رواية وحوش لا تعشق الجزء الثاني من ليالي الفصل الاول بقلم رحاب ابراهيم
دثت السماء الأرض بأمطارٍ خفيفة ولفح سِحر رطب الهواء بشرتها الرقيقة وهي تدنو ببطء للاسفل بقدمها العرجاء ، ومن يراها يقول أنها طفلة وليست فتاة قد عادت ذكرى مولدها في تاريخ هذا اليوم ....
التفتت حولها في الممر الطويل بعد أن تركت آخر خطوات الدرج الرخامي هبوطا للاسفل ..رمقت امها تجلس وبيدها مجلة تعرض أزياء نسائية ..اقتربت مريم منها بتذمر حتى وقفت أمامها وأردفت بأعتراض :-
_ بردو مش هتعملولي عيد ميلاد !
رفعت ليالي نظرها إلى ابنتها بحدة وقالت بضيق:-
_ اظن أنتي عارفة السبب يا مريم ، جدتك ماتت في اليوم ده ، وكمان آدم ....
صمتت ولم تتابع وامتلئت عيناها بصري الدمع الحزين الذي صاح في القلب وسكن ...قالت مريم وأردات أن تدب قدمها بالارض اعتراضاً ولكن عرج قدمها صفع إرادتها بالتمرد :-
_ مش ذنبي أن آدم مش أخويا ، ومش ذنبي أنه عرف الحقيقة يوم ما اتولدت ،ومش ذنبي أن تيته كمان ماتت في نفس اليوم !هي كانت تعبانة من زمان وبابا قالي كدا !
نهضت ليالي وانتفضت من مقعدها بنظرة حادة ثم مالبثت أن لانت قليلا لأن ابنتها لا ذنب لها فيما حدث هذا اليوم الذي ولسوء حظها وافق يوم شاق القلب فيه من الالم ..
قالت وهي تربت على كتفاها بلين وحنو :-
_ طب خليه يوم تاني ، وهعملك احلى حفلة
نفضت مريم رأسها برفض وعيناها الزرقاوان تتلألأ بدموع كضي النجوم في سماء وجهها الباهر الجمال ...قالت بصوت تاه بنبرتها الباكية:-
_ مش بيبقى ليه طعم ومابحسش بيه ، انا كل سنة على كدا ، ياريتني مُت وريحتكوا...
ذهبت من أمام امها وهي تجهش في البكاء وهاجم قلب الام (ليالي) الحزن لرؤية ابنتها بهذا الحزن والعرج التي لازمها منذ ولادتها ....سرى الدمع على وجنتيها وهي تجلس مجددا وتذكرت يوما لن تنساه ابداً ...
:فلاش باك لسنوات خلت ومضت :
___________________________
يومًا اتى بنهارٍ مشرق بابتسامة على فمها تُسعد الرائي بدون سبب ،انتظرت ليالي زوجها "عمر" حتى يأتي من سفره بمهمة عمل طارئة للخارج عبر مكاتب مراد غالي بعد أن تم دمج شركاتهم بموافقة الطرفين ....
دلف إلى الغرفة وهو باسط ذراعيه لها كي تنتمي إلي ضلوع صدره الذي خلفه حياة القلب تعشقها ....همست له برقة وهي تنظر بعيناه بنظرات مشاكسة ..قالت :-
_ هقولك خبر بس مش عايزاك تتعصب ، لو كنت غالية عليك ..
قربها له مرة أخرى بلهفة وقال :-
_ قولي كل حاجة انتي عايزاها ، وحشني صوتك
اتمت العزم واجمعت شجاعتها ثم قالت وكأنها تُلقي بالحديث ولا تتفوه به :-
_ انا حامل ومش هنزله وحياتي عندك
تبلد وجهه فجأة وابعدها عنه قليلا ثم قال بعتاب :-
_ الدكتور قال ماينفعش يا ليالي ، انتي عندك مشاكل وأي طفل هتجبيه هيكون عنده مشاكل ، انتي مش شايفة فهد ، حالة التشنج اللي بتجيله بتزيد سنة بعد سنة ومالهاش علاج ....
ضغطت على فمها التي سالت عليه دموعها ثم قالت معترضة :-
_ انا استنيت كتير أوي ، ده فهد بقى عنده ١١ سنة ، مش يمكن ...
قاطعها بحدة وعصبية:-
_ انا قلت لأ يعني لأ ، لأن كمان في خطورة على صحتك وانا ما صدقت بقيتي كويسة ، انتي ما بتجبيش اطفال سليمة ...
بعدت عنه وكأن لامسها صاعقة كهربائية واتسعت عيناها بذهول من قسوة جملته حتى الجمت فمها من الحديث ..
أدرك خطأه سريعا وأراد أن يصفع نفسه على هذه الجملة الشنيعة التي جرحتها إلى هذا الحد حتى جذبها إليه رغم اعتراضها وتأسف كثيرا ......
وما ذاب الألم بقلبها إلا بموافقته استمرار الحمل رغما عنه ...حتى مرت الايام ببطء ومنع السفر في هذه الآونة لتصيح ليالي في صباح أحد الايام بصرخة مدوية قد اعلنت عن قرب مجيء الصغيرة ......
جلس آدم في حديقة المدرسة على أحد الاشجار المقطوعة وهو مقتطب الوجه بحيرة ....لماذا لا يريد آباه تغيير الخطأ في الاوراق مثلما برر له عمر ذلك كثيراً ....
أتى فهد راكضا وهو يلهث حتى جلس بجانب آدم بنظرة متحمسة وهتف :-
_ ضربت يوسف اللي شتمك يا آدم ، كسرته.. وخليت كل العيال تضحك عليه
لم يتفوه آدم واستمر في تيهانه حتى كشر فهد بغيظ وصاح به وهو يوكزه في كتفه بخفة:-
_ محدش هيكلمك تاني واللي يضايقك قولي وانا هضربه !
نهض آدم وجذب فهد من يده ثم قال بتيهة :-
_ طب يلا عشان السواق زمانه مستنينا برا ، يلا نروح..
في خلال دقائق كان آدم وفهد في السيارة وأخبرهم السائق أن ليالي بالمشفى للولادة وذلك عقب ذهابهم صباحا ، فأصرّ الفتيان أن لا يذهبوا للمنزل وطاع السائق أمرهم مرغما....
تركوا حقائبهم بالسيارة التي توقفت أمام مبنى المشفى الخاص حتى ترجلوا منها سريعا ليدلفوا بداخلها راكضين من القلق ،وقابلهم عمر وهو يُنهي بعض الأوراق في الاستعلامات .....
ركضوا إليه حتى عانقه فهد بقوة وقال بقلق :-
_ ماما عاملة إيه ؟
ابتسم عمر لابنائه رغم دهشته بوجودهم ، وطمئنهم ولكن أصر فهد على اجابة السؤال ولم يلاحظ أحد الورقة التي سقطت من عمر إلا آدم ،أقترب ليأخذها ولكن بالصدفة كانت الورقة مطوية على الجهة المكتوبة وأظهرت تاريخ زواج عمر وليالي "قسيمة الزواج" وكأن القدر شاء كشف الحقائق ....
انزوى ما بين حاجبي آدم بضيق بعد أن لمح التاريخ المدون بحرفية على الورقة وردد :-
_ هو انت يابابا متجوز بعد انا ما اتولدت !
صدر صدى لجملة آدم بصعق كهربائي لاح بعقل عمر حتى التفت إليه بصدمة وهو يبلع ريقه بصعوبة ولم يجد مبرر يتحجج به الآن .....
اعطى للموظف الورق المطلوب وأمر السائق بالمتابعة ثم أخذ الفتيان وخرج من المشفى ....
تجهم وجه الفتيان وهم بالسيارة بالنقيض فآدم لمعت بعيناه دموع غائرة وتائهة ،وفهد نظرات تحدي وتملكية صلة الدم فهذا أخاه ولو العالم اجمعه اجتمع على النقيض فلم يعرف قلبه شقيق غير آدم ....
وقف عمر بالسيارة أمام الفيلا واستعد لتوضيح كل شيء لآدم فما سبيل للانكار الآن بعد أن باتت المبررات سخيفة وغير منطقية ....ولكن قابلته كريمة بالصراخ واعلنت وفاة فريدة بعد صراع دام طويلا مع المرض خلال السنوات الماضية .....ركض الفتيان لغرفة جدتهم باكيين في حين أن قلب عمر كان يتمزق من الحزن لفراق والدته الحبيبة رغم أن الطبيب في آخر زيارةٍ له أشار من بعيد أن استمرار حياتها أكثر من ذلك سيعد عذاب لن تتحمله بسبب المرض الذي عجز الدواء في شفائه ....
_________________________________
عادت ليالي إلى الواقع بتنهيدة حزينة لذكرى هذا اليوم وتمنت أن يريح الله قلبها .......
دلفت مريم ببكاء إلى غرفتها ودفعت جسدها على وثار الفراش بعبرات متألمة ثم أخذت هاتفها واتصلت بشقيقها
فهد :-
كان يستعد للذهاب لأحد مهامه الرسمية في القبض على مجرمٍ شديد الخطورة والذكاء في الأفلات من الشرطة ، أعد سلاحه في جانبه كغمد السيف ثم ارتدى نظارته السوداء وكاد أن يذهب حتى انتبه لهاتفه وأجاب بحنق:-
_ ايوة يا مريم ؟
هتفت مترجية ببكاء فاض بصوتها كالاعصار :-
_ كلم ماما عشان تعملي عيد ميلاد زي صحا....
لم تكمل حديثها حتى انتبهت لانهاء المكالمة .....دفعت الهاتف والقت رأسها على وسادتها حتى تكتم صرختها اليائسة....
أراد أن يُلقي بالهاتف في صندوق القمامة من شدة غضبه من شقيقته ، ولكن سأل القلب على رفيق الدرب الشقيق ...هاتفه بقلق وأجاب الآخر بعد دقيقة...قال فهد :-
_ آدم ، انا عارف انت فين دلوقتي
عيناه على الطريق ويده على المقود ،مالت أشعة الشمس على زجاج نافذة السيارة مما جعلت جانب وجهه مضاء ، وهذا ما جسد كيانه المشقوق إلى حنان وحنين جااارف لم يسطع إلى سطح القلب وبين وجه معتم مظلم گ ليلةٍ قاحلة الظلام في قسوة شتاءٍ يرجف القلوب....
أجاب على النصف الآخر لقلبه الذي مهما اظلمت الظروف روحه يظل هذا الفهد في طيات القلب ساكن ...
_ فهد ، مش هقدر اتكلم معاك دلوقتي ، خلي الكلام في وقت تاني
تنهد فهد بحدة واحتدت ملامحه بغضب ولكن لأجل شقيقه ليس ضده :-
_ أخويا ،وهتفضل أخويا ،ومش هرضى بأقل من كدا
أجابه آدم سريعا قبل أن يغلق الخط :-
_ ده غصب عنك
أغلق آدم الهاتف تمامًا بعد أن لمح قُربه من المقابر ، استقرت سيارته في أحد الزوايا ، وتقدم بخطوات تقع مابين سرعة الحنين وبطء الألم ....
بقلم رحاب إبراهيم
____________________________________سبحان الله
بين موجات الغضب الساكنة ونيران الحنين لوجهٍ لم يره أبداً إلا في صورها ..تاه في غيابات الحزن والألم ، حاق تمزق الحزن بقلبه التي منذ أن أدرك الحقيقة وقد تبلد مثل الجليد ، انزوت مشاعره في غرفة مظلمة بداخله ولم يعثر عليها إلى الآن ....هدد الضعف صوته وهو يقول :-
_ الله يرحمك يا أمي
لم يستطع قول الكثيرا فهنا يترك القلب تحدي القوة ويحتفل الضعف بالدموع المشتعلة....
منذ أن علم بالأمر ،يأتي إلى هنا في نفس اليوم ، بات هذا اليوم مولد عذابه ويتمه ، وكان صوت الماضي يردد كشف الحقيقة بعقله ،عندما أعترف عمر بالحقيقة في مساء يوم وفاة فريدة بعد أن أصر آدم على الفهم ....
وياليته ما أصرّ ..
______________________________________أذكر الله
في فيلا اللواء كمال ...
بعد أن أشرفت حنين ابنة اللواء كمال على حفل تخرجها ،انتظرت من أعدت كل شيء خصيصًا له ،من يلتفتنّ له الفتيات حينما يمر أمامهنّ وتسبل نظراتهنّ بهيام حتى عشقت فكرت تملكه وتحقق انجاز الموسم لأرتباطها بالفهد .....
أطاح بكل هيبة الرجال الموجودين منذ أن شع طيفه في الحفل وتزاحمت عليه نظرات المعجبات حتى اقتربت حنين راكضة بسعادة وقالت :-
_ كنت متأكدة انك هتيجي
تصنع الود كي يتم مهمته حتى ظهرت لافته راضية على وجهه لم تصل لعينه ثم جذبته حنين لتريه كيف أعدت الفيلا من الداخل للحفل ولكن هي أرادت الانفراد به قليلا وجارها على ذلك .....
وقفت في الردهة ثم نظر للغرف المحيطة وتساءل :-
_ في اوضة من دول بطل على الجنينة اللي ورا الفيلا ؟
عقدت حاجبيها بتعجب وخدعها فكرها المحدود ثم نظرت له بخبث وقالت :-
_ تعالى معايا
قالت لنفسها (اكيد عايز يديني هديتي في جو رومانسي من غير ما حد يشوفنا )
دلفوا إلى الغرفة حتى اغلقها فهد بقوة ثم أخرج من جيبه هدية رائعة ، ابتسمت حنين بسعادة وقد تأكد شكها ثم ما لبثت أن نظرت بصدمة وهي تراها يقترب من الشرفة ويخرج إلى جنينة الفيلا كأنه هارب ....التفت سريعا وقال :-
_ ساعة واحدة وجايلك ،اوعي تطلعي من هنا ، ولو عرفت انك طلعتي مش عايز أعرفك تاني ...
فغرت فمها من الصدمة وتركها هو وذهب لمهمته الذي على علم أن هذا المجرم يقتنص الفرص حتى يحوم اماكن محددة ......
______________________لا حول ولا قوة إلا بالله
خرج آدم من هذا الهدوء الخالد متوجها إلى الفيلا ..
لم تفارق عيناه الحزن بمرور وقت الطريق الذي سلكه إلى المنزل الذي أخذ منه جناح خاص به، بعيداً تماماً عن دفء الغرف المجاورة ،واستمد منه البُعد ......
أوقف سيارته في كراچ الفيلا ثم دلف للداخل بوجه رجلٍ عِضاض قد قاوم الألم سنوات ....
نهضت ليالي التي لجأت إلى النظر في المجلة وهي لا تراها ولكن كي تسرق القراءة بعض قلقها حتى نظرت له بلهفة وكانت يداها ابطأ من قلبها الذي ركض ليضمه ...
قبّل آدم يدها بنظرة محبة دون أن يتفوه بأي حرف فيكفي ما يعانيه ، قالت بعبرة تركت مقلتيها وآبت المكوث:-
_ انت كدا بتعذبني يابني ، مش برتاح وانا شيفاك كدا ، محدش حارب عشانك أدي ...انا امك
وافقها. بهزة من رأسه ثم قبل رأسها أيضا بقوة وقال وكأن الحروف تتلوى بألم بين شفتيه :-
_ أمي وكل حاجة ليا
وقع رأسها على صدره ببكاء ، صادقه ابتسامة حنونة وقالت وقد تظاهرت بالمرح :-
_ راسي بتيجي اقل من كتفك ،انت طويل أوووي كدا ليه !
فهم مشاكستها هذه وربت على كتفها دون أي تعابير مرحة على وجهه ثم ذهب لغرفته العلوية البعيدة .....
وضعت ليالي يدها على قلبها بدعوات مترجية إلى الله كي يرطب قلب ابنها المتألم
____________________________صلّ على النبي
ذرعت غرفتها ذهاباً واياباً بعصبية ثم جلست على مكتبها الخشبي ذات اللون الفضي ببقع وردية وسبح بها الفكر في شن حملة هجومية كي تأتي بمرادها في الآخير ....
دلف آدم إلى غرفته الواسعة المدهونة بلون الفيروز القاتم واثاث راقٍ مثل ذوقه في كل شيء حتى في ملابسه الانيقة دائمًا ....وقع نظره على حقيبته السوداء التي يحتفظ بأوراقه بداخلها عندما يذهب إلى عمله گ معيد في الجامعة ...فتح الحقيبة ليخرج بعض الأوراق التي تذكر أنها تحتاج لمراجعته شخصيا بشكل ضروري حتى لمح بأحد كتبه ورقة ملونة ....
وافقه التعجب وتطلع إليها بدهشة ثم فرد طياتها ليرتفع حاجبيه عجبا من مراهقة من كتبت هذه الكلمات الساذجة كمعجبة ضمن معجباته الكثر من فتيات الجامعة التي لا تيأس واحدة منهنّ في جذب انتباهه ....دفع الورقه جانبا ثم أخذ أوراقه على مكتبه للمراجعة .....
لم يلاحظ أن الورقة قد وقعت على فراشه ....
______________________ استغفرك ربي وأتوب إليك
وقع زمام الفكر على مواجهته حتى خرجت مريم من غرفتها واتجهت بتسلل إلى الأعلى وقليلا ما كانت تفعل ذلك ، المتها قدمها قليلا حتى وقفت أمام غرفته بقرع طفيف ...
رفع رأسه محظرا من الطارق ..نهض بجسده الرياضي حتى فتح الباب ليتفاجئ انها من تُلقب نفسها شقيقته !
زفر بحدة غير مفهومة ثم عاد للداخل ووالها ظهره بضيق ونظر لشرفة غرفته واضعا يداه في جيوب بنطاله الأسود ، نظرت مريم بغيظ وهي تتساءل بحيرة لماذا يحملها طيلة هذه السنوات ذنب لم تقترفه :-
_ ممكن اطلب منك طلب ؟
ضاقت عيناه بإتجاه الشمس الذي لاحت للذهاب بعودة قريبة أردف بصوت رجولي رخيم :-
_ اتفضلي ،وبسرعة عشان مش فاضيلك
شعرت بألم قدماها يصرخ فأقتربت لكي تجلس بأقرب مقعد ، زاوى المقعد من فراشه بالصدفة حتى لمحت الورقة وهي تجلس ، شعرت بالفضول الحارق لمعرفة سر هذا الورقة التي تبدو أنها خاصة بالفتايات ....بدأت في الحديث وحاولت تتجنب النظر اليها :-
_ انا عايزة اعمل عيد ميلادي والكل رافض
زفر بغضب حتى توجست من صوت زفيره الذي يعلن ثورته الجنونية التي تسكن بداخل هذا الرجل ....
قال بصوت يهدد :-
_ والمطلوب مني ؟
لم تستطع تجنب الورقة أكثر من ذلك ، استغلت أنه ينظر للأمام وأخذت الورقة بخفة من جانبها ثم قالت مراوغة :-
_ المطلوب منك أنك ...
توقفت عندما قرأت أول كلمات ، تورد وجهها من الغضب الذي لما تعرف أنه انتابها ! ، مزقت الورقة لقطع ولم تأبه لاظهار غضبها حتى سمع حفيف الورق وهو يتمزق واستادر لتتسع عيناه بذهول .....
نهضت والتمعت عيناها بالدموع :-
_ يعني كلكم رافضين تفرحوني بعيد ميلاد بس حضرتك مش بترفض انك تتسرمح مع بنات ويبعتولك كلام وقح كدا .....
لم يبذل مجهود عندما اقترب منها ووقف أمامها وعيناه قد أسودت من الغضب ..هتف بها :-
_ احترمي نفسك يا مريم عشان هتندمي
اتسعت عيناها بعنف وهتفت به وجسدها ينتفض بشيء مجهول يسري بداخله دون أن تعرف ماهو :-
_ لو ما احترمتش انت نفسك وبطلت تمشي مع بنات انا هقول لبابا وافضحك ...
اغمض عينيك حتى يتمالك اعصابه ولكن لم يستطع ، جرها من يدها وخرج من غرفته ، قالت وهي تبكي :-
_ رجلي حرررام عليك ، مش قادرة امشي
لم يكترث لصراخها بل فتح غرفتها ودفعها بداخلها حتى وقعت على مقعد وثير أمام المرآة
حملق بها بعنف وشراسة ثارت بمقلتيه :-
_ اللي المفروض يحترم نفسه انتي ، تيجي اوضتي ليه ؟! ، تفتشي في حاجاتي لييييييه !؟ ، مالكيش أي حق في ده ، لو بس اتجرأتي وعملتيها تاني استحملي اللي هيحصلك
ارتعش جسدها وأرادت أن تنهض ولكن الم قدمها منعها ثم أشارت له بيدها وهي على حافة الثوران :-
_ ليااااا حق ، واعمل اللي انا عايزاه انت مش هتمنعني ، ومش خايفة من تهديدك وهقول لباااااابااااا
اقترب منها وكاد أن يصفعها حتى منعته يداها التي اسرعت لاختباء وجهها وهي تنتفض من الخوف وتصرخ
ايقن بداخله انها لو كانت رجلا لالقاه أرضاً من اللكمات ولكن سيقلل من نفسه أن فعلها مع فتاة وبالأخص هذه الصغيرة الحمقاء .....قال بتحذير وتهديد :-
_ ما بتهددش ، ولو شفتك في اوضتي تاني هروح انا اللي اقول وهيبقى شكلك وحش قدامهم
قالت جملتها لتستفزه وتغضبه وهي على اتم المعرفة انها ستغضبه حد الجنون :-
_ ليه هو انت مش أخويا ؟
مرر يده على شعره وهو ينظر حوله حتى رأي مزهرية قد غرس بها بعض أزهار الريحان ، القاها بغضب على الأرض ونثر كتبها بقوة حتى صرخت بذعر أن يصيبها شيء من ثورته الغاضبة ....ثم هتف بها بشراسة قد احمرت لها عيناه :-
_ مش أخوكي ، وانتي مش أختي ، انا بكرررررهك ،
بكررررررهك ،انتي فاااهمة ، ياريتك كنتي متي
اتت كريمة راكضة إثر صوتهم العالي ، نظرت لمريم بقلق ثم قالت بتحذير :-
_ امكم في اوضة الصالون اللي على الجنينة عشان كدا مش سامعة ، بطلوا خناق قبل ما تسمعكم
رماها بنظرة عنيفة وقاسية ثم القاها بجملته الأخيرة قبل ان يخرج من الغرفة :-
_ انسانة حشرية ولا تطاااق
جلست كريمة على حافة المقعد التي تجلس عليه مريم وربتت عليها كي تهدأ وتجفف عيناها ولكن مريم كان قد غلف قلبها الألم من كلماته القاسية
_______________________________ الحمد لله
وقف بسيارته بعيدًا عن المكان المنشود ليترجل منها بنظراته المهيبة التي تتأرجح بين طياتها سمات الشراسة التي ولدت في طباعه العنيفة ..ليتحرك بإتجاه المبنى المضاء بأنوار تتراقص بغنج وتتمايل على ظلال رجال الحراسة الذين ينتشرون حول المكان منعا لدخول المتسكعين أو ذوات خلق الشجار المفتعل كعادة الملهى الليلي كل يوم ....يُزين الواجهة الخارجية لوح مضاء كبير منقوش عليه اسم الملهى ...."كنوز القمر "
ارتسم اسمه على نظراته الثاقبة الحادة ....الفهد
وارتاب رجال الحرس بعض الشيء لهذا الذي يقترب منهم بهيبة مدمرة وتجسدت به سمات الرجولة بكل معانيها ، نظروا لبعضهم وسمحوا له بالدخول دون جدال .....
مالت الانوار التي تتناغم مع الالحان الصاخبة بالداخل على وجهه البرنزي الذي لفحته اشعة الشمس بعض الشيء لتزيده جاذبية مذهلة ....جالت نظرته الزاهدة في مشاهد العري حوله للشيء الذي اتى إلى هنا بحثًا عنه خصيصًا ....
وتقدم بإتجاه قاعة الرقص حينما لمح فتاة بردائها القصير تنهض لتذهب لمكانٍ ما ....،جذبها من يدها بحدة بإتجاه حلبة الرقص مع أعتراض الفتاة بغضب ولكن استكانت بيده عندما التفتت لترى نفسها ترقص مع اوسم رجل رأته حتى الآن ، نظرت له بأنبهار ثم رمقته بدلال وقالت :-
_ اسمك إيه ؟ أول مرة اشوفك هنا !
رمقها بنظرة ازدراء ثم سحب نظرته منها سريعا كأنها ستدنس ،ولكن فعل ذلك لكي يراقب المكان جيدا ويبحث عن "حداد" بسهولة ومن بعيد ، تحرك على انغام الموسيقى وعيناه في جميع جهات الملهى كالفهد الذي يترقب فريسته ...
__________________________________ استغفر الله
دلفت فتاة بزيها الدراسي لمراحل التعليم الثانوية إلى مكان واسع تتجمع به ادوات المطبخ لهذا الملهى ...
ركضت بطفولية لسيدة تواليها ظهرها وشددت الانتباه بعملها بشكل مُتقن حتى شعرت بالخطوات الراكضة خلفها ،لتستدير بفضول حتى ارتمت فاطمة بين ذراعي امها بسعادة وهتفت وهي تقفز كالطفلة :-
_ الحمد لله الامتحان جه سهل وحليته كله صح يا ماماااا
ابتسمت الام بمحبة وسعادة لفرحة ابنتها التي كانت شديدة الخوف من صعوبة هذه المادة الدراسية التي لم تحالفها الظروف حتى تأخذ بعض المراجعات الخاصة بها مثل زملائها ...قالت الام بتنهيدة ارتياح غلبت سعادتها :-
_ الحمد لله ، فضلت ادعيلك طول الليل
ثم انتبهت لوجود ابنتها في هذا الوكر العفن وصاحت بغضب :-
_ صحيح ، انتي إيه اللي جابك هنا ؟ ، مش نبهتك مليون مرة ماتجيش هنا تاني
انكمشت تعابير وجه فاطمة بتذمر وضيق ثم مالبثت أن عادت لمرحها المعتاد وقفزت مرة أخرى وهي تدندن بصوتها العذب مقطوعة من لحن شعبي ..
ولم تستطع الام منع ابتسامتها ...حتى أتى ذلك الكريه ودلف بداخل المطبخ ، تسمر مكانه وهو يراقب حركة فاطمة المرحة من بعيد وينظر لها بنظرات مفترسة شهوانية .....اقترب للداخل أكثر حتى لمحته الام وجذبت ابنتها خلفها برعب ...قالت وهي تنتفض خوفا على ابنتها من نظرات ذلك الافعى :-
_ حداد ؟ انت رجعت تاني ؟!
قهقه حداد وقال وهو يفترس بنظراته تلك التي تقف بتذمر خلف والدتها وتأبى نظراتها الخوف بل تتحدى :-
_ آه جيت ، أزاي ما اجيش للقمر
بلعت الام ريقها برعب ثم التفتت وهي تأمر ابنتها بالرحيل ولكن تحرك سريعًا و اعترض حداد بل وجذبها بقوة من يدها مما جعل فاطمة تصرخ عاليًا وتلكمه بيدها ولكن لم يأبه ذلك البغيض حتى مرر يده على رأسها كي ينزع عنها حجابها ولكن توقف قليلا مع حركة الام وهي تلكمه على كتفه بغضب و دفعها هو بعصبية ثم أخرج سلاحاً ابيض من جيبه وهدد فاطمة به مع آنات الام بألم من نتيجة الدفعة التي القتها على حافة مقبض أحد الاجهزة الكهربائية التي اصطدم بجانب جسدها بقوة ....قال بحدة موجهًا الحديث لفاطمة :-
_ هتقلعي الطرحة دي وتطلعي تغني في الصالة ولا اخلي امك وابوكي المطبلاتي يحصلوا مرزوق الله يرحمه
اطرفت فاطمة بذعر وهي ترى ما بيده وقلبها يدق بهلع فهي تعرف أنه مجرم قاتل ويستطيع فعل أي شيء ...لم ينتظر اجابتها ففي خلال ثواني كان حجابها بيده ويلقيه أرضًا ثم جذبها للصالة بالخارج ولم يكتشف بعد أن عيون الفهد تنتظره بالخارج وأن قلب الفهد هو ما بيده الآن ...حتى الفهد لم يدرك ذلك بعد ......
هل الوحش الذي يستوطن بداخل هذا الفهد سيترك قلبه بيد الافعى ....ماذا سيفعل ؟
______________________________ أن بعد العسر يسرا
قالت الفتاة وهي ترقص بنظراتها الجريئة على وجه الفهد :-
_ما بتردش عليا ليه؟
زفر بضيق وانتفخت عروقه من الغضب واقسم بداخله لولا مهمته لكان دفعها عنه كالقمامة حتى لمح حداد يقترب وبصحبته فتاة يبدو من مظهرها انها لم تتعدى مراحل المراهقة وتخفي وجهها بيدها لذا لم يلاحظها بل صب تركيزه مع ذلك المجرم الذي يبحث عنه ....
آمر حداد فاطمة بالغناء وهي تقف وتنظر حولها بجسد ينتفض من الرعب وعيناها تغرقها الدموع حتى انتبهت لابتعاد حداد وهو يتجه لوالدها الذي يجلس بوسط الفرقة الموسيقية بنظرات مصدومة لرؤية ابنته هنا ...
وجه حداد حد السكين بجانب الرجل الكبيرالاشيب الذي يجلس بقدم مجبرة نتيجة احد المشادات في الملهى وقال:-
_ اخرس خالص وإلا مش هتشوف بنتك تاني ، انا مزاجي النهاردة انها تغني ،ولو اتكلمت هخادها قدامك ومش هتشوف خلقتها تاني ..
جف ريق الاب "مصطفى" وهو في حالة عجز تام عن أي حركة بسبب قدمه النصف مشلولة ،ثم نظر لابنته بلمعة دموع العجز والاسف عن حمايتها من هذا الكريه ونكس عيناه للأسفل بحسرة والم .....
كانت تترقب الذي يتمايلون حولها على انغام الموسيقى بخوف يجتاح اوصالها المرتجفة ويدفعه هذا وذاك بينهم حتى اصطدمت بكتف جدار بشري كان يتجه لحداد بنظرة كادت أن تغرز اظافرها برقبته حتى صاحت به وكأنها أرادت أن تخرج غضبها على أي شيء :-
_ ما تفتح يا اعمى ،هو انا نقصاك ،غبي
تسمر مكانه وهو يواليه ظهره ولكن بعد دقيقة استدار ونظر لها نظرة ارجفتها من شدة غضبها ولكن دخل بعالمًا آخر عندما رأى عيناها الباكية برعب وشلال شعرها الذي تدرج لاهثا للهبوط حتى اعلن تمرده حولها ...
رغما عنه نظر لوجهها الصغير المحاط بشلالات شعرها الاسود الذي يمتد للاسفل واقسم انه لأول مرة يرى فتاة تمتلك هذا الطول والكثافة من كتل الشعر ....
خرج من غيمات هذه الدائرة الذي سرقته لدقائق بشكل جديد العهد عليه ثم تركها بنظراته الغاضبة المتوعدة واتجه لحداد الذي لمحه وهو يخرج شيء من جيبه بخوف ويضعه بجيب مصطفى سريعا حتى جذبه فهد من ياقته بعنف :-
_ وحشني ، مش قولتلك هنتقابل تاني وهجيبك
تهته حداد وهو يلعن الشيء الذي جعله يأتي إلى هنا اليوم واجابه بقلق:-
_ وانت والله يا فهد باشا
اطرفت فاطمة بعدم تصديق وهي ترى حداد وكأنه يُزج إلى مصرعه بنظراته الخائفة هذه وطافت ابتسامة شامته على وجهها وشعرت بالامتنان لهذا الرجل الآخر حتى اتسعت عيناها وهي تراه يجذب والدها ولم يراعي قدمه المكسورة حتى سقط والدها وهو يتأوه.....ركضت عليه بذعر ...
لم يلاحظ فهد حقا قدم مصطفى عندما جذبه للتفتيش حتى تفاجئ بسقوط الرجل أمام ناظريه متألمًا ....
صرخت فاطمة ببكاء وهي تضم والدها ثم نظرت لفهد بغضب ......اصابها الجنون بعد أن رأت والدها هكذه ولم تشعر كيف نهضت وصفعته على وجهه بكل قوتها حتى اصبحت عيناه كتله من الجحيم والصدمة