رواية وانحنت لاجلها الذئاب الجزء الثالث من (سلسلة الذئاب) الفصل الخامس والعشرون
خــــارج قصر عائلة الجندي ،،،
راقبت تهاني بوابة القصر بنظرات مضطربة للغاية .. وأسندت كفها المقبوض على صدرها وتمتمت بتوتر :
-ربنا يسترها عليكي يا بنتي ويحفظك من شره !
تنهدت بصوت مسموع وهي تشرأب بعنقها محاولة رؤيتها .. وعاتبت نفسها بقسوة :
-يا ريتني ما وافقت من الأول إنك تروحي ، مش هسامح نفسي لو جرالك حاجة ، استرها يا رب !
شهقت بفرحة جلية حينما رأت ابنتها تركض للخــارج ، فتهللت أساريرها المتشنجة ، وركضت نحوها لتحتضنها ..
أدمعت عيني تهاني بشدة وهي تلف ذراعيها حول ليان ، وبكت وهي تقبلها من وجنتيها :
-الحمدلله انك كويسة
ضمت وجهها بكفيها ، وسألتها بتلهف :
-عملك حاجة ؟ أذاكي ولا آآآ...
قاطعتها ليان بصوت لاهث :
-لأ ملحقش ، بس يالا من هنا قبل ما يكتشف اللي حصل
هزت رأسها عدة مرات وهي تردد بصوت شبه مختنق :
-أيوه ، عندك حق
ثم مسحت عبراتها بكفها وهي تركب في السيارة إلى جوار ابنتها ...
...................................
في المستوصف الطبي ،،،
عاونت الممرضة السمراء الطبيب شامل في الإمســـاك بتقى وتقييد حركتها حتى لا تفلت منه ..
بينما لم تكف تقى عن المقاومة ، وإستبسلت بشراسة في الذود عن جنينها وحمايته من بطش ذلك الرجل الذي إستشعرت فيه الوجـــه الأخـــر الشيطاني لمهاب ..
أشـــار شامل بعينيه لها قائلاً بصرامة :
-جهزيلي بسرعة حقنة (( ... ))
اعترضت الممرضة قائلة بإنزعاج :
-بس لو سبتها آآ....
قاطعها بجدية وهو يحكم قبضته على تقى التي كانت تنتفض بجسدها بشراســـة لتتحرر منه :
-أنا ماسكها كويس ، روحي هاتيها
تركتها الممرضة ، وأسرعت نحو خزانة زجاجية ، ثم فتحتها وبحثت بعينيها عن الدواء المطلوب ، وأخرجته من الرف السفلي ، ثم أخذت منه البعض في إبرة طبية ، وعــادت إلى شامل الذي قبض بشدة على ذراع تقى ، وأمرها بصوت حــاد :
-اديها الحقنة دي في دراعها بسرعة
اتسعت حدقتي تقى بهلع جلي بعد كلماته المفزعة ، وتلوت بجسدها لتتفادها ، ولكن أمسكت الممرضة بذراعها ، وثبتته جيداً وهي تغرز الإبرة الطبية فيه ..
ثم نظرت لها شزراً وهي تغمغم بخفوت :
-أعوذو بالله منك ، هديتي حيلي على الفاضي
تسربت المادة الطبية عبر عروق تقى وانتشرت في جسدها ، فأشعرتها بحالة من الإرتخــاء الإجباري .. وبدت الرؤية مذبذبة بالنسبة لها
ثم تحرك شامل بها نحو المقعد المقابل لمكتبه ، وأجلسها عليه بحذر ، ثم نفخ بإرهــاق ، وسلط أنظاره على ممرضته المقيتة وهو يردد بجدية :
-شوفيلي فين مدبولي ، وابعتيه
تسائلت تقى بصوت متثاقل وهي تتمايل برأسها للجانبين :
-انتو .. انتو عاوزين مني ايه ، حــرام عليكم .. أنا .. أنا معملتش حاجة !
ردت عليها الممرضة بتهكم واضح :
-انتي اللي عاوزانا يا إدلعدي مش احنا ، وجاية هنا بخطرك ، ولا ساعة الـ آآ...
قاطعها شامل بحدة وهو يشير بإصبعه :
-روحي اعملي اللي قولتلك عليه !!
-حاضر يا ضاكتور
قالتها الممرضة بإمتعاض وهي تتجه إلى خـــارج الغرفة ...
أدمعت عيني تقى بشدة ، وشعرت بذلك الثقل الرهيب في جفنيها ، وهمست متسائلة بصوت مختنق :
-انتو .. انتو هتعملوا فيا إيه ؟
إلتفت شـــامل نحوها ، ودنا منها أكثر .. ثم مــد أنامله ليتلمس وجنتها ، وأجابها بهدوء مخيف وهو يرمقها بنظرات شهوانية :
-مش معقول واحدة زيك مش فاهمة هي هنا ليه !
جاهدت لتفتح عينيها وهي تســأله بوهن :
-انت.. انت عملت فيا ايه ؟
مـــال عليها برأســـه ، فشعرت بأنفاسه البغيضة تلفح وجهها ، فزاد شعورها بالغثيان ، وأجابها بخبث :
-ولا حاجة لســه ، وبعدين أنا مش عاوزك تقلقي معايا .. ده أنا آآ...
صمت للحظة ليتفحصها بنظرات أكثر وقاحة ، وســال لعابه وهو يتابع بدناءة :
-هاريحك على الأخـــر ، ومش هاتحسي بحاجة معايا ! ثواني وراجعلك !!
ثم اعتدل في وقفته وحدجها بنظرات أكثر مكراً ، وبرزت إبتسامته الوضيعة وهو يفرك عنقه ، ثم أولاها ظهره ، وأخــذ نفساً عميقاً وهو يتحسس صدره وتحرك نحو باب الغرفة متمتماً بإنزعـــاج :
-ايه اللي أخرك يا زفت ! هتضيع عليا الحتة الجامدة دي أونطة !
راقبته تقى بهلع كبير حتى خرج من الغرفة ، وغريزياً حركت يدها المرتخية نحو بطنها لتتحسسه ، وبَح صوتها الهامس وهي تجاهد للصراخ :
-حــ.. حد يلحقني ! سـ.. ساعدوني !
.................................
في الحارة الشعبية ،،،،
وصـــل أوس قائداً سيارته الخاصة إلى مدخل الحـــارة ومن خلفه عدي وسيارة الحراسة الخاصة .. ثم ترجل منها ، وركض ناحية مدخل البناية ...
انتبه الحارسين إليه ، وهتف أحدهما بجدية :
-مساء الخير يا باشا
لكزه أوس في كتفه وهو يندفع للمدخل قائلاً بغلظة :
-وســـع من سكتي !
ثم انطلق ناحية الدرج وأســرع بالصعود عليه ..
لم ينطق أي أحد بكلمة ، بل مضوا في طريقهم خلفه صامتين ..
وصــل أوس للطابق المتواجد به منزل تقى ، وطرق الباب عدة مرات بعنف وهو يهتف بصوت هــــادر :
-تـ.. تقى ! افتحي ، تقـــى !!
لكن لم يأتيه أي رد من الداخل ، فإنقبض قلبه أكثر .. واستمر في الطرق بعنف أشـــد ..
وقف عدي خلفه ، وأردف قائلاً بحذر :
-بالراحة يا أوس ، مش كده !
لم ينظر إليه الأخير ، بل صــاح بإنفعال وهو مستمر في الطرق بعصبية :
-تقى مش بترد !
رد عليه عدي بحرص وهو يحاول إبعاده للخلف :
-يمكن مش سامعة وآآآ...
قاطعه أوس بصوت هادر يحمل الغضب :
-كل ده ومحدش سامع ، أنا هاكسر الباب !
جحظ عدي مصدوماً ، وردد بإندهاش جلي :
-اييييه !!
لم يمهل أوس نفسه فرصة للتفكير ، بل إندفع بجسده بكل غضب نحو باب المنزل ليحطمه ، فصاح به عدي بقلق :
-استنى يا أوس !!!!!
-متقوليش استنى
قالها أوس بإهتياج وهو يدفع الباب بكتفه بقوة رهيبة لينفتح على مصرعيه ..
ثم خطى مسرعاً نحو الداخل ، وزاد خفقان قلبه برعب حينما وجد المنزل هادئاً للغاية ، وخالياً من قاطنيه ..
وبلا وعــي بحث بعينيه المحتقنتين عن تقى في الصالة فلم يجدها ، فأســرع نحو غرفتها ، واقتحمها بلا تردد .. فكانت خاوية هي الأخــرى ، فركض كالمجنون مفتشاً عنها في كل أرجـــاء المنزل وهو يصرخ بإسمها ..
توجس عدي هو الأخـــر خيفة على ليان ، وتسائل بنبرة شبه مذعورة :
-هما راحوا فين ؟ ده محدش هنا ! ولا حتى مـ.. مدام تهاني !
ثم أخــــرج هاتفه المحمول ، وبحث عن رقم تهاني ليهاتفها .. ووضع الهاتف على أذنه ، وانتظر بنفاذ صبر إجابتها عليه ..
استمع هو إلى صوتها الهاديء وهي تجيبه قائلة :
-أيوه يا عدي بيه ، أنا آآ...
قاطعها متسائلاً بصوت متلهف :
-انتو فين يا مدام تهاني ؟
ردت عليه بنبرة شبه متعجبة :
-أنا مع ليان برا البيت ، وفي الطريق أهوو
سألها بجدية مبالغة :
-طب هي تقى معاكو ؟
أجابته بإستغراب :
-لأ .. احنا سايبنها مع أمها !
صمتت لثانية قبل أن تســأله بتوجس بعد أن استشعر قلبها وجود خطب ما :
-هو .. هو حصل حاجة ؟
رد عليها بيأس :
-تقى مش موجودة في البيت ، وأوس قابل عليها الدنيا !
شهقت بصوت مسموع وهي تسأله بقلق :
-ايييييه ، راحت فين دي ؟ وفين فردوس ؟!!!
أجابها على مضض وهو يفرك رأسه :
-مافيش حد هنا خالص
هتفت بتوتر بالغ :
-طب إزاي !!
..................................................
في المستوصف الشعبي ،،،،
بداخل غرفة الطبيب ،،،،
شعرت تقى بتنميل رهيب في أطرافها بعد أن أصبحت بمفردها في الغرفة .. وبثقل كبير يجتاح جسدها .. وأنها أصبحت كالمشلولة ، غير قـــادرة على الحركة أو الفرار ..
مالت برأسها للجانب بوهن ، فلمحت بعينيها هاتفها المحمول الذي أسندته على سطح المكتب وتركته على وضعيته الصامتة ..
رأت بجفنيها - واللذين تحاول إبقائهما مفتوحين - اسم أوس يظهر على شاشته ، فكافحت لرفع ذراعها للضغط على زر الإيجاب ..
وبالفعل نجحت في هذا بعد محاولة أخيرة استجمعت فيها كل قوتها الواهنة ..
لم تتمكن من الإجابة عليه ، ولكنها سمعت صوته يصرخ بإسمها قائلاً بفزع :
-تقى .. انتي فين ؟ ردي عليا ! تقى !
حاولت أن تجيبه ، لكن خرج صوتها ضعيفاً مبحوحاً ، وغير مسموع بالدرجة الكافية ..
-ردي عليا يا تقى ، قوليلي سبتيني وروحتي فين ؟
قالها أوس بصوت منفعل للغاية ..
اختنق صــوتها ، وبكت بتحسر بعد أن أدركت صعوبة الرد عليه ...
فُتح باب الغرفة ، ودلف شـــامل إلى الداخل ومعه مدبولي ، ورمقها الاثنين بنظرات متفحصة ، فتسائل مدبولي بصوت آجش وهو يقترب منها :
-هي دي الحالة يا ضاكتور ؟
إنتبه أوس إلى ذلك الصوت الرجولي الذي سمعه تواً عبر الهاتف ، وأصغى بإنتباه تـــام له ...
رد شامل بفتور وهو يدعي البراءة :
-ايوه يا مدبولي
أمسك مدبولي برسغ تقى ، ولفه حول عنقه ، ثم مرر ذراعه خلف ظهرها ، واحنى نفسه للأسفل ليمرر الذراع الأخــر أسفل ركبتيها ، وهتف بنزق وهو يرفعها عن المقعد ليحملها :
-باين عليها مسلمة نمر على الأخــر
إلتوى ثغر شامل إلتواءة خفيفة ، ورد عليه بهدوء مصطنع :
-زي ما إنت شايف ، جيالي خلصانة خالص !
ثم تحرك خلفه وربت على ظهره ، وحدق في تقى بنظرات طامعة ، وبرزت ابتسامة خبيثة من بين أسنانه وهو يتابع بمكر :
-خدها انت بس على العمليات خليني أنجز معاها ، وأسقطها قبل ما آآآ... ما أفنش شغلي ، وأحط لمستي الأخيرة !!
نزلت كلمات ذلك الطبيب المقيت على سمع أوس كالصاعقة المهلكة ، فشهق بصوت هـــــادر :
-تقـــــــــــــــى !!!
...............................................
بحثت فردوس عن مقعد شــاغر لتجلس عليه بين المتواجدين في الإستقبال الخـــارجي بعد أن تخلت عن ابنتها ، وأسلمتها لذلك الطبيب لينفذ رغبتها ..
فركت أصابع كفيها بتوتر وهي تطالع أوجــه الجالسين ، فرأت فيهم نظرات ابنتها المتوسلة لإنقاذها ، فشعرت بغصة في حلقها ، وبتأنيب الضمير ، ولكنها حاولت إقناع نفسها أن ما فعلته هو الصواب ، وأنه كان من أجل حمايتها وإنتشــال عائلتها من بؤرة البؤس والشقاء ..
في نفس التوقيت ، ولجت المــرأة التي تم إنتهاك براءة أختها الصغرى إلى الإستقبال ومعها عدة رجـــال أشداء يحملون في أيديهم عصي غليظة وأسلحة بيضاء ...
رمقت تلك المرأة الحاضرين بنظرات متجهمة للغاية ، وصاحت متسائلة بتشنج :
-فين الضاكتور النجس اللي اسمه شامل ؟!
انتبهت فردوس إلى صوت المرأة الغاضب ، وحدقت فيها بقلق وهي تحاول فهم ما يدور ..
رأتها الممرضة السمراء ، فخطت نحوها وهي عابسة الوجه ، ولكنها لمحت الرجــال المصاحبين لها ، فإزدردت ريقها بتوتر ، ثم أجابتها بحذر :
-إنتي .. انتي عاوزاه ليه ؟
ردت عليها بإنفعال وهي تحدجها بنظرات مميتة :
-جاية أخد حق اختي منه
أضـــاف رجل ما واقفاً بجوارها بنبرة عدائية :
-مش هانسيب تار بنتنا ! وهندبحه !
شهقت فردوس مصدومة على إثر تلك العبارات المخيفة ، ورمشت بعينيها بخوف ..
تباينت ردود أفعال المتواجدين ما بين هلع واضطراب كبير .. وســادت حالة من الهرج والمرج
صرخت المرأة بإهتياج وهي تشير بكف يدها :
-طربقوا المكان على اللي فيه لحد ما تجيبوا أم الضاكتور ده هنا !
هربت الممرضة السمراء من أمامها لتطلب المعاونة من زملائها في العمل ..
هبت فردوس من مكانها مذعـــورة ، وأسرعت نحو تلك المرأة وسألتها بهلع :
-هو .. هو في ايه ؟
حدجتها المرأة بنظرات إحتقارية ، ولوت ثغرها وهي تجيبها بإزدراء :
-في إن المستوصف ده بيشغل كلاب سعرانة مش دكاترة فيه بينهشوا لحم بناتنا واحنا مش دريانين
إتسعت حدقتي فردوس مصدومة ، وسألتها برهبة :
-آآ.. قصدك ايه ؟
لكزتها المرأة في كتفها ، ودفعتها بقوة للخلف مجيبة إياها بنفاذ صبر :
-هو أنا هارغي معاكي كتير ، وسعي من سكتي خليني أشوف أمـــه ابن الـ **** ده !!!
كذلك ركض بعض الممرضين وهم يحملون في أيديهم أدوات حـــادة نحو هؤلاء الرجــال لمنعهم من إقتحام المستوصف ، فنشبت بينهم مشاجرة عنيفة تحطم على إثرها الأثاث الموجود بالإستقبال ...
حاولت فردوس الإختباء منهم والنجاة ببدنها من بطشهم ، وفي نفس الوقت الوصـــول إلى ابنتها ، والهروب من هذا المكان قبل تطور الوضــع للأسوأ ، ولكن كان الرواق المؤدي لغرفة الطبيب يعج بالرجال المتلاحمين ..
فإنقبض قلبها ، وزاد هلعها ، و.............................
وانحنت لأجلها الذئاب
الفصل الخامس والعشـــرون ( الجزء الثاني ) :
في قصر عائلة الجندي ،،،
في غرفة نوم مهاب ،،،
صــــــاح مهاب بصوت غـــاضب ومخيف حينما فتح خزينته الخاصة وتفاجيء بخلوها بالكامل من محتوياتها ...
صفق بابها بعنف وهتف قائلاً وهو يكز على أسنانه بشراسة :
-عملتيها يا ليان وسرقتيني
ضغط على رأســـه بكفه ، وأضاف بنبرة مغلولة :
-مش بعيد أمك تهاني اللي وزتك تعملي فيا كده !
ثم كـــــور قبضة يده في غضب ، وضاقت عينيه بشدة ، ثم أضاف بنبرة عدائية :
-مش هتلحقوا تتهنوا بالورق اللي معاكو ، وأنا هاتعامل مع اللي عملتوه بطريقتي !
.............................................
في الحــــارة الشعبية ،،،،
لم يعـــرف أوس كيف نـــزل على الدرج بعد تلك العبارات القاتلة التي إستمع إليها من ذلك الرجل المجهول، ولكن تراءت له صورة تقى وهي واقعة تحت رحمـــة ذئب شرس ..
لقد شعر بأن روحـــه هي الموضوعة على المحك ، وليست زوجته .. فقفز قلبه في صدره ، وتلاحقت أنفاسة بهلع .. ركض نحو مدخل البناية ، وتلفت حوله بنظرات زائغة ...
لم يفهم عدي ما الذي أصـــاب رفيقه ليتحول وجهه للقتامة ، وتشتعل عينيه كالجمرات .. فركض خلفه سائلاً إياه بتوجس :
-حصل إيه يا أوس ، رد عليا!
وقعت عيني أوس على أحد الحارسين ، فأسرع نحوه ، وأمسك به من تلابيبه ، وكـــاد يفتك به وهو يسدد له اللكمات المتتالية صارخاً بإهتياج :
-كنت فين ومراتي بتتاخد من هنا
لم يستوعب الحارس في البداية حديث رب عمله ، وحــاول صد لكماته وهو يتوسله :
-يا باشا ، أنا .. أنا كنت واقف هنا ومحدش خرج ، صدقني أنا آآ...
قاطعه أوس بصوت هــــادر منفعل للغاية :
-كـــداب ، مراتي اتاخدت قدام عينيكم ، هادفعكم التمن
تدخــل عدي ، وحـــاول إبعاده وهو يصيح قائلاً :
-سيبه يا أوس ، فهمني في ايه ؟
وبالفعل نجح بمساعدة حـــارس أخـــر في تخليص الحارس من قبضتيه ، وأرجعاه الاثنين للخلف ، فتشنج أوس بعصبية زائدة ، وصرخ بإختناق :
-تقــى بتروح مين ، هايموتوا ابني !
جحظ عدي بعينيه مصدوماً ، وتسائل بهلع :
-مين بالظبط ؟!!
رد عليه أوس بصوت صـــارخ ومحتد وهو يضغط على رأســـه بكفيه :
-مش عـــارف ، مش عـــارف !
...................................
في نفس التوقيت ، تأبط الشيخ أحمد ذراع عم عوض وهو يخرجان من المسجد وســار ببطء في الحارة ، وحدثه الأخير بصوت حزين :
-والله غرضي كان أصلح بينهم !
رد عليه الشيخ أحمد بهدوء :
-كويس انها جت على أد كده ، واحد غيره كان اتعامل بإسلوب أسوأ ، وخصوصاً إني عارف إنه مش متسامح ، ولا من النوع اللي بيسيب حقه !
ســأله عوض مستغرباً :
-وانت عرفت ازاي ده عنه ؟ وأنا .. وأنا مجبتش سيرته قبل كده ، ده غير إني مش عارفه كويس !
رد عليه الشيخ أحمد بإبتسامة ودودة :
-يا راجل يا طيب ، ده شخصية معروفة ، وحكايته هو وبنتك اتقال عنها كتير في النت وعلى التلفزيون ، فأنا لما شوفته عرفته على طول ، وحبيت أرشده لطريق غايب عن فكره ، وسبحان الله زي ما يكون كان مستني اللي ياخد بإيده ، فعلاً (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيم) ..!!
تنهد عوض بإنهاك وهو يهز رأســه بخفة :
-اه والله !!
ثم لمح الاثنين وجــــود صراخ حـــاد ومشادة كلامية من على بعد ، فتسائل الشيخ أحمد بإهتمام :
-في ايه هناك كده ؟
تهدل كتفي عوض وهو يشرأب بعنقه محاولة رؤية المشادة بوضوح ، وأجابه بصوت خافت :
-مش عارف
أشـــار الشيخ أحمد بعينيه ، وهو يردد بجدية :
-بينا نشوف
..........................................
وضـــع عدي قبضتيه على كتفي أوس محاولاً تثبيته وهو يقول بهدوء حذر :
-اهدى بس وفكر هاتكون راحت فين !
أزاح أوس قبضتيه بعنف ، وصــاح بعصبية زائدة وقد برزت مقلتيه من محجريهما بشراســـة :
-بتقولي أهدى ازاي وهما هايموتوا ابني ومراتي !!!
ســـأله عدي بتوجس :
-مين بالظبط ؟
رد عليه بإنفعال أشد :
-ده اللي عاوز أعــرفه !
ثم لوح بذراعه بغضب وهو يهتف بإهتياج :
-والبهايم اللي واقفين هنا زي قلتهم ! مراتي اتخدت منهم وهما ولا دريانين !!!
إرتسم على ثغر الشيخ أحمد ابتسامة مهذبة وهو يلقي التحية قائلاً وملوحاً بكفه :
-السلامو عليكم
-في ايه يا بني ؟
تسائل عوض بريبة وهو يطالعه بنظرات متفحصة لتصرفاته المنفعلة ....
نفخ أوس من الضيق ، ولم يعقب عليهما .. بينما ضغط عدي على شفتيه ، وأجاب بإنزعاج :
-تقى مش لاقينها ، وآآ....
قاطعه عوض قائلاً بإستغراب :
-هي كل ده مارجعتش من المستوصف ؟!
إلتفت أوس برأســه في إتجاهه ، وهتف بإندهاش غريب وقد إرتفع حاجبيه للأعلى :
-مستوصف !!!!
حرك رأســه إيجاباً وهو يتابع بهدوء :
-ايوه .. أمها خدتها تزور باين حد وأنا شوفتهم وهما رايحين ناحيته وآآ...
قاطعه أوس متسائلاً بصراخ منفعل :
-فينه المستوصف ده ؟
نظر له عوض بتعجب من إهتياجه الغير مفهوم بالنسبة له ، وإستدار برأســـه للجانب ، ورفع ذراعه ليشير قائلاً :
-هو هناك من ناحية آآ...
قاطعه الشيخ أحمد قائلا بهدوء حـــذر :
-اعذرني على مقاطعتك يا عم عوض ، أنا عارف مكانه ، تعالى معايا وأنا هادلك عليه !
وبالفعل أســـرع الجميع ناحية أحد الأزقـــة الجانبية ...
.......................................
في المستوصف الشعبي ،،،،
في غرفة العمليات ،،،،
أسند مدبولي تقى على الفراش الطبي الموضوع في منتصف الغرفة .. ووضع ذراعيها إلى جانبيها ، وإلتفت ناحية الطبيب شامل ، وســأله بفضول :
-هو الضاكتور بدران مش هايعمل العملية معاك آضــاكتور ؟
رد عليه شامل بهدوء مصطنع وهو يرمقه بنظرات محتقنة :
-لأ .. دي عملية تخصني ! عندك إعتراض ؟!
تابع مدبولي بعدم إكتراث وهو يشير بكفه :
-لأ يا ضاكتور ، خد راحتك ، و أني أعد برا ، نادي عليا لما تعوزني !
ثم سمع الإثنين صــوت صياح بالخـــارج ، فأدار كلاهما رأسيهما نحو الباب ، ومن ثم استطرد شامل حديثه قائلاً بإنزعاج :
-روح شوف الدوشة اللي برا ، وخليهم يتلموا ، احنا هنا في مستوصف ، يعني في عيانين، وعمليات محتاجة تركيز !
هز رأسه بخفة وهو يردد بإمتثال :
-ماشي يا ضاكتور
تابعه شامل وهو ينصرف من غرفة العمليات بعينين تلمعام ببريق لئيم ، ثم خطى سريعاً نحو باب الغرفة ، وأوصــده من الداخل ، وأدار جسده في إتجاه تقى الممددة على الفراش ، و فرك كفيه بإشتهاء شــاذ ، وغمغم مع نفسه قائلاً بنبرة شهوانية :
-أول مرة تقع تحت إيدي حاجة نضيفة ! وجيالي بمزاج أهلها ، لأ وهاعمل اللي عاوزه معاها من غير ما حد يفتش ورايا !
أخــــذ هو نفساً عميقاً ، وزفـــره على مهل ، ثم اقترب من فراشها وهو مسلط أنظاره الجارحة عليها ..
بدت تقى في حالة لا وعـــي وهي تتمايل برأسها للجانبين ..
فقد تمكن المخــدر منها .. وأصبحت في وضعية تحسد عليها ..
أمســـك شامل برسغها .. وتحسس ملمس بشرتها .. ثم احنى رأســه عليها ، وهمس في أذنها بنبرة أقرب لفحيح الأفعى :
-مش هاتحسي بحاجة ، هانتبسط شوية قبل ما أريحك وأرتـــاح أنا كمان !
إرتد طرفي عينيها بحركة عصبية مذعورة وهي تحاول إبعاد وجهها عنه .. لكنه ثبته بكفه ، وتابع بنبرة ماجنة :
-متخافيش ، دي زي شكة الدبوس !
تقوس فمــه بإبتسامة شيطانية عريضة ، وإعتدل في وقفته ، ومـــرر عينيه ببطء على جسدها ليتفحص ..
شعر بإثارة رهيبة تجتاحه وهو يتخيل ما سيفعله معها ، وإزدرد لعابه بهوس مقزز ..
..............................
في الإستقبال ،،،
تفاجيء مدبولي بالشجــــار العنيف الدائر بالخـــارج ، وصــاح مصدوماً وهو يتوارى عن الأنظار :
-نهار اسوح ! دي عاركة بالسيوف والشوم !
زاد تشابك الأيدي بين النســـاء وأخريات ، وكذلك الممرضين مع رجـــال المرأة الغاضبة ، وتحطم كل شيء بالخــارج ...
شهق مدبولي مذعوراً حينما شعر بيد توضـــع على كتفه ، وقفز في مكانه قائلاً بهلع :
-معملتش حاجة
-اسكت يا منيل ، دي أنا !
قالتها الممرضة السمراء بخفوت وهي تكز على أسنانها بغيظ
رمقها مدبولي بنظرات إحتقارية ، وهمس بسخط :
-هو انتي ! قطعتي خلفي بوشك العكر !
حدجته بنظرات مشتعلة وهي تهمس مغتاظة :
-لم نفسك !
أشـــار برأسه متسائلاً بفضول :
-هو ايه اللي حاصل هنا ؟
ردت عليها بحذر :
-مش عارفة بالظبط ، بس الحكاية فيها الضاكتور شامل
سألها بإهتمام وهو عاقد ما بين حاجبيه :
-عمل ايه ؟
ردت عليه بنبرة حائرة :
-بأقولك معرفش ، بس الليلة مش هتعدي على خير
.................................
لمحت فردوس من مكانها الممرضــة السمراء وهي تتحدث مع أحد الأشخــاص ، فتلهفت للركض نحوها ، والسؤال عن ابنتها .. ثم الفرار بها من هنا ..
ولكن تعذر عليها فعل هذا بسبب التراشق بالمقاعد والأدوات الموضوعة في الإستقبال ..
صاحت المرأة بصوت جهوري غاضب وهي تلوح بذراعها :
-انت يا ضاكتور النجاسة ، اطلعلي بروح أمك ، مش هاسيبك النهاردة
ثم وقعت عينيها على الممرضة ، وأشــارت نحوها وهي تهتف بصراخ هــــادر :
-بنت الـ *** دي هاتدلني عليك ، جيبوهالي من شعرها
انتفضت الممرضة السمراء في مكانها مذعورة ، وصرخت مصدومة :
-يا نصيبتي ، أنا ماليش دعـــوة !
ثم ركضت هـــاربة نحو الممر الداخلي ..
قررت فردوس أن تتحرك فوراً ، وألا تظل قابعة في مكانها ..
وبالفعل ركضت وهي تحني جسدها للأمـــام نحو الباب المؤدي للممر ..
ولكن لســـوء حظها ضربت رأسها بعصا غليظة من أحد الأشخــاص ، فصرخت متأوهة من الآلم ، وسقطت على الأرض غـــارقة في دمائها ومتكورة على نفسها ...
......................
نجح أحد الرجـــال بالإمســـاك بالممرضة السمراء ، وتم جرهـــا للخــارج حيث توجد المرأة الغاضبة بالإستقبال ..
ألقاها الرجل عند قدميها ، فصاحت الممرضة بخوف جلي :
-والله ما عملت حاجة ، أنا عبد المأمور ، أخري ألم فلوس الكشوفات
هدرت بها المرأة بصوت هائج :
-فين اللي مشغلك ؟
رفعت رأسها نحوها ، وتلعثمت بهلع وهي تجيبها :
-بـ.. بيبقى في مكتبه ، يـ ... يا في العمليات !
سألتها المرأة بصوت غليظ ومحتد :
-فينها العمليات الـ *** دي ؟
أجابتها الممرضة دون تردد وقد إرتجف جسدها :
-هناك ، أخــر الممر على إيدك اليمين !
........................................
عند مدخل الحارة الشعبية ،،،،
وصلت سيــــارة الحراسة الأخـــرى التي تقل ليان ووالدتها إلى مدخــل الحـــارة ، فترجلت الاثنتين منها ، وأسرعت تهاني ناحية الحراسة المرابطة أمـــام مدخل البناية ، وسألته بهلع :
-هو .. هو حصل ايه ؟
تسائلت ليـــان هي الأخــرى بقلق بعد أن وقفت إلى جوارها :
-فين أخويا ؟؟؟
رد عليها الحارس بنبرة رسمية :
-معندناش خبر لسه يا هانم
-يا بني رد عليا ، هو في ايه بالظبط ؟
أجابها الحارس بهدوء جــاد وهو يشير بيده :
-كل اللي أعرفه إنهم راحوا ناحية مستوصف قريب من هنا !
لطمت تهاني على صدرها وهي تشهق برعب :
-مستوصف ، يا ساتر يا رب !
نظرت ليان في إتجاهها ، وسألتها بإهتمام جلي :
-في ايه يا مامي ، انا مش فاهمة حاجة !!
أمسكت تهاني بقبضته ابنتها ، وأجابتها بخوف وهي تسحبها خلفها :
-تعالي بسرعة نلحق نشوف في ايه !
-استني يا ليان هانم ، احنا جايين معاكو !
قالها أحد رجـــال الحراســة وهو يسرع في خطواته ليلحق بهما ، ومن ثم لوح لرفاقه ليلحقوا به ...
.....................................
على مقربة من المستوصف الشعبي ،،،،
تأمل أوس بنظرات متأففة ذلك المكان الكريه الذي يتواجد به ذلك المستوصف ، وإنقبض قلبه فزعـــاً حينما وقعت عينيه على مدخل المستوصف ورأى المشاجرة المحتدمة بين عشرات الأشخــاص ..
صـــرخ أوس في أحد رجـــال حراسته قائلاً بصرامة وهو يشير بكفه :
-سلاحك بسرعة !
أشهر الحارس سلاحه الخاص من جرابه ، وسلمه إلى رب عمله دون تردد .. فركض الأخير بصورة جنونية نحو المدخل وهو لا يرى ســـوى وجـــــه تقى أمــــامه ...
...............................
بداخل غرفة العمليات ،،،،،
في نفس التوقيت ، جذب شــــامل تقى من قدميها نحوه ، ثم أبعدهما عن بعضهما البعض بعد أن تأكد من غيابها تماماً عن الوعي ، وأنها لم تعد مدركة لما يدور من حولها ...
حدق هو فيها بنظرات ماجنة ، وهمس بجموح :
-ساعة الحظ مع اللي زيك ماتتعوضش !
كـــان على وشك إزاحة عباءتها للكشف عن ساقيها وجسدها ، ولكنه توقف عن فعل هذا حينما سمع الطرقات العنيفة على باب الغرفة ..
إنخلع قلبه فجـــأة ، واضطربت أنفاسه بشدة ، فقد ظن أن والدتها قد جـــاءت لرؤيتها ..
لذا أرخى قبضتيه عنها ، و أسرع بربط سحاب بنطاله ، وإرتدى معطفه الطبي ، ودار حــول الفراش ليقف أمـــام رأس تقى ، ثم مرر ذراعيه أسفل كتفيها ، وسحبها من إبطيها للأمـــام .. وعدل من وضعيتها على الفراش ، ووضع على وجهها قناع الأكسجين الصناعي .. وجاهد ليضبط أنفاسه اللاهثة .. ثم أســـرع بفرد الملاءة عليها ..
أغمض عينيه لوهلة ، ومن ثَمَ تحرك بثبات نحو باب الغرفة ، ووضع القناع الطبي الأبيض على أنفه ، وصــاح مدعياً الغضب وهو يفتح الباب :
-ده اسمه تهريج ، في عمليات هنا وآآ...
توقف عن إتمام عبارته الأخيرة حينما وجـــد تلك المرأة أمامه ، فقطب جبينه مندهشاً ، وسألها بحدة :
-انتي مين وعاوزة ايه ؟
سألته بصوت متجهم للغاية ونظراتها القاتلة مسلطة عليه :
-انت شامل ؟
رمقها بنظرات ساخطة ، ورد عليها بصوت محتقن من أسلوبها الفظ معه :
-اسمي الدكتور شامل ، وآآ.... !
لم تمهله الفرصـــة للإكمال ، بل نبشت بأظافرها في وجهه ، وخدشته بشراسة وهي تصرخ فيه بجنون مهينة إياه :
-آآآه يا بن الـ **** يا نجس ، بنات الناس مش لقية تعمل فيهم مابدالك يا قذر يا *****
تفاجيء شامل من حركتها المباغتة ، فتأوه متألماً ، ودفعها بقبضته للخلف وهو يصيح بحدة :
-انتي متخلفة يا ولية إنتي !
ثم تحسس وجهه بحذر ، ورأى آثــار الدماء عالقة بأطراف أنامله ..
لمحت المرأة بطرف عينيها تلك الفتاة الغائبة عن الوعــي ، فضاقت عينيها بإحتقان ، وأدركت على الفور ما كان على وشك فعله معها ، لذا هدرت بصوت غاضب وهي تدير رأسها للخلف :
-تعالوا يا رجـــالة هنا بسرعة ، أنا لاقيت النجس الخسيس ، هاتهولي ابن الـ **** متكتف ومربعن برا
اتسعت عينيه بخــــوف عقب جملتها المهددة .. وابتلع ريقه ، وحاول البحث بعينيه عن مخرج للنجاة بنفسه قبل أن يقع تحت رحمتها ، ولكنه كان محاصراً ..
ولم يستطع الهروب فقد تمكن بعض الرجـــال من الإمســاك به ، وإنهالوا على رأســه وجسده بالضرب المبرح ، ثم سحلوه إلى خـــارج الغرفة ....
وقفت المرأة على العتبة ترمقه بنظرات ساخطة ، ثم بصقت فوقه بإشمئزاز جلي ، ومن ثم عـــاودت النظر إلى تلك المغيبة ..
وســارت نحوها لتتفقدها .. ولكنها تسمرت في مكانها مذعـــورة حينما سمعت صوت طلقات نــــارية تأتي من الخـــارج ، فأدارت رأسها نحو الباب ، و ...............................
.وانحنت لأجلها الذئاب
الفصل الخامس والعشرون ( الجزء الثالث ) :
في المستوصف الشعبي ،،،،
اقتحم أوس مدخل ذلك المستوصف المتدني في خدماته بقوة وإنفعال محاولاً المرور بين أجساد الرجال المتلاحمين ، ولحق به عدي ورجــال حراسته الخاصة ، وكذلك الشيخ أحمد ..
كان الإستقبال مسدوداً ، وتعذر عليه الدخــول ، واستمر التراشق بين المتواجدين بكل ما تطاله أيديهم ، فتراجع مسرعاً للخلف ، ورفع السلاح الذي بحوزته للأعلى ، وأطلق عدة أعيرة نــــارية في الهواء .. فتوقف الجميع عن الإقتتال ، وحدقوا به بإستغراب .. وظنوا من هيئته الراقية أنه من رجــال المباحث ..
تدخل أفراد الحراســة ، وبدأوا في تفريق الجموع بعنف وقوة ، ومع هذا استمر السباب والتطاول بالألفاظ الجارحــة ...
مـــرر أوس عينيه على أوجـــه الجميع باحثاً عن تقى بينهم ، وخاصة بين السيدات المتواريات في الخلف .. فلم يجدها بينهن ، فقفز قلبه رعباً في صدره ، وتلاحقت أنفاسه برهبة واضحة ..
إتسعت حدقتيه بفزع كبير حينما وقعت عينيه على فردوس المنكبة على وجهها على الأرضية ، فركض نحوها ، وجثى على ركبته أمامها ، وسألها بهلع وهو يحاول رفع جسدها للأعلى :
-ايه اللي حصل ، وفين تقى ؟
تراخى جسدها ومالت برأسها للأمـام ، وتأوهت بصوت مكتوم ..
فتأمل هو تلك الدمـــاء التي تغطي جبينها بذعــــر واضح على تعابير وجهه .. وسألها مجدداً بخوف :
-حصل ايه ؟ مراتي فين ؟
ظلت فردوس تئن بخفوت ، وأجابته بصوت ضعيف وهي تشير بإصبعها :
-الحق ..آآآ.. الحقها هي .. هي جوا !
نظر أوس إلى حيث أشـــارت بإصبعها .. ثم أسندها على الأرضية بحذر ، وركض نحو الممر الجانبي ..
رأى عدي ذلك المشهد الدامي ، فأخـــرج هاتفه المحمول وهاتف – دون تردد - شرطة النجدة على الفور ..
وقف الشيخ أحمد في مكانه يضرب كفاً على الأخـــر بتحسر وهو يردد :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ! لا إله إلا الله ! إيه اللي بيحصل هنا ؟!
وصـــل العم عوض إلى المستوصف وهو مذهــــول مما يراه ..
لم يتخيل أن يتحول ذلك المكان المعروف عنه بمداواة المرضى من الفقراء والمحتاجين إلى ساحة للحرب ... لكن لم يطرأ بباله أن تكون زوجته شريكة في إلحاق الأذى بإبنته الوحيدة ..
.....................
ركض أوس عبر الممر باحثاً بجنون عن زوجته تقى ، شعـــر وكأن عقله قد غــاب تماماً عنه ..
لم يعرف إلى أين يذهب وأين يبحث عنها ، فالغرف كثيرة ، وهناك عدة ممرات جانبية متشعبة ..
انتبه هو إلى تلك الأصـــوات الغاضبة ، فأدار رأســه للخلف ، وتحرك نحو مصدرها ، فرأى عدة رجـــال يسحلون طبيباً على بطنه ، ويركلونه بعنف وهم يتعمدون إهانته ..
صرخ شامل مستغيثاً وهو يتآلم من تلك الضربات الشرسة :
-آآآآه ، هاموت في ايدكم ، آآآه !
نظر لهم أوس بنظرات محتدة وسألهم بإنفعال :
-ايه اللي بيحصل هنا ؟
رمقه أحدهم بنظرات عدائية وهو يصيح فيه بغلظة :
-ملكش فيه ! ووسع من سكتنا بدل ما تتكوم جمبه
إستشاط أوس غضباً من طريقته المهينة ، ورفع سلاحه في وجهه وهو يصرخ فيه بغضب جم :
-هاتكون ميت قبل ما تعملها
لحق عدي بأوس ، ورأه وهو مشهر سلاحه في وجه بعض الغرباء ، فصــاح بقوة وهو يتجه نحوه :
-أوس ماتتهورش ، البوليس جــاي دلوقتي وهايتعامل مع الأشكال دي كلها !!
أضــاف رجل أخـــر بصوت محذراً وهو يلوح بذراعه التي تحمل عصا غليظة :
-بص يا أخ إنت وهو ، إحنا مالناش دخل بيكم ، كل اللي يهمنا النجس ده ، ومسكناه
صـــاح شامل مستغيثاً بتوسل :
-الحقوني ، هـ.. هايموتوني !
صـــاح أوس بصوت جهوري متعصب وقد إحتقنت عينيه بشراسة :
-ولا ده ولا مليون غيره يفرقوا معايا ، أنا بأدور على مراتي هنا !
انضمت المرأة إليهم على إثر صوتهم المرتفع ، وهتفت بتذمر غاضب :
-هو الكلب ده لسه هنا ؟ مطلعتوش بيه بـــرا ليه ؟!
أجابها أحدهم بصوت محتقن :
-الأخ ده مانعنا
ضيقت المرأة عينيها ، وهدرت بعصبية :
-والله لو جابولك مين يا **** يا **** ، محدش هايحوشك من ايدي !
أضــــاف عدي قائلاً بتحذير وهو يرمقها بنظرات قوية :
-اسكتي يا ست انتي واعرفي بتتعاملي مع مين !
صـــاح بها أوس بصوت مخيف :
-أنا عاوز مراتي ، مش عاوز الكلب ده
رددت المرأة بصوت متعجب :
-مراتك !
تابع بنبرة عدائية وقد أظلمت عينيه :
-ايوه ، ومحدش هيتحرك من هنا قبل ما أعرف هي فين !
أضافت المرأة بلا وعي وهي تفرك جبينها :
-تكونش هي البت اللي مفرفرة جوا ، ولحقتها قبل ما النجس ده يعمل فيها زي ما عمل في اختي ، وآآ...
وقعت كلماتها كالطعنة النافذة في صدر أوس ، فتلونت مقلتيه بحمرة مخيفة ، وبرزت عروق وجهه بشراســة جلية ، وربط سريعاً بين ما سمعه عبر هاتف تقى ، وبين حديث المرأة الغاضبة ، فقاطعها بصوت هــــادر وقوي :
-هي فيـــــــن ؟؟؟؟
انتفض جسدها للحظة من صوته المتشنج ، وأدارت رأسها للخلف ، وأشــــارت بذراعها وهي تجيبه بحذر :
-أخـــر الطُرقة دي !
حدج أوس شـــــامل بنظرات مميتة ، وصاح بصوت صـــارم لعدي :
-الكلب ده يخصني أنا كمان ، مايتسابش إلا لما أحاسبه !
هز رأســــه موافقاً وهو يجيبه بإيجاز :
-ماشي
اعترضت المرأة قائلة بتذمر :
-لألألألأ ... ده يخصني ، قسماً بالله ما هاسيبوه من إيدي قبل ما أخلص حق اختي !
لم يصغْ أوس إليها ، بل صــاح مجدداً بصوت متصلب في عدي :
-سامعني ياعدي ، ده يخصني وبس !
رد عليه رفيقه بحذر محاولاً تهدئة ثورته الغاضبة :
-حاضر .. حاضر !
ثم ركض أوس بخطوات سريعة إلى حيث أشارت ..
...............................................
وصـــل الطبيب بدران إلى المستوصف ، وتفاجيء بالتجهمر الكبير أمـــام مدخله ، فتسائل بإنزعـــاج :
-في ايه هنا ؟ ده مستوصف مش آآآ....
-امسكوه الكلب ده كمان !!!
قالها أحد الأشخاص مقاطعاً إياه بصوت آجش ومنفعل
إستدار بدران إلى مصدره ، وتفاجيء بمن يضربه بعصا غليظة على كتفه ، فطرحه أرضــاً وهو يصرخ من قوة الضربة ..
تسمرت تهاني في مكانها مذعورة مما رأته ، وتمسكت بإبنتها وهي تشهق قائلة بهلع :
-يالهوي ! إيه اللي بيحصل هنا ؟!
جابت بعينيها المكان باحثة عن أوس ، فرأت العم عوض وهو يقف في الخلف ، وإلى جواره الشيخ أحمد ، فضغطت على أصابع ابنتها ، وهتفت فيها بقلق بالغ :
-عمك عوض واقف هناك أهوو .. !
ثم ســـارت الإثنتين بخطى سريعة نحوهما .. وما إن أصبحت تهاني على مسافة قريبة حتى هتفت بصوت مرتفع :
-يا عم عوض ، ايه اللي حاصل عندك ؟
إلتفت عوض برأســه نحوهما ، وأجاب بصوت منزعج :
-مش عارف والله ، بس الدنيا مقلوبة جوا
أضـــاف الشيخ أحمد قائلاً بتوتر :
-ربنا يسترها على عباده
تسائلت تهاني بتلهف وهي تتفرس تعابير وجهه :
-طب فين أوس ؟
أجابها عوض بهدوء زائف وهو يشير بعكازه :
-جوا مع فردوس وتقى
جحظت بعينيها مشدوهة ، وسألته بقلق جلي :
-اييييه ؟ وهما ايه اللي جابهم هنا ؟
تهدل كتفيه وهو يجيبها بحيرة :
-محدش عارف لسه !
...............................................
تســـارعت دقــات قلب أوس بعد أن وصــل إلى وجهته المنشودة .. ولهث بصعوبة وهو يحاول ضبط أنفاسه على عتبة باب غرفة العمليات ..
إزدرد ريقـــه بخوف وهو يدلف إلى الداخل حيث إلتقطتها عينيه المحتدتين ..
همس بإسمها وقلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه :
-تـ.. تقى !
وقف أمـــام الفراش الطبي ، ونظر إلى وجهها المغطى بقناع الأكسجين بهلع ، ثم أزاحه ببطء ، وتأمل ملامح وجهها المتشنجة برعب واضح على قسماته .. ثم تحسس وجنتها بحذر ، وهمس لها بصوت خائف :
-تـ.. تقى ، أنا .. أنا هنا جمبك !
ألقى نظرة سريعة على جسدها بعد أن أزاح الملاءة من عليها ، وتفحصها بهلع ليتأكد من عدم إصابتها بمكروه ، وتنفس الصعداء لعدم وجود أي جــرح أو نزيف بها ، فانحنى عليها ولف ذراعيه حولها ، ورفعها إلى صدره ليضمها بشغف كبير إليه .. وتابع بصوت شبه مختنق :
-متخافيش يا تقى ، محدش هايعملك حاجة ، أنا معاكي !
ثم أحاطها بذراعيه ليحملها ، وعـــاد مسرعاً من حيث أتى ، وعينيه لم تبرحا تأمل وجهها الساكن ...
.....................................
وصلت عــــدة سيارات إسعاف خـــارج المستوصف ، فخفق قلب تهاني بقوة ، وتسائلت بلهفة :
-هما .. هما جايين هنا ليه ؟
استطرد الشيخ أحمد حديثه قائلاً بتوجس :
-سترك يا رب ، جيب العواقب سليمة
أضـــاف عوض بقلق واضح :
-قلبي مش مرتاح ، حاسس إن في كارثة جوا !
تسائلت ليان بإهتمام وهي تحاول رؤية ما يحدث بالداخل :
-هو فين أوس وتقى ؟
أفســــح بعض الأشخاص الطريق للمسعفين ليحملوا المصابين إلى الخــــارج ، فشهقت تهاني بهلع ولطمت على صدرها حينما رأت فردوس من ضمنهم ..
أسرعت هي خلفهم وهي تهتف بخوف :
-فردوس ، جرالك ايه ياختي ؟
ضيق الشيخ أحمد عينيه قائلاً بإنزعاج :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ، هاتروح ورا مراتك يا عم عوض ؟
نظر له بجمود ، وهز رأسه نافياً وهو يقول بفتور :
-مش قبل ما اطمن على تقى !
تسائلت ليـــان بحيرة وهي تتلفت حولها :
-هما .. هما رايحين فين ؟
-خليكي هنا يا بنتي
رد عليها عوض بجمــــود غريب وهو يشير بعكازه لها ...
ضغطت ليان على شفتيها بضيق ، ولم تبرح مكانها ، ولكن كان الفضول يقتلها لمعرفة ما الذي يدور بالداخـــل ...
........................................
إنهـــالت المرأة بحذائها القاسي على رأس شامل بعد أن تم تقييده من يديه وقدميه ، وركلته في معدته وهي تصرخ بشراسة :
-مش هارحمك ، وهاخلص ذنب اختي منك !
أضاف أحد أقاربها قائلاً بحنق :
-عنك انتي ، اومــال احنا هنا ليه !
تدخل عدي قائلاً بتحذير شديد اللهجة :
-محدش هيلمسه قبل ما يجي أوس باشا
لوت المرأة ثغرها قائلة بإحتجاج :
-لا بشوات ولا بهوات ، احنا هناخد بتارنا منه الاول !
أشـــار عدي بكفه لأفراد الحراسة الخاصة بالتدخل فوراً وتكوين حاجز بشري أمام ذلك الطبيب .. فتذمر الرجـــال وكانوا على وشك الصدام معاً ، ولكن صـــاح بهم عدي قائلاً بصوت جهوري :
-الكل هيستنى لحد ما يجي الباشا !
خــــرج أوس إلى الاستقبال حاملاً تقى بين ذراعيه ، فأسرع إليه عدي متسائلاً بقلق واضح وهو يتفحص وجهها :
-هي مالها ؟ حصلها ايه ؟
رد عليه أوس بنبرة ممتعضة :
-مش عـــارف لسه ، بس هحاسب اللي عمل فيها كده
هتفت المرأة بغيظ وهي تقترب منهم :
-بص يا جدع إنت ، ابن الـ **** ده كان ناوي يعمل في مراتك حاجات استغفر الله العظيم وآآ....
قاطعها شامل بصراخ مختنق :
-كدابة ، أمها هي اللي جابتها عشان تسقطها ، وأنا كنت هاعملها العملية وبس !
شخصت أبصــــــار أوس عقب تلك العبارة الصادمة ، وإحتقنت عروقه بشدة حتى كاد وجهه يتحول لقنبلة موقوتة على وشك الإنفجار في أي لحظة ..
للحظة توقف عن التنفس ، وشعر بعجز تام في أوصـــاله .. ولكنه نجح في التغلب على صدمته ، وأفـــاق من حالة الشلل المؤقت التي إنتابته ..
لقد آلمه بعنف التفكير في كونه من وافق من البداية على أرسلها إلى والدتها لزيارتها ، نعم ..تلك التي خانت ثقتها ، وكادت أن تودي بحياتها وحياة جنينه ..
شعر عدي بحالة رفيقه والذي بدى في حالة مريبة للغاية خاصة وأن الطعنة الغادرة جاءت من أقرب الناس إلى زوجته ، فخشى عليه أن يتهور ويرتكب أي حماقات وهو في أوج غضبه .. لذا هتف بنزق :
-أوس خد تقى على الدكتورة بتاعتها وآآآ...
قاطعه أوس وهو يكـــز على أسنانه بشراسة أشد :
-خدها مكاني على عيادة بارسينيا ، وانا هاحصلك
اعترض عدي متضرعاً له بعد أن رأى تحول عينيه للإظلام التام ، وتجمد تعابير وجهه :
-يا أوس ما آآ.....
قاطعه أوس مرة أخرى بصوت آمــــر وأكثر تصلباً :
-اسمع الكــــــلام !
هــــز عدي رأســه مستسلماً ، فقد أدرك أن أي محاولة لإقناع أوس بالعكس لن تفلح معه ، فقد سبق السيف العذل ..
...............................................
في قصر عائلة الجندي ،،،،
ضرب مهاب بقبضة يده بعنف على سطح مكتبه وهو يصرخ هاتفياً في محاميه :
-بأقولك يا نصيف الورق كله اللي يديني اتسرق من عندي !!
صمت للحظة ليستمع إليه ، وتابع بصوت محتد :
-لازم تتصرف بسرعة وتشوفلي أي طريقة أخرج بيها من البلد دي لحد ما أرتب أموري وأعرف انتقم من اللي عملوا فيا كده !
نفخ بصوت مسموع ، ووضع يده على رأسه ليفرك فروته ، وهتف بإنفعال :
-مافيش وقت ، أنا مش ضامن هايعملوا ايه !
صـــر على أسنانه بقسوة ، وضاقت عينيه وهو يكمل بغل :
-مش هاسيبهم ، بس أئمن نفسي الأول !
ضغط مهاب على شفتيه ، ودار حول نفسه في غرفة مكتبه ، ثم صــاح بعصبية :
-هيوصلك اللي انت عاوزه بس انجز !
ثم أنهى المكالمة ، وزفـــــر بعصبية .. وكور قبضة يده بغيظ وهو يردد بتهديد :
-بقى انتي يا ليان تسرقيني ، دي أخرتها ! ماشي .. ماشي ، ليكي حساب معايا انتي واللي بعتتك ليا ! هاحمي ضهري الأول ، وبعدها هاخلص القديم والجديد ..!!!!
................................................
في المستوصف الشعبي ،،،
مـــد أوس ذراعيه اللاتين تحملان تقى إلى عدي ، فإلتقطها الأخير منه ، وحملها برفق بين ذراعيه ، واتجه بها نحو الخــارج ولحق به إثنين من رجــال الحراسة الخاصة ..
ثم ســار بخطوات ثابتة في اتجاه شامل المقيد على الأرضية ، وقد إنتوى أن ينتقم منه وبلا رحمة ..
شعر الأخير بحجم الخطر المحدق به ، وصـــاح مستغيثاً بإهتياج :
-معملتش حاجة ، أنا مظلوم ، دول .. دول هما اللي بيجوا عندنا عشان نشيل وساختهم ، واسألوا د. بدران
هتف بدران هو الأخـــر مدافعاً عن نفسه :
-احنا ملناش دعوة ، الكل بيبقى جاي هنا بمزاجه ، مش بنضرب حد على ايده عشان يتعالج ولا عشان يداري عيوبه !!
صرخت فيه المرأة بصوت غاضب منفعل :
-انتو مفكرينا ايه ؟ بناتنا مالهاش أهل عشان تجيوا على عرضنا وتنهشوه!
صــــاح رجل أخـــر بنبرة متوعدة وهو يلوح بعصاه :
-دول هايتعلقوا قبل ما نسلخ جلدهم من لحمهم
تحرك أفراد الحراسة للجانب لإتاحة الفرصة لأوس للمرور بعد أن لكز أحدهم في جانبه ..
وقعت عيني شامل على عيني ذلك المتجهم الذي يقترب منه ، فأنخلع قلبه من فـــرط الرعب .. واستعطفه برجاء :
-أنا .. أنا مجتش جمبها .. صدقني !
ابتلع ريقه بخوف ، وتابع بنبرة مرتجفة وهو يراقبه :
-أمها .. أمها هي اللي جاتلي من كام يوم تقولي بنتي غلطت في الحرام ، سـ .. ساعدني يا دكتور ، وهادفعلك اللي انت عاوزه بس .. بس ساقطها ، و.. وأنا مكونتش أعرف .. و.. وكنت هاجهضها بس !
لم يدرك شامل بغبائه أنه - بلا وعــي – قد نزع فتيل القنبلة الموقوتة التي تقف أمامها ..
شعـــر بدران بتأزم الموقف ، وهمس مغتاظاً :
-يخربيتك ، ضيعت نفسك وضيعتني معاك !
انفجــــر أوس غاضباً بصورة غير طبيعية بالمرة ، وإنهـــال بأشد اللكمات قسوة وعنف على وجـــه شامل حتى حطم فكه ، وأنفه فتناثرت دمــاء الأخير عليه .. ولم يشعر بتلك الجروح الغائرة في قبضته نتيجة عنفها المفرط .. ثم أطبق على عنقه بضراوة ، وخنقه بأصابعه حتى شعر بأنفاسه تتحشرج في حلقه ..
جحظ شامل بعينيه المتورمتين، وتشنج جسده بشدة .. فقد كان على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة ..
تدخل أحد الحراس فوراً ، وحاول إبعاد أوس عنه وهو يتوسله بقلق :
-باشا ، هايموت في ايدك ، سيبه واحنا هنربيه ، باشا !
إنضم إليه أخـــر بعد أن أدرك خطورة الموقف ، ونجح مع زميله في تحرير عنق شامل ، ولكن لم يستطيعا منع أوس من ركله بقدمــه بكل ما أوتي من قوة فأحدث به الكثير من الكدمات الموجعة ..
خـــارت قوى شامل تماماً ، وسعل بشهقات متتالية وهو يكاد لا يصدق أنه نجا من الموت على يد ذلك الرجل العنيف الذي لم يتخيل شراسته مطلقاً ، ولكنها لا تقــارن بما هو مقبل عليه بعد ذلك ..
سمع الجميع بعد ذلك نبـــــاح حاد لعدة كلاب أنيابها تبرز بشراسة من بين لعابها المقزز .. فإلتفتوا نحوها بإستغراب ..
أرجع أفراد الحراسة أوس للخلف ، وحاولوا تهدئته بحذر ..
بينما لم يحدْ هو بنظراته المحتقنة عنه .. وهدر بنبرة عدائية :
-هاموتك ، هادفنك هنا !
صاحت المرأة بنبرة قاتمة وهي ترفع حاجبيها للأعلى ومشيرة بذراعها :
-دوري أنا بقى ، أنا سبتك تاخد حقك الأول ، جه وقتي معاه
اقترب رجل ما يحاول السيطرة على تلك الكلاب المسعورة من شامل ، وأردف قائلاً بصوت متحشرج وهو ينظر نحو المرأة الغاضبة :
-أوامرك يا ستنا
أشـــارت بيدها وهي تجيبه بإبتسامة قاسية :
-سيبوا الكلاب عليه
جحظ شامل بعينيه مرعوباً ، وهتف متوسلاً :
-لألألألأ .. ارحموني ! لألألألأ !!
ولكن لم يصغْ إليه أحد ، وجرجره رجلين من أقاربها من قيوده بالقرب من المدخل ، ثم ألقوه على وجهه ، وأطلقوا تلك الكلاب الشرسة لتنقض بعنف عليه وتغرز أنيابها القاتلة في أجزاء متفرقة في جسده فصرخ صراخات مخيفة مستغيثاً .. ولكن لم يجرؤ أحد على التدخـــل ...
راقب بدران ما يحدث لزميله بهلع كبير ، وتوسل لهم بإستعطاف :
-أنا هاقول على كل حاجة ، بس سيبوني ! أنا .. أنا بريء
وكــأنه يحدث أصناماً ، فقد هجم عليه أقارب المرأة وكالوا له من الضربات من جعله يصرخ بهوس من أجل تركه ...
...................................
في الخـــــارج ،،،،
تعالت التهليلات والصيحات بداخل المستوصف ، فإنتاب الفضول معظم من يقفون بالخـــارج لمعرفة ما الذي يدور هناك ...
استطرد الشيخ أحمد حديثه قائلاً بعتاب :
-ماينفعش تسيب مراتك لوحدها وتفضل واقف هنا
رد عليه بحنق وهو يرمقه بنظرات لامعة :
-بنتي يا شيخنا
ربت الشيخ أحمد على كتفه ، وحثه قائلاً بنبرة مهذبة :
-هي معاها جوزها ، شوف مراتك ، وخليك معاها !
تنهد بإنهـــاك ، ولكنه امتثل لطلب الشيخ ، وتحرك مبتعداً عنه .. بينما ظلت ليـــان واقفة في مكانها تتابع المشهد عن كثب .. ولكنها فغرت شفتيها بصدمة حينما رأت عدي يخــــرج مسرعاً من المستوصف حاملاً تقى وهي فاقدة للوعي ..
فركضت خلفه وسألته بهلع وهي تحاول اللحاق به :
-مالها ؟
أجابها بجدية واضحة وهو يتجه نحو السيارة الأقرب إليه :
-مش عارفين لسه !
سألته بتوتر وهي تزيح خصلات شعرها للخلف :
-طب انت رايح بيها على فين ؟
رد عليها بصوت لاهث :
-طالعين على العيادة بسرعة
هتفت بلا تردد وهي ترمش بعينيها :
-استنى أنا جاية معاك
أوقفته كلمتها الأخيرة ، وحدق بها متعجباً .. ولكن سريعاً ما اختفت علامات الإندهاش من وجهه ومن نظراته ، وأشــار للحارس بفتح باب السيارة الخلفي ، فجلست ليان أولاً ، ثم انحنى بحذر للداخل ليسندها إلى جوارها ، فلفت ليان ذراعيها حولها ، وأردفت قائلة بجدية :
-أنا مسكاها كويس !
-تمام ..
هــز عدي رأسه وهو يرسم ابتسامة باهتة على وجهه ثم اعتدل في وقفته ، وأغلق باب السيارة ، وأســرع بالجلوس على المقعد الأمامي ، وهتف في الحارسين بصرامة :
-خليكوا هنا مع الباشا أوس لحد ما يمشي !
-أوامرك
ثم أشــار للسائق بإصبعيه ليتحرك فوراً ..
.......................................
على الجانب الأخـــر ، وقفت تهاني بجوار المسعف الذي يضمد جراح فردوس الغائرة ..
بدت قلقة للغاية وهي تسأله بهلع :
-هي .. هي هتبقى كويسة ؟!
أجابها بنبرة رسمية :
-ربنا ييسر ، أنا بأعمل اللي عليا ، وبأوقف النزيف
استمعت هي إلى صوت أختها الضعيف وهي تهمس قائلة :
-تـ.. تقى !
مالت تهاني برأسها نحوها ، واستطردت قائلة بتلهف :
-اسكتي يا فردوس ، متتكلميش كتير
تابعت فردوس بصعوبة وهي تجاهد لفتح عينيها :
-شوفي تقى .. هـآآ.. هاتضيع بسببي !
صدمت من عبارتها الأخيرة ، وبدى عليها علامات الإنزعــاج ، ولكن لا وقت لتضيعه في معرفة التغفاصيل .. لذا ردت بجمود :
-طيب أنا رايحلها ..!
ثم إلتفتت نحو المسعف ، وتوسلته برجاء :
-الله يكرمك خد بالك منها لحد ما أجيلك تاني !
رد عليها المسعف بجمود :
-اطمني ، ده شغلي !
تركتها تهاني بصحبة المسعف وانصـــرفت عائدة نحو المستوصف لتطمئن على تقى ، ولكن إعترض طريقها العم عوض ، فتوسلت له بإستعطاف :
-فردوس هناك يا عوض ، ماتسيبهاش لوحدها
رد عليها على مضض وهو يهز رأسه بخفة :
-ماشي .. !
...............................................
خـــــرج أوس من المستوصف وهو يفرك كفه المجروح بأصابعه ..
ناوله أحد حراســـه منشفة ورقية نظيفة ليضعها عليه ، فأخذها هو منه دون أن ينبس بكلمة ..
وما إن رأه الشيخ أحمد حتى أقبل عليه وهو يســأله بنبرة شبة هادئة :
-خير يا بني ؟
لم يجبه أوس ، ولكن إحتقان عينيه كان كافياً للإشـــارة لعِظم الأمـــر ...
لمح الشيخ أحمد بطرف عينه المشهد الدامي ، فشهق من هــول المنظر ، وصــاح محتجاً :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ، ايه يا إخوانا اللي بتعملوه ده .. لالالا .. ده مايرضيش ربنا ، وقفوه ..!!!!
انزعجت تهاني من إزدحـــام أهالي المنطقة ، وصعوبة الوصــول للمستوصف ، ولكنها رأت ابنها وصدره ينهج بوضوح في أحد الزوايا ومن حوله رجاله ، فإتسعت عينيها بخوف حينما دققت النظر فيه ورأت الدمــاء التي تلطخه ، فسارت نحوه بخطى سريعة ...
وقفت على مقربة منه ، وهتفت بإسمه بلهفة أمومية صادقة :
-آآ... أوس !
إلتفت نحو صوتها المألوف ، وحدجها بنظرات قاسية .. ثم أشــاح بوجهه بعيداً عنها ..
تحركت هي نحوه ، ونظرت له بعينين دامعتين وهي تهمس له بصوت شبه مختنق :
-انت .. انت كويس يا بني ؟ فيك حاجة ؟
صرخ فيها بصوت متشنج وهو يحدجها بنظرات أكثر قسوة :
-جاية بتسألي عني ولا بتطمني إن خطة أختك نجحت ؟!
إنفرج ثغرها بذهول وهي تردد بإستنكار :
-هــاه ، إنت .. إنت بتقول ايه ؟
هدر بها بإهتياج وقد برزت مقلتيه من محجريهما :
-ايوه ، ايوه مثلي دور الضحية !
ثم صمت للحظة ، ولوى فمه ليضيف بقســـاوة :
-إنتو أمهات إنتو ، ده انتو تستحقوا الرجم والقتل !
ازدردت ريقها بإضطراب واضح ، وهتفت بصوت مرتجف :
-أنا مش فاهمة منك حاجة !!!
وضـــع أوس يديه على كتفيها ، وهزها بعنف وهو يصرخ فيها بجنون :
-ايييييه ! مجاش في بالك للحظة إن تقى كان ممكن تروح مني ومالحقهاش ؟ ولا حتى حد ينقذها من الوسخ اللي اتقطع جوا ده ؟!
احتقنت عينيه ، واصطبغت بتلك الحمرة المميتة وهو يتابع معاتباً بصوت أكثر تشنجاً :
-طب مهانش عليكي ولا على اختك إني أتحرم من ابني قبل ما يشوف الدنيا ، ولا .. ولا تلاقيكي عاوزاني اتعذب زيك ؟!
هزت رأسها نافية ، ودافعت عن نفسها بتوسل :
-حرام عليك يا أوس ، أنا معرفش حاجة من اللي بتقولها دي
هزها بعنف وهو يصرخ فيها بإنفعال :
-كفاية كدب بقى
إختنق صوت تهاني ، وأجهشت بالبكاء وهي تبرر قائلة :
-انت .. انت بتظلمني ، أنا كنت سايبة تقى مع أمها وخدت ليان معايا نجيب الورق اللي يثبت جرايم مهاب من القصر !
تشنج وجهه أكثر ، وضغط على أسنانه بشراسة هادراً فيها بعصبية :
-اييييه ! كمــــان ، كنتي عاوزة تضيعي بنتك ، مكفاكيش أنا ، قولتي تخلصي من ليان بالمرة !!!
أشـــارت بكفها محتجة على إتهامه المجحف لها ، وردت عليه قائلة بنشيج :
-إنت غلطان ، والله أبداً ، أنا مكونتش عاوزاها تجي من الأول ، ورفضت ده ، بس .. بس هي صممت تعمل كده عشاني وعشانها وآآ....
قاطعها قائلاً بسخط جلي :
-أنا مش متخيل إن في أمهات زيكم ، لأ وأنا بإيدي دي جبتهم عندكم ، آآآآه !
شهقت بأنين وهي تتوسله بإستعطاف
-اهدى يا أوس واسمعني للأخـــر
ضاقت عينيه بحدة ، وأشـــار لها بإصبعه مهدداً بنبرة عدائية :
-صدقني يا .. يا مدام تهاني هاندمك إنتي وأختك عن كل لحظة أذيتي فيها تقى وليان ، ومش هتتهنوا لثانية !!
إنتحبت والدته بأنين مسموع وهي ترجوه أن يعطيها الفرصة للدفاع عن نفسها ، ورغم هذا لم يرقْ قلبه لها ، بل حدجها بنظرات نارية إحتقارية ، ثم دفعها بقسوة من كتفها بكتفه ، وابتعد عنها وهو يطلق سباباً لاذعاً .. ولكن أوقفه مسعف مـــا ليضمد جراح يده ، فلم يعبأ به أوس ، ودفعه من صدره بعنف ليبحث عن قاتلة زوجته ليذيقها العذاب ..
لم تتحمل تهاني كل هذا اللوم بمفردها ، فركضت عائدة إلى أختها لتفهم منها حقيقة الأمـــــر ...
..................................
انتهى المسعف من ربط رأس فردوس لوقف النزيف مؤقتا ً، والتفت قائلاً لزوجها بجدية :
-احنا هننقلها فوراً على المستشفى
رد عليه عوض بخفوت :
-ماشي ، شوف الصالح واعمله
هتفت تهاني بصوت متشنج ولاهث وهي تلوح بذراعها :
-استنوا !
ثم وقفت أمـــام سيارة الإسعاف ، وصرخت بإنفعال :
-عملتي ايه في بنتك يا فردوس ؟
جحظ عوض بعينيه ، وخفق قلبه بقوة عقب تلك الجملة الأخيرة ..
ابتلعت فردوس ريقها بصعوبة ، وتلعثمت وهي تجيبها بصوت واهن :
-آآ.. أنا ...!
إهتاجت تهاني صارخة بغضب وهي ترمقها بنظرات قاتلة :
-إزاي تعملي في تقى كده ؟
سألها عوض بهلع وهو يرمش بعينيه من التوتر :
-هي .. هي عملت ايه ؟
أضافت تهاني قائلة بتشنج :
-بقى انتي يا فردوس تموتي بنتك بإيدك ؟ طب ليييه ؟ هان عليكي تضحي بضناكي كده بالساهل ؟ إيش حال ما أنا قدامك بأموت عشان أخد ولادي في حضني تاني !!!
...................................
في نفس التوقيت بحث أوس بعينيه عن فردوس ليمسك بها قبل أن تفلت بجريمتها ، وتبعه رجــال حراسته ، فوجدها بالفعل عند سيارة الإسعاف ، فكز على أسنانه بقوة ، وكور قبضة يده بشراسة ، ولكنه تسمر في مكانه حينما رأى تهاني أمامه وتتشاجر مع أختها بصوت جهوري غاضب .. فأشار لرجال حراسته بالتوقف ، والتراجع للخلف ، ثم تحرك بحذر ليقف على مقربة منهما ليراقبهما ......
.......................................
هتفت فردوس بصعوبة وهي تنظر لأختها برجاء :
-غــ.. غصب عني .. كـ.. كان هايموتها
صرخت فيها تهاني بعصبية :
-مين ده ؟
أجابتها بصوت متقطع :
-طـ.. طليقك مهاب !
اشتعلت مقليتها بغضب وهي تردد بعدم تصديق :
-اييييه ؟ مهاب !!!!!!
تابعت فردوس مبررة بصوت واهن :
-خــ.. خوفت عليها منه .. وآآ..
هدرت فيها تهاني بقسوة :
-تقومي ترميها في النار بإيدك ؟ تموتي بنتك وحفيدك ؟
ذرفت فردوس العبرات وهي تقول بندم :
-عـ.. عقلي مكانش فيا ، وافتكرت إنها هترتاح لما أعمل ده !
لطمت تهاني على صدرها بكفها ، وهتفت بنشيج :
-حــــرام عليكي يا فردوس ، ضيعتي أخـــر فرصة ليا أقرب من ابني تاني ، هو مفكر الوقتي إني السبب في اللي حصلها ، لأ وكمان هايحرمني من ليان أخته !
حدقت فيها فردوس بنظرات أسفة وهي تهمس :
-أنا ..
ابتلعت تهاني غصة مريرة في حلقها ، فغباء أختها قد طالها ، وأفسد ما بينها وبين ابنها ..
هزت رأسها مستنكرة وأكملت بصوت منتحب يحمل التهكم :
-انتي استحالة تكوني أم أصلاً ، انتي معندكيش ذرة أمومة واحدة عشان تحسي باللي أنا فيه !!
أجهشت بالبكاء ، ودفنت وجهها في راحتي يدها ، وأصدرت شهقات متتالية مسموعة ، ثم رفعت عينيها لتعاتب أختها وهي تكمل بأنين :
-سنين كنت محرومة من عيالي ومن إني أسمع كلمة ماما من ابني الكبير ، اتبهدلت واتظلمت واتمرمطت واترميت في الشـارع وعقلي مكانش فيا ، وجع قلبي زاد لما حرموني منه غصب عني ، اتقهرت وكنت بأموت مليون مرة في اليوم وأنا مش قادرة اطول ابني ولا أخده في حضني !
إحتضنت تهاني نفسها بذراعيها ، وأضافت بتحسر :
-جربتي إحساسي ده يا فردوس ، جربتي ولادك ينكروكي وإنتي عايشة ؟ جربتي تكوني أم ميتة بالنسبالهم ؟
أغمضت فردوس عينيها ندماً ، وهمست بصعوبة :
-آآ.. أنا
أكملت تهاني بآلم واضح في نبرتها الباكية :
-أنا كل يوم بأندم إني محاولتش أعمل أكتر من اللي أقدر عليه عشان أرجع أوس تاني لحضني ..!!
ثم صمتت لتكتم فمها بيدها فتمنع تلك الشهقة المريرة من الخروج ، واستطردت قائلة :
-ولما ..عرفت بإن ليان بنتي حـ.. حية لسه ، ومصدقت انها رجعتلي وبقت معايا !
رفعت عينيها في وجـــه اختها ، ورمقتها بنظرات تحمل الآسى ، وأكملت بمرارة :
-خـ.. خلاص راحت .. راحت مني بسببك إنتي !
توسلت لها فردوس بصوتها المختنق :
-سـ.. سامحني، أنا مقصدش
صرخت تهاني بوجـــع كبير وهي تضرب رأسها بكفيها :
-آآآآه يا حرقة قلبي ، انتي النهاردة بعدتي ولادي عني للأبد ! منك لله يا فردوس ، منك لله !
لمعت عيني عوض ، وبدأ بالبكاء حزناً على ابنته ، وعاتب زوجته بصدمة :
-ليه يا فردوس ؟ هان عليكي بنتنا تقتليها ؟
نظرت إليه فردوس ، وهمست لها بأسف :
-عـ.. عوض .. إنت .. إنت مش عارف حاجة
ضرب كفه على كفه الأخر المسنود على عكازه وهو يردد بتحسر :
-إنا لله وإنا إليه راجعون ، إنا لله وإنا إليه راجعون !
ثم أولاها ظهره ، وغمغم مع نفسه بحزن كبير .. فجاهدت فردوس لترفع نبرة صوتها وهي تقول برجـــاء :
-اسـ.. استنى .. يا عوض ، طب اســ.. اسمعوني للأخـــر !
............................
شعـــر أوس بأنه تلقى موجات حــــادة من الصدمات المتتالية التي أصابت تفكيره بالعجز ...
حالة من الإستياء والسخط سيطرت عليه .. وجعلته متخبطاً في الوصـــول لقرار نهائي بشــأن كل شيء ...
نعم لقد أصبح في وضعية يُحسد عليها ، ما بين مطرقة تهاني التي دفعت بتهورها شقيقته لتقف في مواجهة غير محمودة العواقب مع أبيه المتحجر القلب واعترافها بمعاناتها التي لم تفارقها للحظة منذ ابتعادها عن فلذات كبدها ، وبين سندان فردوس التي أثرت أن تتخلص من جنين ابنتها بالإتفاق مع نفس الشخص القاسي ، فخسرت للأبد من لم تتأخر للحظة عن الدفاع عنها حتى بروحها .. وكلتاهما بلا أدنى تفكير عاقل ألحقت الأذى بأقرب أحبائهم ...
لقد بات أوس بمفرده الآن هو الشخص الوحيد الموكل إليه – رغماً عنه - أن يقف في مواجهة نهائية محتومة المصير مع والده ليحسم كل شيء ... وللأبد .................................................. !!!