رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الثامن والعشرون
في مشفى الجندي الخـــاص ،،،
تبدلت ملامح وجـــه فردوس للذعــر حينما رأت وجــه إبنتها يبرز من بين أحضـــان شخص ما يحتضنها ..
ظنت في البداية أنه طبيب مــا يتولى تمريضها ، فصرخت بصدمة :
-بنتي !
ثم لطمت بكلا كفيها على صدرها .. وتسائلت بذهــــول :
-إيه اللي حصلك يا بنتي ؟
لحق بها منسي وأحمــد ووقفا على مقربة منها ، ولكنهما لم يتمكنا من رؤية تقى بوضــــوح ..
تحشرج صوت منسي وهو يسأل كبيرالأطباء بإستفهام :
-هو مالها يا حالضاكتور ؟
رمقه كبير الأطباء بنظراته الساخطة وهو يرد عليه ببرود :
-اتعرضت لــ.. لإغتصاب !
برزت عيني فردوس من محجريهما في رعب ، وشهقت وهي تصرخ قائلة :
-يا نصيبتي ..!
ثم اجهشت بالبكاء الحـــار على تلك الفاجعة التي لحقت بإبنتها ، وإنتهكت عرضها ، وعرضتها للفضيحة ..
دار برأسها عشرات الأسئلة ، وحاولت أن تتوصل في جزء من الثانية للإجابة عليهم ، كيف حدث هذا ؟ ومن فعل هذا بها وشرع بلا رحمة في إنتهاك حرماتها وتركها على حافة الموت ؟ ولماذا ابنتها تحديداً ؟ وهل ستنجو مما حدث لها ؟ وكيف ستواجه الفضيحة في الحارة التي تقطن بها ؟ وكيف ستكون نظرة الجيران والناس لها ؟
إنقبض قلبها أكثر وشعرت بالحسرة والمهانة بعد تلك الكلمة التي فجعت روحها .. هزت رأسها في عدم تصديق ، وإنتحبت بنشيج واضح ، وظلت تهز جسدها في إستنكار تام لتلك الكارثة ..
أصيب أحمـــد بذهـــول تام وتشنج وجهه ، وفغر فمه قائلاً :
-ايييييه !
لم يتوقف عقله للحظة عن التفكير في تلك الجريمة النكراء التي تعرضت لها تلك البريئة النقية التي أحبها لبساطتها ولرقتها الشديدة ، ربما لم يعرفها جيداً ، ولكنها أسرت قلبه وخطفت عقله لحظة أن وقعت عينيه عليها .. أرادها أن تكون شريكة حياته إن تهيأت الظروف له لفعل هذا ..
ولكن دمر أحلامه أوس – ذاك البغيض الذي يمقته – حينما طرده من عمله ، وإعتدى بالضرب عليه ، وحرمه منها ..
إبتلع منسي ريقه بعدم تصديق ، وتشدق قائلاً بصدمة :
-هــــاه ، إغتصاب
ثم حك رأسه بغلظة ، فقد مـــر بباله ما إعتاد على فعله مع " رحمة " بإشتهاء ، وتخيل تلك الجريمة الوحشية في تقى الخجلة النقية التي تمنى لو كانت زوجته ، ولكنه لم يكنْ مستعد مادياً لمتطلبات الزواج ، فإكفهر وجهه وإمتعض ، فلماذا هي تحديداً ؟ وهي التي يشهد الجميع بحسن أخلاقها وسيرتها الطيبة ..
هو يعلم أنه زاني ، مرتكب للفواحش ، ولكنه لم يكنْ ليعتدي على أنثى رغماً عنها.. وكان يودْ أن تكون هي شريكة حياته ، فهي طاهرة ، خبرتها قليلة ، لم تكنْ لتعارضه أو تعترض على ما يقدمه لها ، بل على العكس كانت سترضى بالقليل وتحمد الله ، وربما سيكون سهلاً عليه أن يتمتع بحريته ( خاصة في أفعاله الغير أخلاقية ) دون محاسبة ، ويطيعها على طريقة معيشته .. لكن كل ما تمناه ذهب أدراج الريـــاح وأصبح سُدى .. فقد تمتع بجسدها أحد غيره ، وأصبحت – من وجهة نظره - لا تصلح له ..
نظر لهم كبير الأطبــاء بإزدراء ، ولم يهتم بردة فعلهم الصادمة والممزوجة بالعبرات والنشيج ، وتابع بجدية :
-ده التشخيص الطبي لحالتها ، وآآآ...
قاطعته فردوس بلهجة حــــادة - رغم إختناق صوتها - وهي تشير بإصبعها :
-بنتي مش هتستنى هنا لحظة واحدة ، كفاية فضايح بقى ، كفاية !
أفــــاق أحمد من شروده ، وأومــأ برأسه موافقاً إياها وهو يهتف قائلاً :
-ايوه ، احنا هناخدها ، وهتتعالج عندنا !
ظلت تعابير وجـــه كبير الأطباء جامدة ، ورد بهدوء :
-حالتها حرجة ومش هاينفع آآآ...
أمســــك منسي كبير الأطباء من ياقته ، وجذبه بغلظة نحوه ، وصاح بصوت هـــادر :
-بأقولك إيه يا ضاكتور ، هناخدها يعني هناخدها ؟
حـــاول كبير الأطباء أن يحرر ياقته من يده ، وإعترض قائلاً :
-بس ده آآآ....
تدخـــل أحمد في الحوار ، وهتف بإصرار وهو يلوح بيده :
-محدش هايمنعنا عنها يا دكتور !!!
أمعنت فردوس النظر داخـــل غرفة إبنتها عبر الحائط الزجاجي بعد أن مسحت عبراتها بكف يدها ، ورفعت حاجبيها في إندهــاش عجيب وهي ترى إبنتها في أحضـــان من ظنت أنه طبيباً ، وإزداد إنعقاد ما بين حاجبيها وهي تراه ينحني عليها ويقبل رأسها ، فتسائلت بصوت متقطع وهي توزع أنظارها بينهما وبين كبير الأطباء :
-و آآ.. ده .. وده مين اللي معاها جوا ؟
ظن الجميع في البداية أنه الطبيب المرافق لها ، والمتابع لحالتها الصحية ، ولكن حينما دقق كبير الأطباء النظر فيه ، جحظ بعينيه مصدوماً من رؤيته إياه إلى جوارها ، وهتف قائلاً بذهول :
-هــــاه .. أوس باشا !
هتفت فردوس برعب وهي تلطم وجهها :
-يالهوييييي !!
صرخ أحمد بعدم تصديق وهو يضع كفي يده على رأسه بـ :
-مييييين ؟
نظر منسي إليهما بإستغراب ، وسألهما بحيرة :
-مين أوس ده ؟
لم تنتظر فردوس اكثر من هذا ، فقد خشيت أن يقتل إبنتها ، فهي تعرفه حق المعرفة ، ومتأكدة من قدرته على تدمير الأخرين دون أن يبقى أي عقاب ، لذا ركضت في إتجاه الباب ، وإقتحمت الغرفة وهي تصرخ بصوت مرتفع :
-إبعـــــــــــد عن بنتي ..!!!
إنتبه أوس إلى صوت تلك السيدة ورمقها بنظرات حادة من عينيه الحمراوتين ، وهتف محتداً :
-بـــــــــــرا
هزت رأسها نافية ، ولم تحيد بنظراتها المحتقنة عنه ولا عن إبنتها ، وأجابته بإصرار عجيب :
-لأ مش هاطلع برا يا باشا ، بنتي وهاخدها غصب عنك !
ضم أوس تقى أكثر إليه ، كاد أن يدخلها في ضلوعه حتى يحميها من الأخرين ، و أولــى فردوس ظهره ، وحدجها بنظرات صارمة وهو يهتف بصوت قاتم :
-مش هايحصل !
لحق بها أحمــــد ، ورمقه بنظرات مشتعلة ، وصاح هو الأخـــر بتحدٍ سافر :
-تقى هاتيجي معانا يا .. يا باشا !
نهض أوس من على الفراش وهو يضم تقى إلى صدره ، وأحاطها جيداً بذراعيه ، وتراجع للخلف وسحبها معه وهو يصرخ بعصبية :
-محدش هياخدها مني ، إنتو سامعين ، تقى ليا وبس ، ليا وبس !
دلف كبير الأطباء إلى الغرفة ، وأردف بهدوء حــذر وهو يشير بيده :
-إهدى يا باشا ، محدش هايعمل حاجة ، إنت بس آآ....
قاطعه أوس قائلاً بصراخ عنيف:
-بــــــــــــرا ، الكل يطلع من هنا ، محدش يقرب مننا !
ولــــج منسي إلى الغرفة ، وإشرأب برأسه محاولاً رؤية ذلك الرجل ، وإعتلى وجهه الدهشة الممزوجة بالغضب حينما أمعن في تفاصيل وجهه التي حفرت في ذاكرته ، وهتف بصوت مرتفع :
-أنا فاكره الجدع ده ، هو .. أيوه هو !!!
إشتعلت عيني منسي ، وتلاحقت الدمـــاء الغاضبة في عروقه بعد أن تذكر ما فعله معه من قبل قبل عدة أشهـــر ، حينما إعتدى بالضرب المبرح عليه أمـــام جيرانه بالحـــارة ، وهز من صورته ، وجعله يشعر الخزي لفترة ..
كور هو قبضته في غضب واضح ، وصرخ بغل :
-و الوقتي جه دوري إن أخد حقي منك
إلتفت منسي لكبير الأطباء ورمقه بنظرات محذرة وهو يهتف فيه بقوة :
-إطلع برا يا ضاكتور
نظر له كبير الأطباء بإندهاش عجيب ، ورفع حاجبه وهو يسأله قائلاً
-أفندم ! إنت بتقول إيه ؟
-زي ما سمعتني يا ضاكتور
قالها منسي بصوت جاد وهو يدفعه بعنف إلى خــــارج الغرفة ..
نهره كبير الأطباء بإستنكار شديد وهو يقاومه بـ :
-إنت أد الحركة دي ؟ إنت عـــارف أصلاً إنت بتتعامل مع مين ؟
أجابه منسي بعدم إكتراث بعد أن ألقى به للخــــارج
-لأ مش عارف ، ومش عاوز !
ثم صفق الباب بقوة وأوصــده ، وإستدار بجسده ليواجه أوس ويرمقه بنظراته المشتعلة ، وهتف قائلاً وهو يلوح بيده :
-بس أنا هاخد حقي من الكلب اللي هناك ده
صــــاح كبير الأطباء بخوف شديد وهو يطرق على الباب الزجـــاجي :
-إنت مجنون ، افتح الباب
صرخت فردوس بعصبية وهي تمد كلا ذراعيها في إتجاهه :
-هات بنتي ، سيبها !
لف أوس ذراعاً واحداً حــول ظهر تقى ليسندها ، وأحكم قبضته عليها .. نظر هو لهم بشراسة بعينيه الحمراوتين ، وأشــــار بيده الأخــرى في أوجه المتواجدين محذراً وهو يهتف بصوت حـــاسم :
-محدش هياخدها مني ، فاهمين !
تحرك أحمـــد خطوة في إتجاهه ، وهتف متحدياً إياه :
-مش بمزاجك المرادي يا باشا
أضـــاف منسي هو الأخــر بنبرة تهديد صريحة :
-جه وقت الحساب !
...................
ركض كبير الأطباء في الرواق وهو يهتف بصوت مفزوع بـ :
-هاتوا الآمن بسرعة ، في مصيبة بتحصل هنا في المستشفى !
كان الرواق شبه خــالي من الممرضين والعاملين ، فتعصب هو اكثر ، وأضاف لنفسه بصوت محتقن :
-هانروح كلنا في داهية لو الباشا أوس جراله حاجة !
ثم صــــرخ بصوت عالي :
-فيييييين الأمن !
....................................
بداخل غرفة العناية الخاصة بتقى ،،،
تبادل كلاً من أحمـــد ومنسي النظرات الغاضبة ، وأشـــار كلاهما نحو أوس وتقى ، ثم تحركا في إتجاههما ، بينما تنحت فردوس للجانب ، وتابعت بتوجس ما سيحدث ..
أشـــار منسي بعينيه لأحمــد ليتحرك في الإتجــاه المقابل ، وحدق بهما أوس بنظرات شبه منزعجة ، فهو في حالة صحية منهكة ، وتشبث بتقى أكثر ، ولم يفلتها منه ..
وفي لحظة واحدة باغت كلاهما أوس بالهجوم عليه ، وحـــاول أحمد أن ينتزع تقى من أحضـــان أوس الذي إهتــاج صارخاً :
-مش هاتخدها مني ، ده لو على موتي
نظر له أحمد بنظرات مغلولة ، وهتف بإصرار :
-وأنا مش هاسيبهالك يا باشا ، هاخدها منك
في حين أمســـك منسي برأس أوس ، وحــاول أن يلوي عنقه ، فصرخ الأخير متأوهاً ك
-ابعد يا **** !
لكمه منسي بقوة في وجهه ، وهو ينطق بتشفي :
-ده أنا مصدقت أخد بتاري منك ، خــــــــد يا بن الـ *****
-آآآآآآه ..
كافح أوس للحفاظ على تقى وبقائها معه ، لكنه لم يكن يملك القوة الكافية للدفــاع عنها وعن نفسه .. فقد إنهـــال الإثنين بالضرب المبرح عليه ، وأشبعوه من اللكمات والركلات القاسية فلم يعد يشعر بالآلم ، فهمه الأكبر بات الإحتفاظ بتقى قــدر الإمكــــان في أحضانه ..
سقط أوس أرضـــاً ، وكذلك تقى ، فأحاطها بذراعيه ، وجثى فوقها ، وأولى ظهره للإثنين اللذين لم يكفا عن ركله بإهتياج في جسده ، وتحمل الضربات العنيفة عليه من أجــل حمايتها ..
ظل ينظر إليها ممتعاً عينيه بقربه الشديد منها ، لم يعبأ بالآلم الصارخ في جسده ، فهو يشعر بأنفاسها تلفح وجهه ..
إنضمت فردوس هي الأخرى إلى الرجلين ، وقامت بخدش أوس بأظافرها في وجهه وهي تصرخ بصوت محتد :
-كفاية بقى ، إبعد عننا ، وسيب بنتي في نصيبتها
لم يجبها أوس بل ظل محدقاً بزوجته .. ولكنه شعر بالإختناق فجـــأة ، فقد أطبق منسي على عنقه ، وضغط بقسوة على عروقه ، فمنعه من التنفس بصورة طبيعية ..
ثم عـــاونه أحمد في جذبه للخلف ، وإجتهدت فردوس في تخليص ذراعيه بعيداً عن إبنتها
نجح الثلاثة في إبعاد أوس عن تقى ، فإستغل منسي الفرصة وأوسعه ضرباً .. وسحبه إلى زاوية الغرفة ..
نعم .. فقد جاءت الفرصة ليقتص لنفسه ، فلكمه تـــارة في صدره ، وتـــارة أسفل بطنه ، فإنحنى أوس متألماً ، وكافح ليرد الضربات ، ويعود ليأخذ زوجته في أحضانها لكن هيهات ، فهو أضعف من تلك المواجهة الغير متكافئة ، و لم يتركه منسي إلا وقد طبع أثار قبضاته على مختلف أجزاء جسده ..
جثت فردوس على ركبتيها ، ورفعت جسد إبنتها الهزيل نحوها ، وأسندت رأسها على فخذيها ، وهتفت بصوت باكي :
-بنتي ! ايه اللي جرالك يا ضنايا ؟ روحتي مني يا حبيبتي !!
ثم إنحنت بجسدها عليها ، وقبلتها في جبينها ، وتابعت بأنين مرير :
-عملوا فيكي ايه ؟ كنتي وردة مفتحة معايا ، دبحوكي يا غالية ورموكي ، آآآآآه .. يا حرقة قلبي عليكي ، آآآآآه ، أنا السبب في اللي جرالك ، أنا السبب !
إستشاط أحمـــد غضباً لرؤية تقى على تلك الحالة الحرجة ، فإزداد إهتياجه على أوس ، وضربه بشراسة أكثر في وجهه حتى طرحه أرضــاً .. ثم ركله في معدته بعنف وهو يصرخ بعصبية :
-ماسيبتهاش ليه تعيش حياتها زي بقية الناس ، اشمعني هي اللي تاخدها مني ؟ استفدت إيه من اللي حصلها ؟ كنت فين وهي بيجرالها اللي جرى ، انطـــق .. قــول كنت فين ؟
جاهد أوس ليفتح عينيه لينظر نحوها ، ولكن أغلقت اللكمات جفنيه ، وجعلتهما أكثر ثقلاً .. فهمس بضعف شديد :
-تـ... تقى !
ثم حـــاول أن يزحف في إتجاهها ، ولكن أمســك به منسي من قدمه ، وجره للخلف ، وجثى فوقه بعد أن أداره في إتجاهه ، وظل يكيل له بعنف في وجهه حتى نزف فمه وأنفه خيوطاً من الدمـــاء وهو يصر على أسنانه قائلاً بقسوة :
-مش منسي يا باشا اللي يسيب حقه ويدارى زي الحريم ، هـــاه ، سامع مش منسي !
كاد أوس أن يختنق بدمائه وهو يكافح للصمـــود ، وحــاول لأكثر من مرة أن يدير رأسه في إتجاه تقى ، ولكن كانت اللكمات تحول دون هــذا ..
..............................................
وصـــل رجـــال الآمن إلى الرواق ، ومعهم كبير الأطباء ، وركض الجميع في إتـــجاه غرفة تقى ..
أسرع أحدهم بمحاولة فتح الباب الموصـود من الداخل ولكنه فشل ، وأردف بتوجس :
-مقفول يا باشا من جوا !
هتف كبير الأطباء بصراخ هــادر بـ :
-هو إنت غبي ؟ ما أنا عارف إنه مقفول ، إتنيل افتحه !
تدخــل حارس أخــر بجسده ، وقال بجدية :
-حاسب إنت ، أنا هاكسره !
نفخ كبير الأطباء بغيظ ، وأمرهما بصوت صــــارم بـ :
-اتصرفوا ، بس الباشا لازم يخرج حالاً ، فاهمين !
عــــاودت المدبرة عفاف أدراجها حينما يئست من إيجاد الطبيب ، وبصحبتها الممرضين ، فتفاجئت بالحشد المتواجد أمـــام باب غرفة تقى ، فإنقبض قلبها لوهلة ، وأسرعت في خطاها ، وحدثت نفسها بذعر قائلة :
-في ايه ؟ استر يا رب !!!
رأت هي كبير الأطباء وهو يتراجع للخلف ، وأحد رجـــال الأمن يحـــاول تحطيم باب الغرفة ، فتسائلت بخوف :
-هو حصل إيه ؟
أجابها بصوت محتقن وهو يشير برأسه بـ :
-في شوية بهايم جوا حاجزين الباشا أوس وبيتخانقوا معاه !
نظرت له بهلع ، وصرخت مصدومة بـ :
-ايييييه !!!
.................................................
بداخل الغرفة ،،،،،
إنتهى الإثنين من النيل من أوس وضربه ، فمسح منسي الدمــاء من على كفه في زي أوس الطبي ، ونهض من عليه وقد إلتوى فمه بإبتسامة إنتصـــار :
-اللعب مع رجــالة الحواري خطر يا باشا ، وأديك عرفت ده كويس !
في حين إتجــــه أحمد نحو تقى ، وجثى إلى جوارها ، ومـــد يديه نحو كفيها ، وربت عليهما ، وهمس لها قائلاً :
-تقى ، خدنا حقك منه ، سمعاني ، إحنا انتقمنا منه ، إنتي في أمــان دلوقتي !
نظرت له فردوس بأعين باكية وهي تجيبه بخوف :
-بنتي ! مش بترد عليا !
أرخـــى أحمد يده عن كف تقى ، وربت به على كتف فردوس ، ونظر لها بنظرات قوية وهو يجيبها بثقة :
-ماتخفيش يا ست فردوس ، بنتك رجعتلك ، وانا هاحميها
كتمت فردوس شهقاتها بكف يدها وهي تجيبه بصوت مبحوح :
-بنتي هاتموت ، بنتي هاتروح مني !
هــــز أحمـــد رأســه معترضاً وهو يرد عليها بإصرار :
-لألألأ .. تقى هاتعيش !
نظر منسي إلى الحائط الزجاجي ، فوجـــد التجمع المتواجد بالخـــارج ، فأردف قائلاً بجدية :
-بيتهيألي احنا عملنا الواجب وزيادة ، يالا بينا !
أومـــأ أحمد برأسه موافقاً ، وهو يجيبه بإيجاز :
-ماشي
وضـــع منسي يده على كتف أحمد ، وأرجعه قليلاً للخلف وهو يقول بصوت صــارم :
-عنك شوية
أفســـح أحمد له المجــال بعد أن نهض من على الأرضية ، في حين إنحنى هو للأسفل ليتمكن من وضع ذراعيه أسفل جسد تقى المتراخي ، ثم حملها من بين أحضــان والدتها ، وإتجه نحـــو الباب ..
نهضت فردوس هي الأخــرى عن الأرضية ، وسارت خلفه وهي تكفكف عبراتها بكفيها ....
أشـــار منسي بعينيه لفردوس قائلاً بجدية :
-افتحي يا ست أم تقى الباب !
-حاضر يا بني !
اقترب أحمد من أوس الراقد أرضاً وهو يتلوى من الآلم ، ويصدر حشرجات قوية من حنجرته ، ثم إنحنى نحو أذنه بعد أن جثى على ركبته ، ، وهمس قائلاً بتشفي :
-وعرفت أخدها منك يا باشا ، وريني هاترجعها تاني إزاي ، هي معمرهاش كانت ليك ، ولا هاتكون ، تقى مش ليك يا باشا ، سامعني مش ليك .!
مـــد أوس كفه ليمسك بأحمد ويخدشه في وجهه ، ولكن أبعد الأخير يده ، وركله لمرة أخيرة ، وأسرع في إتجاه الباب ...
................................
تفاجيء جميع من بالخــــارج بمنسي وهو يحمل تقى ، وتراجعوا للخلف بعد أن هـــدر بصوت عنيف :
-وسعوا سكة بدل ما أطربأ المكان على اللي فيه ، ومش هايهمني أتخن حد فيكم هنا
أضـــاف أحمد هو الأخـــر بنبرة مهددة وهو يلوح بذراعيه :
-إرجع لورا إنت وهو .. يالا !
أشــــار كبير الأطباء للجميع بالتراجع وهو يقول بتوتر :
-الكل يبعد ، سيبوهم يمشوا
لقد أثـــر كبير الأطباء أن يتخلص من تلك الحفنة من البشر حتى يصل إلى إبن رب عمله .. فهو شاغله الأكبر ..
راقبت المدبرة عفاف الثلاثة وهم يندفعون في إتجاه الرواق مبتعدين عن المكان بنظرات خائفة ، وضمت يديها إلى صدرها ، وهمست برعب :
-عملتوا ايه في الباشا وفيها ؟
...............................
زحـــف أوس بجسده المنهك من أثر الضرب في إتجاه الباب ومـــد يده محاولاً الإمســـاك بما تبقى من أثــر تقى التي رحلت مبتعدة عنه .. وجاهد ليفتح عينيه التي غطتهما الدمـــاء ، وصرخ بصوت مبحوح للغاية ك
-تقــــى .. تقى !
دلف الجميع إلى الداخل فوجدوا الحالة الرثة التي أصبح عليها أوس الجندي ، فأسرعوا نحوه ، ولكنه رفض أن يمـــد إليه أي أحد يد المساعدة ، وصرخ رغم ضعف صوته بـ :
-محدش يجي جمبي ، محدش يقرب مني !
رد عليه أحد رجــال الأمن بتوجس قائلاً :
-يا باشا ، إنت آآ...
كافح أوس للوقوف على قدميه ، وترنح بشدة وهو يقترب من باب الغرفة ، ولم يكن يرى أمامه بوضوح ، فقد كان ينظر بنصف عين ..
ركض في إتجاهه كبير الأطباء وهتف بقلق وهو يضع يده على كتفه :
-استنى يا باشا ، ده إنت حالتك آآ...
قاطعه أوس بصوته المتحشرج وهو يلكزه في صدره :
-محدش ليه دعوة بيا ، وسعوا من طريقي ، سيبوني !
سقط أوس أرضـــاً ولم يتمكن من الوقوف بسبب تدهور حالته ، وحالة عدم الإتزان المسيطرة عليه ..
شهقت المدبرة عفاف حينما رأت حالته ، وقالت بنبرة هلعة :
-آآ.. أوس باشا ، مش ممكن !
أصابت أوس حالة من الإعياء الشديد ، ولم يعد يشعر بجسده ، فقط آلام رهيبة ووخزات عنيفه تجعله يصرخ أكثر ...
أشـــار كبير الأطباء للممرضين بالتدخـــل فوراً ، وحمل أوس رغماً عنه ليتلقى العلاج الفوري ..
وبالفعل نفذوا ما طلبه منهم ، ووضعوه على " التروللي " الطبي ..
وبالرغم من حالة الضعف الشديدة المسيطرة عليه إلا أن أوس لم يتوقف عن المقاومة ، وظل ينتفض بجسده محاولاً النهوض ..
حاولت عفاف تهدئته ، وجثت إلى جواره ، وأدمعت عينيها لرؤيته هكذا .. هـــدر أوس قائلاً بصوت صـــارخ قبل أن يحقنه كبير الأطباء بمخدر ما :
-تقــــى ، محدش هياخدك مني ، هاوصلك ، مش هاسيب الكلاب دي تبعدك عني ، أنا راجع تاني ، راجـــع وهاخد من وسطهم ، ومحدش هايمنعي ، محدش هايمنعني .. مــ.. مــ..آآآآ... !
ثم خفت نبرة صوته تدريجياً ، وإستكان جسده تماماً ، وإمتزجت عبراته بدمــائه المراقة على من فـــارقته اليوم رغماً عنه ........................................... !!!