رواية بقايا عطر عتيق الفصل الثالث والعشرون والاخير
كان الليل هادئًا في أرجاء البيت، لكن داخل غرفة أمينة، كانت العاصفة تشتعل. خطوات صباح الغاضبة وهي تصعد الدرج الطيني أعلنت عن غضب لا يمكن كتمانه. دفعت الباب بقوة، لتجد أمينة جالسة على حافة السرير، وجهها شاحب وعيناها ممتلئتان بالخوف.
قبل أن تنطق أمينة بكلمة، تقدمت صباح نحوها بخطوات سريعة، وصاحت بصوت يملؤه الغضب:
ـ وطيتي راسنا في الطين يابنت صباح؟!
بدأت يد صباح تلوح في الهواء، وانهالت على أمينة ضربًا، تمسك بشعرها بعنف وتجذبها يمينًا ويسارًا. كانت أمينة تحاول أن تحمي نفسها، ترفع يديها في وجهها وهي تبكي، لكن غضب صباح كان كالنار المشتعلة. صوت صراخ أمينة جذب انتباه النساء في المنزل، فدخلن الغرفة على عجل.
وفاء جذبت أمينة بعيدًا عن يد أمها، التي كانت تحاول العودة إليها بكل قوتها. وقفت النساء يحطن بأمينة، يحاولن تهدئة الوضع.
قالت وفاء وهي تمسح على رأس أمينة:
ـ اسم الله عليكي يا حبيبتي.
ثم التفتت إلى صباح، التي كان وجهها يتوهج غضبًا، وقالت:
"في إيه يا أم راضي؟ إيه اللي انتِ بتعمليه ده؟ هي أمينة صغيرة علشان تضربيها؟ اسم الله عليها، دي بقت أطول منك!"
صباح، التي كانت تحاول الإفلات من أيدي النساء المحيطات بها، صرخت بعصبية:
"سيبيني يا وفاء! سيبيني أربيها! أنا ما عرفتش أربي، إلهي كنت أتبطيت عليها ولا شفتها ولا شفت اليوم ده!"
شهقت إخلاص وهي تربت على ظهر أمينة:
"ياختي الشر بره وبعيد، بعد الشر عليها! ليه بتعملي كده في البنية؟ هي بقت صغيرة على الكلام ده؟ دي عروسة ومقري فاتحتها. عيب اللي انتِ بتعمليه ده يا صباح، انتِ بتكبّري، مش بتصغّري. الناس هتقول علينا إيه؟"
لكن صباح، التي كانت عيناها تلمعان من شدة الغضب والبكاء، لطمت وجهها بقوة أكثر من مرة، وصرخت:
"آنتوا ما تعرفوش حاجة! ما تعرفوش الخلفة السودا دي عملت إيه! دي فضحتني، ووطت راسي، خلت راس أبوها في الأرض!
توقفت النسوة، تبادلن نظرات مليئة بالدهشة والقلق. نظراتهن إلى أمينة كانت تحمل أسئلة كثيرة. أمينة، التي كانت تبكي بحرقة، رفعت رأسها وقالت بصوت متقطع:
"أنا ما عملتش حاجة وحشة يمه، أنا عملت اللي أنا شايفاه صح! وبعدين أنا مش عايزة صالح! هو الجواز بالعافية ولا إيه؟"
صمتت الغرفة للحظات، قبل أن تبدأ الهمسات بين النساء. تبادلت إخلاص ووفاء النظرات، ثم قالت إخلاص لصباح:
"هو احنا اللي سمعناه ده صح يا صباح؟ بنتك مش عايزة تتجوز صالح؟"
ردت صباح بحدة، وهي تنظر إلى أمينة بعينين مليئتين بالعداء:
"أيوه، بنتي راحت برجليها لحد عمهاحسين وقالتله مش عايزة أتجوز صالح! بنتي اني جابت اللي فيهم فينا! جابت الحق علينا، واحنا اللي كان لنا حق ضيعته! ضيعت حقها بنت الهبلة!
اندفعت صباح مجددًا نحو أمينة محاولة ضربها مرة أخرى، لكن النساء تمكنّ من الإمساك بها وإبعادها. أمينة، التي شعرت بالخوف الشديد، اندفعت نحو باب الغرفة وخرجت مسرعة، لكنها اصطدمت بصدر أبيها عبد العزيز. ارتجعت للخلف وهي تنظر إليه بعينين مليئتين بالخوف.
نظر عبد العزيز إلى ابنته، لاحظ علامات الضرب على وجهها وشعرها المتناثر. عقد حاجبيه وسألها:
"أمينة، في إيه يا بت؟ مالك؟ اللي عامل فيكي كده؟"
ابتلعت أمينة ريقها بصعوبة، وحاولت التحدث، لكن كلماتها خرجت غير مفهومة. وقبل أن تتكلم، سمعت صوت صباح تصرخ من خلفها عند باب الغرفة:
"تعال ياخويا! شوف المصيبة اللي بنتك حطتنا فيها! بنتك راحت لأخوك وقالتله مش عايزة تتجوز صالح!"
نظر عبد العزيز إلى صباح، مستشعرًا الذهول في عينيها والغضب الذي كان يتأجج بداخلها. رفع يده بهدوء، وأشار لها أن تخفض صوتها بينما كان صوت الهمسات يزداد بين النسوة الواقفات. لم يكن الوضع يحتمل المزيد من الفوضى، وكان يعلم أن كل كلمة تُقال ستنتشر في البيت كالنار في الهشيم.
قال بهدوء ثابت:
"طب وماله؟ هو الجواز بالعافية؟ ولا إيه؟"
ساد الصمت في الغرفة، والدهشة رسمت ملامح الجميع، بما في ذلك أمينة التي لم تتوقع هذا الرد من أبيها. اقتربت صباح منه، غير مصدقة لما سمعت، وقالت بحدة:
"انت بتقول إيه يا عبد العزيز؟! انت عارف انت بتقول إيه؟!و بنتك عملت فينا إيه؟ بنتك فضحتنا!"
تجاهل عبد العزيز الانفعال الذي كان يملأ صوتها، ومد يده ليمسك كتفي أمينة، محاوطًا إياها بحنان واحتواء. نظر إلى عينيها مباشرة وقال بفخر:
"الغلط كان علينا من الأول يا صباح. المفروض كنا سألناها وأخدنا رأيها، بس ده ما حصلش، وافقنا على طول. وبعدين، هو انتِ شفتي مثلاً كتبوا الكتاب ولا حصل حاجة من دي؟ ده كلام بين العيلة، وبين الأخوات. وبنتي مش عايزة صالح، عادي، بتحصل في أحسن العائلات. هي جر.يمة يعني؟"
وقفت صباح مشدوهة، غير قادرة على استيعاب كلماته. تراجعت خطوة للخلف وكادت تفقد سيطرتها على أعصابها، لكن عبد العزيز تصرف بسرعة. أمسك بذراعها بحزم وأخذها بعيدًا عن الحشد، ثم همس لها بصوت هادئ لكنه قاطع:
"بطّلي فضايح يا صباح، واحمدي ربنا إنها جت من ناحية بنتك. فكري معايا؟ لو كان صالح اللي قال مش رايد أمينة، كنت هحط راسي في الأرض! إنما دلوقتي، أنا رافع راسي لفوق. بنتي هي اللي قالت لا. بنتك، من غير ما تعرف، ردّت اعتبار أبوها وكرامته. يبقى تشكريها، مش تبكّتيها وتمدي إيدك عليها!"
صكت صباح على أسنانها بغضب مكتوم، وقالت بصوت مليء بالاحتقان:
"يعني إيه؟ يعني كده خلاص؟ سميرة وعيالها هيعملوا اللي هما عاوزينه؟ يقولوا يمين يمين. وشمال شمال! وبنتي هي اللي هتدفع التمن؟طب، طب حتى اسأل بنتك عملت كده ليه! دي كانت رايداة، والفرحة ما كانتش سايعاها يا عبد العزيز!"
رد عبد العزيز بحزم وواقعية، وعيناه تحدقان في عينيها:
"رايداة ولا مش رايداة، المهم إن بنتك حلت الموضوع من ناحيتها. اني كنت كل يوم بنام زي الديب، عين مفتوحة وعين مقفولة. بخاف أصحى ألاقي حد يقولي: مش رايدين بنتك. كنت خايف على كرامتها، وخايف على صورتها وسط البنات. إنما دلوقتي؟ بنتك دي بمية راجل. عملت اللي أنا ما قدرتش أعمله."
كانت صباح على وشك الرد، لكن عبد العزيز رفع يده وأوقفها بقوة قائلاً:
"ولا كلمة زيادة! روحي خدي بنتك وراضيها، وطبطبي وحني عليها. الله أعلم باللي جواها. ما تزيديش وجعها، يا صباح. فهماني؟ ولا أعيد تاني؟"
ابتلعت صباح كلمتها، وبدت عليها علامات الانكسار. التفتت نحو أمينة التي كانت تبكي بصمت في زاوية الغرفة، لكنها هذه المرة لم تكن دموع ضعف، بل دموع راحة.
عاد صالح وعبد الرحيم إلى المنزل بعد أن أوصلا بنات خالهم إلى بيت جدهم عبد اللطيف. كانت الليلة هادئة، والصمت يغمر الأجواء إلا من همسات الرياح بين الأشجار. لكن الهدوء لم يدم طويلًا، إذ قطع صوت والدهم حسين السكون فجأة وهو ينادي:
ــ صالح، عبد الرحيم! حصلوني على المقعد بتاعي.
كان صوته مشوبًا بالجدية التي لم تترك مجالًا للأسئلة. تبادل الأخوان النظرات في حيرة وتساؤل، فملامح والدهم التي لمحاها لم تكن مطمئنة. أسرعا خلفه، والقلق يتسلل إلى صدريهما، ليعرفا سبب استدعائهما المفاجئ.
دخل حسين إلى الغرفة الرئيسية، جلس على الكنبة العريضة، وأسند كفه على عكازه. أشار لهما بالجلوس أمامه على الكنبة المقابلة. جلسا في صمت، وأخيرًا كسره صالح بسؤال ملؤه الحذر:
ــ خير يا بابا؟ حضرتك شكلك قلقان من حاجة؟
حمحم حسين وهو يشيح بنظره بعيدًا، ثم قال بنبرة خافتة:
ــ وصلتوا بنات خالكم للدار؟
تبادل صالح وعبد الرحيم نظرات مريبة قبل أن يرد الأول بتوجس:
ــ أيوه يا بابا، وصلناهم وقعدنا مع خالي عبد الحميد وجدي وجدتي شوية، وبعدها رجعنا.
بدت على حسين علامات الضجر، فأطبق أصابعه حول مقبض العكاز بإحكام، ثم نظر نحو عبد الرحيم مباشرة وقال:
ــ أمينة بنت عمك جاتلي من شوية وقالتلي حاجة غريبة.
ارتبك عبد الرحيم وأشاح بوجهه، وكأنه يريد الهروب من أعين والده. تابع حسين مراقبته عن كثب، ثم أكمل ليختبر ردة فعله:
ــ قالتلي إنها مش رايدة الجوازة دي ومش عايزاك يا صالح.
لمعت عين عبد الرحيم بفرح طاغٍ، لكنه حاول التماسك. أما صالح، فرغم أن قلبه قفز ابتهاجًا، إلا أنه أخفى شعوره احترامًا لوالده، ورد بنبرة متحفظة:
ــ والله يا بابا، هي حرة، ودي حاجة ترجع لها.
رمقه حسين بنظرة كاشفة وكأنه يرى ما يحاول إخفاءه، وقال بنبرة صارمة:
ــ اللف والدوران ده بتاع الحريم، مش الرجالة. أنا عارف ومتأكد إنك ورا كل اللي حصل ده.
شعر صالح بالارتباك وهو يبتلع ريقه. أما عبد الرحيم، فنظر إلى أخيه متعجبًا، وكأنه لا يفهم شيئًا. أكمل حسين حديثه بحدة:
ــ خلينا نتكلم زي الرجالة كده وبالمكشوف.
ثم التفت إلى عبد الرحيم وسأله مباشرة:
ــ أنت رايد أمينة يا عبد الرحيم؟
ارتبك عبد الرحيم بشدة وتلعثم وهو يجيب:
ــ أني... أني... يا بابا...
قاطعه حسين بحدة:
ــ أنت هتمأمأ؟ لو مش رايدها خلاص نشوفلها حد تاني!
وقف عبد الرحيم فجأة وقال بلهفة:
ــ لا، لا! حد تاني إيه؟! أيوه رايدها! أقسم بالله يا بابا، أنا عايزها من زمان! بس ما رضيتش أقولك! وحياة رحمة جدي الكبير صدقني يا بابا، لا حد تاني ولا تالت! والنبي جوزني أمينة!
كان أسلوبه عفويًا، مما أثار ضحك والده، لكن عبد الرحيم شعر بحرج شديد، فجلس ببطء محاولًا التوضيح:
ــ أنا قصدي يعني... اللي تشوفه يا بابا.
ابتسم حسين رغم ضيقه وقال بهدوء:
ــ خلاص. أنا قلت أسألك الأول. بس اعمل حسابك، هاخد رأي أمينة قبل ما أفتح الموضوع مع أبوها. لو قالت لا، يبقى خلاص.
ثم التفت إلى صالح ونظر إليه بحدة قائلاً:
ــ ومش عايزين الغلط يتكرر. وانت يا صالح مش عايزك تتحدت ويا نوال بنت خالك عمال على بطال قدام الناس تاني. ده عيب، مش إحنا اللي نعمل كده.
أومأ صالح برأسه مطيعًا وقال:
ــ حاضر يا بابا. اللي تشوفه. حقك عليا إن كنت زعلتك مني. بس... يعني بما إن موضوع عبد الرحيم وأمينة اتحل، فبقول تشوفلي موضوعي وتطلبلي إيد نوال؟
حدق عبد الرحيم بأخيه في دهشة وقال بذهول:
ــ ولا يا صالح؟ هو أنت بتحب نوال؟ والله العظيم شكيت!
ثم فكر قليلاً وسأله بريبة:
ــ هو أنت قلت لأمينة حاجة؟ يعني... أقصد؟
ربت صالح على فخذ أخيه بابتسامة مطمئنة وقال:
ــ اطمن يا عبد الرحيم. أنا مستحيل أعمل حاجة تضايقك. الزوجة بتتعوض، لكن الأخ عمرة ما بتعوض. أنا مش مستعد أخسرك لأي سبب، حتى لو كنت مش عايز نوال.
لم يتمالك عبد الرحيم نفسه، فاحتضن أخاه وقال:
ــ والله العظيم كنت عارف! ربنا ما يحرمنيش منك، ويخليك ليا ياخويا.
نهض عبد الرحيم ليقبّل يد والده قائلاً:
ــ ربنا ما يحرمني منك يا بابا، ويخليك لينا وتفرح بأحفاد أحفادك.
ربت حسين على كتفه وقال بحنان ممزوج بالهيبة:
ــ آمين. بس اقعد لسه ما كملتش كلامي.
ثم استقام في جلسته وقال:
ــ بكره الصبح هتكلم مع عمك عبد العزيز، وهقوله كل اللي حصل، وبعدها هكلمة عليك لبنته. لو هو وأمينة وافقوا، بمشيئة الله نعمل فرحكم في ليلة واحدة. إيه رأيكم؟
نظر الأخوان إلى بعضهما بابتسامة عريضة، ورددا بصوت واحد:
ــ قلنا لا إله إلا الله.
أجاب حسين:
ــ سيدنا محمد رسول الله. ويلا كل واحد يتوكل على أوضته. عايز أنام عشان نشوف بكره هنعمله إيه بأمر الله.
مع طلوع الصباح، كان الريف يستفيق على صوته المعتاد: زقزقة العصافير وصرير عجلات الدواب ووقع خطوات النسوة المتعجلات لأداء مهامهن اليومية. كانت صباح منهمكة في عملها منذ الساعات الأولى، تكنس الحوش وتملأ الجرار بالماء، ووجهها ساكن لا يحمل تعبيرًا سوى التصميم. لم تنطق بكلمة واحدة، لكن الصمت الذي أحاط بها لم يكن كافيًا لإخفاء ما يدور في أذهان الجميع.
الأخبار التي حرصت صباح على دفنها في قلبها سرعان ما وجدت طريقها إلى كل زاوية في البيت بفضل النسوة اللاتي كن يُجيدن نقل الكلام. همساتهن تسللت بين الجدران، تحمل الحكاية من فم إلى آخر. ورغم أن سميرة كانت واحدة من أولى من علم بالأمر، إلا أنها لم تُظهر أي ردة فعل. كانت تعرف ولكن زوجها حسين قد أمرها بالصمت، فالتزمت بما قيل لها، مكتفية بوضع الطعام على الطبلية بوجه جامد، وكأنها تتجنب مواجهة عيون من حولها.
عندما اجتمع الجميع لتناول الإفطار، لاحظوا غياب صباح عن الطبلية. لم تجلس معهم، بل فضلت أن تعود إلى أعمالها في الحوش، متذرعة بانشغالها. لم يكن أحد بحاجة إلى تفسير أعمق، فقد بدت وكأنها تحاول الهروب من التحديق ومن كلمات قد تتجاوز الحدود.
في الأرض، تحت شجرة الجميز القديمة التي ظلت شاهدة على كل أسرار العائلة وأحاديثها، كان حسين يجلس إلى جوار أخيه عبد العزيز. الهواء البارد كان يلفهما، بينما الشمس ترسل خيوطها الأولى عبر الأغصان الكثيفة. بدا حسين منشغلًا بسرد ما حدث، تفاصيل القصة تتدفق من لسانه بتروٍ وهو يعترف بكل شيء، بما كان يعرفه منذ البداية، وكيف أنه اختار الصمت خوفًا من أن يخسر أخاه عبد العزيز أو يجرح كبرياءه.
عبد العزيز كان يستمع في صمت، وجهه لا يظهر أي مشاعر. كان يفكر في كل كلمة تُقال، يزنها بعناية في ذهنه قبل أن يتخذ أي قرار. كان يعلم أن ما حدث قد قلب الأمور رأسًا على عقب، وأن الحل لا بد أن يكون متوازنًا ليحفظ لكل طرف حقه.
كان حسين يجلس بهدوء، يفكر في حديث أخيه عبد العزيز، وفي ما يعتمل في قلبه من قلق بشأن مستقبل أمينة. كان يعرف أن عبد العزيز، يعز عليه ويخاف عليها مثلما يخاف على أي من أولاده. لكن حسين كان يعي تمامًا أن الاختيار الذي قام به لعبد الرحيم كان هو الأنسب.
لقد أخبر حسين أخيه مرارًا وتكرارًا أنه لا يوجد فرق بين عبد الرحيم وصالح في شيء، بل إن عبد الرحيم كان بمثابة السند الذي يمكن أن تعتمد عليه أمينة،وقلبه كبيرًا بما يكفي ليصون أمينة ويحميها.ويعرف كيف يراعي ويقدر من يحب، وأمينة ستكون في أيدٍ أمينة معه.
حسين كان يعلم أن هذه اللحظة كانت حاسمة. طلب إيد أمينة من عبد العزيز رسميًا، وشرح له أن عبد الرحيم لن يقصر في حقها أبدًا، بل سيحملها فوق رأسه بكل حب واحترام. وأمينة ستجد فيه كل ما تحتاجه من اهتمام ورعاية.
ما كان حسين يريده هو أن يطمئن عبد العزيز، ويشعر بالأمان بخصوص قرار ابنته. كان واثقًا أن عبد الرحيم سيكون لها خير من يراعيها ويصونها.
مع انتهاء حسين من كلامه، بقي عبد العزيز صامتًا لفترة، وكأن ثقل القصة يحتاج إلى وقت ليستقر. وبعد تفكير طويل، قرر أن يسأل أمينة أولًا قبل اتخاذ أي خطوة، وأكد حسين على ضرورة الإسراع في حل الأمر لتجنب أي تأخير قد يُعقد الوضع.
كان الصمت يلف المكان مجددًا، لكن هذه المرة لم يكن صمتًا خاليًا، بل كان صمتًا يحمل قرارًا قادمًا. الشمس كانت ترتفع في السماء، معلنة عن بداية يوم جديد، يحمل معه أمل الحسم ومواجهة الحقائق بلا تردد.
في صباح اليوم التالي، دخل عبد العزيز غرفة ابنته أمينة بهدوء، فوجدها جالسة على السرير، وعينها تشع منها علامات القلق والضياع. اقترب منها برفق، وجلس إلى جانبها، وحاول أن يظهر لها الحنان الذي يعيشه قلبه تجاهها، وقال لها بصوت هادئ وحب:
"اني كنت عايز أقولك على حاجه من امبارح بس استنيتك تروقي شويه."
أمينة التي كانت تجلس شاحبة الوجه، لم تتمكن من إخفاء الحزن الذي يعصف بها. نظرت إلى أبيها، ثم قالت بصوت ضعيف، يظهر منها القلق والهم:
"خير يابا هو حصل مني حاجه تاني انا من وقتها ما تكلمت مع حد ولا عملت حاجه."
ابتسم لها عبد العزيز بحنان وطمأنها قائلاً:
"لا يا بنتي انتي ما عملتيش حاجه. و انا مش زعلان منك على اللي عملتيه. انتي اتصرفت صح، صدقيني يا أمينة، انتي ما كنتيش هتبقي مبسوطه مع صالح."
تنهدت أمينة بمرارة، وقد ترك الحزن في قلبها أثراً واضحاً، ثم قالت بصوت مملوء بالتسليم:
"يلا كل شيء قسمه ونصيب يابا. واني مش زعلانه. نوال بنت خاله متعلمه ومتنوره وهتبقى مهندسه، وصالح كلامه مكلكع وكبير، ساعات كتير ما بفهمش منه حاجه."
ثم أكملت، والنبرة الحزينة التي تصاحب كلماتها تزداد وضوحاً:
"هما لايقين على بعض اكتر مني. ربنا يفرحهم ويفرح الجميع."
قام عبد العزيز، الذي كان يراقب ابنتيه، ربت على ظهرها برفق. كانت تلك الحركة كفيلة بأن تبعث في قلبها طمأنينة ولو مؤقتاً. ثم قال لها بنبرة حانية مليئة بالفخر:
"ويفرحك يا قلب أبوكي يا عاقله يا رزينه يا ست العاقلين. والله يا أمينة يا بنتي، ربنا هيراضيكي ومن وسع وهيجبر بخاطرك. اللي انتي عملتيه ده كبير قوي، وما زعلش حد مننا. واصل راضيتينا كلنا على حسابك يا بنتي، بس ربنا هيراضيك."
ابتسمت أمينة ابتسامة خفيفة، وعينها كانت مليئة بالحنان، ثم نظرت إلى أبيها وقالت برقة:
"يعني انت مش زعلان مني يا با؟"
رد عليها بحنان، مبدداً أي هم كانت قد حبسته في قلبها:
"اني ازعل منك؟ لا والله يا بنتي، انتي لو تعرفي ريحتي قلبي قد إيه مش هتصدقيني."
تنهدت أمينة بارتياح وقالت، كأن كلمات أبيها قد أزالت ثقلًا كان يضغط على قلبها:
"ربنا يريح قلبك دايمًا يابويا. انت متعرفش أنا فرحت قد إيه دلوقتي بكلامك ده. معايا غير أمي زعلانه مني ومش طايقاني وكرهاني كره أكده."
ضحك عبد العزيز في هدوء وقال:
"امك زعلانه علشانك وهي الأم، عايزة ايه غير مصلحة عيالها؟ يومين كده وهتروق."
ثم حمحم قليلاً، ثم قال بعد تفكير:
"المهم، أنا جايلك دلوقتي عايزك في كلمتين بيني وبينك كده. وهقولك على حاجه. موافقه عليها خير وبركه، مش موافقه صدقيني يا بنتي، أنا مش هجبرك على أي حاجه. اللي حصل ده كان درس كبير ليا واتعلمت منه."
أمينة، التي كانت تراقب أبيها في صمت، خفضت رأسها قليلاً ثم نظرت إلى الأرض. أخذت نفساً عميقاً قبل أن تقول بحذر:
"لو على موضوع عبد الرحيم ابن عمي، ما تشيلش هم وما تقلقش يا با، أنا موافقه عليه."
تعجب عبد العزيز وقال:
"انت عرفتي منين ان عبد الرحيم طالب يدك؟"
أمينة ردت بخجل، وعينيها تنحدر منهما نظرات مترددة، ثم قالت بصوت منخفض:
"أبويا حسين الله يستره طلبني، وتحدت وياي الصبحيه وقالي نفس كلامك ده. قالي اللي انت عايزاه يا أمينة هنعملهولك، ومش هنزعلك. واصل وأنا قلت عبد الرحيم رايدني وبيحترمني، وكفاية إنه متعلم ومتنور وما تكبرش عليا ولا شافني جاهله. يبقى يكرم ويشكر يابا، ولا إني غلطانه."
ابتسم عبد العزيز، وهو يربت على رأسها بحنان ويقول:
"اني بنتي طلعت عاقله قوي يا ناس، واني ماعرفش. صدقي يا أمينة، انت طالعه زي ستك نعيمة. ربنا يكملك بعقلك يا بنتي. وخلي بالك، انت مش جاهله ولا حاجه. الجهل جهل العقل والتفكير. وانتي ست البنات، اللي هتصوني جوزك، وترفعي من شانه، وتعمليله عيلة كبيره. وعبد الرحيم راجل زين، وعمره ما رفع عينه في وش حد."
ثم أضاف بصوت مليء بالحكمة:
"واهو برضو علشان كل حرمة في الدار دي تحط لسانها جوا حنكها وتبطل لت وعجن."
ردت أمينة بابتسامة خفيفة، ثم قالت برضا:
"اللي تشوفه يا با، أنا معاك فيه."
ثم سألها عبد العزيز مرة أخرى، وهو يلاحظ التردد في عينيها:
"هسالك تاني يا أمينة، انتي رايده عبد الرحيم ابن عمك؟ ولا هتقولي اهي جوازه والسلام؟"
أمينة تنهدت بعمق، وتذكرت كلمات نوال التي ترددها في قلبها منذ فترة، ثم قالت بصدق:
"موافقه يابا. عبد الرحيم دايمًا هيخليني أول حاجه في حياته، وأنا موافقه."
في اليوم التالي، انتشر خبر اقتراب زواج صالح من ابنة خاله نوال، وكذلك زواج عبد الرحيم من ابنة عمه أمينة، في جميع أرجاء القرية. انتشرت الأحاديث بين جدران المنازل، وتحركت الأنظار لتتساءل عن ردود الأفعال وكيف ستتغير الأمور. كان الهمس في الشوارع يزداد، وبينما كان الجميع منهمكًا في الأحاديث، توجهت صباح إلى حسين.
دخلت صباح إلى المندرة بثقة غريبة، على الرغم من أن قلبها كان ينبض بتسارع. جلست أمامه مباشرة وقالت بصوت واضح دون تردد:
"أبا حسين، أنا عندي كلمتين كده محشورين في زوري وعايزه أقولهم."
رفع حسين نظره إليها، وأغلق دفتريته بخفة، ثم وضع القلم فوق الدفتر وقال بهدوء:
"سمعك يا مرات أخويا، خير؟"
ابتسمت صباح ابتسامة هادئة، ثم بدأت كلامها بنبرة جادة.
"انتوا الأول قلتوا هنجوز أمينة لصالح، واحنا ما قلناش حاجة. وكلمتكم سيف على رقبتنا ووافقنا، وكنت عارفة كل حاجة وساكته عشان ما حدش يتكلم. قلت لنفسي: ‘يا بت، عادي، يا ما بتحصل’. بس في الآخر، بنتي هي اللي هتتجوز صالح، يقوم علشان هى غلبانه وعلى نيتها جابت كل اللي حصل فيها هى، وقلنا وماله، الحمد لله إنها اجت لحد كده، وما حدش من الأخوات زعل."
ثم أكملت، محملةً كلماتها بالحكمة والمرارة:
"جيتوا بعديها وقلتوا عبد الرحيم رايد أمينة، برضو ما فكرناش وقلنا موافقين وعلى عيننا وعلى رأسنا. عبد الرحيم، ما فيش فرق بينه وبين صالح. كلهم ولادنا، لكن يعني..."
توقف حسين للحظة، ثم نظر إليها بتحدٍ وقال:
"ايوه لكن ايه يا صباح؟ جيبي من الآخر، لأن كل اللي انتي قلتيه ده معروف ومعلوم. ما قلتيش حاجة جديدة. هاتيلي بقى اللي انت عايزاه، عايزة ايه يا صباح؟"
شعرت صباح وكأن الحروف تجمعت في حلقها، لكن قلبها تشجع، وقالت بثقة واضحة هذه المرة:
"أنا مش عايزة بنتي تقعد في نفس الدار اللي فيها صالح ومرته. أنا عايزة أمينة يبقى لها دار لروحها، هي جوزها."
لحظات من الصمت مرت، بينما حسين كان يفكر في كلماتها بهدوء. ثم أخذ نفسًا عميقًا وقال بعد تفكير:
"وماله يام راضي؟ نعمل لها هي وعبد الرحيم دار لروحهم. بنتنا غالية وتستاهل. حاجة تانية يام راضي؟"
تفاجأت صباح من سرعة موافقته، وقالت بحذر:
"أنت بتتكلم جد يابا حسين؟ يعني أنت موافق؟ يعني بنتي هيبقى لها دار لروحها؟"
أخذ حسين نفسًا آخر، عميقًا، ثم قال وهو ينظر إليها بنظرة متفهمة:
"بنتك من حقها يكون لها دار لروحها يا صباح، بعد اللي حصل. وأظن إني مش جاهل علشان أحط شرارة وسط العيال، وفي يوم تقوم بينهم حريقة. لأ، خلي كل واحد لروحه. بعدين عبد الرحيم مسيرة هيستوظف في البندر، وممكن لو حابب ياخد مرته معاه. يعني مش هيقعدوا مع بعض زي الأول."
فجأة، شعرت صباح بموجة من الفرح تتسلل إلى قلبها، شكرته بصدق وأثنت عليه قبل أن تخرج من المندرة، وهي تغمرها السعادة. بينما تركت حسين في عمق تفكيره، يفكر في المستقبل وكيف ستتغير الأمور.
وهو ينظر إلى السماء من نافذة المندرة، تمتم في نفسه:
"يا ترى بكرة في إيه؟ وأيه اللي هيحصل لما صالح يقعد لروحه، وعبد الرحيم يعيش لروحه؟ كل واحد يبني دار لروحه، يا ترى العيلة هتتجمع تاني زي دلوقتي؟ ولا لا؟ يا عالم اللي جاي إيه؟ يا حسين يا أبو قاسم؟
مرت الأيام وكان عبد الرحيم يجلس في فناء الدار، محاطاً بالهدوء الذي يلف القرية بعد غروب الشمس. كان يفكر في ما مر به من أيام مع أمينة، في محاولاته المستمرة لإثبات حبه لها وإظهار التقدير الذي يشعر به تجاهها. لم يكن عبد الرحيم يريد سوى أن يعرف الجميع، وأمينة قبلهم، أنه مستعد لبذل كل ما في وسعه ليجعل حياتها أفضل. كان يشعر أن كل لحظة يقضيها بجانبها تكشف له عن جوانب جديدة من شخصيتها.
أمينة، التي بدأت تدريجياً تكتشف أن عبد الرحيم هو الرجل الذي يمكنه أن يمنحها كل شيء لم تكن تتوقعه، بدأت ترى فيه أكثر من مجرد شخصٍ يشاركها الحياة، بل أصبحت تشعر أن هذا الرجل هو الذي سيجعلها تشعر بأنها ملكة. كان حبها لصالح قد بدأ يتضاءل، وأصبح تفكيرها في عبد الرحيم يملأ قلبها بشعور مختلف، أكثر عمقاً وأقل اضطراباً. شعرت أن حبه لها ليس مجرد شفقة أو تهاون، بل هو حب حقيقي، يعطيها قيمة لم تشعر بها من قبل.
ولكن بعد أيام قليلة حدثت الفاجعة، جاء الخبر الذي هز القرية وأوقف الحياة لحظة: وفاة الحج عبد اللطيف. أصيب الجميع بصدمة وحزن عميق، وتوقف كل شيء، حتى الزفاف الذي كان من المقرر أن يحدث قريباً تأجل بسبب الحزن الكبير الذي اجتاح الجميع. كانت القرية تشعر بفقدان شخص عزيز، وتوقفت الحياة كما هو الحال دائماً في مثل هذه اللحظات.
مرت الأيام، وجاء وقت توزيع الميراث. بدأ صبري، الذي لم يكن يطيق أن يرى عبد الحميد يأخذ حقوقه، يرفض أن يعطيه أي شيء من ميراث أبيهم، متفاخراً بأنه هو الذي تعب في الأرض طوال عمره بينما لم يفعل عبد الحميد شيئاً. وقف الحج عبد الرحيم وأفراد العائلة ليضعوا الأمور في نصابها الصحيح. كانت المفاوضات صعبة، وكان عبد الرحيم يصر على أن يتم توزيع الميراث وفقاً لما يرضي الشرع، وهو ما حدث في النهاية بعد الكثير من الخلافات. هذا جعل صبري يكنّ لهم كراهية شديدة، لأن الأمور لم تسر كما كان يريد.
مر عام وأكثر على وفاة الحج عبد اللطيف، وفي أرضه، كان عبد الحميد يقف يتأمل المشهد حوله. كان يشعر بشيء من السلام الداخلي، ولكن في نفس الوقت كانت أفكار أخيه، صبري، لا تفارق ذهنه، خرج صبري من الأرض ليغسل وجهه ويجلس تحت الشجرة، ثم نظر إلى عبد الحميد، ثم ابتسم عبد الحميد له وجلس أمامه. بعد لحظات من الصمت، وجه عبد الحميد له سؤاله المباشر، متجاهلاً كل الخلافات الماضية:
"هو انت ليه بتكرهني يا صبري وليه عملت كل ده؟"
ضحك صبري ساخراً، وقال:
"بقولك ايه، أنا فيا اللي مكفيني، انت مش واقف لابسلي البدلة وقاعد تنظر علينا، كانت ناقصاك هي."
ضحك عبد الحميد وقال:
"أنا لابس البدلة من زمان يا صبري مش من دلوقتي، بس عندي سؤال كل ما أسأله ليك تتهرب مني، ونفسي أعرف انت عملت كل ده ليه مع إني عمري ما أذيتك. حتى بعد وفاة أبوك حاولت تحرمني من الورث مع إني الكبير. ليه بتصغر بالكل؟ وليه بتسوء سمعتك وسمعة العيلة؟"
رد صبري دون خوف وقال:
"والله إني واحد طالع عينيه في الأرض ومش معايا في الابتدائية، يا دوبك بفك الخط، كنت بصحى من فجر الله، أسقي وأزرع وأقلع، وانت كنت بتقعد تذاكر عشان تبقى دكتور ولا مهندس، وأنا ما حدش فكر فيا، كنت عبارة عن خدام عشان يجيب القرشينات في الآخر عشان تكمل علامك. وفي الآخر بقيت مهندس، وجايلي في إيدك واحدة بنت أكابر، على طول حظك ضارب في السما. وأنا ولا كأني هنا ولا حد شايفني. أتجوز دي وأطلق دي وأرمي دي، وأضحك على ده وده يضحك عليا. لما حياتي ما بقاش ليها ملامح ولا معروفة أولها من آخرها، وانت راسي في حياتك، عندك بيت وعيال وست كانت بتحبك وبتراعيك. حظك على طول ضارب. عرفت بكرهك ليه يا عبد الحميد؟"
ابتسم عبد الحميد في وجه أخيه وقال بهدوء:
"اللي ما بيرضاش باللي ربنا بيديهوله، دايماً عينه هتكون في حياة غيره زيك كده بالضبط. عارف تفاصيل عني أنا ممكن أكون ناسيها، بس هقولك حاجة مهمة. انت ما كنتش بتحب العلم، وجدتك كريمة الله يرحمها، يا ما كانت بتزقك على المدرسة، وانت ما كنتش غاوي. كنت عايز تصحى بدري، تجري وتلعب، وتهزر، وتمشي مع عيال الكفر، وتقعد أمي تدور عليك بالساعات، ويلاقوك في الآخر في آخر الدنيا، وتيجي مبهدل. وأنا اللي كنت بروح أجيب حقك، وبرضو كنت بتجيب اللوم عليا. وحاجة تانية، مش انت اللي عملت الخير ده ولا انت اللي كبرت الأرض. بالعكس، الخير خير ربنا في الأول وفي الآخر، ثم أبوك وأخواتك معاك اللي إيديهم في إيدك. لكن ما استكثروش عليا أي حاجة زيك كده. واحد غيري يا صبري كان هو اللي كرهك، لأنك حرمتني من أهلي بكذبك وخداعك. بعدتني عن بيتي وعزوتي، واتحرمت من النعمة دي أكتر من 20 سنة، بس لما شفتك نسيت كل حاجة. وسامحتك. أنا عايز أقولك يا صبري، إنك مريض، وهتفضل طول عمرك طماع وأناني، وعندك عدم رضا بأي حاجة. مع إنك لو بصيت، ما شاء الله، أنت أكتر واحد في العيلة عندك أولاد وبنات. أنا اتحرمت من خلفة الولاد، بس حامد ربنا وشاكر فضله عليا ومبسوط جداً ببناتي. لكن أنت يا صبري، هل فكرت إن ربنا مديك نعم كتير علشان تحمد ربنا عليها؟ بتهيألي لا، لأن عينك ما كانتش في قلب بيتك، عينك كانت بره بتدور على حياة الناس، وتشوف عندهم إيه، وتحقد عليهم، وتستكتر عليهم الرزق. مع إن ده رزق من عند ربنا، هو اللي بيعطيه لعباده. مش إحنا اللي بناخده فهلوة. الله يهديك يا صبري، ويشيل الغشاوة من عينيك."
ترك عبد الحميد صبري بعد حديثه، وعيناه تلمع بالهدوء. نظر صبري إليه، ثم نظر إلى الأرض خجلاً من نفسه، يفكر في كلمات أخيه، وهو يشعر بثقل ما قاله له.
وأخيرًا، بعد نصف عام آخر، اجتاز صالح شهادة الدكتوراه، ونجحت نوال في دراستها، وكذلك الجميع. وهذه الأخبار أدخلت السرور على العائلة بأكملها. وذهب حجازي وحامد إلى عمهم عبد الرحيم، طالبين منه أن يتمموا زواج صالح ونوال في هذا الوقت، وأنه مر على وفاة أبيهم قرابة العامين. رفض عبد الرحيم وحسين، ولكن زاد تصميمهما بأن تمت خطبتهما منذ زمن بعيد، وهذا ليس جيدًا لهم. وأخيرًا، اتفقوا على وقت الزفاف، وتم الزفاف بين صالح ونوال، وعبد الرحيم وأمينة، وكانت ليلة محاطة بالسعادة والفرح.
وكان الفرح في تلك الليلة مشهدًا مميزًا في الريف، حيث اجتمع الجميع في ساحة البيت الكبيرة، وأضاءت الأنوار الصغيرة التي تزين الأشجار المحيطة. كانت القهوة العربية تُعد على نار هادئة، وعاد المزمار البلدي يصدح في الأجواء، ويُرافقه رقص الشباب والشابات في دائرة، حيث كانوا يتمايلون بخفة على أنغام الموسيقى الشعبية. على الطبلية، كانت أطباق الطعام التقليدي التي تضم الأرز، والدجاج واللحم المشوي، والمقبلات التي يحبها الجميع. وكانت النسوة يجلسن في أقرب الزوايا على الأرائك المصنوعة من القش، يتبادلن الحديث والضحك.
وبعد فترة وجيزة من الزمن، حصل عبد الرحيم على وظيفة في مصر، وأخذ زوجته وسافر. وكان صالح يعيش مع زوجته أحيانًا في البندر وأحيانًا في بيته الريفي. مرت الأعوام، وأنجب كلا منهما، وفي تلك الأعوام الماضية فارقت الجده نعيمه الحياة، وأيضاً بعدها الحاجة زاهيه وساد الحزن يسكن الإرجاء. ثم بعد ذلك سافر صالح خارج مصر، وأخذ زوجته وأولاده معه. وكل فترة من الزمن كان يأتي إليه جواب من عائلته في القرية بموت أحد أفراد العائلة، مثل جده، وأحد أعمامه أو خالاته. وكانت للغربة ثمنها،
في هدوء الليل، حيث كانت الرياح تحمل همسات الحقول البعيدة، كان حسين يرقد في سريره البسيط، ملامح وجهه قد تغيرت بفعل الزمن. كان جسده الهزيل يعكس رحلة طويلة من المعاناة، عيوناه تكاد تلتقيان ببعضهما بشق الأنفس. تجلس حوله عائلته في صمت، كل واحد منهم يحاول التماسك في تلك اللحظات المرهقة.
كان ابنة عبد الرحيم، يجلس قرب قدم حسين، عينيه المملوءتين بالقلق تراقب كل حركة من جسده المرتجف. يديه المرتعشتين تمسك بحافة البطانية وكأنه يستمد منها شيئًا يخفف ألمه. بالقرب منه، كانت سميره، ملامحها مجعدة من الحزن، تمسح عن جبينه العرق الذي يكاد يغطيه، وأعينها غارقة في دموعها التي لم تتوقف. أما بناته، فكن متجمعات حوله، تُخفي كل واحدة منهن وجهها بيديها، والدموع تنهمر بحرقة، كأنهن يودعن جزءًا غاليًا من حياتهن.
كان حسين يردد اسم "صالح" بصوت ضعيف، يخرج بالكاد من بين شفتيه المتشققتين. كانت الكلمات تتساقط بصعوبة، كأن كل حرف منها يثقل لسانه. "صالح... يا صالح..."، كانت صرخاته الخافتة تتردد في أرجاء الغرفة، محملة بألم الأب وحبٍ لا يستطيع البعد أن يطمسه. كان في تلك اللحظات، يبحث في عينيه عن شيء مفقود، عن لحظة تعيده إلى أيامه مع ابنه الغائب.
مع مرور الوقت، أصبح الأنين الذي كان يسمع بين فترات تنفسه أضعف. في تلك اللحظة، نطق كلماته الأخيرة، ودع فيها الدنيا بأسرها، وأغمض عينيه للمرة الأخيرة، فعم المكان صمت عميق وكأن العالم قد توقف للحظات. ثم انفجرت العائلة في البكاء، تأثرت بالألم العميق، والذكريات التي لن تعود.
في مكان بعيد، كان صالح جالسًا في غرفته الضيقة، يحاول التركيز على دراسته، لكنه تجمد في مكانه لحظة سماعه الخبر. زوجته دخلت اليه الغرفة بعيون دامعة وفي يدها الهاتف لتخبره بما حدث. حين سمع الخبر، توقف قلبه عن الخفقان للحظات، وسقط قلمه من يده كما لو أنه قد سُلب منه كل شيء. لم يستطع تصديق ما سمعه.لا يستطيع أن يتنفس، كأنما الدنيا بأكملها قد سقطت عليه، كأن الخبر يرفض أن يكون حقيقة.
كان يظن أن الدنيا ستظل كما هي، وجد نفسه غارقًا في مشاعر من الألم والصدمة. قلبه المثقل بالأسى لم يعد قادرًا على استيعاب الواقع الذي يواجهه. كان يعلم أن حياته قد تغيرت، وأنه لا بد أن يعود. يجب أن يعود ليكون هناك بجانب أمه وأخواته في هذا الوقت العصيب، فكما كان والده دائمًا السند القوي لهم في حياتهم، أصبح هو الآن مضطرًا للوقوف في ذات المكان.
بدأ صالح يعد نفسه للعودة، رغم الألم الذي كان يمزق قلبه، فهو يعلم أن الوقت قد حان ليكون هو المصدر الوحيد لقوتهم بعد رحيل الأب.
. عندما عاد صالح إلى قريته بعد كل تلك السنوات، كان قلبه مثقلًا بالذكريات، وعيناه تتأملان المكان الذي اعتاد أن يكون مسرحًا لصخب الأيام. قرية الريف التي عرفها صغيرًا، لم تعد كما كانت. فقد مر الزمن وترك بصماته على كل شيء، حتى على الأرض التي كانت تمتلئ بالحياة.
أول ما لفت نظره كان البيت الكبير الذي كان يشتهر بالضجيج واللمة. كان يملؤه الحكايات والضحكات، وفي الزمان البعيد كان المكان يعج بالناس: الوالدين، الأشقاء، الأولاد، الأحفاد، والجيران. اليوم، كان البيت خاليًا. الجدران التي كانت يومًا ما مليئة بالألوان الزاهية، تبدو الآن متشققة، وكأن الزمن قد جَرف كل شيء جميل فيها. الأصوات التي كانت تملأ المكان اختفت، وحلَّ محلها صمت ثقيل. لم يكن هناك أحد. كان يركض نحو الباب، لكن السكون الذي يلفه جعله يتردد للحظة.
تحرك ببطء نحو الساحة الكبيرة التي كانت في الماضي مكتظة بالجميع، حيث كانوا يجلسون على الطبلية، يتناولون الطعام معًا، وتدور الأحاديث بين الجيران. اليوم كانت الأرض جرداء، لا يوجد من يجلس، ولا حتى الأثر الذي كان يتركه الناس في المكان. الأشجار التي كانت تزين الجوار بأغصانها الخضراء، جفت الآن، وسقطت أوراقها على الأرض بشكل عشوائي. شجرة العنب التي كان يحب الجلوس تحت ظلها في الصيف، لم تعد كما كانت، فقد ذبلت أغصانها، وتطايرت حبات العنب التي كانت تغطيها. شجرة البرتقال التي كان يجد فيها فرحة طفولته، قد تساقطت أوراقها، وأصبح المكان خاليًا من رائحة الزهور التي كانت تفوح منها.
سار بين الجدران التي كانت يوما ملاذًا للألفة، وتلك الجدران التي شهدت كل لحظة حب ومرح وحزن، كانت قد تشققت، مثل قلبه الذي تشقق بفعل الزمن. كل شيء في هذا المكان كان يصرخ في وجهه: "لقد تغيرنا، لقد مضى الزمان."
ثم ذهب إلى الجنينه، حيث كان يتجول مع أصدقائه في الأيام الماضية، يلعبون ويلهون تحت أشعة الشمس. اليوم، كانت الجنينه لا تملك إلا الصمت الذي يملؤها. كانت الرياح تعصف بأشجارها المتعبة، وتجعل أغصانها تتمايل بحزن كما لو كانت تود أن تروي قصة الزمن الذي ضاع.
عندما وصل إلى هناك، كان قلبه ينبض بسرعة، لكنه سرعان ما هدأ عندما رأى أمه العجوز جالسة على المقعد الخشبي، حيث كانت تحيك ملابس الأحفاد. نظر إليها من بعيد، وعيناه مليئتان بالحزن والأسى. حاول أن يخطو نحوها، لكن قدمه كانت تثقلها الذكريات، فوقف للحظة يتأملها. كان يراها كما كانت، رغم سنوات العمر التي أضافت إلى وجهها علامات التعب، إلا أن ملامحها لم تتغير.
وعندما رآته، رفعت رأسها بصعوبة، وعينها تشوش نظرها، وتساءلت بصوت ضعيف:
"انت مين يا بني وعايز إيه؟"
صمت للحظة، ثم اندفع نحوها، واحتضنها بشدة، وكأنما يحاول أن يسترجع تلك اللحظات الضائعة. كان قلبه يصرخ داخل صدره، لكنه كتمها حتى لا تضعف قوته أمامها.
"أنا صالح يا أمي، أنا ابنك صالح."
بكت سميرة، وعلى قدر ما بكت، كانت دموعها مختلطة بألم السنين التي مضت، وقالت بصوت متقطع:
"صالح؟ ابني حبيبي الحمد لله على سلامتك يا نور عيني."
لكن نظراته لم تكن مليئة بالفرحة، بل كانت مليئة بالحزن، وكانت كلماتها تثير في داخله مشاعر متناقضة. "إيه اللي حصل يا أمي؟ البيت ما بقاش زي الأول ليه؟ فين اللمة؟ فين الضحكة الحلوة؟ وفين الزحمة و الدوشة؟"
حركت سميرة رأسها بحزن، وقالت بصوتها الذي كسرته السنين:
"خلاص يابني، الدنيا اتغيرت وما بقتش زي الأول. الناس ما بقوش زي زمان. لا الصغير بقى بيحترم الكبير، ولا الكبير يشيل هم الصغير. كله دلوقتي بيفكر في نفسه وبس. الحسد والطمع بقى أكتر من الحنية. الدنيا اتغيرت قوي."
ابتلع صالح الكلمات بصمت، ثم مسح دموعه وقال: "عندك حق يا أمي. الدنيا خدتنا منكم، ونستنا أحلى أيام عمرنا. اتخلينا عن حاجات كتيرة بسبب طموحاتنا الزايدة. من وقت ما زادت وسائل التواصل، قل السؤال، وبنضيع عمرنا بين أربع جدران."
جلس صالح على الأريكة جوار أمه وأشار لأولاده ليتجمعوا حولهم. كانت السماء قد بدأت تميل للون الغروب، والنور الخافت الذي تسلل من النافذة أضاف لمسة هادئة للمكان. كانت عيون أولاده تلمع بالفضول، وبينما هم يلتفون حوله، تساءلوا ببراءة عن حياة والدهم التي كانت بعيدة عن عالمهم المألوف.
قال أحدهم:
"ده المكان اللي حضرتك عشت فيه يا بابا؟ بس شكله قديم قوي.
وقال الآخر.
ـ يعني إيه كلمة فلاح يابابا؟.
ابتسم صالح بحزن خفيف، ثم نظر إلى الأرض وكأن ذاكرة بعيدة عادت إلى ذهنه فجأة. تنهد قليلاً وأجاب، وهو يراقب بعيون غائمة المسافة بينه وبين أولاده:
لغاية قريب جدًا، كان معظم الناس في مصر فلاحين، وكان الفلاح هو أصل الشعب كله. كلمة "فلاح" في الأصل تعني الشخص المجتهد، اللي بيشتغل بجد ويبذل كل طاقته، وبيكون ذكي في عمله. لكن للأسف، مع مرور الوقت، الكلمة اتحرفت وبقت تُستخدم بشكل سلبي أحيانًا، وبيتم إطلاقها على الناس اللي ممكن يبان عليهم السذاجة أو الحشرية أو حتى عينهم وحشة. مع إن الكلمة دي في الأصل كانت تعني النقاء، الكرم، والجدعنة. لكن مع مرور الزمن، الكل بدأ يحس بالعار منها، رغم إنها كلمة مليانة معاني طيبة وجميلة.
ثم ابتسم بحزن خفيف،نظر إلى أمه وقبّل يداها المجعده.وذاكرته عادت إلى ذهنه. تنهد قليلاً وقص على أولاده بعض الذكريات وقال.
زمان كان في البلد، أي زوجة تقول لأخو زوجها "يا عمي" حتى لو كان أصغر منها بـ 20 سنة، وأخت الزوج اسمها "عمّة"، دي كانت مودة وحب، مفيش قهر ولا استعباد، كان كله حابب بعضه.
دلوقتي، الناس بقت مش قادرة تحترم حتى أقرب الناس ليهم، والدنيا بقت مليانة تجريح وغرور، كل واحد شايف نفسه أهم من التاني.
زمان، أي راجل كان له هيبه رغم ملابسه اللي كانت بسيطة، كان يقول لأي ست أكبر منه "يا خالة"، حتى لو كانت مش قريبة ليه، سواء كانت جارتهم أو حد غريب، وده كان برضو تقدير ومحبة.
دلوقتي، الناس بقت فاكرة إن الاحترام دايماً لازم يكون له مقابل، ومش كتير اللي يعرفوا يظهروا احترامهم للآخرين بدون مصلحة.
زمان، العم كان بيتقاله "أبوك فلان"، والجد كان بيتقال له "سيدي فلان"، أي راجل عجوز كان له احترام خاص، وحتى لو ما كانش قريب، كان بيسمع "يا سيدي".
دلوقتي، الجيل الجديد بقى يتجاهل الحكمة والخبرة، والناس العجائز مبقاش محل تقدير زي زمان.
زمان، الابن حتى لو كان أستاذ في الجامعة، كان يبوس إيد أبوه وأمه وعمه الكبير وخالته وعمته الكبيرة، ويعبر عن احترامه ليهم بأفعال مش بالكلام فقط.
دلوقتي، بقى من النادر تشوف الود دا بين الأبناء وآبائهم، والاحترام بقى مجرد كلام مش أفعال.
زمان، لو حد تعب، كانت البلد كلها تتقلب، الكل يعزي ويجهز الأكل للضيوف اللي جايين من بره البلد. الفرح كان كل الناس بتحضر فيه، مفيش دعوات ولا قاعات، البلد كانت هي القاعة.
دلوقتي، الناس بقت بتعيش في عزلة، وحينما يحدث شيء، كل واحد مشغول بنفسه، ولا اهتمام جماعي زي زمان.
زمان، الناس كانت تصحى من الفجر، تشيل العدة عالحمار وتربط البهايم في العربية، والأرض العطشانة كانت تشرب، والري كان بيشتغل مع صوت الديوك. كان كله بسيط وطبيعي.
دلوقتي، الحياة بقت مليانة ضوضاء ومشغوليات، وكل شيء بقى في عجلة، مفيش وقت للحاجات الطبيعية اللي كانت موجودة زمان.
زمان، لو كنت جايب حاجة من الأرض، لازم تعزم الناس اللي تقابلهم، وتقولهم: "خد لك شوية قمح، أو خديلك مكيال رز"، كان دايماً فيه تبادل للنعمة.
دلوقتي، الناس بقت أكثر انشغالاً بأنفسهم، ومفيش علاقة حقيقية مع الجيران ولا الناس في الشارع.
زمان، الناس كانت بتنام بعد العشا، إيديهم كانت خشنة ومشققة، وكانت نامية بابتسامة، مفيش لا أدوية نفسية ولا هموم تافهة زي النهاردة، ولا كان في حاجة اسمها "تغيير جو" أو "الاستجمام".
دلوقتي، الحياة بقت مليانة ضغط، والناس بقت تتعب نفسيًا وجسديًا، وكل واحد مشغول بنفسه ولا يعرف معنى الراحة الحقيقية.
زمان، كانت الضحكة بتطلع من القلب، والكلام كان طيب، وكان الناس يقولوا: "صباحك نادي، خلّي عنك، العوافي، من يد ما نعدمهاش".
دلوقتي، الضحكة بقت نادرة، والكلمات الطيبة بقت أقل، وكل واحد مشغول بأموره الشخصية.
زمان، كان فيه طرنبّة مياه عمرها أكبر من أي بلد على الخليج، وكان فيه شجرة أكبر من أمريكا، وكل شيء كان بطيء وثابت.
دلوقتي، التكنولوجيا والتطورات قلبت الحياة رأسًا على عقب، بس من غير ما تبقى لها نفس القيمة.
زمان، الوجوه كانت بتعرف تبتسم، والأعمار الكبار كانت مليئة بالحكمة. الأطفال كانوا ياخدوا الحكم من جدودهم، مش من الكتب الأجنبية.
دلوقتي، الناس بقت مشغولة بكل شيء غير المهم، وأصبحنا ننسى الحكمة الحقيقية اللي كانت موجودة في الأجيال الماضية.
زمان، كان فيه أدب وخجل، وفيه حياة، والأشياء كانت بتمشي بروح الجماعة. كان زمان فيه حاجات أكتر من اليوم، ويفضل فيه حياة حقيقية رغم كل التغييرات.
دلوقتي، المدينة جابت مع التطور فوضى في العلاقات، وكل واحد مشغول بمظهره ومصالحه الشخصية، الدنيا بقت أكثر عزلة، والشعور بالجماعة اختفى.
خلاص، هييجي وقت وتحس إن الناس بتتغير، لكن إحنا دايمًا هنتذكر زمان.
ونصيحتي ليكم ياولا.
لما تيجوا تحوشوا لحاجات لبكرة، ما تحوشوش فلوس ولا دهب ولا أراضي ولا بيوت. حوشوا الناس اللي قلبها طيب واللي بيحبوا بعض بصدق. حوشوا عيلة تكون خير سند ليكم، وأصحاب صادقين جنبكم. حوشوا ناس طيبة ونقية، اللي يبادلوكم الحب والاهتمام بجد. افتكروا دايمًا إن البيت مهما كان كبير أو فاخر، لو كان بعيد عن ناسك وأهلك، ما لهش قيمة.💔
كل حاجة زمان كانت أحلا حتى إحنا.💔
النهايه.