رواية وانحنت لاجلها الذئاب الجزء الثالث من (سلسلة الذئاب) الفصل الثامن
في المشفى الحكومي ،،،
عجزت تهاني عن التفكير بصورة واعية بعد صدمتها الكبرى فور سماعها بخبر حمل تقــى .. وتسائلت بغموض عن كيفية حدوثه خاصة وأنها تعرضت للإعتداء الجنسي العنيف .. فكيف يؤدي هذا لحملها الغير متوقع على الإطلاق ؟ وكيف يمكن لأي أحــد أن يعرف بمســـألة حملها ولم يمر على الحادث المؤسف سوى بضعة أسابيع ..
لم تترك الأمــر يُحيرها كثيراً حيث اقتربت من الطبيب وهمست له بحذر :
-دكتور .. هو .. هو انت عرفت ازاي ؟
رد عليها الطبيب بنبرة رسمية
-يا مدام عادي ، بنعمل تحليل دم للمريضة عشان نشوف نسبة السكر عندها ، لاقينا باين في التحليل هرمون الحمل ، وتقريباً هي ما بين نهاية الاسبوع التالت وبداية الرابع
-هــــه
ثم أضـــاف قائلاً بتهكم :
-وبعدين انتي هنا في مستشفى مش في محل بقالة !
ابتلعت ريقها لتســـأله مستفهمة :
-طب .. معلش ممكن أسألك في حاجة معينة ؟
نظر لها الطبيب بتفحص وهو يردد بهدوء :
-خير ؟
أخذت تهاني نفساً عميقاً ، وزفرته على مهل .. وحاولت إيجاد الطريقة المناسبة لبدء الحديث معه .. فما هي على وشك قوله خطير للغاية ..
انزعج الطبيب من صمتها الغير مبرر ، وبدأ صبره ينفذ ، ولاحظت هي هذا على تعابير وجهه ..
لذا أردفت حديثها بتلعثم :
-هو .. هو ممكن حمل يحصل لو .. لو واحدة آآ... لو واحدة آآ.. اتعرضت للإغتصاب ؟
-مممم..
ابتلعت ريقها مجدداً بإرتباك واضح وهي تتابع قائلة :
-اللي أقصده إنه حصلها نزيف و.. آآ...
قاطعها بنبرة جـــادة وهو يضيق عينيه قليلاً :
-معلش ممكن أنا أسألك سؤال ؟
ردت عليه بتلهف :
-اتفضل .. اسأل
عقد ساعديه أمام صدره ، ورمقها بنظرات عادية وهو يسألها بجدية :
-هو المغتصبة دي كانت ( بِكر ) ولا مدام ؟
-هــاه ..
أضـــاف قائلاً بنبرة هادئة :
-أوضحلك كلامي شوية ، هي كانت آنسة لما اغتصبت ؟
أومـــأت برأسها إيجاباً وهي تقول :
-آآ.. ايوه
مط فمه للأمام ليجيبها :
-خلاص يبقى عادي ، فين المشكلة ؟
زادت حيرتها عقب عبارته الأخيرة الغامضة ، وتسائلت مستفمة :
-متأخذنيش ، أنا .. أنا بس مش فاهمة حضرتك
أرخى ساعديه ، ودس يديه في جيبي معطفه الطبي ، وهتف قائلاً بنبرة متريثة :
-شوفي يا مدام .. الوقتي لو احنا بنتكلم عن عملية الـ ( جمــاع ) عنيفة لأي آنسة ، فنتيجته هتسبب نزيف مهبلي ، والدم هينزل بغزارة لوجود جرح داخل المهبل وخصوصاً لو المغتصبة صغيرة في السن !
رمشت بعينيها مصــــدومة بعد ما قاله ... بينما أكمل هو بنبرة متزنة :
-وده زي ما قولت لحضرتك راجع لوجود علاقة جنسية عنيفة أدت لحدوث تهتكات وتمزقات في المنطقة المحيطة ، بس ده مايمنعش حدوث الحمل !
سألته بإهتمام أكبر :
-قصدك إن الحمل ممكن يحصل عادي وهي آآآ... ؟
أومــأ برأسه موافقاً وهو يتابع بنفس الهدوء :
-طبعاً .. طالما جسم الست في فترة التبويض ، وحصل تلقيح للبويضة فخلاص الحمل بنسبة كبيرة هيحصل
بدت مصدومة من حديثه الواثق .. وسلطت أنظارها على تقى ، وظلت تردد بلا وعــي :
-بس إزاي ؟ مش ممكن !
تنهد الطبيب بضيق ، وأضــاف قائلاً بنفاذ صبر :
-يا مدام التلقيح مش محتاج إلا لبويضة واحدة ناضجة وSperm ( حيوان منوي ) يلقحها ، وبعدها بكام يوم بيحصل الإخصاب داخل جدار الرحم ، وزي ما فهمتك كون إن العلاقة الجنسية كانت عنيفة أو لأ .. فده مش هايمنع حدوث الحمل إلا إن أراد ربنا إنه مايتمش !
هزت رأسها مستنكرة ما قاله ، وقالت بنبرة مصدومة :
-لكن دي .. دي نزفت وآآ.. ومكنش في آآ...
برر الطبيب حديثه قائلاً بجدية :
-ده مش كلامي يا مدام ، دي وقائع طبية معروفة .. كمان انتي قولتي انها آنسة يعني مش مدام عشان نقول كانت حامل والعلاقة العنيفة عملتلها إجهاض !
اقتنعت تهاني بما قدمه لها من مبررات طبية تحمل الصواب بنسبة كبيرة .. ورددت عفوياً :
-أها .. !
زفـــر الطبيب بصوت مسموع ، وأكمل قائلاً :
-عامة أي دكتور نسا متخصص هايقدر يفيدك ويقول بإسهاب عن أسباب حدوث الحمل
هزت رأسها ممتنة وهي تضيف :
-كتر خيرك يا دكتور .. أنا .. أنا بس كنت بستفسر منك
زم فمه ليرد بهدوء :
-اوكي ! مافيش مشكلة
لم يطرأ ببال تهاني هذا الأمـــر مطلقاً .. إمكانية حدوث الحمل رغم التعرض للإعتداء الجسدي ... وبدأت الصورة تضح لها عن حالة تقى ، خاصة في الآونة الأخيرة من ضعفها العام وقلة شهيتها ، وعدم رغبتها لتناول الطعام حينما كانت تجبرها عليه .. ولكن ما أثار فضولها حقاً هو أن ابنة أختها لم تكتشف تلك المسألة الخطيرة ..
تطلعت إليها بإشفاق أكبر .. وأدمعت عينيها حزناً عليها .. فما تخشاه هو أن تخسر بذرة الأمــل التي زرعت في رحمها إن عرف الجميع بمسألة حملها ...
جلست تهاني على طرف الفراش ، وأمسكت بكفها ، واحتضنته براحتيها ..
هتف الطبيب قائلاً بخشونة :
-اتمنى انكم تهتموا بيها أكتر ، لأن من اللي أنا شايفه معتقدش ان آآ....
إلتفتت تهاني برأسها ناحيته ، وحدجته بنظرات محذرة مقاطعة إياه بضيق :
-ماتكملش يا دكتور
رد عليها الطبيب ببرود :
-أنا بأقول المتوقع ، وبأكد نصيحتي انكم تتابعوا مع دكتور نسا متخصص ، هايقدر يفيدكم أكتر
تنهدت بإنهاك وهي تســـأله :
-إن شاء الله ، طب هي هاتفوق امتى ؟
أجابها بنبرة عادية وهو يشير بيده :
-كمان شوية .. وأنا موجود لو في حاجة حصلت ، خلي الممرضة تنادي عليا
ابتسمت له إبتسامة باهتة قائلة :
-كتر خيرك يا دكتور
انصــرف الطبيب من الغرفة ، وظلت تهاني بمفردها مع تقى ..
وأخرجت من صدرها تنهيدات أسفة على حالها .. ثم اقتربت منها أكثر ، ومدت كفها لتمسح به على وجهها الذابل ، وهمست بحزن :
-يا ترى هيعملوا فيكي ايه يا بنتي لو عرفوا انك حامل ؟
برقت عينيها بوميض غريب وهي تتخيل حدوث الأسوأ لها من إجبارها على التخلي عن هذا الجنين ، أو إنكـــار أبيه لنسبه في أسوأ الظروف ، أو إرتكاب مهاب البغيض لجريمة في حقها .. فهي كالحمل الوديع في غابة مليئة بالذئـــاب ..
ابتلعت ريقها بتوتر رهيب .. وهمست بذعــر :
-مش .. مش لازم حد يعرف قبل .. قبل ما ابني بنفسه يقرر هايعمل ايه معاها .. !
تأوهت تقــى بأنين خافت وهي تتململ للجانب ، ثم بدأت تفتح عينيها المنتفختين بتثاقل ..
كانت الرؤية غير واضحة في البداية ، ولكن رويداً رويداً بدى كل شيء أمامها جلياً ..
تسائلت بصوت ناعس وشبه مذعـــور :
-هو .. هو ايه اللي حصل ؟ مــ... مين جابني هنا ؟
ردت عليها تهاني بحنو رغم توترها :
-اطمني يا بنتي .. انتي .. انتي كويسة
تسائلت بإضطراب بادي في نبرتها وهي تتلفت برأسها للجانبين :
-أنا .. أنا فين ؟
ثم حـــاولت أن تنهض من رقدتها ، ولكن رأسها كان يدور بشدة ، فمالت على الجانب ووضعت يدها على جبينها .. فأسرعت تهاني بإسنادها وهي تهتف بتلهف :
-بالراحة يا بنتي ، ماتقوميش فجأة ، انتي لسه دايخة
وعاونتها على التمدد مجدداً على الفراش .. فأردفت تقى قائلة بمرارة :
-انا تعبت من كل حاجة
تنهدت بعمق لتقول في محاولة بائسة لتهون عليها :
-معلش يا بنتي ، فترة وهتعدي
أغمضت عينيها كمداً لتردد بخفوت :
-مش باين
طلبت منها تهاني بنبرة هادئة :
-ارتاحي انتي شوية ، وبعد كده هنتوكل على الله ونمشي
غمغمت مع نفسها بيأس :
-وهتيجي منين الراحة
ترددت خالتها في إبلاغ ابنة اختها بمســألة حملها ، فكانت تخشى عليها من أثر الصدمة .. خاصة وهي في حالة جسدية ضعيفة ، وأعصابها متوترة للغاية ، وربما لن تتحمل المزيد من المفاجأت وتبعاتها ..
ولكن في النهاية عليها أن تخبرها بهذا لكي تفكر الاثنتين معاً في طريقة للتصرف دون المساس بها أو بالجنين ..
إحتارت تهاني في إيجاد طريقة مناسبة لتمهد لها الموضوع .. وظلت تفكر ملياً في صمت ..
عاودت تقى فتح عينيها ، ونظرت إلى خالتها الصامتة بإستغراب .. فقد مرت عدة دقائق وهي على حالتها المتجهمة والشــــاردة ..
فتسائلت متعجبة وهي قاطبة الجبين :
-مالك يا خالتي ؟ ساكتة ليه ؟
انتبهت تهاني لصوتها ، وهتفت بتلعثم :
-هـــه .. بتقولي حاجة ؟
زاد فضــــول تقى بسبب نظرات خالتها الغامضة نحوها ..وتسائلت بتوتر :
-في ايه ؟ بتبصيلي كده ليه ؟
خفق قلبها للحظة ، واتسعت عينيها نوعاً ما وهي تقول بنزق :
-هو .. هو في حاجة تانية حصلت وانتي مش عاوزة تقوليها ؟
ضغطت تهاني على شفتيها ، وأطرقت رأسها للأسفل لتقول بخفوت :
-أصل آآ.... آآ..
صاحت تقى بهلع :
-أوس ..أوس جراله حاجة ؟
أجابتها تهاني على الفور :
-لأ .. بعد الشر .. لحد الوقتي هو كويس الحمدلله
تنهدت تقى بإرتياح ، ونظرت إلى خالتها بنظرات دقيقة محاولة سبر أغوار عقلها .. وسألتها بفتور :
-طب في ايه ؟
أخـــذت تهاني نفساً مطولاً ، وزفرته على عجالة وهي تقول بجدية شديدة ورامقة إياها بنظرات محذرة :
-تقى .. في موضوع مهم حصل لازم تعرفيه انتي وبس ، أي حد تاني مش هاينفع الوقتي !
عبس وجهها وهي تتسائل بقلق :
-موضوع ايه ده ؟
........................................
في مكتب أمجد سعفان ،،،،
هب الحارس الأمني السابق – أحمد – من مقعده مذعـــوراً بعدما أخبره المحامي أمجد بدوره الهام في خطته الشيطانية ، وصـــاح بغضب :
-انت عاوز تضيعني ، أنا مش أد أوس الجندي !
أردف أمجد قائلاً بثقة وهو يشير له بيده
-متخافش احنا في ضهرك !
طرق أحمد بيده بعنف على سطح المكتب ، وهدر بصوت محتد :
-لا ضهري ولا غيره ، انت مش عارف أوس الجندي ولا شره !
قطب المحامي أمجد جبينه نوعاً ما ، وقال بخبث :
-مش هو اللي خد منك حبيبتك وحرمك منها وضيعها من ايدك ؟ عاوز كده تسيبه من غير ما تنتقم منه ؟! فين كلامك بتاع زمان ؟!
كــز أحمد على أسنانه بضيق ليجيبه :
-أنا بأعترف اني حبيتها ، لكن اللي بتقوله ده استحالة أعمله .. ده .. ده فيها رقاب هتطير !
تابع أمجد قائلاً بثقة وهو يلوح بإصبعيه :
-اطمن ، كل حاجة معمول حسابها
رفع أحمد كفه في وجـــه المحامي ليقول بجدية محذرة :
-إلا مع أوس الجندي ، ده الوحيد اللي مقدرش أئمن شره !!
لـــوى أمجد فمه ليقول مستهزئاً :
-انت جبان ، ماتستهلش حبيبتك
ضرب أحمد مجدداً بكفيه على السطح الزجاجي ، وانحنى للأمام ليهتف فيه بغضب :
-لأ .. أنا عاوزها ، لكن .. لكن انت فوق ما بتلبسني جناية قتل أنا معملتهاش أصلاً ، بتلبسني قضية زنا والله أعلم ايه الباقي
قهقه أمجد بإستخفاف ، وتابع بـ :
-مش للدرجادي يا راجل
اعتدل أحمد في وقفته ، ورفع رأسه عالياً ليقول بصرامة :
-أنا مش موافق
نهض أمجد من على مقعده ، وأضاف قائلاً بخبث :
-يا أحمد فكر الأول قبل ما تقول رأيك النهائي ، وصدقني انت المستفيد في النهاية !!
....................................
في مشفى الجندي الخـــــاص ،،،،،
وُضـــع أوس الجندي في إحدى غرف الرعاية الفائقة ، والتي تم تجهيزها خصيصاً لتناسب حالته ..
كما تابع مؤشراته الحيوية فريق الأطباء المتخصص طـــوال طريق العودة إلى المشفى ..
مسح مهاب على رأس ابنه ، وأردف قائلاً بنبرة هادئة :
-كده افضل من المكان الموبوء اللي كنت فيه
أضــاف كبير الأطباء قائلاً بجدية وهو يعلق اللوح المعدني على مقدمة الفراش :
-وضعه مستقر يا دكتور مهاب ، اطمن
هز رأسه بهدوء ليقول :
-تمام ..
ابتسم سامي ابتسامة باهتة ، وربت على كتف أخيه ليقول بهدوء :
-الحمدلله إنك اطمنت على ابنك يا مهاب ، أنا والله أول ما عرفت مكدبتش خبر وجيت جري عشان اطمن على ابن اخويا الغالي
نظر له مهاب من طرف عينه ، ورد بفتور :
-شكراً يا سامي
أضــاف سامي قائلاً بحزن زائف :
-انت مش عارف أوس غالي عندي أد ايه
هز مهاب رأسه ليقول بنبرة جافة :
-أها .. عارف
فكر ســـامي أن يستغل الوضع قليلاً لصالحه ويستفسر عن مدى معرفة أخيه بملابسات الحادث ، فتسائل بمكر :
-على كده مين الجماعة دول اللي حاولوا آآ..
قاطعه مهاب بصرامة وهو يحدجه بنظرات قوية :
-لسه مش عارفين تفاصيل
أكمل سامي متسائلاً بإهتمام أكبر موزعاً نظراته بين أخيه وابنه المسجي على الفراش :
-انا قريت إن الموضوع ليه علاقة بمراته و..و آآ... عشيقها باين
هتف مهاب محذراً :
-ســـامي ، مافيش داعي للكلام ده هنا
تنحنح سامي بصوت خشن ليبرر قائلاً :
-أنا .. أنا مقصدش .. أنا بأقول اللي شوفته وقريته على النت
ضاقت عيني مهاب بشدة ، وصــاح قائلاً بنبرة عدائية :
-شوية الكلاب اللي عملوا كده في ابني هانسفهم ، بس أوصل لطرف الخيط
رفع سامي حاجبه للأعلى ، وهمس بمكر أشد ليضمن إثارة الشكوك حول زوجته ، وابعادها تماماً عنه :
-ماهو الموضوع مش هايخرج عن مراته
ضغط مهاب على أسنانه ليهتف بشراسة حادة :
-سامي .. اسبقني على مكتبي ، مش هاكلم هنا !
هز سامي رأسه بحركة متوترة وهو يجيبه :
-هـــه .. طيب
.........................................
في المشفى الحكومي ،،،،
أخبرت تهاني ابنة اختها بعد أن استجمعت شجاعتها عن مســـألة حملها الغير متوقعة ، فشهقت الأخيرة مستنكرة وهي تنظر نحوها بصدمة :
-ايييه ، أنا .. أنا حامل ، دي تخاريف ، مش حقيقي ! مش حقيقي
أمسكت بها تهاني من كتفيها ، وحاولت تهدئتها وهي تقول بحذر :
-ايوه انتي حامل !
حدقت بها تقى بنظرات فزعـــة ، وصرخت بإستماتة :
-كدب .. كدب ، انتي بتقولي كده وخلاص
أشفقت تهاني عليها ، فهي تشعر بمدى الصدمة التي تعانيها الآن ، فهي لم تفق بعد من صدماتها السابقة لتتلقى واحدة أشــد ..
وبيأس حركت رأسها نافية ، وردت عليها بصوت أسف :
-لأ يا بنتي ، الدكتور لسه قايل الكلام ده
أغمضت تقى عينيها غير مستوعبة ، وصرخت محتجة :
-طب ..طب ازاي وهو .. وهو ملامسنيش إلا عشان آآ...
لم تكمل جملتها الأخيرة بسبب تجسد ذكرياتها الموجعة في تلك الليلة المشئومـــة ، فإرتفع صدرها وهبط .. وتسارعت نوعاً ما أنفاسها ، وفتحت عينيها بذعــــر .. وزادت رجفتها ..
ثم واصلت صراخها :
-ازاي ؟ مش معقول ، لألألأ .. ده كدب .. كدب !!!
ضمتها تهاني إلى صدرها ، وأحاطتها أكثر بذراعيها لتبث إليها الأمـــان ، وهمست بصوت أمومي :
-اهدي يا بنتي ، كل حاجة هاتكون كويسة !
ظلت على وضعها المصدوم ، ورددت بلا وعي :
-طب ليه ؟ ليه !!
.........................................
في مكتب أمجد سعفان ،،،،،،
هاتف المحامي أمجــــد سامي ليبلغه برفـــض أحمد الإشتراك في مخططهم ، فإنزعج الأخير بشدة ، وصاح بصوت غاضب :
-دي مصيبة ، انت مش وعدتني هاتتصرف
رد عليه أمجد بهدوء وهو يطرق بأصابعه على سطح مكتبه :
-ماشي ، بس مجاش في بالي إن الفقري ده يرفض
هـــدر به سامي بصوت منفعل :
-اتصرف وطلعني من المصيبة دي !
تنفس أمجد بعمق ليضيف :
-اصبر .. احنا لسه في أولها ، ولو موافقش برضــاه ، هيوافق غصب عنه
ســأله سامي بنفاذ صبر :
-ناوي تعمل ايه ؟
أجابه بهدوء حـــذر :
-هافكر في الموضوع ده على رواقـــة !
هتف سامي بإنزعـــاج :
-أمجـــد مش عاوز اي شكوك تيجي ناحيتي ، سامعني يا أمجد ، أنا مش ناقص أوس ولا غيره
أومـــأ أمجد برأســـه إيجابا ليرد عليه :
-حاضر يا سامي بيه !
.......................................
في المشفى الحكومي ،،،،
استمرت تهاني في إقنــــاع تقى بإمكانية حدوث الحمل ، ورغم إنكار الأخيرة تماماً ورفضها للتصديق إلا أن الأسباب كانت واضحة ومقنعة إلى حد كبير ..
ضغطت تهاني على شفتيها لتقول بإبتسامة باهتة :
-مش يمكن دي نعمة من ربنا
بقيت تقى على حالتها الجامدة ولم تعقب ، وظلت محدقة في الفراغ أمامها .. ولكن وجهها كان كافياً للتعبير عن نبذها للفكرة ..
مسحت تهاني على كف تقى عدة مرات ، وتابعت بإبتسامة متفائلة وهي تنظر لها بحنو :
-ايوه ، ربنا مش بينسى حد ، ويمكن هو أراد ده يحصل عشان يعوضك عن اللي شوفتيه ، طفل يكون فيه حنان الدنيا !
أدارت تقى رأسها في إتجاه خالتها ، ونظرت لها بغرابة ، فتابع الأخيرة قائلة :
-انتي شوفتي كتير ، وقاسيتي أكتر ، وجايز ربنا عمل كده عشان تلاقي الحب اللي يعوضك
إرتخت تعابير وجهها المشدودة قليلاً ، فشعرت تهاني أن حديثها بتلك الكلمات المؤثرة قد يؤتي ثماره ، فأضافت قائلة بجدية لتزيد من إقناعها بتقبل تلك المسألة :
-وبعدين احسبيها كويس من وقت ما اتجوزتوا هتلاقي إنه حصل !
سحبت تقى يدها من كفي خالتها ، وهدرت بإنفعال :
-لأ .. ماتقنعنيش !
تنهدت تهاني بإحباط وهي تقول :
-أنا تعبت يا تقى ، مش عارفة إنتي مش عاوزة تصدقي ليه
نظرت لها بحدة وهي تصرخ :
-لأنه استحالة يحصل ، مافيش واحدة بتحمل من آآ...
ثم دفنت وجهها بين راحتيها لتجبر عقلها على نسيان تلك اللحظات الموجعة ..
أمسكت تهاني بكفيها ، وأبعدتهما جبراً عن وجهها لتقول بجدية :
-لأ بتحصل ، إنتي بس عشان ظروفك كانت آآآ... يعني غير أي واحدة فمش قادرة تصدقي !!
اشتعلت عيني تقـــى ، وزاد غضبها ، ولكن أكملت تهاني حديثها بصوت منزعج :
-عارفة المشكلة الأكبر ايه يا تقى ؟ لو عرف الباقي إنك حامل !
لمعت عيني تقى نوعاً ما ، وتسائلت متوجسة :
-قصدك ايه ؟
مالت عليها خالتها لتهمس لها :
-حياتك ممكن تكون في خطر لو حد عرف بده قبل ما أوس يفوق
ارتسمت علامات الصدمة على وجهها ، وفغرت شفتيها مذهولة :
-هـــاه
أرجعت ظهرها للخلف مرة أخــرى ، وتابعت بتوتر وهي تضع يديها على ذراعي تقى :
-انا معاكي وأقدر احميكي منهم يا بنتي ، بس .. بس دول شياطين وأبالسة ، ومحدش عارف دماغهم ممكن توديهم لفين ، أو .. أو يعملوا فينا ايه .. دول ناس ميقدرش عليهم إلا واحد زيهم .. فإحنا لازم نخبي الموضوع ده لحد ما جوزك يعرف الأول
فكرت تقى ملياً فيما قالته خالتها ، ربما تفكيرها مضطرباً الآن بسبب الصدمات المتتالية عليها ، وخاصة الصدمة الأخيرة ، ولكن في طيات حديثها الجاد هذا أشـــارت إلى التهديد الحقيقي الذي يهدد حياتها ..
وعفوياً مدت أصابعها لتتلمس بطنها ، وغمغمت لنفسها بتوتر رهيب :
-أنا .. أنا .. حــ...حامل !
راقبتها تهاني بهدوء ، وتنفست الصعداء لأنها قد بدأت نوعاً ما تتقبل فكرة كونها ستصبح أماً ....................................................
في مكتب الصحفي وفيق ،،،،،
ألقى الصحفي وفيق بجسده على المقعد بعد أن سحبه للخلف ، وزفر بصوت مسموع وهو يسب قائلاً :
-يخربيته الواد عصفورة ، شبحني في الفلوس !
ثم إلتوى فمه بإبتسامة شيطانية ، وأخـــرج من جيبه هاتفه المحمول ، وأكمل قائلاً بلؤم :
-بس جايب حاجات انما ايه ، قاتلة !
ابتسم له بكر ليتسائل بحماس :
-يعني هنحط أخبار جديدة على الموقع ؟
برقت عيني وفيق بوميض خبيث وهو يجيبه بثقة :
-طبعاً ، وبالفيديوهات كمان !
تسائل بكر بفضـــول وهو يعبث بحاسوبه المحمول :
-عن ايه المرادي ؟
تمطع وفيق بجسده وهو يجيبه بجمود :
-هو احنا ورانا حاجة غير عيلة الجندي !
ردد بكر عفوياً :
-تقصد أوس ومراته ؟
أومـــأ برأسه مجيباً إياه بنبرة دنيئة :
-أهـــا .. بس الدور ده مع أبوه ، واتهام صريح لمراته بخيانتها ، و خد كمان صاحبه فوق البيعة !
اتسعت عيني بكـــر بشدة ، وهتف بحماسة واضحة :
-أوبــــا ، ده كده ولعت
-طبعاً ..
قــــام وفيق بعرض مقاطع الفيديو المسجلة على هاتفه – والتي نقلها من على هاتف حمدي عصفورة - على رفيقه بكــر .. فصدم الأخير مما رأه ، ومن الإتهامات المجحفة لمهاب الجندي ومدى جبروته وتسلطه ...
تابع وفيق قائلاً بمكـــر رهيب :
-احنا دورنا نوجه أصابع الاتهام للمدام
قطب بكر حاجبيه بشدة ، وإحتج قائلاً :
-بس .. بس الفيديو بيقول إنها آآآ...
قاطعه وفيق بنبرة عابثة وهو يرفع حاجبيه للأعلى :
-احنا هنقص الجزء الأخير من الفيديو ده .. وهنعمل زووم على المقطع ده ، ونكرره ، والمشاهد بقى يحكم !
ابتلع بكر ريقه بتوتر .. فما سيقوم بفعله ربما يؤدي لحدوث فاجعة كبرى ، خاصة وأنه يعبث مع أخطر الأشخاص .. واستخدام تلك الأساليب الخسيسة والدنيئة في عرض حياتهم الخاصة على العامة غير محمود العواقب .. لذا تسائل بتوجس :
-طب.. طب لو الحقيقة اتعرفت ؟
أرجع وفيق ظهره للخلف في مقعده ، ورد بجمود :
-محدش هايعرف ،
ثم مسح بلسانه على أسنانه الصفراء ليضيف بعدم إكتراث :
-وبعدين مش هما اللي قايلين الكلام ده على لسانهم ، ولا أنا جايب حاجة من برا !
رمقه بكر بنظرات متعجبة وهو ينعته قائلاً :
-ده انت دماغك سم !
قهقه وفيق بتفاجر ، ورد عليه بنبرة مغترة :
-طبعاً ، هي مهنة الصحافة بالساهل
......................................
وبالفعل قــــــام الصحفي وفيق بنشر مقتطفات من الفيديوهات بعد إجراءات تعديلات عليها على موقعه الإخباري وإضافة عناوين مثيرة للغاية ، وبسرعة البرق تم تداولها وإنتشارها على كافة المواقع ذات الصلة ...
...........................................
في مشفى الجندي الخـــــــــاص ،،،
وصل المحامي نصيف إلى المشفى ، وطالب مقابلة مهاب على الفور ، فسمح له بالصعود ، وأرشده أحد الممرضين إلى مكتبه ، واصطحبه أخـــر إليه ..
جلس نصيف على الأريكة الجلدية ، وظل يهز ساقيه بعصبية مفرطة وهو يتطلع إلى الباب ..
نظر في ساعة يده عدة مرات قبل أن يهب واقفاً من مكانه :
-لأ كده كتير ..
في تلك اللحظة فتح مهاب الباب ، وولج إلى الداخل ، ونظر إليه بهدوء ، ثم أشــار له ليجلس قائلاً :
-واقف ليه يا أستاذ نصيف ، اتفضل اقعد
هتف نصيف قائلاً بتذمر :
-أنا مش جاي أقعد ولا أضايف ، أنا جاي أبلغك ببلوى على النت !
نفخ مهاب من الضيق وهو يسأله :
-في ايه تاني ؟
ســــرد له المحامي نصيف ما ورد على المواقع الإخبارية ، فإنفجر مهاب غضباً ، وقذف بمحتويات مكتبه على الأرضية ..
لم يتفاجيء نصيف من تصرفه ، بل على العكس زاد الطين بلة ، وأضاف بحنق :
-الأخبار مالية المواقع يا د. مهاب ، لازم تاخد بالك ، وعشان كده أنا جيت بنفسي أحذرك
صــاح مهاب بعصبية وهو جاحظ العينين :
-بنت الـ ...... فتحت العين علينا !
-ربنا يستر من اللي جاي
كـــز مهاب على أسنانه ليتسائل بغلظة :
-بس مين ابن الـ **** اللي صورني ؟
هز نصيف كتفيه ليقول بهدوء :
-مش عارف ، بس من الواضح ان ده مخطط معمول عشان يوقعك
احتقنت عينيه بشراسة مخيفة ، وهتف بوعيد :
-مش مهاب الجندي اللي يوقع بالساهل
مط نصيف فمه ليضيف بنبرة فاترة :
-عامة أنا موجود وهاتابع معاك كل حاجة
اقترب منه مهاب ، وحدق به قائلاً بصوت متشنج :
-اعرفلي بس مين ورا الأخبار دي يا نصيف
-حاضر يا باشا !
..............................
أسندت تهاني تقى بعد أن سمح لها الطبيب بالإنصراف ، وأوقفت إحدى سيارات الأجرة لتستقلها الإثنتين عائدتين إلى الحارة ..
وطـــوال الطريق ظلت خالتها توصيها بعدم إبلاغ أي أحد عن مســـألة حملها حتى تستقر الأوضـــاع .. فلم تبدْ الأخيرة إعتراضها ، وأسندت رأسها على كتف خالتها ، وظلت شـــاردة تفكر فيما وصلت إليه حياتها ، وكيف عصفت بها الحياة في مصائب جمة في أسابيع معدودة ...
بعد برهـــة وصل السائق إلى مدخل الحارة ، فأشارت له تهاني بكفها :
-ايوه ، على جنب هنا يا اسطى
انتبهت تقى إلى صوت خالتها التي تابعت قائلة بجدية وهي تلكز السائق في كتفه :
-اتفضل يا بني
إلتفت السائق برأسه نحوها ، ومد يده ليتلقط الأجرة منها ، وشرع حديثه قائلاً بصوت متحشرج :
-متشكر يا ست
عدلت تقى من وضعية رأسها ، وتنهدت بإنهاك .. بينما ترجلت تهاني من السيارة ، ومدت يدها لتمسك بإبنة اختها وهي تقول بصوت دافيء :
-انزلي يا بنتي
إستندت تقى على ذراع خالتها ، وتأبطت بها ، وســارت الإثنتين بخطوات بطيئة عبر مدخــل الحارة ..
حدق معظم المارة بهما بغموض وفضـــول ، ولكن لم تهتم تقى بنظرات من حولها .. فأقل ما يشغل بالها الآن هو كيف يفكر بها الجيران ..
........................................
صعدت تقى على الدرج أولاً ، ولحقت بها تهاني وهي تلهث بتعب ..
قابلتهما مصادفة الجارة إجلال ، فهتفت بسعادة :
-حمدلله على السلامة يا تقى ، منورة يا بنتي
ردت عليها الأخيرة بفتور :
-الله يسلمك
وتابعت صعودها دون أن تضيف كلمة أخـــرى ...
نظرت لها إجلال بإندهاش وهي عابسة الوجه ، وتسائلت بقلق :
-هي مالها يا ست تهاني ؟
أجابتها تهاني بنبرة منهكة :
-معلش تعبانة شوية ، اعذريها !
زمت شفتيها لتسألها مستفهمة وهي تضع إصبعيها أسفل ذقنها :
-اه ياختي ، ربنا معاها .. بس هي جاية زيارة ولا آآ... ؟
ردت عليها تهاني بتنهيدة مطولة :
-لأ اعدة عندنا شوية
قطبت جبينها بإستغراب ، وسألتها بفضول :
-ليه ؟ هو في حاجة حصلت لا سمح الله
زفرت تهاني بصوت مسموع وهي تجيبها بنفاذ صبر :
-بعدين يا حاجة إجلال ، متأخذناش جايين من مشوار متعب !
شعرت الجارة إجلال بالحرج ، وردت عليها بإرتباك :
-اه وماله ، خدوا راحتكم ..!
.........................................
قرعت تقى الجرس ، ففتحت لها والدتها ، وشهقت مصدومة حينما رأتها أمامها :
-تقى
إرتمت هي في أحضـــان والدتها ، وضمتها بإشتياق واضح إليها وهي تقول بصوت مختنق :
-ماما !
فرغم بيتها المتهالك إلا أنه الوحيد الذي تشعر بين جدرانه بالدفء والأمــــان .. وفيه تجد السكينة لكل أوجاعها التي لا تفارقها ..
حاوطتها والدتها بذراعيها ، ومسحت على رأسها قائلة بسعادة :
-والله وليكي وحشة يا بت !
ثم أرخت ذراعيها قليلاً ، وأدارت رأسها للخلف لتهتف بصوت مرتفع :
-تعالى يا عوض ، بنتك رجعت
إتكــأ عوض على عصاه وهو يخرج من غرفته لترفع تقى رأسها في إتجاهه ، وتهتف بصوت شبه باكي :
-بابا
ثم ركضت نحوه ، وألقت بجسدها في حضنه الدافيء الذي أشعرها بالأمـــان الحقيقي .. فوجود والدها في حياتها هو أكبر نعمة تعرف قيمتها ..
مسح والدها على ظهرها ، وردد بصوته الثقيل :
-تـ.. تقى
إنتحب صوتها وهي تهمس له :
-وحشني حضنك اوي ، أد ايه أنا محتاجة أكون جواه
ثم تركت لنفسها العنان لتبكي في أحضانه ، فواساها بنظراته المطمئنة ، وظل يربت على ظهرها
تعجبت فردوس من حالتها ، وأمعنت النظر في هيئتها ، وتسائلت بإندهاش :
-هو انتي جاية زيارة ؟ ولا آآآ...
مسحت تقى عبراتها بأناملها ، واعتدلت في وقفتها ، ثم إستدارت لتواجه والدتها ، وقبل أن تنفرج شفتيها لتجيبها ، صاحت تهاني بجدية :
-خشي ارتاحي يا تقى ، مش وقت حكايات
وقفت تقى مترددة في مكانها .. فأصرت تهاني على دخولها وعدم الحديث .. فإمتثلت لطلبها ، وسارت بتثاقل نحوها ..
اغتاظت فردوس من أختها ، وهتفت بضجر :
-مخلتيش البت ترد عليا ليه وتقولي هي جاية زيارة ولا لأ ، ولا انتي عاوزة تحصل فضيحة زي كل مرة هنا ؟
نهرتها بضيق وهي ترمقها بنظرات معاتبة :
-مش وقته يا فردوس ، سيبي البت ترتاح الأول
سألتها فردوس بإلحاح :
-يعني هي هتقعد معانا ؟
ردت عليها تهاني بإقتضاب :
-أيوه
لطمت فردوس على صدرها لتشهق فجـــأة وهي تقول :
-هو .. هو ابنك طلقها ؟
نظرت لها تهاني شزراً ، وزفرت منزعجة :
-يوووه ، مش وقت أسئلة يا فردوس
سألتها فردوس بغضب :
-ما تريحيني يا ستي ، هو طلقها ولا لأ ؟
-لأ ..
قالتها تهاني وهي تتحرك صوب غرفة تقى ، فلحقت بها فردوس ، وأوقفتها من ذراعها لتقول متذمرة :
-استني يا تهاني ، فهميني في ايه بالظبط ؟ مش كانت راحت مع ابنك ، وخلاص قال تخصه وعمل أفلام هنا في الحارة وآآ...
قاطعتها بنفاذ صبر وهي تزيح قبضتها عنها :
-مش وقته يا فردوس ، انتي مش شايفانا جايين خلصانين
-ايوه شايفة وبسأل !
-أوووف
تابعت فردوس قائلة بتفرس :
-وبعدين البت وشها مخطوف ، وشكلها مبهدل ، مش عاوزاني أقلق ؟!
لوت تهاني فمها قائلة بضجر :
-يعني يا فردوس مش هترتاحي أبدا
ردت عليها بجدية :
-الله مش بنتي
أخذت تهاني نفساً عميقاً ، وزفرته بإنهاك لتجيبها :
-هي عملت حادثة مع أوس
لطمت فردوس مجدداً على صدرها وهي تصيح بصدمة :
-يا لهوي
رفعت تهاني بصرها للسماء لتقول بنبرة متوسلة :
-ربنا معاك يا ابني ويتولاك، ويزيح عنك ويقومك من اللي انت فيه ، يا قادر يا كريم
تسائلت فردوس بإستفســار أكبر :
-يعني انتوا سيبتوه في المشتشفى وجيتوا هنا ؟
ردت عليها تهاني بحزن :
-حاجة زي كده
اغتاظت فردوس من ردود اختها المبهمة عليها ، فهتفت بصوت محتج :
-يا ستي ما توضحي كلامك معايا ، ولا انا غريبة وماليش لازمة ؟
أجابتها تهاني بصوت حانق :
-ايوه سيبناه
حركت فردوس فمها للجانبين بحركة مستنكرة ، وأضافت بسخط
-عادي كده ؟
رمقتها تهاني بنظرات حادة ، وتابعت قائلة بيأس :
-وفي ايدينا ايه نعمله ، ماهو أبوه ربنا ينتقم منه جه وخده !
ثم تحركت للأمـــام ، فأسرعت فردوس ورائها ، وهتفت بفضول :
-ايه ده ايه ده ، أبوه ، وخــده .. انتي هتكروتيني في الموضوع !!
نفخت تهاني بضيق واضح :
-يووه يا فردوس ، سيبني ارتاح وبعد كده هاحكيلك
ردت عليها فردوس بإنزعاج :
-ماشي يا اختي .. هانروح من بعض فين، ما بوزنا في بوز بعض !
......................................
مرت عدة أيــــام على تقى وهي في حـــالة شرود مستمرة .. تحاول إستيعاب فكرة كونها ستصبح أماً بعد بضعة أشهر ..
أخافها التفكير في هذا الأمر كثيراً .. فهي تعاني لوحدها ، وتكابد الكثير من أجل استعادة نفسها ، فكيف ستأتي بطفل لهذا العالم المقيت ليشاطرها الظلم والقهر .. ويعاني مثلما عانت ..
وما زاد من ذعرها هو تذكرها لكلمات مهاب المهددة بالإنتقام منها ، فماذا لو عرف بأمر حملها .. هل سينقل إنتقامه نحو جنينها ؟
احتمالية حدوث تلك الفكرة جعلت قلبها يخفق بقلق شديد ..
تابعتها خالتها بأسف .. هي تشعر بحيرتها ، وبالإرتباك والمشاعر المختلطة التي تسيطر عليها ..
هي لم تتعافْ بعد من مأساتها مع أوس ، فكيف ستتأقلم مع فكرة تأسيس أسرة ووجود طفل ..
ورغم السعادة الخفية في نفسها لكونها ستصبح جدة ، إلا أنها حافظت على هدوئها أمامها .. وأولتها الرعاية والإهتمام ..
ومع هذا كانت تقى تتناول لقيمات بسيطة من الطعام بعد إلحاح ، فهي قد فقدت شهيتها لكل شيء ..
ظل الفضــــول الممزوج بالحيرة يشغل بــــال فردوس ، ولم يتوقف عقلها عن التفكير في مصير ابنتها قليلة الحيلة والحظ ..
شعرت بوجود أمـــر مريب في نظرات تهاني لإبنتها ، وكذلك في كلماتها المقتضبة إليها .. ولاحظت ذبول وجهها ، وحالة الإعياء المستمرة ، وقلة شهيتها للطعام ، ورغبتها بالجلوس بمفردها .. بالإضافة لنومها بالساعات ، والإنهاك المستمر رغم قلة نشاطها المبذول ..
حاولت هي أن تستدرج أختها في الحديث ، لكن الأخيرة كانت أكثر حرصاً في عدم الإفصاح عن أي شيء ..
........................................
لم تتوقف المواقع الإخبارية عن تناول الأخبار المتعلقة بعائلة الجندي ..
وتفنن البعض في إطلاق أكاذيب مغلوطة عن وجود علاقات غرامية تخص أوس وزوجته ، وسعي الإثنين للإنتقـــام من بعضهما البعض بالإنغماس أكثر في الملذات المحرمة ..
وكان لموقع الصحفي وفيق نصيب الأســـد في إطلاق تلك الأخبـــار .. وحقق متابعات فائقة ، وأرباحاً لا تقدر ..
.....................................
كما حاولت تهاني الإطمئنان على صحة ابنها عن طريق عدي الذي كان يبلغها بأي تطور يخصه أولاً بأول ..
كذلك إبتاع هو لها هاتفاً محمولاً لكي تتواصل معه هاتفياً دون الحاجة إلى زيارته في الشركة خاصة وأنه كان يخشى عليها من التعرض للإيذاء بسبب الإجراءات الأمنية المشددة والمفروضة على كل ما يخص عائلة الجندي من أجل إبعاد أعين الصحافة والمتلصصين ....
..................................................
في مشفى الجندي الخاص ،،،،
غرزت الممرضة إبرة طبية في المحلول المعلق إلى جوار فراش أوس ، وتابعت مؤشراته الحيوية بإهتمام .. ثم أمسكت باللوحة المعدنية المعلقة على مقدمة الفراش ، ودونت عليها بعض الملحوظات ..
أسندتها في مكانها .. واتجهت إلى خـــارج الغرفة ..
تحرك جفني أوس بحركات عصبية متتالية .. ومال رأسه للجانب .. وبدأت أنفاسه تتســارع إلى حد مــا .. ثم أدار رأسه عفوياً للجانب الأخــر ، وزادت حدة أنفاسه..
إنفرج فمه ليشهق بصوت متحشرج بعد أن فتح عينيه فجـــأة :
-تـ... تقــــــــــى !
رمش بعينيه عدة مرات لتعتاد عينيه على الإضاءة الموجودة بالغرفة .. ثم حرك رأسه قليلاً ليتأمل المكان من حوله ..
حـــاول أن يسترجع ما حدث معه ، فإقتحم عقله الكثير من الذكريات المتداخلة ..
رؤيته لتقى لأول مرة ، وصدامها معه .. ثم تحديها إياه .. إصراره على كسرها وإخناعها له ..
ثم سعيه لأخذها قسراً ، تدميره لعائلتها واستغلاله للظروف .. استسلامها له .. ومواجهتهما المصيرية ، ثم قسوته المفرطة ، وإعتدائه اللا آدمي معها ، وعنفه الذي أدى إلى لحظة إنهياره ، وكشفه أمــام نفسه لتضح معاناته النفسية ..
خوفه من فقدانها .. محاولته لإستعادتها .. ضميره المعذب .. روحه التي إحترقت شوقاً إليها .. نبذها له .. رغبته في تعويضها ، استمرار كرهها له .. ثم اللحظة الفارقة حينما أوشك على خسارتها أمام عينيه ، فوهــة المسدس المصوبة نحو صدره ، صراخها بإسمه .. وشعوره بالسكون حينما رقد في أحضانها .. وأخيراً ما إلتقطته أذنيه مسامحتها إياه ...
اتسعت مقلتيه المحتقنتين بشـــدة ، وبحث عنها حوله ، فخفق قلبه ذعراً لعدم وجودها ، وخشي أن يكون قد حدث لها مكروهاً ..
فدون أدنى تفكير ، إستند بمرفقيه ليحاول النهوض من على الفراش ، ولكنه تأوه من الآلم الشديد الذي إجتاح صدره ، فكف عن المحاولة ، وسعل بصوت متحشرج .. ومن ثَمَ صـــاح بصوت جهوري مخيف :
-تقــــــــــــى ............................................. ؟!!