رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الخامس والاربعون
في منزل تقى عوض الله ،،،
صاحت فردوس بقوة وهي تنظر بغل إلى تلك المتكبرة التي اقتحمت منزلها وترمقها بنظراتها المهينة سائلة إياها بـ :
-إنتي مين ؟
ثم إلتفت برأسها ناحية ممدوح ، وتابعت بقوة :
-وبتتهجموا عليا في بيتي ليه ؟
.............................
أفاقت تقى من حالة الحزن الرهيبة المسيطرة عليها على صوت والدتها الصـــــادح خـــارج غرفتها ، ورفعت رأسها عن الوســـادة ، وسلطت أنظـــارها على باب الغرفة ..
إستمعت هي إلى صوت همهمات عالية وصراخ هــادر فإنقبض قلبها بشدة ، ووضعت يدها على صدرها ، وحبست أنفاسها ..
إزداد الصراخ بالخــارج ، فإبتلعت ريقها في خوف .
وبخطوات حذرة نهضت عن الفراش بعد أن أزاحت الملاءة ، ثم ســارت على أطراف أصابعها لتقترب أكثر وتفهم ما يدور .. أسندت تقى ظهرها على الباب ، ومـــالت برأسها عليه لتصغي بإنتباه لما يقال في الخـــارج ...
.............................
أشـــار ممدوح بيده لفردوس ، وأجاب عليها قائلاً ببرود مستفز :
-ماتتكلميش معاها وكلميني أنا
رمقته فردوس بنظرات ساخطة ، وأكملت سؤالها بصوتٍ شبه محتد بـ :
-عاوز ايه يا حضرت ؟
رد عليها بهدوء حذر دون أن تطرف عينيه الحادتين:
-أنا قولتلك عاوز تهاني !
تتفرس فردوس في تفاصيل وجهه ، فهي أول مرة ترى شخصاً كذلك الرجل المهيب – عدا أوس الجندي – يأتي للسؤال عن أختها التي كانت مصدر تعب وإرهــاق لها منذ سنوات .. لذا سألته بجمود :
-وعاوزها ليه ؟ وصفتك ايه عشان تتكلم كده ؟
عض على شفته السفلى وهو يجيبها بحــذر :
-أنا .. أنا من معارفها
رفعت حاجبها للأعلى في إستنكار ، ولوت فمها في تهكم قائلة :
-يا سلام !
هز رأسه بخفة قائلا ً :
-أهــا ..
استشاطت ناريمان من الهدوء العجيب المسيطر على ممدوح ، وتماديه في الحوار مع تلك المرأة الحقيرة – من وجهة نظرها – ومسايرتها إياها ، لذا هتفت بنزق وهي ترمقها بنظرات إستعلاء :
-بصي يا بتاعة انتي ، اختك المجنونة دي كانت بتتعالج عند دار مسنين تبعي ، وعملت شوشرة وقلق ، وأنا آآ....
إلتفت ممدوح برأسه فجـــأة للخلف ، وحدجها بنظرات شرسة وهو يهتف بها بصرامة :
-ناريمان بلاش الطريقة دي ، أنا بأتفاهم مع الحاجة !
ثم أخــذ نفساً عميقاً وزفره على مهل ، ثم أردف بحذر :
-شوفي يا حاجة ، اختك تهاني ليها مصلحة معانا ، وإحنا زيها ، فعاوزين نتكلم سوا
عقدت فردوس ما بين حاجبيها في إهتمام ، وسألته بإستغراب :
-مصلحة ؟
أجابها بثقة وهو يشير بيده :
-أيوه ، حاجة هاتستفيد منها
لمعت عيني فردوس ببريق مريب ، وهتفت بإهتمام :
-تقصد فلوس ؟
مط فمه وهو يجيبها بإقتضاب :
-يعني .. حاجة زي كده
إرتسم على وجهها إبتسامة ماكرة ، وظنت أن عائلتها ربما تجني مالاً من وراء هذين الشخصين ..
وربطت بين حوار أختها السابق عن عدم القلق بشــأن أي تكاليف مادية تخص علاج ابنتها ، وبين حديث هذا الرجل عن مصلحة ما ..
شعرت بالإنتشـــاء ، وتملكها حماس غريب .. وحـــاولت أن تسيطر على إنفعالاتها لتبدو غير متأثرة بما قاله ..
تنحنحت بصوت متحشرج وهي تقول بخفوت :
-بس هي مش هنا
زفــــر ممدوح في ضيق ، وتسائل بإنزعاج :
-وهاترجع امتى ؟
هزت كتفيها نافية وهي تجيبه بنبرة غير مبالية :
-معرفش
......................
في نفس التوقيت ، وصـــل أوس إلى الطابق المتواجد به منزل زوجته ..
احتقنت عينيه بشــدة بعد أن سمع صوت هذا الرجــل المقيت ، وتصلبت عروقه وبرزت بوضــوح من الغضب ..
أســرع في خطواته ، ووقف على عتبة الباب ليتفحص المتواجدين به ..
وبنظرات سريعة رأى ناريمان وفردوس والبغيض ممدوح ..
اكفهر وجهه أكثر ، وتشنجت شفتيه وهما تنطقان بتهكم بـ :
-حزب الشيطان متجمع هنا !
حدق الجميع به في ذهـــول ، وبدت المفاجــــأة جلية على وجوههم ..
ابتلعت فردوس ريقها في خـــوف ، وتراجعت للخلف لتعطي لنفسها مساحة للفرار ..
في حين سلط ممدوح نظراته المنزعجة عليه ، ولوى فمه في إزدراء ..
بينما رمشت ناريمان بعينيها ، وهتفت قائلة بصوت محتد :
-اتكلم كويس ، ماتنســـاش إن أنا آآ......
قاطعها أوس بنبرة متصلبة وهو يحدجها بنظراته المخيفة :
-أوعي تقولي أمي ولا حتى مرات ابويا ، لأنك أبعد ما يكون عن ده
.....................
على الجانب الأخـــر ، إرتعدت أطــــراف تقى بذعــــر حينما سمعت صوت أوس يصدح بالخـــارج ..
عضت على أصابعها من الخوف ، وإرتجفت شفتيها ، وخفق قلبها بقوة ..
كتمت بيدها فمها حتى لا تصــدر أي صوت فينتبه لوجودها ..
وبحثت بعينيها عن أي شيء لتســـد به الباب فلا يستطيع إقتحامه إن تطورت الأمـــور ..
ولكن كانت غرفتها – كالعادة – خالية من أي شيء يصلح للإستخدام ..
ولم يكن أمامها إلا الأريكة ، ولكن إن حاولت تحريكها ، ستصدر صوتاً قوياً يلفت إنتباهه ..
لذا فكرت أن تظل كما هي ، صامتة تماماً ، حتى تضمن سلامتها منه ..
.......................
استشاطت ناريمان غضباً ، وإلتفتت برأسها نحو ممدوح ، وهدرت قائلة بحنق :
-شايف يا ممدوح هو بيتكلم إزاي
ضحك أوس بطريقة ســـاخرة قبل أن يصمت فجـــأة ليرمق الإثنين بنظرات إحتقارية وهو يقول بسخط :
-طبعاً لازم تشتكيني للباشا اللي دايما واقف في ضلك
صـــاح ممدوح بصوت محتد وهو يشير بإصبعه محذراً بعد أن تحول وجهه لكتلة من الحمرة الغاضبة :
-أوس ، إلـــزم حدودك معايا !
تحرك أوس للأمــــام حتى وقف قبالته ، وحدجه بنظرات متحدية وهو ينطق بصوت جامد وشــرس :
-وإن ما لتزمتش هاتعمل ايه ؟ أهـــا .. نسيت صحيح ، ده مكانك الطبيعي من زمــــان ، ومعروف عنك إنك بتلم بواقي غيرك
رمقه ممدوح بنظرات محتقنة وهو يهتف بنبرة مهددة :
-أوس .. بلاش إنت !!!!!!
اشتعلت عينيه بغضب جم وهو يصر على أسنانه قائلاً بتحدٍ ســـافر :
-وإلا إيه يا ممدوح بيه ؟ ما تكمل تهديدك !
لوح أوس بإصبعه في وجهه متابعاً بشراسة :
-لأحسن تكون فاكرني أوس الصغير بتاع زمـــان ، اللي كان بيخاف منك ، وبيستخبى أول ما يسمع صوتك ، ويتمنى الموت قبل ما تقرب منه وتحط ايدك القذرة عليه !
ابتلع ممدوح ريقه بتوتر .. وصمت ولم يعقب ..
......................................
كذلك وصـــلت تهاني إلى مدخـــل الحـــارة وهي تتنهد بحزن وإرهـــاق ..
لم يكن بالأمـــر الهين أن تكتشف أن إحدى رضيعتيها على قيد الحياة ، ومع هذا تعذر عليها الوصــول إليها وضمها إلى حضنها ، أو حتى التمتع برؤية وجهها ..
كم أن الحياة مجحفة معها بصورة مؤسفة ولم تنصفها يوماً، فسلبت منها في لحظة كل متعها .. وتركت لها البؤس والشقــاء لتتجرعه على مدار السنوات ..
أدمعت عينيها طــوال الطريق قهراً على حياتها التي ضاعت سُدى .. وحيدة بدون أبنائها .. فقيرة بدون أمــوالها ، فاقدة لعقلها ..
وفجـــأة تسمرت مكانها حينما رأت حشــد السيارات المتجمع أمـــام بنايتهم ..
فإبتلعت ريقها بإرتبــاك ، وحدثت نفسها قائلة بتوجس :
-هو .. هو في ايه هنا ؟ ايه كل العربيات دي ؟!
ثم اقتربت من بنايتها ، فوجدت أفراد الحراسة يسدون المدخل ، فتسائلت بخوف :
-هو .. ايه اللي بيحصل هنا يا بني ؟
رمقها أحد الحراس بنظرات قوية ، وهو يجيبها بجمود مشيراً بكف يده :
-اطلعي بيتك يا حاجة وماتسأليش !
فغرت شفتيها بقلق بـ :
-هـــــه !
................................
في منزل تقى عوض الله ،،،
أكمل أوس حديثه بصوت هــــادر ومنفعل وهو يرمقه بنظراته النارية :
-إنت علمتني أكون زيك ، نسخـــة ( وسخـــة ) في تصرفاتها وطريقتها مع الناس ، أفعص أي حد يفكر بس يقف قصــادي ، أستمتع بتعذيب اللي قدامي لحد ما يموت في جلده من مجرد تخيل اللي هاعمله فيه
هـــدر به ممدوح بإنفعـــال قائلاً :
-اسكت ، اسكت !
إحتج أوس قائلاً بغضب شديد محدجاً إياه بنظرات مميتة :
-وليه أسكت ، خايف أفضحك وأقول عن هتكك للأعراض ، ولا خايف أتكلم عن اغتصابك للأطفــــال !!
احتقن وجـــه ممدوح بالدماء ، وقال بإرتباك واضح :
-إنت .. إنت مش طبيعي ، بطل تخاريفك دي !
صرخ أوس بعصبية وهو يشير بكف يده في وجهه :
-دي الحقيقة السودة اللي محدش عرفها عنك إلا أنا ، وبفضلك بقت زي ما إنت شايف ، مع تربية صاحبك بقيت أســوأ بكتير منكم انتو الاتنين !!!!!!
وزعت ناريمان أنظارها على الإثنين بعدم فهم متسائلة بضيق :
-هو بيقول إيه ؟
...............................
أصغت تقـــى لكل كلمة تقـــال بإنصات تــام ، وجحظت بعينيها مصدومة وهي تشهق بصوت مكتوم .. فقد برر أوس تصرفاته العنيفة بتربيته الغير سوية ..
ورغم هذا لا تزال ترتعد منه .. فوجوده معها في مكان واحد يجعلها تتمنى الموت على أن تظل إلى جواره ..
كذلك هنـــاك صدام قوي بين الجميع .. وهذا الباب يقف حائلاً بينها وبينهم ..
.......................
كذلك تنبه عوض إلى صوت الصياح الذي جعله يفيق من نومته .. وظن في البداية أنها مشاجرة دائرة خـــارج المنزل ، ولكن حينما إزداد الصوت قوة تيقن أنها بداخل منزله المتواضع ..
فجاهد لينهض بتثاقل عن الفراش ...
..................................
في نفس التوقيت وصلت تهاني إلى عتبة المنزل ، وإتسعت مقلتيها بصدمة رهيبة وهي ترى شبح طليقها من الجانب أمامها ..
رمشت بعينيها لتتأكد من أنها ليست مجرد أوهـــام .. وإلتفتت إلى مصدر الصوت الأنثوي لتزداد إندهاشتها حينما رأتها .. تلك التي ساهمت في القضاء على أخــر أمــل في حياتها السابقة ..
فغرت فمها محاولة النطق ، ولكن هربت الكلمات من حلقها ..
صدح صـــوت أوس قائلاً بتهكم ســاخر وهو يشير بكفي يده :
-نيجي بقى للهانم العظيمة ، سيدة المجتمع الراقي ، اللي مفهمة الكل إنها أكتر إنسانة خيرة في الكون ، وإنها مش بتستحمل تشوف حد غلبان من غير ما تمد ايدها عشان تساعده .. طلعت ايه بقى أكبر كدابة ومزورة !
احتقن وجــــه ناريمان ، وهتفت فيه بشدة وهي ترمقه بنظراتها الغاضبة :
-ايه الكلام الفارغ ده !
.......................
خفق قلب تهاني بقــــوة حينما وقعت عينيها على ذلك الشــاب الفتي الذي يقف بشموخ عجيب أمامها ،
هي لم ترْ وجهه بعد ، ولكن حضوره الطاغي ، وهيبته القوية كافية لتعرف من هــو ..
إرتجفت شفتيها وهي تحـــاول النطق بإسمه فهمست قائلة :
-آآ... أوس !
...................................
سلط أوس أنظــــاره القاتمة على ممدوح وهو يضيف قائلاً بقســـاوة :
-صحيح الهانم مقالتلكش إن ليان مش بنتها
حدق ممدوح بمقلتيه مشدوهــــا ، وهتف قائلاً بصدمة
-نعم !
أكمــل أوس ببرود وهو يهز رأسه بتفاخر بعد أن فجر القنبلة المدوية في وجه الحاضرين :
-أيوه .. هي مش بنتها ، دي بنت تهاني مراتك ، أمـــي ، فاكرها ؟!
شُدهت تهاني هي الأخـــرى بما قاله أوس ، فقد أكـــد الحقيقة التي عرفتها قبل قليل على لســـان المدبرة عفاف ...
وشعرت أن ساقيها لا تقويان على حملها ..
صدمت فردوس هي الأخـــرى من الحوار الدائر ، والمصارحة الكبرى بين جميع الأطراف ..
وحدثت نفسها قائلة بإندهاش :
-يا سنة سوخة يا ولاد ، ايه ده كله !!!
إلتوى فم أوس بإبتسامة قاسية وهو يضيف قائلاً بسخرية :
-واضح كده إنك كنت متأرطس من زمـــان !
صرخ ممدوح في ناريمان وهو يرمقها بنظرات حادة بـ :
-ايه الكلام اللي بيقوله ده يا ناريمان ؟
ابتلعت ريقها بخوف بائن ، وتراجعت مبتعدة وهي تهز رأسها نافية وتهتف بصوت متقطع :
-آآ.. ده .. ده بيكدب ، مش حقيقي !
هــــدر أوس بصوت جهوري وهو يسلط أنظاره المحتقنة على ناريمان قائلاً :
-لأ أنا مش كداب ، ليـــان سمعتك وإنتي بتقولي ده للباشا مهاب جوزك .. صحيح إيه شعورك وإنتي الصبح في حضن عشيقك ، وأخــر النهار في حضن جوزك ؟!
صرخت فيه ناريمان بإهتياج :
-اخــــرس
أمسك ممدوح بكتفي ناريمان ، وهزها بعنف وهو يصيح بجموح ضاغطا عليها بقوة :
-ردي عليا يا ناريمان ، ليان بنتي ولا لأ ؟ قـــولي ، إنطقي !!
لم تتحمل نـــاريمان الضغط على أعصابها ، فصرخت باكية بـ :
-ايوه بنتك !
فغر فمـــه مدهوشاً بعد أن إرتخت قبضتيه قليلاُ :
-هـــــــــــــاه !
تابعت ناريمان حديثها نحيب بـ :
-مهاب هو السبب ، أنا .. أنا ماليش دعوة ، هو اللي عمل كده
-يعني .. يعني ليان عايشة مامتتش ؟ ليه عملتي كده فيا ؟
بكت ناريمان بحرقة ولم تجبه .. فأبعد ممدوح قبضتيه عنها ، ونظر حوله بنظرات زائغة وهو يكمل قائلاً بإضطراب :
-أنا كنت شاكك من الأول لما شوفتها في الفرح ، حسيت بالشبه الكبير بينها وبين أمها !
أضــــاف أوس قائلاً بسخرية وهو يحـــاول دفع ممدوح للجنون :
-شوف القسوة يا جدع ، بنتك تبقى قصـــاد عينك ، وتقولك يا أنكــل !
هــــدر به ممدوح قائلاً بإنفعال وهو يشير بإصبعه :
-اسكت متكالمش خالص
تقوس فم أوس وهو يجيبه بصوت متصلب للغاية يحمل الإهانة :
-لأ هاتكلم يا بيه ، يا محترم ، يا متربي ، ده من رحمة ربنا إنه حرمك منها ، سابك كده زي الكلب مفكر إنها ماتت ، وهي عايشة وبتكبر في حضن أب وأم تانيين ، بس حظها وحش للأسف ، وقعت مع اتنين أوسخ من بعض !
اندفع ممدوح نحوه ليهجم عليه قائلاً بإهتياج :
-هاموتك يا أوس
أمسك به أوس من ذراعيه ، ونظر له بشراسة وقد نجح في إيقافه وتثبيته في مكانه ، في حين شعر ممدوح بقوته الشديدة عليه ، وعجزه عن تحرير نفسه حتى من قبضتيه ...
حدثت فردوس نفسها قائلة بنبرة متفاجئة وهي تتوارى خلف الجميع :
-عيني عليكي يا تهاني ، كل ده حصلك إنتي وعيالك !
.. صـــر أوس على أسنانه بقوة ، ثم نظر مباشرة في عيني عدوه الأول وهو يقول بشراسة مخيفة :
-مش هاتقدر ، أوس بتاع زمـــان العيل اللي .. اللي ايدك طالته وهو ضعيف مات ، واللي قدامك ده واحد قـــادر يدوس عليك برجله ويفعصك قبل ما تفكر بس تلمسه !
في تلك اللحظة ، أفاقت تهاني من حالة الجمود المسيطرة عليها ، وإنطلقت للداخـــل وهي تصرخ بإهتيـــاج مريب :
-عملتوا في ولادي إيييييه ؟ خدتوهم غصبي عني ليييييه ؟!!!
ضيق أوس عينيه بإستغراب بعد أن رفع وجهه في وجــــه تلك السيدة ذات القسمات المجعدة ..
وإتسعت مقلتيه بصدمة حينما تأكد من ملامحها التي لم ينساها رغم ما خطه الزمن عليها من خطوطه ...
إندهش ممدوح هو الأخــــر من رؤية تهاني ، ولكنها لم تكن بالصدمة القوية التي تجعله غير قـــادر على إستيعابها ..
فصــاح بصوت مرتبك :
-تـ.. تهاني !
إلتصق ظهر ناريمان بالحائط وهي ترمش بعينيها في خـــوف ، فقد إنهــــار كل شيء .. وتكشفت الحقائق أمــــام الجميع ..
هجمت تهاني على ممدوح وخدشته في وجهه وهي تصرخ بعنف قائلة :
-عملت ايه في عيالي ؟ وديتهم فين ؟!
قبض ممدوح على معصميها ، ودفعها للخلف وهو يبعد وجهه عنها قائلاً بسخط :
-ابعدي عني !
قـــاومته بشراسة غير مسبوقة ، وهدرت به بصراخ :
-لأ مش هابعد ، هاخد حق عيالي منك ، مش هاسيبك تموت إبني !
كــز ممدوح على أسنانه قائلاً بعصبية :
-امشــي من هنا
وقف أوس متسمراً في مكانه مشدوهاً بما يحدث ؟؟
رمشت فردوس بعينيها وهي ترى أختها تتشاجر مع ذلك الغريب ، فلطمت على صدرها قائلة :
-يا نصيبتي !
ثم ســارت بخطوات سريعة في إتجـــاه اختها لتدافع عنها هي الأخـــرى وهي تصرخ بغضب :
-سيب اختي يا جدع ، ابعد عنها ، جك حش وسطك !
صـــاح بهما ممدوح بعصبية وهو يلكزهما :
-لمي نفسك إنتي وهي !
لوت ناريمان فمها في تأفف واضح قائلة بإشمئزاز :
-يـــاي ، مش ممكن !
...........................
فتح عوض الله باب غرفته ليتجه إلى الصـــالة فوجد أشخاص غرباء بها ، فرمق الجميع بنظرات حائرة ، وصـــاح بصوت مبحوح وهو يمر بجوار باب غرفة إبنته :
-انتو مين ؟ وبتعملوا ايه هنا ؟
أدار أوس رأســـه في إتجاهه ، ورمقه بنظرات متفرسة لحالته الوهنة .. ثم عـــاود النظر تلقائياً إلى ممدوح والسيدتين بنظرات فاترة ..
..........................
إنتفضت تقى في غرفتها مذعـــورة حينما سمعت صوت والدها يأتي من الخـــارج ، وشهقت بخوف شديد ..
فقد كانت تخشى عليه من أن يصيبه مكروه ، وخاصة أن حالته لا تتحمل أي شيء .. فعفوياً أدارت المقبض ، وإندفعت بلا تفكير للخـــارج هاتفة بصوتٍ عالٍ ومرتجف :
-بابا !
إنتبهت حـــــواس أوس بالكامل إلى ذلك الصوت الذي إشتاق لسماعه كثيراً ، ولف رأسه نحوه دون تردد ..
لمعت مقلتيه الغاضبتين ببريق غريب حينما رأهـــا أمامه وهي تقف أمـــام باب غرفتها ...
وتبدلت ملامحه المتصلبة إلى الإرتيـــاح وهو يراها تتحرك كما كانت من قبل ..
لم تنظر هي نحوه ، بل كانت تبحث بعينيها المرهقتين عن شخص مـــا ..
لم يدرْ بنفسه وهو يتحرك نحوها هاتفاً بإسمها بنبرة مشتاقة بـ :
-تقــى !
رفعت رأسها نحوه ونظرت له برعب وهي ترتجف من اقترابه المحتوم منها و......................................