رواية عشق النمر الفصل الرابع بقلم فهد محمود
استيقظ هيثم على صوت أبيه محمود يصرخ في الطابق السفلي. لم يكن هذا جديدًا، لكن الصراخ هذه المرة كان مختلفًا، يحمل غضبًا أعمق. هيثم، بجروح لم تلتئم وحزن دفين، خرج من غرفته بحذر ليرى والده يمسك بشيء بين يديه ويتحدث بغضب مع جدته.
محمود (غاضبًا):
"هو فاكر نفسه إيه؟ شوفتي النتيجة دي؟ ناقص ليه؟ إزاي ده يحصل؟"
سميرة (هادئة):
"سيب الواد في حاله، يا محمود. ده طفل! انت بتعامله كإنه عدوك، مش ابنك!"
محمود (ساخرًا):
"عدوي؟! ده الواد ده عار عليا! عار! وهوريه النهارده يعني إيه يتحدى أبوك."
---
ركض هيثم إلى المدرسة، يحاول تجنب غضب أبيه، لكنه لم يكن يعلم أن العاصفة الحقيقية تنتظره عند عودته. قضى اليوم في صمت، يحاول التركيز على دراسته بينما أفكار الألم والخوف تتزاحم في ذهنه.
---
في وقت الاستراحة، جلس هيثم مع أصدقائه: أنس، يونس، وسيف.
يونس:
"يا هيثم، بطل بقى إنك تقفل على نفسك. إحنا أصحابك، وعاوزين نساعدك."
أنس (بجدية):
"إحنا لاحظنا إنك متغير، دايمًا ساكت ومش مركز. لو في حاجة قولنا."
هيثم (بتردد):
"أنا كويس. بس البيت صعب شويتين."
سيف (بغضب):
"ده مش كلام! إحنا عارفين إن في حاجة غلط. مش عيب إنك تحكي. إحنا هنا عشانك."
جلس هيثم بينهم، يحاول مقاومة دموعه التي لم يذرفها منذ سنوات. قال أخيرًا:
"شكراً ليكم، بس أنا لازم أواجه كل ده لوحدي."
يونس:
"مش لوحدك. إحنا معاك، يا هيثم."
---
عاد هيثم إلى المنزل متأخرًا، يحاول تجنب أي مواجهة. لكن محمود كان ينتظره عند الباب، والغضب يتطاير من عينيه.
محمود (بصوت مرتفع):
"فين كنت؟ ليه دايمًا ترجع متأخر؟"
هيثم (بتوتر):
"كنت بذاكر، يا بابا. والله كنت في المدرسة."
لكن محمود لم يصدق شيئًا. أمسكه من يده وسحبه إلى الحديقة الخلفية.
محمود:
"هوريك يعني إيه تتأخر عن كلامي!"
ربطه بالشجرة بقوة، ثم أمسك خرطوم الماء البارد وبدأ في رشه على جسده رغم برودة الطقس.
هيثم (متجمدًا):
"بابا... كفاية... حرام عليك!"
لكن محمود لم يتوقف حتى بدأ جسد هيثم يرتعش بشدة.
---
في تلك الليلة، دخلت سميرة غرفة هيثم بعد أن فكّه محمود من الشجرة وألقى به على الأرض كأنه شيء بلا قيمة. حملت الجدة حفيدها بصعوبة إلى الداخل، وجلست بجانبه.
سميرة (بحزن):
"هتحمل لحد إمتى؟ ده أبوك، بس ما ينفعش اللي بيعمله فيك ده."
هيثم (بصوت مبحوح):
"مش مشكلة، يا تيتة. أنا خلاص اتعودت."
سميرة (بدموع):
"الاعتياد على الألم عمره ما كان حل. لازم حد يوقفه عند حده."
---
في اليوم التالي، استيقظ هيثم على صوت أبيه يتحدث مع فتاة غريبة عبر الهاتف. كان حديثًا لا يليق، وسمع كلمات جعلته ينكمش في مكانه.
فتح محمود الباب فجأة ليجد هيثم يقف هناك.
محمود (غاضبًا):
"إنت كنت بتسمع؟!"
هيثم (متلعثمًا):
"لا، والله، يا بابا. ما سمعتش حاجة."
لكن محمود لم يقتنع. أمسك هيثم وألقاه على الأرض.
محمود:
"هتعلم إزاي ما تتجسسش عليّ!"
أحضر حزامه مجددًا وبدأ في ضرب هيثم بلا رحمة. لم يتوقف حتى أُغمي على الصغير.
---
في المدرسة، لاحظ المعلمون وأصدقاؤه آثار الجروح الجديدة على جسده، لكنهم لم يتمكنوا من إخراج الحقيقة منه.
يونس (بقلق):
"هيثم، لازم تعمل حاجة. كده غلط. مش هتقدر تستمر كده."
أنس (بحزم):
"هنقف جنبك، مهما حصل. مش هنسيبك."
هيثم (بصوت خافت):
"شكراً... بس ده نصيبي."
---
في إحدى الليالي، جلس هيثم في غرفته، يكتب كلماته الأخيرة في دفتر مذكراته:
"إذا كان الحب أملًا، فأنا فاقده. إذا كان الأمل نجاة، فأنا غارق. وإذا كانت النجاة حلمًا، فأنا مستيقظ في كابوس."
ض.
استيقظ هيثم مع أول ضوء للشمس، لكن هدوء المنزل كان مختلفًا. لم يسمع صوت والده المعتاد وهو يصرخ أو يضرب. بحث بعينيه في أرجاء المنزل ليجد نفسه وحيدًا. ارتدى ملابسه على عجل وقرر أن يذهب إلى منزل جدته، التي عادت صباح هذا اليوم بعد زيارة لأحد أقاربها.
---
عندما وصل إلى منزل جدته، استقبلته بابتسامة حزينة وعينين تملؤهما القلق.
سميرة (بحنان):
"تعال، يا حبيبي. شكلك تعبان. مالك؟"
هيثم (بصوت خافت):
"ولا حاجة، يا تيتة. بس وحشتيني."
سميرة (بدموع):
"وأنت كمان وحشتني، يا ضنايا. بس إنت مش طبيعي. كل مرة أشوفك، بحس إنك بتكبر سنين في يوم واحد."
هيثم:
"يمكن عشان أنا لازم أكبر. مفيش حد بيحميني. لازم أكون قوي عشان أقدر أتحمل."
سميرة (بحزن):
"ده مش حمل طفل، يا هيثم. اللي أبوك بيعمله فيك ظلم كبير. أنا هكلم عمك."
هيثم (بسرعة):
"لا، يا تيتة. لو عرف، هيجن أكتر. خليكي بعيد. أنا كويس."
سميرة:
"مش هقدر أشوفك كده وأفضل ساكتة. بس أوعدني تحافظ على نفسك. أوعدني، يا هيثم."
هيثم (بصوت مبحوح):
"بوعدك، يا تيتة."
عاد هيثم إلى المنزل قبل أن يعود والده. جلس في غرفته الصغيرة وبدأ في المذاكرة، يحاول التهرب من أفكار الحزن والخوف. وضع كل تركيزه على كتبه، كأنها نافذته الوحيدة للهروب من هذا الواقع المرير.
في فترة ما بعد الظهر، جاء أصدقاؤه: سيف، يونس، وأنس، ليلعبوا معه قليلاً في الحديقة الخلفية للمنزل. كان الجميع يحاولون التخفيف عنه رغم أنهم أطفال، لكنهم أدركوا أن هيثم ليس كأي طفل آخر.
سيف (مبتسمًا):
"يلا يا هيثم. النهارده هنلعب ونكسبك زي كل مرة."
يونس (مازحًا):
"سيف دايمًا فاكر إنه أقوى واحد، مع إنه بيخسر كل مرة."
أنس:
"بطلوا بقى خناق. خلينا نلعب وننبسط."
هيثم (بصوت خافت):
"ماشي، نلعب."
بدأ اللعب، وضحكاتهم تملأ المكان، لكن هيثم كان مختلفًا. كانت عيناه فارغتين، وروحه منهكة. شعر أصدقاؤه بذلك.
يونس (بقلق):
"يا هيثم، مالك؟ إنت مش زي الأول. حتى في اللعب، شكلك مهموم."
هيثم (بابتسامة خفيفة):
"أنا كويس. متقلقوش. بس بحاول أركز في المذاكرة."
أنس:
"إحنا أصحابك، ولو محتاج أي حاجة، قول. متسبناش نحس إننا مش قادرين نساعدك."
هيثم:
"شكراً ليكم، يا جدعان. وجودكم جنبي كفاية."
---
لم يدم السلام طويلًا. عاد محمود إلى المنزل ورأى هيثم يلعب مع أصدقائه، فاشتعل غضبًا.
محمود (بصوت مرتفع):
"هيثم! تعال هنا!"
ركض الأطفال بعيدًا خوفًا من مواجهته، وبقي هيثم واقفًا ينتظر العقاب الذي يعرف أنه قادم.
محمود (غاضبًا):
"إيه ده؟ بتلعب؟ مش المفروض تكون بتذاكر؟!"
هيثم (بهدوء):
"كنت خلصت مذاكرة، يا بابا."
محمود (بسخرية):
"خلصت مذاكرة؟ إنت فاكر نفسك بتضحك عليا؟"
أمسك محمود بهيثم وسحبه إلى القبو المظلم أسفل المنزل.
محمود:
"هتعرف يعني إيه تضيع وقتك في اللعب بدل الدراسة!"
ألقى به في القبو وأغلق الباب خلفه بإحكام. كانت الأرضية متسخة، والظلام يلف المكان، بينما كانت الجرذان تتحرك حوله.
هيثم (بصوت خافت):
"مش مهم... ده عادي. كله عادي."
جلس هيثم في زاوية القبو، يحتضن نفسه ويحاول أن يغلق عينيه عن الواقع المرير من حوله.
استمرت الساعات بطيئة، والجروح في قلبه كانت أعمق من تلك التي على جسده. لكن في مكان ما داخل روحه، بدأت شعلة صغيرة تتكون. شعلة لن تنطفئ بسهولة، مهما اشتد الظلام.
قضى هيثم ليلته في القبو، يحاول الصمود بين الجرذان والرائحة الكريهة. كان جسده النحيل يرتجف من البرد، لكن عينيه لم تبكيا. ظل يتساءل في صمت:
"لماذا أعيش هذا الجحيم؟ هل سأصبح مثل أبي يومًا؟"
مع بزوغ الفجر، غادر محمود المنزل، تاركًا هيثم في القبو دون أن يخبر أحدًا.
---
في منزلها، كانت الجدة سميرة تشعر بقلق غريب. اتصلت بابنها طارق تطلب منه أن يأتي لزيارتها.
سميرة (بقلق):
"يا طارق، لازم تيجي. أنا مش مرتاحة. قلبي واجعني على هيثم."
طارق (بصوت مطمئن):
"متقلقيش، يا أمي. الولد بيذاكر وبيتعلم. محمود أكيد قاسي، لكن مش هيأذيه جامد."
سميرة (بعينين تلمعان بالدموع):
"انت مش شايف اللي بيعمله في ابنه! الولد ده عايش جحيم، وانا خايفة أسمع خبر يوجعني في يوم."
طارق (بحزن):
"هحاول أتكلم مع محمود. يمكن يسمعني."
سميرة:
"لازم تعمل كده. الولد محتاج حد يقف جنبه، ومحمود بقى مش إنسان."
---
عندما عادت الجدة لزيارة حفيدها، لم تجده في المنزل. سألت الخادمة، التي بدت مرتبكة:
"مدام سميرة، معرفش هو فين. محمود باشا خرج من بدري."
بدأت سميرة في البحث عنه، واتصلت بطارق تطلب مساعدته.
سميرة (بصوت مرتجف):
"طارق، هيثم مش موجود. لازم ندور عليه حالًا."
طارق (بقلق):
"هجيلك فورًا، متقلقيش."
---
بينما كان الجميع يبحث عن هيثم، كان أصدقاؤه يحاولون التفكير في مكان قد يذهب إليه.
سيف (بحزم):
"مش ممكن يكون خرج بعيد عن البيت. يمكن أبوه حبسه في مكان زي ما عمل قبل كده."
يونس:
"بس لازم نتصرف. الولد ده بيعاني، وأكيد محتاجنا."
أنس (بحزن):
"هيثم عمره ما بيشتكي، بس أنا حاسس إنه خلاص قرب ينفجر."
قرر الأطفال الاجتماع معًا للبحث عنه، وبدؤوا في استجواب الجيران، لكن دون جدوى.
---
في منزل سيف، كان الوضع مختلفًا. كان والده يعاني من مرض خطير، ووالدته تعمل ليلًا ونهارًا لتغطية تكاليف العلاج.
والدة سيف (بهمس):
"يا ابني، خلي بالك من أخوك الصغير. أنا هطلع المستشفى شوية."
سيف (بعيون مليئة بالدموع):
"حاضر، يا ماما. بس... بابا هيبقى كويس، صح؟"
والدة سيف (بحزن):
"إن شاء الله، يا حبيبي. ادعي له."
جلس سيف بجانب والده المريض، يحاول أن يبدو قويًا رغم أن داخله كان ينهار.
---
على النقيض، كان يونس يعيش يومًا سعيدًا. والده عاد من السفر بعد غياب طويل، وجلب معه هدايا كثيرة.
يونس (بفرح):
"بابا! وحشتني أوي!"
والد يونس (مبتسمًا):
"وأنت كمان، يا حبيبي. جيبتلك حاجة هتعجبك."
أخرج والده دراجة جديدة، وقفز يونس من الفرح، بينما كانت والدته تضحك من قلبها لأول مرة منذ شهور.
---
أخيرًا، وجد طارق وسميرة هيثم في القبو بعد ساعات من البحث. عندما فتحوا الباب، وجدوه جالسًا في الزاوية، يحدق في الظلام بعينين فارغتين.
سميرة (بدموع):
"يا حبيبي! إنت كويس؟"
هيثم (بصوت خافت):
"أنا تمام، يا تيتة. متقلقيش."
أمسك طارق بيده وساعده على النهوض.
طارق (بحزم):
"مش هسيب محمود يعمل كده تاني. أنت تيجي تعيش معايا."
لكن هيثم هز رأسه بلطف:
"أنا عايز أروح البيت. شكراً، يا عمو."
عاد هيثم إلى المنزل ليجد محمود يجلس والغضب مشتعل بعينيه أمسكه وضربه بقوه لينزف جسد الصغير بغزاره لم يبكي هيثم كان روحه قد تحطمت .
تحدث هيثم بصوت خافت:
شو عملت المره دي كمان يا بابا
ضربه محمود بقوه دون أن يتحدث ثم امسكه و وضع الملح على جروح الصغير وتحدث بسخريه
__ عشان تتعلم تشكيني ل عمران
نظر الصغير إلى والده بذهول
_