رواية جبران العشق الفصل السابع والستون
تهاوت جالسة على أحد المقاعد أمام باب غرفة العمليات ، تنظر للضوء الأحمر الذي يعلو لافتة الغرفة ما يزيد عن ساعة وزياد داخل الغرفة لا أحد يعلم ما به ، نظرت صوب جبران لتراه يتحرك هنا وهناك قسمات وجهه تكاد تبكي من القلق يفرك يديه بعنف تارة يسمح على وجهه تارة أخرى يصدم يده في الحائط أحيانا كلما طال الوقت نهشه القلق أكثر ، أما وتر فتجلس صامتة بشكل غريب ، وتر لم تنطق بكلمة واحدة منذ أن احترقت السيارة بوالدها وهي صامتة عينيها شاردة وكأنها انفصلت عن العالم حولها ، بيجاد يقترب من جبران يحاول طمأنته وتلك الفتاة تتذكر أنها رأتها قبلا ولكن لا تتذكر متى أو أين تجلس بعيدا تنظر صوب بيجاد مرتبكة ، نظرت هي لأيمن الجالس جوارها لتراه يبتسم لها مد يده يربت على كف يدها يهمس يطمأنها :
-هيبقى كويس بإذن الله
اومأت قلقة عقلها يكاد يجن من التفكير مشاعرها حائرة متأرجحة مذبذبة ، زياد وأيمن على الرغم من أن قلبها كنَّ المشاعر لزياد ولكن زياد خذلها عدة مرات وكأنها كانت حملا ثقيلا أراد التخلص منه بأي شكل لم يحيمها حين اُختطفت ، لم يكن جوارها حين عادت بل كان جبران ومن ثم اللواء وعائلته ومن ثم أيمن شردت تتذكر لقائها به
Flash back
في مستشفي الحياة الطابق الأخير خُصص لعلاج الأمراض النفسية حالات محددة فقط كانت في مكتب قاسم الذي علمت أنه بدأ العمل في المستشفى قبل عدة أسابيع تاركا عيادته الخاصة للفترة المسائية من وقته ، كانت قد أنهت جلستها مع قاسم وأخذت المصعد إلى مكتب لينا حيث تنتظرها الأخيرة كما اتفقتا ، تحركت إلى المكتب شاردة تفكر مر يومين فقط ولكنها تشعر بأن الوقت لا يمر حين اقتربت من مكتب لينا سمعت أصوات شجار تأتي من الداخل ، توجهت إليه سريعا قلقة عليها فتحت الباب لترى لينا ومعها شاب طويل القامة يرتدي نظارات طبية ورجل يقبض على رسغ فتاة في يده تبدو على الأكثر في السادسة عشر تبكي المسكينة في صمت جسدها يرتجف لتذكرها بحالها قبل بضعة أشهر فقط ، نزعت لينا نظارتها الطبية تلقيها على سطح المكتب تصرخ في الواقف أمامها :
- أنت مريض يا جدع أنت ، أمشي أطلع برة بدل ما اناديلك الأمن يرموك برة ، ولا أبلغ عنك ، أنت مش طبيعي شاكك أن بنتك مش بنت عشان اتأخرت برة البيت
هنا توسعت عيني حياة في دهشة لتسمع صوت ذلك الشاب الواقف جوار لينا وهو يصرخ هو الآخر :
-يا راجل اتقي الله حرام عليك ، دي عيلة صغيرة لا أنا ولا حد من زمايلي هيعمل الجريمة دي أطلع برة احسنلك
شعرت بالألم والشفقة على الصغيرة ذلك الرجل عينيه قاسية كعيني عمها ، تذكرت كل الألم الذي قاسته خلال الأشهر الماضية لتجد نفسها تقترب منهم وقفت أمام الرجل تنساب دموعها تتمتم بحرقة :
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك ، حرام عليكم ليه كلكوا بتستخدموا بس قوتكوا عشان تأذوا بيها الضعيف ، دي بنتك اللي واقفة بتبكي في أيدك قلبك ما رقش عليها لحظة ، على فكرة الدنيا بتدور ولو أنت بتستعرض عليها قوتك دلوقتي بكرة تكبر وصدقني هتعاملك بالمثل
ارتبكت حدقتي الرجل للحظة في حين أجهشت حياة في البكاء لتنتفض لينا مفزوعة اقتربت منها سريعا تحاول تهدئتها تصرخ في الواقف أمامها :
-أمشي أطلع برة
خرج الرجل دون أن ينطق بحرف آخر لتضم لينا حياة إلى أحضانها تهمس لها برفق :
-اهدي يا حياة اهدي يا حبيبتي
- أنتِ اسمك حياة والله أنا بشبه عليك ِ من ساعة ما دخلتي يارب تكوني هي بس
رفعت حياة وجهها عن أحضان تنظر للشاب الذي تحدث توا مرتبكة لترى ابتسامة بشوشة تعلو ثغره قبل أن يردف سريعا :
- أصل أنا كان ليا واحدة جارتنا اسمها حياة كنت بلعب معاها وإحنا صغيرين قبل ما تهاجر هي وأهلها ، لو أنتِ أنا أيمن يا حياة فاكرة أيمن
جعدت جبينها للحظات تفكر لم يأتِ سوي ذكرى بعيدة مشوشة جعلتها تنظر إليه تهمس مرتبكة:
-أيمن ابن طنط حسناء
ضحك أيمن سعيدا صرخت ملامح وجهه أجمع فرحا ليومأ لها متلهفا يغمغم سريعا :
-أيوة ، مش معقول حياة يا بنت اللذين وحشتيني أوي تعرفي يوم سفرك فضلت أعيط قد كدة ، عاملة ايه يا حياة سنين طويلة عدت ، أنتِ تعرفي الدكتورة
اومأت مرتبكة ترتسم ابتسامة طفيفة على ثغرها بينما يكاد هو يقفز فرحا ها لا يصدق أنه التقاها من جديد
Back
ومن وقتها وأيمن لا يفارقها ،حتى بعد أن أخبرته بما حدث لها رأت الدموع في عينيه حزنا عليها لن تنسى أبدا ما قاله وقتها
« حياة أنتِ مالكيش أي ذنب في اللي حصل ، بالعكس أنتِ ضحية ، لو فاكرة إني هبعد عنك أو أشوفك غلطانة أو عليكِ ذنب تبقي غلطانة ، أنتِ شجاعة عشان تعدي بكل دا وأنا جنبك ومش هسيبك أبدا »
أيمن لم يتركها لم يشعرها للحظة أنها مخطئة لم يشمئز منها كما تصورت ، أما زياد فلم تراه حتى عرفت مصادفة من الطبيب قاسم أنه يتابع حالتها معه عن طريق الهاتف ، الهاتف؟! الهاتف فقط
أجفل الجميع على صوت الباب وخروج الطبيب من الغرفة يزيح القناع الطبي عن وجهه أقترب جبران منه يسأله مذعورا عن حال زياد ليطمئنه الأخير :
- الحمد لله قدر ولطف خيطنا الجرح هو صحيح نزف كتير بس إحنا عوضنا الدم دا ، هيتنقل للعناية احتياطي عشان يبقى تحت الملاحظة الدايمة ، عن إذنكوا
تنهد جبران بارتياح تهاوى جالسا لسانه لا يتوقف عن قول جملة ( الحمد لله) لمحت عينيه وتر الجالسة جواره لم تُبدي أي رد فعل عينيها جامدة بشكل غريب ، رفع يده يهز كتفها برفق يهمس باسمها :
-وتر ، وتر ، في اي وتر ردي عليا ، أنتِ عاملة كدة ليه
لم تستجيب ظلت على حالها ، في تلك اللحظة انفتح الباب وخرج السرير المتنقل يندفع بزياد إلى غرفة العناية لحق جبران بهم سريعا يتابع الأطباء وهم يضعون شقيقه الصغير في أحدى الغرف يوصلون الكثير من الأسلاك إلى جسده ، أدمعت عينيه ينظر لجسد شقيقه المسطح على الفراش لا حول له ولا قوة أراد الدخول ليمنعه الطبيب :
-ما ينفعش حضرتك تدخل العناية ، عشان مصلحته
لم يعرف ما العلاقة ولكنه خاف من أن يؤذيه كما قال الطبيب ليظل واقفا بالخارج ينظر لشقيقه من خلف الزجاج يحرك شفتيه يهمس يحادثه :
- لتاني مرة بتنقذ حياتي يا زياد ، أول مرة لما انقذتني من الموت ودلوقتي لما أنقذت وتر ، لو كان جرالك حاجة ما كنتش هسامح نفسي أبدا ، عايز اخش اخدك في حضني بس معلش بكرة تفوق أنا هفضل هنا مش هسيبك لحظة
في تلك الأثناء عند وتر يعاد المشهد أمام عينيها مرة بعد أخرى ترى والدها وهو يركض من العساكر الجميع خلفه وهو يغوص بين جموع الناس ، والدها دخل للسيارة ومن ثم انفجرت ، اشتعلت النيران واحترق والدها بالداخل ، سمعت صوت صرخاتها وهو يحترق ، تكرهه ولكنه والدها موته بتلك الطريقة البشعة أمام الجميع أصاب قلبها في مقتل ، تذكرت كل اللحظات التي مرت بها وهي صغيرة كانت أسعد فتاة على وجه الأرض ، بدأت في تلك اللحظة تضع اللوم على نفسها هي من ذهبت لوالدتها منذ البداية لتتعرف على جبران ليحدث كل ذلك ، فجاءة وقفت تنظر لمن حولها لتنهمر الدموع من عينيها تصرخ باسم والدها بعلو صوتها ، هرع جبران يركض إليها ما أن أقترب منها دفعته بعنف تصرخ بهستريا :
-أبعد عني ، أبعد عني أنت السبب ، يارتني ما قابلتك ولا شوفتك ولا عرفت حاجة ، أنا عاوزة بابا ، بابا مات اتحرق وانتوا وقفتوا تتفرجوا عليه ، كنتوا عايزينه يموت ،أنا عايزة بابا
كان يشعر بأن ذلك سيحدث وتر لن تتحمل ما رأت ، حالتها النفسية ليست مستقرة من الأساس ، يعلم أنها تهذي من الألم أقترب منها يعانقهل رغما عنها لم تدفعه بل تمسكت به ظلت تصرخ بلا توقف تجمهر بعض الناس حولهم من الأطباء والممرضين حتى المرضى يتابعون صراخها ليرى جبران أحد الأطباء يقترب منهم في يده مصل مهدئ حقنه في ذراعها فجاءة بعد أن أمسك جبران ذراعها جيدا لتستكين حركتها بعد لحظات فقدت الوعي أو نامت بفعل المهدئ حملها جبران يتحرك خلف الطبيب إلى أحدى الغرف
راقبت روزا ما يحدث بأعين دامعة سفيان كان شيطانا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ولكنه يبقى والدها بالطبع قلبها ينفجر ألما في تلك اللحظة شعرت بقلبها يغلي غضبا سفيان حرمها حتى من أن تعرف ما معنى الأب ، ابتسمت ساخرة على حالها وهي صغيرة كانت تظنه والدها على الرغم من أنه لم يكون حنونا معها أبدا ولكنها لم تكن تعرف غيره كانت ترتمي بين أحضانه تبكي بعد أن يضربها فلا يوجد غيره في حياتها جعل دنياها أجمع تلتف حول محوره هو تعرف فقط ما يريدها أن تعرف ، نظرت خلفها تبحث عن بيجاد بلهفة لتراه يجلس بالقرب يبدو متعبا اقترب منه جلست جواره تلتصق به وضعت رأسها على صدره تنهمر دموعها:
-بيجاد أنا عمري ما عرفت بابا ، شوفت وتر على الرغم من أن اللي سفيان عمله بس هو باباها أكيد كان بيحبها ، بيجاد هو أنا لو دخلت الجنة هشوف بابا
لما يشعر بأنه يود أن يبكي ما بال الجميع اليوم إنهاروا أجمع رفع ذراعيه يضمها لأحضانه يربت على ظهرها برفق يتمتم مترفقا :
-اهدي يا حبيبتي ، أنا جنبك ومش هسيبك أبدا
صدقيني هعوضك عن كل اللي فات ، ما تخافيش من أي حاجة وأنا موجود
مرت عدة ساعات وتر في غرفة وزياد في الأخرى نظر جبران لساعة يده ليجدها السادسة ليلا ، فتوجه صوب صديقه وقف جواره يربت على كتفه:
-بيجاد قوم خد أختك وروح ، أنا مستحمل شوفتها بالعافية عشانك ، قوم روح لمراتك وأنا لو احتجت أي حاجة هكلمك
وبدأت مماطلة طويلة بين جبران وبيجاد ، بيجاد يرفض ترك صديقه في خضم ما يحدث بمفردع وجبران يصر على ذهابه في النهاية اخيرا وبعد ساعة أقتنع بيجاد وأخد شقيقته ورحل
ليتوجه جبران صوب حياة استأذن من أيمن ليمسك بيدها بعيدا عنه وقف أمامها يهمس مترفقا :
-حياة روحي ، أنتِ أكيد تعبانة واللي حصل النهاردة مش قليل كفاية عليكِ كدة ، روحي يا حبيبتي هو هيبقى كويس أول ما يفوق هكلمك على طول
توترت حدقتيها تود أن ترفض ترغب في أن تبقى لتطمئن على حاله ولكن بأي حق الآن زياد ليس سوى ابن خالتها لا حق لها بأن تهرع إليه تعانقه تخبره بأن يستيقظ لأنها اشتاقت له ، اومأت برأسها موافقة انسابت دمعتين على وجنتيها ليمد جبران يده يمسحهم برفق يهمس يحادثها:
-حياة لو عايزة تسيبي أيمن قوليلي أنا هتكلم معاه وهو شاب محترم وهيتفاهم الموضوع كله
التفت برأسها صوب أيمن لتراه ينظر إليها يبتسم كعادته ، لا لن تكسر قلبه لن تفعل ذلك به أبدا ، أيمن لم يؤذيها لتفعل هي، حركت رأسها للجانبيبن تنفي ما يقول بالكاد ابتسمت تحرك تمتم متوترة :
-ليه بتقول كدة يا مراد ، أيمن ما يستحقش أنه يتكسر قلبه كفاية أنه ما اتخلاش عنه لحظة ، أنا همشي وأنت ابقى طمني
تحركت خطوة لتسمعه يغمغم من خلفها:
-لو هتتجوزيه عشان ترديله جميل أنه ما اتخلاش عنك يبقى بتعملي أكبر غلطة في حياتكم ، فكري وقوليلي قرارك وهتلاقيني جنبك في اللي هتختاريه
ابتلعت لعابها مرتبكة تومأ له دون أن تلتفت إليه لتكمل طريقها صوب أيمن ابتسمت متعبة تهمس له :
-يلا نروح أنا تعبت
ابتسم أيمن يمسك بكف يدها توجها إلى جبران يودعانه قبل أن يرحلا ، وبقي هو هنا بمفرده يتطلع إلى غرفة أخيه ينظر له ، توجه إلى غرفة الطبيب ليطمأنه على حاله للمرة الألف تقريبا في عدة ساعات ، لتأخذه قدماه إلى غرفة وتر
في تلك الأثناء تحديدا كانت قد استيقظت بالفعل تنظر لسقف الغرفة ترتسم ابتسامة ساخرة على ثغرها تتذكر ما فعلت قبل بضع ساعات ولا تصدق أنها فعلت ذلك والدها كان يود قتلها اختطفها ليقتلها ، هو السبب في حادثة اغتصابها ، هو من ألقاها إلى الحارة بلا مأوى لها بعد أن ترك البلد وهرب خارجا ، استخدمها كسلعة ليكتسب منها ، ولكن رغم كل ذلك لم تتذكر سوى اللحظات السعيدة بينهم والتي كانت كثيرة للغاية كانت لا تحلم بشئ إلا ويجلبه لها ، كان يعاملها كجوهرة ، تتذكر تلك الأوقات التي كانوا يقضونها سويا في السفر أو حتى في مشاهدة أحد الأفلام التي تحبها ، وهو يعلمها القيادة والكثير من الذكريات تتدافع إلى رأسها ولكن السؤال هل كان ذلك والدها أم شقيقه التؤام المسكين الذي أخبرها عنه والذي قُتل بسببه ، والدها قتل الكثير يجب أن تتذكر ذلك ، والدها أرد أن يقتلها يجب أن تتذكر ذلك ، والدها مغتصب رأته بعينيها لا يجب أن تنسى ، والدها فعل الكثير لا يجب أن تنسى ، ابتسمت ساخرة تغطي وجهها بكفيها جبران بالطبع غاضب مما قالت له ، بالكاد طرق اسمه في عقلها لتجد الباب يُفتح ويظهر هو من خلفه ابتسم ما أن رآها مستيقظة ليقترب منها فاعتدلت جالسة تعانقه ما أن بات جوارها تهمس له مرتبكة:
-أنا آسفة على اللي قولته
طوقها إلى أحضانه يمسح على خصلات شعرها برفق ، أبعدها عنه قليلا بعد دقيقة تقريبا ليقبل جبينها ابتسم يردف:
- ما تعتذريش يا حبيبتي ، أنا مقدر اللي كنتِ فيه مهما عمل هو في الأول وفي الآخر أبوكِ ، الحمد لله أنك دلوقتي كويسة
ابتسمت كل خلية بها حتى عينيها تنظر لقسمات وجهه المجهدة رفعت يدها تتلمس وجنته برفق تتمتم :
-جبران شكلك مجهد أوي تعالى نام شوية
أراد أن يرفض لن يغمض عينيه قبل أن يفتحهما زياد ، لكنها جذبته وجسده الخائن المتعب طاوعها ، أعتاد أن يحتضنها ولكنها هي من فعلت تلك المرة رأسه حط على صدرها يديها تعانقانه ليبتسم مجهدا يغمغم:
-تعرفي أننا نمنا في المستشفيات أكثر ما نمنا في بيتنا
ضحكت توافقه رفعت أحدى يديها تغوص داخل خصلات شعره برفق لترى ابتسامته الناعسة شيئا فشئ بدأت عينيه تنغلق رأته يقاوم النعاس ولكن لحظات أخرى واستسلم لتبتسم تقبل جبينه لتسمعه يتذمر ناعسا :
-ايوة يا أختي جاية هنا والرومانسية ضربت ، من ساعة ما خرجتي من المستشفى من قد إيه وأنتِ قاطعة عليا ماية ونور يا مفترية
ضحكت عاليا حين نام من جديد وكأن شيئا لم يكن ، جبران وأفعاله الغريبة !!
_____________
أخذ الطريق طويلا متوجها صوب القرية البعيدة مع فجر اليوم التالي كان قد وصل ، نظر لروزا النائمة على المقعد المجاور له ليتنهد حائرا حزينا على حالها ذلك الوغد شوه شقيقته بالكامل ، استخدمها كألة ليصل لأغراضه المريضة مثله ، مد يده يهز كتفها برفق يهمس باسمها ، فتحت روزا عينيها تنظر لبيجاد ليهمس لها :
- إحنا وصلنا هروح أجيب رُسل ونرجع
اعتدلت روزا سريعا تحرك رأسها نفيا بان الخوف جليا على قسمات وجهها لتردف سريعا:
- لاء يا بيجاد بالله عليك استنى شوية على الاقل أودع ماما فاطمة وعمو طاهر ، عشان خاطري ، وبعدين أنت ما نمتش من إمبارح وسايق بقالك كتير محتاج ترتاح شوية ، تعالى معايا صدقني هما هيرحبوا بيك جدا
وافقها من ناحية أنه متعب هو حقا متعب وبحاجة إلى الراحة ولو لبعض الوقت ولكنه لن يذهب معها هو يعرف تحديدا إلى أين سيذهب ، أوصلها لمنزل السيدة فاطمة وزوجها تأكد أنها دخلت ليأخذ طريقه إلى منزل نجلاء توقف أمام باب منزلها ليرفع يده يدق الباب بهدوء ، مرت عدة دقائق قبل أن تفتح نجلاء له الباب ليصفر وجهها ما أن رأته ابتلعت لعابها متوترة في حين ابتسم بيجاد ساخرا يبادر قبل أن تنطق بحرف :
-أنا عارف إن رسل عندك من زمان أوضتها فين عشان هلكان و محتاج أنام
توسعت عيني نجلاء في دهشة لتشير له إلى باب غرفة جانبية تحركت قدميه إلى الغرفة فتح الباب ليراها هناك تنام بعمق وهو لم يذق النوم لأيام تلتها أيام لأنها كانت بعيدة عنه دخل إلى الغرفة ليغلق الباب بالمفتاح من الداخل حتى لا تهرب أثناء نومه تحرك إلى الفراش لم يكن بالكبير ولكنه سيفي بالغرض خلع حذائه وسترته وساعة يده يضعهم جانبا ليتسطح بجسده جوارها بخفة أراد أن يضمها إليه ولكنه خاف أن تستيقظ الآن هو بحاجة لبعض النوم قبل أن يستيقظ لمحاسبتها على ما فعلت
______________
العاشرة صباحا في الحي الشعبي ، كانت كعادتها مستيقظة تلتف حول نفسها قلقة عليه وتر أخبرتها بكل شئ الأحمق أرادها أن تكرهه حتى لا تحزن على فراقه ، وهي الآن تكاد تموت قلقا عليه لا تعرف كيف مرت الأيام السابقة حتى كانت تفكر فيه في كل لحظة من حياتها ، تحاول إشعال قدر الإمكان أما تذهب لتقديم أوراقها للكلية أو تقف على عربة الكبدة ، شقيقته زارتها عدة مرات والفتاة حقا لطيفة عرفت انها متزوجة ولديها طفل صغير اسمه حسن على اسم شقيقها ، حتى أنه جلبته معها في إحدى المرات رؤيتها لذلك الصغير جعلتها ترغب وبشدة في أن تملك طفلا هي الأخرى ولكن كيف ، والدتها كانت محقة حين أخبرتها ألا تمنع نفسها عن زوجها ، ولكنها جين جاءت تفعل ذلك تهجم عليها ذلك المجنون يود اغتصابها لولا حضور حسن في الوقت المناسب ، تأففت بعنف تصرخ محتدة :
-منك لله يا حسن ، يارتني فضلت بكرهك قلبي هيقف من القلق عليك
ارتدت جلباب أسود فوق ملابسها توجهت إلى عربة الطعام تفتحها تصب جام تركيزها على تقطيع الخضروات واللحوم أمامها ، ابتسمت حين تذكرت أول مرة رأت فيها حسن قبل ثلاث سنوات كانت تقف على العربة بصحبة والدتها ليقترب هو منهم استند على عمود الإضاءة المجاور لهم وبنبرة سوقية للغاية غمغم :
-بقولك يا أبلة اعمليلنا توليفة سندوتشات كدة من أيدكِ الحلوين أوي دول ، بس اعملي عدد بقى أحسن في قطيع هياكل والحساب عندي
نظرت إليه من أعلى لأسفل متقززة من طريقته الغريبة في الحديث يبدو وأنه قد تعاطى شيئ توت ليتحدث بتلك الطريقة الغريبة ، لتتدخل والدتها في تلك اللحظة :
- حاضر يا معلم حسن عنينا ليك ولرجالة المعلم جبران
ابتسم حسن يتفحص أمل بنظراته قبل أن يغادر لتلتفت بجسدها بالكامل إلى والدتها تسألها :
-مين دا يا ماما وبيتكلم كدة ليه ومين الناس اللي جت الحارة فجاءة دي ومين الشمام اللي كان واقف دا
تنهد سيدة تكمل تقطيع ما في يدها تغمغم:
-من كام يوم لما كنتِ عند خالتك ، جه المعلم جبران ومعاه رجالته وحطوا أيديهم على المنطقة شكله راجل عوق يا أمل الحكومة نفسها مش عارفة تسلك معاه ربنا يسترها على الأيام الجاية
وقبل أن تردف والدتها بكلمة أخرى أصفر وجهها تنظر خلف أمل لتسمع الأخيرة صوته الساخرة يأتي من خلفها :
-خلصتي السندويشات يا ست سيدة ولا كنتِ بتشرحي للأبلة بقى أنا المعلم حسن على سن ورمح يتقال عليا شمام ماشي يا أبلة هعديهالك عشان خاطر عيونك اللي مش عارفين لونها ايه بالظبط دي
وضحك عاليا التفت تنظر إليه حانقة ليلتقي فيروز عينيها بعينيه الزرقاء الحادة لتبتلع لعابها مرتبكة في تلك اللحظة تشعر بلكمة غريبة صدمت قلبها !!
تنهدت بعمق تعود من شرودها تبتسم شاردة لا تعرف إن كانت أحبت حسن قبل الزواج منه أم لاء كانت حقا تكره أسلوبه طريقته فرضه السافر لنفسه على حياتها البسيطة الهادئة ولكن ماذا حدث الآن تشتاق إليه في كل لحظة تتنفس فيها !
أكملت تقطيع الخضراوات أمامها ليتناهى صوته ! الساخرة إلي أذنيها وهو يغمغم :
-كفاية بصل بقى عيني في ذمة الله
توسعت حدقتيها مدهوشة نظرت خلفها لتجده يقف خلفها يبتسم يرتدي زي غريب كالذي تراه على التلفاز يحمل حقيبته على كتفه بكت عينيها فرحا لتلقي السكين من يدها أسرعت تعانقه فرحة ليضحك سعيدا يضمها لأحضانه يرفع جسدها عن الأرض لتتوجه النظرات الحانقة المستائة إليهم كيف يفعلون ذلك في الشارع يعني كيف لزوج أن يحتضن زوجته في الشارع عيب ضد القيم والأخلاق والمجتمع ولكن لا ضرر أبدا أن أهان زوج زوجته في الشارع و لا مانع من ضربها أو جذبها بشكل مهين فذلك ليس ضد القيم والأخلاق والمجتمع المزعوم ، ابتعدت عنه سريعا تشعر بالخجل مما فعلت لتتذكر ما حدث لتتركه وتتوجه إلى عملها من جديد وكأنه غير موجود من الأساس لتسمعه يغمغم ساخرا:
-دا إنفصام دا ، بقولك ايه والنبي يا أبلة ساندويتشين من أيدكِ الحلوين أحسن الواحد معدته نشفت من الفول المعلب والسحالي بتاعت الصحرا دي
توسعت عينيها تقززت ملامحها تتخيله وهو يأكل تلك الأشياء ، وضعت السكين من يدها أمامها بعنف التفتت إليه تكتف ذراعيها أمامها ترفع راسها بإيباء تغمغم ساخرة :
-ما عندناش ، شطبنا فوت علينا بكرة
ضحك حسن عاليا يجذب مقعد جلس بالقرب منها لتتأفف حانقة منه خارجيا فقط داخليا تود عناقه من جديد ولكن لا أحد يعلم ، أمسك برسغ يدها يجذبها لتجلس جواره على مقعد قريب أخذ السكين من يدها يضعه بعيدا يغمغم :
-نبعد دا بس احتياطي كدة ، أنا عارف أنك متضايقة بس أنا كنت خايف عليكِ والله حركة غبية أنا عارف وأكيد أنتِ زعلانة مني فحقك عليا بجد ، أوعدك أنها آخر مرة ومش هتتكرر تاني
حاولت منع ابتسامتها دون فائدة منذ متى وباتت تتأثر بكلماته بتلك السرعة اومأت له تبتسم تهمس خجلة:
-وحشتني أوي ، كنت قلقانة عليك جدا
توسعت ابتسامته تسارعت أنفاسه مع كلماتها اشتاقت إليه كما فعل هو تماما قام من مكانه ليمسك بيدها يغمغم سريعا :
- لمي العربية دي ويلا عشان نروح البيت وحشني وأكيد وحشك
ابتسمت في مكر لا ضرر من العبث معه قليلا لتحرك رأسها للجانبيبن تهمس :
- لا يا سونة يا حبيبي أنت هتروح لحد ما اسامحك على المقلب السخيف اللي عملته ونزلتني معيطة بسببك
ابتلع لعابه لما تبتسم هكذا لما تتحدث بتلك الطريقة لما تبدو أكثر جمالا عن آخر مرة رآها بها ، أقترب منها يغمغم بنبرة مُصرا:
- اقفلي العربية يا أمل بدل ما أجيب البلدية يشيلوها ، واشيلك أنا على كتفي لحد البيت لأن أنا ما عييش العربية همشي بيكِ في الشارع كدة وأنتِ عرفاني مجنون وأعملها عادي !
_____________
تأخرت في النوم تعلم لم تذق عينيها النوم الا بعد منتصف الليل بساعتين تقريبا فتحت عينيها لتشهق مفزوعة حين رأت بيجاد ينام أمامها مباشرة فتحت عينيها تغلقها عدة مرات لتتأكد من وجوده وكان هو حقا انتفضت سريعا جلست لتراه يفتح عينيه يبتسم ساخرا استند بكفيه على السرير تثأئب يمط ذراعيه أمسك برسغ يدها يقرب وجهها منه ليزيح خصلاتها خلف أذنيها يهسهس محتدا:
-أنا ما بكرهش قد إنعدام الثقة اللي عندك ليا ، تهربي مني ليه ، شوفتي مني إيه وحش من أول ما قابلتك لحد لحظة هروبك كنت بعمل كل حاجة عشانك ، كنت عايز أبعد عن كل القرف بتاع العيلة بأي شكل ، أنتِ عارفة أنا ليه الوحيد اللي في المثلث ليه اسم مستعار القناص مش عشان أنا جوبا في ضرب الرصاص بس ، عشان حاجات تانية كتير ، كتير أوي
بس كل دا دلوقتي مش مهم ، كل اللي فات حمادة واللي جاي حمادة تاني خالص ، ودلوقتي هتقومي تلبسي هدومك زي الشاطرة من غير ولا نفس عشان إحنا لسه قدامنا حساب طويل