رواية جمر الجليد الفصل الثالث بقلم شروق مصطفي
صرخت سیلا بصوت عال: "سيب إيدي بقى وحاولت تحرير يدها، لكن قبضته كانت أقوى.
جرها إلى مكان خال من الناس، وقال بصوت مخيف: "إنت عارفة أنا مين؟ وأقدر أعمل فيك إيه؟" ردت بسخرية: هتكون مين يعني؟ سيب إيدي أحسنلك، أنا زعلي وحش."
نظر إليها بتحد: "وريني زعلك!" صرخت: "سيب إيدي للمرة الأخيرة" لكنه ظل ثابتًا.
في لحظة، باغتته بلكمة قوية على أنفه، تبعتها بركلة بين قدميه، فتراجع متألمًا. ابتعدت وهي تضحك بسخرية:
روح اللعب بعيد.
فرّت سيلا عائدة إلى الفندق بعد أن أفقدت خصمها توازنه بلكمة على الأنف، وصلت إلى غرفتها ولم تجد أحدًا، فأغلقت الباب وغفلت سريعًا.
في الخارج، كانت همسة ومي تبحثان عنها بقلق. قالت مي: "مش شايفاهم... أخدها فين؟ شكله مش هيسكتلها!"
ردت همسة: "تعالي ندور عليهم، أنا خايفة يعملها حاجة!"
بحثتا في كل مكان بلا جدوى. توقفت همسة وقالت: "ده شكله مش طبيعي... افتكرتي مين ممكن يكون؟"
قالت مي وهي تحاول تهدئة همسة: "تعالي نقعد الأول، متقلقيش على سيلا. أنا متأكدة إنها تعرف تدافع عن نفسها، لكن المشكلة إنه مش هيسيبها في حالها بعد كده."
ردت همسة بتفكير: "ويعرفكوا منين أصلاً؟ ده شكله إنسان غير طبيعي! رحتي فين انتي كمان ساكتة كده؟"
سرحت مي قليلًا وقالت: "في حاجة افتكرتها... هو فيه شبه منه. بس أنا شوفته مرة واحدة من سنين، وحاسة إنه هو."
نظرت لها همسة بعدم فهم: "مش فاهمة حاجة! وضحي."
تنهدت مي وقالت: "طيب هحكيلك حاجة. فاكرة يوم التخرج والحادثة اللي حصلت؟"
ردت همسة بقلق: "آه، فاكرة... بس إيه اللي جاب سيرة الموضوع ده دلوقتي؟ مصدقنا إنها خلصت!"
قالت مي: "فاكرة رودينا صاحبتنا؟"
ردت همسة وهي تحاول التذكر: "تقريبًا... كنتوا دايمًا ثلاث أصحاب، صح؟"
مي: "ما علينا، المهم اللي حصل يومها إن رودينا جات المستشفى تطمّن عليّ، وكلمها أخوها في التليفون. قالتله إنها معايا وعرض يوصلني، وأنا وافقت وركبت معاهم.
اتصدمت لما شفته، لأنه نفس الشخص اللي أنقذها يوم الحادثة دي، واللي لولا تدخله كانت ضاعت هي كمان. لكن وقتها، من طريقته وكلامه، حسيت إنه بيهاجمنا واتنرفز جامد."
همسة: "إزاي بيهاجمكم؟ ذنبكم إيه أصلاً؟"
"بعد يوم الحادثة، جاءت رودينا إلى المستشفى للاطمئنان على مي. خلال وجودها، تلقت مكالمة من أخيها وأخبرته أنها مع صديقتها، فاقترح أن يوصلها. وافقت مي وركبت معهم.
ما إن جلست في السيارة حتى اكتشفت أن أخا رودينا هو نفس الشخص الذي أنقذها يوم الحادثة. لكن سرعان ما تحول الموقف إلى توتر، حيث بدأ يهاجمها بعصبية. سألها بحدة عن سبب وجودهما في الشارع المشبوه في ذلك الوقت، وقاطع رودينا عندما حاولت الدفاع عنها، مطالبًا مي بالإجابة بنفسها.
حكت له ما حدث، لكنه انفجر غاضبًا واتهمهما بالتهور قائلاً إنهما أغبياء، وكيف يمكنهما السير في شارع يعرفان أنه خطير دون اتخاذ احتياطات، بل وتأخرهما عن طلب المساعدة عند رؤيتهما السيارة المشبوهة. أنهى كلامه بجملة خبيثة أزعجت مي، متهمًا صديقتها بأنها "عاملة نفسها راجل".
نظراته وصوته العالي جعلا مي ترتجف ورودينا تشعر بالتوتر. حاولت رودينا تهدئته، مبررة أن يومهما كان صعبًا، لكنه لم يهدأ وأكد أن تدخله في الوقت المناسب أنقذ الموقف، وإلا لكانت الكارثة قد وقعت.
في النهاية، اعتذر لها بطريقة جافة لم تخفف من استيائها، مما دفعها لطلب النزول عند أقرب مكان، وقد شعرت بالاختناق من الموقف بأكمله"
أخذت مي نفسًا عميقًا ثم استرسلت في حديثها. أخبرت همسة أنها عرفت لاحقًا من سيلا، التي تحدثت معها بعد تعافيها بثلاثة أيام، عن ما حدث في تلك الليلة. أخبرتها سيلا أن ذلك الشخص جاءها ليلًا بعد أن غادر والداها المنزل، ووقف أمامها بنظرة حادة وملامح غاضبة، ليطلق كلمات جارحة مليئة بالاتهامات.
قال لها بلهجة قاسية: "طب شرعي وانتي شمال انتي وصاحبتك! وابعدوا عن أختي. ما حدش منكم يقرب منها تاني."
كانت كلماته جارحة بشكل لا يحتمل، مما ترك أثرًا كبيرًا على سيلا. تابعت مي بمرارة: "ومن وقتها علاقتنا برودينا اتقطعت للأسف، والسبب هو الشخص ده... وأخوه كمان، اللي كان ألعن منه."
سألتها همسة بقلق: "وأخوه عمل إيه؟"
هزّت مي رأسها وقالت: "ده موضوع طويل... أحكيلك عنه بعدين."
… .
في مكان آخر مجهول، كان الشخص نفسه يتحدث في الهاتف:
"مرحبًا، أريد تجهيز طفلين للتنفيذ بعد يومين. سأصل بعد يومين لإتمام التجهيزات عند الطبيب وبنفس السعر."
رد بدر: "آسف، لا يمكننا الآن. اعطنا بعض الوقت. تم القبض على طبيبنا، واعترفت الممرضة وأخذت صورًا وفيديوهات لنا. الصحافة تهاجمنا أيضًا. انتظر فقط لبعض الوقت."
أجاب الشخص بلهجة غاضبة: "ماذا! هل أنتم مجانين؟ ما الذي تنتظرون؟ قوموا بتنفيذ الأمر الآن، أو سيتم تصفيتكم أنتم! سأتصل بكم لاحقًا لأتأكد أن كل شيء على ما يرام." ثم أغلق الخط.
بعد انتهاء المكالمة، زفر وأجرى مكالمة أخرى، وقال: "نفذوا اليوم! أريد أن أسمع خبرهم جميعًا." ثم أغلق الخط.
عادت مي وهمسة إلى الغرفة بعد أن يئسا من العثور على سيلا، وفوجئا بوجودها نائمة على السرير. تبادلتا نظرة متفاجئة وسألت مي: "جت إمتى دي؟" هزت همسة كتفيها، وأجابتها مي بأنها لا تعلم. ثم استلقيا بجانبها، منهكتين من يوم طويل.
بعد أن ضربته، أفلتت سيلا يد عاصم وتراجعت إلى الوراء، بينما هو مصدوم من جرأتها. سمع صوتها وهي تبتعد قائلة: "مش عاوزه أشوف وشك مره تانية قدامي." ثم تركته واختفت عن الأنظار.
أمسك عاصم بأنفه وهو يهددها في نفسه: "هتشوفي أيام معايا، صبرك."
ثم ترك المكان غاضبًا، يلعن نفسه حتى رن هاتفه فجأة. استمع للمكالمة، مصدومًا من محتواها، وقبض على يديه بعنف.
رد أخيرًا: "تمام" وأغلق الخط. زفر بعمق، ثم ذهب إلى غرفته ليُنهي اليوم.
في صباح يوم جديد، استيقظت مي على صوت المنبه فوجدت الساعة السابعة صباحًا، فأطفأته وقررت أن تقضي صباحًا مختلفًا. قامت بأخذ شاور سريع لتنشيط نفسها، ثم تركت رفيقاتها نائمات وقررت الجري قليلاً. ارتدت ملابس رياضية ورفعت شعرها بطريقة فوضوية، ثم خرجت من الغرفة متوجهة إلى الاستقبال لتسأل عن مكان مخصص للجري.
في نفس الوقت، وصل معتز متعبًا ومرهقًا بعد رحلة طويلة، وتوجه إلى الاستقبال ليسأل عن شيء ما.
وصلت مي أولًا إلى الاستقبال وقالت: "لو سمحت؟"
لكن الموظف كان مشغولًا بالتقاط شيء قد وقع منه. وفي نفس اللحظة، وصل معتز وقال: "لو سمحت؟"
اعتدل الموظف ونظر مبتسمًا إلى معتز قائلاً: "معتز باشا، نورتنا يا فندم، أخدمك بإيه؟"
رد معتز: "تسلم يا حبيبي، كنت عاوز..."
لكن مي قطعت حديثهم وقالت بنبرة حادة: "على فكرة، أنا جيت الأول وكلمتك الأول، مش من الذوق تسيبني واقفة وتكلمه هو." كانت توجه كلامها للموظف دون أن تنظر إلى الشخص الذي كان بجانبها.
قال الموظف لمي: "آسف يا فندم، ما خدتش بالي بجد."
ثم نظر إلى معتز وقال مبتسمًا: "أستاذ معتز من أصحاب الفندق و..."
لكن مي قاطعته قائلة بغضب: "رغى، ميهمنيش صاحب ولا مش صاحب. أول حاجة تشوفني عاوزة إيه بعد كده، ابقوا رحبوا بيه براحتكم."
شعر الموظف بالإحراج وألقى نظرة على معتز.
معتز رفع يده بقرف وقال: "خلصها الأول، مش ناقصين رغي على الصبح."
نظرت مي إليه وقالت: "ما تحترم نفسك يا أخي، هو حد وجهلك كلام أصلاً؟" ثم تفاجأت عندما اكتشفت أنه أخو رودينا وصمتت لتتجنبه.
رد معتز عليها قائلاً: "إنتي عدي يومك معايا، مش ناقصك أنا."
استشاطت مي من أسلوبه وقالت بغضب: "إيه بت دي؟ انت شايفني عيلة بتلعب معاك ولا إيه؟ ما تحترم نفسك، اجدع أنت! بتقول شكل للبيع على الصبح؟"
معتز نظر إليها بنظرة ذات مغزى، وكأنها تذكرته، وقال: "مش عجبك بت؟ يبقى أنتي أدري بنفسك، وغمز لها."
صُدمت مي من تصريحه الحقير، وفتحت عينيها على أوسعها وقالت بغضب: "تصدق أنت؟ أنت بجد حيوان، وقليل الأدب كمان!"
ثم رفعت يدها لتصفعه، لكنه أسرع وأمسك بها بقوة أمام الموظف، وعصر كف يدها بشدة.
مي، بصوت عالٍ: "إنت غبي، سيب إيدي يا حيوان!"
معتز، بتحدٍ: "أيوة، أنا حيوان، والحيوان ده بقى حيعرفك تكلمي أساتذتك إزاي."
حاولت مي أن تبعد يدها عن قبضته وقالت: "إبعد بقى، بقولك والله هتندم على اللي عملته زمان، واللي عملته دلوقتي كمان."
معتز، بمكر: "إنتي هتندميني؟ طيب، أنا مستني أشوف هتندميني إزاي." ثم ترك يدها وألقى نظرة استهزاء وقال: "أنا مستني، وريني هتندميني إزاي."
نظرت إليه مي بقرف، وقبل أن تبتعد، ردت: "هتعرف بعدين!" كانت قد أقسمت داخليًا أنها سترد له كل ما فعله بها حتى الآن.
كان الموظف في حالة من الحيرة بين مي ومعتز، وكان يحاول تهدئة الجو قائلاً: "أستاذ معتز، يا أنسة، اهدوا، مفيش داعي لكل ده. حصل خير، أنا بعتذر لكم بجد، أنا السبب."
لكن مي ومعتز كانا يتبادلان النظرات العدائية، وكأن كل واحد منهما يتوقع أن ينقض على الآخر أولًا.
أعاد معتز الحديث مرة أخرى إلى الموظف قائلاً: "إزاي بتوافقوا على نزلاء زي دول؟ ده مش هعدهالكوا، بس خلصوا الافتتاح النهاردة، ولينا كلام تاني. قولي رقم غرفة عاصم كام؟"
رد الموظف بخوف: "إحنا آسفين يا فندم بجد. رقم الغرفة 901."
ركضت مي بعيدًا عن معتز، والأحداث التي مرّت بها معه تتكرر في ذهنها. بعد أن استفاقت سيلا، ذهبت لزيارتها، ووجدت رودينا فرصة لسفر أخيها الأكبر، وبعد محاولات عديدة، وافق معتز على ذهابها. أثناء خروجها، التقت مي، وصممت على أن ترافقها، ترددت بسبب خوفها من معتز بعد الهجوم الذي تعرضت له سابقًا، لكن رودي أصرّت وقالت لها إنها لن تتركها في الشارع بمفردها، وأكدت لها أنها ستكون معها.
داخل السيارة، كان معتز يجلس في المقدمة، وعيناه تراقبان عقارب الساعة بعصبية. تأخرهم أزعجه بشدة، وما إن لمح مي تقترب حتى تجمدت ملامحه للحظة. إنها هي، الفتاة التي كانت معهم يوم الحادث. نطق بغضب مكتوم: "ماتخلصوا بقى واركبوا، ولا هتفضلوا واقفين كده؟"
رودي استدارت إلى مي وأشارت إليها أن تسرع. مي، التي بدا عليها التوتر، تحركت بسرعة نحو السيارة وهي تهمس لنفسها عن إخوتها الذين لا يعرفون سوى الشجار. جلست في الخلف بصمت، لكن عينا معتز لم تتركها، التقاها عبر المرآة الأمامية وسأل بنبرة صارمة: "إنتو تعرفوا بعض من إمتى؟"
رودي، التي شعرت بتوتر الموقف، سارعت بالإجابة: "أنا ومي وسيلا نعرف بعض من أيام الجامعة." لم يرد معتز، لكنه اكتفى بنظرة غريبة صاحبتها كلمات مشبعة بالسخرية: "ونِعمة المعرفة."
عندما وصلوا إلى وجهتهم، التفت معتز إلى رودينا وقال ببرود: "انزلي، أنا في ورق مهم في الشركة هجيبه على سكة صحبتك." فبادرت مي بالقول بسرعة: "لا، هنا كويس. مش محتاجة توصلني." شكرته على عجل ودفعت باب السيارة لتنزل، لكن صوته أوقفها فجأة.
"استني عندك!" قالها بصوت جاف حمل تهديدًا مبطنًا أرعبها. اهتزت يدها على مقبض الباب، وتركت الباب فورًا. سمعت صوت قفله فأصابها الذعر.
التفتت إليه مي بخوف أقرب إلى البكاء، وقالت بتلعثم:
"حضرتك قفلت الباب ليه؟ أنا... أنا عايزة أنزل. نزلني لو سمحت! مش عايزة توصلني، شكراً."
لكنه أجاب بغضب مكتوم، سرعان ما تصاعد إلى صراخ مدوٍ:
"بت! انتي اخرسي بقى لحد ما أزفتك وأوصلك! ما أسمعش صوتك خالص، فااااااهمة؟"
اهتزت من نبرة صوته المهينة، لكنها تماسكت وردت بانفعال:
"وأنت بتزعق لي كده ليه أصلاً؟ ما سمحلكش تكلمني بالطريقة دي! تعرفني منين أصلاً عشان تتكلم معايا كده؟ نزلني هنا لو سمحت!"
ضغط على المكابح فجأة، فتوقفت السيارة بعنف على جانب الطريق. التفت إليها بوجه متجهم ونظرة مشبعة بالغضب، وقال بسخرية:
"شوفي يا ست الكل، مش عشان سواد عيونك يعني أنا هوصلك! فوقي كده بقى، ها؟ ولا عايزة تتشقطي؟ ما انتو واخدين على كده!"
تجمدت ملامحها من الصدمة، والدم يغلي في عروقها. تمالكت نفسها بصعوبة وقالت:
"إنت مريض... بجد والله مريض! ومش فاهم أي حاجة!"
ثم أدارت وجهها بعيدًا عنه، محاولة تفادي نظراته الحاقدة. شعرت أن الهواء داخل السيارة أصبح خانقًا، واحتقنت عيناها بالدموع، لكنها أبت أن تظهر ضعفها أمامه.
اتسعت عينا مي بصدمة من كمّ الاتهامات التي ألقاها عليها. ردّت بحدة وقهر:
"إنت مريض... بجد والله مريض! ومش فاهم حاجة."
ثم أدارت وجهها نحو النافذة، محاولة تفادي نظراته الحقيرة التي جعلتها تشعر بالاختناق.
لم يعلّق معتز، بل التفت للأمام وأعاد تشغيل السيارة، وكأن شيئًا لم يحدث. للحظات بدا وكأنه استعاد هدوءه المصطنع، ثم نطق بنبرة تحمل استهزاء:
"وتعرفوا البنت التالتة كمان!"
مي سمعت كلماته، لكنها لم ترد، مكتفية بالنظر إلى الخارج. شعر بالضيق من صمتها، فرفع صوته قليلاً وقال بحدة:
"بتكلم أنا على فكرة!"
نظر إليها عبر المرآة الأمامية، ينتظر إجابة. لكنها، دون أن تلتفت، تكتفت وقالت ببرود:
"مش ملزمة أجاوبك على فكرة... ابقى اسأل أختك."
ضغط بأسنانه غيظًا، ثم تمتم بصوت منخفض، لكنه مسموع بما يكفي لتثير كلماته استفزازها:
"معرفة هباب وأشكال زبالة شمال... يومها مش معدّي لما أروحلها بس."
مي شعرت بالغضب يتصاعد في صدرها، لكنها حاولت السيطرة على نفسها، مثبتة نظرها على النافذة لتجنب الانفجار. همست بغضب مكتوم:
"الأشكال الزبالة دي... إنت تعرفها آه يا زبالة!"
لم تدرك أن همسها كان مسموعًا بما يكفي ليصل إليه. فجأة، شعرت بباب السيارة يُفتح بعنف، ويد قوية تجذبها من ذراعها. قبل أن تستوعب ما يحدث، وجدته يهزها بشدة، وجهه غاضب وكلماته كالسياط:
"أنا الزبالة؟ يا زبالة؟! إنتِ وصاحبتك الشمال اللي بتتشقطوا مع رجالة عادي في الشارع!"
صرخت مي بألم، محاولة التخلص من قبضته:
"آه! أبعد عني! إنت إنسان مريض ومجنون... سيبني بقى!"
لكنه اقترب أكثر، وجهه مملوء بالغضب والاحتقار، وقال بفحيح:
"لو شوفتك تاني... مش هرحمك. سامعة؟"
تركها أخيرًا، ثم صعد إلى سيارته وأغلق الباب بقوة، منطلقًا بسرعة جنونية بعيدًا عنها.
مي وقفت مكانها، تشعر بالألم يشتعل في ذراعيها حيث أمسكها بعنف. انهمرت دموعها وهي تهمس لنفسها:
"حيوان... ومش طبيعي."
نظرت حولها، ولاحظت أنها كانت قريبة من منزلها. هرولت بخطوات متعثرة، بالكاد تستطيع الوقوف من شدة الخوف والصدمة. ما إن وصلت إلى غرفتها حتى ألقت بجسدها على الفراش وانهارت في بكاء مرير.
دفنت وجهها في الوسادة، وهمست بين شهقاتها:
"ليه؟ ليه يقول علينا كده؟ ليه؟"
فاقت من أفكارها عندما شعرت بشلالات من الدموع الساخنة تنهمر على وجنتيها. كانت تلك أول مرة تسمع فيها أحدًا يتحدث عنها بهذه الطريقة السيئة. شعرت بالإهانة، والغضب يشتعل في صدرها. لم تستطع تقبل فكرة أن يمر ما حدث دون رد. همست لنفسها بصوت خافت لكنه مليء بالإصرار:
"لا... لا يمكن أسيبه متهني وأنا أحرق في دمي كده!"
مسحت دموعها بعنف، محاولة استعادة هدوئها، لكنها أدركت أن الغضب لن يهدأ بسهولة. قررت أن تفرغ طاقتها السلبية بأي طريقة. ركضت بلا هدف، وكأنها تهرب من ثقل الكلمات التي ما زالت تتردد في أذنيها.
مع كل خطوة، شعرت أن غضبها يتلاشى تدريجيًا، وتحل مكانه قوة جديدة، عزم على عدم السماح لأي شخص بتحطيمها مجددًا. عندما انتهت من الركض، كانت أنفاسها لاهثة، لكن عقلها أصبح أكثر صفاءً. عادت إلى الفندق مرهقة جسديًا، لكنها أكثر تصميماً على استعادة كرامتها وإعطائه درسًا لن ينساه.
مي دخلت إلى الغرفة لتجد سيلا جالسة على الفراش، وأمامها اللاب توب. كانت ملامحها متجمدة، وعيناها شاخصتين، وكأنها رأت شيئًا لا يُصدق. اقتربت منها وقالت بقلق:
"سيلا؟ في إيه؟ مالك؟ وشك أصفر كده ليه؟ انتي يا بنتي في إيه؟"
لكن سيلا لم ترد. كانت غارقة في صدمتها، لا تنبس ببنت شفة. شعرت مي بالذعر، فالتفتت تبحث عن همسة، ووجدتها نائمة في زاوية الغرفة. اقتربت منها وهزتها بخفة وهي تقول بصوت متوتر:
"همسة... اصحي! انتي كمان جاية تنامي هنا؟"
همسة فتحت عينيها بصعوبة، تتثاءب بسبب النوم:
"في إيه يا مي؟ بتصحيني بدري ليه؟ سيبيني أكمل نومي بقى."
وكادت تغفو مرة أخرى، لكن مي جذبتها من ذراعها بعصبية قائلة:
"اختك مالها يا بنتي؟ أنا سيباكوا نايمين، قومي شوفيها! متنحة كده ومش بترد عليّ."
نهضت همسة بفزع، وقد بدأت تشعر بالقلق من نبرة مي. قالت وهي تفرك عينيها:
"سيلا مالها؟ فيها إيه؟"
توجّهتا معًا نحو سيلا، حاولتا هزها لتفيق من صدمتها، لكن عينيها كانت ما زالت مثبتة على شاشة اللاب توب. نظرتا إلى الشاشة لتعرفا السبب، وبمجرد أن رأتا الخبر أمامهما، تجمدتا.
مي تمتمت بذهول، وقد بدأ عقلها يستوعب ببطء:
"ماتت... ده معناه إنهم..." ثم توقفت، لم تكمل الجملة، وكأن الكلمات خانتها.
همسة، التي لم تفهم بعد، نظرت بين أختها وسيلا بارتباك وقالت:
"في إيه يا مي؟ فهميني! مين اللي مات؟ وسيلا مالها؟ حد يرد عليّ!"
…
داخل مبنى الداخلية صباحًا
كان الهرج والمرج يعم المكان، بينما اللواء أيمن الجابري يقف غاضبًا يصيح بصوت يملؤه الانفعال:
"ده تهريج! إزاي ده يحصل؟ إزاي وهو عليه حراسة مشددة؟ إزاي ينتحر وكل ده وانتو نايمين؟!"
وجه حديثه لأحد الضباط قائلاً بغضب حاد:
"حضرتك متحول للتحقيق إنت والطقم اللي عندك لعدم المحافظة على السجناء! اتفضل!"
خرج الضابط من المكتب متوترًا، وسرعان ما أجرى مكالمة بصديقه، الذي أجاب فورًا:
"اللواء محسن، لازم أقابلك ضروري، الموضوع لا يحتمل التأخير!"
رد اللواء محسن بقلق:
"حاضر، هعدي عليك في مكتبك. موجود إمتى؟"
أجابه اللواء أيمن:
"دلوقتي لو ينفع، الموضوع كبير، منتظرك."
أغلق الخط، ثم تحدث لنفسه بغضب مكتوم:
"أغبياء! لازم تبعد لحد ما الأمور تهدى. مش هيسيبوها في حالها."
بعد نصف ساعة، وصل اللواء محسن، والد سيلا.
دخل المكتب بعد الترحاب المعتاد وقال:
"خير يا أيمن؟ قلقتني لما قلت الموضوع لا يحتمل التأخير! أوعى تقول سيلا حصل لها حاجة!" ووضع يده على قلبه، يظهر عليه القلق.
كان اللواء أيمن قد تحدث سابقًا مع محسن بشأن وضع حراسة على ابنته بعد مكالمة تهديد تلقتها. هدّأه قائلاً:
"اطمّن يا محسن، بنتك بخير. لكن للأسف القضية كبرت جدًا. الطبيب مات مقتول داخل السجن، والصبح لقينا جثة الممرضة مذبوحة ومرمية جنب النفايات بعد بلاغ باختفاءها!"
ارتعش وجه محسن من الصدمة وقال بصوت مختنق:
"إذن الدور على بنتي...!"
بدأ قلبه ينبض بسرعة، وأنفاسه تتقطع من الهلع. فزع اللواء أيمن وهو يرى حالته، وصرخ:
"محسن! محسن!"
نادى عسكريًا من الخارج:
"هات مية بسرعة!"
ظل يهوي عليه، فتح أزرار قميصه، وقدم له الماء ليشرب. بعد أن استعاد محسن بعض هدوئه، قال أيمن:
"اهدى، بنتك بخير وأنا أضمنلك إنها هتكون بأمان."
نادى على العسكري مرة أخرى:
"هات ليمون بسرعة!"
عاد بعد لحظات، وبدأ أيمن يشرح الوضع بوضوح:
"اسمعني كويس، يا محسن. بنتك دخلت نفسها مع ناس خطر جدًا، الناس دي ما بيلعبوش. وراهم شخصيات تقيلة وأول حل عندهم لما الأمور تضيق عليهم هو القتل."
تابع بجدية:
"بنتك تورطت بسبب آخر مقال نشرته، اللي فضحت فيه تفاصيل الجريمة بالكامل، بما في ذلك مكان الطبيب. حتى لو ما كتبتش اسمها، هم مش بالسذاجة إنهم ما يعرفوش توصلوا ليها. دي شبكة كبيرة جدًا، أطرافها في الخارج، ولما بيحسوا إنهم قربوا يتكشفوا، بيصفوا أي طرف داخلي."
أضاف:
"بعد مكالمة التهديد، لازم سيلا تبعد عن الموضوع نهائي. للأسف، بموت الطبيب والممرضة، القضية تقريبًا انتهت. إلا إذا بنتك احتفظت بنسخة من الصور اللي كانت معاها. لو فكرت تلعب بيها ضدهم، مش هيسيبوها."
رد محسن، وهو ما زال تحت وقع الصدمة:
"وفكرك، هي هتوافق تبعد؟ ولو أصرت على النبش وراهم؟ وهي لسه هنا؟"
ابتسم اللواء أيمن بثقة:
"لا تقلق، معاها ذئب الداخلية. مش هيديها فرصة تعمل أي حاجة. ولو فكرت مجرد تفكير، هنقدر نسيطر عليها."
شكر محسن صديقه بامتنان:
"بجد، ما كنتش عارف أعمل إيه من غيرك."
رد اللواء بابتسامة:
"احنا إخوات، ولا نسيت؟"
ضحك محسن وقال:
"أنسى إزاي؟ دي عشرة عمر."
اختتم اللواء الحديث قائلاً:
"لسه كنت مع أحمد امبارح، كنا بنتكلم على أيام زمان."
بعد قليل من الحديث عن الذكريات القديمة، استأذن محسن للعودة إلى البيت، حيث تنتظره المهمة الأصعب: إقناع زوجته بسفر سيلا إلى الخارج حفاظًا على حياتها.
...
داخل منزل محسن
بعد شد وجذب طويل بينه وبين نرمين، حاول محسن تهدئتها بينما كانت تصرّ بقلق:
"يعني حتى مش هشوفها وأسلم عليها؟"
أجابها محسن بحزم:
"لا طبعًا. همسه هترجع مع مي بعد ما يخلصوا الافتتاح النهارده، وهيوصلوا هنا بكرة الصبح إن شاء الله."
لكن نرمين لم تكن قادرة على استيعاب الأمر:
"بس بنتي مش هتسكت، ولو رجعت مش هتنكش وراهم؟ أنا عارفة بنتي، يا محسن، سيلا مش بتسيب حاجة!"
تنهّد محسن وهو يتذكر كلمات صديقه اللواء أيمن، ثم قال محاولًا طمأنتها:
"متقلقيش، أيمن مطلع معاها أكفأ ظابط مخابرات على مستوى الداخلية كلها. هيعرف يتعامل معاها كويس."
نرمين ما زالت قلقة:
"وأنت واثق إنه هيقدر يسيطر عليها؟"
أومأ محسن بثقة، ثم أضاف بتحذير:
"بس خلي بالك، أيمن نبهني على نقطة مهمة جدًا. لو اتكلمتي معاها النهارده، إياك تفتحي موضوع السفر أو أي حاجة من اللي قلناها."
سألته بتوتر:
"ليه؟"
ردّ بهدوء لكنه كان جادًا:
"لأن لو نبهتيها، هتعمل أزمة كبيرة، ومش هنضمن هتعمل إيه. هي هتسافر فورًا بعد الافتتاح."
تنهّدت نرمين مستسلمة وقالت:
"ماشي، مش هقولها حاجة. أهم حاجة إنها تبعد عن العصابة دي في أسرع وقت وتكون بأمان."
نظر إليها محسن مطمئنًا، لكنه كان يعلم أن المهمة الحقيقية لم تبدأ بعد، والقلق على ابنته لم يفارقه لحظة.
في مكان آخر
كان الجو متوترًا داخل غرفة مظلمة، حيث جلس رجل يرتدي بدلة أنيقة وخلفه نافذة تطل على مدينة تغرق في الأضواء. صوت مكالمة مشحونة بالتوتر انبعث من الهاتف أمامه.
الرجل الأول (بغضب):
"ماذا فعلتم؟ هل حصلتم على الأدلة؟"
الرجل الآخر (بتوتر):
"سيدي، تم تصفية الطبيب والممرضة كما أمرتم، لكننا لم نجد أي أدلة بحوزتهما، ولم نعثر على أثر للصحفية حتى الآن. القضية تم إغلاقها، تمامًا كما حدث في السابق."
الرجل الأول (بتهديد واضح):
"استمع جيدًا... إن ظهرت الصورة الخاصة بي في أي مكان، سأمحو وجودك عن وجه الأرض. أفهمت؟"
الرجل الآخر (بصوت مرتجف):
"لا تقلق، سيدي. لم يظهر أي أثر لأي صور حتى الآن، وإن وُجدت، سأتصرف فورًا."
الرجل الأول:
"جيد. وداعًا."
أنهى المكالمة بغضب، ثم ألقى الهاتف بقوة على الطاولة. عيناه توهجتا بشراسة، وهو يفكر في الخطوة التالية للحفاظ على سرّه مهما كلفه الأمر
.....
استفاق عاصم على صوت طرقات الباب. فتحه بسرعة، وابتسم عندما رأى معتز أمامه. قال بابتسامة واسعة وهو يحتضنه:
"حمدلله على السلامة، حبيبي! تعال هنا."
معتز، الذي بدا عليه التعب الشديد، ردّ بصوت منخفض:
"آه، هلكان بجد وعاوز أنام، مش قادر."
ضحك عاصم وهو يربت على ظهره:
"تعال ريح شوية، قدمنا يوم طويل جدًا اليوم، وأيضًا محضرلك مفاجأة هتعجبك جدًا."
ابتسم عاصم بخبث، بينما أظهر معتز علامات القلق:
"مش مطمئن من مفاجأتك دي، حاسس وراها بلاوي... خير إن شاء الله؟"
ضحك عاصم وقال:
"لا، لما تريح شوية وبعدها نروح الفرع. هتكون الأمور أفضل!"
…
أخيرًا، تخلّت سيلا عن صمتها، وعينيها ممتلئتان بالدموع التي حاولت كبحها. قالت بصوت مخنوق:
"ليه؟ عملت إيه علشان تموت كده؟ عشان حاولت تظهر الحق؟ هل إحنا رخيصين كده؟"
همسة أرادت أن تواسيها، لكنها توقفت عندما أشارت مي لها بأن تتركها تكمل.
واصلت سيلا:
"هل ده جزاؤها؟ حاولت تكشف الحق وتُظهر الغلط، فكانت نهايتها كده؟ وأطفالها يتيموا؟ إحنا ما عندناش قيمة! بيقتلونا ويسرقونا عشان يعيشوا. شايفين الفرق؟ يختطفونا، يسرقونا، وأطفالنا يتخطفوا مننا كده!"
كانت كلماتها محملة بالحزن، بينما همسة اكتفت بالصمت عاجزة عن تقديم شئ.
همست سيلا بألم: "عايزين يعيشوا على حسابنا احنا. دمروا أولادنا وبناتنا، وبيستغلوا شبابنا. ليه كده؟ ليه رخاص؟"
انهارت في بكاء مرير، فاحتضنتها مي وهمسة، وبكوا جميعًا.
قالت سيلا وسط شهقاتها: "أنا السبب، مقالي هو اللي كشفهم. أنا اللي وضحت التفاصيل، وكمان لما كلمتني، قلت لها إني معاها، ولكنهم غدروا بيها."
مي حاولت تهدئتها: "ده نصيبها، مش أنتِ السبب. هي شافت شيء غلط، وبلغت عنه. أنتِ قابلتيها بالصدفة، وكتبتِ عشان تثيري الرأي العام، لكن في ناس خانت الأمانة وبينفذوا اللي عايزينه."
مسحت سيلا دموعها بثبات، وقالت: "لا، مش هكون ضعيفة. مش نصيبها كده. أنا هفضل وراهم لحد ما يوقعوا واحد ورا تاني زي الكلاب."
مي، قلقًا: "ابعدي عنهم، هم مش قدك."
سيلا هزت رأسها بنعم، لكن داخلها كان يعلن العصيان. كانت تعرف تمامًا أن ما تفكر فيه قد يكون خطيرًا، لكنها لم تعد قادرة على السكوت أو التراجع. كان هناك شعور قوي داخلها يدفعها للاستمرار، رغم تحذيرات مي.
مي: "أنا خايفة عليكِ، بلاش تأذي نفسك."
همسة: "بقولكو إيه، فكّوا من جو الدراما ده، ياريتني ما جيت معاكم، أنتو الاثنين أوفر أوي."
مي: "خليكي على جنب، يافنّانة، النهاردة هنسيبك، طول النهار إرسمي براحتك، عشان ورانا شغل أنا والأستاذة دي."
همسة: "هتوحشوني أوي، متتأخروش عليا."
مي: "بتتريق؟"
همسة: "ها، لا، أبداً."
مي: "بقولكو إيه، عرفتوا شفت مين قبل ما أطلعلكم؟" وغيرت ملامح وجهها.
سيلا وهمسة: "مين؟"
مي: "أخو رودينا."
سيلا: "أه مش ده اللي حميته إمبارح بكوباية المياه."
مي: "لأ، ليه أخ تاني؟ سقيل وملزق في نفسه، مش عارفة على إيه. اتعاركت معاه تحت في الريسيبشن وطلعو أصحاب الفندق."
سيلا: "أصحاب الفندق؟"
مي: "آه، عاوزين نزبطهم بمقالات، خلي السياحة تنضرب عندهم. ولاد اللي تيت دول."
سيلا ضاحكة بمكر: حلو أوي بس إنتي دخلك إيه؟ أنا وليا عداوة معاه من زمان، هو اتصدر ليكي في حاجة؟"
سيلا: "اتنهدت بضيق. للأسف، آه. لكن محبتش أيامها، وقابلته النهاردة برده."
سيلا شاركت مي مواقف قديمة وجديدة، مؤكدة أنها سترد الاعتبار لكل ما حدث. همسة، التي لم تفهم ما يدور، قررت أن تجهز أدوات الرسم وتبحث عن مكان هادئ للرسم استعدادًا للمسابقة.
مي قالت لسيلا إنهما بحاجة للتحقق من أصحاب الفندق أولاً ثم العمل على نشر مقالات تفضحهم. ضحكت سيلا ووافقتها على ذلك، بينما ضحكت الاثنتان ضحكة شريرة.
همسة دخلت عليهما، مستهزئةً من تصرفاتهما المجنونة. ثم ألقى الاثنان عليها المخدات، فركضت همسة إلى الباب وقالت: "يا مامي، اللحقيني!"، وأغلقت الباب خلفها.
…
عاصم كان واقفًا بكامل أناقته في بدلته السوداء، وقد وضع أفخر العطور ومرّ بشعره قبل أن يوجه حديثه إلى أخيه الذي بدأ يغلبه النعاس: "ارتاح شويّة، خلي تليفونك جنبك ومتتأخرش. هخلص شوية حاجات هناك، تكون ارتحت، سامعني؟"
رفع الأخ يده ليؤكد أنه سمعه، فابتسم عاصم وقال: "ماشي، سلام."
لم يكاد عاصم يخرج حتى رن هاتفه، فاستقبل المكالمة قائلاً: "عاصم، تحت أمرك يا فندم."
من الجهة الأخرى، سُمع صوت يقول: "أيوه يا عاصم، جاهز؟"
عاصم أجاب: "جاهز يا فندم."
رد الصوت: "نفّذ النهاردة بعد ما تخلصوا الافتتاح على طول، مفيش وقت، أنت عارف."
أجاب عاصم: "عارف يا فندم، متقلقش."
ثم أغلق المكالمة وأجرى مكالمات أخرى، حيث قال في إحداها: "جهزوا لي طائرتي الخاصة، أريدها في مطار الغردقة الساعة... بدون تأخير. فاهم؟" ثم أغلق الخط وانتقل لمكالمة أخرى باللغة الألمانية قائلاً: "أهلاً سيدتي، سأحضر اليوم مع ضيف. أرجو تجهيز المكان قبل الحضور. إلى اللقاء."
بعدها، توجه عاصم إلى مقر الشركة لمتابعة التجهيزات الخاصة بالحفل. كان الحفل يتضمن قطع الشريط الأحمر، ثم إلقاء كلمة، وبعد ذلك لقاء مع الصحفيين لالتقاط الصور وإجراء الحوار معهم. وفجأة...