر الممر الضيق بين المحاصيل، تحمل صينية مغطاة بعناية فوق رأسها. كانت تتهادى بخطوات هادئة، وكأن الأرض تفسح لها المجال كي تمر. الريح تلعب بخصلات شعرها المتمردة التي خرجت من تحت غطاء رأسها، وملابسها البسيطة تتحرك بخفة مع كل خطوة تخطوها.
توقف إسماعيل، كأن الزمن تجمد للحظة. عيونه اتسعت وهو يتابعها، كأنما قد سحره مشهدها. لم يكن هناك شيء غير عادي في تلك اللحظة، لكنها كانت بالنسبة له كل شيء؛ ابتسامتها الخفيفة، طريقة سيرها، والطريقة التي كانت توازن بها الصينية على رأسها، كل حركة منها كانت تزيده انجذابًا.
كانت تقترب أكثر فأكثر، وبينما هي تمضي في طريقها نحو الأرض التي يعمل بها والدها، بدأت التفاصيل تتضح لإسماعيل. رأى وجهها الواضح النقي، ولون خدودها الذي اكتسى بحمرة خفيفة من أثر السير تحت أشعة الشمس. عينيه لم تستطع أن تتحرك بعيدًا، كأنهما مغناطيس يشده نحوها، يراقبها من بعيد دون أن يقوى على فعل شيء سوى التأمل.
وفي تلك اللحظة، شعر بشيء يلامس قلبه، كأن نسيمًا دافئًا قد مر به فجأة، ليملأه شعور غريب بين الدهشة والإعجاب. كانت الأرض من حوله تضج بالحياة؛ صوت الطيور، وزقزقة العصافير، وهمسات الريح بين الأغصان، لكنها بدت له صامتة، كل شيء عداها هي.
بينما هو غارق في تأملها، لم يدرك أن أخويه سالم وحسان كانا يقتربان منه، يراقبانه من بعيد بابتسامات متبادلة. شاهدا نظراته المعلقة بتلك الفتاة، وتبادلا نظرة من يعرف سرًا. كان المشهد بالنسبة لهما واضحًا كالشمس؛ إسماعيل لم يعد مجرد فتى يسقي الأرض، لقد أصبح عاشقًا يرى في وجه تلك الفتاة أحلامًا جديدة.
تلاشت الفتاة بين الحقول، تاركة خلفها أثرًا لا يُمحى في قلب إسماعيل. عاد لدلوه وساقيته، لكن قلبه لم يعد كما كان. مضى إلى عمله، لكن فكرة واحدة لم تفارقه، هي تلك اللحظة التي أمسكته فيها نظراته، دون أن يعرف كيف سيتحرر منها.
في أحد الأيام الهادئة، كانت وفاء تتلوى على السرير من شدة آلام الولادة، في غرفة بسيطة تفوح منها رائحة الأعشاب الطبية التي استخدمتها النساء في هذا الزمن. كان ضوء الشمس الخافت يتسلل من النافذة، مضيفاً لمسة من الدفء إلى المكان. والجميع في إنتظار الداية التي كانت بارعه في مجال الولاده حينها.
وأخيراً أتت أم حسونة، الداية المعروفة في القرية، دخلت الغرفة وهي تحمل أدواتها التقليدية. كانت ترتدي ملابس بسيطة وشال اسو.د اللون على رأسها. بجانبها، كانت تحمل سلة صغيرة تحتوي على الأعشاب الطبية وملاءات نظيفة.
وفاء كانت تتنفس بصعو.بة، ممسكة بيد سلفتها الكبيره سميره التي كانت جالسه بجانبها، تحاول أن تهدئها بحديثها البسيط:
ـ جمد.ي قلبك، ياوفاء وشدي حيلك شوية.
ولجت إخلاص مسرعه وهى تحمل إناء به الماء الساخن الذي طلبته السيدة أم حسونه تو وصولها، اقتربت إخلاص من وفاء وهى تجفف جبين وفاء المتعرق وقالت لها بلطف:
ـ شدي حيلك يا وفاء وجع ساعه ولا كل ساعه يختي، اجمد.ي كده.
بكـ.ـت وفاء وهى تقول بو.هن:
ـ مش قادره يا إخلاص، مش قادره ياعمه سميره حد يشيع لسالم اني حاسه اني همو.ت واني بولد.
ربتت سميره بقـ.ـلق وقالت:
ـ ألف بعد الشـ.ـر يابت متقوليش الحديت دِه انتي بس حاسه كده عشان بكريه، بعد كده الولاده هتبقى سهله قوي وهتجيبي عيلين وتلاه كمان.
وردت إخلاص قائلة:
ـ اني شيعت صالح راح جري على الغيط وهيقول لعمه سالم وهيجي طوالي. انتي بس اسمعي كلام الدايه وهتقومي بالسلامه.
اقتربت منها أم حسونة، وهي تبدأ في ترتيب الأمور، قالت بصوت هادئ:
ـ ارخي عصبك شويه ياست وفاء، واتنفسي، اتنفسي على قد ما تقدري.
حاولت وفاء أن تسترخي، لكنها كانت تتأ.لم بشد.ة. وبدأت أم حسونة بإجراء الولادة، مستخدمة تقنياتها التقليدية، وكانت توجيهاتها بسيطة ومباشرة.
ـ أيوه قربنا اهو اتنفسي أكتر يا حلوه. الراس بانت اهي.
بعد وقت من الجهد والتحمل، سُمعت صر.خات الطفل تملأ أرجاء الغرفة.بل المنزل بأكمله، ابتسمت الجده نعيمه التي تجلس في ساحة الدار تسبح بإستمرار وتدعي الله أن يتم الأمر على خير، قامت أم حسونة بتنظيف الطفل ببطء وتغطيته بملاءة نظيفة، ثم وضعته بين ذراعي وفاء.
ابتسمت وفاء بفرح وهى تتنفس الصعداء، وأخذت طفلها إلى صدرها، وكانت د.موع الفرح تلمع في عينيها. أم حسونة نظرت إليهم بابتسامة راضية، وقالت:
ـ اللهم صل على النبي، واد زي القمر، الحمد لله على السلامة.
غمرت السعادة الغرفة، وتعالت سميره بالزغاريد وخرجت لتنشر الخبر السعيد لأهل الدار واحتفل الجميع بالضيف الجديد الذي أتى إلى الدنيا، وسط أجواء بسيطة ومليئة بالفرح.
في المساء، اجتمع الكل في المندرة، حيث كانت الأجواء مشبعة بالفرح والاحتفال. وفاء كانت تجلس على الأرض، تحمل الطفل الرضيع بحنان بين ذراعيها، وأطفال الدار كانوا يتجمهرون حولها، يضحكون ويلعبون، وكل واحد يحاول الاقتراب من الرضيع، يلمس يده الصغيرة أو يحاول إضحاكه.
الابتسامات تعلو الوجوه، والجميع يبارك لسالم على قدوم المولود الجديد. سالم كان يمرر يده على لحيته وهو ينظر إلى طفله بفخر، لكن وسط هذا الفرح، أراد أن يعرف الاسم الذي سيحمله ابنه. واحتراماً لكبيرهم توجه سالم نحو والده الجالس بجانب الجده، ونظر إليه نظرة احترام وقال:
ـ إيه يابا الحج، هتسميه إيه؟
رفع الجد، عبد الرحيم، رأسه ببطء وأخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى سالم بحز.م ورزانة:
ـ اني خلاص زوقي في الأسامي بقى قديم قوي يا سالم ياولدي، أخوك الكبير هو اللي يسمي.
تفاجأ سالم قليلًا واتجه بنظره نحو أخيه مبتسماً وسأل مجددًا بنبرة مشاغبة:
واني مش هتنيلك كلمه يابا؟ وأبويا الحج حسين هو اللي هيسمي ولدي، ها ناوي تسميه إيه يا حج حسين؟
ابتسم حسين بخفة وهو يشير بعينيه إلى الطفل الصغير بين يدي وفاء، وقال بصوت هادئ وواثق:.
ـ سميناه على بركة الله، "حافظ."
نظرت وفاء إلى زوجها بعينين مليئتين بالسعادة وقالت بهدوء:
ـ الله، حافظ! الإسم حلو قوي. قوي.
أبتسم سالم مترددا وقال بسعادة:
ـ حافظ سالم عبد الرحيم قاسم! يسلام، اسم حلو قوي والله! يسلم لسانك يابا الحج حسين.
الجميع هز رأسه بالموافقة، مباركين الاسم الجديد، وبدأت الأمسية تتزين بالضحكات والحديث عن المولود الجديد وحياته القادمة.
في زاوية الغرفة، جلست صباح متكئة على الحائط، ملامحها هادئة لكن بداخلها كان هناك صر.اع. عيونها مركزة على الأرض، وكأنها تحاول تجاهل الضجيج والفرح الذي يحيط بها. لم يكن أحد يلاحظها وسط الزحام، لكن عبد العزيز لم يغب عنه وجودها. اقترب منها بخطوات بطيئة وجلس بجوارها، ناظرًا إليها باهتمام.
قال لها بصوت هادئ:
ـ مالك قاعده ساكته ليه يا صباح؟
نظرت إليه صباح بنظرة جانبية، ثم قالت بصوت ثقيل:
ـ عايزني أقوم اتحزم وارقص ولا إيه يا عبد العزيز؟
ابتسم عبد العزيز بسخرية وقال:
ـ يا ساتر على حنكك اللي بيحدف مزراب جله، مفيش كلمة حلوة تطلع من الكابنيه دِه؟
نظرت إليه صباح نظرة حا.دة وقالت:
ـ اتلم يا عبد العزيز وعدي الليلادي على خير.
ضحك عبد العزيز بصوت خفيف وهو يحاول تهدئتها:
ـ طب ماتعديها إنتي يا صباح، وافرحي ويانا. هى مش سلفتك والدة النهارده؟ المفروض تفرحي زي باقي سلايفك، ولا إنتي هتفضلي واخدة زرنوق وقاعدة لحالك؟
تنهدت صباح بنفاد صبر وقالت:
ـ حاضر، هفرح اهو. مش قولتلك اتحزم وارقص؟ قولت لاه؟
عبد العزيز هز رأسه وقال بتنهيدة:
ـ يا مثبت العقل في الراس يا رب!
ثم نظر للأفق وغمغم قائلاً بإحباط:
ـ بقى يا رب مالقتش نسوان في الدنيا غير صباح وتبليني بيها!
نظرت إليه صباح بشك وقالت:
ـ بتبرطم بتقول إيه يا عبد العزيز؟
رد عليها بسرعة وهو يحاول إخفاء ضحكته:
ـ مبقولش حاجة، بدعيلك يا صباح، بدعيلك بالهدى يا بت أبو زاكي.
تبادلوا النظرات لبضع لحظات، وغمز إليها زوجها بروح الدعابة ثم ارتسمت على وجه صباح ابتسامة صغيرة، وكأن جزءًا من ثقلها قد زال.
بعد ولادة وفاء، وانتشار الخبر في البلدة بسرعه كبيره بدأ الجيران يتوافدون إلى بيت العائلة لتقديم التهاني والتبريكات. كانت كل جاره يأتي محملة بسلة تقليدية تُعرف بالسُبت، وهي سلة مصنوعة من القش تحتوي على مجموعة متنوعة من المواد الغذائية التي تعكس كرم الضيافة.
كانت النساء يحملن السُبت فوق رؤوسهن أو بأيديهن، يرتدين ملابس ملونة ومزينة. لدى وصولهن، يضعن السَبّت بجانب الباب، ويبدأن في تقديم التهاني بابتسامات دافئة.
"كان يتم وضع السُبت بجانب المدخل، وكانت زينب وسميرة تساهمان في ترتيب المكان، وتشرفان على تنظيم الهدايا، وتستقبلان الزوار بترحاب.
إلى أن جاءت زاهية وخلفها زوجة ابنها صفية، تحمل فوق رأسها السُبت، وجلست زاهية بجوار وفاء، وعيناها تكادان تبحثان بفضول عن الطفل الصغير، فقالت بلهجة ماكرة:
ـ ألف بركة يا وفاء! ولا نقول لك يا أم حافظ؟
ردت وفاء بأدب:
ـ الله يبارك فيكي يا خاله زاهية.
ظلت زاهية تنظر حولها بترقب، تحاول بأي طريقة رؤية الطفل، ثم قالت بلهجة سا.خرة:
ـ أومال، مش هتورينا الواد ولا إيه؟ عايزين نشوفه طالع و.حش لامه ولا زين وحلو لابوه.
شعرت وفاء بالضـ.ـيق، وكانت على وشك أن تُظهر لها الطفل، لكنها تذكرت موقف سبوع أزهار، فردت بدهاء:
ـ لا ده و.حش خالص ياخاله، وهو ياكبدي نايم يا حبة عيني، مصدقت إنه نام. إنتي عارفة يا خالة زاهية العيال ونواحهم أول شهور يبقوا عاملين إزاي، مش كده ولا إيه؟
انفـ.ـعلت زاهية من هذا الرد وعلمت أن وفاء ترد لها ما حدث من قبل، وقامت لتغادر وهى تقول:
ـ طيب يختي اللي جابلك يخليلك، هروح أسلم على الحاجه نعيمه.
لم تهتم وفاء وضحكت عليها زينب وهي تقول:
ـ يخر.ب مطنك إنتي مش سهلة برضو يابت يا وفاء.
ردت وفاء وهي تبتسم:
"يوه، هو ولد ابنها أحسن من ولادنا ولا إيه؟ محدش أحسن من حد. ياعمه زينب. ولا نسيانه اللي عملتوا فينا قبل سابق.
اقتربت منها زينب لتحذ.رها بلطف:
ـ بس خلي بالك، لو سميرة سمعت ممكن تزعل، دي مهما كانت أمها.
وفاء طمأنتها:
"متخافيش، عمتي سميرة فوق راسي، ده اني بحبها قوي.
بعد دقائق، امتلأ البيت بالنساء، يتبادلن الأحاديث والقصص، وانتشرت بينهن أجواء الفرح والسرور.
وفي ختام الزيارة، كانت الأجواء مشبعة بالسعادة والمشاركة، حيث عزز الجيران روابطهم واحتفلوا بالمناسبة الجديدة وسط دفء العائلة وتعاون المجتمع، ليظل البيت ينبض بالحياة.
وبعد انتهاء سبوع الطفل، وتجمع العائلة والجيران في الاحتفالية التي غمرتها أجواء الفرح والسرور، بدأ الجميع في التوجه إلى بيوتهم للراحة. في هذا الوقت المتأخر من الليل، جلس الجد عبد الرحيم على الدكة الخشبية أمام البيت، وهو يتطلع إلى الهدوء الذي يعم المكان بعد انتهاء الاحتفال. كانت زوجته، نعيمة، تجلس بجانبه، وقد استقرت الأمور وعمّ السكون في أرجاء البيت.
نظرت اليه زوجته متسائلة:
ـ مالك ياحج ساكت ليه زي ما يكون في حاجه دايره في راسك وعايز تقولها.
نظر عبد الرحيم إلى زوجته وقال بصوت هادئ، ولكن يبدو عليه الجدية:
ـ أخويا عبد اللطيف كلمني في حاجه كده بعد صلاة العشا.
فأجابته نعيمة بقلق:
ـ كلمك في إيه خير، يا حج؟
رد عبد الرحيم بعد تفكير قصير:
ـ رايد بتك فاطمه لولده صبري.