رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الثامن والخمسون 58 الاخير الجزء الثاني بقلم منال سالم


 رواية ذئاب لا تغفر الجزء الثاني من (سلسلة الذئاب) الفصل الثامن والخمسون الاخير الجزء الثاني 

في مشفى الأمراض النفسية ،،،،

أشــــار الطبيب بيده إلى طــــاولة ما تجلس عليها ليــان ثم أردف قائلاً بجدية إلى تهاني الواقفة إلى جواره :
-هي اللي أعدة هناك دي !

وضعت يدها على صدرها لتشعر بضربات قلبها المتلاحقة ..

نظر نحوها الطبيب وهو يتابع بنبرة محذرة :
-بس خلي بالك وإنتي بتكلميها ، مش لازم تعرف إنك أمها، إنتي بالنسبالها واحدة غريبة ، جاية تقعدي معاها شوية 

أومـــأت برأسها وهي تجيبه بسعادة :
-حاضر 

أسند عــدي كفه على كتفها ، ونظر لها برجـــاء وهو يهتف بخوف :
-مدام تهاني مش هاوصيكي ، ليان آآآ...

قاطعته بنبرة حانية وهي تزيح يده من عليها :
-دي بنتي ، ماتوصنيش عليها !

ثم تركته وســـارت وعلى وجهها إبتســـامة أمـــل بلقـــاء ابنتها الغالية ...

تحركت تهاني بخطوات محسوبة نحوها ، ولم تحيد بعينيها عنها ..
ركض قلبها نحوها قبل ساقيها ..
لمحتها وهي تنظر بشرود أمامها ، وتمعنت بدقــــة في تفاصيل وجهها ..
كم أن ملامحها تقـــاربها بدرجة كبيرة ..
هي تشبهها ، بل على الأحــرى أن نقول هي صورة مصغرة منها في شبابها ...
إعتلى صدرها وهبط وهي تقترب منها حتى صـــارت على بعد عدة خطوات .. 
وضعت يدها المرتجفة على صدرها ، وخفق قلبها بشـــدة ، وتلاحقت أنفاسها ..
لهثت بصوت مسموع ، وصمت دقـــات قلبها العالية آذانها ..
أخـــذت نفساً عميقاً وحبسته في صدره لتسيطر على حالة الإرتباك التي تتملكها ..

وقفت خلفها ، ومـــدت يدها للأمـــام لتتلمس خصلات شعرها  ، ولكنها قبضت يدها وسحبتها للخلف سريعاً ..

راقبهما الطبيب وعـــدي بتوتر شديد ..
فهي لحظة حاسمة لكلتاهما .. ونتائج هذا اللقاء سيترتب عليه الكثير 

إبتلعت تهاني ريقها ، وتحركت للأمـــام وهي تهمس بصوت متحشرج :
-إحم ... صـ..صباح الخير 

لم تنظر لها ليـــان بل ظلت محدقة أمامها بحـــزن بادي في عينيها ..

ضغطت تهاني على شفتيها بقوة لتمنع نفسها من البكاء ، وأدارت رأسها للجانب وهي تضع يدها على أنفها ، ثم أغمضت عينيها متحسرة على حــال إبنتها .. 

نظرت لها ليـــان بطــرف عينها دون أن تنبس بكلمة .. ومن ثم حدقت أمامها مجدداً ..
جلست تهاني إلى جوارها ، وفركت أصابعها بتوتر وهي تردف بخفوت وتلعثم :
-أنا .. أنا آآ.. شوفتك أعدة لوحدك من بعيد ، فـ.. آآ.. فقولت أقعد معاكي شوية

زفــــرت ليـــان بعمق ، ولم تجبْ عليها  ..

مدت تهاني يدها بحذر نحو ذراع ليان لتلمسه ، فهاجت عواطفها ، ونظرت لها بحنو أمومي حقيقي سائلة إياها بصوت دافيء :
-مالك يا بنتي ؟ ساكتة ليه ؟

لوت فمها لتبتسم ساخرة وهي تجيبها بتهكم :
-بنتك ! هــه ! ده كدب .. أنا مش بنت حد ، أنا ماليش أهــل !

خفق قلب تهاني بعنف ، وعلقت غصـــة مريرة في حلقها ، فهتفت بنزق وهي دامعة العينين :
-لأ إنتي بنتي !

أدارت ليــــان رأسها في إتجاهها لترمقها بنظرات متعجبة .. 
في حين رفعت تهاني أناملها نحو وجنتها لتتلمس بشرتها ، وشهقت بخفوت من أثر تلك اللمسة التي إفتقدتها ..
فــاضت عبراتها عفوياً .. وتنهدت بحرارة وهي تتأمل ابنتها بتمعن ..
يا الله ! كم كبرت كثيراً ، وصارت تشبهها .. 
لقد حرمها القدر من أن تراها تحبو وتخطو أولى خطواتها أمامها ، ومن إصطحابها للمدرسة في أول يوم دراسة لها ، ومن رؤيتها تنضج وتصير عروساً تزينها بيديها لترسلها إلى زوجها  بكل محبة ..

قطبت ليـــان جبينها في إستغراب من تصرفات تلك المرأة الغريبة ، وسألتها بجمود :
-في ايه ؟ إنتي بتعيطي ليه ؟

أجابتها بصوت مختنق وهي تحدق بها :
-قلبي واجعني أوي !

سألتها ليان بإهتمـــام وهي تراقب تصرفاتها :
-ليه ؟

ردت عليها بصوت منتحب وهي تجفف عبراتها :
-خدوا بنتي مني ، وحرموني من حضنها ، بس غصب عني أشوفها ومقدرش أخدها في حضني ، وأطبطب عليها !

سألتها بفضول وقد إزداد إنعقاد ما بين حاجبيها :
-ليه مش قادرة ؟

أجابتها بصوت متقطع :
-خايفة .. خايفة تنكر وجودي ، و.. وتبقى قاسية عليا زي أخوها ، وترفض حبي ليها

تنهدت ليـــان بحرارة وهي تضيف بآسى :
-يا ريت كان عندي حد يحبني بجد ويخاف عليا ، لكن ماليش حتى أم تسأل عليا !

إختنق صـــدر تهاني وهي تحدث نفسها بمرارة :
-أنا هنا يا حبيبتي ، قصادك يا غالية ! بأحبك من قبل ما تتولدي ، من أول ما عرفت إني حامل فيكي ، أنا جمبك يا ضنايا ، ومش بعيدة عنك !

إنتصبت ليان في جلستها ، وأردفت فجـــأة بجمود :
-أنا ماشية !

ثم نهضت عن مقعدها ، فخفق قلب تهاني بعنف وهي تراها تبتعد عنها ، لذا نهضت هي الأخـــرى من مكانها وهتفت بتلهف :
-ليـــان ، استني يا بنتي ! أنا أمــــك !

تسمرت ليــــان في مكانها مصدومة ، ونظرت أمامها بذهـــول واضح في مقلتيها ..

وقفت تهاني خلفها ، وتابعت قائلة ببكاء :
-أيوه أنا أمك تهاني ، أنا اللي خدوكي مني وحرموني منك ، أنا اللي بتحبك بجد وبتخاف عليكي ، إنتي بنتي  ، وأنا أمك ، أيوه .. أمــــك !

إستدارت ليـــان بجسدها ببطء لتنظر لها بصدمـــة ..
رأت في عيني تلك السيدة عبرات صــادقة ، ولمس حديثها قلبها بشدة ..
لا تعرف لماذا لم ترفض ما قالته أو تغضب أو تثور عليها مستنكرة هذا .. لكنها وجدت في عاطفتها الجياشة شعوراً حقيقياً ودت أن تشعر به يوماً مع ناريمان .. 

اقتربت منها تهاني ، ومدت يديها المرتجفتين لتتلمس وجهها وتحتضنه وهي تضيف بخفوت :
-إنتي بنتي، ولو كنت أعرف إنك عايشة مكونتش سيبتك لحظة ليهم ، كنت خدتك في حضني تاني، وحميتك من أذاهم !

أدمعت عيني ليـــان ، وتنهدت بحرارة وهي تحاول كبح رغبتها في البكاء ..

أومـــأت تهاني بعينيها المتورمتين من كثرة البكاء وهي تكمل بإصرار :
-أنا أمك ، ومش هاسيبك يا بنتي ! ربنا جمعني بيكي تاني ، وهافضل جمبك على طول ، مش هياخدوكي مني ! 

حركت ليان شفتيها ببطء وهي تهمس بتلعثم :
-مـ.. ما آآ.. ماما !
-بنتي !
قالتها تهاني وهي تجذب ابنتها إلى صدرها لتضمها وتحتضنها بإحســـــاس صـــادق في مشاعرها ..
شعرت ليـــان بين ذراعي تلك السيدة براحة غريبة .. بسكون عجيب هدأ من روحها المضطربة ..
لم تدعْ تلك السيدة حبها كغيرها ، بل بكتْ لإجلها بحق دون أن تزيف مشاعرها .. 
ورغم أنها لم تتقبل بعد فكرة كونها أمها إلا أنها لم تقـــاوم  شعورها بالإستسلام لدفيء حضنها ....

ربت الطبيب على ظهر عدي بسعادة حقيقية وهو يرى تجاوب ليان مع تهاني ، وهتف قائلاً بحماس :
-بداية مبشرة إن شـــاء الله !

نظر له عدي ببريق أمل في عينيه وهو يجيبه بإرتياح :
-ايوه يا دكتور ! 
.......................................

  في سيـــارة أوس ،،،

قـــــاد أوس سيارته عبر الطريق الصحراوي بسرعة عالية إلى حد ما ، وظل صامتاً ، ولكن عقله لم يتوقف للحظة عن التفكير ...
وضــع نظارته القاتمة على عينيه ليخفي تلك الحمرة الشديدة التي ألهبتهما ..
راقبته تقــى بإستغراب شديد من طرف عينها ، وتعجبت من تبدل حاله للجمود الشديد ، وتسائلت مع نفسها عن سبب تغيره هكذا ..
خشيت أن تتجرأ وتســأله فينتهز الفرصــة ويصب غضبه عليها .. فأسلوبه صــار أكثر حــدة منذ أن ركبا السيارة سوياً حتى مع أفراد حراسته ..
كما وضعت إصبعها بين أسنانها ، وعضت عليه قليلاً معتقدة  أن للأمـــر علاقة بالعمل ، وربما خســـارته لتلك الصفقة الجديدة أزعجه بشدة ..  فإبتلعت ريقها متوترة وهي تحسب القيمة المادية لها .. 
وفجـــأة فغر أوس ثغره ليتسائل بصـــوت آجش قاطعاً لذلك الصمت المشحون بـ :
-بتحبي خالتك ؟

ضيقت عينيها وهي تردد بإندهــاش :
-خالتي !

نظـــر إليها من خلف نظارته متفرساً ملامحها قبل أن ينظر أمامه ليقول :
-أهـــا

ردت عليه بخفوت وهي تنظر من نافذتها الجانبية :
-اه بأحبها

ســألها بإيجاز ، وهو يرفع نظارته للأعلى : 
-ليه ؟

هزت كتفيها بعفوية ، وأجابته بفتور :
-عادي 

دقق النظر بها وهو يزيد من سرعة سيارته متسائلاً بصوت متصلب:
-إيه السبب اللي يخليكي تحبيها وهي معملتش أصلاً حاجة ليكي ؟

لوت شفتيها لتجيبه بجفاء دون أن تنظر نحوه :
-أنا مش محتاجة سبب معين عشان أحبها !

تقوس فمه ساخراً بـ :
-يا سلام !

إلتفتت برأسها نحوه ،ورمقته بنظرات جافة وهي تجيبه بقوة :
-أيوه ، الحب مش بيطلب ، هو بيتحس من اللي حواليك !

سألها مستفهماً وهو محدق بعينيها :
-تقدري تسامحيها لو غلطت فيكي ؟

أجابته دون تردد وبثقة :
-أيوه 

سلط أنظاره على الطريق ، وتنهد بحزن وهو يتابع قائلاً :
-اشمعنى أنا مش قادر أسامحها 

نظرت له مذهـــولة وهي تغمغم بـ :
-هــــــاه

رمقها بنظرات حزينة وهو يتابع بـضيق :
-عــارفة ليه يا تقى مش عــارف أسامحها ؟

إرتبكت من تلك النظرات الغريبة التي لم تعتادها منه .. وخشيت من أن يهاجمها ذلك الشعور الذي يجعلها تتآلم أكثر ..
فحاولت أن تبدو غير مهتمة بما يقول ، وإستدارت للجانب قليلاً وعقدت ساعديها أمـــام صدرها ، وهتفت ببرود :
-مش عاوزة أعرف !

تنهد بعمـــق قائلاً بمرارة :
-زي ما إنتي نفسك مش قادرة تسامحيني ، فأنا مش قــادر أسامحها أو حتى .. أو حتى أحبها !

أغمضت عينيها جبراً ، وصاحت بقوة :
-أنا مش عاوزة أتكلم

رد عليها بإصرار واضح في جميع تعبيراته :
-بس أنا عـــاوز!

نفخت من الضيق وظلت محدقة بالنافذة ...
...........................

في نفس التوقيت كانت هنـــاك سيارتي دفع رباعي تنطلقان بســـرعة رهيبة في نفس إتجـــاه سيارته ومتواجد بهما أشخاص من ذوي الأجسام الضخمة .. ويتبادلون الإشارات اليدوية والحديث الجـــاد بينهم وعبر الهواتف المحمولة ..

.......................
عودة لداخل السيارة ،،،،

أخـــذ أوس نفساً عميقاً ، وزفـــره على مهل ليردف قائلاً بصعوبة وهو يرمش بجفنيه :
-أنا مكونتش كده ، بس هي السبب ، ايوه هي اللي سابتني لوحدي مع أقذر بني آدم ممكن يتعاشر يعمل فيا ما بداله ، ومقدرتش تحميني منه !

ظلت على حالتها الرافضة ، وصاحت بقسوة :
-مايهمنيش اعرف !

توتر صوته وهو يضيف قائلاً :
-تفتكري إيه أســـوأ كابوس ممكن يعيشه طفل ويطلع منه سليم ؟

إعتقدت تقـــى أنه يحـــاول التلاعب بأعصابها ، وتشويش مشاعرها .. وترقيق قلبها نحوه ، وتبرير أفعاله المشينة ، فإستدارت نحوه ، وهتفت بغضب وهي تشير بإصبعها :
-إنت عاوز تحملها الذنب وخلاص ؟ تبقى غلطان ، عقلها كان تعبان ، وحالها يصعب على الكافر 

إلتوى فمـــه بسخرية مريرة وهو يقول :
-هــه ، بجد ؟ 

تابعت قائلة بصوت محتد وهي ترمقه بنظرات إستهجان :
-ايوه ، انت متعرفش حاجة عنها ، دي كانت بتموت كل يوم وقلبها حزين ومحروق على ولادها اللي راحوا منها ! وللأسف إنت طلعت واحد منهم !

إبتسم لها قائلاً بتهكم :
-حقيقي اتأثرت

إغتاظت من رده عليه ، فصاحت بحدة :
-اللي زيك مش هايعرف هايحس بغيره أبداً ! لأنك معندكش قلب 

أغضبته كلماتها الأخيرة ، فضغط على عجلة القيادة بأصابعه ليكبح إنفعالاته ، وإستدار برأسه نحوها ليرمقها بأعينه المشتعلة قائلاً بشراسة :
-ومسألتيش نفسك ليه معنديش قلب ؟ بأتعامل مع الناس بالأسلوب ده ؟

رمقته بنظرات إحتقار وهي تجيبه بنبرة ضائقة :
-مش عاوزة أســأل ! كفاية اللي شوفته منك !

نفخ بغضب ، وأخــذ نفساً عميقاً ليزفره بصعوبة وهو يقول :
-أنا اتعذبت كتير يا تقى 

لوت فمها قائلة بقسوة وهي تشيح بوجهها بعيداً عنه  :
-كلام !

إستشـــاط أوس غضباً من ردودها الجافة ، ومن تجاهلها لمشاعره ، فمـــد يده نحوها ، وقبض على رسغها ، فإنتفضت مذعورة ، وإضطرب صدرها بقوة .. ونظرت له بإستنكار ، فهتف قائلاً بإنفعــــال :
-لأ مش كلام !

تلوت برسغها محاولة تخليصه ، وصرت على أسنانها قائلة بعصبية :
-انت عاوز توصل لإيه ؟ إني أسامحك ؟ 

حدقت به بشراسة ، وهتفت بعِنــــاد :
-مش هايحصل أبداً ، مقدرش أسامح حد دبحني ومرحمنيش !

نظر لها بندم ، وأرخـى قبضته عنها ، وصــاح بإستعطاف  :
-دي كانت لحظة يا تقى ، لحظة !

صرخت فيه بجنون :
-بس دمرت حياتي كلها ، قضت على أحلامي !

دافع عن نفسه قائلاً بحدة :
-بس أنا كنت جوزك ، ايوه بأعترف إني كنت مجرم معاكي ، بس على الأقل آآآ...

قاطعته بصوت هـــادر وهي ترمقه بنظراتها النارية :
-عاوز تبرر جريمتك والسلام ؟ عاوز ضميرك يرتاح ؟ صدقني مش هاتعرف ، مافيش حاجة تغفر لراجل يغتصب واحدة غصب عنها !

إختنق صـــوته وهو يسترضيها قائلاً :
-يا تقى كفاية تعذيب فيا !

ثم صمت للحظة ليتابع بحرقة :
-أنا كل يوم بأعيش نفس اللحظة اللي عيشتها من 20 سنة بسببك 

نظرت له بجمود متسائلة بـ :
-بسببي ؟ 

أخفض نبرة صوته قائلاً بمرارة :
-أنا مارتحتش ليوم واحد ، مانمتش يوم بدون ما شبحه يطاردني 

تعذر على تقى فهم ما يقوله .. وتصارعت مشاعرها ، فهزت رأسها بحيرة ، وسألته بضيق : 
-إنت بتقول ايه ؟!

تشنج صوته وبدى مبحوحاً وهو يضيف :
-جربتي احساس طفل يتدبح كل يوم ومش قــادر ينطق

نظرت له بخـــوف قائلة : 
-هـــاه

أكمل قائلاً بنشيج وقد لمعت عينيه الداكنتين بشدة :
-طب عيشتي مليون لحظة خوف وانتي بيتقفل عليكي باب واحد معاه وهو بيقتلك بنظراته بس ؟!
-ايه الكلام ده

أغمض عينيه ، وتنهد بعمق ليتابع بصعوبة :
-الست اللي بتدافعي عنها وبتقولي عنها مظلومة هي .. هي اللي سابتني ليه ! خليته يعمل فيا زي ما عملت فيكي وأوســخ كمان ، بس الفرق بينا ، أنا كنت عاجز وطفل ، مقدرتش حتى أصرخ ولا أقول آآه ، مقدرتش أفتح بؤي وأتكلم .. !!

فغرت شفتيها مصدومة ، وجحظت بعينها في عدم تصديق ..

إختنق صوته وهو يضيف بنبرة منكسرة :
-دبحني وهي وقفت تتفرج ، اديته السكينة بإيدها عشان يعمل ده ، وبعدت في أكتر وقت كنت عاوزها فيه ، سابتني لوحدي أموت  !

وضعت يدها على فمها في ذهـــــول عجيب ، وظلت على حالتها المصدومة وهي تستمع لحديثه المؤسف بـ :
-غابت عني ورميتني في جحيمه !

أغمضت تقى عينيها وهي تتخيل ما يقوله ، وشعرت بالإشمئزاز من ذلك الوصف المفجع ، وهزت رأسها مستنكرة بتقزز بادي على تعابير وجهها ، وصاحت بإنفعال :
-كدب، إنت بتقول ده بس عشان تصعب عليا وآآ.....

قاطعها بصوت هــــادر يحمل الآسى :
-أيوه داست عليا وهربت لحضنه ، وأنا .. وأنا لوحدي شيلت ده كله !

قـــاومت رغبتها في البكاء تأثراً ، وهتفت بصوت مختنق :
-فكرك هاصدق اللي بتقوله ، وأسامحك ؟!

تنهد بحرارة شديدة وهو يكمل بشجن :
-خوفت أتكلم .. خوفت أصــرخ وجبرت نفسي أكون واحد تاني ، دفنت اللي حصل ، وبقيت أسوأ منهم كلهم ، شيطان عشان أخبي ضعفي ، بس مانستش للحظة اللي اتعمل فيا

وضعت يديها على أذنيها لتمنع نفسها من تصديقه صارخة بـ :
-مش قاردة أصدقك !

ترك لعبراته العالقة في مقلتيه العنان لتنهمر وهو يكمل بصوت متقطع :
-النهاردة بس سمعت صوتها تاني .. وساعتها .. آآ.. ساعتها حسيت أوي بيكي 

نظرت له مصدومة ، هل أوس الجندي ذو القلب القاسي الذي لا يعرف الحب يبكي أمامها ؟ رمشت بعينيها اللامعة لتتأكد من أنها لا تحلم وتسائلت مع نفسها هل هي تتوهم هذا أم أن هذه هي عبراته الحقيقية تعبر عما يجيش به صــدره ؟

نظرت لها دون خجل وهو يبكي قائلاً بأسف :
-عرفت أد ايه صعب عليكي تسامحيني ، تغفرلي ذنبي ، ما أنا مقدرتش أسامحها ، ولا حتى بالكدب أقولها مسامحك !

فغرت شفتيها لتسأله بتردد وهي محدقة بعبراته :
-آآ..إنت آآ..

قاطعها بصوته الباكي قائلاً :
-حتى دموعها مأثرتش فيا !

أطلق تنهيدة حـــــارقة من صدره وهو يتابع بــ :
-آآآآآه يا تقى ، صعب الواحد يغفر ! بس إنتي غيرها ، إنتي .. إنتي الوحيدة اللي حبيتها وماكونتش حاسس، إنتي كنتي روحي اللي ضايعة مني ، ويوم ما لاقيتها ..آآ.. أذيتها !

عجزت عن الرد عليه ، الموقف برمته أكبر من قدرتها على الإستيعاب .. 
إنه يبكي كشخص طبيعي أمامها .. يبكي كما كانت تسمع صوته في أحلامها القريبة .. يبكي بندم حقيقي غير مصطنع .. 

نظر لها بعمق مضيفاً بصوته الباكي :
-أنا معرفتش يعني ايه حب وندم حقيقي إلا معاكي 

ابتلع ريقه بصعوبة وهو يكمل :
-حتى لو ماسمحتنيش فأنا آآ...

جحظت تقى بعينيها حينما رأت سيارة الدفـــع الرباعي تميل على سيارتهما ، فصرخت بخوف :
-حــــــاسب

نظر أوس إلى حيث تنظر هي ، وإنحرف بالسيارة بإحترافية ليتفادى الإصطدام المحتوم بها ..

توترت تقى بشدة ، وإرتفع صدرها وهبط في خــوف ، وسألته بنبرة لاهثة ومذعـــورة :
-فـ ..في ايه  ؟

تجمدت تعابير وجهه ، وتصلبت عروقه ، وأجابها بثقة :
-اهدي !

إبتلعت ريقها وسألتها بنبرة مرتجفة :
-هما .. آآ.. هما عاوزين ايه ؟

ارتطم قـــائد سيارة الدفع الرباعي بسيارة أوس الذي سبه بغضب :
-يا بن الـ **** !

إنتفضت تقى في مقعدها ، ومدت يدها لتمسك عفوياً بكتف أوس محاولة التشبث به ، وصرخت برعب :
-لألألألأ

نظــــر لها أوس بخوف واضح في عينيه عليها ، وإزداد عصبية لمحاولة تجنيبها أي خطــــر ..

صـــاح أحد الأشخاص الجالسين بالسيارة الأخرى بصوت آمـــر وهو يشير بيده :
-وقــــف العربية ! 

هـــدر أوس به بصوت حــــاد ومتوعد وهو يكز على أسنانه :
-ورحمة أمك لأفرمك !

صرخت تقى بهلع :
-لألأ

نظر لها بعينين حــــادتين ، وأردف قائلاً بهدوء مصطنع :
-شششش ! اهدي ! محدش هايعملك حاجة !

صرخت بذعـــر حينما أرتطمت بهما السيارة مجدداً ، وأجبرتهما على الإنحراف عن الطريق الرئيسي :
-آآآآه ، هانموت 

حدق أوس في مرآة السيارة الجانبية ، وهتف بغل :
-فين أم الحراسة اللي معايا ؟!

.....................
حاصرت السيارة الأخـــرى سيارتي الحراسة التابعين لأوس ، وسدت عليهما الطريق فحـــالت دون وصولهما إلى سيارته ..
.....................

استمرت سيارة الدفع الرباعي في جبر سيارة أوس على السير بداخــل الرمـــال حتى اختفى الطريق الرئيسي عن أنظـــار الجميع ...
وبـــرع هو في تفادي الإرتطام بها ، وحـــاول الفرار من هؤلاء المعتدين فقط لأجـــلها .. لأجل إنقـــاذ من نبض لقلبها .. لأجـــل تقى ...

ولكن غاصت السيارة في كثبان الرمــال وتعذر عليه قيادتها ، فإستغل قائد السيارة الأخــرى الفرصة ليصطدم بقوة به .. وأجبره على التوقف ..

ترجـــل أربعة أشخاص من السيارة ، وإندفعوا نحو سيارة أوس الذي هتف بصوت صـــارم وبنظرات صدق :
-مش هاسيبهم يؤذوكي يا تقى ، على جثتي لو حد قربلك !

جذب مفتاح السيارة من موضعها ، وترجل منها بغضب جلي ، وأغلقها بالقفل الإلكتروني ليحبس زوجته بداخلها ، ثم إندفع كالثور الهائج نحوهم ليفتك بهم ...

تابعته تقى من داخــــل السيارة وقلبها إنقبض بشـــدة خوفاً عليه ، فلم يخطر ببالها أن يفني حياته من أجلها هي .. أن يحميها دون أن يترك لنفسه المجال للتفكير في خياراته .. 
لقد كانت دومـــاً منذ أن عرفها ، وإرتبط بها الخيار الأول في حياته ، واليوم يثبت لها هذا .....
 ..

مـــد أول شخص ذراعه ليلكم أوس ، ولكن تفاداه أوس بمهارة ، وسدد له لكمة عنيفة في صدغه ، ثم تكالب عليه إثنين أخرين ليقيدا حركته .. ولكنه ركل أحدهما في معدته بقسوة ، وضرب الأخــر في فكه ..

هجم عليه إثنين أخـــرين ، وطرحاه أرضــاً ، وتسابقا في ركله بشراسة في أنحاء جسده ، فصرخ متأوهاً .. وهو يحاول تغطية وجهه .
ثم هتف أحدهم بحدة :
-البيه قال يتروق قبل ما نقتله ، عاوزه يموت بالبطيء !

رد عليه زميله وهو يركل أوس بعنف أسفل معدته بـ :
-وماله !
صرخ أوس بغضب :
-آآآآه ، مش هاسيبكم !

أردف الشخص الثالث قائلاً بخسة :
-احنا نحرق قلبه على البت اللي معاه 
-ايوه 

صرخ بصوت هـــــادر وقد إشتعلت عينيه غضباً :
-لألأ ، مش هاسيبكم تقربوا من مراتي ، هادفنكوا هنا !

ضربه الشخص الثالث بعنف أشـــد وهو يقول بصوت محتد :
-اخــــرس ، ده انت اللي هاتدفن ، خـــد !

أشـــار الشخص الأول لزميله بيده آمــــراً بـ :
-هاتها من هناك 

زحـــف أوس بجسده محاولاً الإفلات من الثلاثة الذين يبرحوه ضرباً لمنع ذلك الأخير الضخم من الوصـــول إلى حبيبته ..
 ............................

إنكمشت تقى مذعـــورة في مقعدها حينما وجدت ذلك الشخص ذو الوجه المتجهم والجسد الضخم يقترب من السيارة ، 
ورمشت بعينيها بهلع جلي ..
وضـــع الرجــل كفيه على زجاج السيارة الأمــامي ، وضربه بعنف ، فشهقت بصراخ وقد إتسعت مقلتيها بدرجة كبيرة :
-لألألأ
....................
مـــــد أوس ذراعه في الهواء وهو يهتف جلي مذعــــور و غاضب :
-تقــــــــــــى !

ثم إستجمع قوته المحتقنة والغاضبة بالكامل لينهض عن الرمـــال ويقف على ساقيه ، ورغم ترنح جسده والآلم الموجع المسيطر عليه ،  إلا أنه هـــاج بعصبية زائدة مطيحاً فيمن حوله بضربات هائمة .. 
ولكنهم أحاطوه مرة أخــرى ، وتكاثروا عليه ، وكالوا له من اللكمات ما جعل الدمـــاء تنزف بغزارة من فكه وأنفه ..
ثم نجحوا في إيقاعه على الرمـــال ...
............................

ثنى الرجل الضخم ساعده ليضرب بكوعـــه الزجاج الأمـــامي بقوة ليحطمه .. فصرخت تقى بخــوف أشــد ، وإنتفضت من مكانها ، وقفزت على مقعد أوس .. وأمسكت بأصابع مرتجفة الباب لتفتحه ، ولكنه كان موصداً من الداخــل .. فشهقت بصراخ جلي :
-أوس ! 

...........................
سمع صوتها يصـــدح بإسمه لأول مــــرة دون ألقــــاب ، فخفق قلبه بشــدة من نبرتها المرتعدة وهـــدر صارخاً :
-تقـــــى ! 

ثم نـــاضل ليقف على قدميه ويقاتلهم حتى الرمق الأخير من حياته ليفديها ...
.............................

إنتزع الرجل الضخم من سترته مسدســاً كان مثبتاً في حــزام جلدي داخلي ، ثم صوبه نحوها .. 
فجحظت عينيها في رعب .. وتلاحقت أنفاسها ..
لقد إقتربت النهـــاية .. وأصبح الموت على بعد لحظات منها ..

...................
نجح أوس في الوقـــوف على قدميه ، وركض مسرعاً وهو يصرخ بصوت لاهــث :
-تقــــى ! تقـــــــــــــى !

إنتبه الرجل الضخم لصوته القريب ، وأدار جســــده في إتجاهه ، فوجده مقبلاً عليه ، وشرارات الغضب تبعث من عينيه ، فصوب مسدسه  ناحيته ، وحدق به بجمـــــود قاتل ...

رأت تقى المشهد بعينيها ، وتسارعت ضربات قلبها حتى صمت أذنيها ، فهبت مذعورة لتصرخ بـ :
-أوس ، لألألألألألأ !

ثم ضغط الرجـــل الضخم على الزنـــاد لتنطلق منه رصـــاصة تعرف طريقها جيداً .. حيث مستقرها في صـــــدر أوس

ســــــاد صمت رهيب في المكان ، وتبادل الجميع نظرات مرتعدة .. وأشــــار أحدهم للأخـــر قائلاً بصوت جـــاد وآمـــر :
-يالا ، بســـرعة من هنا ، قبل ما الحرس بتاعه يجي ! 

سأله زميله بقلق بالغ :
-والبت اللي معاه ؟

أجابه بتوتر وهو يلكزه في ذراعه :
-مالناش فيها ، احنا تمينا المهمة ! 
-يالا

.............................

تسمــــر أوس في مكانه بثبات عجيب، وظلت عينيه مسلطة فقط على تقـــى التي كانت تبكي بخوف حقيقي عليه ..
لأول مــــرة يرى في عينيها تلك النظرات التي إشتاق إليها كثيراً ، وإخترقت روحه المعذبة لتريحه .. 
لأول مرة يشعر بوجود مشــــاعر تخصه ، ومنها هي .. هي التي أحبها وأجبرها على أن تكون جزءاً منه رغماً عنهما ...

إلتفتت برأسها محاولة البحث عن وسيلة لفتح باب السيارة ، فلمحت ذلك الزر العلوي الخاص بإلغاء القفل ، فضغطت عليه ، وترجلت من السيارة وهي تهتف بصوت مبحوح :
-أوس !

إبتسم لها برضـــا وهو يراها مقبلة عليه مرددة إسمه الذي متع أذنيه لأنه فقط بصوتها ..

تهاوى جسده ، ولم يعد يقوْ على التحمل ، فأسرعت بإمساكه بذراعيه وهي تصيح ببكاء :
-ماتموتش ! إحنا لسه آآ...

قاطعتها بصوت لاهث وهو يمد أصابعه ليتلمس وجنتها :
-شششش...

ثم نظر إلى عينيها برومانسية واضحة قائلاً بخفوت :
- سيبني أبص ليكي ، يــــاه ، أد ايه كنت مستني اللحظة دي !

هتفت بنشيج جلي وعبراتها تبلل وجهها :
-أوس ..أنا ..آآآ...

قاطعها مرة أخـــرى قائلاً بصوت ضعيف :
-قوليلي إنك سامحتيني عشان أرتــاح 

هتفت دون تردد وهي تمسح على جبينه :
-مسمحاك !

إبتسم لها إبتسامة باهتة وهو يسألها :
-من قلبك ؟ ولا بس بتقوليها كده آآ...

قاطعته بنبرة آســــى :
-لأ مسمحاك من قلبي ، أنا كنت عاوزاك تحس بغلطك ، تندم على اللي عملته معايا ، بس مش تموت !

ثم هزت جسده الذي ثتاقل عليها وصرخت بصوت مختنق : -ماتسبنيش ، سامعني ماتسبنيش لوحدي !

أجابها بصوت ضعيف وهو يُملي عينيه منها بنظرات أخيرة :
-غصب عني المرادي ، بس .. بس حاجة أخيرة هاقولها قبل .. قبل ما آآ...!

وضعت إصبعها على فمه ، وقاطعته ببكاء :
-ششش ماتقولش حاجة !

تلاحقت أنفــــاسه بشدة ، وبدأ يتنفس بصعوبة أشـــد ، وجاهد ليلتقط أنفاسه ليتابع بصدق وبصوت متقطع :
-أنا .. أنا بـ .. بــآآآ... بأحبك 

ثم تلـــــوى فمـــه بإبتســـامة صغيرة ، وأغمض عينيه لتسكن روحه في أحضانه ، فهزته برعب وهي تصرخ فيه :
-أوس .. رد عليا ، أوس ، ماتموتش وتسيبني ! أوس ! 

ضربت على صدره بكفها وهي تضيف بصوت هــــادر :
-انت وعدتني ماتسبنيش ! ليه بتخلف وعدك ، قــــوم .. كلمني يا أوس ..!!! 

ثم رفعت رأسها للأعلى وأغمضت عينيها لتصرخ بتنهيدة حـــــــــــارقة جثت على صدرها ، وأطبقت على روحها ، وقضت على أخـــر ما تبقى من حياتها المعذبة تاركة إياها تعاني مرارة الفقد والحرمــــان :
-لألألأ .. ماتموتش يا أوس ..................................................... !!!!

في انتظار الجزء الثالث من سلسلة الذئاب 


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1