رواية وانحنت لاجلها الذئاب الجزء الثالث من (سلسلة الذئاب) الفصل السادس عشر
في منزل عبد الحق بالزقــاق الشعبي ،،،
دست إحســـان يدها في جانب الأريكة ، وسحبت منه عبوة بلاستيكية صغيرة مجهولة الهوية وغير متضح معالمها ، ومدت بها يدها نحو ابنها وهي تقول بلؤم :
-خد الوصفة دي ياض
تناولها منها عبد الحق ، ونظر لها متفحصاً إياها وهو يديرها بأصابعه ، وتسائل بفضول :
-وصفة إيه دي ؟!
أجابته بنبرة واثقة وعينيها تلمعان ببريق مخيف :
-دي ياخويا كريم أبصر ايه معمول من الأعشاب الطبيعية ، حاجة لزوم السعادة الزوجية
فغر فمه بإستغراب :
-هــاه !
بينما تابعت بجدية وهي تربت على فخذه :
-وكل اللي جربها ربنا كرمه !
سألها مستفهماً وهي قاطب جبينه :
-ودي مين قالك عليها ؟
أجابته بمكر وهي تضيق عينيها :
-الولية أم نجاح الداية ، وجايبها من واحد مخصوص بيعملها بس للي عاوز !
إزدرد ريقه وهو يسألها بإهتمام :
-هــــاه ، ودي .. دي آآ.. مضمونة ؟
لوحت بيدها وهي تجيبه بتفاخر :
-إلا مضمونة ، دي متجربة ، وجابت نتيجة مع نسوان كتار
حك طرف ذقنه ، وتسائل بفضول أكبر وهو يدقق النظر في العبوة :
-وآآ.. ودي استخدمها ازاي ؟
إلتوى ثغرها وهي تردد بهمس :
-انت تدعك بيها ايدك كويس قبل ما تخش على مراتك ، والمحروسة تدهن بيه جسمها من تحت ، وآآ.. وهتدعيلي !
مسح عبد الحق طرف أنفه ، وفكر للحظة في محتويات تلك العبوة ، وما قد تسببه من أضرار لزوجته .. خاصة أنه يتوقع سوء نية والدته ، لذا ضيق عينيه بشدة متسائلاً بقلق :
-انتي متأكدة يامه إنها مش بتعمل مشاكل ؟
صاحت به إحســـان بصوت شبه متعصب :
-يا واد بأقولك وصفة طبيعية من الأعشاب ، ومن الطب النبوي
ثم مدت يدها لتختطف منه العبوة وهي تضيف بضيق زائف :
-ولو مش مصدق هاتها ، خسارة فيك وفيها
أبعدها عن يد والدته ، وهتف بإصرار :
-خلاص يامه ، هاخدها !
تقوس فمها بإبتسامة مخيفة ، وهمست بشماتة :
-جربها ، وأنا أوعدك مش هاتندم
ابتلع ريقه وهو يرد عليها بإيجاز :
-ربنا يستر !
.......................................
في منزل تقى عوض الله ،،،،
حدج مهاب الجندي فردوس بنظرات جـــارجة وهو يقف على عتبة منزلها مردداً بصلابة :
-انتي فردوس ؟
أجابته بتلعثم وهي تهز رأسها إيجاباً :
-اه ، أنا ! إنت .. إنت بقى مين ؟
أكمل مهاب حديثه بغموض دون أن تطرف عينيه القاسيتين :
-أنا مهاب الجندي ، طليق تهاني أختك ، أكيد سمعتي عني !
شهقت بصدمة وهي جاحظة العينين :
-هـــــاه ، إنت أبو آآ...
قاطعها بصوت قاسي ونظراته القاتمة تتأملها بإحتقار :
-أيوه ، وأبو أوس الجندي ، غني عن التعريف طبعاً !
توقف للحظة ليكمل بعدها بصوت جـــاد يحمل الغموض :
-و جايلك انتي وبس ، ولمصلحتك تسمعيني ، ده لو عاوزة تستفيدي !
أثارت تلك الكلمات المقتضبة إهتمامها ، وبدت غير معترضة ، فتابع قائلاً بهدوء :
-ها ينفع نتكلم هنا ولا ..آآ
إشــرأب بعنقه للأعلى ليضيف بحذر :
-ولا في حد تاني معاكي ؟
إزدردت ريقها بتوتر وهي تهز رأسها نافية ..
لا إرادياً تنحت جانباً .. وأفسحت له المجــال ليمر ، فقد إستشعرت وجود شيء ما سوف تستفيد منه ، خاصة وأنه يقصدها هي فقط ...
خطى مهاب للداخل وهو ينظر حوله بإحتقار ، فالمكان لا يليق بمستواه الراقي ، ولا بمكانته المرموقة في المجتمع .. فبالنسبة له هذا المنزل المتواضع ما هو إلا بالوعة تجتمع فيها القاذورات .. ولكنه كان مضطراً للمجيء إلى هنا من أجل إنهــاء كل المشاكل العالقة كما إعتاد أن يفعل بنفسه ..
أغلقت فردوس الباب بهدوء بعد أن تطلعت بعينيها للخــارج بتتأكد من عدم متابعة أي أحد لها من الجيران .. ثم إستدارت لتنظر ناحيته وتسائلت بتوتر :
-إنت .. انت عاوز مني ايه ؟
زم فمـــه ليبدو التأفف واضحاً على تعابيره الجامدة ، وأجابها بتريث :
-مليون جنية ليكي انتي وبس لو نفذتي اللي هاطلبه منك بالحرف !
إنفرجت شفتيها في عدم تصديق وهي تردد بتلعثم :
-هــــاه .. مليون جنية
أومــأ برأســـه وهو يجيبها بثقة موجزة :
-ايوه
تداخلت أفكارها ، واضطربت بعد سمــاع هذا المبلغ الضخم .. فســألته مستفهمة :
-بتوع ايه دول ؟ وعشان ايه ؟ واشمعنى أنا وآآ...
رفع يده أمام وجهها ليخرسها عمداً ، وقائلاً بصرامة :
-ششش .. هافهمك كل حاجة ، بس بشرط ، لو وافقتي هتتفتحلك أبواب السعادة والهنا ، وهاتشوفي اللي عمرك ماشوفتيه معايا
اقترب منها خطوة واحدة ليضيف بتهديد جامح :
-أما إذا رفضتي ، وده حقك طبعاً ، إستعدي للجحيم اللي عيلتك هاتشوفه !
ابتلعت ريقها بخوف ،ورمشت بعينيها وهي تردد :
-هـــاه ، إنت آ..
أردف قائلاً بشراســــة وهو يحدجها بنظراته الجارحة :
-انتي بإيدك تختاري !
اضطربت وهي تســأله بحيرة :
-وطلباتك دي ايه ؟
تقوس فمه بإبتسامة شيطانية وهو يجيبها :
-هو طلب واحد بس !
سألته بقلق وهي محدقة به :
-ايه هو ؟
صمت لبرهـــة ، ومن ثم أجابها بصوت قاتم :
-بنتك تجهض اللي في بطنها
إتسعت عينيها رعبت ، وشهقت بإسمها بفزع :
-تقـــى !!
إستأنف حديثه بمكر وقد برقت عينيه ببريق شرس :
-ايوه ، وهتاخدي مليون جنية لو نفذتي ده .. شوفي بقى لما يكون معاكي الفلوس دي كلها هاتعملي ايه بيها !
تقطع صوتها وهي ترد عليه :
-بس .. بس ده ضناها وآآ..
أولاها ظهره ، ودس يده في جيب بنطاله ، وقاطعها ببرود قاسي :
-كده كده هي مش هتولد أًصلاً ، فتجهض على ايدك انتي أحسن ما تجهض على ايدي وتخسري بنتك خالص ، والفلوس وكل حاجة !!!
سألته بحدة زائفة وهي تتابعه بنظراته المرتعدة :
-ده تهديد ؟
أدار رأســه في إتجاهها ، وأجابها بعدم إكتراث وهو يهز كتفيه :
-سميه تهديد ، إتفاق ، مش هاتفرق ، المهم تفكري وتختاري !
زادت حيرتها وخوفها على حياة ابنتها ، وأدركت مدى الخطر المحدق بها ، فحاولت أن تستفهم أكثر منه ، ولكن عجزت الكلمات عن الخروج من فمها .. فمن يقف أمامها ليس بشخص عادي، وإنما شيطان تجسد في هيئة بشري ..
جف حلقها وهي تجاهد للحديث بـ :
-أنا .. أنا
إتجه ناحية الباب ، وأشـــار بيده وهو يضيف بهدوء قاتل :
-أنا لو خرجت برا باب البيت ده هاعتبر الإتفاق لاغي ، فـقرري الوقتي ، بس اعملي حسابك بنتك مش هايطلع عليها نهار ، هي تحت رحمتي !
-آآ..
راقبها مهاب بتلذذ ، فقد أصـــاب رأيه فيها ، هي امرأة هشة ، لن تتحمل أي ضغط ، وستنهار أمــام تهديداته القوية ..
أخــذ نفساً عميقاً ، وزفره بهدوء وهو يتابع بعدم إكتراث :
-واضح كده إنك مش عاوزة تتفقي ، اعتبري اللي قولناه لاغي ، وآآ...
قاطعته بصوت لاهث وبلا أدني تفكير :
-ماشي .. أنا موافقة !
إلتوى فمه بشدة ، وهتف بإيجاز :
-تمــــام !
ازدردت ريقها بندم ، فقد قايضت جنين ابنتها بحياتها ، وقبلت بالثمن الباهظ الذي عرضه عليها ..
هي وقعت بين خيارين ، واختارت أقلهما ضرراً من وجهة نظرها ، وما سيعود عليها بالنفع في النهاية .. فتلك الزيجة لم يأتي من ورائها إلا المصائب .. والأفضل أن تنتهي أي روابط مع تلك العائلة المتسلطة حتى لو كان الأمـــر على حساب إبنتها ..
خشيت فردوس أن يكون ذلك الرجل يستغل جهلها ، ويدبر لها مكيدة ، فتسائلت بقلق :
-بس .. بس إيه اللي يضمني إنك آآ.. إنك هاتدفع ومش نصباية منك ؟
دس مهاب يده في جيب سترته الداخلي ، وأخــرج ورقاً مطوية منه ، ثم مد ذراعه نحوها ، وتشدق قائلاً :
-ده شيك بنص المبلغ معاكي ، تقدري تصرفيه من النهاردة لو عاوزة !
اختطفت فردوس ( الشيك ) منه ، وحدقت فيه بنظرات مذهولة وهي تعد تلك الأصفار التي تملأ الفراغ به ..
غمغمت بعدم تصديق وهي تقرأ ما دون فيه .. ولكن قطع فرحتها صوت مهاب المهدد :
-بس لو خالفتي الإتفاق يبقى استحملي انتي وبنتك وجوزك اللي هيجرالكم
إرتسم على ثغرها ابتسامة راضية وهي تردد :
-اطمن .. أنا .. أنا عند كلمتي !
سيطرت حالة من الثقة على مهاب بعد أن عقد مع تلك المرأة ( اتفاق الشيطان ) من أجل التخلص ممن أفســدت حياة ابنه ، وأبعدته عنه ..
.....................................
في سيارة أوس الجندي ،،،
جلست تقى في المقعد الخلفي ، وحدقت بالنافذة الملاصقة لها ..
وعلى قدر الإمكان تحاشت النظر إلى أوس الجالس إلى جوارها ، وإستندت بطرف ذقنها على مرفقها ..
كانت السيارة قد تحركت بهما قبل قليل نحو وجهتها .. وتبعت السيارة سيارة حراسة خــاصة لتأمين الحماية لهما ..
تجسد أمـــام مخيلة تقى تلك اللحظة العابرة التي اختطف فيها قبلة منها ..
أغمضت عينيها لتبعد المشهد عن تفكيرها ..
توردت وجنتيها خجلاً .. ودت لو قاومته وإستنكرت فعلته تلك حتى لا يظن بها الظنون ..
لكن ذلك التخبط الذي يشوب مشاعرها يجعلها حائرة ما بين القبول والرفض ..
تنهدت بصوت مسموع ، ومطت شفتيها وهي تضغط عليهما ..
كما تردد في عقلها صدى كلماته الأخيرة عن مقابلة أخته .. تلك الصغيرة التي لم ترها من قبل ، واليوم تلتقي بها كزوجته ..
هي لم تعرف عنها إلا من حديث عفاف عنها حينما أخبرتها بإيجاز بـ ....
.................................................
◘◘◘◘◘ وقفت تقى حائرة أمـــام خزانة ملابسها محاولة إنتقاء ما ترتديه ، فعاونتها المدبرة عفاف في إختيار كنزة طويلة من اللون القرمزي ، وبنطال من الجينز لترتديهما ..
سألتها تقى بإرتباك وهي تنزع ثيابها المنزلية :
-هي.. هي ليان دي حلوة ؟
أجابتها بإبتسامة مشرقة :
-زي القمر
سألتها تقى بإهتمام وهي تعيد رأسها للخلف :
-طب .. طب هي عاملة إزاي ؟ يعني هي بتتعامل مع الناس بأنهي اسلوب وآآ...
قاطعتها عفاف بنبرة مطمئنة :
-متقلقيش منها ، دي دلوعة ، وفرفوشة ، وتتحط على الجرح يطيب !
ثم تنهدت بحزن وهي تتابع بأسف :
-بس حظها وحش ، الدنيا جنت أوي عليها ، وخيبت آمالها ، ربنا يعوض عليها ، ويعينها في اللي هي فيه !
أصغت تقى لما قالته ، وشعرت أنها مرت بمأســـاة ما ، ولكنها لم تحاول التطرق إلى تفاصيل أكثر دقــة ، فما يشغل تفكيرها الآن هو ردة فعلها حول هذه المقابلة الغير متوقعة ..
أغلقت سحاب بنطالها الجينز ، وجلست على طرف الفراش لترتدي حذائها ، وتسائلت بحذر :
-هو احنا هانشوفها فين ؟ أصل آآ.. أوس مقاليش !
ردت عليها عفاف بجدية :
-أكيد في المستشفى
قطبت تقى جبينها بإندهاش ، وحدقت فيها بنظرات حائرة ، وتسائلت بعدم فهم :
-مستشفى ! هي عيانة ؟!
زفرت عفاف بصوت مسموع مكملة بـ :
-يعني .. حاجة زي كده ، ربنا يزيح عنها ◘◘◘◘
.............................................
تنهدت مجدداً بحرارة ، والتوتر يسيطر على تفكيرها بالكامل ، هي تخشى من تلك المقابلة ، فكلتاهما سترى الأخرى لأول مرة .. وبغض النظر عن كونها شقيقة زوجها ، إلا أنها في نفس الوقت ابنة خالتها التي تحبها .. فهل هي الأخرى تعرف تلك الحقيقة أم أنها ستتفاجيء بها ؟
لاحظ أوس شـــرودها ، فإبتسم إبتسامة عذبة وقد خمن إلى حد كبير سببه ..
فإيماءاتها العفوية ، وحركة أصابع كفها المتوترة أكدت له إحساسه .. قربها منها ينعكس عليها بشدة ، ويحد أثراً في نفسها ..
حـــاول أن يخفف حدة إرتباكها بتقديم هدية لها ..
-اتفضلي
قالها أوس وهو يمد يده بعلبة بيضاء مغلفة بشريط ستان أحمـــر ..
نظرت تقى إلى العلبة بإندهاش ، وتسائلت وهي ترفع رأسها في إتجاهه :
-ايه دي ؟
أجابها بإيجاز :
-عشانك !
عضت على شفتها السفلي وهي تهز رأسها معترضة لتقول :
-بس أنا .. أنا مش عاوزة حاجة
إبتسم لها إبتسامة باهتة وهو يرد بجدية :
-مش لازم تعوزي عشان أجيبلك ، دي ليكي !!
-أنا آآ..
تجمدت تعابير وجهه قليلاً ، وبرقت عينيه وهو يقاطعها بصوت آمـــر رغم هدوئه :
-خديها ، دي بالأمر !
إزدردت ريقها بخوف ، وأخذت منه العلبة بيد مرتعشة لتتفقدها ..
كانت العلبة تحتوي على هاتف محمول على أحدث طــراز ..
أخرجته من وضعه ، ورفعته للأعلى لتهتف بإندهاش وهي تتأمله :
-ده ليا ؟
أومـــأ بعينيه وهو يراقبها بإهتمام ، وأجابها بإيجاز :
-أكيد
تدلى كتفيها للأسفل ، وسألته بنزق :
-بس أنا هاعمل بيه ايه ؟
رد عليها بجدية وهو محدق بها :
-تكلمني وأكلمك
فغرت ثغرها ، ورمقته بنظرات متعجبة ، فتابع قائلاً بنبرة متريثة :
-مستغربة ليه ؟ ده الطبيعي ! المفروض يكون معاكي موبايل عشان أما أعوزك أكلمك ، وانتي برضوه كده
بررت موقفها قائلة بفتور :
-بس انا معرفش حد عشان أكلمه عليه ، ومافيش حد في عيلتي معاه موبايل إلا آآ...
خشيت أن تنطق بإسم خالتها فتثير حنق أوس ، فإقتضبت حديثها .. وضغطت على شفتيها بإرتباك ...
جذب أوس المحمول من يدها ، وأدار جسده في إتجاهها ليضيف بجدية مفرطة :
-بصي يا تقى في حاجات كتير لازم تتعودي عليها معايا ، من ضمنها وجود موبايل ، ممكن مايفرقش معاكي ، ولا مع عيلتك ، بس معايا هو مهم ، لما أحب أطمن عليكي هاكلمك عليه ، وانتي كمان !
تلعثمت قائلة وهي ترمش بعينيها بتوتر :
-بس .. بس أنا مش بأعرف أستخدمه
تقوس فمــه بإبتسامة خطيرة ، وغمز لها وهو يتابع بثقة:
-هاعلمك عليه ، وده سهل جداً على فكرة
أمعنت تقى النظر في شاشة الهاتف ، واقترب أوس أكثر منها حتى إلتصق كتفه بظهرها ، فبدى أنه يحتويها أكثر من محاولته شرح طريقة إستخدامه ..
لم تنتبه إلى ذراعه الذي إلتف حول كتفيها ليضمها إليه ، و
أكمل قائلاً بتسلية :
-هو مش متسجل عليه أي أرقام إلا اسمي ، وبتجيبه من القايمة دي !
هزت رأسها وهي تردد بخفوت :
-أها
ابتسم أوس أكثر .. هي لا تهابه كما كان .. تتصرف بصورة أكثر طبيعية .. فزادت سعادته ..
أشــــار بإصبعه على شاشة الهاتف مضيفاً بمزاح :
-مكتوب عليه اسمي ، أوس .. شايفاه
هزت رأسها بخفة وهي تهمس :
-اها
إستأنف قائلاً بمكر :
-اسمي متسجل أوس بالعربي
ردت بإيجاز وهي تنظر له بإندهاش :
-طيب
ضغط بأصابع كفه على ذراعها ، وهمس لها بتسلية أكبر :
-طب أ ، و ، س تبقى ايه ؟
أجابته بنفاذ صبر :
-عرفت إنه أوس !
انحنى برأســـه عليها لتتقلص المسافات بينهما ، وهمس لها معاتباً إياها
-طب ما انتي بتعرفي تنطقيه أهوو ، ليه بخلانة عليا بيه ؟!
تلون صدغيها بحمرة ملتهبة بعد أن شعرت بحرارة أنفاسه القريبة عليها ، وحاولت التراجع مبتعدة لكنها أدركت أنها محاصرة بذراعه ، فتوترت بشدة ..
بينما إلتوى فمه بإبتسامة مغرية وهو يتأمل سكونها معه بسعادة ..
لم يردْ أن يفسد تلك اللحظة الأخــرى المميزة بينهما ، فأرخى ذراعه عنها حتى تتحرر منه ، وإكتفى بالإستمتاع بتأثيره عليها وهو يدير رأســـه في إتجاه النافذة الملاصقة له ..
..................................
في منزل تقى عوض الله ،،،،
جلست فردوس على الأريكة دون أن تنهي أعمــال المنزل ، وفكرت بتريث شديد في كل كلمة قالها مهاب ..
إنتابها حالة من الندم لتسرعها في قرارها ، ولكنها عاودت تذكير نفسها بأنها اتخذت القرار الصائب من أجل حماية عائلتها وخاصة ابنتها ، وتحسين مستواهم المعيشي ..
نفخت بضيق وهي تبرر لنفسها :
-دول مليون جنية برضك ، يعني مش مبلغ هين ، ده .. ده هاينقلنا لحياة تانية خالص ، هاقدر أعالج الراجل ، وأعزل من الحارة الفقر دي ، وأرتاح من الغلب اللي شيلاه على كتافي بقالي سنين !
إستندت برأسها على مرفقها ، وفكرت بصوت مسموع :
-بس .. بس تقى ، وجوزها ممكن آآآ..
تجهم وجهها وهي تقول بسخط :
-جوزها !! هي دي أصلاً جوازة ، ده احنا ماشوفناش منها إلا تعب القلب والقهر والمرار الطافح !
نهضت عن الأريكة ، ووضعت يديها على رأسها ، ودارت في الصالة وهي تتابع بحيرة :
-طب .. طب أنا هاخلي البت تسقط إزاي وهي مع جوزها ، يوووه .. لازم أركز كده وأفكر في طريقة أجرجرها بيها هنا .. بس قبلة لازم أشوف فين المكان اللي هايعمل ده ، ماهو انا مش هاعملها هنا ! ايوه مش ناقصة فضايح !!!
دارت حول نفسها في الصالة ، وظلت تلوح بيديها بحركات غير مفهومة ، ثم شهقت بصوت مرتفع وهي تصيح فجـــأة :
-بس .. هي الولية أم نجــاح ، دي بتعرف الكُفت وهاتفيدني ! أنا هانزل أشوفها الوقتي !
.............................................
في مشفى الأمراض النفسية ،،،
أمسك أوس بكف تقى وهو يسير معها إلى داخـــل المشفى ..
رهبة غريبة سيطرت عليها وهي تخطو نحو أحد الأروقة ..
كان المكان منظماً ، ونظيفاً ، وألوان جدرانه مريحة للعين بدرجة كبيرة .. ولكن توترها من ذلك اللقاء حــال دون تذكرها لتفاصيله بدقــة ..
اعترض طريقهما ذلك الطبيب يتولى رعاية أوس في المنزل ..
حدقت فيه بتمعن ، وظلت صامتة وهي تتابع حديثه الجاد مع أوس ..
أردف مؤنس قائلاً بإبتسامة باهتة :
-في ميعاد مظبوط يا باشا
رد عليه أوس بإيجاز جـــاد :
-انت عارفني
إلتفت مؤنس برأســـه نحو تقى ، وسألها متحمساً :
-أخبارك ايه يا مدام ؟
أجابته بخجل وهي مطرقة الرأس :
-كويسة
أردف قائلاً بنبرة رسمية وهو يشير بيده :
-يا رب دايماً ، الدكتور عزت سليمان منتظرنا جوا ، اتفضلوا
ضغط بأصابعه على كف تقى ، وصــاح بجدية :
-اوكي .. تعالي يا تقى
تسائلت تقى مع نفسها عن هوية ذلك الطبيب الذي سيقابله كليهما الآن ، فما تعرفه مسبقاً أنها على موعد مع شقيقته .. وليس مع طبيب ما ..
لم ترهق عقلها بالتفكير في تلك المسألة ، وإنساقت وراء أوس في خطواته ...
....................................
طرق مؤنس على أحد الأبواب قبل أن يفتحه ويشير بيده وهو يقول بجدية :
-اتفضلوا .. دكتور عزت ، ده أوس باشا الجندي ، وحرمه مدام تقى !
نهض الطبيب من على مقعده ، ودار حول مكتبه ليصافح أوس ، وهتف قائلاً وهو يرسم على وجهه إبتسامة مجاملة :
-أهلاً وسهلاً بيكم
بادله أوس المصافحة وهو يردد بإقتضاب :
-أهلا يا دكتور
تسائل الطبيب عزت وهو ينظر في إتجاه تقى :
-ازيك يا مدام تقى ؟
أجابته بإختصار وهي تنظر له بحذر :
-بخير
أدار عزت رأســه في إتجاه أوس ، وأردف قائلاً بجدية :
-تسمحلي يا أوس باشا أقعد مع المدام شوية ؟
اتسعت حدقتيها بإندهاش ، ونظرت إلى أوس بنظرات زائغة ، فطمئنها بإبتسامة واثقة قبل أن ينطق بهدوء :
-اطمني ، الدكتور عزت من أشطر الدكاترة النفسيين
عقدت ما بين حاجبيها بغرابة .. ونظرت بغموض له ، ورددت في نفسها كلمة ( طبيب نفسي ) ، وحاولت تخمين سبب تلك المقابلة ..
تسارعت دقات قلبها نوعاً ما .. ودبت في أوصالها رجفة خفيفة ..
تشدق الطبيب عزت قائلاً بحماس :
-مدام تقى ، أنا مش عاوزك تقلقي من حاجة ، أنا موجود هنا عشان أساعدك !
سألته بتلعثم وهي تحاول السيطرة على خوفها :
-تـ.. تساعدني ؟
هز رأسه وهو يجيبها بهدوء تـــــام :
-ايوه ، أي واحد فينا بيتعرض لضغوط ومشاكل بتخلي أعصابه مشدودة وبتأثر عليه وعلى تصرفاته
إستدار أوس بجسده ليقف قبالة زوجته ، ثم احتضن كفها براحتيه ليبث إليها الثقة ، وابتسم لها قائلاً :
-شوفي يا تقى ، دكتور عزت هيتابع معاكي من أول النهاردة حالتك النفسية ، وهيساعدك بجد !
سألته بإرتباك وهي تطالعه بنظرات شبه خائفة :
-طب و.. وليان أختك وآآ...
قاطعها بثبات وهو يمسح طرف ذقنها بإصبعيه :
-هانقابلها بعد ما تخلصي معاه ، أوكي ؟
أومــأت برأسها قائلة بإستسلام :
-ماشي
تركها أوس بمفردها مع الطبيب وانصرف بصحبة مؤنس لتبدأ هي معه رحلة علاجها الجدية حتى تتخطى تلك الأزمات التي عصفت بحياتها فتعود كما كانت من جديد ...
أشـــــار لها عزت لتجلس على تلك الأريكة ، وتمدد جسدها عليه ، ولكنها رفضت ، وأثرت الجلوس على المقعد المعدني ..
لم يعارضها ، وترك لها حرية الإختيار ..
فركت تقى أصابعها بتوتر .. وتدلى كتفيها بقلق بالغ ..
طـأطأت رأسها للأسفل لتنظر إلى حجرها .. وأغمضت عينيها هلعاً ..
نعم هي على وشــك خوض تلك التجربة المؤلمة من جديد ، والعيش فيها لحظة بلحظة ..
تجربة جاهدت لتناسيها ، والمضي قدماً دون العودة إليها ..
كانت تخشى إستعادة ذكريات أبشع لحظات حياتها ، وأســـوأ لياليها ..
بدت أنفاسها غير منتظمة .. ورعشـــة خفيفة تمكنت من ساقيها ..
تأملها الطبيب عزت بدقــة مدركاً بوضوح مدى الصراع النفسي بداخلها ...
هي تكافح للصمود ، ولكنها مدمرة داخلياً .. ودوره الآن أن يعيد بناء جســـور الثقة مع نفسها ، ومع من تسبب في أذيتها ..
أردف عزت قائلاً بهمس :
-مدام تقى ، عاوزك تتنفسي بهدوء .. مافيش داعي للخوف ده كله ، انتي هنا في أمـــان
احتضنت نفسها بذراعيها ، وإنكمشت على نفسها أكثر ..
أخذ عزت نفساً مطولاً ، وزفره على مهل وهو يتابع بنبرة رزينة وثابتة :
-الخوف موجود بس في عقلك ، وأنا هساعدك تتغلبي عليه !
...............................
في الخـــارج ،،،
تشجع مؤنس قائلاً بجدية وهو يسير بجوار أوس في الرواق :
-بأحيك يا باشا على الخطوة دي ، فعلاً هاتفرق كتير مع المدام
رد عليه بتنهيدة مطولة :
-هي محتاجة ده اوي
أكمل مؤنس قائلاً بثقة :
-دكتور عزت من كبار أخصائي الأمراض النفسية ، وهيتعامل مع المدام بمهارة
حدق أوس أمامه وهو يردد بجدية :
-يهمني إنه يجيب نتيجة معاها !
رد عليه مؤنس بحماس :
-هايحصل إن شاء الله
إلتفت أوس برأســـه نصف إلتفاتة ، وتسائل بصوت قاتم :
-قولي هو دكتور فهمي في مكتبه ؟
هز رأســه وهو يجيبه بإختصار :
-ايوه !!
أشــــار له أوس بكفه ليكف عن السير معه وهو يتابع بحسم :
-طيب أنا هاروح أشوفه لوحدي
ابتسم له مؤنس إبتسامة باهتة وهو يقول :
-اوكي يا باشا ، وأنا موجود هنا لشوية كمان ، فلو عوزت حاجة اطلبني هتلاقيني فوراً !
-تمام
-عن اذن سيادتك
تحـــرك أوس في إتجاه الدرج ليصعد للطابق الأعلى حيث توجد غرفة الطبيب النفسي الشهير ( فهمي محفوظ ) ، ودلف إلى الغرفة ليقابله حيث الميعاد المتفق بينهما مسبقاً ..................................................
..................................................وانحنت لأجلها الذئاب
الفصل السادس عشـــــر ( الجزء الثاني ) :
في مشفى الأمراض النفسية ،،،
نهض الطبيب فهمي من على مقعده فور رؤيته لأوس الجندي ، واستقبله بإبتسامة مرحبة وهو يمد يده ليصافحه ، وهتف قائلاً بسعادة :
-حمدلله على سلامتك يا أوس باشا
صافحه بقوة وهو يجيبه بجدية :
-الله يسلمك
سألها فهمي وهو يشير له بالجلوس :
-ازي صحتك دلوقتي ؟
رد عليه أوس بإقتضاب وهو يجلس على المقعد المواجه له :
-أحسن !
زم فهمي فمـــه ليضيف بعتاب زائف :
-أنا بأعاتب على حضرتك عدم انتظامك في جلسات علاجنا السرية ، خصوصاً الفترة الأخيرة !
إلتوى فم أوس بإبتسامة متهكمة :
-هو كان بإيدي ! ما إنت عارف اللي حصلي !
تنحنح بحــرج وهو يكمل بحذر :
-أيوه ، وأتمنى إننا نواظب خلال الفترة الجاية
ضغط على شفتيه قائلاً بتنهيدة :
-هحاول
تشدق فهمي قائلاً وهو يعتدل في جلسته :
-أنا فاهم إن سيادتك يا باشا عندك مشغوليات ، وإلتزامات ، بس ده مهم جداً ، إحنا بدأنا في مشوار ، وعاوزين نكمله للأخـــر !
زفــــر أوس قائلاً بنفاذ صبر وهو يشيح بذراعه :
-أنا بأعمل كل اللي طلبته مني ، بس لسه في حاجز بينا !
نفخ مجدداً وهو يتابع بنبرة شبه محتدة :
-حاسس إني هافشل ومش هاقدر أكمل
انحنى فهمي بجسده للأمـــام قليلاً ، ورد عليه بهدوء محاولاً إمتصاص غضبه :
-أوس باشا ، كون إن حضرتك جيت هنا عشان تتعالج ، ده في حد ذاته أكبر خطوة للنجاح .. اعتراف الشخص بمرضه هو الخطوة الأولى في مراحل العلاج الصح ، وزي ما فهمت حضرتك طبيعة المرض اللي عندك ايه ، وطرق علاجه إزاي ، وأنا معاك لحد نهاية المشوار
تنهد أوس بعمق وهو يعيد رأســـه للخلف متذكراً ذلك اليوم الذي قرر فيه أن يواجه أكبر مخــاوفه ، ويغير من نفسه كلياً عن طريق اللجوء للعلاج النفسي بعد حادثة تقى الشهيرة ...
نعم لقد نجح في إخفاء الأمـــر بالتعاون مع طبيبه النفسي المعالج له حتى يمتثل للشفاء ...
........................................
◘◘◘◘ ولج أوس الجندي إلى غرفة مكتب أحد الأطباء النفسيين المعروفين بكفاءتهم وحرفيتهم في مجال عملهم ..
نظر له فهمي بإستغراب ، وهتف محتجاً على طريقة إقتحامه لمكتبه :
-انت ازاي تدخل عليا كده ؟
سأله أوس بصوت صـــارم وهو يحدجه بنظرات قاسية :
-انت فهمي محفوظ ؟
أجابه فهمي بغيظ وهو يبادله النظرات الحادة :
-ايوه ، وانت بقى مين ؟
لوى أوس فمه متابعاً بفظاظة :
-مش مهم أنا مين !
أمسك بياقة الطبيب ، وربت على كتفه قليلاً ، فشعر الأخير بنوع من الإستفزاز له ، وكان على وشك الحديث لكن منعه صوت أوس الحازم بـ :
-أنا عاوزك في موضوع مهم
أزاح فهمي يد أوس بعيداً عنه ، ورمقه بنظرات محتقنة وهو يهتف بضيق :
-أنا ماقبلش بالأسلوب ده في الحوار معايا !!
أشــــار بإصبعه وهو يكمل بوعيد :
-وحسابي هايكون مع اللي سمحلك تدخل هنا !
تقوس فم أوس بإبتسامة متهكمة وهو يرد عليه :
-العيادة مافيهاش حد برا غير أنا وأنت و... وبس !
جحظ فهمي بعينيه ، وهتف متسائلاً بإستغراب :
-هـــاه ! يعني ايه ؟
لكـــزه أوس في كتفه وهو يدور حولـــه ، وأمره بهدوء :
-اقعد كده يا دكتور واسمعني كويس
رمقه فهمي بنظرات غاضبة ، وسأله بصوت محتد :
-انت عاوز ايه ؟
أخـــذ أوس نفساً عميقاً ، حبسه للحظات في صدره ، ثم أطلقه دفعة واحدة وهو يجيبه :
-أنا عندي مشكلة ، وسألت وعرفت إنك من أشطر الدكاترة
رد عليه فهمي بسخط ، وقد ظهرت عروقه المتشنجة بوضوح في جيبنه وعنقه :
-ولما حضرتك سألت عني ، مجتش ليه زي بقية الناس الطبيعين تحجز كشف عادي وآآآ...
قاطعه أوس بصرامة ، ونظراته الجامدة مسلطة عليه :
-ماهو ده اللي عملته ، أنا حاجز العيادة كلها ليا النهاردة
توتر فهمي قليلاً وهو يهتف بصدمة :
-انت ؟ هو .. هو إنت آآ.. حضرتك أوس الجندي
-ايوه !
ازدرد ريقه بهدوء ، وأشـــار له قائلاً بحرج :
-اتفضل يا باشا ، أنا أسف ، مكنتش أعرف إنه حضرتك
تحرك أوس خطوتين ليقف قبالة فهمي ، وحدجه بنظرات عدائية ، ثم كز على أسنانه قائلاً بتحذير :
-قبل ما أبدأ أتكلم معاك ، لو كلمة واحدة اتقالت برا الأوضة دي ، صدقني هاتندم على ده ! ومش هاقولك ردي عليك هايكون ازاي ، هاسيبك لخيالك !!!
ابتلع فهمي ريقه بصعوبة .. فكلمات أوس لوحدها كفيلة بدب الرعب في قلب أي شخص عاقل .. ونظراته تؤكد صدق تهديداته الصريحة .. لذا هتف بنزق :
-يا فندم من غير ما تقول ، حضرتك أي حوارات بين الدكتور والحالة المتابعة معاه بتكون في سرية تامة ، ومافيش مخلوق بيعرف عنها
مط أوس فمه ليقول بإختصار :
-تمام
أشــــار فهمي بيده نحو المقعد الوثير وهو يضيف بتريث :
-اتفضل حضرتك ارتاح هنا ، وآآ..
قاطعه أوس بصلابة وهو يسحب المقعد ليجلس عليه :
-أنا كويس كده !
انتصب أوس في جلسته ، وأسند ساقه فوق الأخـــري ، ثم أمــال رأسه للجانب ، وظل يتطلع لفهمي بنظرات تحمل الكثير ..
تنحنح فهمي بخفوت ، وإدعــى السعــال ، وأردف قائلاً بحذر :
-تمام يا فندم .. وقت ما تكون مستعد ابدأ
طــــال صمت أوس .. وظل محدقاً في الفراغ أمامه لوهلة .. ولم يحاول الطبيب مقاطعته ، ترك له الفرصة ليستعيد شتات أمــره ..
استجمع أوس شجاعته ، وأخذ نفساً عميقاً ليسيطر على ثباته الإنفعالي أمامه ، ثم بدأ حديثه قائلاً بجمود :
-أنا .. أنا عندي مشكلة
هـــز فهمي رأســـه متفهماً ، في حين تابع أوس بصعوبة :
-أنا .. عنيف في علاقاتي ، وآآ..
توقف عن إتمـــام جملته ، وضغط على أسنانه بقوة .. وكور قبضته المستندة إلى فخذه ..
اضطربت ضربات قلبه ، وجاهد ليحافظ على ثبات إنتظام أنفاسه رغم تسارعها ..
راقب فهمي ردود فعله ، وهمس له بهدوء :
-كمل حضرتك ، أنا سامعك !
بدأ أوس في شرح حالته بكلمات منتقاة بعناية وحِــرص حتى يتمكن الطبيب من معرفة طبيعة مرضه ..
كان في البداية غامضاً ، وأكثر تحفظاً ، وإجتهد الطبيب في إخراج ما يكنه في صدره حتى استشف تماماً بعد عدة جلسات متعاقبة نوع المرض الذي يعاني منه ، ودرجــة إصابته ، ولكنه لم يعلق عليه حتى يتأكد من شكوكه ..
كذلك ترك له الحرية للتحدث بعشوائية دون أن يعقب عليه أو يقاطعه .. واكتفى بتدوين ملحوظات عامة ..
بدى أوس مشتتاً وهو يسرد تفاصيل حرجة من طفولته ، ومن مرحلة شبابه ..
كان يحاول ألا يتحدث بتعمق عن أدق تفاصيله ، واكتفى بطرح الخطوط العريضة لها ..
ولكن مع تكرار جلسات التداعي الحر السرية بينهما وشعوره بالأمـــان بدأ رويدا رويداً في الإستفاضة والاسترســال في الحديث معه .. وذكر كل ما يخص معاناته النفسية ، فيما عدا ما حدث مع تقى ...
فسر الطبيب فهمي حالته قائلاً بهدوء :
-المرض اللي حضرتك بتعاني منه ، بيطلق عليه علمياً ( السادية ) ، وده درجــات مختلفة ، أخطرها السادية الإجرامية ..
أما طبيعة الإصابة بيه فبتكون أما بالاستعداد الوراثي ، أو في اضطراب هرموني ، أو وجود علاقات مرضية غير سوية ، وطبعاً وجود تاريخ للاستغلال الجنسي !
ابتلع أوس ريقه وهو يصغي بإنصات لما قاله الطبيب ، وبدى مهتماً بكل كلمة يقولها ...
إستأنف فهمي حديثه بهدوء رزين :
-ومن كلام سيادتك ، فالطفولة الـ آآ.. يعني اللي مريت بيها ، ووجود علاقات مرضية عند أفراد العائلة إنعكست عليك ، وأوجدت نوع من القوة المفرطة والعنف في علاقاتك بالغير عشان تداري ضعفك .!!!
تشنجت تعابير وجـــه أوس نوعاً ما .. فقد كشفه الطبيب فهمي أمـــام نفسه ..
كـــور قبضتي يده ، وضغط على أصابعه بقسوة ..
حاول فهمي أن يخفف وطــأة الحديث ، فأردف قائلاً بحذر :
-دور الطب النفسي هنا يعالج المشكلة دي بجدية ، بس لازم المريض يتعاون مع الدكتور ، وإلا كل ده هيضيع هباء
ظل أوس صامتاً ، واكتفى بالتحديق أمامه في الفراغ ...
دقق فهمي النظر إليه ، وسأله بصوت جاد :
-تسمحلي أسأل سيادتك في حاجة ؟
قطب أوس جبينه ، ورد عليه متسائلاً بصوت جامد :
-ايه هي ؟
هتف الطبيب فهمي دون تردد :
-انت متجوز ؟!
إتسعت حدقتي أوس قليلاً ، ورمقه بنظرات حــادة للغاية .. فحاول فهمي أن يوضح سؤاله قائلاً بحذر :
-أقصد يعني لو حضرتك متجوز ، فإيه هي طبيعة العلاقة الحميمية مع مراتك ؟
ازدرد أوس ريقه بتوتر شديد ، وزاد تشنجات وجهه للغاية .. حتى أن عينيه إحتقنتا للغاية .. لقد تجسد نصب عينيه واقعة مضاجعة تقى رغماً عنها وهي مقيدة بالفراش .. ورغم توسلاتها وبكائها الصــارخ إلا أنه نهش بلا رحمة عذريتها ليسقط مع فعلته قناع قوته الزائف .. ويتعرى أمــام نفسه مع إنهيارها فينكشف ضعفه الحقيقي .....
أدرك فهمي من صمته الذي طـــال أن هناك مشكلة ما قد حدثت مع زوجته .. ففكر في طريقة علمية تدفعه بلا ضغط للبوح بما صـــار معها ، فربما تكون هي إحدى ضحايا عنفه ، وعانت من ساديته مثلما يعاني الآن من ماضيه .. فإجتهد في حثه على الحديث ، واستغرق وقتاً في إكتساب ثقته ليقر بما فعله في حقها ............. ◘◘◘◘
.........................................
أفــــاق أوس من ذكرياته على صوت فهمي المألوف وهو يردد بجدية :
-أنا عامل لحضرتك برنامج مكثف هايفيد إن شاء الله في الفترة الجاية ، أهم حاجة بس الانتظام ، وزي ما عملنا الخطوات السابقة هانقدر نكمل اللي جاي
رد عليه الأخير بإيجاز :
-اوكي ..
...............................
في الحـــارة الشعبية ،،،،
نزلت فردوس من منزلها بعد أن عـــاد زوجها عوض ، وتحججت بنقص بعض المواد التموينية وذهابها لإحضارها من الجمعية التعاونية القريبة ..
لم يهتم بما تفعله ، ودلف إلى غرفته ليرتاح ..
في حين إتجهت هي نحو البناية التي تقطن بها القابلة أم نجـــاح ، ولحسن حظها قابلتها وهي تتمازح أمام المدخل مع إحدى الجارات ..
هتفت فردوس بصوت مرتفع وهي عابسة الوجه :
-أم نجاح ، إنتي يا ولية
استدارت أم نجاح برأسها نحو مصدر الصوت ، فرأت فردوس مقبلة عليها ، فلوت فمها قليلاً وهي تجيبها :
-خير يا أم تقى ؟
وقفت إلى جوارها وهتفت بجمود مريب :
-عاوزاكي شوية
لوحت لها بيدها وهي تقول بفتور :
-طب تعالي ، محدش غريب
إحتقن وجــه فردوس قليلاً ، وصرت على أسنانها لتقول بصوت شبه محتد :
-بأقولك يا ولية عاوزاكي في موضوع مهم ، تقوليلي تعالي مافيش حد غريب
لوت ثغرها ، وردت بإيجاز :
-طيب .. جاية معاكي !
ســـارت الاثنتين معاً في أزقــة الحارة حتى أصبحت كلتيهما بعيداً عن أعين الناس ، فسألتها أم نجــاح بإستفهام وهي تنظر لها من طرف عينها :
-خير ؟ عاوزاني في ايه ؟؟
ردت عليها فردوس بضيق بعد أن توقفت عن الحركة :
-بصي ، من غير لف ولا دوران ، واحدة من حبايبي بنتها واقعة في نصيبة
رسمت فردوس في عقلها خطـــة محكمة من أجل استدراج ما تريد معرفته من تلك القابلة دون أن تلفت الأنظــــار إليها ..
لطمت أم نجاح على صدرها ، وتسائلت بتلهف وهي ترفع حاجبها للأعلى :
-خير في ايه ؟
عبست فردوس بوجهها ، وأجابتها بصوت قاتم :
-لأ مش خير خالص ، واد ابن حرام لاف على البت ، وآآ..
اتسعت عيني أم نجـــاح بصدمة وهي تستمع إلى الجزء الأول من جملتها ، وإنتبهت حواسها لفردوس وهي تكمل بسخط :
-وغواها ، والبت حبلت منه !
حركت أم نجاح شفتيها للجانبين ، وغمغمت بحسرة :
-يادي النصيبة !
تنهدت فردوس بضجر وهي تكمل :
-وبعدها خلع ولا عاوز يتنيل يكتب عليها ولا حتى يتجوزها عرفي !
شهقت أم نجـــاح بصوت مرتفع وهي تتسائل بـ :
-يا نصيبتي ! وأمها كانت فين ؟؟
لوت فردوس فمها لتجيبها بتهكم :
-نايمة على ودانها
بصقت أم نجـــاح إلى جوارها وهي تتمتم بسخط :
-نسوان أخــر زمن !
تابعت فردوس حديثها بهمس :
-الولية أمها عاوزة تستر على البت ، وتخليها تسقط ، وجات تستنجد بيا ، وأنا مش عارفة أعملها ايه !!
رفعت أم نجـــاح كفيها للأعلى ، وأردفت قائلة بإعتراض جلي وهي تهز رأسها مستنكرة :
-ياختي أنا ماليش في الحاجات دي !
أمسكت فردوس بكفها ، وضغطت على أسنانها وهي تقول بحذر :
-ما أنا عارفة !
ضيقت عينيها أكثر لتتسائل بمكر :
-بس ماتعرفيش حد كده يكون ليه في الليلة يخلصهالنا من بعيد لبعيد ؟؟
وتنهدت بأسف زائف وهي تكمل :
-بردك دي أعراض وشرف
فركت أم نجـــاح ذقنها ، وأشاحت بوجهها للجانب وهي تفكر ملياً فيما قالته ..
زمت فردوس شفتيها لتضيف بخبث وهي تدعي حسرتها على ما حدث لتلك الفتاة :
-استري على البت يا أم نجاح
نفخت أم نجـــاح بضيق وهي ترد عليها بـ :
-يا أم تقى انتي عارفة أنا أخري أولد ، لكن تسقيط وترقيع ، والأفلام دي ماليش فيها وآآآ...
قاطعتها فردوس بإستعطاف وهي ترمقها بنظرات شبه متوسلة :
-يعني انتي يرضيكي أكسر بخاطر الولية ، دي متعشمة جامد فيا !
صمتت أم نجــــاح مجدداً .. وأخذت تفكر في حل لتلك المعضلة العويصة بجدية ..
فإلتوى ثغر فردوس قليلاً لإستجابة الأخيرة لها .. ونجحت في جعل وجهها خالياً من أي تعابير تكشف خدعتها ..
بعد عدة دقائق ، تشدق أم نجاح قائلة بإمتعاض :
-بصي .. هو اللي أنا أعرفه إن في مستوصف كده في حتة مدارية قريبة من هنا ، الضاكتور اللي فيه بيخلص حاجات زي كده
سألتها فردوس بإهتمام وهي مضيقة لعينيها بشدة :
-وده مكانه فين ده ؟
أجابتها الأخيرة بهدوء وهي تشير بيدها :
-هو عند آآ (( ............ ))
..................................................
في مسكن عبد الحق المتواضع ،،،
إستلقى عبد الحق على الفراش بعد أن دعك يديه جيداً من الكريم الموضوع العبوة التي أعطتها له والدته ، وتمدد عليه مرتدياً فقط سرواله الداخلي ..
تحمس بشدة وهو يصيح :
-يالا يا بطة ، كل ده بتعملي ايه
ردت عليه بصوت مرتفع من الخـــارج
-مش بأشطف المواعين
هـــدر عبد الحق بسباب لاذع وهو يوبخها قائلاً :
-سيبكم من أمهم دلوقتي ، وتعالي بدل ما أجيلك
ولجت بطة إلى داخل الغرفة وهي ترتدي قميصاً قصيراً من اللون القرمزي الفاتح يبرز مفاتنها الأنثوية بدرجة مثيرة للغاية ..
وضعت يدها المبتلة في منتصف خصرها ، وتغنجت بجسدها وهي تجيبه بدلال :
-ماتصبر يا عبده شوية ، هي الدنيا هتطير !
عض عبد الحق على شفته السفلى ، ونظر لها بنظرات جريئة متفحصة لمعالم جسدها بالكامل ، وهتف بتنهيدة حارة :
-ده أنا اللي عقلي هايطير ، تعالي بقى !
اقتربت منه بطة وتعمدت أن تتمايل بجسدها أكثر لتزيد من إثارته ، وما إن أصبحت على مسافة قصيرة حتى إنتفض من مكانه ليجذبها من رسغها ، فلم تستطع أن تحافظ على إتزانها بسبب حركته المباغتة ، وسقطت عليه ، وعاتبته بنبرة رقيقة :
-آآآآي ، ما بالراحة يا عبده !
رد عليه بنظرات أكثر جراءة وهو يهمس لها :
-وحياتك كله بشويش بشويش
إلتقط أنف بطة رائحة غريبة ، فتسائلت وهي عابسة الوجه :
-ايه الريحة دي ؟
رد عليها بخفوت وهو يشير بيده :
-ده .. ده ريحة الكريم
عقدت ما بين حاجبيها مندهشة ، ورددت بعدم فهم :
-كريم !
أجابها مازحاً وهو يتحسس عنقها :
-ايوه ، حاجة كده نظام لهاليبو يا وله
حركت فمها قائلة بإستنكار :
-مش فاهماك ياخويا
تلمس عبد الحق خصلات شعرها ، ولفها على إصبعيه ، وأجابها بهدوء :
-شوفي يا بطوطتي ، الكريم ده فيه الخلاصة
مــال على فروة رأسها ليتنشق عبير شعرها ، وهمس لها بتنهيدة حارة :
-سيبلي نفسك وانتي هاتعرفي
نظرت له بإستغراب ، وهمست بنعومة :
-ناوي على ايه ؟ مش مرتحالك
ســـال لعابه وهو يفتح غطاء العبوة ليغمس أصابعه فيها ، وهمس لها عابثاً :
-نــاوي على كل خير
أمسك عبد الحق بذراع زوجته ، ومرر أصابعه عليه برقــة ليرتعش جسدها من لمساته على بشرتها الناعمة ..
قــرب وجهه من وجهها ، ومن ثم مـــال عليها برأسه ، وإنهــال عليها بقبلات عميقة ، ومطولة ليؤجج مشاعرها في أنحــاء متفرقة من جسدها ..
أغمضت عينيها لتستمتع بكل لحظة مع زوجها ، وبادلته قبلات حـــارة .. ومسحت على رأسه بأصابعها ، وتمسكت أكثر به ، وضغطت على كتفه ..
تذكـــر هو حديث والدته بأن يفرك ما بين ساقيها بهذا الكريم العجيب قبل أن يشرع في علاقتهما الزوجية حتى يضمن نجــاحها ..
وبالفعل فعل هذا ، جثى عليها بجسده ، ومد يده ليتحسسها ، فشعرت بطة بلمسته المداعبة لها ، ثم برطوبة شديدة بالأسفل ، وأعقبها وخزات حـــادة ألهبتها ..
بدت منزعجة للغاية ، وتلوت بجسدها بطريقة غير مريحة .. وإكتسى وجهها بحمرة شديدة ..
نعم هناك شيء غير طبيعي بالمرة .. وكــأن جسدها السفلي قد تحول لكتلة من اللهب ، أو جمرة مشتعلة على النيران ..
استشعر عبد الحق تلك السخونة المنبعثة منها ، فإعتقد أن الكريم قد أتى بمفعوله معها ، فزدات حماسته ، وشرع في فرك سَوءَتِها أكثر ليزيد من إثارتها ..
ولكن جاءت النتيجة بالعكس ، حيث صرخت بطة بإهتياج :
-بـــس ، كفاية
إستمر عبد الحق في فرك جسدها مكملاً بعدم فهم :
-ليه يا بطوطتي ، ده احنا بنسخن لسه !!
دفعته بطة بقبضتيها من صدره العاري بعيداً عنها وهي تصرخ بآلم :
-مش قـــادرة ، نــــار فيا ، آآآآه
مسح عبد الحق بلسانه على أسنانه ، وهمس بإنتشــاء وهو يحاوطها أكثر بذراعيه :
-ما أنا حاسس بده ، آآآآه !!
ثم غمغم بخفوت :
-يالهوي عليكي يامه ، بركاتك ، الكريم جاب نتيجة !
سألته بتوجس وأسفل جسدها يحترق من الآلم :
-انت بتبرطم بتقول ايه ؟
لاحظ عبد الحق عدم إستجابتها له ، ونفورها منه ، ومحاولتها الإبتعاد منه ، فضغط على كتفيها بقبضتيه ليثبتها ، وصــاح بضجر :
-في ايه يا بت ، ما تظبطي أدائك معايا
أغمضت عينيها ، وتأوهت من الآلم وهي تصرخ مستغيثة :
-آآآه ، انت مش حاسس بيا ، آآآه !
تراجع قليلاً للخلف ، فهبت من على الفراش ، وصرخت بصوت متشنج :
-آآآآه .. نــــار ، أنا والعة ، في حاجة مش مظبوطة
نظر لها بغموض ، وسألها متوجساً :
-استني ، رايحة فين ؟
وضعت بطة يديها أسفل جسدها ، وضغطت على أسنانها وهي تجيبه بصوتها المختنق :
-هــاروح أبرد نفسي بالمياه
ثم ركضت خــــارج الغرفة ، وهي تتأوه بصوت مرتفع ..
صـــاح بها عبد الحق مندهشاً :
-يا بت !
زفـــر بغضب وهو يسب قائلاً :
-يخربيتك ! ضيعتي الليلة أونطة !
سمعت صوته من الداخل ، فتمتمت مع نفسها بخوف :
-ده انا اللي بأضيع !
ولجت بطة إلى داخل المرحــاض ، واغلقت الباب خلفها ، ثم إنتزعت عنها قميصها ، وألقته على الأرضية ، ومدت يدها لتفتح الصنبور وتملأ ذلك الدورق الصغير بالمياه لتغسل به جسدها وتطفيء النيران المشتعلة به .. ولكن زاد الأمــر سوءاً ، حيث أحرقتها المياه ، وألهبت عضوها الأنثوي بشــدة .. فصرخت متآلمة ..
هب عبد الحق مذعوراً من على الفراش ، وركض ناحية المرحــاض وهو يصيح بقلق :
-في ايه يا بطة ؟ بتصوتي ليه كده ؟
أمسكت بجسدها وهي تتلوى بقسوة ، وصرخت ببكاء واضح بعد أن سقطت على الأرضية :
-الحقني يا عبده ، هامـــــوت ، آآآآه !
ثم أطلقت صرخــــة مخيفة إهتزت لها جدران المرحاض القديم .......................!!
....................................................
وانحنت لأجلها الذئاب
الفصل السادس عشـــــر ( الجزء الثالث ) :
ســـــارت فردوس بعد أن تركت القابلة أم نجــاح عبر عدة أزقــة ضيقة ، وحواري متفرعة لتصل إلى مكان شبه مقفر .. يحتوي على مساكن متهالكة للغاية ، يجلس قاطنيها على درجاتها المتدنية ..
خطت على الطريق الغير ممهد وهي تتفحص المكان بنظرات دقيقة متأملة معالمه ..
سيطرت رائحة عفنة على المكان بأكمله بسبب قرب مفرغ النفايات من المنطقة ..
أشخاص أشكالهم مريبة كانوا يجلسون على قارعة الطريق يدخنون السجائر وما بها من مواد مخدرة ومحظورة ..
وسيدات هيئتهن غير مريحة بالمرة يتبادلن الغمزات واللمزات ..
ابتلعت فردوس ريقها بتوجس ، ورفعت رأسها بتعالٍ زائف وهي تتجه للأمــام ..
وقعت عينيها على لافتة بالية ( بُهتت ) أحرفها ، وقرأتها بهمس :
-مـ.. مستوصف !
إلتوى ثغرها بإبتسامة شبه راضية ، فقد أوشكت على تحقيق غرضها ..
وقفت على بعد من تلك البناية القديمة .. لتتفحصها بدقــة ..
فرأت عدة سيدات يقفن في مجموعات ، ومعهن أطفال من الجنسين .. بالإضافة إلى عدة كهــول تمكن المرض منهم يقفون في الخــارج ويدخنون السجائر بشراهة لا تتناسب مع وضعهم الصحي ..
ألقت بطرف حجابها خلف ظهرها ، وشدت كتفيها ، وســارت في إتجاه المدخل ..
مرت هي من جوار سيدة مسنة ، يخرج من صدرها سعـــال متواصل ، فنظرت لها بتأفف وهي تسد فمها بطرف حجابها حتى لا تلتقط أي عدوى منها ..
تأملت المكان بنظرات أكثر تمعناً لتنحفر معالمه في ذاكرتها ..
كان المستوصف يقع في قبو البناية ، ولاحظت أن أغلب رواده من المسنات والنســـاء والفتيات الصغيرات ..
تعجبت من هذا ، ولكنها لم تكترث كثيراً .. فهي قد جاءت لغرض معين ، وتسعى للتأكد منه ...
بحثت بعينيها عن الممرضة المسئولة عن حجز الكشوفات الطبية هنا ، فوجدت امرأة سمراء البشرة تجلس على مكتب خشبي قديم ، وإلى أمامها عدة أوراق ..
اقتربت منها ، وانحنت بجسدها عليها لتسألها بهمس :
-هو ده ياختي مستوصف الشعب ؟
رمقتها الممرضة السمراء بنظرات إحتقارية وهي تجيبها بتهكم :
-ايوه يا ستي ، هـــو !
ترددت في سؤالها أمــام الجالسات عن عملية الإجهاض ، فدارت حول المكتب ، ومالت عليها لتهمس لها بحذر وهي تتلفت حولها :
-طب أنا كنت عاوزة أســأل عن آآآ... آآ..
قاطعتها الممرضة بنفاذ صبر :
-قولي يا ست ، انا مش ورايا اليوم بطوله عشان تتهتهي !
دست فردوس يدها في فتحة صدر عباءتها السوداء ، وأخرجت منها نقدية طوتها في راحتها .. ثم وضعتها في كف الممرضة وغمزت لها وهي تقول بخفوت :
-تعالي على نفسك ياختي شوية
تنحنحت الممرضة بإحراج زائف ، وأوصدت درج مكتبها، وغمغمت بصوت مرتفع وهي تنهض عن مقعدها الخشبي :
-تعالى مكاني يا مدبولي
إلتفت ممرض ما بجسده ناحيتها ، ورد قائلاً بحنق :
-رايحة فين يا ولية ؟
ردت عليه بإزدراء وهي مكفهرة الوجـــه :
-هاتنيل أخش الحمام ، هو أنا مش بني آدمة
نفخ بغيظ ، ثم هتف بحدة :
-طب ماتعوقيش !
أشــارت له بعينها وهي تحذره بجدية :
-خد بالك بس من الدرج ، ده في المعلوم
سألها بضجر وهو يحدجها بنظرات مشمئزة :
-انتي مش قافلة عليه ؟
ردت عليه بعصبية وهي تشير بإصبعها أمام حاجبها بحركة متهكمة :
-ايوه ، بس الحرص واجب يا إدلعدي !
كز على أسنانه قائلاً بإيجاز :
-ماشي !
-تعالي ورايا
قالتها الممرضة بخفوت وهي تدفع فردوس من كتفها للجانب .. فإستجابت الأخيرة لها ، ولحقت بها ..
وقفت الممرضة السمراء في زاوية ما ، وضيقت عينيها نوعاً ما ، ثم سألتها بجدية :
-كنتي عاوزة ايه بقى ؟
تلعثمت فردوس وهي تجيبها بهمس :
-بـ.. بنتي غلطت ، واد ابن حرام لعب على عقلها ، وآآ..
عبست الممرضة بوجهها ، وقاطعتها بصوت غير مكترث :
-فهمت ماتلوكيش كتير !
ثم ضيقت عينيها فأصبحتا حادتين ، وسألتها بخبث :
-وانتي عاوزة ايه ؟ ترجع بكرتونتها ؟
هزت فردوس رأسها نافية ، وصاحت بتوتر وهي تشير بكفيها في الهواء :
-لالالا .. مش كده ، هي حبلت منه
مطت الممرضة شفتيها للجانبين ، وغمغمت بسخط :
-قطيعة
إزدردت فردوس ريقها ، وتنهدت بصعوبة وهي تضيف :
-أنا .. أنا عاوزاها تسقط الحبل ده
-مممم..
ثم تابعت بلؤم وهي تتأمل هيئتها :
-وأنا تحت أمرك في أي طلبات تعوزيها
لوحت الممرضة بذراعها ، وهتفت مستنكرة :
-ياختي أنا مش باخد حاجة ليا ، كله للضاكتور بدران !
ضغطت فردوس على رسغ الممرضة ، وهمست بلؤم :
-بردك ليكي الحلاوة لو الحكاية تمت على ايدك
سألتها الممرضة مستفهمة وقد لمعت عينيها بشراهة :
-هي حبلى في كام شهر ؟
حكت فردوس مقدمة رأسها ، وفكرت ملياً في المدة التي أعقبت زواج ابنتها ، ورددت بحيرة :
-هـــاه .. آآ.. تقريبا شهر ولا اتنين .. مش عارفة بالظبط !
زمت الممرضة ثغرها ، وعلقت بتهكم :
-وسابت نفسها كل ده ؟!!
كزت فردوس على أسنانها بشراسة لتجيبها بحزن زائف :
-ماهو ابن الكلب استغفلها ، لعب عليها بالبيضة والحجر !
أضافت الممرضة بإستهزاء :
-مالكيش حق ، كنتي خدي بالك ! ولا إنتي آآآ..
قاطعتها فردوس بحدة :
-انتي هاتبكتيني ؟ أنا جاية هنا عشان أشوف حل
فغرت الممرضة فمها لتصيح بإحتجاج وهي تشير بيدها :
-نعم ! أبكتك ؟ ليه يا إدلعدي ، ده كل اللي جايين هنا محتاجينا ، مش احنا اللي عاوزينهم !
نفخت فردوس من الضيق بسبب تفوهها بتلك العبارة ، ورأت امتعاض وجه الممرضة ، فتوسلتها قائلة :
-حق عليا ، أنا مقصدش ، بس آآ...
قاطعتها الممرضة بتجهم وهي ترمقها بنظرات إحتقارية :
-تقصدي ولا لأ ، القصد أنا هابلغ الضاكتور بدران باللي قولتيه وابقي تعالي اسألي !
سألتها فردوس بجدية :
-هو ماينفعش تسأليه الوقتي ؟
ردت عليها بتهكم ســـاخر :
-لأ .. عنده عملية ختان عقبال عنك !
غمغمت فردوس بنبرة محتقنة مع نفسها :
-ولية لسانها عاوز حَشُه
ثم ضغطت على شفتيها لتسألها بهدوء مصطنع :
-طب هو بيخلص امتى ؟
هزت كتفيها بإستهزاء ، وأجابتها بفتور :
-براحته ، مالوش مواعيد
تنهدت فردوس بإنهاك وهي تتابع :
-خلاص أنا هاعد أستناه لحد ما تسأليه !
دفعتها الممرضة السمراء من كتفها ، وصاحت بقسوة :
-انتي حرة ، وحاسبي بقى خليني أشوف النسوان المرقعة اللي هنا !
ثم تحركت مبتعدة عنها لتعاود الجلوس عند مكتبها في الإستقبال ..
بصقت فردوس على جانبها ، وتمتمت بسخط :
-يخربيتك مَـــرَة سو !
...................................
في مشفى الجندي الخـــاص ،،،،
وقف مهاب أمـــام المرآة المعلقة في المرحــاض الملحق بمكتبه ، وعدل من ياقة زية الطبي ، وإرتدى فـــوق رأســـه غطاء الحماية .. ثم إلتوى فمــه بإبتسامة ماكرة وهو يرد على كبير الأطباء :
-انت فعلاً من أكتر الناس المخلصة عندي هنا
ابتسم كبير الأطباء مجاملاً وهو يقول :
-احم .. شكراً يا دكتور مهاب ، ده احنا عِشرة سنين ، ومصلحتك تهمني !
بادله مهاب إبتسامة باهتة ، وغمغم مع نفسه بخفوت وهو يكز على أسنانه :
-مش زي مؤنس وعينته ، أنا مش عارف ايه اللي مخليني سايبه شغال هنا لحد الوقتي ، واحد بالمباديء اللي عفا عليها الذنب ده لازم يطرد ، وإلا هايبوظ كل اللي بأعمله !
لم يفهم كبير الأطباء تلك الكلمات المبهمة ، وســأله بفضول :
-بتقول حاجة يا دكتور ؟
سأله مهاب بجدية :
-وصلتك المكافأة ؟
أومــأ برأســه إيجاباً وهو يجيبه بغبطة :
-ايوه .. مكنش فيه داعي للتعب ده ، كفاية أفضالك السابقة وآآ...
قاطعه مهاب بجدية وهو يرمقه بنظرات ذات مغزى :
-دي حاجة بسيطة ، أنا بأحب أكافيء الرجالة المخلصين بتوعي !!
أكمل كبير الأطباء حديثه بهدوء :
-أكيد ، احنا كلنا هنا يهمنا مصلحة أوس باشا ، وصحته !
تابع مهاب قائلاً بصوت شبه منزعج :
-طبعاً ، انت لو مكونتش قولتلي عن موضوع حمل البت دي أنا .. أنا مكونتش هالحق أتصرف !
رد عليه كبير الأطباء مؤيداً إياه :
-أكيد ، الأشكال دي مش سهلة ، بس الممرضة كانت أمينة معانا ، وجت بلغتني بإن دكتور مؤنس طلب منها تتابع البنت دي عشانها حامل ، وتهتم بيها طول ما هي هنا !!
سبه مهاب قائلاً بصوت محتد :
-أهــا ، غبي !!
ثم رفع وجهه في وجـــه كبير الأطباء ، وأشــار له بيده قائلاً بجدية :
-عاوزك تصرف مكافأة مجزية للبنت دي !
أومــأ الأخير بعينيه وهو يردد بصوت حاسم :
-اعتبره حصل يا دكتور
إرتدى مهاب القفاز الطبي في يديه ، وكز على أسنانه قائلاً بشراسة :
-لولا كده كان زماني نايم على وداني ، وبنت الـ *** بتنهب في مالي ومال ابني من بعدي !
لمعت عينيه بقسوة ، وغمغم مع نفسه بصوت عدائي :
-بس مش هاتلحق تتهنى ، أنا نفذت خطتي ، وهامسحها من على وش الدنيا ! لأ ومش بإيدي ، بإيد أقرب حد ليها .. أمها !!!!
راقب كبير الأطباء تصرفـــات مهاب بهدوء ، وهمس لنفسه :
-ده انت داهية .. مش أي حد يقدر عليك ! بس اللي يجي منك مصلحة !
...............................................
في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،،
طــــرق عدي بأصابعه على سطح مكتبه وهو يطالع أحمد الواقف قبالته بنظرات جارحة .. في حين أطرق الأخير رأسه ، وبدى متوتراً للغاية .. فمنزلة هذا الرجل لا تقل أهمية عن أوس الجندي .. ووصوله إليه تعني تمكنه من تحقيق هدفـــه ..
قطع الصمت السائد بينهما صوت عدي وهو يســـأله بغلظة :
-جاي هنا ليه ؟
ارتبك أحمد نوعاً ما ، وأجابه بصوت مضطرب :
-كنت .. كنت عاوز الباشا أوس
رمقه عدي بنظرات مهينة وهو يتابع ببرود :
-انت مش حكايتك خلصت معاه ، ولا انت عاوز تقع تاني في طريقه ؟
رد عليه أحمد بتوتر وهو يرمش بعينيه :
-أنا.. أنا مش عاوز منه حاجة ، أنا جاي أحذره وبس
انتبه عدي لكلماته الأخيرة ، وردد بإستهزاء :
-تحذره ! إنت ؟!!
هز أحمد رأسه وهو يجيبه بحذر :
-ايوه ، ماتستقلش بيا يا باشا ، أنا برضوه كنت في يوم شغال مع الباشا ، وأعرف مراته
نهض عدي من على مقعده ، وهتف فيه بصوت صــــارم وهو يشير بإصبعه :
-امسك لسانك أحسنلك ، وإياك تفكر تجيب سيرتها ولا آآآ....
قاطعه أحمد بنبرة مرتبكة :
-أنا مقصدش ، بس هما ناويين يلبسوها الليلة ، وياخدوني في السكة معاها !
اتسعت حدقتي عدي بإهتمام واضح ، وســـأله مستفهماً :
-مش فاهم ، وضح أكتر!
ابتلع أحمد ريقه ، وتابع بقلق :
-قريب الباشا ، سامي الجندي ، كان بيخطط لحاجة كبيرة أوي مع المحامي بتاعه
صرخ فيه عدي بصوت هـــادر وهو يدور حول مكتبه غير مصدقٍ ما لفظه للتو :
-ايييه ؟ انت اتجننت ، انت عارف ده يبقى مين ؟
نظر له أحمد بثبات عجيب ، وهتف مبرراً :
-ايوه ، هو عمــه ، بس للأسف نسى ان الباشا ابن أخوه ، وان تقى تبقى مراته !
سأله عدي بجدية أشد وهو يحدجه بنظرات نارية :
-وضح كلامك أكتـــر !!!!
...................................
في مشفى الأمراض النفسية ،،،،
بدت تقـــى في حـــالة صدمة بعد أن إسترسلت في الحديث عن أسوأ لحظاتها ، وعن تجربتها المدمرة التي أفسدت حياتها ، وعن مخاوفها التي تتجسد يومياً أمامها فتزيد من هلعها ...
ربت الطبيب عزت على كتفها مطمئناً إياها وهو يتحدث بنبرة هادئة :
-اهدي يا مدام تقى ، كل ده هيتعالج مع الوقت ، أنا مش عاوزك تفكري في حاجة من اللي حصلت
لم تجبه تقى بل ظلت على وضعها الخائف ..
في نفس التوقيت اقتحم أوس الغرفة ليطمئن على زوجته ، فوجدتها على تلك الحالة ، فإحتقنت عينيه بشراسة ، وركض نحوها ، ثم جثى على ركبته أمـــام مقعدها ، وأمسك بكفيها فوجدهما باردين ، فسلط أنظاره على الطبيب ، وحدجه بنظرات مميتة وهو يصرخ فيه :
-إنت عملت فيها ايه ؟
أجابه عزت ببرود استفزه :
-اهدى يا أوس باشا ! ده طبيعي في حالتها
نهض أوس من على الأرضية بعد أن ترك كفيها ، وإنقض على الطبيب ليمسك به من ياقته ، وهزه بعنف وهو يتوعده :
-مش هارحمك لو أذيتها !
حــــاول عزت تهدئته ، وإزاحته يديه عنه ، وهتف بصوت متحشرج :
-يا باشا إهدى ، هي هاتبقى كويسة
هدر فيه أوس بصوت عنيف :
-انت أعمى مش شايف منظرها ، ده غير إنها حامل !
توسل له عزت برجاء :
-اسمعني بس وأنا هافهمك
دفعه أوس بقوة للخلف ، وهو يصيح بغضب :
-اوعــى ..!
ثم اقترب من مقعد زوجته ، واحنى جذعه عليها ، ثم مد ذراعيه أسفل جسدها ليحملها ..
ضمها إلى صدره ، ونظر إلى وجهها الشاحب بفزع .. وأدار رأسه في إتجاه الطبيب ، وصرخ فيه بنبرة عدائية :
-لو جرالها حاجة مش هارحمك ، مش هاسيبك !
وقف عزت خلفه ، وهتف موضحاً :
-يا باشا ، صدقني هاتبقى كويسة ، ده طبيعي جدا وآآآ...
قاطعه أوس بصوت غليظ وهـــــادر وهو يحدجه بنظرات شرسة :
-اخــــرس !!!
ثم اتجه بعدها إلى خــــارج الغرفة حاملاً إياها ...
كانت نظراته وتعابير وجهه تدل على رعبه عليها ..
ســار بخطوات أقرب إلى الركض ناحية مخرج المشفى ..
تسارعت دقات قلبه مع أنفاسه بصورة مقلقة ..
كان يود أن يزور شقيقته ، وتتعرف هي على زوجته ، وتتقارب الاثنتين معاً .. وتصبح بينهما علاقة ودية .. ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن ..
فصحة زوجته ، وابنه الذي لم يرْ الحياة بعد ، أهم ما يشغل باله الآن ....
رأة أفــــراد حراسته الخاصة فأسروع بفتح باب سيارته ، وأسند هو تقى بحرص على المقعد الخلفي .. ثم دار حول السيارة ليركب إلى جوارها ، وأمـــر سائقه بصوت غليظ وهو يصفق الباب بقوة :
-اطلع على عيادة الدكتورة بارسينيا !
هـــز السائق رأسه ، وأجابه بخنوع :
-أوامرك يا باشا
..........................................
في المستوصف الشعبي ،،،،
جلست فردوس إلى جوار بعض السيدات ذوي الأعمــار المختلفة .. وتأملتهن بحذر .. وإستمعت بلا قصــد إلى همهمات دائرة بينهن ، ولكنها كانت حوارات مثيرة للإهتمام ..
ضيقت عينيها أكثر ، وأصغت إلى إحداهن وهي تتابع بخفوت :
-وعنها ياختي ، كل ما ربك يعدلهالي ، أجي هنا ، والضاكتور بدران يقوم بالمطلوب معايا ، وأرجع صاغ سليم
سألتها السيدة الجالسة إلى جوارها بفضول :
-انتي مش خايفة تكشفي ؟
ردت عليه ثالثة بسخرية :
-يباركله الصيني ، بيحل كل حاجة
أضافت الأولى قائلة بمزاح :
-على رأيك ، وأهوو كله بتمنه ، والزبون اللي عاوز يدفع !
ثم قهقهت السيدات بضحكات رقيعة ، في حين إبتلعت فردوس ريقها بإنزعــاج ، وشعرت بمغصة في أسفل معدتها .. فقد أدركت أن تلك السيدة ما هي إلا ساقطة ، تتاجر بشرفها ، وتخدع فرائسها بلا ضمير في مقابل المـــال السريع ..
اضطرب تفكيرها .. فهي ربما تكون مثلها ، ولكن مع فارق أنها تتاجر بإبنتها وبجنينها ..
شعرت بتأنيب الضمير ، وحاولت أن تقاوم تلك الفكرة التي تراودها .. ونهضت عن المقعد لتجلس على أخـــر بعيد في إحدى الزوايا ..
لطمت سيدة أخــرى على صدغها بحركات خفيفة ، ثم مسحت أنفها بمنشفة ورقية مهترأة وهي تتمتم بصوت شبه باكي مع ابنتها الجالسة إلى جوارها :
-تفتكري اللي عملانه صح ؟
ربتت المرأة على فخذ والدتها ، وأجابتها بثقة :
-ايوه يامه ، كده أحسنلها
نظرت لها والدتها بأعين دامعة ، ورددت بخوف :
-بس أنا سمعت إنهم بيقولوا ده مالوش لازمة !
هتفت المرأة بصوت قاتم :
-يامه هما بيفهموا في الدين ؟ لأ طبعاً ، وبعدين ما احنا جايبنها عند دكاترة فاهمين !
إهتز جسد الوالدة وهي تهمس بتحسر :
-ربك يسترها ، هي بردك لسه صغيرة
لوت المرأة فمها لتقول بسخط وهي تحدج والدتها بنظرات خاوية :
-صغيرة ايه ، دي عندها 14 سنة ، وسنة كمان بالكتير وهنجوزها
إعترضت الوالدة قائلة بصوت مختنق :
-بس بردك ، مكنش ليه لزمة نعمل ده !
أضافت المرأة بصوت جامد يحمل القسوة :
-انتي عاوزة حد يضحك عليها ، ولا يستعبطها وساعتها نندب حظنا !! استهدي بالله يامه ، وادعيلها
تنهدت الأم بصوت حزين وهي تهمس برجاء :
-ربنا يسترها معاكي يا بنتي !
...............................
بداخل إحدى الغرف المظلمة بالمستوصف ،،،
جلست فتاة صغيرة – لا تتخطى الخامسة عشر من عمرها - على فراش يتوسط غرفة ما إضاءتها خافتة ، ونظرت حولها بذعـــر قليل .. فرأت أجهزة طبية متعددة ، وطــاولة موضوع عليها عدة ألات وأدوات تستخدم في العمليات الجراحية ..
إرتعاشة خفيفة دبت في جسدها المغطى بقميص بلاستيكي من اللون الأخضر .. ونظرت إلى طرف الفراش حيث يتفرع منه مسندين للأعلى ..
شبكت أصابع يديها معاً وأمعنت النظر في الإبرة الطبية المغروزة في كفها ، وحاولت أن تبلل حلقها الذي جف تماماً من فرط التوتر ..
هزت ساقيها المتدليتين من أعلى الفراش بحركة خفيفة ثابتة ، وإستدارت برأسها للجانب حينما سمعت صوتاً رجولياً آجشاً يأمرها بصلابة :
-افردي ضهرك على السرير
هزت الفتاة رأسها ممتثلة لأوامره ، وتمددت على الفراش
اقترب منها طبيب ما ، يغطي معظم وجهه بقناع أبيض ، وغرز وصلة بلاستيكة في الإبرة الطبية ليبدأ محلول ما في التسرب إلى عروقها ..
نظرت له الفتاة بقلق ، وبدأت تشعر بثقل في جفنيها حتى غابت عن الوعي تماماً ..
انضم إليه طبيب أخـــر كاشفاً وجهه ، فكانت ملامحه متجهمة للغاية ، وله ذقن كثيفة ، ونظرات حادة ..
حدج تلك النائمة بقوة قبل أن ينطق بصوت خشن :
-انت خدرتها ببنج كلي ؟
أجابه بعدم أكتراث :
-ايوه
إحتج الطبيب بدران قائلاً وهو يحك ذقنه :
-مالوش لازمة ، كان كفاية جزئي ، ده ختان !
برر الطبيب شـــامل فعلته قائلاً بمكر :
-ما أنا عارف إنه ختان ، بس أنا غرضي اعمل حاجة تانية
حدجه بدران بنظرات حـــادة وهو يردد بضيق :
-برضوه ، انت مش ناوي تبطل العادة الوسخة بتاعتك دي
إلتوى فم شـــامل بإبتسامة وضيعة وهو يجيبه مبرراً :
-ده داء فيا ، أبطله ليه ؟
ثم تحسس ذراع الفتاة المغيبة عن الوعي بأصابعه ، وقبله بشراهةٍ وهو يضيف بنبرة شيطانية :
-وبعدين أنا بأموت في الوظاويظ الصغيرة ، أحب أكون أول واحد يلمسهم !
نهره بدران محذراً :
-يا شامل ممكن حد من البنات دول يقول لأهاليهم وتتكشف !!!
اقترب منه شامل ، غمز له بمكر وهو يجيبه بخبث :
-وهاتكشف إزاي ، هما زي ما هما ، وأنا بأعمل اللي عاوزه في حتة تانية !
نظر له بدران بتأفف ، وهتف بإشمئزاز بعد أصابه الغثيان من تخيل ما يمكن أن يفعله :
-ده حرام ونجاسة !
برر شـــامل فعلته المشينة قائلاً بجدية :
-أل يعني احنا بنعمل الحلال أوي ، ما إنت فاهم كل شغلنا هنا عبارة عن ايه ؟
زفـــر بدران بصوت مرتفع ، وأردف قائلاً بإنزعاج :
-بكرة نشطب العيادة ونسيب أم المخروبة دي ، ونبدأ على نضيف !
هتف شـــامل بنبرة غير مكترثة :
-ولحد ما ده يجي ، ونتوب ، أنا هافضل كده !!!!
أدرك بدران أن زميله وشريكه في العمل لن يكف عن أفعاله المخجلة والتي يندى لها الجبين ، فأولاه ظهره ، وتابع قائلاً بقرف :
-أووف ، اما تخلص ابقى ناديني أعملها الـ آآ...
قاطعه بحماس وهو يمسح على صدره :
-ماتتعبش نفسك ، أنا هاخلص كله
لوح له بدران بذراعه وهو يقول محذراً :
-اعمل اللي يريحك ، بس اقفل الباب كويس ، وشغل لمبة العمليات عشان الواد مدبولي التمرجي !
رد عليه شامل بثقة :
-عامل حسابي
إلتوى فم بدران ليضيف بتهكم :
-اه صحيح ، ما انت قديم في الوساخة ، ودي مش اول مرة !
-بالظبط
تابع شامل بنظرات وضيعة الطبيب بدران وهو ينصرف من باب أخــر جانبي من الغرفة ، ثم سلط أنظاره على جسد الفتاة المسجى أمامه .. وتلمس ساقيها بإنتشاء مريض ...
تقوس فمــــه بإبتسامة خبيثة وهو يتحسس مواضع حرجة من جسدها ، ثم بدأ في نزع القميص الطبي عنها لتظهر أمامه عارية .. فســـال لعابه بغزارة ..
احتضنها بذراعيه ، وقبلها بشراهة ..
إثارة جامحة سيطرت عليه وهو يعبث كما يريد بتلك التي لا حول لها ولا قوة ..
مد ذراعيه أسفل جسدها ليتمكن من إدارتها للجانب ، ومن ثم أنامها على بطنها ، وسحب ساقيها للأسفل ..
لمعت عينيه ببريق خسيس ، وبدأ في نزع حزام بنطاله ، وكذلك السحاب .. ثم ألصق نفسه بها ، ووضع يديه على ظهرها ليضغط عليه بقوة .. واستمتع بدناءة وحقارة في إرتكاب المحرمات بها
كانت الفتاة الصغيرة مغيبة ، لا تدري ما الذي يفعله بها .. لكن ملامح وجهها متشنجة ، وحركات لا إرادية عصبية تسيطر على جفنيها ...
دقائق مرت عليه وهو يتصبب عرقاً ، ويعثو بنشوة مريضة معها حتى شعر بإرتخاء جسده ، فتركها على وضعها كالبهيمة ، وتراجع للخلف ليضبط أنفاسه اللاهثة ..
مسح وجهه بكفه ، وأخــذ نفساً عميقاً ، ثم أدار رأســـه ناحية الطاولة الموضوع عليها الأدوات الطبية الحادة ، وإلتقط مشرطاً منه ، وردد بصوت لاهث :
-الوقتي بقى نشوف شغلنا اللي بجد ..................... !!!!