رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل السابع والخمسون
في قصـــر عائلة الجندي ،،،
ظل مهـــاب يلف قلمه الحبر على أصابع يده وهو يتابع حديثه في هاتفه المحمول قائلاً بغموض :
-تمام ، وأنا زي ما قولتلك ، اللي هايخلص هياخد مليون جنية !
رد عليه المحامي نصيف قائلاً بحماس :
-اطمن يا باشا ، ده أنا تلميذك
مط فمـــه للجانب ، ونظر أمامه وهتف قائلاً بهدوء مثير :
-مش هاوصيك ، عاوزها تبان طبيعي يا نصيف ، وإنت عارفني مش بأحب شغل الهواة !
تابع نصيف قائلاً بثقة :
-يا مهاب باشا ، من وقت ما امرتني أحط ممدوح تحت عيني ساعة ما رجع القاهرة ، وأنا ماسبتهوش يغيب عني لحظة ، ولبسنا المدام الليلة معاه ، وقريب هايبقوا الاتنين ذكرى ، فمتقلقش على الأخـــر ، ده أنا نصيف الدحلان ، بس تقدر مجهودي يا باشا
أخــذ مهاب نفساً عميقاً ، وزفره ببطء ليكمل بـ :
-الـ 5 مليون بتوعك اتحطوا في حسابك زي ما اتفقنا ، والمليون جنية هايكونوا عندك الصبح ، بس أسمع خبره الأول
هتف نصيف قائلاً بنبرة شيطانية :
-اقرى عليه الفاتحة من دلوقتي !
رد عليه مهاب قائلاً بنبرة ساخرة :
-هاقراها وأطلع عليه القرافة كمان !
ثم أطلق ضحكة عالية وهو ينهي المكالمة ، وحدث نفسه بزهـــو بـ :
-وكده أبقى نضفت القذارة القديمة كلها ..!
إتجه مهاب نحو باب مكتبه ، وهتف بصوت مرتفع :
-الشنط جهزت ؟
أجابته خادمة ما بنبرة رسمية :
-ايوه يا فندم ، وفي العربية ، والسواق منتظر سيادتك
رد عليها بإبتسامة ماكرة :
-عظيم ، إمشي إنتي !
تنهـــد مهاب في إرتيـــاح وهو يحدث نفسه بصوت مسموع :
-كده أقدر أسافر يومين أغير جو من غير ما حد يشك في حاجة ، والله يرحمك يا .. يا ممدوح ! أما انتي يا ناريمان ، فإنجوي بسنين سجنك اللي جاية !
..........................................
في الملهى الملحق بالمنتجع السياحي ،،،
اقترب مــــاركو بخطوات شبه متثاقلة من تقـــى و بصورة أغضبت أوس على الفور ، وجعلت الدمــــاء تغلي في عروقه .. وخصوصاً حينما رأها منزعجة مما يحدث ، لذا دون أدنى تأخير منه تحرك نحوه وهو ينتوي شراً لـــه ..
هــز ماركو رأســه للجانب وهو يتابع التغزل في جمال تقى بكلمات غير مفهومة .. فأجفلت هى منه بخــوف شديد ، فقد كان غير طبيعياً في تصرفاته ، وفي حــالة عدم إتزان..
أمسكت بكفها حافة الشرفة لتتمكن من الإبتعاد عنه قدر المستطـــاع رغم الآلم المسيطر على قدمها ...
تجهم وجــــه أوس للغاية بعد أن رأى تعبيراته المستفزة ، وصـــاح بصوت غاضب :
-مـــــــاركو !
توقف الأخير في مكانه متفاجئاً من حضـــور زوجها ، ورسم إبتسامة سخيفة على وجهه وهو يتمتم بصوت متثاقل :
-أوه ، سينيور أوس !
وقف أوس قبالته متصلباً بجسده محدجاً إياه بنظرات نــــارية قاتلة ..
فغر ماركو فمه ليتحدث بلكنة عربية وهو يشير بيده:
-أنا أرحب بــ سينيورا !
كـــز أوس على أسنانه وهو يهتف بصرامة :
-ابعد عن مراتي !
للحظة شعرت تقـــى بالأمــــان لوجود أوس معها في هذا الوقت ، فرغم كرهها له ، إلا أن حضوره يضفي جواً من المهابة والقوة على الحاضرين معه .. ويجعلهم يهابون بطشه وغضبه ...
تنهدت في إرتيـــاح ، وبدأت تلتقط أنفاسها بهدوء نسبي ..
لم تختفْ الإبتســـامة السخيفة من على وجــه ماركو وهو يتابع ببرود :
-سينيور أوس .. Calm down ( إهدأ )
ثم أضـــاف بلكنة عربية وهو يسلط أنظــاره على تقى :
-أنا أعبر عن إعجابي بالسينيورا
أمســـك به أوس من تلابيبه بحركة مباغتة ، وهتف قائلاً بصوت متشنج :
-مش مرات أوس الجندي اللي يبصلها أي حـــــد حتى لو كنت إنت !!
إتسعت عيني مـــاركو في صدمـــة ، وهتف قائلاً بغضب حـــاد :
-Hey ! Watch out ! You'll pay for this ( إنت ! إحذر ، وإلا ستدفع الثمن غاليا )
تقـــوس فمــه بإبتسامة باهتة وهو يجيبه ببرود :
-مش هاخاف منك !
ثم دفعه للخـــلف بقوة ، فكـــاد أن يفقد توازنه ، ويسقط على ظهره ، ولكنه إستند بكفه على حافة الشرفة المعدنية ليحول دون حدوث هذا ، وإعتدل ببطء في وقفته ..
إغتـــاظ ماركو من إهانته أمـــام الحسناء الشرقية ، فأراد إستفزاز أوس أكثر ، فأردف قائلاً بنزق :
-You won't stop me from saying what I want ( لن تستطيع منعي من قول ما أريد )
ثم سلط أنظـــاره على تقى متحدياً أوس ، ورفع حاجبه للأعلى في عدم إكتراث من قوته ..
تحولت مقلتي أوس إلى جمرتين من النيران ، وصــاح بصوت هــادر يحمل التهديد :
-ده أنا أدفنك قبل ما عينك بس تبصلها !
تابعتهما تقـــى بنظرات مذعورة وخائفة ، فكلاهما على الأرجح في حالة عدم وعــي ..
كذلك لم تستطع إخفــــاء إرتجافة جسدها ، ولا إصطكاك أسنانها ..
ربما ســـاعد هواء البحر البارد على تأجيج هذا الإحساس بها ..
وحدثت نفسها قائلة بتوجس :
-استر يا رب وعديها على خير !
تحرك مـــاركو خطوة للأمـــام في إتجاه أوس ، ثم وجــه إصبعه نحوه ، ولمس به صدره قائلاً بلكنة غريبة :
-سينيور أوس ، إنت You made a big mistake ( إرتكبت خطأ فادح ) ، هاتخسر كل حاجة !
رمقه أوس بنظرات قوية وهو يجيبه بعدم إكتراث :
-ولا يفرق معايا
ثم باغته بتسديد لكمة مفاجئة وقوية في صدغه وهو يضيف بشراسة :
-دي بقى عشان تفكرك إن اللي يخصني محظور على غيري !
تـــأوه مـــاركو من الآلم ، فلم يتوقع أن يهجم عليه أوس ، فصاح بغضب :
-آوتش ، You hit me f***** ( أنت تعتدي عليّ )
إنتفضت تقــى مذهـــولة في مكانها ، وشهقت برعب وهي ترى زوجها يضربه بقسوة ..
هتف أوس قائلاً بتحدٍ ســــافر :
-لأ ، وأموتك كمــــان !
ثم ســـدد له لكمة أخـــرى في وجهه ولكن أكثر قوة ، فإستشاط ماركو غضباً ، وفـــرك صدغه بعصبية ، ثم إندفع نحـــو أوس ليهجم عليه وهو يسبه باللغة الأسبانية ..
تصــدى له الأخير بمهـــارة عالية ، وأمسك به من ذراعه ، ثم لــواه خلف ظهره ، وضغط عليه بقوة ليزيد من آلمه ، فصرخ ماركو قائلاً :
-No .. No
قــــام أوس بلف ذراعه حـــول عنق ماركو ، وبدأ في خنقه بشراســة ، ومـــال عليه برأسه ،وهمس له قائلاً بصوت قاتم :
-مرات أوس الجندي خـــــــط أحمــــر !
بدت علامات الإختناق جلية على وجــــه ماركو .. ورغم هذا لم يتركه أوس ، بل إستمر في الضغط على عنقه أكثر ..
خشيت تقــى أن يتطور الوضـــع للأسوأ ..
فهتفت قائلة بصوت مذعـــور :
-سيبه ، هايموت في إيدك !
تجهم وجــــه أوس أكثر ، وإزداد عبوساً بعد عبارتها الأخيرة ، وأدار رأسه في إتجاهها محدجاً إياه بنظرات حـــادة أخافتها .. فتابعت بتلعثم وهي توزع نظراتها بينه وبين ماركو :
-إنت .. إنت متعرفش غير تأذي الناس وبس !
إحتقنت مقلتيه بشدة ، وزدات عروقه الغاضبة بروزاً وأجابها بصوت متشنج :
-إنتي مش عارفة كان بيقول إيه عنك !!
هتفت قائلة دون إكتراث وهي تنظر لوجــه ماركو الشاحب :
-يقول اللي يقوله ، أنا راضية ! سيبوه
زادت نظرات أوس شراســـــة لها ، فإرتجفت منه .. وتســـارعت أنفاسها بتوتر ملحوظ ..
كـــز على أسنانه وهو مستمر في حدجها بنظراته المحتدة ، ثم أرخـــى قبضته عن مــــاركو ليشهق الأخير بصوت مختنق بعد أن تحرر منه ..
إنحنى مـــاركو للأمـــام وهو يبتعد بخطوات مرتعدة عنـــه ، ونظر له بحدة هو يسعل ، وغمغم بخفوت لاعناً إياه ..
إستدار أوس بجسده كليةً نحو تقـــى ، وحدق بها بنظرات مشتعلة وهو يصيح بصوت منفعل :
-وأنا مأقبلش ولا حتى أرضــى حد يقرب منك أو يفكر فيكي !
إنتفض جسدها من صراخه ، وسألته بصوت مذعــور:
-إنت عــاوز ايه مني ؟ جايبني هنا ليه ؟
أخـــذ نفساً عميقاً ، ونفخه وهو يجيبها بإقتضاب :
-قولتلك شغل !
صاحت بصوت متشنج وهي تشير بيدها :
-شغل ! ولا جايبني هنا عشان تذلني وتهيني قصادهم !
لـــوى فمه قائلاً بتهكم وهو يرمقها بنظرات متعجبة :
-أذلك !
هتفت دون تردد بـ :
-أيوه
قطب جبينه بضيق ، وأجابها بصوت حـــاد :
-نعم ! إنت فاهمة كلامك كويس ؟!
تنهدت بحـــزن وهي تحاول كبح عبراتها التي لا تعرف سبب إنسيابها تلك المرة .. ولكن آلمها شعور رؤيته بصحبة غيرها وإعتبرته إهانة قوية لكبريائها .. وزاد من ضيقها رؤيته يستجيب لحركاتها اللعوب .. فصاحت بغضب مفصحة – دون وعــي – عما يدور في عقلها بـ:
-أنا تعبت من كل حاجة وآآ...
إتسعت مقلتيها مذعـــــورة بخوف واضـــح وهي ترى ماركو يندفع بسرعة في إتجاه أوس وحاملاً في يده زجـــاجة فارغة ليضربه بها على رأسه ، فصرخت بجنون وهي تشير بيدها :
-حــــاسب !
إلتفت سريعاً للخلف ليرى مــــاركو مقبلاً عليه ، ورافعاً يده بالزجــاجة للأعلى ، فإنحنى بحرفية للخلف ليتفاداه ، ثم أمسك بقبضته ، وإنتزعها منه سهولة ، وقربه من وجهه ليحدجه بنظراته القوية مردفاً بشراسة مخيفة :
-نهايتك على ايدي النهاردة
دب مـــاركو إصبعه في عين أوس اليسرى ليرخي الأخير قبضته عنه صارخاً من الآلم وقد إنحنى للأمام بـ :
-آآآآه يا بن الـ *** !!!!
تراجع ماركو للخلف ، وهتف بكلمات أسبانية لاذعـــة ، ثم أدار رأســـه في إتجاه تقى التي كانت تقف على بعد خطوتين منه ، وباغتها بدفعها من كتفيها بقـــوة للخلف منفساً عن غضبه فيها .. فصرخت مرتعدة من هجومه عليها :
-لألألأ .!
إعتدل أوس في وقفته ، وخفق قلبه مذعوراً على صراخها ، ونظر لها بنصف عين وقد تشنجت قسمات وجهه رعباً عليها ...
ترنح جسد تقى من قوة الدفعة ، وسقطت ناحية الحافة المعدنية للشرفة ، ولكنها لم تستطع الحفاظ على إتزانها ، وفلتت قبضتها الممسكة بالحافة ، وأوشكت على السقوط من الطابق العلوي ..
كان أوس الأســـرع في ردة فعله ، حيث أمســـك بقبضتها قبل أن تنزلق هاتفاً برعب ، متجاهلاً آلم عينه :
-تقــــى !
تراقــص جسد تقى في الهــــواء ، وبرقت عينيها الزرقاوتين بخوف واضح ، وتســــارعت ضربات قلبها بدرجة مخيفة ، وصرخت بذعـــر وهي تركل بساقيها :
-ماتسبنيش ! مــ.. ماتسبنيش
أجابها بصــــوت مرتعد وهو يرمقها بنظراته الخائفة والصــــادقة :
-مش هاسيبك يا تقى ، مش هاسيبك !
ثم مــــال بجسده الأخـــر للأمـــام ، وصــاح بصوت متصلب :
-مدي إيدك التانية لفوق عشان أسحبك
أجابته بصوت مرتجف وهي محدقة به :
-مش عارفة ! هـ... هاموت !
هتف قائلاً بصوت حاسم :
-لأ مش هاتموتي ، أنا معاكي !
دقق أوس النظر بعينيه – رغم آلم العين اليسرى – لتقدير المسافة ، وإطمئن نوعاً ما لصغرها ولأن الأرضية مليئة بكثبان رملية ، وبالتالي لن تسبب هلاكها في حـــال إفلاتها ، ربما رضــوض بسيطة في جسدها ، ومع هذا جاهد ليحافظ عليها معه .. وحـــاول أن يبث شعوره لها قائلاً بثبات :
-ماتخافيش ، مش هايحصلك حاجة !
جحظت تقى بعينيها في هلع أكثر حينما رأت مــــاركو يقف خلفه ، حيث قـــام بضربه بقوة بالزجـــاجة الفراغة على رأسه ، فتأوه أوس صارخاً :
-آآآآآه ..!
ورغم الوجــع الرهيب إلا أنه لم يفلت زوجته من قبضته ...
إستجمع ماركو كامل قوته ليدفع أوس للأمـــام أكثر ففقد الأخــــير إتزانه ، فصرخت تقى أكثر ، وسقط كلاهما من الشرفة ، وإرتطم جسديهما بالأرضية الرملية ...
نظر لهما مـــاركو من الأعلى بتشفي ، وتلفت حـــوله بريبة ، ثم إبتعد عن المكـــــان بسرعة رهيبة ....
................................
في سيارة عــــدي ،،،،
ســـــرد عدي لتهاني بتفاصيل دقيقة ما حدث مع إبنتها ليــــان منذ لحظة خداعها وإيقاعها في فخ الزواج الزائف ، ثم زواجه هو منها ، وما إكتشفته هي لاحقاً من حقيقة زيف نسبها لأمها .. وســـوء حالتها النفسية ، ومحاولتها الإنتحـــار ثم إيداعها في المشفى النفسي
وأكدت المدبرة عفاف حديث الأخــير حينما ذكرتها بمقابلتهما اليتيمة في الفترة الأخيرة ..
بكت تهاني بحســــرة على مصير ابنتها .. وهتفت قائلة بصوت مختنق :
-ذنبك ايه يا بنتي يتعمل فيكي كل ده ! منكم لله يا بُعدة ، ضيعتوا ولادي وحرقتوا قلبي عليهم !
رد عليها عـــدي بنبرة جــــادة قائلاً :
-مش هايفيد نتكلم في اللي فات، المهم ليان دلوقتي
ضربت بيدها على صدرها وهي تتابع بصوت باكي :
-آآآه يا بنتي !
تأملت عفاف صدق مشاعر تلك الأم المكلومة ، وشعرت في قرارة نفسها أنها الوحيدة القـــادرة على إنقاذ ابنتها مما تعانيه دون أن تنتظر مقابل ..
تنهدت بحرارة ، ومطت شفتيها وهي تقول :
-ربنا يشفيها يا رب !
أكمــل عدي حديثه بإهتمام وهو محدق بها :
-أنا مش عارف وجودك هيأثر معاها ولا لأ ، بس عندي أمل إنك تقدري تقفي جمبها ، لأنك أمها الحقيقية ، واكتر واحدة هاتكون خايفة عليها بجد ، وهايهمك مصلحتها !
ردت عليه تهاني بإصرار عجيب في نبرتها :
-وأنا مش هاسيب بنتي حتى لو كان أخــر يوم في عمـــري ..!!
...............................................
في الملهى التابع للمنتجع السياحي ،،،
أغمضت تقــى عينيها ، وسكنت تماماً على ظهرها فوق الرمـــال الناعمة ..
بينما سقط أوس على جانبه ، وتشنج بوجهه من شــدة الآلم ...
فتح عينيه بصعوبة محاولة إزاحة الرمــال العالقة بعينه الملتهبة .. ثم رفع قبضته قليلاً فوجد أصابعه لا تزال قابضة على كفها .. سلط أنظاره عليها ، وهو يحرك كفه بحذر هامساً لها بـ :
-تقــى ! إنتي كويسة ؟ تقــى !
مـــد يده الأخــرى ناحيتها ، وتلمس وجنتها وتابع بهمس قلق :
-ردي يا تقى !
إقشعر بدنها من تلك اللمسات ، وفتحت عينيها فجـــأة ، وظلت محدقة للحظة في الفراغ ، ثم رفعت ذراعها بحذر للأعلى ، وتحسست بأناملها الرقيقة وجهها .. ونزلت على جسدها بكفها لتتفقده قائلة بذعر :
-أنا عايشة ، ماموتش ! ..
-لأ لســه !
قالها أوس بتنهيدة إرتياح وهو يراقب حركاتها العفوية بتمعن ، وإرتسم على ثغره إبتسامة رضـــا ، وحــاول أن ينهض بحرص ليطمئن على حاله هو الأخـــر ..
رفعت تقى ذراعها الأخــر ، فتفاجئت بإستمرار إمساك أوس برسغها ، فأدارت رأسها نحوه ، وضيقت عينيها متسائلة بصوت خافت :
-إنت لسه ماسك إيدي ؟
رمقها بشغف وهو يجيبها مبتسماً :
-ما أنا وعدتك مش هاسيبك !
أشاحت بوجهها بعيداً عنه لتتجنب نظراته التي تربكها بشدة ، و أغمضت عينيها مجدداً مستسلمة لشعورها بالأمـــان .. هذا الإحســـاس الذي إفتقدته لفترة طويلة وحل محله الخوف والرعب ..
تابعها أوس بإهتمام كبير ، وإعتدل في جلسته ، وتمطع بذراعيه ، وزفـــر بقوة وهو يتلفت برأســـه محاولاً إستدعاء أي مساعدة ...
وأردف متسائلاً بحنق :
-هو مافيش حد هنا ولا ايه ؟
تنهدت تقى في راحة عجيبة .. ثم شعرت بوخزة في قدمها ، فتشنج وجهها قليلاً وهي تهمس :
-آآه... مش وقتك خالص
قطب أوس جبينه ، وسألها بإهتمام وهو محدق بها :
-في إيه ؟
ردت عليه بإيجـــاز وهي تحاول النهوض :
-مافيش !
إعتدلت في جلستها ، وضغطت على شفتيها بقوة وهي تحاول مــد ذراعها لترى حالة قدمها المتورمـــة ..
ولكنها صرخت مذعورة وهي تهز رأسها بـ :
-لألألأ
إنتفض أوس في مكانه ، واقترب منها أكثر وجثى على ركبته ناظراً لها بهلع ، ثم تسائل متوجساً :
-في ايه ؟
ردت عليه تقى بصوت شبه حزين وهي تحاول إنتزاع الحذاء من قدمها :
-كعب الجزمة اتكسر !
نظر لها مصدوماً ، وعجز عن الرد عليها لوهـــلة ، ثم إنفرج ثغره للأسفل مطلقاً ضحكة عالية جعلته يجلس لعدم سيطرته على نفسه ..
رمقته هي بنظرات إندهاش ، وظنت أنه يسخر منها .. فتلونت وجنتيها بحمرة غاضبة ، وعبس وجهها كثيراً ..
توقف أوس عن الضحك بصعوبة حينما رأى الضيق بادياً على وجهها ، وبرر قائلاً :
-بصراحة إنتي كل يوم بتفاجئيني
رمقته بنظرات ساخطة ، ثم لوت شفتيها بضيق ، وغمغمت بكلمات مبهمة ، فسألها أوس بإهتمام :
-بتقولي ايه ؟
لم تجبه ، بل حدثت نفسها بضجر وهي تستند بكفيها على الرمـــال لتنهض :
-كفاية كده عليا النهاردة ، أنا مش حِمل كل ده !
وقفت تقى على قدميها ، ولكنها لم تتمكن من السير بهما ، فقد آلمتها بشدة قدمها المتورمــــة ، فأطلقت صرخة مكتومة وهي تضع يدها على فمها :
-آآآه
هب أوس واقفاً وهو ينظر لها بقلق متسائلاً بتلهف وهو يضع يده على ظهرها :
-مالك ؟
لم تتحمل تقــى الآلم الجسدي ، ولا وخزات قدمها ، فأجهشت بالبكاء وهي تجيبه قائلة :
-رجلي .. مش قادرة منها !
ثم قامت بثني قدمها التي تؤلمها للأمـــام قليلاً ..
جثى أوس على ركبته ليتفقد قدمها .. بينما إستندت هي بكفها على كتفه ، فرفع أوس عينيه نحوها متعجباً من تصرفها المفاجيء هذا ..
رقص قلبه طرباً لحركتها العفوية تلك .. فهي لم تعد تخشاه بدرجة كبيرة كما كان الوضـــع من قبل ..
عــاود هو تسليط أنظاره على قدمها وإبتسامة سعيدة ترتسم على ثغره ..
مد أصابعه نحو مقدمة قدمها ، وما إن لامسها حتى صرخت قائلة بنشيج :
-آآآه ، لأ .. ماتلمسهاش ، آآآه !
وضغطت بأصابعها على كتفه ..
رفع عينيه نحوها ، وحدق بأصابعها للحظة ، ثم سلط أنظاره عليها ، وسألها بجدية :
-ايه اللي عمل فيها كده ؟
أجابته بصوت مختنق وعينيها مغرورقتان بالعبرات :
-إنت !
نظراً لها مدهوشاً من ردها الصادم ، فتابعت قائلة بصوتها الباكي :
-وإنت بتجرني وراك ، لويتها !
صـــر على أسنانه في ضيق واضح من نفسه ، وأجفل عينيه مضيفاً بأسف :
-سوري يا تقى ، مكونتش أقصد أذيكي !
ثم زفــــر بحرقـــة أشــــد ليحدث نفسه قائلاً بندم واضـــح في عينيه :
-صعب أسامح نفسي على اللي عملته فيكي قبل ما إنتي تسامحيني !
أردفت تقى قائلة بصوتها المبحوح وهي تمسح عبراتها :
-أنا عاوزة أمشي من المكان ده
إعتدل أوس في وقفته ، ونفض يديه من الرمــال العالقة بهما ، ثم حدق بفي عينيها بنظرات عميقة ، ورد عليها بهدوء :
-حاضر ، هانرجع الفيلا !
رمقته بنظرات قوية قائلة بنزق:
-لأ .. أنا عاوزة أرجع لبيتي ، ولحياتي !
ظل أوس محدقاً بها ولم يجيبها ، فإغتاظت من صمته ، وهتفت محتدة وقد لمعت عينيها بشدة :
-أنا تعبت من وجودك في حياتي ، من العذاب اللي بأشوفه معاك كل يوم ، من كل لحظة بأقضيها وأنا خايفة تعمل فيا حاجة ، من الإهانة اللي بأشوفها معاك !
ضم أوس وجهها براحتيه ، وحدق بها بنظراته الصادقة قائلاً بجدية :
-أنا مستحيل أذيكي ، ليه مش عاوزة تصدقيني ؟
ردت عليه بصوتها المختنق ونظراتها المرتجفة محدقة بعينيه القاتمتين :
-إزاي أصدقك وإنت معيشني في خــوف مستمر ، وآآ...
قاطعها بإصرار واضح في نبرته :
-تقى مش هاسيبك قبل ما ترجعي زي الأول ، وتسامحيني !
ثم لف ذراعه حول ظهرها ، وانحنى ليضع الأخــر أسفل ساقيها ليحملها وهو يضيف بهدوء يحمل المزاح :
-وهبدأ برجلك ، و.. وعيني .. !!
....................................
في السجن العمومي ،،،،
بداخل مرحــاض السجن ،،
إنحنى ممدوح برأســـه للأمـــام أمام الحوض ليغسل وجهه بالمياه الباردة ، ثم نفخ في ضيق قائلاً بصوت منزعج :
-حتى المياه ريحتها تقرف هنا !
اعتدل في وقفته ، ونفض يديه من المياه ، لكنه تفاجيء بمن يهجم عليه من الخلف ليشل حركته ، وبشخص أخـــر ملثم الوجه يلف حــول عنقه سلكاً رفيعاً للغاية ، ويخنقه به ..
تشنج ممدوح بجسده محاولاً الإفلات منهما ، ولكنه عجز عن فعل هذا .. وبدأ وجهه في التحول للون الأزرق ..
وإزدادت حركة عضلاته بعصبية شديدة محاولاً لفظ أنفاسه قبل أن يختنق ..
مـــال عليه الشخص الذي يخنقه برأسه قليلاً ليهمس له بصوت أشبه بفحيح الأفعى بـ :
-مهاب باشا باعتلك السلام !
إتسعت مقلتي ممدوح بدرجة رهيبة حتى كادت كلتاهما أن تخرجان من محجريهما عقب تلك الكلمات الأخيرة
بينما استمر الشخص الملثم في خنقه بقسوة متابعاً بشراســة :
-وبيقولك مش بالساهل يسامح في حقه !
شحب لون وجهه بدرجة مخيفة وهو يكافح لإلتقاط أي نفس ، ولكن أبى جسده أن يستمر أكثر في المقاومة ، وتوقف قلبه عن النبض ، وتدلى لسانه خـــارج فمه ، وإرتخت أطرافه تماماً ..
فنظر الشخص الملثم لزميله وســأله بصوت خافت :
-ها خلص ؟
أجابه زميله بصوت خشن وهو يعتدل في وقفته :
-إتشيع خلاص
هتف الشخص الأول قائلاً بصوت آمـــر وهو يشير بعينيه نحو نافذة علوية :
-علقه بقى على القضبان اللي هناك دي
هـــز رأســـه موافقاً ليجيبه بصوته المتحشرج :
-على طول
ثم تـــعاون الاثنين معاً في حمله ، ثم تسلق أحدهما الحوض الموضوع على مقربة من النافذة ، وهمس بجدية :
-ارفعهولي !
رد عليه زميله بصوت منزعج وهو يشير بعينيه :
-أربط السلك الأول فوق !
أضـــاف الأخـــر قائلاً بضيق :
-ماشي
هتف زميله قائلاً بضجر :
-انجز قبل ما حد يجي
أجابه الأخــــر بهدوء وهو يعقد طرفي السلك في القضيب الحديدي :
-أنا مأمن المكان ، ماتقلش !
لوى زميله فمه بإمتعاض وهو يقول :
-الحرص واجب يا خفيف
-حاضر !
إنتهى الاثنين من مهمتهما ، وقــاما بتعليق جثمان ممدوح على قضبان النافذة الحديدية بواسطة ذلك السلك الرفيع ليبدو وكــأنه أقبل على الإنتحــــار فشنق نفسه عمداً .....
.....................................
عند شاطيء المنتجع السياحي ،،،،
ســـــار أوس حاملاً تقى بين ذراعيه بالقرب من الشاطيء بعد أن قرر العودة إلى الفيلا ..
نفخت هي بضيق لأكثر من مرة بسبب تلك الوضعية المحرجة لها ، وكذلك لإلتصاقها الشديد بصدره ..
وحاولت جاهدة ألا تنظر له .. وألا تنبس بكلمة ..
تعجب هو من صمتها المريب ، وفسره بشعورها الطاغي بالبغض والنفور منه .. فزفــر بإنزعـــاج وقرر أن يجبرها على الحديث معه ، لذا تشدق قائلاً :
-ساكتة ليه ؟
نظرت له بطرف عينها ، ومن ثم حدقت أمامها وهي تتنهد بيأس ..
إغتاظ أوس من جفائها معه ، فتوقف عن السير ، ونظر لها بحنق .. فأدارت رأسها نحوه لتلتقي عينيها الزرقاوتين - التي تحمل العتاب واللوم له - بعينيه العميقتين .. وسألته بصوتها الخافت وشبه المضطرب :
-وقفت ليه ؟
ثم فغرت شفتيها لتشهق بخـــوف حينما أرخــــى أوس ذراعه فجـــأة عن ركبتيها ، فتشبثت هي بعنقه بذراعيه ظناً منها أنه سيلقي بها على الرمــال ، ونظرت له برعب ، بينما ثبت هو ذراعه الأخـــر حول ظهرها ليضمها أكثر إلى صدره ، وتأملها بنظرات مطولة وقد إلتوى فمه بإبتسامة عابثة ..
احتقنت وجنتيها بحمرة غاضبة من فعلته تلك ، ونهرته بحدة قائلة :
-ابعد عني ، أنا بأكرهــك ، سامع بأكرهك !
إبتسم لها متسائلاً بتسلية وهو يعمق نظراته اكثر :
-ها ، وايه كمان ؟
تشنجت تعابير وجهها ، وإرتفع حاجبيها للأعلى وهي تســأله بغضب جلي في نبرتها :
-إنت ... إنت ليه بتعمل فيا كده ؟
تنهد بعمق ، وظل محدقاً بها بنظرات استغربتها ووترتها إلى حــد ما ، فقد إعتادت على تصرفاته الوقحة والفظة .. لكن سكونه المريب في تصرفاته يثير جنونها أكثر ..
لذا صاحت بصوت محتد وهي تحاول دفعه من صدره بعيداً عنها بكفيها :
-سيبني أمشي ، ولا مكافكش الإهانة جوا ، عاوز تكملها هنا
لف ذراعه الأخــــر حول ظهرها ، وألصقها أكثر بصدره ، وإلتوى فمه بإبتسامة ثقة .. فقد ضمن عدم فرارها من أحضانه ، فرمقته بنظرات حــادة وهي تهتف بضيق :
-إنت بتتبسط لما بتلاقيني ضعيفة قدامك ، مش قادرة أصدك ، بتحس بقوتك وبجبروتك ، صح ؟ ده شعورك اللي بيحسسك بقيمتك ؟ رد عليا !
ظل يبتسم لها مستفزاً إياها ، فهدرت بصوت حـــاد
-دافع عن نفسك ، رد !
أجابها بخفوت وهو يمتع عينيه بتأملها :
-مش عـــاوز !
تلونت وجنتيها بحمرة الغضب ، وصرخت فيه بإنفعال بعد أن فشلت في التحرر منه :
-بتعمل فيا كده ليه ؟ لييييييييه
أسند ذقنه على رأسها ، وأردف قائلاً بحذر :
-ششش .. اهدي !
نشج صوتها وهي تتابع بنحيب :
-أنا تعبت منك ، معنتش قادرة أتكلم ولا أقاوم تاني ، ارحمني وسيبني !
صر على أسنانه قائلاً بضيق وهو يبتلع غصة مريرة في حلقه :
-مقدرش أسيبك يا تقى ، اطلبي مني أي حاجة إلا ده ، على الأقل الوقتي ، أنا مصدقت إنك معايا وفي حضني !
ردت عليه بصوت باكي بـ :
-مش عاوزاك ، مش عاوزة أكون معاك !
تنهد بحــــزن من إصرارها على النفور منه ، ولرفضها إعطائه أي فرصــة للبدء من جديد ..
ومع هذا لم ينكر سعادته وهي تجادله ، وتعبر عن مكنون قلبها ناحيته ..
فقد ذاب حاجز الجليد بينهما بدرجة معقولة .. وبات بينهما مناقشة ومعاتبة .. وهي نقطة هـــامة قد وصل لها معها ..
أرخى ذراعيه قليلاً ، وأرجع رأســه للخلف لينظر لها برومانسية وهو يتابع بشغف صـــادق في صوته :
-تعرفي ، أنا ببقى مبسوط وانتي بتتكلمي كده معايا ، ومش خايفة مني ، حقيقي أنا حابب اسمع صوتك ، احس بمقاومتك ليا زي زمــان ، ماقصدش زي ما حصل بينا ، بس أنا مش عاوزك تخافي مني ، عاوز تثقي فيا وتسمعيني بقلبك ، وتسامحيني ، وتديني فرصــة أعوضك عن اللي فات !
هزت رأسها بإستنكار وهي ترمقه بنظراته المشمئزة ، وردت عليه بجمـــود :
-قلبي ! ده على اساس إن اللي زيك عنده قلب وبيحس بغيره ؟
ثم صمتت لثانية قبل أن تتابع بقســـوة شرسة :
-قولي موقف واحــد بس في حياتك عملته وكنت بتحس زي الناس الطبيعيين ! ماظنش عملت ده أبداً !
اعتصـــر الآلم قلبه وهي تذكره بمساوئه ، وأفعاله المشينة .. فهي قد أصابته في مقتل .. هو لم يقدم على فعل أي شيء خير في حياته ..
تابعت هي حديثها القاسي وهي تنظر له شزراً ومشيرة بإصبعها :
-إنت يا باشا مش بتحب إلا نفسك وبس ، بتدوس على غيرك من غير ما ترحمه أو حتى تغفرله غلطه ، كنت على الأقل سامحت أمي في ذنب هي معملتهوش ، كنت غفرت ليا مقاومتي ليك ، لكن إنت لا بترحم ، ولا بتغفر ! ودمرتنا كلنا معاك !
احتضن وجهها بكفيه ، وهتف لها بصوت مرير وقد لمعت عينيه بشدة :
-تقــى أنا مش زي ما إنتي فاكرة ، أنا الظروف أجبرتني أكون كده ، حياتي كانت غلط من البداية ، بس بأحاول أغير من نفسي !
وضعت يديها على قبضتيه ، وأبعدتهما عن وجهها ، وهي تهتف بحدة :
-ظروف ايه اللي خلت واحد زيك عنده كل حاجة يكون بالشكل ده ، يا باشا ده انت عندك جيش خدامين تحت رجليك ، وموظفين تحت ايدك ، يعني تؤمر تجاب ، وجاي تقولي ظروف !!!
أطرق رأســـه في خزي ، وأجابها بصوت شبه منكسر :
-إنتي مش عارفة حاجة عني ، ماتعرفيش حاجة !
صاحت بصوت هـــــادر يحمل القوة :
-ولا عاوزة أعــرف ، عـــارف ليه لأن أنا بيعاك يا أوس باشا ، سامعني بايعاك .. !
ثم أجهشت بالبكاء ، وجثت على الرمـــال لتدفن وجهها بين كفيها ، وظلت تنتحب بصوت مختنق
وضع أوس إصبعيه على مقلتيه ليمســـح العبرات العالقة بهما ، وتنهد بحرقـــة ، ثم أخــذ نفساً عميقاً وحبسه في صدره ، وأولاها ظهره وأضــاف لنفسه بصوت متحشرج :
-وأنا هافضل شاريكي
ابتلع ريقه المرير ، وإستدار نحوها ليضيف بصوت مختنق :
-هاكلم الســواق يجي يوصلنا على الفيلا ..!
كم كـــان يريد أن يأخذها في أحضانه ، يضمها إلى صدره ، ويمسح عنها عبراتها ، فترى صدق نواياه نحوها ، وتشعر بحبه لها ، وأنه تغير فقط من أجلها ، ولكنها دومــاً تضع حاجز ما حدث بينهما أمـــامه ، فتزيد من عذاب ضميره ، و روحـــــه ................................... !!