رواية من يقع بنفسه لا يبكي الفصل الخامس عشر 15 بقلم خديجة السيد


 رواية من يقع بنفسه لا يبكي الفصل الخامس عشر 

في المستشفى بعد الحادث بيوم، عندما استيقظت ندى وتأكدت من مغادرة زوجها لاستقبال والدته في المطار، حاولت أخذ هاتف من إحدى الممرضات ونبهت عليها عدة مرات بعدم إخبار زوجها، ثم حاولت الاتصال بشريف عبر الإيميل 

= الو يا شريف مش ناوي تتلم بقى وتبطل كل شويه تبعتلي من نمره غريبه او ايميل.. كنت فاكره لما اغير النمره هتتلم لكن المطارده دي اخرتها إيه 

أجاب الآخر علي الفور بفرحه

= حبيبتي أخيراً سمعت صوتك ما تعرفيش وحشتيني الفتره دي قد ايه، ندى المره دي اسمعيني وبس! انا فعلا نيتي في الأول كانت ان اتسلى بيكي بس دي كان أيام الجامعه فتره مراهقه وراحت.. إنما لما قابلتك تاني حسيت كأني مشاعر كتير كنت مفتقدتها اتجددت جوايا ولما طلبتك للجواز فعلا كانت نيتي كده 

ادعت البراءة بينما كانت تسجل المكالمة بينهما كدليل ضده 

= وبالنسبه لمراتك اللي انت كنت مخبيه انك اتجوزتها دي كانت ايه؟ واولادك اللي مخلفهم كمان منها

بدأ في رسم الخداع باحتراف وهو يقول بحب زائف 

= حتي مع مراتي ما كنتش بحس باي مشاعر ناحيتها بحسها ناحيتك بس، ندى انتٍ حاجه تانيه وكبيره في حياتي ومستعد اعمل اي حاجه عشان نتجمع زي زمان.. انا عارف ان غلطت لما خبيت عليكي ان انا متجوز بس عشان كنت متاكد ان انتٍ عمرك ما هترجعيلي غير كده، لكن افهمي الموضوع صح الأول مراتي دي أنا اضطريت اتجوزها تحت ضغط اهلي رغم أن عمري ما حبيتها بس انتٍ كنتي حاجه تانيه في حياتي.. انتٍ اول حب ليا بجد صدقيني

عقدت حاجيبها للاعلي وهي تردف بمكر

= يعني لو قلت لك مثلا طلقها وانا كمان اطلق زي ما انت عمال تزن عليا ونخرب بيتنا احنا الاثنين هتوافق ولا انت بس بتعمل كل ده عشان تخرب بيتي لوحدي..

ابتلع ريقه بصعوبة وأجاب مبتسماً بارتباك

=آآ اه يا حبيبتي اكيد هطلقها بس اديني وقت انتٍ ما تعرفيش هي مخليه حياتي جحيم قد ايه و واخده اهلي بصفها دي حتى كل ورثي  في لحظه ضعف خليتني اكتبه باسمها.. فاول ما أخلص من كل الحاجات دي هطلقها طبعا و... 

ارتخت ملامحها وبان شيءٌ مرتاحة فيها بينما قاطعته بصوت حازم بشدة 

= وبس لحد هنا كويس جدآ اهو انت كده اعترفت بنفسك على نفسك، كل اللي انت حكيته من شويه اتسجل ومراتك يا كذاب اللي انت بتقول كاتبلها كل حاجتك انت اصلا متجوزها وانت مش لاقي تاكل وعمرك ما هتطلقها عشان بتصرف عليك وعايش في ملكها.. مش هي برده قالت لك الغلطه الجايه هتسجنك وهتبيعك اللي قدامك واللي وراك 

تصلب شريف في مكانه وهو يستمع إلى كلماتها، قبل أن تتسع عينه بدهشة لأنها تمكنت بسهولة من كشفه، لكن كيف حدث ذلك؟ ليقول مرددًا بسرعه بخوف 

= انتٍ عرفتي كل ده منين؟ ندى اياكي عشان خاطري هعمل لك كل حاجه بس اياكي تبعتي التسجيل ده ليها هتدمري حياتي كده بجد هي مش بتهددني هي هتسجني فعلا.. هو انتٍ مش كنتي بتحبيني برده ليه هتعملي فيا كده 

هتفت ندى بنزقٍ ساخر

= هعمل كده فيك واكتر فعلا لو ما بعدتش عني.. آخر رساله انت بعتها واللي جوزي شافها وحكيتله كل حاجه عشان اخلص وما نكونش كده مخبيين عن بعض حاجه وخلصت وانا قصده اقول لك كده عشان لو فدماغك تهددني بيها... واللي بينا كمان اصلا خلصان من زمان فلو لسه باقي على حياتك ما تحاولش ولا تبعتلي ولا تكلمني تاني ولو شفتني بالصدفه في اي مكان تدور وشك.. 

لم تعطيه فرصه للتحدث واضافت بتهديد قائلة بجفاف ساخر 

= فاهم ولا لأ؟ ولا تحب التسجيل اللي بصوتك ده ابعته لمراتك وانت قد ايه بتوصف انك مش بتحبها ومغصوب عليها.. وهي تتصرف بمعرفتها معاك بقي، اختار لا تتسجن لاما تنساني من حياتك .

وبعد أن انتهت من تسجيل المكالمه ارسلتها على هاتفها عن طريق الإيميل وحذفتها من هاتف الممرضه بعد ذلك... 

❈-❈-❈

عوده الى الوقت الحالي بالمستشفى، لم يكن قد أفاق من عالمه الذي يشرد فيه بعد ولكنه كان يصغي إلى كل حرف منها باهتمام وعندما 
انتهت هزت كتفيها قبل أن تعود ترفع رأسها بكبرياء

= كده خلاص الدليل بقى في ايدك بصوته اهو وهو بيعترف ان هو اللي كان بيجري ورايا وانا قد ايه قرفانه منه وبحاول ابعده... محتاج دليل تاني ولا ايه شايفاك ساكت يعني! على العموم خلاص اديني خلصت منه لأن بعد كده اترعب وقالي هعمل لك كل اللي عاوزاه وهنساكي ولا هقربلك من هنا ورايح 

حاولت مديحه اخفاء ابتسامتها الساخرة و قالت بجدية زائفة 

= الحمد لله أنك خلصتي منه وانت خلاص يا مصعب ولا ليك علاقه بيه ولا تفكر تروحله.. بس طلعتي جدعه ولله يا ندى وعرفتي تخلصي منه محترمه بصحيح ولا ايه يا مصعب .

كان مصعب ينظر إليهما بعدم تصديق وبدأ عليه الاستيعاب وتصديق كذبتها وأنه ظلمها بعد كل ذلك، رفع يده يفتح آزراراً من قميصه بينما أصابعه تمسد صدره وكأنه يستجد بعض الهواء ثم قال بغصة مؤلمة

= هاه آه أنا اسفـ...

تمكن من رؤية المرارة ترتسم على ملامحه مرة أخرى قبل أن تكشر عن أنيابها بعنفِ و تصرخ فيه بأمر 

= انت تطلع بره وتغور من قدامي انا ولا طايقه اسمع صوتك ولا اشوفك و المره الاخيره اللي هنشوف بعض فيها يوم ما تجيب المأذون و هتطلقني... الدليل قدامك أهو اعمل ما بدلك فيه لكن خليك فاكر اني قلت لك طالما هتكمل للآخر شك فيا يبقى تنساني من حياتك 

هدرها جاعلاً الدماء تجف في عروقه و ارتخت ملامحه وبان شيءٌ مؤلم فيها وأخذت تضيف بنبرة حادة منكسرة 

= لا ده كمان يا طنط طلع اللي بيلعب في دماغ ابنك الست نرمين اللي مش راضي يطلعها من حياتنا شككته فيا عشان سامحته واديتله فرصه من تاني رغم انه خاني شفتي خيبه اكتر من كده... احنا خلاص مش لبعض وانا اللي خليني اسكت يوم ما شفت الرساله عشان كلامك اللي اتفاجئت بيه وغرورك و تكبرك قد ايه شايف انك تغلط عادي انما انا تعلقلي المشانق عشان كده العقاب اللي كان هيمشي عليا هيمشي عليك ومش هتشوف وشي تاني ولا عيالي. 

نهضت أمه بغضب وهي تردد بعتاب حاد

= هي نرمين دي لسه في حياتك تاني.. يا خايب هي كانت بتقول كده عشان تشكك في مراتك وتخليك ترجعلها لا والله شاطره عرفت تلف حولك من اول وجديد.. انا المره دي ولا هدافع وحل مصايبك ومشاكلك مع نفسك انا تعبت منك خلاص 

تدخلت ندى بالحوار وشاب صوتها نبرة بكاء قبل أن تقول بنفاذ صبر

= وانا كمان تعبت وهتطلقني غصب عنك سامعني بدل ما ارفع قضيه طلاق .

بدأ يتمتم من بين أسنانه بتقطع مغلقاً عينيه التائهتين غير مدرك للصدمة المخالطة للإحراج التي ارتسمت على وجهه 

= ما تهدوا عليا خلاص انا عرفت ان انا غلطان 
كالعاده ونيلت الدنيا بس اعمل ايه لو كنتم مكاني كنتم هتعملوا كده واكتر... والله ما كلام نرمين اصلا اللي خلاني كده الزفته الرساله دي انا كنت بحاول بكل ما فيا اتجاهل كلامها رغم أنها كل ما تشوفني تقعد تلمح بكده... ندى انا عارف ان انا اتاسفت كتير وغلطت بس الغلطه المره دي غير انا اتوجعت لتكوني فعلا بتعملي فيا حاجه زي كده ما قدرتش حتى اتخيلها بيني وبين نفسي عشان كده ما صدقتش لما شفت الرساله وكأنها بتاكدلي احساسي اللي انا بنكره بقيلي كتير .

هزت ندى كتفيها ثم قالت بانكسار حقيقي 

= اتوجعت بمجرد ما اتخيلت وشكيت امال انا اعمل إيه اللي شفت وعشت! ريح نفسك ووفر كلامك واسفك هتطلقني وغصب عنك واتفضل اطلع بره ومش هقول تاني.. لأنك مهما تقول مش هتغير قراري ولا هيفيد 

كاد أن يتحدث لكنها منعته و تمتمت بصوتٍ مختنق 

= مصعب اسمع كلامي واطلع بره دلوقتي يلا ما تبصليش كثير... الكلام مش هينفع دلوقتي 
بعد كل اللي اتقال واتكشف .

أخفض رأسه بإحباط شديد وتحرك للخارج وهو يستمع الى صوت بكائها المرير والذي جعله يندم ويانبه ضميره أكثر، صمتت حماتها لدقائق معدودة تتأكد من رحيله قبل أن تقول لها بانتصار 

= جدعه! خططتي ونفذتي وانا عملت معاكي اللي امرتني بيه و التمثيليه ظبطت كأنها حقيقيه خلاص كفايه عياط ما هو ماشي مش لازم يعني تسبكي الدور للآخر 

ألم كبير اعتصر قلب ندى قبل أن تقول بحرقة
وبنبرة تخللها الذنب

= انا مش بعيط تمثيل انا بعيط على نفسي! للحظه لما اتكشفت كنت هقول كل حاجه فعلا هقول الحقيقه، قلت هتبقى حقاره مني أني عماله اخطط لكل ده وما اقولش اللي فيها و خلاص ما هو عمل زيي المفروض يسامحني.. لكن اتفاجئت بابنك بيهددني لمجرد بس شك لا وكمان كان هياخد مني العيال ويحرمني منهم ويفضحني عند اهلي ده انا ما عملتش كل ده لما خاني.. ياااه للدرجه دي احنا في مجتمع ظالم وما بشوفش الغلط غلط الا على الست 
وبس

اتسعت عينا مديحة بصدمه وغضب فقالت بنوعٍ من التخبط النادر جداً من حالتها 

= رجعنا للهبل ده تاني مش انا حذرتك وقلتلك انسي الكلام ده، كويسه انك رجعتي في كلامك.. قلتلك بدل المره ألف ما فيش راجل في الدنيا هشوف خيانه الست حاجه عاديه ويسامح حتى لو هو كمان عمل زيها واكتر... وبعدين مش فاهمه ايه الكلام ده كله والعياط اوعي تكوني ناويه ترجعي في كلامك فعلا وتطلقي منه؟؟ انا قلت لك مهما يحصل البيت ده مش هيتخرب وزي ما طلعتك منها و ساعدتك هخربها عليكي ثاني 

نظرت إليها مديحه حائرة مضطربة إذ أن هشاشة ندى توحي إلي الخطر لذلك قالت مجدداً بحزم مؤنبة إياها

= لو في حاجه بدماغك تانيه خلاص هو غلط وانتٍ عملتي ذيه خلصنا فما حدش احسن من الثاني، وبعدين لو هتحسبيها هتلاقي ده لصالحك لتاني مره وهتعرفي تكسبي اكثر و هيخلي كل احلامك اوامر عشان يعوضك عن شكه ومعاملته ليكي عاوزه اكتر من كده ايه؟ كده يبقى اسمه بتر بصراحة 

تنهدت ندى وعاد ذلك الثقل يجثم على قلبها
وهي تقول بحسرة وحزن 

= بس إبنك مش شايفها كده شايف اللي أنا عملته بس واستحق العقاب.. حتى انتٍ كمان باماره تهديدك كل شويه ليا، على العموم ما تقلقيش انا لو كنت شاكه بنسبه 1% ممكن يسامحني فبقيت متاكده دلوقتي ان مستحيل يحصل ويغفر ليا غلطه هو عملها انا عملت زيها بس انا اكيد مش عاوزه اخسر عيالي... رغم ان في بينا فروق وانا ما خنتوش للاخر زيه بس للاسف اسمي ست في النهايه وهو راجل..

لم تبدو حماتها راضية عندما همهمت بعدم القبول وقبل أن تسارع هي بالقول قالت مدافعة بحزم 

= اللهفه اللي ملهوفها عليكي دي ما كانش بيعملها زمان، وشكل احساسي صح والواد بيموت فيِكي أوعى تضيعيه من إيدك يا خيبه، وتسيبي غيرك تخطفه منك عشان شويه تخاريف في دماغك هتخرب عليكي في الأخر.

لم تناقش ندى تهديدها كما تفعل عادة، بل انشغلت هذه المرة في التفكير في عمق شخصيتها، فهي لا تعرف إن كانت شخصاً سيئاً أم جيداً. هل تسعى لمصلحتها ومصلحة الأسرة حقاً، أم أن ما يهمها فقط هو مصلحة ابنها وأحفادها؟ أحياناً تشعر بأنها تحبها وتريد مصلحتها بالفعل وأحياناً أخرى تشعر بأن ابنها هو كل ما يهمها فقط.

لكنها لا تستطيع إنكار أنه لولا تهديدها لها بالبدايه بالسفر مع زوجها قسراً، لما أعطت له فرصة ثانية ولا كانت لتكتشف مشاعرها الخفية معه، ولا كانت لتحسن نفسية أطفالها. 

والأهم من كل ذلك، أنها أبتعدت عن ذلك الحقير شريف ولم تصبح عشيقته كما كان يخطط، مما كان يجعلها تضيع حياتها بعد ذلك في خسائر فادحة.

❈-❈-❈

رفع مصعب عينيه يراقب تجهم ملامحها و وقوفها الضعيف هنا بالمنزل، بالإضافة مزيداً من التوتر الذي دفعه إليه عندما بدأت ندى في وضع ثيابها داخل الحقيبه بكل عزيمه، فرفع الآخر رأسه وهو يقول بحرقة

= ندى انتٍ بتعملي ايه انتٍ هتلمي هدومك و تمشي لا انا مش هسمحلك تعملي كده عشان خاطري ما تهديش البيت حقك عليا خلاص غلطه ومش هتتكرر تاني انتٍ كان معاكي حق ما كانش لازم اسمع لواحده زي دي.. يا ندى ردي عليا وكلميني زي ما بكلمك 

دقات قلبه كانت تتسارع ولا يستطيع أخذ أنفاسه إلا إن صوت الضمير الملهوف له عاد يخترق عالمه بقسوة فألتفت إلي والدته يرفع يده لها بعشوائية وهو يقول بضعفٍ ورجاء 

= يا ماما ما تعملي حاجه مش انتٍ برده اللي قلتيلي اي حاجه تحصل بينكم مستحيل تخربوا البيت وحلوها مع بعض تعالي عقليها بقى.. 

هزت أمه رأسها نافية وهي تقول بحسم

= هو انت خلاص لما صدقت تغلط وانا اللي أصلح الظاهر انك خدت على كده ادي بيتك و حل مع نفسك انا هقعد جوه مع العيال عشان ما يسمعوش حاجه ووطي صوتكم.. مشاكلكم وحلوها مع نفسكم انا تعبت من كتر ما بدخل وانتوا تفضلوا تعندوا وتمشوا بدماغكم 

ضربة قاتلة شعر بها تلكم معدته وهزت ثقته لثوانٍ قبل أن يتمالك نفسه عندما تعالي صوتها الناعم الضعيف كان همس مخرجاً إياه من دوامة الذنب

= الظاهر فعلا مش مامتك بس اللي خدت انها تتدخل وتحل! انا كمان خدت ان انت تغلط وانا أسامح انما انا لو غلطه تهد الدنيا عليا ماتوفر بقى على نفسك كل ده وطلقني.. مصعب انا مش هرجعلك والمره دي غير! ما تجرب تحط نفسك مكاني انت ما استحملتش غلطه واحده عليا استحمل انا ليه كل الغلطات دي كلها 

صمت لبرهة مبتلعاً مرارته داخل حلقه قبل أن يردف بندم يعتصر قلبه

=والله انا متضايق من نفسي اكتر منك حاسس ان انا زباله وحقير كمان بس انتٍ اجدع مني وهتسامحيني برده! والله العظيم ما بقول لك كده عشان خدت ان اغلط وانتٍ تسامحيني.. بس انتٍ احسن مني و بتعرفي تسامحي عني وانا للاسف لا بس من هنا و رايح والله هتعلم عشان خاطرك اعمل كده مهما اشوف واعمل بعد كده هسالك ومش هتسرع حتى لو شفت ايه مش هشك فيكي تاني .

رددها على مسامعها جاعلا إياها تتصلب بنوع من التضارب فقالتها بتحشرج 

= الكلام ده كان زمان في الاول لكن خلاص ربنا اراده وحاطك في موقف وانت فشلت! يبقى اكمل تاني على اي اساس واحده ما عنديش كرامه ولا ماسك عليا ذله وانت قلتها بلسانك عندي كل الفرص اللي تخليني ما سامحش يبقى اسامح ليه.. على رأي كمان الهانم نرمين بتاعتك .

أسبل جفنيه بقوة وكان كأنه صم عن كلماتها عن الانفصال بينما قال بذنبٍ فضحه بنبرته 

= تسامحي عشان ست جدعه واصيله ومش عاوزه تخريبي البيت ولا تشردي عيالك و يتربوا ما بينا، والزفته اللي اسمها نرمين دي حسبي الله ونعم الوكيل فيها مطرح ما هي موجوده دلوقتي خلاص انا ولا هشوفها ولا اسمعلها تاني، صدقيني اتعلمت الدرس المره دي بجد 

لوت شفتاها بسخرية مريرة وتمتمت بألم

= طب ما انا فعلا سامحت اول مره عشان كده وايه اللي خدته في الاخر اتهمتني ان انا على علاقه بواحد تاني عشان كده سامحت بسرعه طب ما أنا يا ذكي لو فعلا في دماغي حد وعاوزه ما كنت لما صدقت الفرصه جاتلي واتطلقت منك واروحله انما رجعتلك عشان عملت زيك فقلت احنا الاتنين زي بعض وخلاص ده كلام اهبل في دماغ بس الزفته اللي عاوزه توقع بينا وخلاص .

اندفع سريعاً نحوها يحتضنها لكنها صدته وإبتسم بوهن وحسره وهو يردف 

= طب اديكي قلتي عايزه توقع بينا وخلاص ما تديهاش الفرصه زي ما انا اديتها، تعرفي كلامك صح انا فعلا ازاي ما فكرتش وحسبتها كده منها لله بقي! شيطاني كان ساعتها راكبني وكلامها كل شويه يرن في وداني.. وبعدين على فكره انتٍ كمان غلطانه كنتي عرفيني حاجه زي كده بعد ما الامور اتصلحت ما بينا.. ان في واحد زباله بيحاول معاكي برده مهما يحصل لازم اعرف حاجه زي كده انتٍ وماما غلطانين في الموضوع ده 

لم تتقبل نبرته ببساطة فرفعت ذراعها تمسد على عنقها بتعبٍ وهي تقول بحزن 

= قلت خلاص قفلنا على كل القديم افتحه ليه واضايقك وعلى راي والدتك كنت خايفه عليكي لاتعمل حاجه تضيع مستقبلك، بس ولا تستاهل خوفي ده ولا مسامحتي واتفضلي يلا غور من وشي عشان انا خلصت ولميت هدومي وبعد كده هلم شنط العيال وهرجع على مصر وخلال يومين تطلقني وتبعتلي ورقه طلاقي .

عينيه اهتزت بألم يعكس النار المتأججة داخل صدره بينما ينظر لندى وإحساس بالوجع بالقلق بالخسارة يجتاحه فقال بتوسل مقهور  

= تاني! مش هطلق يا ندى مش هخرب بيتي انا عاوزك معايا ومرتاح ومبسوط معاكي و الفترة اللي فاتت كنت زي ما قلتلك كل حاجه جوايا كانت صدق! انا بحبك بجد ما تسيبنيش وسامحيني المره دي كمان وصدقيني خلاص 
درس المره دي غير واتعلمته.. لكن ما فيش حاجه اسمها طلاق ومش هطلق 

أغمضت جفنيها بقوة مصرة أن لاتسمح لعينيه المترجية أن تخترقها وهي تقول بإصرار 

= لا ما انا مش عشتي معاك هتكون غصب هرفع عليك قضيه خلع، انا اصلا ولا عايزه منك حاجه ولا طايقاك وبعدين عاوزني اسامحك عشان حد يجي يلعب في دماغك تاني ويقول لك ايه ده مراتك سامحتك بالسرعه دي شوف في دماغها ايه ومع مين.. انت ما لكش امان يا مصعب والحل لينا الانفصال 

نظر لها مطولاً بألم شديد وشعر بخسارتها حقا وتصميمها على الطلاق وسرعان ما هبط على ركبته امامها وفاجئ ندى بتلك الحركه ووالدته التي تتابع الموقف في الداخل واتسعت عينها بعدم رضا بينما ضم معصميها بقوة دافعاً كلا كفيها المضموتين نحو قلبه مرددًا 

= يا ندى ارجوكي انا معترف بغلطتي خلاص ومش هاذيكي ولا هتعبك وهسمع كل اللي انتٍ عاوزه واعملهلك بالحرف، ومش هسمع لحد بره ولا اسمحله يخرب حياتنا... بس ابوس ايدك ما تسيبنيش مش انا برده مصعب حبيبك وانتٍ قلتلي ان في مشاعر جواكي ناحيتي احنا عدينا بحاجات صعبه كتير يبقى ما تسيبنيش في الاخر 

توترت وانصدمت من تمسكه بها إلي ذلك الحد فتقسم انها رات دموعه تلمع بين عينيه، هل مصعب الذي كان يكرهها بشده بالسابق أمامها الآن يترجاها لتظل معه ولا تتركه.. هل بالفعل وقع في حبها أم تعود على وجودها...

وسرعان ما كانت يديها تتقبض بجانبها بقوة أكبر مُقاوِمة لمسته تتفحصه تحتوي ملامحه بنهم مذكرة نفسها بقسوة ما فعله ويفعله بها، نهض مصعب عن الأرض بضعف والتفت يبحث عن والدته و أول ما رآها، شفتيه مالت فيما يشبه إبتسامة مقهورة وأقر قائلا بتوسل وهو يصيح بين دموعه بجنون 

= يا ماما تعالي شوفلك حل معاها قوليلها أن انا مستعد اعملها اي حاجه الا الطلاق..فهميها ان انا بحبها وما ليش غيرها ولا بقيت عاوز غيرها في حياتي خلاص.. طب هاتي مصحف احلف عليه ان انا مش هخونها تاني ولا هبص لغيرها ومش هصدق إلا كلامها وبس! والله ما هشك فيها تاني ولا هدي فرصه لحد يتدخل في حياتنا، وحياه ولادنا هلتزم بالفرصه دي و بكل شروطها المره دي بجد بس قوليلها ما تسيبنيش انا مش هقدر اعيش من غيرها ولا اصحى الصبح ما لقيهاش في البيت زي ما اتعودت عليها وعلى الأولاد... هي ليه بتعمل فيا كده هي اللي علقتني بيها يبقى خليها ترضى عني المرة دي كمان انا هموت من غيرها....

كان يبدو غريباً للجميع أنه يعترف بتمسكه بها وحاجته إليها بصراحه، حتى أن مديحة شعرت بالقلق من هذا التعلق بزوجته صحيح أنها كانت ترغب في ذلك، لكن ليس إلى هذا الحد حتى هو نفسه تفاجأ بأنه يكن لها مشاعر قوية وغير قادر على رؤية رحيلها بعد أن عاش معها أجمل لحظات حياته. خاصة أنه يعلم أنه ظلمها و خانها وفي النهاية شك بها، فلا تستحق كل ذلك منه ويحتاج فقط إلى فرصة واحدة أخرى.

بالإضافة إلى أنه كان يحاول أن يكفر عن ذنبه ويحتاج إليها! كان جائعًا لحنانها وللشعور بأنه ينتمي إليها أكثر من أي شخص آخر في حياتها، حتى إنه كان يشعر أحيانًا كأنه شجرة جوفاء لقد مضى العمر وذهب شبابُها وطيش الشباب ولذة ما اعتقده حاجة بداخله.. لكن كيف لشجرة سقطت أوراقها أن تعود للحياة؟! ولم يتبقَ له سوى شعور بالفراغ والألم... بالخسارة.

كانت خيانته كالتعري من إنسانيته أمامها وهو يشاهدها تنزف كدمه، صرخاتها مكتومة، راجيةً الوعود الصادقة... ولكن كيف لمن تذوق قبح الخمر أن يعود للتوبة؟ 

فتح عينيه مقاومًا ألا يعود لتلك الفترة الكئيبة وذلك الموقف الرهيب متهربًا من لحظاته الأخيرة، لكن لون الحداد في عينيها عاد ليقذف به بقسوة إلى أعماق حزنه، مما جعله لا يريد خسارتها ولا خسارة أسرته كلها.

لم تطيق مديحة توسل أبنها بتلك الطريقه حتى لو كان اتفاق بينها وبين زوجته واقتربت بسرعه تهتف بحده

= مصعب خلاص روح دلوقتي شوفلك اي حته تبات فيها لحد ما هي ترضى عليكي عشان ترضى ما تسيبش البيت. 

إخفض مصعب رأسه بخزي وضعف مس كيانه قبلها ثم أخذ نفساً عميقاً هبط كالإعصار على صدره فمزقه قطعة قطعة غير قادر على نسيان ما حدث منذ ساعات وقد كانت كل كلمة صدرت منها مازال يتردد صداها على قلبه وكأنها شموع مشتعلة تُطْفَئ فيه دون رحمة..فالحب والكره وجهان لعملة واحدة.. هز رأسه باستسلام عندما يأس من ردها عليه .

وتحرك خطوة ثم رسم إبتسامة خالية من الروح وتمتم بحرقة مجنونة

= طب ماشي هعمل كل اللي انتم عاوزينه.. بس خليها تسامحني... اوعي تسيبها تمشي يا ماما بدل ما اعمل في نفسي حاجه

ارتبكت ندى مرتعشة بذهول فما يفعله يبث بداخلها مشاعراً غريبة مخضعاً إياها للحاجة الضارية بأن تشعر به بقوة كلماته التي تدغدغها بحرارته التي تصهرها ورحل، ثم أفاقت على صوت حماتها الغاضب دون مبرر

= خلينا نصبر زي ما اتفقنا مده وبعد كده انتهزي اي فرصه وسامحيه عشان ما يرجعش يشك زي المره اللي فاتت ولا حد يلعب في دماغه انك سامحتي بسرعه.....

هزت رأسها بالايجاب بصمت بينما الأخري تحركت للداخل وهي تردد بضيق شديد

= انا هدخل اشوف الاولاد عشان ما يحسوش بحاجه ولو سألوا على ابوهم نقول انه سافر.. 
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1