رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل السابع عشر 17 بقلم منال سالم


 رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل السابع عشر

في قصر عائلة الجندي ،،، 
أعـــد مهاب حقيبته للسفر ، وتأكد من وجود كل ما يحتاجه بداخلها ، ثم ولج خـــارج غرفة نومه ، ووقف على مقربة من الدرج ، وصـــاح عالياً :
-عفاف .. ابعتي حد ياخد الشنطة من أوضتي 

أتـــاه صوتها من الأسفل وهي تجيبه بنبرة رسمية :
-حاضر يا مهاب باشا 

نظرت له ناريمان بجدية وهي تسير في إتجاهه وتحمل بين كفيها قدحاً من الشــاي ، وسألته بنبرة عادية :
-خلاص ، نويت تسافر ؟

رمقها بنظرات مطولة قبل أن يوليها ظهره ويتجه نحو الغرفة قائلاً بنبرة منزعجة :
-أهـــا ، ويا ريت ما تسألنيش 

ســـارت خلفه وهي عابسة الوجه ، وأردفت بتجهم :
-مش ناوي تطمن على بنتك الأول وتشوف عملت ايه مع عريسها ؟

رمقها بنظرات مستهزأة من طرف عينه وهو يجيبها بسخط 
-مش لما تكون جوازة عدلة الأول ، ما انتي عارفة كويس هما اتجوزوا ليه !
-بس at least  ( على الأقل ) هما اتجوزوا 
-مش فارقة ، انا ورايا شغل وعاوز انتهي منه 
-اوكي يا مهاب .. براحتك !!

ثم تركته بمفرده ، وإنصرفت خــــارج الغرفة .. 
بينما أمسك هو بهاتفه المحمول ودسه في جيبه ، وإرتدى ساعته في يده ، وتوجه نحو الخـــارج وهو يغمغم لنفسه :
-فرصة أبعد شوية و ارتاح من القرف ده كله ، وأشوف نفسي يومين !
 
....................

على مقربة من القصر ،،،

ترجلت فردوس من الحافلة وهي تلهث بسبب الحرارة العالية والزحـــام الشديد .. 
مسحت بطرف حجابها جبينها الذي تصبب عرقاً من المجهود الذي استهلك طاقتها ، وجابت بعينيها المرهقتين المكان ..
ثم إبتلعت ريقها في حلقها الجاف ، وحدثت نفسها بصوت لاهث قائلة :
-أنا كنت جاية من هنا ، و.. والواد قالي أمشي من هنا ..!

خطت نحو طريق فرعي بخطوات متثاقلة ، وحدثت نفسها بإصرار رغم الإجهاد البادي عليها :
-آآه يا ركبي .. معنتش قادرة منها ، استحميلي يا فردوس عشان بنتك !

بعد دقائق قليلة كانت تقف هي على مقربة من بوابة القصر الحديدية ..
تابعت بحذر شديد حركة الحرس المرابط أمام البوابة .. وهي مسحت بلسانها على شفتيها المشققتين ، ثم تشبثت بحافظة نقودها الصغيرة ، وســـارت بخطوات واثقة في إتجاه هذا الضخم الذي تحدثت معه من قبل ..

رأهـــا الحارس جمـــال وهي تقترب منه فإمتعض وجهه على الفور ، ونفخ بضيق ، وتحرك بخطوات سريعة صوبها ..
إرتسم على ثغرها إبتسامة رضـــا حينما رأته يقترب منها ، وقالت بتلهف :
-ازيك يا ابني ، فــ.. فاكرني ؟

أمسك بها الحـــارس جمـــال من ذراعها ، ودفعها بقسوة نحو الجانب ، وصر على أسنانه ناطقاً بغلظة :
-تعالي معايا يا حاجّة !
نظرت له وبريق من الأمــل يلوح في عينيها قائلة :
-أنا كنت عايزة آآآ..

قاطعها بصوت جــــاد وهو ينظر حوله بريبة :
-هانتكلم هناك !
-ماشي يا بني 

ســـارت معه إلى أن توارى الإثنين عن الأنظـــار، فسألها بضيق واضح وهو يتلفت حوله :
-خير
نظرت له بأعين دامعة وهي تسأله بتلهف : 
-مافيش أخبار يا بني عن تقى ؟

أجابها قائلاً بنفاذ صبر :
-لأ يا ست مافيش 

أطرقت رأسها في إنكســـار واضح ، وبدى الحزن في نبرة صوتها وهي تسأله بتلعثم :
-طب .. طب البيه أوس موجود جوا آآ.. ادخل أكلمه 

نظر لها بحنق وهو يجيبها بإيجــــاز :
-لأ مجاش من إمبارح

إنتحبت فردوس وأجهشت بالبكاء المرير وهي تتابع حديثها قائلة :
-ليه يا بني بتكدب على ست كبيرة زيي متعلقة في حبال الهوى ونفسها تعرف أي حاجة عن بنتها !

إحتقن وجــــه الحارس جمـــال وهو يرد عليها بإنفعال بائن :
-يا ست لا بأكدب ولا بأتنيل ، أنا لو شوفتها هاقول ، لكن بنتك مجتش هنا خالص !

ثم قام بدفعها من كتفها للخلف وهو يأمرهـــا بصرامة :
-ويالا بقى من هنا بدل ما تعمليلي مصيبة 

نظرت له برجــــاء ، وصاحت متوسلة :
-حرام عليك 

نفخ من الضيق وهو يبتعد عنها قائلاً بسخط :
-يوووه ، يا شيخة اتكلي على الله ، شوفي بنتك في حتة تانية !

ثم تركها وإنصـــــرف في اتجاه البوابة الرئيسية وهو يتمتم بكلمات غاضبة ...

وقفت فردوس في مكانها حــائرة وعينيها تفيضان من الدمع حسرة على إبنتها .. 
حانت من نظرة إلى الأعلى محاولة إكتشاف ما الذي يوجد خلف هذا السور العالي ...
وقالت لنفسها بيأس :
-يا ما كان نفسي أدخل جوا واجيبك ، بس أنا عاجزة لوحدي ، آآآآه يا بنتي ..!!

ثم جرجرت ساقيها المرهقتين ، وســــارت مبتعدة عن القصر ..

........................................

في منزل أوس بمنطقة المعادي ،،،، 

وقف أوس أمـــام بقايا المرآة المحطمة مزهواُ بنفسه ، معتداً بمآثره ، يمشط شعره المبتل بفرشاته .. ثم إلتفت برأسه للخلف لينظر إلى تقى الفاقدة للوعــي على الفراش ..
تقوس فمه في تلذذ عجيب وهو يتذكر كيف نـــالها رغماً عنها ، وإستمتع مجدداً بشعور الإنتصـــار وإثبات رجولته الطاغية ..
هي حقاً تمكنت من إسعاده دون أن تدري .. لبت رغباته الحيوانية وأثبتت له أنه قــــادر على إخضاع أي أنثى ..
لقد ظفر بأخـــر معاركه ، وإنتصر لنفسه .. 

على الجانب الأخــــر ، جاهدت تقى لتكتم أنين جسدها المغتصب وروحها المنتهكة .. 
إدعت النوم لعلها تهرب من واقعها المخيف .. فليس بها أي ذرة أخــرى لتتحمل إعتداء وحشي أخـــر منه ..

فهي لم تعدْ تشعر بأي شيء بعد أن افترسها بلا رحمة سوى بالآلام الموجعة التي تفتك بها ..
ألقى أوس بالفرشـــاة دون إكتراث ، وعدل من وضعية أكمامه ، واقترب من الفراش ، وجثى بركبته على طرفه ، ومـــال على أذنها ليهمس قائلاً :
-شوية و راجعلك تاني !

إعتصرت تقى عينيها بقوة محـــاولة كتمان شهقاتها لعل تمثيليتها الزائفة بأنها غافلة تنجلي عليه ... 
هي تبغض أنفاسه القريبة والحارقة لها ، وتمقت كل لحظة يكون فيها إلى جوارها ..
لقد ذبحها بسكين بـــــارد ، ووقف متشفياً على بقاياها ، مستمتعاً بجسدها المذبوح ..

شعر هو بتلك التنهيدات المكتومة تخنقها ، فأراد أن يتسلى أكثر بها ..

لذا جذبها بقسوة من شعرها فصرخت عالياً :
-آآآآه .. لأ
حاولت أن تخلص خصلات شعرها من أصابعه القاسية ، ولكنها فشلت .. بينما أطبق هو بكفه على فكها وإعتصره بقوة أشــد متلذذاً برؤية دموعها تغرق كفه .. وصر على أسنانه قائلاً بنبرة تشبه الفحيح وهو ينظر مباشرة في عينيها :
-خلي الآهـــات لليل وأخره ..!!!!

ثم أرخى قبضتيه عنها ، ورمقها بنظرات جريئة متفحصة لظهرها المكشوف أمــامه ، وأضاف قائلاً :
-وأنا مش هاغيب كتير عنك .. !

توجـــه أوس إلى بــــاب الغرفة ، وصفعه خلفه بقوة ، فإنتفضت تقى على إثر الصوت وهي تجهش بالبكاء المرير صارخة بإنكســـار :
-آآآآآآآآآآآآآه .....!

.........................................

على مقربة من قصر عائلة الجندي ،،،

فُتحت البوابة الرئيسية للقصـــر لتخرج سيارة مهاب الجندي ويقودها سائقه الخـــاص حيث إتجهت في الطريق الذي تسير فيه فردوس بخطواتها البطيئة ..
قـــاد السائق السيارة على مهل محاولاً إعطاء الفرصة لتلك العجوز لكي تسبقه .. ولكن إنزعج مهاب من بطء السيارة ، فقال بضيق :
-إنت مش ملاحظ إني مستعجل يا بني آدم إنت 

نظر السائق إليه عبر المرآة الأمامية ، وأجابه بهدوئه المعهود :
-يا فندم في واحدة عجوزة ماشية قدامي 

لـــوى مهاب فمه في إمتعاض قائلاً بعدم إهتمام :
-دوسها ، اخبطها ، بس مش عاوز تأخير 

زم السائق ثغره في تأفف ، ورد عليه بإستسلام :
-حـ.. حاضر يا فندم 

ضغط بقبضته على بوق السيارة لتنتبه له تلك العجوز .. 
وبالفعل إستدارت برأسها ناحية السيارة الفارهة التي تسير خلفها ، ونظرت بإرهـــاق لسائقها ، وهتفت بحدة وهي تلوح بيدها في الهواء :
-بالراحة يا بني ، مستعجل على إيه 

نظر لها مهـــاب شزراً ، وصرخ بصرامة جادة :
-مش قوتلك دوسها ، ولا إنت مش بتنفذ الأوامر يا بهيم إنت !

أجابه السائق بتلعثم وهو يضغط على البوق :
-يا فندم هي آآآ...

قاطعه مهـــاب وهو يأمره بحدة :
-دوسهــــا ..!

اضطر السائق أن يمتثل لأوامـــر رب عمله ، وإنحرف بالسيارة بحرفية فائقة لكي يجبر فردوس على الإبتعاد عن منتصف الطريق ، ولكنها لم تستطع أن تضبط خطواتها ، فتعثرت وهي تحاول الركض ، وإلتفت ساقيها حول الأخــرى ، وسقطت على الأرضية الترابية ، فلامسه جبينها ، وتغبرت عباءتها السوداء .. فصاحت بإهتياج وهي تشير بيدها بعد أن رفعت وجهها عن الأرضية :
-يا عالم إتقوا الله ، ده احنا بشر مش حيوانات ماشية قصادكم ، منكم لله ، منكم لله .....!

ثم نفضت يديها ، وأمسكت بحافظة نقودها ، وبتثاقل تحاملت على نفسها ونهضت عن الأرضية وهي ترثي حالها ...

........................................

في جنــــاح العرائس بالفندق الشهير ،،،،

تمدد عدي على الأريكة العريضة ، وأمسك بثمار الفاكهة يتناولها واحدة تلو الأخـــرى بهدوء عجيب وهو يشاهد التلفاز .. 
كان يشعر بإنتشــــاء عجيب وهو يرى إنتصاره قد تحقق نصب عينيه ..
لم يحتاج إلى مجهود يُذكر معها ، فالكلمات المعسولة قد أتت بنتائجها مع تلك الساذجة ، وكيف لا يتمكن من خداعها وهو منغمس حتى أخمص قدميه في الرزائل 

إبتلع حبات العنب الطازجة ، وحدث نفسه بتفاخر قائلاً :
-مش ناقصني غير كام صورة من إياهم على الفيس بوك والمجلات ، والناس تحكي عن قصة الحب الكبيرة اللي بينا ، وأبقى محيت بأستيكة الماضي ابن الـ *** اللي شابهني ، وأفضى بقى لسهرات وليالي زمـــان !

نفخت ليان بضيق واضح وهي تضم ركبتيها إلى صدرها ، وتعقد ساعديها حولهما .. وهمست لنفسها بحنق :
-أنا اللي عملت في نفسي كده ، كان فين my mind ( عقلي ) وأنا بوافق عليه ، طب هاقول ايه لمامي ولا دادي ، إن اللي اخترته طلع **** !

أرخت ساعديها ، وأسندت مرفقها على ركبتها ، ثم مالت برأسها على كفها ، وأضافت بحزن :
-مش لازم حد يعرف بالكارثة دي !

ثم حدقت في نقطة من الفراغ أمامها ، وتوعدت قائلة :
-وأنا بنفسي اللي هاخلص منك قريب يا عدي ، وهادفعك تمن الكدبة اللي كدبتها عليا ، هي بس مســـألة وقت يا *** وهاتشوف مين هي ليان الجندي !

...........................................
في أحد المقاهي الشعبية ،،،

نفث أحمــــد دخـــان الشيشة المحبوس بصدره ، ثم إرتشف بضع رشفات من فنجان القهوة ، و قال بخشونة لرفيقه الجالس إلى جواره :
-أديني بلقط رزقي من أي مصلحة ، أنقل لده بضاعة ، أوصل زبون

أسند رفيقه قدح الشاي ، ونظر له بجدية وهو يتابع بــ :
-طب ما تعمل جمعية وتجيبلك مكروباص بالقسط ، وأهو يطلعلك منه  حسنة 

رمقه أحمد بنظرات مقتضبة وهو يجيبه بسخط :
-يا عم هو أنا معايا مليم ، ده أنا يدوب مقضيها حبة من هنا وحبة من هناك 

إرتشف رفيقه أخـــــر جزء من الشاي الساخن ، وأضاف قائلاً :
-ربك بيقول إسعى يا عبد وأنا أسعى معاك
-ماهو أنا آآآآ....

توقف أحمــــد عن إتمام جملته حيث رن هاتفه المحمول برقم غريب ، فحدق بالشاشة في استغراب ، وتسائل مندهشاً بـ :
-ده مين ده ؟ أنا معرفش النمرة دي !!

ضيق رفيقه عينيه ، وأشــار له بكفه وهو يهتف بإصرار :
-طب ما ترد عليه 

ثم صمت للحظة قب أن يتابع مازحاً : 
-أوعى تقولي بتخاف من المعاكسات ؟

نظر له أحمد بإستهزاء وهو يجيبه ببرود :
-يا عم معاكسات إيه بس ، استنى كده أما أشوف 

تنحنح هو بصوت عالي وهو يضغط على زر الإيجاب قائلاً :
-ألووو .. مين ؟

جاءه صوت المتصل على الجانب الأخـــر 
-الأستاذ أحمد 

أجابه أحمـــد ببرود شديد وهو ينفث دخـــان الشيشة :
-أه أنا ، مين معايا ؟

-هاتعرف لما تيجي على العنوان ده !

حك أحمد رأسه بعد أن ألقى بالشيشة على الطاولة وهو يسأله بفضول :
-مش أما أعرف قبلة إنت مين ؟
-معاك المحامي أمجد سعفان ، مدير مكتب الباشا سامي الجندي 

جحظ أحمـــد بعينيه في صدمة وهو يجيبه بذهـــول قائلاً بعد ان نهض من مقعده مفزوعاً :
-مين ... ؟؟؟؟
..............................

في منزل أوس بمنطقة المعـــادي ،،،، 

وقفت تقى تنظر للكدمـــات الزرقاء والخدوش المحفورة في أجزاء متفرقة من جسدها أمـــام المرآة في المرحـــاض وهي تبكي بحسرة على حالها ..
فما أُرتُبك في حقها لم يفعله شخص سَوِيّ بل أقل ما يوصف به أنه ذئب غير طبيعي .. 
تحسست بحذر تلك الكدمة الكبيرة على فخذها ، وتأوهت بأنين واضح وهي تحاول نزع بقايا فستانها الملوث بدماء طُهرها ومقاومتها ..
مسحت بأناملها الضعيفة عبراتها ، وهمست لنفسها قائلة بإنكســار :
-اشمعنى أنا ؟ ليه ؟؟

أطلقت لنفسها العنان لتخرج ما في صدرها ، وبكت بحرقــة أشد وهي تصرخ بإنفعال :
-ليه اتكتب عليا أتدبح على واحد زي ده ، قتل كل حاجة كانت حلوة فيا ، ليه ؟؟ عملت ايه غلط ؟؟ ما أنا طول عمري راضية بحياتي ، وبنصيبي .. ليه يا ربي ؟؟ الحمل كبير عليا ، أنا مش قادرة ، أنا بأموت كل لحظة وأنا معاه ، يا رب .. يـــــا رب 

إنهــــارت على أرضية المرحــاض الباردة – وهي شبه عارية – ودفنت وجهها بين راحتي يدها ، وتابعت بإهتياج :
-يا ريتني أموت وأرتاح من ده كله .. يا رب خدني ، يــا رب 

ثم لمحت بعينيها تلك القطع الزجاجية المتناثرة على عتبة المرحـــاض، فبرقت عينيها ، وتوهجت بوميض غريب 
إبتلعت ريقها وهي تقـــاوم سيطرة فكرة التخلص من حياتها على عقلها .. 
لماذا تتحمل تلك الحياة اللا آدمية مع حيوان لا يعرف الرحمة ؟ فالمـــوت أسهل بكثير من أن تخوض ذلك العذاب اليومي والمذلة المهينة على يديه ..

زحفت رغم آلامها على الأرضية لتتجه نحو عتبة المرحـــاض ..
مدت يدها المرتجفة لتمسك بقطعة الزجـــاج الحادة ، ورفعتها نصب عينيها ..
رأت فيها إنعكاس شبحها ، وببطء مصوب بالإرتعاش أنزلتها على رسغها ..
بكت بحرقة وشهقت بصراخ وهي تلصقها بجلد رسغها المتورم من أثـــار حزامه الجلدي .. 
لم تشعر بآلام تلك القطعة الحـــادة وهي تخترقها .. فآلام نفسها أكثر بكثير ..
ثم سمعت صوتاً تطرب له الآذان يصدح من الخــــارج بقوة.. فإنتبهت حواسها له ، وتوقفت عن إكمـــال غرز القطعة الزجاجية .. ورفعت بصرها نحو تلك النافذة العلوية الموجودة بالمرحاض .. ولمعت عينيها المتورمتين ببريق مختلف ..
نعم إنه صوت الأذان يأتي من مسجد قريب .. ذلك الصوت الذي آســـر أذنيها ، وجعلها تهدأ قليلاً ، كم إشتاقت له ، وكم أعادها سريعاً لذكريات طيبة مع عائلتها .. 
نعم لقد جعل روحها المضطربة تسكن ، وأعـــاد لذاكرتها ذكرياتها الجميلة مع والدها حينما كان يصطحبها معه للصلاة فور أن يؤذن لها .. 
إبتسمت لنفسها وهي تتذكر كيف كانت تركض - بضفائرها الصغيرة - فرحة للمسجد لتؤدي الصلوات المفروضة وهي تهتف قائلة :
-يالا يا بابا ، هايصلوا قبلنا 

إبتسم لها والدها وهو يجيبها بصوت هاديء :
-يا بنتي استني ، لسه في وقت على الإقامة !
-إنت مش قايلي يا بابا إن اللي بيروح المسجد أول واحد كأنه ضحى بجمل ، واللي بعده بشوية ببقرة ، واللي بيتأخر كمان شوية زي اللي ضحى بفرخة ، واللي بيوصل يا بابا متأخر خالص خالص بيضحي ببيضة 
-ايوه يا تقى 
-طب أنا عاوزة أضحي بجمل مش بيضة 
ضحك لبرائتها ، وأردف قائلا بحنو أبوي :
-ربنا يباركلي فيكي يا تقى ، ويحفظك 

تنهدت بإختناق وهي تبكي ذكرياتها البعيدة مع أقرب شخص لقلبها ..
ذرفت الدموع بلا توقف وهي تحدث نفسها بصوت مبحوح :
-وحشتني يا بابا ، وحشني حضنك .. وحشتني الأيام دي أوي .. آآآآآآه .. كله راح مني ، آآآآآه .. كله ضاع

إزداد نحيبها ، وعويلها .. وظلت تهز رأسها رافضة واقعها .. ثم دفنت وجهها في راحتيها ، وصرخت بصوت مكتوم
لم تعبأ بالدمـــاء التي تنزف من رسغها المجروح ، وإمتزجت دموعها بدمائها 

صـــدح صوت إمـــام المسجد وهو يقيم الصلاة مردداً بعذوبة ملائكية آيات الذكر الحكيم جعلتها تتوقف فجـــأة عن البكاء  ، وأبعدت راحتيها عن وجهها الذي تلطخ بدمائها ...
 نعم لقد كان صوته عذباً شجياً وكأنه كالبلسم لروحها المعذبة .. 
إستمعت لصوته وهو يتلو : " لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ "

وجدت تقى في تلك الآية الإجابة عن سؤالها .. 

تحاملت على نفسها ، وزحفت نحو المغطس ، وأسندت كفيها على طرفه  لكي تنهض عن الأرضية .. ثم بحمــاس مفاجيء قررت تقى أن تلجأ إلى الله – بصدق - في محنتها ، أن تستعين بالصبر والصلاة على تلك البلوى .. وتجاهد نفسها من أجل الخلاص .. 
هي حقاً في إبتلاء تحتاج فيه إلى معنويات روحانية عالية ، تحتاج إلى دعم نفسي قوي حتى تتجاوز تلك الأزمة 
قررت ألا تستسلم لمصيرها البائس .. وأن تقاوم رغبات الشيطان بإيمانها القوي ..
أن تتسلح بما تعلمته من أبيها الطيب من مواجهة الشـــر بالإستعانة بالله ، وباللجوء دوماً إليه .. 
حدثت نفسها برجــــاء :
-يا رب عيني عليه ، ونجيني منه !

نزعت عن جسدها الفستان ، ورفعت ساقها لتدخل إلى المغطس ، وأدارت الصنبور ، وتركت المــــاء الساخن ينهمر على جسدها ليغسل عنها ما علق فيها من رائحته العفنة ..
رأت الدمــاء تغطي أرضية المغطس الصلبة ، فإختلطت عبراتها مع المـــاء .. 
شعور رهيب بالدوار يجتاح رأسها فجعلها مترنحة غير قادرة على الوقوف ..
إستندت بكفيها على الحائط المبلل ، ولكنها لم تستطع حفظ توازنها ..
فسقطت فاقدة للوعي ، وإرتطمت رأسها بقوة بحافة المغطس ، فجُرحت بعمق ، ونزفت بغزارة ، وتمددت كالموتى بداخل المغطس الذي غمرته المياه ........................................ !!!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1