رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الثالث والعشرون
في منزل عبد الحق بالزقــــاق الضيق ،،،،
إتجهت إحســـان إلى باب المنزل بعد أن سمعت قرع الجرس ، ثم فتحته ونظرت إلى الواقفة أمـــامه بنظرات حادة وهي تهتف بجدية :
-خشي يا أم نجاح ، أنا مستنياكي من بدري !
إبتسمت لها إبتسامة سخيفة وهي تجيبها قائلة :
-ماشي يا أم عبده ، يا رب يا كريم
بخطوات متثاقلة ومتهادية - بسبب جسدها الممتليء - ولجت القابلة (الداية ) " أم نجـــاح " إلى الداخــل ، وتسألت بتلهف :
-خير يا أم عبده ، ابنك جالي على ملى وشــه يقولي إنك عاوزاني
أشـــارت لها بيدها وهي تقف أمامها مُجيبة إياها بجدية :
-تعالي عاوزاكي في حاجة مهمة !
ثم إلتفتت حولها لتنظر نحو الباب ، وتسألت بفضول :
-بس الواد عبده فين ؟
لوحت بيدها للخلف وردت عليها بنبرة عادية :
-راح يجيب فكة للأسطى لأحسن مكنش معايا فكة
مطت فمها في إستجهان وهي تتابع :
-ممم... طيب
جلست الإثنتين على الأريكة ، فتسألت أم نجــاح بجدية وهي تُعيد لف حجابها المتدلي حول رأسها :
-ها ، في إيه ؟
لوت إحســـان فمها في تأفف وهي تجيبها بـ :
-البت المزغودة مرات الواد ابني ، بتقول إنها حبلى ، وأنا عاوزاكي تكشفي عليها قصادي وتأكديلي إن كانت بتتكلم جد ولا .. ولا بتكدب
قطبت جبينها في إستغراب ، ثم هزت حاجبها بحركة مستنكرة وهي تردف بـ :
-هو الحاجات دي فيها كدب يا أم عبده ؟!!
ربتت على فخذها وهي ترد بنزق :
-ماهو عشان كده جيباكي ، ما أنا أصلي مش مطمنة لعمايلها ، دي بت مش سهلة ، وأنا أدرى بيها !
هزت أم نجــاح رأسها – وكأنها تؤيدها في رأيها – وردت بخفوت :
-وماله يا حبيبتي ، غالي والطلب رخيص !
نهضت إحســـان أولاً من على الأريكة ، وإتجهت صــوب غرفة ابنها عبد الحق ، ودقت على الباب بقوة وهي تهتف عالياً بـ :
-بت يا بطة ، افتحي الباب ، خالتك أم نجاح هنا !
أجابتها بصوت مرتفع من الداخل بـ :
-الباب مفتوح يا حماتي
أدارت المقبض ، ودفعت الباب للخلف بكف يدها ، ورمقت بطة بنظراتها المستفزة وهي تتابع بصوت آمـــر بـ :
-افردي ضهرك على السرير عشان تكشف عليكي
زمت شفتيها وهي ترد عليها بإستسلام :
-طيب
إستدارت إحســـان برأسها للخلف ، وظلت مسنودة بذراعها على الحائط الملاصق للباب ، وهتفت بصوت مرتفع :
-يالا يا أم نجـــاح ، البت جاهزة
صاحت أم نجـــاح بنبرة حماسية وهي تنهض عن الأريكة :
-حاضر يا أم الغالي
ثم إتجهت صـــوب الغرفة المشـــار إليها ، وأردفت بنبرة فرحة وهي تلج للغرفة :
-بسم الله الرحمن الرحيم ، يا رب يا كريم ، هات البشرى من عندك !
حدقت إحســـان في زوجة إبنها شزراً ، وحدثت نفسها بتوعد وهي تلوي فمها للجانبين بـ :
-آه لو طلعتي بتكدبي عليا يا بنت الـ *** هاطلع عين أمك وعين اللي جابوكي كلهم !!!
.................................
في قصـــر عائلة الجندي ،،،،،
أسرعت المدبرة عفاف نحو بوابة القصر الرئيسية بعد أن بدلت ثياب عملها ، وأشـــارت لحارس الأمن بيدها وهي تصرخ عالياً بـ :
-افتح البوابة بسرعة
تعجب حــارس الأمن جمـــال من حــالة الهلع التي أصابت تلك المدبرة الهادئة ، فوقف أمامها بجسده ، وســد عليها الطريق سائلاً إياها بجدية بـ :
-في إيه يا مدام عفاف ؟
نظرت له بأعين مرتبكة وهي تجيب بنبرة قلقة :
-في مصيبة حصلت للباشا أوس
إتسعت مقلتيه في رعب ، وفغر فمه قائلاً :
-إييييه ؟!!!!
أشـــارت له بعينيها وهي تردف بتلهف :
-وقفلي تاكسي بسرعة يا جمال
ثم إنحنت برأسها للأسفل لتبحث في حقيبة يدها عن حافظة نقودها
مسح جمـــال على وجهه ، وسألها بتوتر :
-فهميني بس حصل للباشا إيه ؟
رفعت رأسها في إتجاهه ، وأجابته بنبرة قلقة :
-أنا معرفش حاجة ، أنا رايحة الوقتي على مستشفى الجندي أشوف حصله إيه
هــز رأسه وهو يضيف بنبرة جـــادة :
-طب طمنينا لما تعرفي
-حاضر
ثم أشــــار لها بكف يده لكي تقف ، ومن ثم أردف بصوت جاد :
-استني هابعت معاكي حد يوقفلك تاكسي من على أول الشـــارع
إبتسمت له بإمتنان وهي تقول :
-الله يكرمك يا جمــال
.............................
في مشفى الجندي ،،،،،
وقف الطبيب مؤنس أمــــام فراش أوس ، وعلق التقرير الطبي المسنود على اللوح المعدني في طرف الفراش ، ثم إستدار برأسه ليحدث الممرض بنبرة رسمية بـ :
-الدواء ده يتاخد كل 6 ساعات ، ويمنع الزيارة نهائي عنه لحد ما د. مهاب يبلغنا هنتصرف إزاي
أومأ الممرض برأسه موافقاً وهو يجيبه قائلاً :
-حاضر يا دكتور
مط الطبيب مؤنس فمه للأمـــام وهو يتابع بـ :
-مممم.. مؤشراته الحيوية كويسة !
ثم صمت للحظة قبل أن يكمل بجدية :
-والجرح اللي في ايده يتغير عليه يوم بعد يوم
-تمام يا دكتور
تنحنح مؤنس بصوت خشن قبل أن يتابع بإهتمام :
-وخلي ممرض هنا يتابعه بإستمرار ، وممنوع حد يدخله حتى لو كان مين ، مش عاوز أي تقصير لحد ما تجيلنا الأوامر من الدكتور مهاب نفسه !
-أوكي يا دكتور
إتجه الطبيب مؤنس ناحية باب الغرفة ، وحانت منه إلتفاتة من رأسه للخلف ، وإبتلع ريقه بتوجس ، ومن ثم قال :
-المشكلة دلوقتي لما يفوق ، صعب أوي نتنبأ بتصرفاته ، أو نسيطر عليه !
..................................
في ملهى مـــا ،،،
جلست لوزة تحتسي الخمر بشراهة لا تدري كم تجرعت من الكؤوس ، وكم إرتشفت من الخمر حتى تنسى ، ولكن مــازال يؤلمها بشدة ما حدث معها ..
أردفت بصوت متثاقل وهي تبكي بمرارة :
-مش هاسيبك يا أوس ، لازم أعرف مين اللي خدتك مني ، وفضلتها عليا !
إرتشفت مجدداً من كأسها ، وتابعت بصوت مختنق :
-إنت ليا وبس ، مش بعد اللي عملته ليك أترمي كده ، ده أنا أموتك .. هاموتك !!
اقترب فــــارس منها ، ونظر لها بإزدراء وهو يمط شفتيه ..
ثم جلس على المقعد المجــاور لها على الـ ( بـــــار ) ، وهتف بهدوء :
-مش كفاية كده ، ده أحنا لسه في أول الليل !
نهرته بحدة وهي تشير بإصبعها :
-محدش يقولي كفاية ، أنا .. أنا هاشرب زي ما أنا عاوزة
زم فمــه بإنزعاج وهو يرد عليها بـ :
-يا لوزة أنا خايف عليكي ، محدش يستاهل انك تعملي في نفسك كده !
رمقته بنظراتها الساخطة وهي تتابع بصوت ثقيل :
-اسكت خالص ، إنت مانفعتنيش بحاجة
نفخ في ضيق وهو يرد عليها :
-يعني عاوزاني أعمل إيه اكتر من اللي طلبتيه ؟
مـــالت برأسها على رخامة البـــار ، وأغمضت جفنيها ، وهتفت بصوت مختنق :
-إنت .. إنت معرفتش توقعه !
لف رأسه للخلف ، وتجرع جرعة كبيرة من كأسه ، قبل أن يتجشــأ قائلاً :
-أهوو طلع مش فارق معاه أخته ولا حتى عيلته كلها ، كله بلح معاه !
كورت قبضتيها ، وصرت على أسنانها قائلة بتهديد صريح :
-عاوزة أعرف مين خدته مني ، وانا أحرق قلبه عليها ، وأحرقه هو كمان ، النار اللي جوايا مش هاتبرد إلا لما أشوفه مكسور ومذلول قدامي !
نظر لها ببرود ، ثم تنهد بضيق وهو يردف بـ :
-طب ما تروحي بيته ، وشوفي هي مين
نظرت له من طرف عينها ، وقالت بسخط :
-ابن الـ *** خلي البواب يمنعنى من دخول البرج ، مش عارفة أروحله ، ولا أشوف بنت التيت اللي ماشي معاها ومخليها مكاني في شقته ، آآآآه .. عاوزة أولع فيه .. آآآآه !!!
-ممممم...
تابعت هي بنبرة مغلولة والشرر يتطاير من عينيها :
-على أخــر الزمن بعد ما كنت بأشوف كيفه لسنين على أمل إني أبقى حاجة معاه ، أتهان ومعرفش اخد حقي منه ، لأ وغيري على الجهاز يبلفه .. آآآآه !!
إبتسم لها فـــارس إبتسامة ماكرة ، ثم أردف بجدية :
-طب ايه رأيك لو أنا بلفت البواب وخليتك تروحي هناك وتشوفي مين دي
إنتصبت في جلستها ، ورمشت بعينيها وهي تسأله بحماس مفاجيء :
-بجد ؟
إزدادت إبتسامته الواثقة إتساعاً ، وتابع بخبث :
-أه طبعاً ، وهو أنا أقدر أشوفك كده قدامي وما أتصرفش !
.........................
في مشفى الجندي الخاص ،،،،
وصلت المدبرة عفاف إلى بوابة المشفى الرئيسية ، وترجلت من سيارة الأجرة بعد أن ألقت بالأجرة للسائق ، وإعتذرت له بصوت شبه عالي قائلة :
-معلش يا بني ، مستعجلة !
ثم ركضت في إتجــاه الإستقبال ..
كانت علامات الخوف الممزوجة بالتوتر جلية على تعبيرات وجهها ..
فهي الوحيدة الملمة بما فعله رب عملها مع تقى ..
وهي الوحيدة التي حضرت مراسم عقد قرانهما ..
هي لا تعرف ما الذي صـــار لكلاهما ليتحول الأمر من زواج إلى تواجدهما بالمشفى ...
وقفت تلهث أمـــام موظفة الإستقبال ، ثم سألتها بصوت متقطع :
-أنا .. أنا جاية للباشا أوس الجندي ، أنا .. أنا مديرة القصر بتاعه
أومـــأت الموظفة برأسها وهي تجيبها دون تردد :
-أها .. أوس باشا الجندي محطوط تحت الملاحظة ، وكل الأطباء هنا تحت خدمته
إبتلعت ريقها ، ونظرت له بأعين زائغة ، وسألتها بخوف :
-هو .. هو حصله إيه ؟
تنهدت بخفوت قبل أن ترد بجدية :
-إنهيار عصبي حــــاد
إتسعت عينيها في صدمة رهيبة ، وهتفت بذعر :
-يا لهوي ، وده .. وده خطير ؟
هزت رأسها مرة واحدة وهي تجيبها بصوت شبه حزين :
-أيوه ، بس زي ما قولتلك كل اللي شغالين هنا حاطين أوس باشا تحت رعايتهم
وضعت عفاف كف يدها على مقدمة رأسها ، وغمغمت مع نفسها بخوف ..
وخفق قلبها برعب حينما توجه عقلها تلقائياً للتفكير في تلك البريئة النقية ..
نظرت بخوف للموظفة ، وسألتها بصوت مرتجف :
-طب .. طب في بنت كانت جاية معاه اسمها تقى ، تعرفي مالها ؟ ولا حصلها إيه ؟
لوت شفتيها للجانب وهي تجيبها بآسى :
-أهــا .. للأسف البنت حالتها حرجة شوية .. !!
اضطرب قلبها على الفور ، وشهقت بفزع ، وكتمت صراخها داخل جوفها ، وأغلقت فمها بكف يدها..
شعرت عفاف بصعوبة في التنفس وهي تتخيل الأسوأ ..
شحب لون وجهها ، وإرتجفت شفتيها .. وتبدل حالها للخوف ..
بتردد حقيقي أزاحت يدها عن فمها ، وتنفست بعمق ..
ثم سألتها بنبرة ذعر حقيقية بدت أيضاً في عينيها :
-حصلها إيه ؟ طمنيني عليها ؟
أطرقت الموظفة رأسها للأسفل ، وهتفت بجدية :
-مقدرش أقولك ، في أوامر مشددة محدش يتكلم عنها
وضعت عفاف يديها المرتعشتين على السطح الرخامي لمكتب الإستقبال ، وتوسلت لها بأعين دامعة :
-يا بنتي الله يكرمك طمنيني ، هي مراته على فكرة ، وأنا .. وأنا عارفة ده !
نظرت لها الموظفة بقلق ، فقلما يعرف أحـــد بهوية تلك المريضة ذات الوضع الحرج ...
عبثت بالأوراق المتراصة أمامها ، وردت بإرتباك :
-بس آآ...
قاطعتها عفاف بصوت متوسل وهي تنظر لها بأعينها الدامعة :
-قوليلي وأنا مش هافتح بؤي بحرف
تلفتت الموظفة حولها بريبة ، وأدرفت بخفوت بعد أن مــالت برأسها في إتجاهها :
-هي .. آآ.. هي اتعرضت للإغتصاب
جحظت عينيها في ذهــــول ، وشهقت قائلة بصوت مصدوم :
-اييييييييييييييه !!
وضعت الموظفة كفها على يد عفاف ، وقالت لها برجـــاء وهي تتلفت برأسها :
-أرجوكي اهدي ، مش عاوزة حد يعرف إني بلغتك ، مدير المستشفى منبه عليا ، وإنتي كده هاتضريني
إختنق صوتها وهي تتابع بحسرة :
-يا عيني عليكي يا تقى ، ده اللي أنا كنت خايفة منه
توسلت لها الموظفة بصوت مرتعد وهي تنظر لها بحدة :
-يا مدام اهدي ، إنتي كده هاتقطعي عيشي
إنهمرت العبرات لا إرادياً على وجنتيها ، وتنهدت بصوت مكتوم ، وهتفت بصدمة :
-أسفة يا بنتي ، بس .. بس تقى دي غلبانة وماتستهلش اللي حصلها
هزت رأسها موافقة إياها ، وتابعت بصوت أسف :
-ربنا معاها ، ماهو الباشا الظاهر ماستحملش اللي حصلها فإنهار !!!
رمشت بعينيها غير مصدقة ما سمعته أذنيها للتو ، وقالت بذهول حقيقي :
-هــــاه ..!
إبتلعت الموظفة ريقها ، وخشيت أن ينتبه أحد لها ، لذا أردفت بجدية :
-عامة يا مدام أنا بلغتك باللي عندي
كفكفت عفاف عبراتها ، وسألتها بحزن :
-طب أقدر أطلع أشوفهم وأطمن عليهم
هزت الموظفة رأسها نافية وهي تجيبها بصرامة :
-صعب حالياً
هتفت عفاف بإصرار وهي تكور قبضة يدها :
-مقدرش أسيب حد فيهم من غير ما قلبي يطمن عليهم
نظرت لها الموظفة بتمعن ، فوجدت صدق تعبيراتها واللهفة الواضحة للإطمئنان على كليهما ، لذا لم تردْ أن تتجادل معها أو تعترض ، فأردفت بهدوء :
-طيب .. أنا هاشوف أوامر مدير المستشفى ، و هأبلغك
نظرت لها عفاف بإمتنان حقيقي ، وهتفت بخفوت وهي تشير بيدها للخلف :
-ماشي يا بنتي ، وأنا هاقعد هنا أستنى هايقولك إيه
.........................
في قصـــر عائلة الجندي ،،،،
دار حـــارس الأمن جمـــال حــول بوابة القصر مراقباً الأوضــاع بنظرات حادة كالصقر ، ورغم إنتباهه إلا أن عقله كان مشغولاً في التفكير فيما حدث لأوس الجندي ..
كان متردداً في إبلاغ زميله الأسبق " أحمد ".. ولكنه وعده أن يطلعه على الجديد لعله يشعر بالإرتياح بعد تعرضه للطرد والضرب منذ فترة ..
في النهاية حسم أمره بإخباره ، فلن يضيره الأمــر في شيء ..
لذا وضع هاتفه المحمول على أذنه بعد أن ضغط على زر الإتصـــال بــه .. وأخذ يراقب من حوله بحذر ..
وما إن سمع صوته حتى هتف بجدية :
-ألوو .. أيوه يا أحمد !
سأله أحمد بفتور وهو يفرك أذنه الأخــرى :
-خير يا جمال ، في حاجة ؟
أخفض جمــال نبرة صوته وهو يتابع بـ :
-عندي ليك أخبار معرفش إن كانت هاتفيدك ولا لأ ؟
تجهم وجـــه أحمد ، وسأله بإهتمام واضح :
-أخبار ايه ؟
صمت جمـــال لثانية قبل أن يتابع بصوت خافت :
-الباشا أوس دخل المستشفى
إرتسمت علامات الصدمة على وجـــه أحمد ، ورفع حاجبيه للأعلى ، وهتف بعدم تصديق :
-ايييه
-زي ما قولتلك
ابتلع ريقه وهو يسأله بفضـــول أشد :
-طب ليه ؟
هــز جمــال كتفيه في عدم معرفة ، وهتف بنبرة عادية :
-مش عــارف ، بس عفاف راحت تشوفه
-هـــاه ..
تحمس جمــال وهو يكمل بنبرة تحمل التشفي :
-أنا قولت أبلغك يمكن تفرح فيه بعد اللي عمله فيك
إبتسم أحمد إبتسامة زائفة وهو يرد عليه قائلاً :
-أه ومــاله ، كتر خيرك ، ماهو ربنا مش بيسيب
-عندك حق .. يمهل ولا يهمل
-تسلم يا جيمي على أخبارك الحلوة
مســـح جمــال فمه بإصبعيه ، وأردف بجدية :
-أديني شوفتك أهوو ، ابقى افتكرني
هــز رأسه وهو يعيد وضع الهاتف على الأذن الأخرى ليتابع بإهتمام :
-طبعاً ، على كده مافيش اخبار عن البت تقى ؟
قطب جمــال جبينه وهو يجيبه بتحذير :
-لأ .. مافيش جديد عنها ، ويا ريت تنبه على أمها ماتجيش تاني هنا بدل ما تتبهدل
رمش أحمد بعينيه وهو يســأله بنبرة جادة :
-هي جت عندك ؟
نفخ جمـــال بضيق وهو يجيبه :
-أه ، وأنا مشيتها .. عـــارف لو كان حد من البهوات شافها ، كان ممكن الولية دي تروح في أبو نكلة
حك أحمد رأسه في إنزعــاج ، وبرر موقفها قائلاً :
-معلش قلبها محروق على بنتها
تلفت جمــال حوله ، وأردف بريبة :
-أها .. بقولك إيه أنا هاقفل لأحسن حد ياخد باله
هتف أحمد بنبرة ممتنة :
-ماشي يا كبير ، وأنا .. وأنا متشكر ليك
رد عليه بإيجـــاز وهو يتجه نحو غرفة الحراسة :
-ماشي ، سلام
أخـــذ جمـــال نفساً مطولاً ، وزفره على عجـــالة ، ثم تمطع بذراعيه قبل أن يدس هاتفه في جيبه ، ويقف في مكانه ليتابع نوبة حراسته ..
....................................
في منزل عبد الحق بالزقـــــاق الشعبي ،،،،
فحصت أم نجــــاح ( الداية ) بطة بدقــة بعد أن غطت جسدها بالملاءة ، وجلست على مقعد ملاصق للفراش ، بينما راقبتهما إحســـان بوجه شبه متشنج ...
رفعت نجـــاح رأسها في إتجاه بطة وطلبت منها بجدية :
-افتحي رجلك شوية
-طـ.. طيب
-ايوه كده ..
إشرأبت إحســـان برقبتها للأعلى لترى بدقة ما الذي تفعله أم نجـــاح ، وسألتها بغلظة :
-هـــا إيه الأخبـــار ؟
إستدارت أم نجـــاح برأسها ناحيتها ، وأردفت بهدوء :
-سيبني أشوف شغلي يا أم عبده ، وهاتلي كوباية مياه لأحسن ريقي ناشف
مطت شفتيها في إستخفاف ، وردت عليها بجمود :
-أطمن بس على البت الأول ، وأجيبلك اللي إنتي عاوزاه
نهرتها أم نجـــاح بضيق زائف وهي تشير برأسها :
-يا أم عبده بأقولك ريقي ناشف ، وهو أنا هاهرب منك
ردت عليها على مضض وهي تحدج بطة بنظرات إحتقارية :
-ماشي
تابعتها أم نجــــاح بنظرات ضيقة إلى أن خرجت من الغرفة ، ثم غمزت لبطة بطرف عينها ، فإبتسمت الأخيرة لها ، وهمست :
-زي ما وصيتك يا أم نجاح
بادلتها أم نجــاح نفس الإبتسامة الماكرة وهي ترد بخفوت :
-اطمني يا بت
-خلاص ، متفقين
تنحنحت بصوت خشن ، وتابعت بصوت حاسم :
-طب يالا اعملي اللي هاقولك عليه
-ماشي
رفعت أم نجــــاح من نبرة صوتها قليلاً وهي تقول :
-يا بت اسمعي الكلام وإتني رجلك شوية خليني أشوف
هتفت بطة بصوت مرتفع وهي تدعي الإرهـــاق :
-ما أنا تنياها
-أيــوه، كده كويس .. ممم
دلفت إحســــان للغرفة وهي ممسكة بكوب معدني مليء بالمـــاء ، وأسندته على الطاولة ، وحدقت بنظرات جاحظة في جســد بطة المتكشف أمامها محاولة معرفة ما الذي تفعله أم نجاح ..
إنزعجت بطة من نظراتها الجريئة ، ورمقتها بنظرات ساخطة ، فهذه السيدة لا تتوقف أبداً عن التلذذ برؤية عوراتها دون أدنى شعور بالخجل ...
إرتسمت علامات السعادة بالإضافة إلى ابتسامة عريضة على وجــه أم نجاح وهي تهتف بـ :
-نقول مبروك يا أم عبده ، لووولوووولي
شحب لون وجهها ، ونظرت لها بإندهاش وهي تصرخ بصدمة :
-إيييييه ؟ قصدك ايه
ضحكت أم نجاح وهي تردف بفرحة :
-النبي حارسها حبلى ، والبشارة أهي
هزت إحسان رأسها معترضة ، وإحتجت قائلة :
-إزاي ؟!!!!
ضيقت أم نجـــاح عينيها في تعجب زائف ، وأردفت بنزق :
-الله مش متجوزة من ابنك ، وأعدين ليل نهار سوا وفي حضن بعض !
إرتبكت إحســـان من ردها ، ولم تعرف بماذا تجيبها .. فهل التي كانت تتلصص على إبنها وزوجته ليل نهـــار لتحول دون جلوسهما معاً .. وكانت تتفنن في إزعاجهما حتى لا ينفرد بها ، إذن كيف حدث هذا ؟
أجابتها بصوت متقطع وهي قابضة على عباءتها المنزلية :
-آآ.. أه .. بس آآ...
هتفت أم نجــــاح بفرحة عارمة وهي تلوح بيدها :
-قولي بقى إنك عاوزة تكلي عليا الحلاوة ، لأ وحياة عبده ابنك ، مش هتنازل عن إنك تحلي بؤي
إبتلعت إحســــان ريقها بتوتر شديد ، ولم تنتبه لما تقوله الأخيرة ، فهي أكثر الناس إدراكاً أن ابنها لا يُجامع زوجته لأنها تتعمد إفســـاد لحظاتهما معاً ، فكيف لها أن تحمل ؟
تنهدت بطة في إرتيـــاح ، وإعتلى ثغرها إبتسامة لئيمة وهي ترمق إحســـان بنظرات متشفية ، فقد إكتملت خطتها ...
............
◘◘◘ كعادتها كل يوم ، تذهب بطة لشراء الخضراوات وما ينقص من لوازم المنزل من السوق القريب ..
ولأن والدة زوجها كانت تضيق عليها الخنـــاق ، وتعاملها معاملة يندى لها الجبين ، فلم يعد أمامها أي مفر سوى الإنتقام منها ، وخاصة أن والدتها رفضت أن تقف إلى جوارها ، أو حتى تدعمها في قرار الإنفصــال عن زوجها الضعيف في الشخصية وفي كل شيء ..
لذا قررت أن تشرع في تنفيذ مخططها البسيط ..
توجهت هي إلى منزل القابلة المعروفة في المنطقة ، ولكن خلسة .. دون أن يعرف أي أحد عن تلك الزيارة السرية ، واتفقت معها على أن تدعي هي الحمل ، وتدعمها الأخيرة في هذا .. مقابل مبلغ مادي ..
في البداية رفضت أم نجـــاح أن تشاركها ، ولكن أصرت بطة بصوت مختنق بـ :
-دي مطلعة عيني ومش رحماني ، ترضيها لبنتك نجاح ، ده .. ده حتى جوزي مش مهنياني عليه
تراجعت أن نجـــاح بجسدها للخلف ، وردت عليها بخوف وهي تزم شفتيها :
-أنا ماليش دعوة يا بطة ، الولية دي شلأ ( سوقية ) وأنا مش أدها !
عبست بطة أكثر بوجهها ، وترقرقت العبرات في عينيها ، ثم تابعت حديثها بنشيج :
-يعني إنتي مش عاوزة تقفي معايا ، والله ده ظلم .. إهيء .. إهيء
ثم أجهشت أمامها بالبكاء ، ووضعت منشفة ورقية على أنفها ، وظلت تنتحب بصوت مرتفع مما جعل أم نجـــاح ترفق بحالها ، وقالت بنبرة إشفاق :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ، يا بت بطلي عياط
بكت بمرارة أشــد وهي تتابع بصوت منتحب :
-هو في حد حاسس بيا
كانت عبراتها صـــادقة للغاية ، فهي الوحيدة التي تعاني من تلك الزيجة الفاشلة .. ولم يقف معها أي أحــد حتى الأقرب إليها ..
أغتيلت أحلامها قبل أن تبدأ ، وأُلقي بها في أحضان زوج لا يعرف سوى إرضــاء نفسه ومن قبلها أمه البغيضة التي تتعمد إهانتها ، والحط من شأنها ..
رأفت أم نجـــاح بها ، وقالت بتردد :
-أنا بس خايفة إنها آآآ...
أيقنت بطة أنها على وشـك إقناعها ، فهتفت بحماس مفاجيء :
-لألألألأ .. متخافيش والله ، ده أنا هحلي بؤك بس قولي إني حبلى
صمتت هي لتفكر فيما قالته ، وتنهدت بإستسلام :
-ماشي
ثم تابعت محذرة بـ :
-بس أنا مش مسئولة عن أي حاجة تحصل
إرتسمت ابتسامة مشرقة على وجه بطة ، ومسحت عبراتها المنسابة من على وجنتيها ، وهتفت بجموح :
-إنتي ملكيش دعوة ، أنا هاتعامل معاها ، إنتي دورك تأكدي إني حبلى وخلاص
أومـــأت برأسها موافقة وهي تجيبها بجدية :
-من عينيا
ثم دست بطة يدها في جيب صدرها ، وأخرجت عدة نقود مطوية ، ووضعتها في كف أم نجـــاح ، وقبضت عليه ، وهي تهتف بإبتسامة عريضة :
-وخدي دول عشانك ، مايغلاش عنك حاجة يا أم نجاح
عبست بوجهها قليلاً ، وقالت بإعتراض :
-استني أما يتم المطلوب الأول !
لم ترخي بطة قبضتها عن يدها ، وأصرت قائلة :
-لأ دول حاجة بسيطة
تهللت أســـارير أم نجــاح وهي ترى المبلغ الموضوع في كفها ، وردت بحمــاس :
-ياخد عدوينك
رفعت بطة رأسها للسماء ، وتنهدت في إرتياح وهي تجيب بخفوت :
-يا رب أمين
ثم عــــاودت النظر إلى أم نجــــاح وعلى ثغرها إبتسامة واثقة .. فقد إنتهت من الجزء الأول والأساسي في خطتها ◘◘◘
...................................
عودة للوقت الحالي ،،،،
تأوهت بطة من الآلم الزائف وهي تميل على جانبها على الفراش ، ثم همست بضعف مصطنع بـ :
-غطيني يا أم نجاح لأحسن تعبانة !
نهضت أم نجـــاح من على المقعد الملاصق للفراش ، ودثرتها بالملاءة وهي تقول بجدية :
-أهـــا .. لازم ترتاحي يا بنتي في الأول ، الشهور الأولى في الحبل بتبقى خطرة على الواحدة
أغمضت بطة عينيها وهي ترد عليها بوهن :
-أهــا
وقفت أم نجـــاح قبالتها ، ومسدت على رأسها وهي تتابع بجدية :
-وكلي كويس !
ثم إستدارت برأسها في إتجاه إحســان ، وأردفت بصوت محذر :
-ومالوش لازمة شغل البيت الكتير ، ماشي يا ست أم عبده
أجابتها إحســـان بنبرة ممتعضة وهي مكفهرة الوجه :
-هو أنا يعني بشقيها ، ما هو على يدك !
-برضوه ، الحرص واجب
في تلك اللحظة ولج عبد الحق إلى داخــــل الغرفة ، وصـــاح متلهفاً :
-هــا يامه ، إيه الأخبار ؟
إلتفتت أم نجـــاح بوجهها ناحيته ، ووضعت يدها بالقرب من فمها ، وأطلقت زغرودة عالية ، ومن ثم هتفت بفرحة :
-لوووولوووولي .. افرح يا سي عبده ، كلها كام شهر ويجيلك النانوس اللي يأؤ في البيت !
إتسعت عينيه في صدمة سعيدة ، وإرتسم على محياه إبتسامة عريضة ، وهتف بصياح وهو ينظر لوالدته :
-هــــه ، يعني ... يعني بطة حبلى يامه ؟
لوت إحســـان فمها في إمتعاض وهي ترد عليه بضيق :
-اه يا روح أمك
وضع كلتا يديه على رأسه ، وصاح بفرحة :
-يا دين النبي ، ده احلى خبر سمعته ، أنا هابقى أب يامه ، والواد جاي ... الواد جاي !!!
زمت إحســـان فمها في ضيق وهي تغمغم قائلة :
-الله أعلم إن كان واد ولا بت !!
إتجه عبد الحق إلى زوجته ، وجثى بجوارها على الفراش ، ومســـد على شعرها ، ومن ثم إنحنى ليقبلها من جبينها وهو يضيف بسعادة :
-مش فارق يامه ، المهم إني هأبقى أب
لـــوت إحســــان فمها أكثر ، وتمتمت بحنق :
-دك بو لمــا يتنفخك إنت وهي ..!!!
.....................................
وقف حــارس الأمن السابق أحمد أمـــام أحد محال البقالة ، وإلتقط علبة سجائر بإصبعيه ، ثم أعطى البائع ثمنها ، وإنصرف للخـــارج ، وأشعل إحداهم ، ونفث دخانها في الهواء ..
ثم حــك رأسه في حيرة ، فهو يريد أن يتوصــل إلى أي معلومة عن تقى ، ففكره مشغول عليها ، وقلبه يخفق لمجرد سماع إسمها ..
حدث هو نفسه بقلق بصوت مسموع بـ :
-لو أعرف أي حاجة عنها ، قلبي يرتاح ، بس هاوصلها ازاي ..!
إخـــذ نفساً مطولاً من سيجارته ، وزفره بضيق ، ثم أكمل بإهتمام :
-ممم.. جمــال قال إن أوس الزفت في المستشفى ، والمفروض تقى كانت معاه ، يبقى .. يبقى أكيد هاعرف سكتها عن طريقه ، طيب أنا أوصله إزاي ؟!
اتسعت عينيه فجــــأة في سعادة ، وتابع بحماس :
-ايوه ، مافيش إلا عفاف ، هي الوحيدة اللي هاتفيدني ، أنا أكلمها أل يعني بســأل عليها ، وأوصل منها لأي حاجة عن تقى بحجة إن أمها عاوزة تطمن عليها !
ثم إزدادت إبتسامته اللئيمة إتساعاً وهو يحدث نفسه بثقة بـ :
-بالظبط ، هو ده اللي أنا هاعمله ................................... !