رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل الثاني والتسعون 92 بقلم فاطمه عبد المنعم


  رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل الثاني والتسعون بقلم فاطمه عبد المنعم

لقد صدق أحدهم حين قال:
كف الحبيب سكينة ودواء 
والعشق داء حل بفاقدي الدواء 
ولكنه نسى أن يُخبر من لم يذق داء العشق أنه الداء الذي إن عاش ألف حياة وذاقه في واحدة فقط منهم سيبقى في حيواته الباقية يتمنى لو يصيبه الداء ثانية... لأنه داء لا يُنسى أبدا. 

لأول مرة لا تستطيع وصف ما يعصف بها، بريئا كالملائكة يرقد بعد ليلتهما أمس، مجرد النظر إليه الآن يصيبها بالارتباك، وكأنها ارتكبت جرم كبير حين استسلمت له، بعد تصريحها له ليلة  أمس قضت معه أول ليلة كزوجين، لا تنكر أبدا لطفه، احترامه لخوفها، رقته التي لا تُنسى معها، وسعادتها وهي بين أحضانه، همساته لها بين اللحظة والأخرى وهو يصرح لها بحبه تارة، ويحارب خوفها تارة أخرى بقوله الخافت:
متخافيش
تتذكر حين كانت تصمت كان يهدئها ويعرض أن يبتعد ولكنها رفضت ابتعاده، تدين له بالكثير، ظنت أن تجربة كهذه ستكون الأصعب في حياتها لكنه نجح في قتل ظنها، نجح في خلق لحظات سعيدة لها لن تنساها أبدا، ابتسمت ومسحت على جانب عنقها الذي رسمت لها شقيقتها عليه بالحناء أول حروف من اسمه، كانت تود قتلها على فعلتها ولكن بعد لمساته الحانية عليها انقلبت الكفة من جديد لصالحه، لم يتردد لحظة في مساعدتها على تقبل هذه الخطوة الجديدة في حياتهما، لم يفشل في إكسابها الثقة بنفسها وجعلها تتناسى كل مخاوفها وهو يهمس لها بأنه أسرته بأفعالها التي ساندته في كل موقف صعب مر به، يهمس بأنه خاض حروب كثيرة حتى لا يقع في فخ حبها ولكنها نجحت في إيقاعه.... تنهدت بحب واستدارت للنائم جوارها تتطلع إليه، أغمضت عينيها وتنفست بعمق فعلى الرغم من كل شئ هناك غصة مريرة تؤرقها، هناك شعور شديد السوء يقتلها بأنها خائنة، صراع نفسي يكاد يفتك بها ولم ينجيها منه ليلة أمس سواه... لمحت حقيبة موضوعة على الأرضية جوار الفراش من ناحيتها ولم تكن هنا مسبقا، مالت وفتحتها لتجد بها ملابسها فانكمش حاحبيها باستغراب، لا تعلم متى ولا كيف أحضرها،  نظرت في هاتفها لتتيقن أنها لم تنم إلا ساعة واحدة، الساعة الآن السابعة صباحا... أبعدت تساؤلاتها وقررت إخراج ملابس لها والتوجه إلى المرحاض قبل استيقاظه، بمجرد أن دخلت داهمها صراعها النفسي من جديد، تنهدت بحزن وأغمضت عينيها بشدة وقد حسمت الأمر، لن تفكر في أي شئ حتى تخرج من هنا، لم يمر الكثير حتى انتهت، ارتدت إحدى بيجامتها القطنية المناسبة لهذه الأجواء الشتوية، وغطت خصلاتها بالمنشفة لتخرج من هنا، انتهت من تمشيط خصلاتها ورفعت طاقية بيجامتها لتغطي بها رأسها وهي تتوجه ناحية النافذة المتواجدة في إحدى زوايا الغرفة، وقبل أن تفتحها سمعته يعلق ساخرا بنبرته التي بدا فيها أثر نعاسه:
ماهو لو أنتِ بتفكري تفتحي الشباك الساعة دي تبقي عايزة تموتيني.

تراجعت عن خطوتها وقد ابتسمت على جملته ثم أشارت بعينيها على الحقيبة سائلة:
مين اللي جاب الهدوم دي؟

اعتدل في نومته وهو يخبرها مازحا:
ماهو لما عملتيها قبل كده ونطيتي في الماية واحتاسنا في هدوم، عملت حسابي بعد كده وخليت هدوم ليا هنا علشان لو هفك الشوق تنطي تاني ولا حاجة. 
ابتسمت على كذبته التي كشفها لها مسرعا:
لما بكون متضايق باجي اقعد هنا لوحدي، علشان محدش هيدور عليا هنا... فلما نمتي قومت أنا وروحت اجيبلك هدوم. 

جلست على المقعد المجاور للفراش وهي تسأله بغير تصديق:
روحت مع إنك متخانق مع عمو؟ 

ذكر هذا وأد ابتسامته، هي حتى الآن لا تعلم سبب شجارهما، وهو حين ذهب لإحضار الملابس لها فعل ما لا يفُعل حتى لا يلتقي بوالده، اكتفى برسالة على الهاتف يطمئنه فيها أنه بخير. 

لاحظت الضيق الذي أصابه فاعتذرت:
أسفة لو ضايقتك. 
عادت الابتسامة له من جديد وهو يرد على هذا بقوله:
لا مضايقتينيش ولا حاجة... 
بتر عبارته حين لمح عينيها ما تهرب بهما منذ أن استيقظ حتى لا تلتقيا بعينيه... سألها وهو على يقين من الإجابة:
أنتِ معيطة؟ 

هزت رأسها نافية وردت سريعا بارتباك:
بتقول كده ليه، ممكن بس علشان ... 
قبل أن تعطي أي مبررات هتف بيقين جعلها تتراجع عن الكذب:
معيطة يا "ملك"... أنا مش لسة جاي أتعرف عليكِ.

تلألأت الدموع في عينيها وهزت رأسها بنعم وهي تمط شفتيها بحزن دفعه لسؤالها بألم:
أنا سألتك كتير، وقولتلك أبعد كتير لو مش هتقدري على الخطوة دي، وأنتِ اللي منعتيني أبعد 

أخبرته بحديث صادق نبع من فؤادها وهي ترمقه بنظرات ممتنة:
أنت أحسن واحد في الدنيا، أنا مكنتش هقدر أخد أي خطوة من غيرك، وأنا معاك مكنتش بفكر في أي حاجة، طول ما أنا سامعة صوتك كنت متطمنة... حد غيرك مكانش هيصبر كل ده. 

تأثر بما قالت وصله مشاعرها الصادقة ورد على عبارتها الأخيرة بقوله:
ملناش دعوة بحد غيري، خلينا فيا أنا... أنا أسف لو كنت السبب في إنك بتعيطي دلوقتي و... 

هزت رأسها سريعا نافية ووضعت يدها أمام فمه تمنعه من إكمال بقية حديثه وتهتف هي:
أنت مش السبب يا " عيسى"، أنا جوايا دوشة كتير أوي، لكن أنا عايزة أقولك حاجة وربنا شاهد عليا فيها... 
أنصت لها تماما وقد أعطاها كامل انتباهه لتتابع وهي تحتضن عينيه:
اللي حصل ده أنا كنت بقول إنه هيبقى أصعب حاجة في حياتي، هياخد حتة من روحي، لكن بسببك أنت أنا اتأكدت إن وجودك قادر يمحي أي حاجة صعبة، قادر يردلي روحي، أنا عمري ما هندم إني خدت الخطوة دي وهفضل طول عمري افتكر اليوم ده وافتكر إنك قدرت تخلي يوم كنت مفكراه هياخد من روحي ليوم حلو افتكره لما تعمل حاجة تزعلني، وافتكر ازاي قدرت حاجات كتير أوي غيرك مكانش هيقدرها. 

ابتسم وقرب يده يمسح الدموع عن وجنتيها وهو يعلق على حديثها:
قولتي كل حاجة يا "ملك" ومبقاش في حاجة ليا أنا أقولها... بس اعتقد فاضل حاجة 

وقبل أن يصرح لها بحبه أكملت هي بابتسامة صادقة:
أنا بحبك أوي والله العظيم. 
ضحك ورفع حاجبه الأيسر ناطقا بغيظ:
أنتِ مصرة إن محدش غيرك يتكلم في القعدة دي. 

ضحكت فأخبرها بما كان صريحا فيه صراحة مطلقة:
أنا لما بشوفك كويسة وفرحانة بحس إني عملت حاجة، خليكِ كويسة دايما.
هتفت بابتسامة واسعة وهي تشير عليه:
أنا كويسة طول ما أنت معايا.
تابعت وهي تترك مقعدها وتتوجه ناحية المرحاض:
هروح أغسل وشي واجي. 

تثبت له في كل دقيقة بأنها كانت الأجدر بحبه، بأنه ولو طاف في العالم ألف مرة لن يستطيع أحد سلبه منه سواها... هي فقط، هي التي لا تُنسى.

★***★***★***★***★***★***★***★

صباح جديد ولكن غلفه التوتر وخاصة مع "هادية" التي تحاول الوصول لسبب طلب "نصران" لابنتها الفجر، وخاصة وأنه حين تواصلت مع ابنتها أخبرتها باختصار أنها ستخبرها حين تلاقيها.... جلست "شهد" في المحل بدلا عن والدتها كانت تقرأ في واحد من كتبها الدراسية ولم يقطع ذلك إلا قدوم أحد الزبائن مما جعلها تقوم وتقضي له ما يحتاجه وقبل أن تعود لمحت "يزيد" الذي هرول ناحيتها فصاحت بفرح شديد وهي تحمله:
يزيد... وحشتني أوي يا واد. 

ابتسم الصغير ورد عليها:
أنتِ كمان وحشتيني أوي، وأنا مبسوط إن أنتِ وبابا اتصالحتوا، أنا أصلا كنت هصالحكم. 

ضحكت وهي تعلق على جملته الأخيرة غامزة:
يا واد يا واثق أنت. 
أجلسته على مقعد مجاور له وهي تسأله بلطف:
أعملك شاي باللبن معايا؟ 

قبل أن يرد عليها أتي من قال بمزاح:
لا ده طلع بجد من لقى أحبابه نسي أصحابه. 

استدارت وقد ميزت صوته على الفور فهتفت بضحك:
كابتن طاهر بنفسه هنا؟ 

_ أنسة شهد بنفسها بتستقبلني 
كان يرد بنفس نبرتها ثم سألها:
رفيدة فين؟ 

أخبرته وهي تقدم للصغير المقرمشات التي يحبها:
لسه نايمة، شكلها كانت مرهقة أوي، أنا مدريتش أصلا لما جت الفجر. 

كان يبحث بعينيه عن والدتها وسألها:
هي فين الست هادية؟ 
شهقت وأسرعت نحوه وهي تسأله بغير تصديق:
أنت هتكلمها عننا؟ 

_عملتي بس اللي أنا قولتلك عليه وحاولتي تجسي نبضها؟ 
مطت شفتيها بضيق حين تذكرت وأخبرته بما جعل الضيق يصيبه هو الأخر:
جسيت!!، أنا عايزة أقولك أنا لسه بقولها ماما ده طاهر قامت قايمة فيا ثم قلدت نبرة والدتها:
ماله طاهر؟ 
أضافت متابعة سرد ما بدأته:
فقولتلها شوفتي كان جدع ازاي، ووقف لجابر و قبل ما أكمل راحت قايلالي الجدع بنقوله شكرا إنما مبنروحش نكرر تجربة فاشلة معاه... فأنا كشهد بقولك ألف شكر وانسى بقى حوارنا وكده. 

سألها بغيظ:
بقى قالتلك الجدع بنقوله شكرا؟ 
هزت رأسها بتأكيد وأكملت بابتسامة صفراء:
وقالت عليك تجربة فاشلة. 

_ هو أنتِ مالك سعيدة كده ليه وأنتِ بتقوليلي؟ 
انكمش حاجبيها بضجر وهي ترد عليه:
الله مش بقولك اللي حصل؟ 
ضربت على رأسها سريعا وقد تذكرت شيء فأخبرته به على الفور:
وقالتلي كمان سيبك من لعب العيال ده وركزي في المذاكرة. 

تأفف بانزعاج وعلق على ما تقول بنزق:
أمك صعبة أوي يا شهد بصراحة. 
شهقت وأسرعت ترد عليه وقد غاظها قوله:
لا يا واد حوش الست والدتك اللي مفيش أسهل منها.... ده أنا لما بشوف مامتك بحس إنها عايزة تقوم تسمني. 

ضرب على الطاولة أمامه سائلا:
طب وبعدين يا ست شهد؟ 

رفعت كفيها ببراءة قائلة:
حلها أنت بقى... أنا عملت اللي عليا وجسيت نبضها. 

طالعها بضجر ورد على قولها الأخير بندم:
ياريتك ما جسيتي يا شيخة. 

سمع من الخلف صوت والدتها التي نزلت للتو وقالت:
صباح الخير يا طاهر. 
أعطاها ابتسامة واسعة وهو يستدير لها ويرد قائلا:
صباح الفل يا أحسن ست في الدنيا. 

شملتهما بنظراتها وقد اكتشفت أنه دار بينهما حديث بخصوص رفضها للأمر فقالت وهي تتجه نحو الداخل:
وماله... تسلم. 

وقف "طاهر" أمامها وقد اعترض طريقها وهو يقول بنبرة راجية:
ده أنا بقول عليكِ ست جدعة... 
أشار على "شهد" قائلا:
متشمتيش البت دي فيا بقى. 

كان ردها حاسما وهي تقول:
لا يعني لا يا طاهر. 
هز رأسه نافيا وهو يرد عليها بضحكة:
مفيش حاجة اسمها لا، بصي أنتِ قولي اه، وأنا هخليها تخلص امتحانات وهتجوزها علطول وهخلصك من صداعها بقى... هاخدها تصدعني أنا. 

ضحكت "شهد" التي طالعت والدتها بشغف وهي تأمل أن توافق ولكن أتى ردها مخيب لأمالها هي وطاهر:
أنا عايزاها بصداعها. 

تمسك بصبره بصعوبة حتى لا يُفسد كل شيء وعاد من جديد يراضيها وهو يسأل:
مش أنتِ بتعتبريني ابنك؟ 

_ وعلشان أنت ابني وهي بنتي بقولك لا. 
ضرب على الطاولة وقد نفذ صبره وقال أخر ما لديه وقد أثار استفزازه طريقة والدتها:
طب أنا بقى هتجوزها بعد امتحانتها، و اعملوا اللي أنتوا عايزينه. 

توجه ناحية الخارج أمام نظرات هادية التي لم تستطع منع ضحكتها على انفعاله الأخير وحث هو "شهد" أثناء خروجة أن تقوم بإيقاظ شقيقته وتخبرها أن تعود وحمل ابنه قائلا:
يلا يا واد من هنا. 

عادت "شهد" بخيبة إلى والدتها بعد رحيله وسألتها معاتبة:
ليه كده يا ماما؟ 
تحدثت "هادية" بغضب:
بقولك ايه سيبك بقى من الكلام ده. 
أشارت على كتاب ابنتها متابعة:
شوفي اللي وراكي يا حبيبتي. 

تنهدت "شهد" بانزعاج وهي تتناول الكتاب بغل وتتمتم بغير رضا:
حاضر. 

قالتها ووضعت كفها على وجنتها بحزن وقد ضايقها رحيله وهو غاضب وإصرار والدتها على ألا ترجع عن قرارها أبدا. 

★***★***★***★***★***★***★

الطبيعة تحيط بك من كل جانب، تطل من نافذتك لترى المياه الصافية، والأشجار المتراصة، والسماء الساحرة، وقفت "بيريهان" تتأمل كل هذا من شرفتها حيث إلى هنا برفقة شاكر لقضاء بعض الأيام في أحد المنتجعات السياحية.
تحاول الاتصال بابنة عمها للمرة العاشرة ولا ترد.... شعرت بيد تحاوطها من الخلف ولم يكن سوى زوجها الذي مال على وجنتها مقبلا وهو يسألها:
نقول صباحية مباركة صح؟
اتسعت ابتسامتها واستدارت له تقول:
صباح الخير يا حبيبي.
حثته بحماس:
يلا البس بقى علشان ننزل تحت شوية.
هز رأسه موافقا وهو يشير على هاتفها سائلا باستغراب:
بتكلمي بابا ولا إيه؟
هزت رأسها نافية وهي تخبره بحزن:
بكلم ندى، عايزة اتطمن عليها.
لن تستطيع إخباره بأكثر ولم يقدر هو بل جذب الهاتف منها وألقاه على الأريكة قائلا برجاء:
لا سيبك من ندى ومن الدنيا كلها، احنا جايين يومين نفصل شوية.

ضحكت على قوله وما إن توجه إلى الداخل حتى جذبت الهاتف من جديد وحاولت الاتصال مرة جديدة هاتفة بتأفف:
ما تردي بقى. 

تيقن شاكر من أنها في الخارج ولا تسمعه وحينها أجرى اتصاله بمحسن الذي سأله:
وصلت يا محسن؟ 

أتاه الرد حيث أخبره صديقه:
أيوه وصلت، والحاجة وعلا في البيت دلوقتي.... اتطمن أنت. 
تردد "محسن" ولكن حسم أمره وسأله:
ما تقولي يا شاكر ناوي على إيه؟ 

_هسافر برا مصر أنا و عروسة الهنا. 
قالها ساخرا مما جعل صديقه يهتف بضجر:
ما تبطل هزارك ده وخليني معاك على الخط،
 قولي يا شاكر ناوي على إيه؟ 

رد عليه "شاكر" بتأكيد:
هو اللي قولتهولك، أنا مش فاضي علشان أنكت يا "محسن"، أنا هسافر. 

سأله " محسن" باستغراب:
هتسافر ازاي يعني وقد إيه؟ 

_ معرفش قد إيه ومعرفش فين، ثروت باشا أبو السنيورة هو اللي هيقول، الخطوة دي هيبقى في بعدها شاكر جديد خالص، شاكر الجبروت بتاعه تلات أضعاف شاكر بتاع دلوقتي. 

لم يطمئن "محسن" أبدا ولكنه سأله بأمل:
يعني هتبعد خالص؟ 

ابتسم وهو يهز رأسه:
اه هبعد، هو صحيح بعد مؤقت بس هبعد... لكن قبل البعد ده هعمل لعيال نصران ليلة يفضلوا فاكرينها لحد ما ارجع، هردلهم واجب الليلة بتاعتهم. 

لم يكمل المكالمة بسبب شعوره باقتراب خطوات زوجته التي ما إن فتحت الباب حتى هتف بضحكة واسعة: 
حياتي 

كانت تخفي شيء خلف ظهرها فأشار بعينيه عليه سائلا:
إيه اللي ورا ضهرك ده؟ 

أخرجتها وهي تهتف بابتسامة:
علا قالتلي إنك بتحب الشطرنج... حبيبت أجيبلك دي وعلشان تعلمني كمان بقى. 

تناولها من بين يديها وطالعها بدهشة وأردف ضاحكا:
شكرا يا "بيري"... 
أشار على فؤادها متابعا بمزاح:
قلبك ده أكيد كانوا بيغسلوه ببريل علشان يطلع نضيف كده. 

ضحكت و احتضنت كفه بحب شديد وهو يطالعها بنظرات ملتوية وقد أدى دوره ببراعة جعلت الفريسة تقع ولا تشعر أبدا بوقوعها. 

★***★***★***★***★***★***★***★

انتقلت المهمة إليه بدلا عن شقيقه، فهو من يقوم بإيصال " رفيدة" وفي طريق "حسن" من الاسكندرية إلى القاهرة لاحظ التغير الذي طرأ على شقيقته والذي يلاحظه منذ يومين، أصبحت عدوانية أكثر، وكثر انفعالها... قل مزاحها وزاد أيضا ساقيها اللاتي لا تتوقف عن هزهما مما دفعه للتعليق:
في إيه يا "رفيدة" وترتيني. 

_ هو أنا جيت جنبك يا حسن؟ 
قالتها بانفعال ثم سألته:
مش معاك مسكن للصداع؟ 

انكمش حاجبيه باستغراب مستفسرا:
و هشيل مسكن ليه؟... وبعدين أنتِ بقيتي علطول مصدعه ومبتبطليش القهوة ليه؟ 

كان قد وصل إلى مقر سكنها المجاور للكلية فطلبت برجاء:
حسن كفاية كلام الله يباركلك. 

نزلت من السيارة وقال هو:
طب طلعي شنطك عقبال ما اشتريلك مسكن. 

غادر هو وقبل أن تصعد استوقفها أحدهم يناديها:
أنسة "رفيدة".
استدارت لتجده " سعد"، قبل أن تقول أي شيء هتف هو:
أنا أسف عن أي حاجة حصلت قبل كده، أسف على اللي عملته معاكِ، ووالدك ده أكتر راجل محترم أنا قابلته... ومش أصدق إني في لحظة شيطان كنت هدمر مستقبل بنته.... 
كان يتحدث ووجدها تصرخ وتبتعد للخلف ناطقة:
ايه الدم اللي في إيدك ده؟ 
انكمش حاجبيه ونظر سريعا لكفيه فلم يجد بهما شيء، استعادت هي رشدها وهتفت مسرعة:
أنا لازم أطلع. 

_ أنتِ تعبانة؟ 
كان هذا سؤال سعد لها ههتفت بانفعال شديد وقد كانت أعصابها تالفة:
أنت مالك أصلا، سيبني في حالي بقى أنا مش طايقة حد. 

وضعت يدها على رأسها وأغمضت عينيها من شدة الألم ثم تحركت لتصعد إلى الأعلى، شك "سعد" في أمر ما وما إن عاد شقيقها استوقفه سائلا:
حضرتك أخو أنسة رفيدة صح؟ 

هز "حسن" رأسه وهو يسأله:
خير يا معلم؟ 

_هي تعبانة أو حاجة؟ 
رفع "حسن" حاجبيه فأسرع "سعد" يبرر:
أنا مقصدش حاجة والله، بس هي تقريبا بتشوف هلاوس، ودماغها بتوجعها، وكمان من... 

سأله "حسن" بضجر:
أيوه عايز إيه يعني؟ 

هتف "سعد" مفسرا:
هي بتاخد علاج معين يعني دي أعراضه؟ 
أراد المعرفة لأن أعراضها هذه يحفظها عن ظهر قلب ومنتشرة بكثرة خاصة في وسط قد كان يوما أحد أفراده. 
أدرك "حسن" ما يقصده فجذبه من تلابيبه سائلا بانفعال:
أنت مجنون يلا، أنت عايز تقول إن أختي أنا مبرشمة. 

ودفعه "حسن" بغضب وتوجه ناحية أعلى، كانت شقيقته ما زالت على الدرج فجذبها قائلا بغضب:
انزلي يا بت أنتِ.

_ إيه بت دي وبتشدني كده ليه؟ 
رد عليها وهو بسحبها لتنزل عنوة:
لا هتنزلي ويلا نروح علشان تروحي تكشفي ونشوف مالك. 

طلبت منه بتوسل:
يا حسن عندي امتحان الصبح. 

تأفف بانزعاج وفي النهاية قال:
اطلعي والصبح هتمتحني ونرجع اسكندرية... أنا مش هرجع. 
وأعطاها الحبوب قائلا بنظرات ساخطة:
خدي المسكن أهو، لما نشوف أخرتها. 
تناولته بعينين دامعتين ولم تستطع الانتظار حتى تصعد، فتحت حقيبتها وأخرجت زجاجة المياه لتتناول الحبوب وشقيقها يطالعها و لا يتردد في ذهنه سوى الحديث الذي سمعه في الأسفل والذي يسعى جاهدا لفعل شيء واحد به، وهو ألا يصدقه أبدا. 

★***★***★***★***★***★***★***★

وكأن جزء كبير سُلِب من روحك ولا يشعر به سواك، لأن الروح بالنسبة لهم لا تُرى... فتضطر مرغما أن تبقى طوال عمرك تشعر به وحدك. 
جلس "نصران" أمام قبر ابنه بصمت، حزنه عليه يكفي لوصف كل شيء ولم يصف شعوره شيء سوى حين هتف باشتياق:
وحشتني يا بني... وحشتني يا حتة من روحي،
عاجبك عمايل أخوك اللي واجع قلبي؟ 
_ أخوه برضو هو اللي واجع قلبك؟ 
صوته... ميز "نصران" صوت "عيسى" بيسر، لم يستدر له واقترب "عيسى" وجلس جواره... نظر للأرضية وتنهد بعمق ثم قال:
خدت ملك ورجعنا البيت... ملك اللي بعتهالي. 
هنا طالعه والده معلقا بغضب:
بعتها هي علشان لو كنت جيت أنا كنت هكسر عضمك. 

ضحك "عيسى" ثم قال:
سألت عليك لما روحت، قالولي خرج... قولت لا الحاج نصران أعقل من إنه يطفش، هو تلاقيه صلى العصر وبيلف شوية، فقولت اجي لفريد بس لاقيتك هنا. 

لم يرد عليه والده فأخبره "عيسى" بلوم:
أنت اللي مزعلني على فكرة... 
أشار على قدمه المصابة من إثر الزجاج وقال:
بص. 

رد عليه "نصران" بنظرات حادة:
أنت اللي عملت في نفسك كده... مش أنا 
تابع "نصران" بعينين كساهما الألم:
أنت اللي خبيت وداريت واختارت تعيش بعيد مش أنا اللي بعدتك. 
ضربه في صدره بخفة مكملا:
أنت اللي مهانش عليك ولا مرة في كل المرات اللي كنت بجيلك فيها تقولي إن جوز خالتك مضايقك... تقولي إن سهام نفسها مضايقاك وأنا اتصرف... وفي الأخر واقف تحاسبني وكأني أنا السبب.... مع إن أنت اللي اخترت تعيش لوحدك وتسيب أبوك. 

قبل رأسه مسرعا، ومال على يد والدها يقبلها أيضا وهو يقول بعينين دامعتين:
حقك عليا... أنا أسف، أنا كنت متعصب واللي قولته أنا مستحملتهوش. 

_ قصدك مكنتش طبيعي ولازم دكتور يشوفك. 
رفع "عيسى" حاجبيه مستفسرا:
ده كلام "ميرڤت" مش كده؟ 
مسح على وجهه بتعب والتقط كف والده ناطقا برجاء:
لو ليا غلاوة عندك بلاش كلام في السيرة دي، أنا كويس ولو كنت اتعصبت شوية هحاول ما اعملش ده تاني... لكن بلاش الكلام ده. 
قبل أن يهتف والده بأي شيء أخر قاطعه هو بتوسل:
علشان خاطري. 

_ هتبعد عن "شاكر"؟
كان هذا سؤال والده الذي جعله ينظر أمامه ويغلق عينيه بضيق، وهتف بالجواب مرغما:
أنا قولتها لاخته قبل كده...قولتلها هبعد عن أخوكي بس لو هو بدأ بالشر ملهوش عندي دية، وكنت متأكد إنه هيبدأ وعملها وبدأ...ودلوقتي بقولهالك تاني أنا هبعد عنه علشان كلمتك اللي ادتها واللي قولتلك إنها سيف على رقبتي، بس لو ابتدى بالشر 

_ لو عمل حاجة تاني مش هتكلم معاك في أي حاجة تخصه تاني...ابقى ساعتها اعتبر كلمتك في الموضوع ده بالذات من دماغك.
هز " عيسى" رأسه موافقا ثم أردف بابتسامة لوالده:
طب هات حضن بقى.
احتضنه والده ونطق "عيسى":
يا نصران أنا مليش غيرك...متزعلنيش بقى تاني، ضحك ثم أضاف:
يلا خلاص سامحتك.
ضربه والده بغيظ سائلا:
سامحت مين يلا أنت ليك عين؟
ده أنا لو أطول أكسر دماغك اللي تعباك وتعباني معاك دي ضحك عيسى عاليا وهز رأسه نافيا وهو يقول:
مش ههون عليك. 
تبادل الضحكات مع والده وقد اطمئن أخيرا بجواره، اطمئن أنه لم يعد حزين، مهما حدث سيبقى الأغلى في حياته، سيبقى دائما والده الذي لن يبخل عليه بروحه أبدا إن كانت ثمن لنعيمه.
                                               
           ★***★***★***★***★***★

كان المنزل خالي إلا من "تيسير" ومساعدتها "هالة" وربة المنزل "سهام" وملك التي عادت قبل قليل إلى هنا برفقة "عيسى"، كانت "ملك" في طريقها إلى الخارج وأوقفتها "سهام" في الردهة تسألها:
على فين؟
تنهدت "ملك" بانزعاج ولكنها سعت ألا تظهره وهي تقول:
هروح لماما اطمنها عليا.

_تطمنيها عليكِ؟
سألت "سهام" بسخرية ثم أكملت:
ليه يا حبيبتي خاطفينك؟....ما كفاية بقى يا بت أنتِ الشغل بتاعك ده، ده بيت جوزك وعيب أوي لما كل شوية سايبة بيت جوزك وقاعدة عند أمك...ادخلي المطبخ ساعدي  تيسير.
قالت جملتها الأخيرة بتعالي ردت عليه "ملك" بحدة:
وهي مساعدة تيسير عيب؟ ...ما أنتِ بتساعديها يا طنط ، العيب اللي بجد إن حضرتك تعترضي على حاجة جوزي نفسه معترضش عليها ولا قالي لا... فمن فضلك أنا مش بتاعة مشاكل اتعاملي معايا بأسلوب كويس علشان ما اضطرش أتعامل معاكِ بنفس الأسلوب. 

وما إن انتهت حتى سمعا شجار عالي في الخارج، هرولا كليهما إلى الحديقة الخارجية ليجدا الواقف على البوابة يمنع دخول "جابر" بقوله:
الحاج وعياله مش جوا. 

_ عايز إيه يا جدع أنت؟ 
سألت "سهام" بحدة، وتخطى هو الواقف على البوابة ليصبح أمامها وهو يصيح بشراسة:
عايز مراتي اللي أنا متأكد إن ابن جوزك مخبيها... يا عيسى. 
نادى بنبرة عالية جعلت "سهام" تصيح:
أنت اتجننت ولا إيه... 
وقبل أن تكمل كان قد جذب "ملك" من مرفقها هاتفا بغضب:
خلاص قوليله مراتك معاه... لما ندى ترجع يبقى يجي ياخد مراته. 
لم تصدق "سهام" ما يحدث وسعى الحارس لجذبها منه، ولكنه كان عنيفا وهو بحثها على السير بغضب:
امشي. 

_ ابعد عني. 
قالتها "ملك" بهدوء شديد وهي تضغط على شفتيها بقوة تحاول جاهدة ألا يظهر خوفها وحين لم يستجب قالت:
لأخر مرة بقولهالك... ابعد. 
وحين لم يستجب أيضا، فردت ذراعها الطليق وعلى حين غرة ضربته بكفها المفرود في أنفه ضربة قاسية، وبالفعل تركها هو إثر المفاجأة وأكملت هي ولم تلحظ زوجها ووالدها وقد أتا للتو وثبتهما الوضع حين ثنت ركبتها وركلته في معدته مرتين كان أثرهما سقوطه على الأرضية... تأوه وهو يطالعها بذهول لم يقل عن ذهول "سهام" والحارس و"تيسير" ومساعدتها وقد خرجا إثر الصوت.... وقبل أن يعرف "عيسى" سبب مجيئه وما يحدث تخطاه ليقف جوارها وحين طالعته وهي تلهث من فرط المجهود ومن فرط خوفها الذي لم تظهره أيضا سمعته يهمس ضاحكا:
حبيبة قلب بابا. 
أخبرها بنبرة سمعتها وحدها:
التعليم مش خسارة فيكِ والله... 
تخطاها ليقف أمام "جابر" الذي وقف بعد ما حدث له وهو يسمع عيسى يتابع:
علشان تربي اللي مش متربي. 
نظرات شرسة يوجهها جابر له يقابلها عيسى بأخرى غير مبالية وكأنهما حربين إحداهما مشتعلة، والأخرى ما زالت تُطهى على نار هادئة. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1