رواية وانحنت لاجلها الذئاب الجزء الثالث من (سلسلة الذئاب) الفصل الثالث والثلاثون 33 والاخير بقلم منال سالم


 رواية وانحنت لاجلها الذئاب الجزء الثالث من (سلسلة الذئاب) الفصل الثالث والثلاثون والاخير 

في منزل تقى عوض الله ،،،،

اتجهت تهاني لتفتح باب المنزل بعد أن إستمعت إلى دقــات خافتة عليه ، وإرتسم على ثغرها إبتسامة صافية حينما رأت عوض وبصحبته الشيخ أحمد ، فرحبت بالأخير قائلة :
-وعليكم السلام ، يا أهلا وسهلاً يا شيخنا ، نورت البيت 

أجابها بإبتسامة مهذبة وهو مطرق رأسه للأسفل :
-منور بأصحابه 

أشـــارت بيدها ليدلف إلى الداخــل ، وهتفت قائلة :
-اتفضل يا شيخنا

تنحنح هو بصوت خشن وهو يقول :
-يا رب يا ساتر 

إستند عوض بكف يده المجعد على ظهر الشيخ ، وتشدق بـ :
-اتفضل يا شيخ أحمد ، البيت بيتك !

رمقه الشيخ أحمد بنظرات ممتنة وهو يرد عليه :
-كتر خيرك يا عوض

أضــاف عوض قائلاً برجــاء :
-معلش يا ست تهاني شوفيلي فردوس صاحية ولا لأ ، الشيخ أحمد جاي يسلم عليها 

هزت رأسها بحركة بسيطة وهي تجيبه :
-أه طبعاً ، لحظة وهناديهالك 

بعد لحظـــات ولجت فردوس إلى الصالة وعاونتها تهاني في الجلوس على الأريكة ، فنهض الشيخ أحمد لتحيتها قائلاً بنبرة مهذبة :
-السلام عليكم ورحمة الله ، إزيك يا ست فردوس 

ردت عليه بفتور وهي تستند بيدها على مسندي الأريكة :
-وعليكم السلام ، نحمده !

تابع قائلاً بهدوء حذر :
-أنا جاي النهاردة اطمن عليكي بعد ما عرفت من عم عوض باللي جرالك !

لوت فمها بتهكم ، ولم تعقب ، فإستشعر الشيخ أحمد عدم ترحيبها بزيارته ، ولكنه أكمل بهدوء :
-ده النبي عليه الصلاة والسلام وصى على سابع جار وأنا آآ...

قاطعته فردوس قائلة بسخط :
-جاي تطمن ولا تشمت فيا زي غيرك ؟!
رد عليها بإعتراض وقد تحول وجهه للعبوس :
-حاشا لله .. انا مش من الناس دي يا ست فردوس !
ردت عليه بحنق :
-كله بيقول كده 
أخــذ الشيخ أحمد نفساً عميقاً ، وزفره على مهل ، وأدار بمسبحته بأصابعه ، وأكمل بهدوء جدي :
-أنا غيرهم يا ست فردوس .. وبعدين أنا جاي اعاتبك على اللي كنتي هاتعمليه مع بنتك !!

زفـــرت بنفاذ صبر وهي تقول مدافعة عن نفسها :
-أنا مغلطتش ، أنا نيتي كانت خير ، وآآ....
قاطعها قائلاً بجدية :
-لا يا ست فردوس ، إنتي غلطتي ، وإرتكبتي ذنب كبير في حق بنتك !

رددت بإندهـــاش وهي متجهمة الملامح :
-ذنب !!!

أوضح لها قائلاً بنبرة رزينة :
-ايوه ربنا سبحانه وتعالى بيقول في كتابه العزيز (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ))
ردت عليه فردوس بإعتراض جلي :
-بس أنا مقتلتش حد !

برر لها قائلاً بهدوء :
-إنتي أخدتي بنتك للتهلكة ، ولمكان الله أعلم كان ممكن تنجو منه ولا لأ ، وعصيتي المولى وعملتي شيء يغضبه !

إنقبض قلبها رهبة ، وأردفت قائلة بتلعثم :
-بس هي كويسة وآآ... وحتة البتاعة اللي في بطنها كان ممكن تسقط من أي حاجة ، وأنا ميكونش ليا لي دخل ، يعني هي آآ...

قاطعها قائلاً بإعتراض وهو يشير بيده :
-لا يا ست فردوس ، إنتي فاهمة غلط ، ربنا – عزوجل - نفخ في رحم بنتك الروح ، وجعلها تحمل من زوجها ، والنطفة تحولت بمشيئته لعلقة ، ومنها إلى مضغة ، وبعدها بقت بتنبض جواها ، فإنتي كنتي هتموتيها !

إرتجف جســـد فردوس من كلماته الشيخ أحمد ، وإستشعرت عِظم ذنبها .. ثم إبتلعت ريقها بتوجس ، وضمت كفها إلى صدرها ، فأحست بتسارع نبضات قلبها ...

أضـــاف الشيخ أحمد قائلاً بتوبيخ :
-ده بدل ما تقفي معاها ، وتكون سند ليها ، وتحمدي ربنا على نعمته عليكي إنه رزقك ببنت بارة تقية زيها ؟!!!

أدمعت عينيها الضريرتين متأثرة بما قاله ، في حين أكمل هو بنبرة معاتبة :
-مين في الزمن ده لسه عندوا ولاد كده بالأخلاق دي ؟

تنهد بحـــزن وهو يتابع بنبرة جادة :
-انتي يا ست فردوس اتبطرتي على نعمة ربنا ، فهو حرمك منها ، وخلاكي تجربي إحساس ضياع النعمة !!

أجهشت بالبكاء ، وإنتحبت بشهقات متتالية ، فأكمل محذراً :
-نصيحتي ليكي يا ست فردوس تتوبي ، وتستغفري ربنا على أد ما تقدري لعله – سبحانه -  يغفرلك ذنبك !!
استشعرت خطئها بقـــوة ، وأدركت أنها بالفعل عانت الكثير بعد فقدانها للبصر ، بالإضافة إلى الوحدة والعزلة .. فقد باتت منبوذة ، مكروهــة من أقرب الناس إليها .. 
لقد تأكدت من جريمتها ، وأنها مذنبة من رأسها لأخمص قدميها ..

أنهى الشيخ أحمد حديثه قائلاً :
-أرجو إن كلامي يكون بفايدة معاكي ، و تحسي بقلبك وبعقلك بالغلط اللي عملتيه في حق بنتك ، واحمدي ربنا على عطاياه مهما كانت ، هو رزقك بإنسانة كويسة ومحترمة ، ودي نعمة في حد ذاتها ، وإنتي أحسن من ناس كتير بيعانوا من عقوق أبنائهم وجحودهم ! 

تعالت شهقاتها ، ورغم هذا لم يشفق عليها زوجها عــوض ، فهو يرى أنها لو بكت لسنوات فلن يكون هذا كافاً لتعويض ابنتها عن لحظة واحدة مما عانته ...
........................................

بعد مــــرور عدة أيـــام ،،،
في فيلا عدي ،،،

دندنت ليـــان بحماس وهي تستحم في المرحــاض بعد أن عـــادت من المقر الرئيسي للمجموعة ، فقد إصطحبها عدي معه لترى على أرض الواقع كيف يتم العمل هناك .. وتحمست كثيراً لأن تكون جزءاً من تلك المؤسسة العريقة التي شيدها شقيقها ، وشاركه في هذا النجاح زوجها .. وتمنت بجدية أن تنتهي سريعاً من دراستها الجامعية لتلتحق بالعمل معهما ..
كذلك أعجبها الدقــة والتنظيم في العمل ، وروح الفريق البادية على جميع الموظفين .. 
لم تغلق هي الباب جيداً ، واكتفت بسحب الستارة البلاستيكية عليها ..

أنهى عدي إتصالاً هاتفياً مع أحد العملاء وهو يصعد على الدرج ، ثم نزع رابطة عنقه ، وحل أزرار قميصه ، وولج إلى الغرفة وهو يصفر بخفوت ..
استمع إلى صوت دندنة خافتة تنبعث من المرحاض ، فقطب جبينه متعجباً ، وتسلل بحذر نحوه ..
إشرأب بعنقه محاولاً رؤيتها ، فلمح طيفها من خلف الستار وهو يتراقص ..
لاح على ثغره إبتســامة عابثة ، ودار برأســـه الكثير من الأفكار المتهورة ..
هو يشتهي وجودها بقربه ، ويُمني نفسه بقضاء أمتع الأوقــات في أحضانها ..
وظل يؤجــل كل فرصة سانحة للحصول على مبتغاه منها حتى لم يعد بقدرته التحمل أكثر من هذا .. 
شعور بداخله يحثه على الإنطلاق معها ، والبوح بمشاعره ..
ولذا لم يمهل نفسه فرصة للتفكير أو  التريث ، بل أســرع في نزع ثيابه ، واتجه نحو المسبح .. فقد تمكن منه تماماً شغفه بها ...
شهقت ليـــان بذعــر حينما رأت من يحاوطها من الخلف ، وتلوت بجسدها محاولة تحريره ، وكادت أن تصرخ بعنف طالبة للنجدة ، ولكن طمأنها عدي قائلاً بعد أن كمم فمها :
-اهدي يا ليو ، ده أنا ! 

إستكان جســـدها نوعاً ما بعد أن إطمأنت منه ، وتوقفت عن المقاومة ، ولكن لم تهدأ الثورة الهائجة بداخلها ..
شعرت هي بسخونة بشرته عليها ، فأشعل بها لهيب الحب  ..
تذكرت هي أنها تقف أمامه بلا شيء يسترها .. فإصطبغ وجهها بحمرة مثيرة .. وأطرقت رأسها خجلاً منه ، واضطربت مشاعرها بصورة جلية .. وبدت كالتائهة أمامه ..
همس لها عدي قائلاً بإشتياق :
-أنا بأعشقك يا ليو ! بأحب كل حاجة فيكي ، ونفسي فيكي أوي !

ثم طبع قبلة حـــارة على عنقها فألهبت مشاعرها نحوه أكثر .. وأدارت رأسها ناحيته وهي تجيبه بصوت لاهث :
-وأنا كمان ! 

حفزته كلماتها على المضي قدماً معها ، وبدأ يبث إليها أشواقـــه الحارة مستخدماً طرقــه المغرية التي أصابتها بالجنون واللهفة ، وماهي إلا لحظـــات حتى انغمس الاثنين في لذة العشق ، وسبحا سوياً في عالم خاص بهما ، فإرتوت فيها ليـــان من بحور الغـــرام ، وإرتشف فيها عدي من أنهــر العسل المصفى .. وباتا لأول مــرة منذ أشهر زوجين عاشقين منسجمين في روحهما وجسدهما ...
..................................

في مركز ما للإنجـــاب والحقن المجهري ،،،

مـــرت عدة أيـــام قبل أن يقرر عبد الحق وزوجته بطــة الذهــاب إلى المركز للتأكد من حدوث الحمل ..
ترقب الإثنين ظهور نتائج التحليل النهائية بفـــارغ الصبر ..
أمسكت بطة بكف زوجها ، ونظرت إليه بقلق ، وهمست بصوت متقطع ومتوتر :
-أنا خايفة أوي يا عبده 

ضغط على أصابعها بقبضته ، ورد عليه بترقب :
-اتعشمي في الله ، وهو كريم ! 

تنهدت بحرارة وهي تضيف بإنزعاج :
-ربنا يكملها على خير !

هـــز رأســه عدة مرات وهو يقول بخفوت :
-إن شاء الله

بعد دقائق ولجت الطبيبة إلى الداخل وهي ترسم إبتسامة لطيفة على ثغرها ، فهب الاثنين واقفين من مكانهما ، فأردفت قائلة وهي تشير بيدها :
-سوري على التأخير ، اتفضلوا اقعدوا !

سألها عبد الحق بتلهف :
-خير يا ضاكتورة ؟

إبتلعت بطة ريقها بخوف وهي تهتف بتلعثم :
-طمنينا الله يرضى عليكي !

ابتسمت لهما وهي تجيبهما قائلة :
-النتيجة إيجابية  

تبادل الإثنين نظرات حائرة ، وحبست بطة أنفاسها في صدرها ، بينما تسائل عبد الحق بعدم فهم :
-يعني ايه ؟

هتفت بطة بتوتر كبير واضح على ملامحها ونظراتها :
-أنا مش فاهمة

زادت إبتسامة الطبيبة إشراقاً وهي تقول بهدوء :
-مبروك ، الحمل حصل ! 

تلاحقت أنفاس بطة وهي تهتف بعدم تصديق :
-ايييييه !

رفع عبد الحق يديه عالياً للسماء ، وصــاح مهللاً :
-الله أكبر ، يا ما إنت كريم يا رب ، بطة مراتي حبلى !

أضافت الطبيبة قائلة بجدية :
-طبعاً في شوية حاجات هنعملها عشان الحمل يكمل بدون مشاكل وآآ...

قاطعها عبد الحق بنبرة سعيدة :
-اللي تؤمري بيه يا ضاكتورة هانفذه ! 

ثم إلتفت إلى زوجته ، وإحتضنها بقوة ، وصــاح بنبرة أقرب للبكاء :
-الحمدلله يا بطة ، ربنا عوضنا خير ، وهايبقى عندنا عيل صغير !

بكت بطة غير مصدقة ، ونظرت إلى زوجها بسعادة وهي تجيبه :
-أنا مش مصدقة والله ، أنا .. أنا هابقى أم ويبقى عندي عيال !

إبتسم لها وهو يردد بفرحة :
-ايوه ، وإن شاء الله يبقى عندنا بدل العيل اتنين وتلاتة وعشرة 

هزت رأسها قائلة بإرتيـــاح وهي تمسح بكفها عبراتها المنهمرة :
-واحد بس يرضيني ! 

......................................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،

انتهى أوس من ترتيب كافة مواعيده خلال الفترة القادمة حتى يتسنى له أداء مناسك العمرة مع زوجته دون وجود أي تعطيل لأي أعمــال مؤجلة أو عالقة ..

دقت السكرتيرة على الباب بخفة قبل أن تلج للداخل وهي تقول بهدوء ومشيرة بيدها :
-في يا فندم واحدة برا عاوزة تقابل حضرتك !

سألها بجمود وهو قاطب جبينه :
-مين دي ؟

ردت عليه بحذر وهي ترمش بعينيها :
-اسمها مدام تهاني 

هتف مصدوماً وهو يضيق نظراته بشدة :
-ماما !

نهض عن مقعدة فجـــأة ، و أشـــار لها بإصبعه وهو يأمرها قائلاً :
-دخليها بسرعة !

حركت رأسها بإيماءة خفيفة وهي ترد بخفوت :
-حاضر 

ثم تحركت في إتجاه الباب بخطى ثابتة ، وأشـــارت لتهاني بيديها لكي تمرق إلى الداخل ، ثم إنصرفت هي وأغلقت الباب على كليهما ...
تحرك أوس نحو والدته ، ورمقها بنظرات مندهشة وهو يسألها بجدية بالغة :
-حصل حاجة يا ماما ؟

ردت عليه بإبتسامة صافية وهي تجيبه :
-اطمن يا بني ، كل حاجة بخير !

ثم مسحت على صدغه بكفها ، وأضافت بنبرة دافئة :
-أنا جيت أطمن عليك ، وأشوفك !

إرتسم على محياه ابتسامة هادئة وهو يقول بإيجاز :
-تمام  

جلس الاثنين على الأريكة العريضة ، فأردفت تهاني حديثها قائلة بهدوء وهي محدقة بإبنها :
-كنت عاوزة أخد رأيك في حاجة كده !

رفع أوس حاجبه للأعلى ، وســألها بإهتمام وهو يطالعها بنظراته القوية :
-ايه هي ؟

تنفست تهاني بعمق ، وأجابته بإرتباك :
-بص أنا فكرت في موضوع القصر ، و..آآ.. وجه في بالي أعمله دار للمسنين 

مط أوس فمه للأمـــام وتابع حديثها بإهتمام دون أن تحيد عينيه عنها ..
تنهدت مجدداً  ، وأكملت بجدية :
-أنا شايفة إن دي أكتر حاجة ممكن أستفيد بيها من القصر ، في ناس كتير كبيرة ، ظروفها وحشة ومتبهدلة ، ومحتاجة للرعاية ، فأنا نفسي أساعدهم زي ما لاقيت اللي ساعدني !

قطب أوس جبينه ، وســألها بجدية :
-يعني انتي عاوزة ده ؟

أومــأت برأسها وهي تجيبه قائلة بتوتر :
-ايوه ، لو إنت معترض ممكن آآ...

قاطعها قائلاً بهدوء وهو يبتسم لها إبتسامة خطيرة :
-لأ يا ماما ، اعتبريه اتعمل ، وأنا بنفسي هاشوف إجراءات تحويله للدار ، وهاخلصهالك بمعرفتي !
إتسعت إبتسامتها ، وإحتضنت وجهه براحتيها ، ورمقته بنظرات حنونة وهي تقول :
-ربنا يباركلك يا حبيبي ويفرح قلبك زي ما بتفرح قلوبنا !

أمسك أوس بكفي والدته ، وقبلهما ، ثم سألها بإهتمام :
-طب فكرتي هاتسميها ايه ؟

ردت عليه بلا تردد :
-أيوه ، دار التقى !

إتسعت حدقتيه مصدوماً ، وخفق قلبه إلى حد ما ، وهتف بعدم تصديق :
-ايه ؟ تقــى !

هزت رأسها إيجاباً وهي تقول مبررة :
-أيوه ، مجاش في بالي إلا الاسم ده !

زادت إبتسامة أوس سعادة ، وأرجع ظهره للخلف ، ووضع كفيه على رأســه ، وتابع بحماس :
-أنا مش عارف أقولك ايه ، بجد مش مصدق ، دار التقى !

ثم أغمض عينيه قليلاً ، وتنهد في إرتياح ، وإستدار ليواجه والدته ، وتابع بجدية : 
-إنتي كده هاتخليني أشاركك في المشروع ده 

ردت عليه بخفوت :
-وماله يا حبيبي ، وربنا يجعلنا من فاعلين الخير 
-يا رب أمين 

ســألته تهاني بإهتمام :
-ها ، هاتسافر امتى للعمرة ؟

أجابها أوس بهدوء وهو يشعل سيجارته :
-بكرة بأمر الله 

سألته بجدية وهي تضيق نظراتها :
-وتقى عرفت بـ آآ..

قاطعها نافياً وهو ينفث دخـــان سيجارته :
-لأ ، لسه 

إبتسمت له والدته وهي تضيف :
-أنا مش عاوزة أقولها حاجة ، عشانها مفاجأة !

هز رأســه قليلاً وهو يرد عليها :
-أنا عارف يا ماما 

تسائلت تهاني بقلق وهي تشير بيدها :
-بس تفتكر فردوس ممكن تتغير بعد ده كله ؟

غمز لها بعينيه نافياً ، ثم أجابها على مضض :
-معتقدش ، بس أهي فرصة تطهر نفسها من الغل اللي جواها !

زمت تهاني شفتيها وهي ترد بإقتضاب :
-ربنا يهديها ويصلح حالها !

ســـاد الصمت بينهما لعدة لحظات ، وأضـــاف أوس بعدها قائلاً بتنهيدة مطولة وهو يطفيء سيجارته :
-أنا مش عاوز تقى تيجي في يوم وتلومني ، أو حتى تتهمني إني خليتها تقطع علاقتها بأمها ، مع إنها تستاهل أكتر من كده ، بس كفاية اللي هي فيه !

ربتت تهاني على كتفه وهي تقول بإمتنان :
-حبيبي يا بني ، ربنا يباركلي فيك ، إنت مش عارف أد ايه أنا فخورة بيك ! 

إبتسم لها إبتسامة مجاملة ولم يعقب ، بينما نهضت هي من مكانها ، وأكملت بنبرة هادئة :
-هاقوم أنا بقى وأروح لأختك في الفيلا 

نهض هو الأخــــر من مقعده ، وهتف بجدية :
-ما لسه بدري ، ده أنا ملحقتش اعمل معاكي الواجب !

وضعت يدها على صدغه ، وإبتسمت له بصفاء وهي تقول :
-كفاية أشوفك وأطمن عليك ، خلي بالك من نفسك ، وسلم لى تقى لحد ما أشوفها بكرة !

هز رأسه قائلاً :
-حاضر 

إحتضنته والدته مودعة إياه وهي تهتف بـ :
-مع السلامة يا بني 
-الله يسلمك
قالها أوس وهو يــلوح لوالدته بكفه ..
................................ 
بعد أقل من دقيقة  ولج عدي إلى الداخل ، وتسائل بفضول وهو يدير رأســه للخلف :
-ايه ده ، هو مدام تهاني كانت هنا ؟

لوى أوس فمه قائلاً بإيجاز :
-مش أوي 

عاتبه عدي بهدوء :
-طب مش تقولي كنت أسلم عليها !

أردف أوس قائلاً بلؤم وهو يغمز له :
-ما هي رايحالك الفيلا

فهم عدي المقصد من نظراته ، ورد عليه بعبوس زائف :
-تمام ، هابقى اشوفها هناك بقى !

تسائل أوس بمكر وهو يطالع رفيقه بنظرات متسلية :
-اخبارك ايه مع ليان ؟

تنحنح الأخير بصوت خشن وهو يجيبه بثقة بالغة  :
-كله تمام يا باشا ، وأدينا بنتعلم منك !

قهقه أوس بمرح ، وتابع بهدوء :
-عظيم ، هاسيبك تكمل باقي الشغل ، ومش هوصيك !

أومــأ عدي برأســه قائلاً بجدية :
-اطمن 

بدأ أوس في تجميع متعلقاته الشخصية ، ووضعها في حقيبة خاصة به .. ثم دس هاتفه المحمول وكذلك سلسلة مفاتيحه في جيب سترته ، وإرتدى ساعته الفضية .. وعــدل من وضعية ياقته ..
تابعه عدي بنظراته ، وهتف بحماس :
-اعمل حسابك ، أنا اللي هوصلك للمطار !

رد عليه أوس بإختصار وهو يمسك بولاعته في يده :
-أكيد 

هتف عدي بحماس وهو يشير بيده :
-ماتنساش تدعيلنا !

وضــع أوس يده على كتف رفيقه ، ورد عليه بهدوء :
-طبعاً ، وعقبالك يا سيدي 

مـــازحه عدي قائلاً :
-ماشي يا حــاج أوس ! بركاتك يا باشا ! 
.......................................

في صبـــاح اليوم التالي ،،،
في مطـــار القاهرة الدولي ،،،

أجهشت ليـــان بالبكاء وهي تحتضن تقى بقوة ، فمسحت الأخيرة على ظهرها برفق ، وهمست لها محذرة :
-بلاش تعيطي ، أنا دموعي قريبة  !

إنتحبت ليـــان بخفوت وعينيها تلمعان من العبرات :
-مش قادرة ، هاتوحشيني أوي !

لف أوس ذراعه حول شقيقته ، وقبل جبينها قائلاً بجدية :
-يا ليو احنا راجعين تاني 

طالعتها بعينيها الدامعتين وهي تقول بصوت شبه باكي :
-انا عارفة يا أوس ، بس اتعودت على وجودكم معايا 

جذبها عدي ناحيته ، وطوقها بذراعها من خصرها ، وضربها بمقدمـة رأسه في جبينها ، ومازحها قائلاً :
-دي عمرة يا ليان مش هجرة 

ضربته في صدره بقبضتها وهي تقول بضيق :
- إنت بايخ على فكرة ! 
إحتضنت تهاني ابنها ، ومسدت على رأســه وهي تقول بصوت أمومي حاني :
-ربنا يسلم طريقك يا بني ، وترجعولنا بالسلامة 

أجابها أوس بإبتسامة عذبة :
-اللهم أمين 

اتجهت تهاني ناحية تقــى ، ثم لفت ذراعيها حولها ، وهتفت بنبرة أقرب للبكاء :
-هتوحشيني يا تقى !

ردت عليها تقى برقــة :
-وانتي يا خالتي 

ثم تحركت مبتعدة عنها ، وأضافت بعتاب :
-مش كنتي جيتي معايا !

مسحت على وجنتها ، وهزت رأسها وهي تقول : 
-المرة الجاية يا حبيبتي ، تتعوض إن شاء الله !

بادلتها تقى إبتسامة ناعمة ، ثم ردت بصوت خفيض :
-إن شاء الله 

هتف عدي بجدية وهو يشير بيده محذراً :
-طب يالا يا جماعة عشان تلحقوا الطيارة ، كده الوقت هيسرقكم !

وقف أوس قبالة رفيق عمـــره ، ثم مــد يده ليصافحه ، ومن ثم دفعه ناحيته ليحتضنه وهو يقول :
-تمام .. سلام يا صاحبي 

ربت عدي على ظهر أوس عدة مرات ، ورد عليه بتنهيدة :
-مع السلامة يا اخويا 

ثم أمسك أوس بقبضة زوجته تقى ، ولوح الإثنين للجميع وهما يتحركان في إتجاههما ..
هتفت تهاني بصوت مرتفع وهي تشير بكفها :
-خدوا بالكو من نفسكم يا ولاد ، وطمنونا عليكم أول ما توصلوا ! 

ردت عليها تقى بإيماءة خفيفة :
-بأمر الله 

بينما صــاح أوس بإقتضاب :
-بــاي !

أجهشت ليـــان بالبكاء ، ومسحت أنفها بالمنشفة الورقية ، فأردف عدي قائلاً بسخرية :
-ياني يا ليوو ، هتقلبي على جو أمينة زرق ( ممثلة مصرية ) تاني !!!

رمقته بنظرات حادة وهي تعاتبه :
-يووه ، حتى في العياط مش عارفة أخد راحتي !

نظرت لهما تهاني بقلق ، وسألتهما متوجسة :
-هتتخانقوا يا ولاد ؟

رد عليها عدي بإبتسامة عريضة :
-لا يا مدام تهاني ، احنا بنحب نرخم على بعض ، وهو أنا أقدر أزعل ليو حبيبتي !

نظرت تهاني إليهما بسعادة ، وأردفت قائلة بنبرة راجية :
-ربنا يباركلي فيكو ويحميكو !

ضغط عدي بقبضته على ذراع ليــان ، وهمس لها :
-مش يالا بينا يا حبيبتي !

أومـأت برأسها موافقة قائلة بخفوت :
-اوكي .. يالا 
.......................................

على متن الطائرة ،،،،

ســـاعد أوس زوجته في إحكام ربط حـــزام الأمـــان الخاص بها بعد أن جلست على مقعدها بالطائرة ..
نظرت له بخجل ، وهمست ممتنة :
-شكراً 

مــال عليها أوس بعد أن خلل أصابعه في أصابع كف يدها ، وســألها بهدوء :
-فرحانة يا تقى ؟

تنهدت في إرتيــاح ، ونظرت حولها بسعادة وهي تقول :
-اوي ، انت مش متخيل احساسي عامل ازاي

رفع أوس كفه إلى فمه ، وقبله بحنو ، ثم تابع قائلاً بنبرة رخيمة :
-طب .. طب أنا عندي ليكي مفاجأة كمان !

عقدت تقى ما بين حاجبيها ، وتسائلت بإستغراب :
-تاني ؟

رد عليها بثقة وهو يغمز لها :
-تاني وتالت وعاشر ومليون مرة ! 

ســألته بفضول وقد زاد بريق عينيها :
-طب ايه هي ؟

أشـــار لها برأســـه قائلاً بهدوء :
-بصي وراكي 

إلتفتت تقى برأسها للخلف ، وتفاجئت بوجـــود والديها في المقاعد الخلفية ، فشهقت مصدومة ، وتسارعت أنفاسها ، وعاودت النظر إليه ، وســألته بعدم تصديق :
-انت .. انت جبت بابا وماما معانا ؟

هــز رأســه بحركة بسيطة وهو يجيبها بهدوء :
-أيوه ، حسيت إن ده هايفرحك أكتر

تحركت بجسدها نحوه لتحتضنه ، وهتفت بنبرة لاهثة :
-حبيبي ، أنا مش لاقية كلام أقوله ليك يعبر عن اللي جوايا  

مسح أوس على ظهرها بكفه ، ورمقها بنظرات عاشقة ، ثم شجعها قائلاً :
-قومي سلمي عليهم 

اختفت الإبتسامة من على ثغرها فجـــأة ، وتذكرت ما فعلته والدتها معها ، فتلعثمت قائلة بنبرة حائرة :
-بس .. ماما .. كانت .. وآآ...

ابتلع أوس تلك الغصة العالقة في حلقه ، فمـــازال قلبه يحمل الضيق من فعلة والدتها الشنيعة .. ولكنه تحامل على نفسه من أجل زوجته .. لذا تحدث بحذر وهو يطالعها بنظراته القوية :
-انسي اللي حصل ، وسامحيها ، هي برضوه أمك !

ثم رسم على ثغره إبتسامة هادئة وهو يتابع :
-وبعدين عشان العمرة تتقبل ، ولا انتي عاوزة تتحرمي من الثواب ؟

هتفت تقى بسعــــادة جلية وقد لمعت العبرات في عينيها :
-أنا بأحبك أوي أوي 

رد عليها أوس بتنهيدة حـــــارة :
-وأنا بأعشق أي حاجة منك ! 

ثم ساعدها مجدداً في حل حزام الأمــان ، و نهضت هي بحذر من على مقعدها ، وســـارت بخطى أقرب للركض نحو والديها لتحتضن كلاهما بتلهف ، وتعبر عن إشتياقها الكبير لهما  ..
قبلت والدها عوض من كفه ، ثم هتفت بمزيج بين البكاء والضحك وهي تحتضنه :
-أنا مش مصدقة عينيا ، إنتو هنا ومعايا !

وتلك المرة أبدت فردوس أسفها الحقيقي لإبنتها وهي تستمع إلى صوتها المعبر عن حبها الصافي لهما ، و تأكدت في النهاية أنها لم تحصد من ركضها الدؤوب وراء الأموال إلا الشقاء والتعب .. وأنها غفلت عن السعادة الحقيقية في وجود ابنة بــــارة تحبها ، وتسعى لإرضائها ..
كذلك إلتزمت بتعهدها مع أوس بألا تفتح باب الماضي مرة أخرى ، وألا تشير إلى ما مضى وخاصة ( إتفاق الشيطان ) ..
دققت تقى النظر في والدتها ، وإستغربت من إرتدائها لنظارة قاتمة  ، فسألتها بإهتمام :
-إنتي لابسة النضارة ليه يا ماما ؟ مال عينيكي ؟

صدمت تقى حينما علمت بما آلم بوالدتها ، وشهقت بآسى ، وأدمعت عينيها حزناً عليها ، وتأسفت لها لتقصيرها في حقها .. وهمست بإستعطاف وهي تحتضنها :
-سامحيني يا ماما ، أنا مكونتش أعرف باللي حصلك ،والله ما حد قالي ، أنا أسفة أوي ، يا ريتني عرفت من بدري ، كنت وقفت جمبك ومش سيبتك للحظة واحدة ! أنا أسفة يا ماما ، حقك عليا !

خفق قلب فردوس بتحسر على دناءتها السابقة .. فإبنتها في الأخير لم تملك إلا قلباً طيباً ، وهي - كأمها - لم تكن تحمل سوى قلب ملوث سعى إلى إفساد حياتها ، وإلى حرمانها من أغلى شيء في الوجود ....

راقبهم أوس بنظرات متابعة ، وإرتسم على ثغره إبتسامة راضية وهو يرى تلك الهالة الآسرة من البراءة والنقاء تجتمع حول زوجته ، والتي أخذت بيده إلى طريق جديد دون أن تدري أنها كانت ملاكه الذي أخرجه من أحلك الظلمات ، فأبصر على يدها نوراً جديداً ..
لقد فهم الآن معنى الآية القرآنية (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) .. وأدرك أن الزوجة الحقيقية هي تلك التي تسكن إليها روحـــه قبل جسده ، فتنبت بينهما المودة والرحمة ، وتغلف حياتهما بالسعادة والحب !

.....................................

في الحرم المكي ،،،،

إستشعرت تقـــى وهي تطأ بقدميها الأراضي المقدسة ذلك الإحســـاس المرهف بالرهبة الممزوجة بالسعادة ..
فرؤيتها تتجسد الآن أمام أنظارها .. بل إنها تعيشها كاملة بكل جوارحها .. 
هي بصحبة زوجها ووالديها ، ومن حولها يرفرف حمـــام الحرم ..
تلفتت حولها بفرحــة غامرة ، وتسابقت دقات قلبها مع أصوات التهليلات والتكبيرات التي تحيط بها ...
هي الآن راضية ومرضية عن حالها ، وحياتها ..
هي الآن تنعم بالهدوء والحب النقي بعد عواصف البغض والذل ..
هي الآن تجني حصــاد ثمـــار صبرها وتحملها تلك الإبتلاءات ..
 انتبهت إلى صوت الأذان وهو يصدح في الميكروفون القريب ، فخفق قلبها أكثر ، ونهج صدرها بقوة ، وهتفت بحماس وعينيها تفيض من الدمع :
-اللهم لك الحمد والشكر .........................................!!

انتهى كلاً من أوس وتقى من أداء مناسك العمرة كاملة ، وتحلل كلاهما من الإحرام .. ثم عـــادا إلى الفندق الذي يمكثان به ..
بدى على وجهها الحزن ، وترقرقت العبرات في عينيها ، فقد
أرادت أن تمكث ليلة إضافية ، فالرحيل عن تلك البقعة الطاهرة أضنى قلبها ..
لم يدخـــر أوس وسعه من أجل إرضائها ، فلبى لها أمنيتها على الفور ، وبقيا ليومين إضافيين ..
في حين إستقل والديها الطائرة عائدين إلى القاهـــرة ...

وقفت تقى أمـــام الحائط الزجاجي المطل على الحرم المكي وهي تتطلع بسعادة على ذلك المنظر المهيب .. 
تنهدت في إرتيـــاح بعد أن عرف فؤادها السلام والسكينة .. وإستندت بكفيها عليه وهي تخرج تنهيدات حارة من صدرها ..

أشعل أوس سيجارته ليدخنها ، وإنشغل بمتابعة أعماله في القاهرة من خلال حاسوبه الشخصي ..

لم ينتبه لفرطه في التدخين ، فإمتلأت الغرفة بدخـــان سجائره المتتالية ..
إحتقن وجـــه تقى نوعاً ما ، وشعرت بإختناقها من كثرة إستنشاقها لذلك الدخــان ..
عجزت هي عن التنفس بصورة طبيعية ، فإلتفتت برأسها إلى أوس ، ورأته منكباً على حاسوبه ..
أصابها دوار شديد ، وبدأت تسعل بخفوت ، وحاولت ألا تصدر جلبة .. لكنها لم تستطع ، فهتفت بصعوبة :
-آآ.. أوس ! 

-ايوه يا حبيبتي 
قالها أوس وهو مسلط أنظاره على شاشة حاسوبه ..

دنت منه تقى ، ومدت يدها إليه وتابعت بصعوبة بالغة :
-أنا .. أنا بأتخنق !

رفع رأســه نحوها ، ونظر إلى حالتها بذعــر بائن في نظراته ، ثم هب واقفاً من على الفراش بعد أن ألقى بحاسوبه ، وركض نحوها صائحاً بخوف :
-تقى ! 
خــــارت قواها ، ولم تستطع ساقيها حملها ، ولكن كان أوس الأسرع في الوصــول إليها ، وأسندها بذراعيه ، ثم إنحنى ليحملها ، ووضعها برفق على الفراش ..
سألها بهلع وهو يمسح على وجهها بكفه :
-تقى مالك ؟ ردي  عليا ! تقـــى !

أجابته بصوت مختنق ومتقطع وهي تسعل وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة :
-مش .. مش قادرة من ..دخـــان .. الـ.. السجاير  ! 

هتف بفــــزع بائن في نبرته :
-أنا أسف يا حبيبتي ، مخدتش بالي والله !

غابت هي عن الوعي ، فصــرخ بذعــر أكبر وهو يحاول إفاقتها:
- تقى ردي عليا ، تقى !

صـــاح هو مستغيثاً بمن ينجده ، وبالفعل تم الإتصــال بالإسعاف القريب ، وقـــام المسعفون بإفاقتها ، ثم نُقلت إلى المشفى القريب للإطمئنان على حالتها الصحية ...

لم يشعر أوس بفداحة الأمــر إلا حينما رأها تعاني بسببه من جديد ...
وضــع يده على فمه ليكتم شهقاته ، واستجمع رباطة جأشه ليظل متماسكاً أمـــام الجميع ..

حبس أنفاسه مترقباً خروج الطبيب في أي لحظة من الغرفة ، وما إن رأه يخرج منها حتى إندفع نحوه ، وســأله بتلهف  :
-مراتي عاملة إيه ؟

أجابه الطبيب بهدوء :
-هي الوقتي أحسن ، اطمن

ســـأله بنبرة أكثر تلهفاً وقد زاد لمعان عينيه :
-طب أقدر أشوفها ؟

رد عليه بإقتضاب :
-اه ، شوية وهتتنقل على غرفة عادية ، وتقدر تشوفها هناك !

تنفس أوس الصعداء حينما سمح له الطبيب بالدخول لرؤيتها ، فبكى عفوياً حينما رأها ممددة أمامه ..
اقترب منها بخطى بطيئة ، وتسارعت دقات قلبه حتى كادت أن تصم آذانه .. 
وقف قبالتها ، ومرر عينيه عليها ، ثم مــد كفه ليمسك بكفها ، ورفعه إلى فمه ليقبله نادماً ..
 تلمس بيده الأخرى وجهها برفق شديد ، وانحنى ليقبل جبينها ، وهمس بشجن :
-سامحيني يا حبيبتي ، أنا السبب 

بللت عبراته صدغيه وهو يتابع بآسى :
-أوعدك مش هادخن تاني ، بس قومي وكلميني ، تقى ! 

فتحت عينيها بتثاقل ، وســألته بنبرة واهنة :
-هو .. هو حصل ايه ؟

احنى جذعه عليها ، وإحتضنها بشغف ، وهمس بصوت باكي وهو يقبل كفها بأسف :
-بأحبك ، متعمليش فيا كده ، قوليلي بتكرهي السجاير بس متخوفنيش عليكي ، أنا روحي كانت هاتضيع مني !

ردت عليه بوهــــن :
-حـ.. حاضر 
بللت عبراته كفها الذي يحتضنه ، ثم قبله مطولاً .. ورمقها بنظرات نـــادمة على فعلته الحمقاء ...
...............................

ومن وقتها أقلع أوس عن التدخين ، ولم تلمس شفتيه أي سيجارة ، وحَــذَرَ على نفسه التواجد في أي مكان يجلس به أي مدخن ، وبـــات معروفاً عنه رفضــه التام للتدخين ســـواء في أي إجتماع أو إتفاق يحضره .. ووضع قـــانوناً خاصاً به في جميع شركاته يغرم مادياً من يدخن في مؤسسته .. وحرص جميع العاملين معه على الإلتزام بـــه..

كما إهتم أوس بحضور المتابعة الدورية للحمل ، ولم يفوت أي جلسة كشف تخص تقى ، فكان على إطلاع أولاً بــأول بنمو طفلته في أحشائها ..
غمـــرت السعادة قلب تقى وهي ترى زوجها يشاركها أبسط الأمــور .. 
و حينما كانت تئن ليلاً من التعب والإرهـــاق ، كان يظل إلى جوارها مستيقظاً ، يمســد على رأســها ، ويدلك كتفيها حتى يرتخي جسدها ، وتغفو على صدره  ، فيعدل من نومتها ، ويدثرها جيداً .. وينام إلى جوارها وهو متأملاً وجهها البشوش .....
لم يدخـــر وسعه في تلبية كل رغباتها – حتى الغريب منها ، وظل مرافقاً لها وحريصاً على صحتها ..

........................................

بعد مـــرور ثلاثة أشهر ،،،
عند قصـــر عائلة الجندي سابقاً ،،،

أصــــر أوس على حضـــور زوجته إفتتاح دار رعاية المسنين الجديدة ، ولم يخبرها عن إسمها ، والذي فضل أن يكون مفاجــأة أخــرى لها ...

ترجلت تقى من السيارة وهي مستندة على يد زوجها ، ورمقته بنظرات ناعمة وهي تتحرك معه للأمـــام ..
مسح أوس على كفها بأنامله وهو يتأبط ذراعها ، وخطى ببطء معها ، فقد كانت مرهقــة من الحمل ..
إبتسمت في طريقها للجميع ممن تعرفهم أو لا .. وجابت بعينيها بنظرات خاطفة المكان من حولها ..
تعجبت هي من تغطية جميع لافتــات الدار .. ولكنها لم تتسائل عن السبب وإكتفت بمتابعة التغيير الجذري الذي تم إحداثه في حديقة القصــر الخارجية ..
ومـــر ببالها ومضـــات سريعة عن ذلك المكان ..
 من قدومها للعمل فيه جبراً ، ومن إصابتها في قدمها وتحملها للآلم النفسي قبل الجسدي ..
ثم فرارها منه بمساعدة المدبرة عفــاف ..

أدارت رأسها في إتجـــاه أوس ، ورمقته بنظرات مطولة متأملة فيها ملامح وجهه المرتخية ، وإبتســامته الآســرة .. 
نعم لقد تغير تماماً مثل القصــر ، و من أجلها فقط فعل المستحيل لتصفح عنه وتغفر له ، وأصبح شخصاً جديداً فأحبته بصــدق ، وعشقته بجوارحها .. 

أفاقت من شرودها على صوته الهاديء :
-بصي هناك يا حبيبتي !

رفعت بصرها إلى حيث أشــار بعينيه ، فوجدت غطاءاً كبيراً ينزاح ببطء عن اللافتة ، فراقبته بعدم إهتمام ..
ثوانٍ قليلة مرت قبل أن يُكشف عن إسم الدار ..
رمشت بعينيها غير مصدقة وهي تقرأه بصوت خافت يحمل الفرحة :
-دار التقى لرعــاية المسنين !

إلتفتت نحو أوس ، وهتفت بسعادة :
-دي .. دي على اسمي !

أجابها مبتسماً وهو يرمقها بنظراته العاشقة :
-طبعاً ، بس المرادي مش مني ، دي من ماما

إحتضنت تهاني تقــى بحنان ، وقبلتها من وجنتها بعاطفة قوية ثم أضافت بمرح :
-دي أقل حاجة أقدمهالك يا بنتي على اللي عملتيه معايا ومع ابني !

أدمعت عيني تقى ، وهتفت بنبرة ناعمة :
-أنا .. أنا مش عارفة أقول ايه ، ده كتير والله !

هتفت ليـــان بحمـــاس وهي تشير بيدها :
-يالا يا مامي عشان تقصي الشريط

هزت تهاني رأسها معترضة ، وقالت بإصرار :
-مش لوحدي ، ابني معايا !

ابتسم أوس مجاملاً ، وتحرك خطوة للأمـــام ليقف إلى جوارها ، وحدق فيها مبتسماً .. ثم وضع الاثنين كفيهما معاً ليقصا الشريط الورقــي ، فهتف عدي معلناً بصياح :
-مبروووووووك !

إلتفت أوس بجسده ناحية تقى ، ثم إحتضنها 
تعالت التصفيقات من الحاضرين ، وولج الجميع إلى الداخل ليروا القصر بعد تعديله ..

إنبهر الحاضرين بتهيئة المكان ليصبح مركزاً لائقاً بكبار السن ، ومزوداً بأحدث وســائل الرعاية والإهتمام .. 
وتم تخصيص جانب كبير فيه لرعاية غير القادرين منهم بالمجــــان ...
..................................
بعد مـــــرور ثلاثة أشهر ،،،،

بعد مجهود مضني من محامي ناريمان ، ومساعدة جمعية النساء الشهيرة تم تبرئتها من تهمة قتل ممدوح ، وإعتراف المحامي الخاص بمهاب – نصيف - بارتكاب موكله الراحل لتلك الجريمة النكراء ... 
كما حكم عليها بالسجن في قضية التزوير في أوراق رسمية ، وتغير النسب ، والتلاعب في مستندات طبية ، و التي أقيمت ضدها من أوس الجندي ، ورُفض الطلب الذي تقدمت به للحصـــول على إفراج صحي .. 
وأقـــام أيضاً دعوة لرد شرف والدته وتبرئة اسمها من أي تهم سابقة قد تم تلفيقها لها خاصة وأن دلائل برائتها كانت بحوزته .. فإستعان بها في تلك القضية ..
............................................

في منزل أوس الجديد ،،،،

عقـــد أوس رابطة عنقه ، ومشط شعره بالفرشـــاة ، ثم نشر عطره على قميصه ، وإلتفت برأســه ناحية تقى التي كانت تقف على أعتاب باب المرحــاض وهي ممسكة بأسفل بطنها ..
تأملها أوس بقلق ، وسألها بجدية :
-انتي تمام ؟

أومـــأت برأسها وهي تجيبه بوهن :
-أهـــا 

رمقها أوس بنظرات متفحصة وهو يقول :
-أنا حاسس إنك هاتعمليها وتولدي 

هزت رأسها نافية مجيبة إياه بخفوت :
-لأ .. لســه بدري !

ضغط على شفتيه ليقول بإصرار :
-تقــى ، شكلك بيقول كده !!

ابتسمت له إبتسامة باهتة وهي ترد :
-صدقني أنا كويسة !

تنهد بصوت مسموع ، وأضــاف قائلاً بجدية :
-اوكي .. أنا هاكمل لبسي وهاخلص الاجتماع اللي عندي وأجيلك !

ضغطت تقى على شفتيها بقوة وهي تجيبه : 
-ماشي

أضــاف أوس قائلاً بصوت جـــاد :
-تقى لو عوزتي حاجة اتصلي بيا على طول وهتلاقيني عندك !

ردت عليه بنبرة شبه متآلمة بعد أن اعتصر الآلم بطنها :
-حاضر ، متقلقش عليا ، أنا معايا عفاف وماريا 

تابع بجدية وهو يرمقها بنظراته الدقيقة :
-برضوه ، ده مايغنيش عني 
-أكيد 

شعورت هي بوخزات رهيبة وحـــادة تجتـــاح أسفل بطنها ، وضربات متلاحقة في ظهرها ، وجاهدت لتتحملها ، ولكنها فاقت قدرتها، فصاحت صارخة بآلم كبير : 
-آآآآآه ! 

ركض أوس ناحيتها ، وأسندها بذراعيه ، وســألها بقلق :
-تقى !

ضغطت هي على ساعده ، وبكت مستغيثة :
-مش قـــادرة ، الحقني !

رد عليها أوس بتوبيخ قليل :
-قولتلك من الأول ، إنتي شكلك بتولدي 

صاحت فيه بإنفعال وهي تغمض عينيها بقوة :
-اتصرف ، آآآه !!!!

تسائل أوس بحيرة وهو يتلفت حـــوله :
-الشنطة بتاعتك فين ، أنا مجهزها بنفسي !

ردت عليه بصوت متآلم وهي تصرخ :
-معرفش ، آآآه ، الحقني بسرعة 

هتف قائلاً بنبرة مرتفعة ، وهو يميل بجسده للأسفل ليحمل زوجته :
-حاضر، يا عفــــاف ، تعالي بسرعة ، تقى بتولد 

ردت عليه عفــــاف قائلة بتلهف :
-حاضر يا باشا  ، كل حاجة جاهزة ، اطمن ! 
........................................

في العيادة النسائية ،،،،

أوصــــل أوس زوجته إلى عيادة الطبيبة بارسينيا ، حيث تم الإتفاق على أن تلد رضيعتها هناك .. وبالفعل وضعها على الناقلة الطبية ، وهتف بصياح :
-بســرعة نادوا على د. بارسينيا ، أنا بأطلبها من بدري ومش بترد ، تقـــى بتولد !

أجابته الممرضة بهدوء حذر :
-للأسف د. بارسينيا سافرت لمؤتمر آآ....

قاطعها أوس بإنفعال واضح :
-إزاي تسافر ، احنا متفقين معاها ؟!
-آآآه ، مش قــادرة 
قالتها تقـــى بصوت متشنج وهي تحاول كتم آهاتها ...

انفعل أوس بغضب أشــرس قائلاً :
-هو ده ينفع ، هي معندهاش تقدير للمسؤلية !

ردت عليه الممرضة بنبرة هـــادئة وهي تشير بإصبعها :
-يا فندم الموضوع جــه مفاجيء ، بس اطمن هي مرتبة مع الدكتور مارجريتا هي دكتورة أجنبية بس ممتازة ، وهتتولى كل حاجة هنا 

صـــاح بها بصوت هـــادر وقد إحتقنت نظراته :
-طب هي فين دي كمان ؟
-موجودة يا فندم 
قالتها الممرضة بجدية بالغة ، ثم دفعت الناقلة بمعاونة زميلاتها إلى داخــل غرفة ما جانبية لتجهيز تقــى إلى العمليات ..

تعذر على الطبيبة مارجريتا إيلاد الرضيعة بصورة طبيعية لتعسرهــا ، فلجــأت إلى استخدام عملية الولادة القيصرية ... ورفضت طلب أوس بالحضور ومشاركة زوجته لحظة ميلاد طفلته ..
وقف مترقباً بالخــارج ، ولكن علق قلبه وعقله وروحـــه بالداخــل ..
مرت عليه الدقائق وكأنها أدهــر ..

وصل إلى العيادة عدي ومعه ليـــان ، وركضت الأخيرة في إتجاه شقيقته وهي تســأله بتلهف :
-ايه الأخبار يا أوس ؟ تقى ولدت ؟

رد عليها بنبرة قلقة وأنظاره مسلطة على باب غرفة العمليات :
-مش عارف لسه ، هي موجودة جــوا 

همست لها ليان وهي تضغط على كتفه بقبضتها :
-ربنا معاها

مــازحه عدي قائلاً بهدوء :
-اجمد يا باشا ! هي مش أول واحدة بتولد ، شعب مصر كله جرب الحكاية دي 

لوى أوس فمه بضيق ، ونفـــخ بصوت مسموع .. فأدرك عدي أن رفيقه ليس في حالة مزاجية جيدة تسمح بالمزاح ...

ظل أوس يجوب الرواق ذهاباً وإياباً وهو يدعو الله في نفسه أن تنجو زوجته وطفلته ..

بعد لحظات إنضمت إليهم تهاني وبصحبتها عـــوض وهو ممسك بزوجته فردوس .. 
أجلست تهاني فردوس على المقعد القريب ، ثم اتجهت ناحية ابنها ، وســألته بإهتمام كبير :
-طمني يا بني على تقى !

أجابها بنبرة شبه خائفة : 
-معرفش أي حاجة ، بس مش مرتاح

ربتت على ظهره ، وضغطت على شفتيها قائلة بحذر :
-اهدى يا بني، وإن شــاء الله خير 

أسند أوس كفه على الحائط الملاصق للباب ، وضرب بيده عليه عدة مــرات .. لم ينتبه هو إلى أي أحاديث جانبية ، ولم يشــارك التعليق في أي شيء يُسئل عنه ..
وفجـــأة إنتبهت كافة حواســـه إلى تلك الصرخة الصغيرة التي إختطفت قلبه قبل عقله .. فأدار رأســـه ناحية الباب ، وأحس بإضطراب جلي يسيطر على كافة أعضائه ..وإستشعــر بقلبه تلك النبضات التي أعلنت رسمياً عن ميلاد أحب الأشخــاص إليه ..

تعجبت تهاني مما حدث لإبنها ، وســأله بإستغراب :
-خير يا بني في ايه ؟

رد عليها بصوت لاهث  :
-سمعتها يا ماما ، تقى ولدت !!!

هزت والدته كتفيها وهي تجيبه بفتور :
-بس إحنا مسمعناش حاجة ، تلاقيك بس آآ...

قاطعها بإصــرار جلي وهو يهز رأســه معترضاً :
-أنا متأكد من اللي بأقوله ، بنتي جت على الدنيا ! 

وما هي إلا دقائق أخـــرى حتى خرجت الطبيبة مارجريتا من غرفة العمليات لتطمئن الجميع وعلى ثغرها إبتسامة ودودة ، فســألها أوس بتلهف :
-تقى ولدت ؟
هزت رأسها بعدم فهم ، فســألها مجدداً باللغة الإنجليزية ، فأجابته بنبرة هـــادئة :
-Yes, and you can see her after while ( نعم ، ويمكن أن تراها بعد لحظات ) 

سألها بصوت متقطع وهو يرمقها بنظرات شبه متوترة :
- And what about my baby ?( طب .. وآآ.. وبنتي )

ردت عليه بنبرة مطمئنة وهي ترسم تلك الإبتسامة اللطيفة على ثغرها :
-She's fine .. you can see her too ( بخير ، لحظات وهاتكون معاها ) !!

أحتضنت تهاني ابنها بعد أن أبلغ من حوله بميلاد رضيعته ، وهنأته قائلة :
-مبرووووك يا بني ، تتربى في عزك إن شــاء الله 

اقترب منه عدي وصافحه وهو يقول بحماس :
-مبروك يا أوس !

هتفت ليـــان بصياح وهي تقفز في مكانها  :
-واو ، بقيت أنطي !

اقترب عــوض هو الأخـــر من أوس ، وأردف قائلاً بصوت خافت :
-حمدلله على سلامتها ، ربنا يحفظهوملك يا رب 

رد هو على الجميع بكلمات مقتضبة .. فعقله وقلبه مشغولان بزوجته وطفلته الرضيعة ..

حضرت ممرضــة ما إليه ، وأشــارت له بيدها وهي تقول بهدوء :
-حضرتك تقدر تشوف المولودة الوقتي 

وبالفعل ســـار أوس بخطى سريعة خلفها ، ونبضاته تتســارع مع أنفاسه تلهفاً لرؤية ثمرة حبه والتي جمعت بينهما بعد وقت طويل من المعاناة والشقاء ...

تملكه القلق الممزوج بالخوف وهو يدلف إلى داخل تلك الغرفة الصغيرة ذات اللون الوردي ، وإستمع إلى أنين ضعيف ينبعث من فراش صغير يتوسط الغرفة ..
إزدرد ريقــه بإرتبــاك كبير ، وبحذر شديد دنــا من الفراش ..
حبس أنفاســـه وهو يسلط أنظاره على ذلك الملاك الغافل ..
إنها لحظة لا توصف بالنسبة له ، إحســـاس رهيب بالسعادة الغامرة سيطر عليه كلياً .. وإنسابت عبراته عفوياً حينما وقعت عينيه عليها .. وأمعن النظر فيها مطولاً قبل أن يمد يده المرتجفة لحملها ..
هي تملك سمات والدتها الخارجية .. لون البشرة والشعر .. نفس الشفاه .. ولكن لم يرْ عينيها بعد ..
فلديها بشــرة بيضاء فاتحة 
وبحــذر شديد مــرر ذراعيه أسفل منها ليتمكن من حملها .. 
إنها قارورته الغالية ، جوهرته الثمينة التي يخشى إيذائها .. 
تنهد بحرارة وهو يقرب وجهها منه لطبع قبلة أبوية حانية على بشرتها الرقيقة ..
تململت الرضيعة بين ذراعيه ، فإرتجف قلبه خوفــاً عليها .. 
ظن أنه يؤلمها بقبضته ، ولكنها كانت تتثاءب ، فضحك باكياً ..
قرب رأسها منه ، وقبلها مجدداً ، ثم همس في أذنها :
-تبارك الله ، إنتي .. إنتي ملاكي الجميل ، روحي ، إنتي حياتي كلها 

حركت الرضيعة وجهها قليلاً ، وتأوهت بصوت آســر ، فزادت إبتسامته سعـــادة 

دلفت الطبيبة مارجريتا إلى داخـــل الغرفة لتفحص الرضيعة ، لكن لم ينتبه لها أوس ، فتابعتهما بنظرات مترقبة ، وإندهشت من حديثه معها ، وتفاعل الرضيعة معه وكأنها مستمتعة بما يقصه عليها ..

أمــال أوس رأس الصغيرة للأعلى ، ثم قرب فمـــه من أذنها ليؤذن فيها بصوت خفيض ولكنه ســاحر ، أعجبت به الطبيبة وإبتسمت .. ثم تركتهما معاً دون أن تصدر جلبة .. 

..............................................
أفاقت تقى بعد برهــة ، وتلفتت حولها لتدقق النظر فيمن متواجد معها ..
إستمعت إلى مزيج من أصوات أبيها وأمها ، وكذلك خالتها وليــان ، وســألت بصوت واهن :
-فـ.. فين بـ.. بنتي ؟

ردت عليها ليـــان بنبرة مطمئنة :
-الحمدلله بخير ، هي مع أوس 

هتفت تهاني بسعادة :
-حمدلله على سلامتك يا بنتي ، تتربى في عزك وفي عز أبوها 

بينما أضــاف عوض قائلاً بهدوء :
-الحمدلله يا بنتي ، ربنا معاكي ويحفظهالك ، وتكون زيك صالحة وتقية 

هتفت فردوس هى الأخــرى بصوت شبه مرتفع :
-مبروك يا حبيبتي ، ربنا يباركلك فيها وتكون ونعم البنت البارة بأمها ! 

أردف عدي قائلاً من بعيد :
-حمدلله على سلامتك يا مدام تقى ، ومبروك المولودة !

ولجت الطبيبة مارجريتا إلى داخل الغرفة لتفحص مريضتها ، وجاءت بصحبتها ممرضــة ما .. 
فســألتها تقى بصوت متقطع :
-بـ.. بنتي كويسة ؟

ترجمت لها الممرضة سؤالها ، فأجابتها الطبيبة قائلة بإبتسامة مرحة :
-She's with her father , and he's singing to her ( هي مع أبيها ، وهو يغني لها بسعادة ) 

بعد لحظـــات ولج أوس للداخل وهو يحمل بين ذراعيه برفق شديد كنزه الثمين ..
ركضت ليــان نحوه ، وأصرت على حمل الرضيعة لكنه رفض ، فإمتعض وجهها ، وهتفت بعبوس :
-أوكي يا أوس ، مش هنسهالك 

ابتسم أوس وهو يقول بجدية :
-ممكن تسيبوني مع مراتي وبنتي شوية 

هــز عدي رأســه وهو يرد عليه :
-خــد راحتك يا باشا ، احنا هنستناك برا

وبالفعل أخـــرج رفيقه الجميع من داخل الغرفة ليظل أوس مع زوجته وابنته ...
دنا هو من الفراش ، وبحرص بالغ أســـند الرضيعة إلى جوار والدتها ، ثم احنى جذعه عليهما ليقبلهما سوياً ..
إرتسم على ثغر تقى إبتسامة باهتة ، وســألته بصوت ضعبف :
-هـا .. حلوة ؟

رد عليها بخفوت وهو يمسح على جبينها :
-دي حتة منك ! بس لســه مش عارف لون عينيها 

أضافت بصوت هامس :
-بعدين هيبان ! فكرت هاتسميها ايه ؟

أجابها بعد تنهيدة مطــــولة :
-ايوه 
-ايه هو ؟
سألته تقى بفضـــول وهي تطالعه بنظراتها 

إبتسم لها قائلاً بعذوبة :
-هاسميها (( حيــــاة )) !!!

قطبت جبينها مندهشــة، ورمقته بنظرات إستغراب وهي تردد :
-حياة ؟

هــز رأســـه بإيماءة خفيفة وهو يجيبها بهدوء :
-أيوه .. لأنها حياتي كلها ، ودنيتي الجديدة اللي ماتمناش غير إني أعيش فيها معاكي ومعاها ..!

إبتسمت له إبتسامة رقيقة وهي تضيف :
-وأنا موافقاك ، هي حياة لينا كلنا ، بداية أحسن وأفضل للي جــاي ! 
...............................................

تعلق أوس بالرضيعة حيـــاة تعلقاً شديداً حتى باتت هوســـه الكبير ، والمصدر الرئيسي لسعادته الحقيقية .. وخاصة أنها كانت تحمل لون عيني والدتها ، فباتت نسخة ملائكية مصغرة منها .. 
 لم يفارقها إلا للحظات محددة ، وكثيراً ما كان يصطحبها معه لمقر شركته الرئيسي حتى أنه خصص لها في غرفة مكتبه ركناً خاصاً باللعب حتى تكون تحت أنظـــاره حينما يكون مشغولاً عنها .. ولم يهتم برأي العملاء ولا الموظفين.. فهو في النهاية صاحب تلك المجموعة ويحق لها التصرف كيفما يشـــاء ...

وذات يوم ، وبينما كان هو مندمجاً في التحضير لأحد إجتماعاته الهامة .. أخبرته السكرتيرة بميعاد إجتماع مؤجل مع بعض الوكلاء التابعين لشركة أجنبية والذي تقــارب وقته مع إجتماعه الأخــر ، فإضطر على مضض أن يخصص لهم بعض الدقائق للإلتقاء بهم على عجالة ، ومن ثم تحديد ميعاد أخـــر لتناول كافة الأمـــور بالتفصيل ..
فولج إلى داخل مكتبه هؤلاء العملاء الجدد ، وتجاهل أحدهم التنبيه اللاذع الخاص بعدم التدخين .. فأشعل ذلك الوكيل ( الغليون ) الخاص به ، وألقى بعود الثقاب على الأرضية اللامعة دون إكتراث ..

أحضـــر الساعي صينية مليئة بالمشروبات الباردة ، وإنزعج من رؤية ذلك الوكيل يدخن ، فحذره قائلاً :
-ممنوع التدخين هنا يا فندم ؟

رمقه الوكيل بنظرات إحتقارية وهو يســأله بتهكم :
-ليه ، هو مكتوب هنا مستشفى ؟

رد عليه الساعي بهدوء :
-لأ يا فندم ، بس دي تعليمات أوس باشا ، واللي بيخالفها بيبقى في إجراء معاه 

لوى الوكيل فمـــه إستهزائاً ، ثم أطفأ غليونه على مضض .. 

ولج أوس وهو يحمل رضيعته على ذراعه ، فرمقه الوكلاء بنظرات متعجبة ، ولكنه لم يكترث بهم .. وأسندها في الزاوية الخاصة بها ..
ثم عــاد إليهم ، وأردف قائلاً بخشونة وهو يشير بيده لهم لكي يجلسوا :
-اتفضلوا ، أنا هاحدد ميعاد تاني معاكو ، بس الأول عاوز اخــد فكرة صغيرة عن طبيعة عمل الشركة على أرض الواقع مش الكلام المكتوب في الورق !
-أكيد طبعاً 
قالها أحد الوكلاء بنبرة جـــادة ،ثم إستعرض بإختصــار أهم إنجازات الشركة في مجالها ..

في تلك الأثناء كانت الرضيعة حياة قد تعلمت الحبو ، وبدأت تزحف على قدميها وساقيها ، فتحركت في اتجاه أبيها بحماس ، واللعاب يسيل من فمها الصغير ..
لفت أنظارها عــود الثقاب المُلقى على الأرضية ، فإلتقطته بإصبعيها الضئيلين ، وحدقت فيه بفضول كبير ..
لاحظ أوس تعلق أنظـــار أحد الوكلاء بشيء ما خلفه ، وشروده عن المحادثة ، فإستدار برأســـه للخلف ليجد (( حيـــاته )) ممسكة بعود الثقاب وتقربه من فمها لتبتلعه ، فصـــاح بصوت هــادر :
-حيــــاة !!!
 فُــزعت على أثره الرضيعة ، وبكت بخوف ، فأســرع نحوها وحملها بين ذراعيه ، وقبلها بحنو أبوي ، ثم جذب من أيدها ذلك العود .. وهدأها بحركات بسيطة ، ولكن إستشاطت نظراته غضباً وهو يعاود النظر إلى الوكلاء ..
سألهم بصوت قاتم يحمل الشراسة :
-مين فيكم كان بيدخن هنا ؟

ســـاد الإرتباك والقلق بينهم ، وأجابه أحدهم بتلعثم :
-مـ.. محدش ، إحنا 

قاطعه أوس بصوت هـــادر ومخيف وقد تحولت نظراته للعدائية :
-أنا هاشوف في كاميرات المراقبة مين فيكم عمل كده وهيتحاسب عن ده ، ومش هارحمه !!

ابتلع المخطيء ريقه ، ورد عليه بنبرة مرتجفة :
-يا باشا أنا مقصدش ، ده كان سوء فهم مني وآآ...

قاطعه أوس بنبرة عنيفة :
-اعتبروا أي اتفاق لاغي ، حياة بنتي أغلى من أي اتفاق أو صفقة ، واللي يكسر قانون أوس الجندي مالوش مكان عندي ..!

ثم رمقهم بنظرات إحتقــــارية ، وتابع بجمـــود أشرس :
-بـــــــرا !!!

إنصرف الوكلاء من مكتبه وهو يلعنون حظهم العثر  ..
حدق أوس في صغيرته بنظرات حنونة للغاية ، وداعب طرف ذقنها بإصبعه ، ولكنها خدشته بكفها ، فتأوه من الآلم ، وعاتبها قائلاً بخفوت :
-آآي .. ينفع كده ، شكلك زي مامتك ، مش بتسكني عن حقك 

ردت عليه الرضيعة بحرف واضح :
-بـ..ا... بــا .. بــا .. بـ.. آآ...

خفق قلب أوس بقــوة ، وسـألها بتلهف وهو يطالعها بنظرات عاشقة :
-انتي بتقولي ايه يا حياة 

استمرت الصغيرة في ترديد :
-بـ..آآ.. با .. بـ.. آآ.. با

هتف أوس مجدداً بعدم تصديق وهو يمطرها بوابل من القبلات :
-إنتي بتقولي بابا ، حبيبة قلبي وروحي وحياتي كلها يا حيـــاة !!!
.......................................
بعد مرور 3 سنين ،،،،،

انتهت ليان من دراستها الجامعية بالجامعة الأمريكية ، وتخرجت منها لتلتحق بالعمل في المقر الرئيسي لشركات الجندي ...
لم يخفْ عــدي سعادته بزوجته التي أثبتت براعتها ، وتفوقها بالإضافة إلى نضوجها كأنثى عاقلة ...
.......................................

كذلك تابعت تقـــى مع خالتها تهاني العمل في دار التقى لرعـــاية المسنين ، وعاونهما عوض وزوجته فردوس في تجهيز كرتونات الطعام للمحتاجين وتوزيعها عليهم  ، ورغم مرض فردوس والذي تضاعف بدرجة كبيرة حتى باتت غير قادرة على الحركة إلا أنها أصرت على المشاركة بما في وسعها لتكفر عن ذنبها  في أيامها الأخيرة ...
..........................................
أصـــر أوس على الإنتقـــال لقصر جديد قـــام بتأسيسه ليتناسب مع حجم عائلته والذي زاد بإنضمام عضو أخـــر إليه إكتسب الكثير من سمـــاته الجادة والقوية ونظراته الثابتة ..
 أسماه (( ريــــان )) ، وأحبه حباً جماً ، ولم يفرق في المعاملة بينه وبين أخته الكبرى .. ولكن إحتفظت حيـــاة بمكانة خاصة في قلبه ...

........................................

أغلقت تقى حاسبوها المحمول بعدما إنتهت من كتابة الفصل الأخير من روايتها الأولى والتي عكفت على كتابتها في وقت فراغها ، لتكون هي باكورة إنطلاق أعمالها الأدبية ..
، ثم نزعت نظارتها الطبية عن أنفها ، وفركت عينيها بإرهاق ..

إستمعت إلى صوت صغيرتها وهي تهتف ببراءة وهي ممسكة ببالون صغير في يدها :
-مامي ، آعبي ( العبي معايا ) !

ركضت تقى في إتجاه صغيرتها لتلهو معها قليلاً ، ولكن تركتها الصغيرة لتركض في إتجاه والدها حينما رأته وهي تهتف بسعادة واضحة :
-بابي .. بــابي !!
-روح قلب وحياة بابي !
قالها أوس وهو يحمل حيـــاته ، وقبلها بشغف ، ثم داعب وجنتها بإصبعه ، ودغدغها في جسدها ، فتعالت قهقهاتها الطفولية الآســرة ..

اقتربت تقــى وهي تجر عربة الصغير ريــان ، وهتفت متذمرة :
-واحنا مالناش في الحب ده ؟! 

دنا أوس منهما ، واحنى رأســه ليقبل حبيبته ، وهو يردد بهدوء :
-ده انتي الحب الأول والأخير ..
ثم أعطاها الصغيرة لتحملها ، وانحنى أكثر ليحمل ابنه ريـــان من عربته ، فأمسك الرضيع بأذنه ، وظل يتفحصها ويتلمسها وكأنها إكتشــافه الهام و الكبير ..
طـــوق أوس بذراعه زوجته وطفلته ، وضمهما إلى صدره ، وهمس بتنهيدة إرتياح :
-ربنا يخليكوا ليا !
.......................................

بعد مــــرور عشرون عاماً ،،،
في المقر الرئيسي لشركـــات الجندي للصلب ،،،

وقف أوس أمــــام ذلك الحائط الزجاجي بجسده الشامخ ، وهيبته التي لا تليق إلا بـــه ، ثم عقد كفيه خلف ظهره ، وتأمل المشهد الخارجي لحركة السيارات بنظرات شبه شـــاردة ..

فقد عـــاد بذاكرته إلى لحظات مميزة قضاها مع حبيبته الأولى والأخيرة ..
فإلتوى ثغره بإبتسامة ناعمة وهو يتذكر ذكريات حمــل تقى المرحة معه ..
فلم ينس دقاتها المتواصلة على باب المرحــاض أثناء اغتساله ، فيضطر أسفاً للخروج دون أن ينعم بإستحمام هانيء ، وتدفعه هي بعنف للخـــارج لتدخل وتصفق الباب خلفها لتقضي حاجتها ...

كمــا أدهشـــه شراهتها لتنــاول ثمـــار الخوخ في أوقـــات مختلفة من اليوم ، وبحثه ليلاً عنها في محـــال البقالة الشهيرة حتى في أوقــات عدم وجودها ، وطلبه إستيرادها من الخــارج خصيصاً لها ، ثم نفورها المفاجيء منها ، وتحول حبها للزيتون ..
قهقه بصوت خافت وهو يتذكر تخبئتها لبرطمـــان المخللات أسفل الفراش ، وشمــه لتلك الرائحة النفاذة التي أرقت منامه ، وإنكارها لهذا ، ثم إكتشــافه له أثناء بحثه عن حذائه ..

تذكر أيضاً بكائها الغير مبرر وهي تصر على مشاهدة تلك الأفلام القديمة ذات الطابع الحزين  .. فكان يناولها المناشف الورقية واحدة تلو الأخــرى لتجفف عبراتها وتمسح أنفها ، ثم يحتضنها بعاطفة قوية ليواسيها رغم عدم إقتناعه بما يراه ..

ولم يغبْ عن ذاكرته عجزها عن غلق سحاب بنطالها بسبب إنتفاخ بطنها ، وإستعانتها بأحد بناطيله الجديدة لترتديها كبديل عنه .. واضطراره لإرتداء شيء أخـــر لا يليق من أجلها فقط ..

ذكريات تليها ذكريـــات تسابقت في عقله ، ليسرح فيها أكثر ..
من دخــول طفلته حياة للمدرســة ، وتعلقها بعنقه ، وتشبثها به ، وبكائها المتواصل لتركه إياها  ، وإضطراره للبقاء أمـــام باب مدرستها طوال اليوم للإطمئنان عليها ..
لحظة حصـــول ابنه ريـــان على أول ميدالية في السباحة ، وفخــره به .. وركضه عليه ليريه إياها .. 
نجـــاح العمل الأدبي الأول لزوجته ، وتحويله إلى فيلم سينمائي وتكريمها .. 
سعـــادة حقيقية تذوقها مع عائلته وهو يعيش وسطهم أجــواء الأسرة الهادئة المستقرة التي لم يحظ بها في حياته السابقة ...
........................................

عــــاد أوس إلى واقعه الحالي ، وطالع بنظرات دقيقة ذلك الشاب الفتي الذي يحمل الكثير من صفاته الجسمانية وملامح وجهه وهو يدلف لداخل مؤسسته العريقة ...
والتوى فمه بابتسامة مغرية وهو يعبث بأصابعه بالشيب الذي يكسو شعره .. وتلك العلامة البارزة ، والمحفورة في جبينه ..

وهمس لنفسه بمزاح وهو يتذكر وصفها له :
-شيخ الشبــــاب !!!!

إستدار بجسده نحو مكتبه ، ليحدق في صور زوجته الموضوعة في برواز ذو إطار فضي مميز ..
تلمسه بأصابعه ، ثم رفعه لينظر إليه عن كثب ..
سحب مقعده بيده الأخــرى ، وجلس عليه ليطالعها بنظرات شغوفة لم ينتقص قدرها بمرور السنــــون ... 

أعــــاد وضع البرواز على سطح مكتبه ، وأمسك بقلمه ليكتب عبارة تعني له الكثير على بطاقة صغيرة إعتاد إرسالها في مثل هذا اليوم من كل عام مع باقة ورد حمــــراء .. 
فهو اليوم الذي أعلنت فيه عن حبها له ، وقبلت أن تكمل حياتها معه وأسلمت له قلبها قبل جسدها .. فحظى بعشقها ، وبات أسعد الرجـــال ..
..
خط أوس بقلمه بلغة منمقة :
 
(( وﻷجلكِ فقط .. انحنت أقوى وأعتى الذئاب )) 

تم بحمد الله
انتظرونا في الجزء الرابع من سلسلة الذئاب 


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1