رواية من يقع بنفسه لا يبكي الفصل الخامس
تجلس ندى في منزل حماتها، تشعر بالخزي وهي تراقب مديحة بنظرات مليئة بالقلق والرعب، وهي تدور حول نفسها بتوتر وغضب واضح فلقد تغيرت حالتها بين ليلة وضحاها، ونظرتها تبدو زائغة كمن تعرض لصدمة أفقدتها توازنها منذ أن رآتها على هذه الحال، ترفض الحديث معها وتتجنب النظر في عينيها مما جعل ندى تجلس في مكانها بخوف شديد وكأنها تنتظر مصيرها المحتوم.
همست ندى بتردد وهي تستند على الأريكة لتهب واقفه بضعف، ثم سارت نحوها بخطوات متثاقله حتي أصبحت أمامها مباشرًة
= طنط ممكن تردي عليا، طنط مديحه عشان خاطري ما هو ما ينفعش من ساعه لما خرجنا وانتٍ ساكته ومش عاوزه تبصيلي عاتبيني حتى.. طب اسمعيني صدقيني حضرتك فاهمه الموقف غلط.. انا عارفه ان انا غلطانه عشان نزلت وسبت الولاد في وقت زي ده و رحت لـ..
قاطعتها واجابت إجابه كانت كالسهم المسموم اخترقت قلبها على حين غرة حين قالت بصوت غاضب شق أرجاء المكان
= هو انتٍ فاكره انا عامله كل ده عشان نزلتي وسبتي الاولاد معايا في وقت زي ده؟ لا يا حبيبتي انا زعلانه عشان مرات ابني المحترمه بنت الاصول سابت ولادها في انصاص الليالي وراحت لعشيقها تتصرمح معاه.
رفعت يدها على فمها تكتم شهقه قويه مردده بذهول
= عشيقي مين والله ده مش عشيقي مش بقولك فاهمه الموضوع غلط، ده آآ شـ شريف زميلي في الشغل وكان تعبان ولوحده وطلب مني اجيبله العلاج وانا بالصدفة كنت معديه قلت اديهله من على الباب وامشي على طول
ضربت على الطاوله بكف يدها بقوة وبدأت تفقد السيطرة على أعصابها من شدة غضبها تصيح بقسوة شديدة بها وصدرها كان يعلو ويهبط بقوة
= هو انتٍ فاكراني هبله هو كل ما امسك واحد فيكم يقولي مبررات هو نفسه مش مصدقها طب اشحال شايفاكي بعيني وانتم منسجمين أوي وانتٍ سايبه له لنفسك؟ انا لما شفتك خارجه في وقت زي ده فكرتك راحه تتمشي شويه واتخانقتي من قرف ابني وانه سافر وما فرقش معاه يصالحك حتي قلت انتهزها فرصه ونخرج سوا ونتكلم وحاول اميل دماغها.. لكن لقيتك طالعه تجري ومستعجله ورحتي اشتريتي علاج وبعد كده طلعتي عماره ولحد اخر لحظه عماله ادي مبررات وأقول ممكن واحده صاحبتها لحد ما طلعت وشفت اللي شفته..
ابتلعت غصه مريرة بجوفها وجاهدت خروج صوتها من صدمتها ولكنها عجزت تمامًا عن النطق بحرف، وبدأت تبكي بنحيب شديد،
بينما الأخري نظرت لها نظرة يملؤها الخذلان مكملة بعدم تصديق
= انتٍ يا ندى ده انا كنت بعتبرك زي بنتي فعلا و صعبان عليا حالك؟ وكنت عاوزاكٍ انتٍ و جوزك تتجمعوا عشان مش عاوزه خراب البيت لابن ولا ليكي.. انا كنت واثقه فيكي لدرجه لو العالم كله كان قالي ان انتٍ خاينه ما كنتش هصدق بس المصيبه والكارثه انا شفتك بعيني؟ فرقتي ايه دلوقتي عن جوزك، فرقتي ايه دلوقتي عن البيه التاني اللي راح يتصرمح مع واحده شمال وسايب مراته هنا.. هو انتم عقلكم فين بتفكروا في إيه قبل ما تعملوا المصايب دي وتخونوا بعض.. طب خافوا ربنا بلاش تخافوا من بعض ولا تحترموا اولادكم
سارعت تهتف لها نافية وهي تراها تتهمها بابشع وصف
= لا لا انا مش خاينه ما تقارنيش ابنك بيا، دي حاجه ودي حاجه طبعاً والله العظيم ما لمسني ما حصلش بينا نفس اللي حصل مع مصعب الزفته اللي اتعرف عليها وصورته، وبعدين
احنا اتفقنا على الجواز بعد ما يطلقني وانتٍ عارفه كويس ان انا طلبت الطلاق وانتٍ اللي رافضه حتى ابنك مش طايقني ومستحملش أهو وسافر وكنتي بتضحكي عليا وفهماني انه هنا وخايف على زعلي وما سافرش.. يبقى ليه كل حاجه تيجي عليا لوحدي.
استدارت حماتها وواقفت أمامها بنظرات حارقه وتحدثت بقوة وتحدي ولم تبالي بذعرها أو مبرراتها الوهمية مثلما هي فعلت ضد زوجها بالضبط
= انتٍ وهو واحد! انا لولا ان انا جيت في اخر لحظه ولحقتك قبل ما البيه يتمادى كان زمانه واخدك على جوه وحصل اللي حصل! وبعدين مين قالك ان حتى لما تعرفي واحد وتتكلمي معاه وتوعدوا بعض بالحب والجواز وانتٍ على ذمه واحد ثاني تبقي كده مش خاينه انتٍ بتحلليها لنفسك ولا ايه؟ مش دي الخيانه اللي ملهاش مبرر على رايك؟ ولا هو حلال ليكي وحرام على ابني.. ما تردي؟.
فتحت ندى عيناها على اتساعهما وتراجعت للخلف وجسدها يتنفض بحركة غريزية وهي تراها مصممه على اتهامها بذلك الاتهام، احتشدت الأنفاس في صدرها بضيق ثم توقفت الدماء في عروقها وهي تتحدث بصوت متقطع وبدأت تبرر مثل زوجها تماماً
=تمام انا غلطت عشان أنا بني ادمه مش ملاك وكلنا بشر وبنغلط مش ده كان كلامك؟ إيه ضعفت عشان كنت محتاجه ايد تطبطب عليا حد يسمعني..و تعبت من كتر ما انا شايل المسؤوليه لوحدي وكل ما اشتكي يجيب الحق عليا كان نفسي حد يسمعني ويقولي انتٍ معاكي حق حتى لو بعد كده هيعاتبني لكن مش كل حاجه فوق دماغي أنا.. انا ضاع من حياتي ست سنين ما بين الولاد اللي شايلاها كلها لوحدي وامي والاسم لي راجل
طب هو فين الراجل ده من حياتي؟ دور على مصلحته وشغله بره وخاني كمان فوق كل ده.. انا من أول يوم جواز وانا لوحدي عمري ما حسيت ان انا متجوزه ولا ليا راجل مسؤوله منه .
ضحكت مديحة بقوة ضحكة تخفي بها صدمتها الشديدة التي تعتصر روحها وقلبها.. مدمدمه بنبرة ساخرة بعتاب
=دلوقتي الخاين بشر زينا وبيغلط وممكن يضعف في لحظه؟ ما كانش ده كلامك يعني لما كنت بقول لك سامحي جوزك وفكري في عيالك وان الغلط زي ما حصل عنده حصل عندك وجربي ادي فرصه مره واحده وانتٍ قلتلي لا الخيانه اسمها خيانه وما لهاش مبررات ولا ينفع يتحطلها مبرر اصلا؟ ولا انتٍ عشان كمان بقيتي خاينه زيه فبتطلعي مبررات
شعرت ندى أن الموقف يتكرر، وتلك الكلمات التي كانت ترددها لها ضد زوجها الخائن أصبحت تتردد في ذهنها وهي الآن الخائنة. كيف ومتى أصبحت مثل زوجها دون أن تدرك تصرفاتها؟ بدأت تتردد بخوف وتلعثم وهي ترى مديحة تحدق بها بنظرة غريبة مريبة
= قلت لك انا مش خاينه وهو اللي بدا وخاني الأول انا شريف ده اعرفه من وانا في الجامعه
ولما حسيت انه بيتسلى بيا ومش بتاع جواز بعت فوراً وبعد كده ابنك اتقدم ليا ووافقت! و بعد كده لما اتعينت قابلته في الشركه و ما كانش بيفوت ولا لحظه إلا وبيحاول يقرب مني وانا صديته كتير عشان احافظ على شرف ابنك؟ اللي في الاخر يجي هنا عشان يبرر خيانته ويروح يقولي وانا ايش طمني ممكن تكوني مقضياها هو انا عارف عنك حاجه هنا .
ضيقت مديحة عينيها قليلاً بعدم ثقة، وهي تشعر بتسارع دقات قلبها قلقًا وعدم اطمئنان. ألا يكفي أنها تحاول نسيان المشهد الذي رأته وخروجها في منتصف الليل لذلك الشخص الغامض؟ وفعلت ابنها الشنيع؟ من أين ظهر لها ذلك أيضا؟ لكنها حاولت أن تتحلى بشيء من الصلابة وقالت لندى ببرود
= يعني انتٍ كمان عارفاه من زمان طب ما انا ليا حق أشك زي ابني انطقي يا بنت انتٍ و احلفي بعيالك ان ده اول واحد واول مره يلمسك؟؟ ولو حاولتي تكدبي والله العظيم لا هعرف وساعتها عقابك هيكون الضعف
استغرق الأمر منها بضع لحظات، حتى تمكنت من الرد عليها ببطء و ضعف شديد
= آآ مـ ما اعرفش غيره وعمري ما اديته وش الا لما ابنك خاني واتهمني أني ممكن اكون زيه،
ودي اول مره اروحله البيت وما دخلتش اصلا
هبت واقفه من جديدة فجأه وقد طفح الكيل بها ومن رفضها الاعتراف بالحقيقه وانها خائنه مثل زوجها وبدأت تفقد السيطرة على تصرفاتها وهي تردد باستحقار كبير
=بس سبتي يلمسك وما منعتيش ده شيء مفروغ منه ومتحوليش تكدبي، خدي امسكي المصحف ده واحلفي ان دي اول مره تعرفي راجل على جوزك وما عملش معاكي علاقه.. يلا انتٍ لسه هتبصيلي ولا اتصل باهلك اجيبهم يشهدوا عليكي.
اتسعت عينا ندى بعدم استيعاب فبعد ما كانت الضحيه أصبحت المذنبه الآن وقد تبدلت الأدوار؟ بينما أضافت الثانية بحذر دون أن تلتفت لها و تحدثت بنبرة غير قابله للنقاش
= وبالمره كمان يا ست المحترمه هتفضلي ماسكه المصحف وتحكيلي علاقتك بالزفت ده ايه بالظبط واي تفصيله تعرفيني عليها وانا لسه عند تهديدي لو عرفت انك كذبتي عليا بحرف هتشوفي مني أسود أيام حياتك غير اللي هتشوفيه من جوزك ومن أهلك لما يعرفوا
❈-❈-❈
عوده الى منزل مصعب بالخارج بالسعوديه، كانت ما زالت نرمين تتساير معه وتشاهد المنزل لتهتف بإعجاب
= ذوقك حلو أوي على فكره مش برده ده ذوقك انت قلتلي أنا اول ست ادخل البيت يعني مراتك ولا جت هنا ولا اختارت حاجه بنفسها مش كده .
بينما الآخر لم يكن معها أبدًا وكان شاردًا بوعده لوالدته التي جعلته يقسم أنه لن يفعلها مرة أخرى ولن يغضب ربه.. فأذن ماذا تفعل تلك الحية في منزله الان؟ هل سيضعف مرة أخرى ويهرع إليها نادمًا طالبًا السماح وهي في الأساس لم تغفر له فعلته الأولى..
فهل يمكن أن يصلح الأمور بخطأ أكبر؟ متى أصبح متهورًا وضعيفًا إلى هذا الحد أمام رغباته فإذا فعلها مجددًا، فلا يجب أن يضع اللوم على زوجته كما فعل سابقًا أو على نرمين، فهذا يعني أن العيب فيه هو نفسه.
= اطلعي بره يا نرمين.. وللمره الثانيه بقول لك حاولي تصديني وخلي عندك كرامه واشتري نفسك
قالها" مصعب" بغضب، وهو يجذبها من ذراعها ببعض العنف لبعيد قبل ان يندمج معها في الحرام مرة أخري!.
شهقت نرمين بذهول أمام ما يقوله وسرعان ما ملت منه وهي تردد بعصبية منفعله
= لا بقول لك ايه انا تعبت من احوالك الغريبه شويه قربي شويه ابعدي هو انت مالك لابسك عفريت، انت اللي جيتلي المره دي بمزاجك والمره اللي فاتت نفس الحكايه برده، بتقلب فجاه ليه؟
صمت لوهله يلتقط أنفاسه وتابع وهو يصطك على أسنانه بغضب وقهر شديد يشعر كأنه يحارب نفسه
= عشان بحارب نفسي وشيطاني! وانتٍ كلك على بعضك اكبر شيطان في حياتي مش عارف اتخلص منك، لا انا مش هعمل كده تاني اطلعي يلا بره بسرعه.. وطالما مش طايقاني انتٍ كمان ابعدي عني يا ستي ولما اجيلك بعد كده ما تبقيش سهله وتيجي على طول وبايعه نفسك كده.. انا عارفه انك واحده رخيصه فشوفي واحده رخيص زيك وسيبيني انطف نفسي
وعلى الفور تدخلت نرمين تقول له بنظرات مشبعة بالغل
=مش هتنضف طول ما انت متردد شويه تيجي وشويه تبعد يبقى مش هتنضف يا مصعب عشان انت زباله زيي ورخيص لا الا
ما كنتش ضعفت قصادي.. و الرخيصه دي هتوريك لما تجيلها المره الثالثه هتعمل فيك ايه بجد.. وبكره هتحفى وتبوس ايدي ورجلي عشان تلمسني لما مراتك تكرفلك كالعاده .. اوعي كتك القرف
امسكها من رسغها يدفعها أمامه رغم عنها لخارج منزله واغلق خلفها الباب بينما استند عليه وهو يهمس لنفسه بصوت مخنوق
= يا رب حلها من عندك بقى وسامحني! انا تعبت.
❈-❈-❈
بعد أن انتهت ندى من سرد كل ما حدث معها من البداية إلى النهاية وكيف تعرفت على شريف في بداية دراستها بالجامعة، ثم انفصلا وعادا للالتقاء مجددًا في الشركة و كانت تصده في البداية، لكنها ضعفت عندما خانها زوجها واتهمها بالباطل.. اتسعت عينا مديحة وقالت وشيء يختلج في صدرها.
= بقي انتٍ يا ندى يطلع منك كل ده؟ مش وقفتي هنا في نفس المكان وقلتي لجوزك بعلو صوتك هو خانك عشان وسخ وانتٍ عشان محترمه وبنت ناس بتقابلي اشكال ذي دول وعمرك ما بتفكري تستسلمي لـ.ـجـ.نس واحد فيهم ايه اللي حصل.. ايه اللي حصل يا محترمه يا اللي ما فيش مبررات للخيانه..
صمتت لبرهه تلتقط أنفاسها، ثم بكت بحرقة متوسلة بخوف شديد منها ومن رده فعلها القادمه تجاه تصرفاتها المتهوره
= والله ما اعرفش عملت كده ازاي انا اسفه انا كنت بين صراعين شويه ابعد وشويه اقرب! واللي خلاني استسلم اكتر اني حسيت جبت اخري وابنك مش فارقه معاه حتى بعد غلطته لكن هو الوحيد اللي فهمني وقرب مني و حاسسني ان انا ليا قيمه فعلا هي لحظه ضعف مش هتتكرر تاني والله العظيم بس وحياه ولادي اللي هما احفادك ما تقوليش لحد من اهلي استري عليا عشان خاطري.. بلاش تقولي ليهم في الصعيد عليا هما لو عارفوا حاجه زي كده مش هيسكتوا.. حتى لو قلت لهم ان جوزي خاني برده الغلط كله هشيله انا لوحدي .
تغضنت ملامحها بالانزعاج و الاشمئزاز وهي تسألها بتهكم ساخط
=وما فكرتيش ليه في كل ده قبل ما تعملي المصيبه دي؟ ما فكرتيش ليه في عيالك وفي اهلك ومنظرك؟ ما فكرتيش ليه في الاهم من كل ده اللي هو ربنا.. جايه دلوقتي بعد ما عملتي المصيبه تندمي وتعيطي وتفتكري ستر ربنا انتٍ لو كنتي فكرتي بس ثانيه واحده في كل دول ومنظر عيالك لو عرفوا امهم عملت ايه ما كنتيش انجرفتي ورا القرف ده بس انتم بس بتشغلوا عقلكم لما تفضلوا تعاندوا لبعض
عند هذا السؤال ضربها شعور بالذل لم تختبره من قبلا لكنها أجابتها هامسة وسط تشنجات وبكاء
= والله العظيم ما كنـ..
ابعدتها عنها عندما حاولت الاقتراب والتوسل بقسوة شديدة لاول مره تراها منها، واردفت بصوت صارم وحازم
= ابعدي عني! و وفري دموعك شغل العياط ده مش هيجي معايا وانتٍ عارفاني كويس الغلط غلط.. ابني ذات نفسه غلطته قدامك وعاقبته ولسه بعاقبه فما بالك انتٍ هعمل فيكي ايه يا مرات ابني .
لوت شفتاها باستخفاف وسخرية وهي تضيف بنبرة استهزاء قاسية
= مش انتٍ برده اللي قلتلي هنا ان يا ترى انا لو كنت خنت جوزي هتفضلي تتحايلي كده عليه ولا هتجيبيني من شعري وتطلعيني بره وتقوليلي ما لكيش أولاد؟ عشان اللي يخون مره هيخون ثاني وثالث وما ينفعش نسكت في الحاجات دي عشان ما يتمادوش .
بكت بانهيار أكبر برعب وقد اغضبها جمود الأخري، ونظرتها المحتقره التي ترمقها بها وتساءلت ندى بقلٍق جم
=لا لا انتٍ اكيد مش هتعملي كده طنط مديحه عشان خاطري دول ولادي انا اللي ربيتهم و تعبت فيهم لوحدي هو اللي جي على الجاهز والإسم ابوهم انتٍ اكتر واحده عارفة أنا شقيت عليهم ازاي؟ اذا كان هو بالفلوس انا كنت معنوياً ونفسياً وبسهر وبتعب معاهم و احل مشاكلهم إللي مش بتخلص سواء مرضهم ولا في المدارس ولا مشاكلهم هم نفسهم لما كانوا بيتاثروا مننا.. انتٍ لو عملتي كده زي ما هتكسريني هتكسريهم..
صمتت فجأة عندما شعرت بدوار قوي يجتاحها بعنف، حيث شحب وجهها وزرقت شفاهها في لحظة وانقبض قلبها وشعرت بالبرودة عندما أخبرتها أنها قد تحرمها من أطفالها بسبب فعلتها تلك.. أسرعت لتقبض على كفها بقوة دون سابق إنذار وهي تتوسل إليها بذعر وبقلب محروق
= ابوس ايدك إلا ولادي ما حدش لي فيهم قدي وانتٍ شهده على كده ليه عاوزه توجعيني فيها.. انتم حتى مش هتعرفوا تتصرفوا معاهم زيي انا اللي عارفه مواعيد كل حاجه عنهم.. لأ لأ ما تعمليش كده والله اعمل في نفسي حاجه لو فكرتي تحرميني منهم.. ما هو خاني و ما اتحرمش منهم هو كمان ليه؟ اشمعنا انا اللي اتعاقب العقاب القاسي ده ما هو سافر يشوف حياته ومش بعيد يكون بيخوني تاني.. ولا انا عشان ست والست غلطتها غير الراجل صحيح .
لم تبالي حماتها بحالها ولم يبدو عليها أي شفقة بعد ندمها علي السابق وهدرت فيها باحتدام
= خلصتي ولا لسه شويه أصلك فاكرة هتصعبي عليا كده بالمحايله والعياط؟ حتى لو مشاعرك دي حقيقيه وانتٍ زعلانه عليهم برده مش هتاثر فيا.. انتٍ غلطتي ولازم تاخدي جزائك.. وبلاش جو الراجل والست عشان انا ما عنديش كده لا إلا يا حبيبتي ما كنتش عاقبته ولا قلتله انت غلطان رغم ان انتٍ كنتي غلطانه معاه برده من الأول .
هدأت قليلاً وبدأت تستعيد توازنها رويدًا ولكن شعرت بألم حاد ينهش رأسها وقلبها وامتلئت عينيها بالعبرات وتحدثت بصوت يملؤه الحسرة والقهر
= انا مش بمثل والله العظيم ندمانه ومش عاوزه اتحرم من ولادي! طـ آآ طب شوفي حكمك ايه بس ما تحرمنيش منهم خليكي رحيمه بيا واعتبريها غلطه ومش هتتكرر تاني وانا مستعده استحمل اي عقاب.. خلاص لو عاوزانا نتطلق واقعد قصاد عينك عشان تتاكدي ان انا مش هعملها تاني اعملي والله
ما هعترض بس يكون اولادي في حضني
استمرت تمتماتها المنهارة على هذا النحو لكن ظلت مديحه على موقفها تحتقرها و ترشقها بعبارات الاتهام، حتى هتفت بنبرة غامضة
= مستعده تستحملي عقابي بجد يا ندي مهما كان هتقبليه؟ ومش هسمعلك بعدها صوت تقوليلي لا ولا بلاش ومش هينفع؟ هتسمعيني موافقتك وبس .
هزت رأسها بالموافقه بسرعه بلهفة دون تفكير وطرحت عيناها التوسلات وهي تطلب بإلحاح بين دموعها الغزيرة بقلق
= ماشي بس ولادي يكونوا معايا.. هو انتٍ هتطلبي مني أيه أو هتعاقبيني ازاي هتخليني قدامك زي ما قلت لك .
رفعت حاجبيها تطيل النظر لها بملامح غير مقروءة ثم بهدوء شديد تحدثت مغمغمة ببرود
=ولا قدامي ولا فوقيه! لو عاوزه ولادك فعلا يفضلوا في حضنك يبقى هتنفذي كلامي بالحرف.. واللي هو هيكون البدايه؟ تسامحي جوزك وتسافري هناك حتي لو غصب عنك و ما فيش حاجه اسمها طلاق .
انتفضت مكانها من المفاجاه وسارعت تهمس لها نافية بغير تصديق
=نعم هو انتٍ لسه عاوزانا نكمل بعد كل اللي حصل واللي عرفتي .
لوت مديحة فاهها محتقره الإثنين وقالت بجمود
= هو ايه اللي حصل انتوا الاتنين ناقصين ربايه وتستاهلوا بعض بصراحه، يعني ما بقاش فيه حد أحسن من الثاني .
ذعرت بشحوب وجهها وتذكرت أمالها ووعدها لشريف عن طلاقها لذا اعتدلت جالسة ترجوها بارتباك
= ايوه بس ما ينفعش و.. آآ
هدرت بها مواجها إياها بصوت قاسي ثابت
= احنا اتفقنا على ايه هتستحملي اي حاجه مني يبقى بتعترضي دلوقتي؟ ولا آه عشان البيه إللي كنتي معاه وعدك بالجواز؟ اوعي تفتكري يا روح امك في واحد هيتجوز واحده لمسها ولا خد غرضه منها، لو كنت اتاخرت و حصل اللي حصل كان بعد ما ينول اللي عاوزه هيرميكي ولو كنتي لقيتي لسه وراكي فا اعرفي حاجه واحده بس ان لسه ما شبعش من اللعبه اللي فرحان بيها وفرحان برخصها معاه.
عادت ندى تزدرد لعابها وهي تخفض بصرها وتجيب بخفوت متوتر وهي تحاول توضيح الأمر لها بأن لا أمل في علاقتها مع زوجها ابدأ
= طنط انا ما قصدتش كده بس خلاص كل حاجه ما بينا انتهت وما حدش هيقدر يرفع وشه في وش التاني، و اللي حصل ما بينا صعب ومش سهل يتصلح
احتقنت ملامحها ثم رفعت حاجبيها تسترسل كلامها بنبرة ذات مغزى
= مش انتٍ اللي هتقولي عشان انا المره دي اللي همشي علاقتكم بمزاجي وهتنفذي كل اوامري! وبعدين هو انتٍ مفكره ان هعرفه حاجه على رايك الراجل غير الست وهو رغم أنه خاين بس ابني وانا عارفه هتشوفي منه أسود ايام حياتك وهترجعي بعد كده تعيطي وتقوليلي يا ريتني كنت سمعت كلامك، عشان انتٍ لو ما سمعتيش كلامي دلوقتي انسي ان انا اقف في صفك تاني.. ويلا كفايه كده عليكي واطلعي فوق شوفي عيالك اللي رميتيهم و رحتي تتصرمحي .
هزت رأسها بقله حيله وضعف وقبل أن تصعد هتفت الأخري بعبوس وشك
=استني! طلعي موبايلك صحيح واعملي للبيه اللي تعرفيه بلوك من كل حته كنتي بتكلمي منها وامسحي قدامي كل نمرو، و وحياه احفادي يا ندى لو عرفت انك كلمتيه ولا هعاتبك ولا هتكلم معاكي بهدوء زي دلوقتي بس هكلم اهلك يتصرفوا معاكي..
شعرت ندى بالإهانة والمذله في تلك اللحظه لكنها طاعتها مجبره خوفاً من حرمانها من أولادها وأخبار أسرتها بكل ما حدث بالاخص والدتها المريضه، فليتها بالفعل فكرت بكل ذلك قبل أن تقع بنفسها وتعود للبكاء والشكوى بعد فوات الأوان...
قسمت ملامح مديحة ثم أضافت بعد لحظات بتهديد
= سبحان ما مصبرني عليكي دلوقتي اصلا فما تختبريش صبري احسن ليكي! وبالنسبه كمان لشغلك تنسيه وتقدمي استقلتك ولا اجازه مش شغلي لانك كده كده مسافره قريب مع جوزك هناك مكان شغله.
انهارت ندى وكل أمالها بتلك اللحظه عن انفصالها والذهاب الى شريف لتتزوجه طارت كل الآمال تلك، فتهديد حماتها آدمي قلبها..
أخفت حزنها وخيبة أملها ثم رسمت هدوءا زائف وهي تقترب من باب المنزل لتذهب بالفعل الى أطفالها .
❈-❈-❈
في السعودية، حاول مصعب هذه المرة تجاهل نرمين وكل شيء يمكن أن يوصله إليها، حتى أنه كان يعود من العمل بسرعة دون أن يسهر لساعات إضافية ويحبس نفسه في المنزل.. وفي يوم من الأيام تفاجأ باتصال والدته به فاستعجل في الرد بلهفة معتقدًا أنها قد سامحته
= ماما أخيرا كلمتيني انا عارف ان انتٍ زعلانه مني عشان سافرت وما فضلتش زي ما كنتي عاوزه، بس الوضع كان هيفضل هو هو واحنا مش قادرين نتفاهم مع بعض.. صدقيني الطلاق احسن لينا .
أجابت الأخري وقالت له بإيجاز
= حماتك تعيش انت ناوي تنزل تقف جنب مراتك تاخد العزاء ولا هتفضل مكانك
اتسعت عينا مصعب بصدمة ثم رد بصوت منخفض
=إيه ماتت... لا حول ولا قوه الا بالله ربنا يرحمها، لا طبعا ده في النهايه واجب حاضر هنزل بكره وانا كده كده واخد اجازه اصلا من الشغل عشان مش عارف اعمل اي حاجه ولا ولا ليا نفس.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين في منزل مديحه كان يجلس مصعب مع أطفاله بينما زوجته كانت حالتها صعبه للغايه، فكانت حبيسه بالغرفه اغلب الوقت وقليلاً ما تخرج وتتحدث معهم ولقد تركها الجميع لتستوعب فراق و رحيل والدتها عنها..
ربتت مديحة على ظهره وتحدثت بتعقل قائله
= قوم خذ بخاطر مراتك وعزيها اكيد هي عاوزك جنبها دلوقتي و اهو بالمره تستغل الوقت وتقرب منها يمكن تسامحك .
تهجم وجه بنفور وهو يقول باعتراض
=بذمتك ده وقته يا ماما احنا في إيه ولا في ايه، وبعدين ريحي نفسك اكيد مش طايقاني كالعاده فاكره يعني اللي هي فيه ده هيهدها شويه ولا كده المشكله اتحلت عشان والدتها ماتت.. هي اصلا موجوده هنا عشان مش طايقه هناك او بتعند وخلاص .
ضغطت على شفتيها بضيق وتحدثت بجدية مصطنعة
= مش ملاحظ كل مره اقولك حاجه تنفذها برده بتعمل اللي في دماغك؟ حتى لو خيرتك ان هقطعك طول العمر ايه للدرجه دي خلاص بتبيعني انا كمان ومش فارقه معاك زعلي .
ابتلع ريقه بصعوبة وأجاب بتوضيح نافي
=يا ماما والله ما اقصد كده ما انتٍ اللي مقطعاني ومش بتكلميني اصلا رغم ان انا قلت لك ندمان ومش هعمل كده تاني، بس انتٍ عاجبك يعني كل مره نتخانق كده واسمع منها كلام ما لوش لازمه
أشاحت وجهها لبعيد بجمود وتحدثت بسخط
= تمام ردك وصل اياك بقى اشوفك بتقرب تكلمني و يلا قوم من جنبي .
نفخ أنفاسه بضيق وغيظ وهو ينهض باستسلام، واردف مستاء
=خلاص يا ماما قايم تشتمني بقى تقل مني براحتها طالما ده اللي هيسعدك.. ما تقلبيش بوزك بس وتتلككي عشان تخاصميني، اللهم طولك يا روح اديني قمت مع أني مش عارف هستحملها ازاي بلسانها المبرد ده.
❈-❈-❈
دخل مصعب لغرفه زوجته بالفعل فرفعت رأسها الملطخ بالدموع تدريجياً لتتلاقى عينيها بعيني مصعب لم تتحدث بشئ وهو بقي متسمر مكانه فكان الصمت بينهم ثقيل وقاتم لكن دقق مصعب بنظراته التي لم تفهمها في وجهها الشاحب.. وعينها المنتفختين لا بد أنها بكت لساعات طوال دون أن ترحم نفسها...
بدا شيء من التردد والأحراج ظاهراً على وجه مصعب مما سيقوله للحظات إلا أنه حسم أمره أخيرا وقال عاقد الحاجبين
= احم ندى انتٍ مش هتقومي تاكلي؟ الاولاد عمالين يسالوا عليكي على فكره و ماما منعتهم يدخلوا يشوفوكي بالحاله دي.. هم اكيد مستوعبين اللي حصل بس مش بدرجه كبيره عشان السن فبلاش يشوفوكي وانتٍ كده.. بالذات اول مره الاحظ ان هم متعلقين بيكي أوي كده .
لم تجيب عليه بينما اقترب ليجلس فوق الفراش جانبها وهي جامده الملامح، صمت لبرهه يلتقط أنفاسه وتابع بتنهيده حزينه
=بس حقهم هم شافوا غيرك! انا فاكر مروان أو طفل لينا ما حضرتش ولادته بس جيت بعد أسبوع وما لحقتش اشبع منه وبعد كده سافرت على طول.. ويحيى ما حضرتش ولدته برده ولا السبوع! بس مش قادر انسى يوم ما نزلت ومروان كان عنده ثلاث سنين لما كنت بقرب منك امسك ايدك كان بيتفزع و يبعدك عني كأني واحد غريب عنكم ويحيى كان بيستخبى مني ويتحمى فيكي او في ماما.. انا عارف ان الغربه خدت مني كتير لحظات حلوه اقضيها معاكم.. بس انا مش وحش أوي زي ما انتٍ فاكره ولا هي دي كانت أحلامي اللي بدور عليها.. بس ركزت اكتر اني امن ليكم مستقبلكم وما فكرتش في حاجه ثانيه .
ظهر الحزن علي ملامح مصعب وامتلئت عينيه بالحسرة وتحدث بصوت يملؤه الأسى
= انا عارف ان وفاه والدتك حاجه صعبه حسيت بكده لما بابا مات! على فكره يا ندى انا كنت شايفك بنت اصول لما كنتي بتراعيها و بتضحي باي حاجه عشان تكوني جنبها تحت رجليها ومصممه انتٍ اللي تخدميها مش حد ثاني.. ومتفهم كمان لما كنتي بتخافي تسافري وتسيبيها مع حد غريب، بس وسط كل ده كنت أنا كمان محتاج حد جنبي واحس ان انا متجوز وليا واسره.. انا كنت بتضايق أوي لما بخرج في اي تجمع والاقي كل واحد معاه ولاده ومراته! وانا لوحدي هم كانوا بيفكروني اصلا عازب وما يصدقوش لما اقول لهم ان عندي ولدين وزوجه
كانت تستمع له وتبكي لا تعرف أكانت تبكي على حالها ام حاله ام حالهم هم الاثنين....