رواية لا تترك يدي الفصل الواحد والعشرون
أستيقظت مريم على صوت طرق خفيف على باب غرفتها. أضائت المصباح بجانب سريرها ونظرت في الساعة وجدتها تخطت منتصف الليل بنصف ساعة. رفعت عن جسدها الغطاء ونزلت من السرير وفتحت الباب.
"خالد؟ في حاجة؟"
فركت مريم عينيها من النوم وسألته. تلجلج خالد من الإحراج وأجابها.
"أسف يا مريم أني صحيتك من النوم. أنا بس جسمي كله واجعني ومش عارف أنام."
تنحت مريم عن طريقه ليدخل غرفتها وسألته.
"جسمك واجعك ليه بعد الشر؟"
أقتربت مريم منه بعدما جلس على سريرها وجست جبهته بظهر كفها.
"أنت مش سخن ولا حاجة."
أبتسم خالد لها ومسك يديها وأجلسها بجانبه.
"أنا مش عيان. أنا بس علشان بقالي شهور مش بلعب ولا أتمرن فعضلاتي وجعاني."
نظرت له مريم بنظرة حانية.
"طيب تاخد مسكن ولا حاجة؟"
"لا مش بحب المسكنات. أنا بس بأدهن بالمرهم ده. لكن مش عارف أدهن كتافي. معلش ينفع تدهني لي كتافي؟"
أخذت مريم المرهم من يده خلع خالد قميصه وأدار لها ظهره. رفعت مريم غطاء المرهم ووضعت بعضا منه على كتف خالد. دلكت مريم كتفي خالد بالمرهم وبعدما اختفى المرهم تماما ارتدى خالد قميصه ثانيا والتفت لمريم ليشكرها ولكنه تفاجأ بها تنظر للاسفل والحمرة تكسو وجهها فاقترب منها ورفع رأسها بأطراف أصابعه وسألها.
"مالك مكسوفة كدة ليه؟"
هربت مريم بعيونها من نظراته وحمحمت لتستجمع قوتها لتجيبه بصوت خافت يكاد الا يخرج من حلقها.
"مفيش."
جعلها خالد تنظر له ثانيا وقال لها بعيون حانية.
"مريم أنت مراتي. أحنا آه مش عايشين في غرفة واحدة لكن ده علشان ما كناش متعودين على بعض قبل كدة وكمان ده ما كانش الغرض من جوازنا وأنا حبيت اسيبك على راحتك خالص. لكن لازم تعرفي أنك مراتي مش قاعدة معي هنا وبس ولا متجوزك علشان تقعدي معي وتونسيني وبس. إن شاء الله لما الظروف تسمح هنعيش زي أي زوجين."
نظرت له مريم بتساؤل وسألته
"ظروف أيه؟"
أبتسم خالد وأجابها.
"يا حلوة أنت. لو عشنا زي أي زوجين مش ممكن يحصل حمل؟ أزاي هنقدر نثبت الولد اللي هيجي ده واحنا لسة ما أثبتناش زواجنا. وقبل ما تقولي أن في وسائل لمنع الحمل. أنت بسنك ده هتقدري تدخلي عيادة دكتورة أمراض نساء وتقولي لها محتاجة وسيلة منع حمل من غير ما تفكر فيك وحش. ولا أنا أقدر أدخل اي صيدلية وأشتري أي وسيلة من غير ما يبصوا لي بطريقة مش مظبوطة. يبقى الاحسن أننا نصبر على قد ما نقدر."
أكتفت مريم بالصمت ولم تجبه فسألها.
"فهماني؟"
أومأت بسيط برأسها فنهض خالد ونظر لها للاسفل وقال.
"أسيبك أنا تكملي نومك. وسامحيني أني صحيتك."
رفعت مريم رأسها وأجابته.
"ما تقولش كدة يا خالد. إحنا مالناش غير بعض."
"تصحبي على خير."
"تصبح على خير."
تركها خالد وتوجه لغرفته وابتسمت مريم لتذكرها خجلها منه. استلقت على السرير ودفنت جسدها الهزيل تحت الغطاء ماعدا وجهها. تذكرت كلام السيدة فريدة لها واطمئنت أن خالد يعتبرها زوجة وليست مجرد شفقة أو حتى صديقة.
* * *
بعد أسبوعين
كانت مريم ممسكة بإبرة الكوريشيه وامامها الحاسب المحمول تنظر إلى شاشته وتتبع خطوات الفيديو بحرص وتمعن لتنسج كوفيه لخالد. وفريدة بجانبها ممسكة بمصحفها تحاول حفظ سورة الطور.
"مريم أنا مش قادرة أحفظها. كل ما أجي أسمعها أغلط. ممكن أحفظها بكرة بعد الفجر."
"لا. أحنا متأخرين قوي يا ماما في الحفظ. أنا مش همشي النهاردة من غير ما تسمعيها صح كلها."
"أوعدك بكرة بعد الفجر دماغي هتكون رايقة وأعرف أحفظها كويس. لكن دلوقت دماغي مصدعة ومش عارفة أركز."
تنهدت مريم وقالت لها.
"ماشي يا ستي. لكن أوعد..."
قطع كلامهما صوت بعض الشباب خارج باب الشقة. سمعت مريم صوت خالد وهو يتأوه من الألم.
"آه مش تحاسب يا ياسين. أنت على طول كدة غشيم."
"معلش يا خالد. أسند على كتفي وسيبك من الواد ده."
"يعني أنا قاصد أخبطه يا جاسر؟"
فزت مريم من جلستها ورمت ما بيدها وفتحت الباب لترى ما يحدث بالخارج. وجدت خالد متكئ على كتف أثنين من الشباب ويحاوطه ثلاث شباب آخرين. ولاحظت ساقه اليمنى مغطاه بطبقات من الجبس. جرت مريم على خالد غير عابئة للشباب حوله وسألته.
"خالد مالك ايه اللي حصل؟"
لاحظ الشباب لهفة مريم على خالد وتهرب خالد من عيونهم وإرتباكه أمامهم.
"مفيش حاجة يا مريم. شرخ بسيط بس في رجلي."
سال جاسر خالد.
"مين ده يا خالد؟"
"ده... ده.... آه مش تدخلوني ولا هتخلوني واقف كدة. رجلي مش مستحملة."
تراجعت مريم خطوات بعيدا عنه ونظرت للاسفل لتهرب من عيون الشباب.
"خالد هات مفاتيحك علشان أفتح الباب."
همت مريم لتخرج مفاتيحها من جيب عباءتها فنظر لها خالد بعينيه ألا تفعل.
"المفاتيح في الجيب الصغير في الشنطة."
أجابهم خالد وأخرج حسام المفاتيح وفتح الباب. دخل الشباب بخالد الشقة ووقفت مريم على عتبة الباب لا تدري ما تفعل. فهي تريد أن تجري على زوجها لتطمئن عليه وتسانده في إحتياجه لها وآلامه ولكنها غير مسموح لها بذلك لأن أصدقائه لا يعلمون شيئا عن زواجهما. بعدما جلس خالد على أقرب كرسي من الباب نظر جاسر لمريم الواقفة بجوار الباب وسأل خالد.
"أديك قعدت وأرتحت. مين ده يا خالد؟"
"ده بنتي."
أجابتهم السيدة فريدة التي تبعت مريم وخرجت من شقتها لتتفقد ما يحدث. همست فريدة لمريم وهي بجانبها.
"ما تقلقيش أنا هأخد بالي منه."
لم تجبها مريم ونظرت لها نظرة شكر وعرفان. اقتربت فريدة من خالد لتطمئن عليه وقالت بصوت مسموع للكل.
"روحي أنت يا مريم شوفي اللي كنت بتعمليه."
فأجابتها مريم.
"حاضر يا ماما." وذهبت لشقة فريدة وأغلقت عليها الباب وتركت العنان لدموعها لتنهمر قلقا على زوجها ورفيقها.
"أيه يا خالد اللي حصل؟"
"مفيش يا طنط. شرخ بسيط كدة. وقعت على رجلي وهي ملوية تحتي وأنا بلعب النهاردة روحت المستشفى وعملوا إشاعة وجبسوا لي رجلي."
"مش تاخد بالك يا أبني؟"
"الحمد لله يا طنط قدر ولطف."
التفتت فريدة للشباب وقالت لهم.
"شكرا يا شباب على تعبكم معنا."
أجابها جاسر.
"الشكر لله يا طنط. على أيه أنت عارفة أن خالد ده أخويا."
ابتسم خالد لصديقه وقال.
"وأكتر من الأخ يا جاسر."
وقفت فريدة وقالت.
"ربنا ما يحرمكم من بعض. معلش يا شباب ممكن تدخلوه غرفته."
"طبعا يا طنط."
أنحنى جاسر وياسين بجانب خالد ليسنداه ليقف. فنظر خالد لياسين وقال له.
"لا بالله عليك بلاش أنت. مش كفاية خبطت رجلي في باب الاسانسير. أنت غشيم قوي وبتمشي وانت مغمض."
"يعني الحق علي أني عاوز أسندك. وكمان يعني أي بمشي وأنا مغمض. شايفني فرانكشتين."
اعتدل ياسين في وقفته ومد يده أمامه واغمض عينيه ومشي ولاحظه الجميع وهو يقترب من المنضدة الرخام ولم يحذره أحد حتى اصطدم بها وصرخ من الألم ومسك بركبته. ضحك الجميع عليه وتعالت ضحكات الشباب.
"آه... يا ولاد الذين."
نظر جاسر لياسين محذراً فعدل ياسين جملته.
"يا ولاد الذين آمنوا." نظر ياسين لجاسر وسأله.
"حلو كدة؟"
أكتفى جاسر بإماءة بسيطة برأسه. فاصطنع ياسين البكاء.
"يعني تسيبوني اتخبط ومش عاوزيني أعترض حتى."
سيطر خالد على ضحكاته بصعوبة وقال له.
"تستاهل حد قال لك تمشي مغمض."
"ماشي يا سيدي. ما كل ده بسببك أنت."
هدأت ضحكة فريدة فقالت.
"معلش يا ياسين سلامتك."
سند جاسر وحسام خالد لغرفته ووضعاه على سريره. دخلت فريدة المطبخ وقدمت عصير للجميع. بعدما شربوا العصير نهض الشباب إلا جاسر.
"أحنا هنسيبك ترتاح بقى يا خالد. عاوز مننا حاجة قبل ما نمشي."
"شكرا يا حسام. ربنا يبارك فيكم يا شباب."
"مش هتقوم يا جاسر ولا أيه؟ عجبتك القعدة هنا؟"
نظر جاسر لياسين بحزم.
"لا يا لمض. أنا هبات مع خالد. روحوا أنتم وأنا هقعد معه."
أرتبك خالد لما سمعه من جاسر وقال له.
"مالهوش لزوم يا جاسر. روح أنت أرتاح يا أبني. أنا هنام على طول."
"يا خالد لو احتجت حاجة وأنت لوحدك بالليل؟ ما ينفعش أسيبك كدة؟"
نظر خالد لفريدة يترجاها أن تساعده.
"روح أنت يا ابني. أنا هأخد بالي منه. أنا معي مفتاح شقته. وانت يا خالد لو احتجت اي حاجة في الليل رن علي بس وهتلاقيني قصادك على طول."
"أكيد يا طنط ربنا ما يحرمني منك أبدا."
"يا طنط ما تتعبيش نفسك. أنا هأقعد معه الليلة ده على الاقل. أكيد الالم هيزيد لما مفعول المسكن يروح. أنا مجرب قبل كدة وعارف. ارتاحي حضرتك في شقتك وأنا هأقعد معه."
"يا ابني خالد ده أنا اللي مربياه مع أمه الله يرحمها. يعني مفيش أي تعب. روح أنت يا ابني وما تقلقش عليه."
"جاسر ما تقلقش علي. طنط فريدة معي هنا. روح أنت لوالدتك ما تسيبهاش تبات لوحدها أنت عارف أنها مش بتعرف تنام طول ما أنت برا البيت. روح يا ابني ما تتعبش قلبي بقى."
ضحك ياسين وعلق.
"أنت مالك قلبت على ستي الحاجة كدة. ما تتعبش قلبي بقى."
نظر جاسر لياسين ليحذره للمرة العاشرة في هذه الليلة.
"أنت كل حاجة تقلبها هزار كدة. ما تعرفش تتكلم جد أبدا."
"سيبت لك الجد كله يا سيدي. أنا ماشي هتمشي معنا ولا أيه في الليلة اللي مش عاوزة تخلص ده. أنا رجلي وجعتني من الوقفة."
التفت جاسر لخالد وسأله بإهتمام.
"يعني بجد مش محتاجني هنا معك؟ أنا بصراحة مش هبقى مطمن لما أسيبك."
"لا يا سيدي اطمن خالص. طنط فريدة مش هتسيبني. واتكل على الله أنت معهم من غير مطرود. علشان بجد دماغي لفت من الدوا وعاوز أنا."
أنسحب حسام خطوتين بعيدا عن باقي الشباب وأستغل إنشغالهم بالمصافحة والسلام على خالد وفريدة قبل أن يغادروا الشقة وأخرج موبايله من جيب بنطاله الخلفي ووضعه على مكتب خالد. خرج جميع الشباب وودعتهم فريدة للباب وبعد ما تأكدت من مغادرتهم المكان نادت على مريم التي كانت تنتظر بفارغ الصبر لتطمئن على زوجها