رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الخامس والعشرون
في منزل تقى عوض الله ،،،،
إعترت الدهشــــة الممزوجة بالغضب وجـــه منسي ، ورمق أحمد بنظرات أكثر حدة ، ثم أردف بسخط :
-خطيبتك ؟ وده إمتى حصل الكلام ده !
إبتلع ريقه ، وحاول أن يبدو ثابتاً وهو يرد عليه بجمود زائف :
-آآآ.. اه ، حصل وقت ما حصل ، ده مايخصكش !
صاحت فردوس بإنفعال جلي وهي تدفع أحمد من كتفه لتمرق أمـــامه :
-خطيبة مين ونيلة إيه الوقتي ، مش لما نشوف البت الأول ، نبقى نخطبها
ضيق منسي عينيه ، وتسائل بجدية شديدة وهو يشير بيده :
-يعني هو مش خطيبها ؟!
أجابته بإقتضاب وهي تلقي بطرف حجابها على كتفها :
-لأ
لذا حدج منسي أحمـــد بنظرات ساخطة ومتوعدة ، مما دفع الأخير للتشدق قائلاً :
-بس أنا ناوي أخطبها
لـــوى منسي فمه مستهزءاً ، وقال بتهكم :
-أها .. لأ النية دي مش في عُرفنا
صرخت في كليهما بعصبية وهي تلوح بيديها :
-بــــس انتو الاتنين ، أنا عاوزة أجيب بنتي !
لم يحدْ منسي بعينيه الحادتين عن أحمــد ، و رد عليها بصوت جــاف قائلاً :
-ماشي يا ست فردوس ، نكمل كلامنا بعدين ، المهم ست البنات دلوقتي
ثم خـــرج ثلاثتهم من المنزل ، وأغلقت فردوس الباب ، وإنطلقوا مسرعين على الدرج
ضرب منسي أحمد في كتفه ، وقال ببرود :
-لا مؤاخذة
رمقه أحمـــد بنظرات حانقة .. فهو يعلم أنه تعمد فعل هذا من أجـــل دفعه إلى إشتباك جديد ، ولكنه كان أذكى من أن يدع الفرصة له ليستغلها ، لذا صـــر على أسنانه قائلاً بغيظ :
-طب خد بالك بعد كده
تسائلت فردوس بقلق واضح في تعابير وجهها المرهقة وهي ممسكة بالدرابزون :
-هي موجودة فين يا بني ؟
تنحنح أحمد بصوت خشن قبل أن يجيبها بخفوت :
-في المستشفى !
لطمت فردوس على صدرها بقسوة وهي تصرخ بصدمة :
-يالهوي ، مستشفى !
تجمدت تعابير وجـــه منسي عقب العبارة الأخيرة ، وتسمر للحظة في مكانه محاولاً فهم ما الذي يدور ، فتسائل بإهتمام :
-هي مالها ؟
أمسكت فردوس بتلابيب أحمد ، وهزته بعنف وهي تصرخ في وجهه بـ :
-بنتي حصلها إيه ؟ انطق ! قــــول !
أبعد منسي يديها عنه ، ونظر لها متوسلاً وهو يقول برجـــاء :
-يا ست فردوس إهدي ، خلينا نفهم إيه اللي حصل منه
مط أحمد فمه قليلاً ، وأطرق رأسه وهو يجيبها بصوت هاديء :
-أنا .. أنا معرفش حصلها إيه ، بس أنا خمنت إن ده يكون مكانها
رمشت فردوس عينيها في حيرة ، وتسائلت بإنفعال :
-خمنت ؟ أنا مش فاهمة حاجة ؟! قولي بنتي فين ؟
تنهدت أحمد في تعب ، وتابع بصوت شبه متشنج :
-أنا وصلني إن الزفت أوس اللي كان أخدها راح المستشفى ، فتوقعت إنها تكون معاه
-مين أوس ده ؟
قالها منسي وهو يحك طرف ذقنه
جحظت عيني فردوس في رعب حقيقي ، وبدت علامات الهلع واضحة للعيان على قسمات وجهها .. فذكر إسم هذا الشخص يجعل أوصـــالها ترتعد ، هي تعرف نواياه الخبيثة ، ومدركة لمدى سطوته وجبروته ، ومعنى أن تكون إبنتها الوحيدة معه ، أنها أصبحت في خطر محدق ..
خفق قلبها في ذعـــر ، وتسارعت ضرباته ..
وأردفت بنبرة خائفة :
-سترك يا رب ، بنتي مش ناقصة ، بينا بسرعة على المكان اللي هي فيه !
..............................................
في مشفى الجندي الخاص ،،،،
حرك أوس رأســـه للجانب على الوســادة البيضاء ، وتحرك جفنيه بحركة عصبية زائدة ، وبدأت تتساقط حبات العرق المتجمعة على جبينه لتبلل وجنته والوســادة ..
كذلك إرتفع صدره وهبط وهو يحــاول تنظيم أنفاسه اللاهثة ..
اقتربت منه الممرضة ، وحقنت المحلول المعلق بمادة طبية ، ثم رمقته بنظرات متفحصة ، وإنصرفت من الغرفة دون أن تنبس بكلمة ..
تشنج أوس قليلاً في نومته ، وصر على أسنانه ، وبدى أنه يقـــاوم شيئاً ما بكل ما أوتي من قوة ..
نعم .. فقد هاجمه أحد أسوأ كوابيسه والتي ساهمت في تدمير طفولته ...
.............................
◘◘◘ أمســـك الصغير أوس بطرف تنورة والدته ، وتشبث بها وهو ينظر لها بإصرار :
-مش عاوز أقعد معاه يا مامي
أبعدت يديه عنها ، وجثت على ركبتها لتصبح في مواجهته ، ثم مسحت على وجهه بكفها بحنو أموي زائد ، وأجابته بنبرة دافئة :
-حبيبي ، ده أنكل ممدوح زي بابي وبيحبك أوي
هز رأسه نافياً ، وأجابها بصوت قاتم وهو عابس الوجه :
-لأ !
اقترب منهما ممدوح وعلى وجهه تلك الإبتسامة الوضيعة ، ثم وضع يديه في جيبي بنطاله ، وسلط أنظاره على الصغير ، وأردف بنبرة ماكرة :
-طبعاً ، وهو عــــارف أنا لما بأحبه بأعمل ايه معاه
إبتلع الصغير أوس ريقه بخوف ، وضيق عينيه المذعورتين ، وتوسل لوالدته قائلاً بعناد كبير :
-مش تسيبني معاه يا مامي
عبثت تهاني بفروة رأسه ، وقبلت جبينه ، ثم نظرت له بعطف ، وقالت بجدية :
-أوس حبيبي ، أنا عندي شغل ، وإنت صغير مش هاينفع تفضل لوحدك في البيت، أنكل ممدوح هياخد باله منك ..
ثم إستدارت برأسها للخلف لتنظر إلى زوجها بعشق وهي تســأله بدلال :
-صح يا حبيبي ؟ مش إنت هاتخلي بالك منه ؟
إزدادت إبتسامته الشيطانية إتساعاً وهو يجيبها بثقة :
-طبعاً يا تهاني !
ثم حدق بنظراته القاتمة في أعين أوس وأكمل بنبرة تشبه الفحيح :
-ده أنا هالعب معاه أحلى لعب !!
إنتفض الصغير رعباً في مكانه ، وقبض على كتفي والدته ، وهتف معترضاً :
-اوعي تمشي يا مامي ، خليكي هنا !
أزاحت قبضتيه عن كتفيها ، ونهضت عن الأرضية ، وقبلته في وجنتيه ، وأردفت بصوت رقيق :
-حبيبي مش هتأخر ، صدقني !
جذبها أوس مجدداً من كف يدها ، وهتف عالياً :
-لأ .. استني !
نظرت له بحنو ، وتنهدت في حيرة .. وكادت أن تستسلم لرجائه ، ولكن تدخل ممدوح في الحوار وقال بصوت جاد :
-تهاني حبيبتي ، بلاش دلع بقى ، أنا هافضل معاه
عضت على شفتها السفلى ، وغمزت له بطرف عينها مشيرة إلى طفلها الصغير ، ثم ردت عليه بخفوت :
-بس آآ..
صمتت عن الحديث ، فقد عرف ذراع ممدوح الطريق إلى ظهرها ، ولفه حول خصرها ، وقربها من صدره ، وأخفض عينيه وهو يسألها بهمس :
-حبيبتي إنتي مش واثقة فيا ؟
أجابته بجدية وهيتنظر له بعشق :
-لأ طبعاً ، ليه بتقول كده ؟
أسبل عينيه وهو ينظر لها بعشق ، وتابع هامساً :
-واحشني حضنك يا حبيبتي
تنهدت في شــوق ، ومالت برأسها على صدره ، وأجابته بخفوت :
-حبيبي !
أحــاط بها بذراعيه ، وتحسس ظهرها بلمسات خفيفة ، ثم رفع يده عالياً ليمسد على شعرها ، ومن ثم جذبها منه للأسفل بقسوة ، فتأوهت من الآلم ، وفغرت شفتيها وهي تقول :
-آآآه... ممدوح
إلتقط شفتيها بفمه وقبلها بعنف أمـــام الصغير أوس ليلهب مشاعرها أكثر، ويثير في نفس الوقت حنق الصغير وغيظه ..
كور أوس قبضته بغل ، ونظر إلى كليهما بأعين محتقنة ، وظل يكز على أسنانه بإنفعال ..
أبعد ممدوح شفتيه عن زوجته ، ومسح على وجنتها بنعومة ، ثم جذبها مجدداً من شعرها للأسفل ، وإنهـــال بقبلة حسية أعمق زادت من رغبتها فيه ، ثم تحرك برأسه قليلاً ليتمكن الصغير أوس من رؤيته وهو يغمز له بنظرات مطولة ذات مغزى ، فإرتعد هو على إثرها ، ووقف يرتجف في مكانه ...
تنفست تهاني بصوت لاهث بعد أن تراجعت برأسها للخلف ، وقالت بخفوت :
-أنا ممكن ألغي كل اللي ورايا وآآآ...
وضع إصبعه على فمها ليقاطعها بصوت هاديء :
-لأ يا حبيبتي ، كملي شغلك ، وأنا .. وأنا هافضل هنا مع أوس
نظرت له بشغف ، وقالت بتنهيدة حارة :
-مش مهم ، أنا آآآ...
أحـــاط وجهها براحتيه ، ومسح على شفتيها بإصبعيه ، ثم تابع بإصرار :
-حبيبتي ، يالا ، وأنا هستناكي على نـــار ، لسه قدامنا بقية اليوم
تنفست بعمق ، ثم أومـــأت برأسها موافقة وإبتسمت وهي تنطق بـ :
-أوكي يا ممدوح ، وأنا مش هتأخر !
ثم لوحت بأصابعها لصغيرها وأرسلت له قبلة في الهواء ، وإلتقطت حقيبتها ، وعلقتها على كتفها ، وإنصرفت خـــارج منزلها ..
تراجع الصغير أوس للخلف بخطوات مذعورة ، بينما حدق به ممدوح ومرر عينيه على جسده لينظر له بنظرات شيطانية مقيتة ، ومن ثم غمز له بلؤم ، وهتف بصوت مخيف :
-جه دورك معايا ..!
ثم برزت أنيابه من خلف تلك الإبتسامة الوضيعة وهو يقترب أكثر منه ...◘◘◘
..................................
تلاحقت أنفـــاس أوس بصورة كبيرة ، وتسبب عرقاً غزيراً .. وكاد يختنق في نومته ، وبدأ ينتفض بجسده للأعلى ، ثم حرك رأسه بطريقة عصبية للجانبين ...
وهتف بصوت بدى فيه كأنه عاجز عن النطق بـ :
-آآ.. لـ.. لأ .. لأ !
ثم فـتح عينيه فجــــأة ، ونهض مذعوراً وهو يصرخ عالياً :
-لألألأ ...!
لهث أوس كثيراً بعد أن إنتصب في نومته ، ونظر حوله بنظرات شبه مذعورة ، وحـــاول عقله أن يستوعب ما الذي حدث ..
بدأ يستعيد وعيه تدريجياً ، وتدفق إلى عقله مئات من الذكريات التي حدثت خلال يومين ..
إتسعت مقلتيه الحمراوتين في محجريهما ، وهتف بهلع :
-تقـــــى ...!!!
إبتلع ريقه ، ونظر إلى الإبر الطبية المغروزة في رسغيه ، فإنتزعها وألقاها دون إكتراث ، ثم تأمل حاله ، فوجد نفسه يرتدي لباس المرضى الخاص بمشفى أبيه .. فإزداد تجهم وجهه وقتامته ، وكور قبضته بعد أن إنتزع كل الأسلاك الموصولة به .. و بخطوات ثقيلة نهض عن الفراش ..
ترنح في البداية بسبب حركته المفاجئة ، وتعثر أثناء سيره ، وفقد إتزانه ، ليسقط على الأرضية الصلبة وترتطم رأسه بها ..
ظن أن ما يحدث له نتيجة إعطائه تلك العقاقيــــر الطبية المهدئة ، وبالتالي لم يستعدْ كامل وعيه ..
ولكنه لم يترك المجــال للآلم ، بل زحف بجسده نحو الباب ، ثم إستخدم كلا ذراعيه في الإمساك بالمقبض ليحاول النهوض ..
وبالفعل نجح في الوقوف على قدميه الثقيلتين ، و فتحه ، وخــرج إلى الرواق ..
رأته إحدى الممرضـــات وهو يستند على الحائط ، فركضت نحوه ، وهي تهتف بقلق :
-أوس باشا ، حضرتك آآآ..
نظر لها بعينيه الحمراوتين ، وصــاح غاضباً مقاطعاً إياها :
-امشي بعيد عني
مــدت يدها نحو كتفه ، وهي تردف بتلعثم :
-حضرتك آآ.. اللي بتعمله ده غلط ، وفي خطر عليك وآآآ..
-ابعدي من وشــــــي !
قالها أوس بصوت صــــارم وهو يدفعها بقسوة من كتفها ليرتد جسد الممرضة للخلف ، فتنكمش على نفسها في ذعـــر ، وتتراجع مبتعدة عنه وهي تتمتم بخوف :
-لالالا .. أنا مش هاقدر عليه لوحدي ، لازم أبلغ الإدارة !
ثم ركضت في الإتجـــاه العكسي لتستدعي المساعدة ..
.................................
في نفس التوقيت ، توقفت سيـــارة الأجرة أمـــام بوابة مشفى الجندي الرئيسية ، وترجل منها منسي أولاً بعد أن دفع الأجرة ، ثم لحق به أحمد ، وكذلك فردوس ..
نظر الجميع بإنبهــــار إلى تصميم المبنى الخـــارجي للمشفى ، وللحدائق الغناء المحيطة به ..
نظرت فردوس بتوتر إلى أحمد ، وسألته بتوجس وهي تبتلع ريقها :
-هي .. هي دي المستشفى ؟
أومـــأ أحمد برأسه إيجابياً ، وهو يجيبها بإيجاز :
-اه هي !
تنحنح منسي بصوت خشن وهو يقول :
-طب يالا خلونا نشوف هي فين في المكان ده ، مش هانفضل متنحين هنا كتير !
هزت فردوس رأسها موافقة وهي تتبعه قائلة :
-ماشي يا بني
ولــــج الثلاثة إلى داخل ردهـــة المشفى ، ونظروا حولهم بتفحص ..
أشـــار أحمد بيده نحو المكتب الرخـــامي قائلاً بجدية :
-تعالوا نســأل هناك !
أســـرع ثلاثتهم في خطواتهم ، ووقف أحمــد أمــام موظفة الإستقبال وسألها بصوت صــارم :
-فين حد عندكم هنا بإسم تقى ؟
نظرت لهم الموظفة بنظرات مشمئزة متأملة هيئتهم البسيطة ، وأجابته بصوت جاف وهي ترمقهم بنظرات حــادة :
-مين إنتو ؟
مــدت فردوس كلتا يديها على السطح الرخـــامي ، وقالت متوسلة وعينيها تلمعان :
-بنتي فين ؟ هي عندكم هنا ؟ دليني عليها !
طرق منسي بحدة على السطح ، ولوح بيده أمـــام وجه الموظفة وهو يصرخ بإنفعال :
-إنتي يا أستاذة ماتشوفي في أم الورق اللي قدامك ده تقى عوض الله هنا ولا لأ ؟!
رمقته بنظرات ساخطة وهي تحذره بحدة :
-ماينفعش الأسلوب ده في الكلام معايا
طرق مجدداً بعنف وإزدادت نبرته غلظة وهو يتابع قائلاً :
-أنا أتكلم زي ما أنا عاوز
وضـــع أحمد يده على كتف منسي ، وضغط عليه ، وهز رأسه معترضاً على تصرفاته ، وأردف قائلاً بحذر :
-إهدى يا استاذ منسي ، احنا عاوزين نعرف إن كانت هنا ولا لأ
نفخ منسي من الغيظ ، وفرك وجهه ، ثم مسح على رأسه وهو يقول بحنق :
-اللهم طولك يا روح !
تنفس أحمد الصعداء لأن منسي قد إمتثل – رغماً عنه – لطلبه ، وتسائل بصوت جاد وهو ينظر للموظفة :
-ها يا أستاذة ، تقى عوض الله موجودة عنكم هنا ؟
لوت ثغرها في تأفف ، وأجابته ببرود :
-والله مقدرش أقولك أي حاجة من غير ما اعرف إنتو مين !
إنفعل منسي مجدداً وهو يرد عليها قائلاً :
-يعني هانكون مين غير أهلها وجاين ناخدها معانا ؟
إزداد بريق عيني فردوس وهي تنطق بصوت شبه مختنق :
-يا بنتي تقى دي بنتي وكانت مختفية بقالها فترة ، وولاد الحلال قالولنا إنها هنا عندكم
هــز أحمــد رأسه مؤكداً على حديثها وهو يردف بإيجاز :
-بالظبط
أجابتهم الموظفة بصوت هـــاديء بـ :
-بس أنا معنديش أوامر بإن آآآ....
قاطعها منسي بصوت هائج وهو يطرق براحته على السطح الرخـــامي قائلاً :
-بقولك ايه يا حاجة انتي ، وعزة جلال الله لو ماشوفنا البت تقى حالاً لهطربأ ( يدمر ) المكان ده على اللي فيه
ضيقت الموظفة عينيها ، ورمقته بنظرات متحدية وهي تنطق بصرامة :
-إنت بتهددني ، أنا هاطلبلك الأمن !
وبالفعل أمسكت بسماعة الهاتف الأرضي ولكنها تفاجئت بمنسي يجذبها من يدها ويصيح بصوت هـــادر :
-هاتي الجن الأزرق حتى ، أنا مش ماشي من هنا ، فين أم مدير المكان ده !
حــاولت الموظفة أن تخلص معصمها من قبضته ، وصرخت بنبرة عالية :
-أوعى ايدك ، يا أمن .. يا أمــــــن !
لطمت فردوس على صدرها وهي تصرخ بخوف :
-يالهوي
إتسعت عيني أحمـــد في قلق حقيقي ، فهو يعلم أن نوعية تلك المشافي لا تقبل الإزعــاج أو الفضيحة ، وما قد يتسبب به منسي من ضجة قد تؤدي إلى وقوع ثلاثتهم في مشكلة هم في غنى عنها ، فالهدف الأساسي هو الوصــول إلى تقى ، وليس إفتعال المشاكل ..
لذا أســرع بإبعاد قبضة منسي عن الموظفة ، وأردف قائلاً وهو يصر على أسنانه في حنق :
-إيه اللي بتعمله ده ؟
حدجه منسي بنظرات غير عابئة وهو يجيبه بغلظة :
-ملكش فيه ، أنا بأعرف أتعامل مع الأشكال دي !
إحتقنت عيني أحمـــد أكثر ، وقــال بضيق وهو يتلفت حوله :
-إنت .. إنت عـــارف إنت فين أصلاً ، ولا المكان ده بتاع مين ؟
تجمع رجـــال الأمن حولهم ، وتسائل أحدهم بنبرة رسمية :
-في ايه يا أستاذة ؟
أشـــارت الموظفة بعينيها وهي تجيبه بنبرة محتدة :
-شوف الناس دي بتعمل إيه هنا ؟!
إستشاط منسي غضباً ، وهدر قائلاً :
-بأقولك إيه ، لأ هاتلميلي شوية ناس لابس بدل ومتأيفين ، ده أنا عندي مقاطيع يقلبوا المكان ده دمـــار شامل
وضع حــارس الأمن يده عل كتف منسي ، وقال بصوت جــاد للغاية وهو يرمقه بنظرات حادة :
-تعالى معانا شوية
أزاح منسي قبضته ، وإعترض بحدة :
-مش ماشي من هنا قبل ما آآآ....
قاطعت فردوس ما يحدث بصراخها العنيف بـ :
-يالهووويييي .. الحقونا يا ناس ، مش عاوزيني أشوف بنتي ، الحقوني يا خلق هوووووه !!!
بدأ معظم المتواجدين في ردهــــة المشفى في التجمع لمعرفة ما الذي يدور ..
-في إيه ؟
قــــالها كبير الأطبـــاء بصوت صـــارم وهو يمر على مقربة من الإستقبال ...
ركضت فردوس في إتجاهه ، وبصوت باكي نطقت بـ :
-الحقنا يا بيه ، مانعني أشوف بنتي ، ولا أعرف طريقها فين ؟
عبس كبير الأطباء بوجهه وهو يسألها بجمود :
-مين بنتك دي ؟
إبتعلت ريقها ، وأجابته بصوت متقطع :
-تـ.. تقى عوض الله
-مممم..
أكملت فردوس حديثها بنبرة منكسرة وهي تذرف عبراتها قائلة :
- يا بيه إحنا مش بتوع مشاكل ولا حاجة ، أنا عرفت إن بنتي هنا ، فجاية أشوفها ، واخدها في حضني
حدق هو في الشابين الواقفين بالخلف ، وسألها بجدية :
-ودول معاكي ؟
ظن أحمد أن ذاك الرجل – ذو المنزلة الهامة – ربما يساعدهم في إيجـــاد تقى ، لذا أسرع في خطواته ، ووقف قبالته ، وأجابه بتلهف :
-أيوه.. احنا معاها
توسلت له فردوس بعينيها المتورمتين قائلة :
-الله يخليك يا بيه ، أنا مش عاوزة غير بنتي وبس ، أبوس إيدك أشوفها بس !
ثم إنحنت بجسدها لتقبل كف يده ، فأبعده على الفور ، وأجابها بصدمة :
-إهدي يا ست !
نظر أحمد إلى كبير الأطباء برجـــاء ، وتابع بخفوت وهو يشير بيده :
-يا باشا الست الغلبانة دي عاوزة تطمن على بنتها ، وإحنا واقعين في عرضك
مط فمه في إهتمام :
-مممم
حدجه منسي من الخلف بنظرات مميتة ، وظل يغمغم بخفوت مع نفسه قائلاً :
-وربنا ما ينفع معاهم إلا رجالة الحارة يفرموهم في لحظة !
تأمل كبير الأطباء هيئتهم المزرية ، وأيقن أنهم بصدد التسبب في فضيحة قد تسيء إلى سمعة هذا المشفى الراقي ، ولن يشكل هذا فارقاً معهم ، لذا فهو مضطر أن يرضخ لما يريدون ، حتى يتجنب حدوث ما لا يُحمد عقباه ، فبــادر بجدية وهو يشير بعينيه :
-تعالوا ورايا !
ثم أشــــار بإصبعه للأمن الداخلي الخاص بالمشفى ، وهو يقول بصوت أمـــر :
-روحوا إنتو على البوابة ، أنا هاتصرف !
رد عليه أحد الحرس قائلاً بصوت هاديء :
-حاضر يا دكتور !
نظرت الموظفة لهم شزراً وهو يسيروا في إتجاه المصعد ، وحدثت نفسها بتهكم قائلة :
-لالالا مش معقول .. أنا مش عارفة الأشكال دي دخلوها إزاي هنا ، بيئة طحن ... !!!
...........................
على الجانب الأخــــر جلست المدبرة عفاف على المقعد المعدني الموضوع في الرواق ، والمواجه للحائط الزجـــاجي الذي يطل على فراش تقى الموضوع بداخل غرفة العناية المركزة ، ومسحت بمنشفة ورقية تلك العبرات الأسفة المنهمرة على وجنتيها ..
تنهدت في آسى وهي تتمتم قائلة بنشيج :
-يا رب ترجعي زي الأول ، يا رب ينجيكي يا بنتي !
أطرقت رأسها في حزن ، وأكملت نحيبها وهي تهز رأسها بحركة خفيفة ، ثم إنتفضت مذعورة من مكانها حينما سمعت صوت أوس الهــــادر وهو يصرخ عالياً بـ :
-تقــــــــــــى ...................................... !!