![]() |
رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل المائة وخمسه بقلم فاطمه عبد المنعم
هل هي الحقيقة؟.... أم أنه لم يكن سوى كابوس بشع سيغيثها منه الله بعد لحظات.
يا ليته كان كابوسا ولكن هكذا هي بعض الحقائق تصبغ أرواحنا بالسواد، وتسلب منا جزء ربما لا يعود أبدا.
فرغ "شاكر" تماما من اغتيال روح شقيقته، التي فجأة سكنت صرخاتها تماما وبقت فقط تتابع بعينين واسعتين ينكرا بقوة أن ما على الأرض ليس إلا خصلاتها الغالية، خصلاتها التي سلبها شقيقها ولم يشفع لها عنده كل توسلاتها
هوت على الأرضية، تلتقط ما تطوله يدها منهم بحسرة، و الشعور الوحيد المسيطر عليها هو عدم التصديق.
كان يراقب ردة فعلها بجحود، وحين انحنى ليطالعها لم تبتعد عيناها عن خصلاتها فأجبرها على النظر إليه هاتفا:
شوفتي عملتي في نفسك إيه؟
احتدت نظراتها، وقست عيناها أصابتها حالة من الهياج بعدما أدركت ما حدث وصرخت في وجهه:
أنا هفضحك يا "شاكر".... هفضحك وهوديك في ستين داهية.
قامت من مكانها وهرولت نحو حقيبتها، فتحتها وأخرجت الهاتف مسرعة، كان آخر رقم حدثته هو
" بشير"، تخطته ونزلت إلى رقم زوجة شقيقها، رقم "بيريهان" فابتسم معلقا بسخرية:
هتعملي إيه؟
قابلت سخريته بحرب شنتها عليه وهي تصرخ بجنون و دموعها في سباق عنيف:
هكلمها، هقولها إنك كداب، إن ملك صادقة وعيسى صادق وإن محدش وسخ غيرك.
والدتهما تدق بعنف من الخارج وتردعها عن الاسترسال خوفا عليها بينما سأل هو شقيقته بتهكم:
وإيه كمان؟... هتقوليلها إيه كمان اطربيني.
_ هبلغ عنك يا "شاكر"، هروح القسم ابلغ عنك وهسجنك.
طاقة جبارة تملكت منها، لا تدافع هذه المرة بل تهاجم... ما سلبها إياه نشط دفاعاتها و مكن ثورتها منها ولكن أمام قولها هذا أتاها رده بسهولة وهو يذهب ناحية أحد المقاعد ويجلس عليه واضعا الساق فوق الاخرى:
هتبلغي تقولي إيه؟
تحدته وهي تذكره بفعلته الشنيعة:
هبلغ عن اللي عملته فيا ده، و هتهمك في قتل فريد نصران ....
قاطعها مردفا بابتسامة:
بس كده التهمة ناقصة.
بهت وجهها وهي على يقين أن القادم منه لن يكون إلا الأسوء وأكمل هو:
ضيفي بقى على فريد ده حبيب القلب اللي أنا جبتك من معاه
شهقت بعنف وقال هو بضحكة ساخرة:
مش أنا بقولك عايزة تعملي ملك جديدة مش مصدقاني؟
أخرج هاتفه وتصنع الاتصال بأحدهم فسألت بارتعاد:
بتعمل إيه؟
رد بيسر وكأنه يغسل وجهه لا يخطط لجريمة:
بكلم اللي هيجبهولي علشان أخلص.
حاولت جذب هاتفه منه ولكنه أخفاه بشراسة خلف ظهره واتقدت نظراته حين استقام واقفا وجذبها من مرفقها قائلا بنبرة بثت الرعب داخلها:
أظن بعد اللي حصل ده عرفتي إني مبهزرش...
أنا مش هحلف بس هي حاجة واحدة
ثم بدأ تحذيره متوعدا:
لو عرفت إنك نطقتي بكلمة واحدة عن حوار " فريد" ده تاني، هموتهولك يا "علا" ومترجعيش بقى تصوتي وتعيطي في الآخر زي ما عملتي من شوية.
وأكمل وهو يطالع رأسها الحليقة باشمئزاز:
وهو عموما مش هيطيق يبص في وشك تاني بعد منظرك ده... لو خايفة عليه وعلى نفسك لمي لسانك.
طالعته تهتف بقهر شديد:
شعري هيطول يا "شاكر"... بس أنت عمرك ما هتنضف،
أنت النهارده خسرتني، همست بألم:
خسرت أختك... أختك يا " شاكر" اللي كانت مستعدة تبيع روحها علشانك،
تملصت من قبضته وصرخت:
أختك اللي كانت مستعدة تحط في بوقها الجزمة وتتجوز "محسن" علشانك، اللي وقفت جنبك ودارت عليك
سألته بعينين نطقا بالوجع:
هو أنا لو سألتك هونت عليك ازاي هتلاقي رد ترد عليا بيه؟
نظراتها حركت بداخله الكثير، فمهما حدث ستبقى "علا"، شعر بالتشتت أمام سؤالها ولكن ردع نفسه وهو يرد:
أنا عملت كده علشان مصلحتك... اللي عملته ده هتفضلي تفتكريه كل ما تفكري تقربي من الواد ده تاني، وعلى فكرة
ثم أكمل يحطم آمالها:
هو مش عاشقك في الضلمة ولا حاجة، هو بيستعبطك... قالك إنه كان في يوم عايز يرتبط ببيري؟
هزت رأسها بغير تصديق فوقف أمامها يهتف بانفعال:
طبعا مقالكيش، ولا عمره هيقولك أنا قبل ما أخوكي يتجوز بيريهان روحت عرضت عليها الجواز وهي رفضتني علشان " شاكر" ... الواد ده كان عايش عليكي الدور علشان ينتقم مني ومنها.
_ لا أنت كداب.
قالتها بضياع لم يأبه به بل أكمل بإصرار:
لو مش مصدقاني روحي اسألي "بيريهان" وهي تحكيلك، تفتكري واحد زي ده كان هيدخل نفسه في مصيبة ويشترك مع عيال نصران في غدرهم بيا ليلة فرحي علشان بس واحد منهم يبقى صاحبه؟... تبقي عبيطة،
احتدت نظراته وهو يلقي أقوله على مسامعها فتشعر وكأنها صفعات:
هو عمل كده علشان ينتقم من "بيري" اللي اختارتني أنا... عمل كده علشان يبوظ فرحتها، وساعتها بيريهان عرفته على حقيقته ووقف بكل بحاجة شمت فيها قدام القسم هو وابن نصران.
دموعها ألهبت وجنتيها، وهي تنظر للأرضية بخيبة أمل وشقيقها يسترسل:
بيريهان طلبت مني أحذرك منه، علشان سمعتك وأنتِ بتكلميه، و محبتش تتكلم معاكي هي علشان متفهميش غلط.
سألته "علا" بألم ساخرة:
و أنت كده بقى حذرتني منه؟
ضرب على المقعد جواره صارخا بانفعال:
أنا كده عملت الصح، علشان تفتكري إنك ليكي كبير، مش على كيفك هي يا "علا"، و زي ما قولتلك لو شيطانك وزك تعملي ولا تقولي حاجة، تبقي أنتِ اللي اختارتي.
وقعت عيناها من جديد على شعرها المتناثر على الأرضية، و بخطوات أشبه بالخطوات إلى الموت سارت ناحية المرآة تطلع فيها إلى مظهرها، خرجت شهقة مكتومة فانتفضت على إثرها و حين أتى ليقترب منها واضعا كفه على كتفها أبعدت يده بعنف قائلة ببكاء:
وأنت النهاردة اختارت يا " شاكر" ... اختارت شيطانك وخسرتني خلاص.
أغمض عينيه بنفاذ صبر، ثم اندفع نحو الخارج كالبركان بعد أن فتح الباب، هرولت والدته نحو الداخل لترى حالة ابنها هكذا فهزت رأسها بغير تصديق، بينما انكمشت "علا" وأخفت رأسها بين ذراعيها وهي تبكي بصمت ولم يقطع البكاء سوى صيحة والدتها المستنكرة وهي تهتف:
منك لله يا "شاكر"... البت هتبور.
طالعتها " علا" باستنكار ثم عادت لقوقعتها من جديد، تنزف ألما لا عبرات على شعرها المفقود.
★***★***★***★***★***★***★***★
جلست "ملك" جوار الشرفة في منزل "ميرڤت" تنتظر حضوره وهي شاردة فيما حدث صباحا، حين تململ في نومته فاستيقظت إثر ذلك وسمعته يقول بنعاس:
ايه الصداع ده؟
فتحت عينيها بصعوبة وهي تعرض عليه:
اجبلك مسكن؟
تحرك بمفرده تاركا الفراش وهو يعفيها من مساعدته:
لا نامي أنا تمام.
كان متوجها ناحية المرحاض ولكن استوقفه سؤالها:
كنت فين امبارح يا "عيسى"؟
لم يرد بل قال بعد أن تنهد بثقل:
مبحبش اللي يستجوبني وهو عارف الإجابة.
تركت الفراش و تحركت لتصل إليه سائلة وقد حاولت بكل جهدها ألا تفقد أعصابها:
مين قال إني عارفة الإجابة؟... أنا معرفش غير إنك كنت راجع مش فايق، ودي حاجة جديدة عليا
طلبت برجاء وهي تتناول كفه:
" عيسى" علشان خاطري، بلاش الخطوة اللي بناخدها نرجع قصادها عشرين.
سألها ضاحكا:
الخطوة اللي بناخدها؟
ثم أكمل باستنكار:
بناخدها دي غريبة عليا، أنا بس اللي خدت خطوة يا "ملك"، وروحت للزفت علشانك و سواء كملت أو لا فأنا حر، لكن متقوليش بناخدها دي، أنا بقطع خطوة علشانك، مبضغطش عليكي علشانك، بستحمل كتير علشانك... بس شكلك أنتِ كمان اتعودتي.
طالعته بغير تصديق سائلة بانفعال:
اتعودت على إيه يا " عيسى" ؟
_ اتعودتي تاخدي ومتديش.
صرخ بها في وجهها، وعجزت هي عن الرد، عجزت عن قول أي شيء، هزت رأسها موافقة بهدوء تام غير مناسب للموقف وأخيرا قالت:
عندك حق.
قالتها ثم خرجت من الغرفة صافعة الباب بقوة جعلته يغمض عينيه بغضب، خرج خلفها و مسك بمرفقها سائلا:
رايحة فين؟ ... احنا كنا بنتكلم.
ردت عليه بنظرات حادة:
وأنا معنديش كلام أقوله، أنت قولت كل الكلام وأنت صح، ثم أكملت بضجر:
ممكن بقى تسيب ايدي علشان عايزة أكمل نوم ولا هتعترض على دي كمان وهتشوف إنها.....
بتر عبارتها بوضعه سبابته أمام فمها ثم قال هو هذه المرة:
تنامي تصحي براحتك، المهم مترغيش كتير علشان أنا مصدع.
تأففت بانزعاج وأتت لتتخطاه إلى الغرفة فاستوقفها ولم يترك مرفقها فأردفت بنزق:
هو في إيه؟
كرر نفس كلمته بتسلية:
مترغيش
_ هو أنا اتكلمت ولا فتحت بوقي يا بني...
الله يهديك والله
رد على قولها هذا مبررا سبب عبارته بابتسامة صفراء:
بس نفختي وأنا النفخ بيضايقني.
تنهدت بضجر وسألته غاضبة:
عيسى أنت عايز إيه وتسيبني في حالي الساعة دي؟
أخبرها بهدوء عن الإجابة:
تدخلي تلبسي علشان تيجي معايا المعرض...
حركها ناحية الغرفة قائلا:
يلا معاكي ربع ساعة.
عاندته قائلة:
مش رايحة معاك في حته.
_ لما نروح المعرض نبقى نشوف الموضوع ده.
قال هذا وهو يتوجه ناحية المرحاض فصرخت بغيظ:
ده أنت مستفز.
في اللحظة ذاتها كان "طاهر" في طريقه إلى العودة للاسكندرية، لم يستطع انتظار "عيسى" ليتحدثا فنبرة والده القلقة والتي لا تصدق عدم وجود كارثة أجبره على العودة لطمأنته بنفسه...كان قد وصل إلى مدخل قريتهم ولكن توقف حين لمح "شهد" العائدة بوجه يبدو عليه خيبة الأمل، أوقف سيارته وناداها فانكمش حاجبيها باستغراب، أسرعت تذهب إليه وما إن ركبت جواره حتى سألته:
هو أنت مش المفروض في رحلة النهاردة؟...
وبعدين طالما أنت مش في الشغل مبتردش على مكالم
قاطعها هاتفا بتعب:
حصلتلي مشاكل والله يا "شهد"... بس سيبك،
قوليلي أنتِ مالك؟
رفعت كتفيها وهي تقول بابتسامة متصنعة عدم وجود شيء:
مالي ما أنا كويسة أهو.
أشار على وجهها أثناء تكذيبه لحديثها:
بس التكشيرة دي متقولش إنك كويسة أهو خالص.
حين رأى دفترها تيقن من أنها كانت بكليتها فقال:
أنا بحس إنك بتروحي الكلية تضايقي وترجعي...
ثم غمز لها قائلا بضحك:
بس ولا يهمك
ابتسمت وأكمل هو:
بكرا تخلصي وتقعدي في البيت و تنسي كل ده.
قطبت جبينها بعد جملته الأخيرة واستوقفته سائلة:
يعني إيه اقعد في البيت؟ ... هو أنا بدرس ليه طالما هقعد في البيت؟
وضح لها الأمر بتدارك:
أنا مقصدش ده، وبعدين أنتِ اتضايقتي ليه ما في ناس كتير بتدرس وتقعد في البيت.
مجرى الحديث هذا لا تحبذه أبدا خوفا من اكتشاف ما لا يرضيها، قالت موضحة وجهة نظرها:
هما أحرار... ده طموحهم، إنهم يستقروا في البيت و يعيشوا حياة هادية، ومينفعش حد يغصب عليهم إنهم ينزلوا يشتغلوا وهما عايزين يستقروا... لكن أنا ده مش طموحي وأظن إن ده مش عيب.. مع إني بشوف يعني إن الشغل ضمان للست
جملتها الأخيرة جعلته يطالعها باستنكار مكررا:
ضمان!... ضمان دي معناها إنها متجوزة واحد مخوناه أصلا، أو مش هيصرف عليها وفي الحالتين دول هي اتجوزته ليه من الأول؟
استدعت صبرها حتى تستطيع إكمال هذا الحوار بسلام وبدأت في الرد قائلة:
طاهر أولا أنا مقولتش إني عايزة أشتغل علشان الشغل ضمان، أنا قولت إنه طموحي... ثانيا مش كل الرجالة زيك ، في كتير بيكونوا مش كويسين علشان كده أنا شايفة إنه ضمان علشان محدش يعرف الظروف.
هز رأسه نافيا وهو يقول:
أنا مش مقتنع يا "شهد"... ثم أكمل باستخفاف:
وبعدين معلش أنتِ هتشتغلي إيه بعد ما تخلصي؟
انفعلت من استخفافه هذا وردت بهجوم:
هو أنا ليه حاسة يا طاهر إنك بتتكلم عن اللي أنا بقولك إنه طموحي بتقليل؟...في مجالات كتير حابة أشتغل فيها أولهم السياحة أكيد علشان دي الحاجة اللي بحبها.
تنهد بضيق وهو ينفي عبارتها قائلا:
أنا مقللتش من طموحك يا شهد... لكن أنا شايف إن اللي بتتكلمي فيه ده مش مناسب، أنا مش معترض على فكرة شغلك على فكرة ولو عايزة تفتحي مشروع بتاعك أنا موافق من النهاردة لكن أنا معترض على المجال اللي عايزة تتواجدي فيه لأنه بيحتاج لف وسفر و تعب هيكون كتير عليكي
ضحكت بغير تصديق وهي تقول:
والله؟... طب ما أنت برضو مجال شغلك بيطلب نفس الحاجات دي، ولما طلبت منك تخليك في الشغل مع عمو وتسيب الطيران قولتلي ده الشغل اللي بحبه.
_ علشان أنا غيرك يا " شهد" .
هكذا رد ببساطة فسألته بانفعال:
يعني أنت عاقل ومسؤول وأنا مجنونة ومبفهمش ولا إيه بالظبط؟
هتف بنفس انفعالها وهو يستدير لها:
مقولتش كده، ومتقولينيش كلام أنا مقولتهوش.... وخوفي عليكي مش معناه إني بقول عليكي مجنونة ولا مبتفهميش، أنا مش هكون متطمن ومراتي هنا وهناك و أنا طول الوقت أعصابي بايظة و قلقان عليها
_ أعصابك دي تبوظ لما أبقى عيلة أول مرة تخرج وباعتها تشتريلك حاجة من المحل مش واحدة كبيرة وعارفة هي عايزة إيه
تولى الهجوم هو هذه المرة وهو يسألها:
أنتِ بنفسك من كام يوم قولتي إن أعصابك بتبقى بايظة لما بطلع رحلة...صح ولا لا؟
هزت رأسها قائلة:
اه صح، هتسيب شغلك علشان أعصابي متبوظش؟
نفى هذا مردفا بضجر:
لا مش هسيب شغلي، و متتكلميش معايا بهجوم كده وكأني الجلاد اللي بيقولك هحبسك في البيت... فيها إيه لما اقترحت إنك تحققي طموحك بس بمشروع يكون قريب من البيت وميسببش إني طول الوقت أبقى قلقان عليكي وخايف يحصلك حاجة برا،
وقبل أن تتحدث أوقفها هاتفا:
ومتقوليش أنا كمان ببقى قلقانة عليك، لأن الوضع هنا مختلف، أنتِ لما عرفتيني كنت طيار، فمش بين يوم وليلة هسيب حياتي اللي ببنيها من سنين، و أنا مش هقدر أكتفي بالشغل مع بابا مش هينفع ده يحصل علشان أنا كده هبقى شخص اتكالي معتمد على اللي عند أبوه، أنا اشتغل بجانب شغلي اه لكن اعتمد على شغلي مع أبويا كشغل لوحده لا دي مش شخصيتي، أنتِ مش مطالبة يا شهد تصرفي على بيت وتضغطي فأنا علشان كده اقترحت ده عليكي
ثم هدأت نبرته وهو يخبرها:
تشوفي أي حاجة حابة تعمليها متكونش هتطلب إنك طول الوقت تبقي بعيدة وأنا أفضل قلقان، المجال اللي أنتِ عايزاه ده أنا هخاف أسيبك تشتغلي فيه، هخاف عليكِ يا "شهد".
ابتسمت وهي تهز رأسها قائلة:
خلاص يا حبيبي أنا موافقة.
مسح على وجنتها بحب وهو يبادلها ابتسامتها ولكنها أكملت ما جمده:
بس ده مش هيحصل غير لما أنت تسيب الطيران وتشوفلك أي مجال تاني علشان بخاف عليك... المجال ده أنا أخاف أسيبك تشتغل فيه، هخاف عليك يا
" طاهر"
تكرر ما قاله حرفا حرفا فهتف بغضب حاول مدارته بابتسامة:
أنتِ عايزة تجيبي آخري، وبتستفزيني علشان أقول مفيش شغل خالص وتوصلي للي أنتِ عايزة تثبتيه من أول ما بدأت كلام معاكي، إني مش عايزك تشتغلي وعايزك في البيت
تنهد وأكمل:
عموما يا "شهد" أنا مش هقول كده... براحتك.
قال كلمته الأخيرة ثم أوقف سيارته أمام محل والدتها فنزلت بانفعال صافعة الباب خلفها، رأت "مريم" الجالسة في المحل ثورة شقيقتها التي بانت على وجهها فسألتها باستغراب:
مالك في إيه؟
هتفت بضجر وهي تلقي بدفترها وحقيبتها:
في إن طاهر مقتنع إني عيلة، طاهر أي حاجة بيرفضها ويقول عليها لا، لازم يبقى مبررها أنا خايف عليكي...
محتاج يفوق بقى ويفهم إني مش يزيد ابنه وإني مراته و...
قاطعتها "مريم" محاولة تهدئتها:
طب ممكن تهدي ونتكلم... اهدي بس.
صاحت بضيق:
أنا أعصابي باظت خلاص ومبقتش عارفة ألاقيها منين ولا منين.
قالت هذه الجملة وتوجهت إلى مدخل منزلهم في حين وقفت "مريم" مكانها هامسة بضيق:
اهو اللي ماما كانت بتحذر منه بدأ أهو.
ثم انتبهت حينما حضر أحد الزبائن وذهبت إليه لتقضي حاجته.
★***★***★***★***★***★***★***★
في معرض سياراته، جلست بصمت وهي تسمع "عيسى" الذي جلس على أحد المقاعد يحدث "بشير" الواقف أمامه:
أنا مش عايز اسئلة يا "بشير" لو سمحت عن اللي حصل امبارح... خلينا في الشغل أحسن.
_ طب وكارم؟
كان هذا سؤال "بشير" الذي رد عليه "عيسى" قائلا:
بعدين.
ثم تساءل وهو يفتح البراد:
هو البابل تي فين؟
رد عليه "بشير" بضجر:
خلص، وأظن إن احنا بنتكلم في حاجة أهم دلوقتي.
ضيق "عيسى" عينيه وهو يسأله بغيظ:
أنت رخم ليه؟... واحد وريقه ناشف وعايز يشرب
جذب "بشير" زجاجة المياه ووضعها أمامه بضيق فاستدار "عيسى" سائلا زوجته الجالسة على الأريكة:
رخم صح؟
لم ترد عليه وعادت للنظر إلى هاتفها فجذب "عيسى" بعض الأوراق التي سلمها له "بشير" ووضعهم جوارها على الأريكة قائلا:
خدي بصي في دول كده.
تساءل "بشير" رافعا عنها الحرج:
يا بني هي مش هتعرف... لو عايز تراجعهم، هات أنا ه....
قاطعه "عيسى" قائلا بابتسامة:
لا سيبها، هي هتعرف أنا فهمتها شوية حاجات قبل كده في البيت، وشوية شوية هتلاقيها بتطردني أنا وأنت وقاعدة هنا لوحدها.
ابتسم "بشير" ولم تبتسم هي بل طالعت الورق بجمود وهي تردع نفسها بقوة عن الابتسام وبالفعل نجحت، فاستدار يسألها بنبرة منخفضة:
مبتضحكيش ها؟
طالعته بترفع وهي تسأله:
هو في حاجة تضحك؟
هز رأسه نافيا فقالت له بابتسامة صفراء:
يبقى الضحك من غير سبب قلة أدب.
ضحك "بشير" وحين استدار يطالعه "عيسى" هتف من بين ضحكاته وهو يرفع كفيه ببراءة:
أنا بضحك بسبب.
_ ماشي.
قالها "عيسى" هامسا بتوعد لها وتجاهلته هي وبدأت في مطالعة الأوراق التي أعطاها لها، وتدوين بعض الملاحظات أيضا بينما بدأ "بشير" جذب انتباه صديقه بقوله:
في حد ممكن يسهلنا إننا ناخد التوكيل ده.
سأله "عيسى" باهتمام:
سكته إيه طيب؟
مط "بشير" شفتيه بخيبة أمل وهو يقول:
لا ملهوش سكة، الحل الوحيد اننا نقابله ونقنعه إننا عايزين نعمل حاجة فعلا وهو يتكلم بلساننا، لأن ليه كلمته، ده غير إن سمعت إن الراجل الأجنبي في مصر مخصوص علشان في بينهم شغل.
أشاح "عيسى" بذراعه قائلا بلا اهتمام:
لا يا عم مش جونا ده، هنروح لسه نقعد نقنع واحد يقنعلنا الراجل الأساسي إنه يدينا التوكيل، طب ما نقنع الأساسي أحسن.
_ مش سهلة كده هي يا "عيسى"، لازم حد على الأقل يبقى ضامننا قصاده ويقنعه بينا أكتر.
كان هذا قول " بشير"، الذي استغرق في الحديث مع صديقه حتى قطعه صوت "ملك" التي قالت:
أنا بصيت فيهم، مفيهومش حاجة.
طالعها "عيسى" قائلا بلطف:
معلش بصي فيهم تاني يا "ملك".
هزت رأسها موافقة بعد أن تأففت ثم عاد هو إلى صديقه هاتفا:
طب والحل دلوقتي؟... اديني طيب يا عم رقم الراجل اللي بتقول يتوسطلنا ده وأنا أحاول أشوفلي معاه سكة... هو مين أصلا؟
رد " بشير" بخيبة أمل:
لا ما هو مش هينفع نكلمه علشان غالبا مش هيرد، وكمان صعب نقابله
_ أسحرله يعني ولا أعمل إيه يا "بشير"؟
هكذا قال " عيسى" بانزعاج ثم كرر سؤاله:
وبعدين هو مين قولتلك؟
أتى "بشير" ليرد عليه ولكن قاطعته "ملك" قائلة:
أنا متأكدة، بصيت فيهم ومفيش حاجة.
سألها "عيسى" باستنكار:
لحقتي يا "ملك" ؟
قبل أن تعطيه الرد استأذن "بشير" ليجيب على هاتفه وترك لهما الغرفة وحينها ردت "ملك":
أيوه أنا شوفتهم...
قاطعها حين ترك مقعده وتوجه ناحيتها، مال عليها وأشار على شيء ما في الورق المتواجد بين يديها قائلا:
ودي إيه؟
انكمش حاجبيها وهي تنظر ناحية ما أشار عليه، خطأ حسابي لم تلحظه فبررت بارتباك:
معلش مخدتش بالي.
وجهها بحزم:
لا مفيش حاجة اسمها مخدتش بالي في الشغل، أنا لما قولتلك راجعيه تاني وقغدتي تنفخي كان علشان تاخدي بالك من الغلطة دي، لكن برضو مخدتيش بالك
كانت صامتة تستمع له واسترسل هو منبها:
اتعودي في أي شغل تشتغليه، متسمحيش لأي غلط ولو حصل يبقى غلطك في أضيق الحدود، الشغل ده بتاعك وعلشان متحتاجيش يتراجع وراكي وتكبري لازم تركزي.
تساءلت بدهشة:
كل الدرس ده علشان غلطة؟
_ لا مش علشان غلطة، الدرس ده علشان تتعلمي إن الغلطة اللي أنتِ مستهونة بيها دي تهد مية طوبة رصتيهم يا " ملك"...
ثم قال آخر كلماته قبل أن يخرج:
دي آخر مره هنبهك لغلط، بعد كده لو لقيت غلط في شغل تبعك هتبقى المعاملة زيك زي أي موظف هنا.
_ هتخصملي؟
تساءلت بسخرية ثم أكملت:
ولا هترفدني؟
جاوبها بابتسامة صفراء:
لا أنا مبطردش حد، والخصم مش أسلوبي....
خليها في سرك، لما تغلطي تاني هتعرفي لوحدك.
ثم خرج لاحقا بصديقه، وقبل أن يخرج قال:
في ورق تاني على المكتب بصي فيه، و لما تخلصي هروحك.
ما حدث رفع تركيزها للضعف، ولكن أزعجها مضايقاته فهتفت:
على أساس مبيغلطش هو.
فتح الباب مباغتة وهو يسأل بعينين ضيقتين:
بتقولي حاجة؟
انتفضت إثر المفاجأة ثم سريعا ما جذبت الأوراق فابتسم وخرج تاركا إياها بمفردها مع ما كلفها به.
★***★***★***★***★***★***★***★
كانت "رفيدة" تسير جوار شقيقها "حسن" وبصحبتهما "يزيد" الذي قال:
جدو قالنا نخرج نشممك الهوا.... شميت؟
سؤاله الأخير جعل "حسن" يبتسم بعد عبوس طويل، وهز رأسه قائلا:
شميت اه.
_ طب هاتلي شيبسي و مستيكة يلا.
هز "حسن" رأسه موافقا على طلب الصغير بابتسامة، ثم قالت "رفيدة" له:
أنا مش عايزة شيبسي... أنا عايزاك تطلبلي أكل وتجبلي
وقبل أن تسترسل أوقفها قائلا:
كده أنا اللي واخدكم طالع بيكم رحلة مش أنتم اللي هتشمموني هوا.
بعد جملته هذه وصلته رسالة، انكمش حاجبيه وهو يقرأ المكتوب بها باستغراب:
حسن أنا "رزان".. ممكن أقابلك ضروري؟، عيسى مش بيرد عليا خالص.
_ عيسى في القاهرة، لو عايزاه استني لما يجي وأنا هخليه يكلمك.
كان هذا رده الذي كانت الإجابة عليه رسالتها:
أرجوك يا حسن، محتاجة أبلغك حاجة تقولهاله.
فكر قليلا ثم قال وهو يحك عنقه بتعب:
بقولك ايه يا رفيدة خدي يزيد وارجعي، وأنا رايح مشوار كده.
لم ينتظر حتى تستفسر شقيقته بل رحل مسرعا، وقبل أن تعود هي سمعت نداء والدة " عز" فتوجهت نحوها حيث تقف على عتبة منزلهم المجاور لورشة ابنها واتسمت بود قائلة:
ازيك يا طنط.
رحبت بها وبالصغير كثيرا ثم قالت:
والله ما تمشي إلا لما نشرب الشاي سوا.
_ معلش أصل
كانت ستتحجج بوجود "عز" ولكن قالت السيدة بحزن:
هزعل لو قولتي لا، وكمان عز مش هنا طول اليوم في شغل برا و مفتحش حتى ورشته فمتزعلينيش بقى.
خضعت في النهاية لطلبها بابتسامة فاستضافتها هي والصغير، دقائق وكانت قد أحضرت المشروبات قائلة بمرح:
اشربوا العصير الأول وبعدين نتغدى والشاي براحتنا.
فهتفت رفيدة بضحك:
لا يا طنط والله... هو حاجة واحدة بس.
ناولت رفيدة الصغير كوب العصير وبقت هي تتبادل أطراف الحديث مع السيدة حتى أتت عند نقطة تخص "عز" ووالدته تقول باستياء:
مطلع عيني والله... نفسي أشوفله عيل قبل ما يجرالي حاجة.
_ بعد الشر عنك... سيبيه براحته، "عز" عاقل ولما يحب يستقر أكيد هياخد الخطو....
لم تكتمل عبارة "رفيدة" بسبب قول والدته:
أصله بيحب واحدة... بيحبها من و هما لسه عيال، قولتله مية مره بلاش وجع القلب ده يا تقولها ونتقدم يا تفضها خالص مش عايز يسمع الكلام.
امتقع وجه "رفيدة" وسألت بفضول:
ليه مش عايز يسمع الكلام؟
صارحتها بعد ارتباك:
بصراحة كده بس بيني وبينك يعني، هو عايز يوفرلها عيشة زي اللي عايشاها قبل ما يتقدم... بس أنا صعبان عليا لفه ده وخايفة هي في الآخر تتجوز وهو ميطولش حاجة خالص... مش أنا عندي حق؟... مش يروح يكلم أهلها أحسن؟
هزت "رفيدة" رأسها بحزن، وهي تفكر في من شغل عقلها الأيام الماضية، تسمع الآن عن تلك التي يحبها وتكمل والدته:
بس أنا عارفة ابني، كرامته عنده بالدنيا... مش عايز يروح علشان ميترفضش.
_ هي أكيد لو عرفت بيحبها قد إيه مش هترفضه.
قالتها "رفيدة" بابتسامة صادقة محاولة عدم إبداء ضيقها حتى هتفت والدة "عز" ما جمدها:
يعني لو بيحبك أنتِ واتقدملك هترفضيه؟
تنحنحت "رفيدة" بحرج وطالعت السيدة بغير تصديق وهي ترد بارتباك:
أصل الموضوع مش كده يا طنط... بس صدقيني عز راجل وشهم وأي واحدة تتمناه.
_ بس هو مش عايز أي واحدة....هو عايزك أنتِ.
هذا ما قالته والدته بابتسامة للجالسة أمامها، لم تصدق "رفيدة" ما يُقال، شعرت وكأن صوتها هرب منها وهتفت بتلعثم:
أنا... عايزني أنا.
كانت ستكمل والدته ما بدأته ولكنه دخل وهي تقول:
أيوه عز بيحب...
بتر عبارتها وقد كان سمع جملتها السابقة وهتف:
ايه يا اما اللي بتقوليه ده، متاخديش على كلامها يا أستاذة.
طالعته "رفيدة" وقد كانت مازالت تحت تأثير صدمة ما قيل ولكن حطم هو آمالها بقوله:
هي أمي كده علطول تحب تهزر... متزعليش،
أنتِ زي أختي.
كانت والدته ستعترض ولكن أكمل هو:
اللي أنا عايزها يا حاجة بنت الشيخ مرزوق، وقريب هتقدم إن شاء الله.
شعرت "رفيدة" بالإهانة، وكأنه ينفي تهمة نكراء عنه، شعرت وكأن والدته تفرضها عليه.
تجمعت الدموع في مقلتيها ولكن ردعتها ثم استقامت واقفة وبيدها الصغير الذي رفع رأسه متساءلا عن سبب حزنها بعينيه، وقفت هي أمام "عز" وقالت بابتسامة:
أكيد يا "عز"، هو ده أصلا اللي كنت هفهمه لطنط... إنك أخويا وبس، و...
تنهدت تنهيدة حارة قبل أن تكمل بابتسامة أوسع:
و مبروك مقدما ليك ولبنت الشيخ مرزوق.
لقاء الأعين هذا سلبت به عقله كما فعلتها مع قلبه مسبقا، رغب لو صرح الآن بأنه لم يحب سواها وأن والدته لم تكذب في حرف، ولم تستطع هي البقاء أكثر فجذبت الصغير وانطلقت به كالبركان من منزلهما، غادرت لتبقى ثورتها خامدة، ولكن لم تكن على صواب فقد كان خروجها بمثابة الإذن لعينيها حتى تطلق سراح عبراتها المقيدة.
★***★***★***★***★***★***★***★
ملت من انتظاره، فقررت الذهاب إلى غرفة خالته... دلفت " ملك" إلى "ميرڤت" وسألتها بابتسامة:
صاحية؟
هزت "ميرڤت" رأسها مؤكدة فسألتها "ملك":
تحبي أجيب نتعشى سوا؟
_ هو " عيسى" مش هيتعشى معانا كمان؟
سألتها "ميرڤت" بخيبة أمل فقالت "ملك" برفق:
هو من ساعة ما رجعني من المعرض، وهو مجاش...
سيبيه براحته معلش بلاش نضغطه، هو هيصفى لوحده.
طلبت منها "ميرڤت" برجاء:
طب ممكن تتكلمي معاه أنتِ؟... مفتكرش الكلام منك هيضغطه.
هزت "ملك" رأسها نافية بابتسامة:
لا بيضغطه زي كلام أي حد... و اليومين دول ماسكين لبعض على الواحدة.
ضحكت "ميرڤت" على جملة ملك الأخيرة فاتسعت ضحكة "ملك" لرؤيتها أخيرا تتخلى عن قليل من الكآبة التي أصابتها، ثم سألت "ميرڤت":
هو أنتِ متابعة مع دكتور؟
ابتلعت " ملك" ريقها بصعوبة وقد وترها الأمر وسألت:
نفسي قصدك؟... ايوه عم..
هزت رأسها نافية وهي تصحح لها مقاطعة حديثها:
لا نسا.
أرادت "ملك" تغيير مجرى الحديث ولكنها لم تفلح فتصنعت عدم الفهم سائلة:
ليه يا ميرڤت؟
_ علشان الخلفة، المفروض تشوفوا من بدري علشان لو فيه مشكلة تعالجوها.
تحججت "ملك" قائلة قبل أن تهرب لكوب الماء ترتشف منه:
لا ما هو احنا مش هناخد خطوة الخلفة دي قبل سنتين.
سألتها "ميرڤت" وقد اطمأنت قليلا:
يعني أنتم اللي مش عايزين عيال دلوقتي بمزاجكم صح؟
هزت "ملك" رأسها نافية وهي تخبرها:
هو ربنا لسه مكتبش، بس كده كده احنا مخططين إنه مش عايزين دلوقتي، فقدام لما نعوز لو ربنا لسه مكتبش هنروح نكشف إن شاء الله.
_ هو أنتوا مش بتحبوا بعض؟
قالت "ميرڤت" هذا وأكملت:
أصل طالما بتحبوا بعض هتبقوا ملهوفين على عيل.
ردت عليها "ملك" قائلة بابتسامة:
هو مش شرط... ممكن نكون عايزين نقضي وقت أطول مع بعض قبل مسؤولية طفل يشغلنا احنا الاتنين..
لم تكد تنهي جملتها حتى سمعت دقات على الباب، دلف "عيسى" بعد أن سمحت له، وقالت "ميرڤت" بحذر:
نتعشى سوا يا "عيسى"؟
رد عليها بجفاء:
اتعشيت برا، " ملك" تبقى تتعشى معاكي.
ثم هتف قبل أن يرحل:
تعالي يا "ملك" ثواني عايزك.
_ قوليله علشان خاطري يقعد ياكل معانا.
طلبت "ميرڤت" برجاء قبل أن تلحق به "ملك" فوافقتها ثم توجهت إلى غرفتهما، كان ينظر من الشرفة متابعا المحيط الخارجي قبل أن يسأل:
هي كويسة؟
هزت "ملك" رأسها فبادر بسؤال آخر:
خدت دواها؟
تجاهلت السؤال ووجهت هي الأسئلة قائلة:
لما أنت قلقان مكلمتهاش ليه.... كنت حتى سألتها عاملة إيه.
تنهدت "ملك" ثم توجهت ناحيته أدارت وجهه لها سائلة:
ممكن تتعشى معانا؟
ورفعت كفه وقبلت باطنه فاستولت على نظراته التي كانت قبل لحظات هاربة بعيدا، وسألت من جديد بنبرة رقيقة:
ممكن؟
_ أي حد يقول لا بعد اللي عملتيه ده يبقى قليل الأدب.
ابتسمت ولكن وأد هو ابتسامتها بقوله:
وبما إني قليل الأدب ف لا.
طالعته بذهول من جوابه، ثم أخبرته بابتسامة ساخرة:
أنا اتنازلت علشانك، وقررت أنسى كلامك اللي قولته الصبح في مقابل إنك تخرج تاكل معانا وقصاد ده أنت رفضت ومتنازلتش... ممكن دلوقتي اقولك إنك اتعلمت تاخد ومتديش؟
ابتسم وأحاط كتفيها قائلا بمزاح وهو يحركها نحو الخارج:
لا مش ممكن... علشان أنا هاكل معاكم.
طالع جانب عنقها سائلا:
راح فين؟
لمسة من اصبعه الذي مرره حيث كانت قد كتبت اسمه فبررت بتصنع الحزن:
اتشالت.
لم يصدق، لمح لون الحناء الأسود على جزء من بداية كتفها الذي غطى الثوب بقيته وقال متصنعا أنه لم يلمح شيء:
اتشالت بجد ... يا حرام.
وكأنه يتحسر، ولكن سرعان ما قبض عليها فحاولت التملص قائلة:
بتعمل ايه يا بن المجانين... ميرڤت مستنيانا برا.
لم يحررها بل ظل قابضا عليها وهو يقول بابتسامة مراوغة:
أشوف اللي على كتفك الأول... وأنتِ اللي توريهولي، أنا مؤدب أهو.
_ يا "ملك".
سمعت صوت نداء " ميرڤت" فحاولت تخليص نفسها وهي تراه يدفن رأسه في خصلاتها فهتفت بتوتر:
عيسى بس... نخرج بس دلوقتي، وهوريهولك والله... علشان "ميرڤت".
رفع رأسه وأسندها هذه المره على كتفها قائلا:
ميرڤت أنا سامعها وأنا داخل بتقول عايزة عيل.... مش أنتوا بتحبوا بعض مجبتوش عيل ليه، وأنا واحد ميرضينيش أرفضلها طلب.
مع أقواله التي أربكتها هذه أنزلت هي كتف سترتها قليلا ليرى أول حروف اسمه والتي غيرت مكانها هذه المرة، ابتسم و حين ارتخت يداه وظنت أنه سيتركها، تمسك بها من جديد سائلا:
كنتي بتقولي في المعرض بقى إن الضحك من غير سبب إيه؟
_ سيبني علشان خاطري.
قالتها وهي تسمع نداء " ميرڤت" مرة ثانية فقال:
اسمع الأول... كنتي بتقولي إيه
وقبل أن تنطق بشيء أردف هو وما زالت رأسه مسندة على كتفها:
الانسان ده أصله ناكر... تبقى هتموت وتضحك وتقولك الضحك من غير سبب قلة أدب.
ثم بدأ في دغدغتها فعلت ضحكاتها وهي تردعه من بينها ولكن سمعته يقول بابتسامة أسرتها:
بتضحكي ها؟
_ علشان أنت بتزغزغني.
دافعت عن نفسها وأكملت برجاء:
سيبني علشان أنا دقيقة كمان وصورتي هتتشوه قدام خالتك.
أخبرها ضاحكا:
لا هو بعد صوت ضحكتك ده هي اتشوهت خلاص.
ثم حررها فتنهدت أخيرا بعمق وقال هو:
كنتي ممكن تعملي حركة من اللي علمتهملك وتخلصي نفسك.
مهارات الدفاع عن النفس، كيف غابت عنها وقبل أن ترد أكمل ضاحكا:
بس هو أنتِ كده، تبقي مكلبشة فيا وعمالة تقولي
ثم قلد نبرتها:
سيبني يا "عيسى" علشان خاطري.
ضحك عاليا بعد أن ختم جملته ودافعت هي بغيظ:
أنا نسيت علشان أنت وترتني.
ابتسم وهو يقول:
معلش، خيرها في غيرها، سمع دقات على الباب الخارجي فتوجه للخارج ولكن أخبرها غامزا وهو يضحك:
بس مش هسيبك في غيرها دي بقى.
بقت في غرفتها تضحك حتى شعرت بشيء مريب يحدث في الخارج، كان هو قد فتح الباب فرأى أمامه أكثر شخص ود لو قتله الآن، رأى "كارم" الذي يكن يتوقع تواجد "عيسى" هنا... سلمه نفسه بكل يسر وبالفعل جذبه عيسى ناحية الداخل وهو يصفع الباب بعنف ويهتف بشراسة:
كل ده ياراجل، ده أنا مستنيك من ليلة امبارح.
فأدرك كارم أن ابن شقيقة زوجته لا ينوي إلا الشر وكان هذا جليا في نظراته.
★***★***★***★***★***★***★***★
حين تيقن "حسن" من أن الموقع الذي أرسلته له "رزان" ليس إلا إحدى البقع المجاورة لمنزل "منصور" شعر بريبة حيال الأمر، أرسل لها ولكن لم ترد فقرر مهاتفة "عز"، طلب منه أن يأتي له وبالفعل أتى ليرافقه وبداخل ذهن " حسن" سؤال واحد:
ماذا تفعل هذه هنا؟
كان قد وصل... انتظره "عز" في أحد الأركان، ولمح هو "رزان" في المحيط الخارجي قرب منزل "منصور" فتساءل بدهشة:
هو أنتِ هنا بتعملي إيه؟
صدمها رؤيته، و قبل أن تتحدث وجدت "جابر" يجذبه من ملابسه قائلا بنبرة عالية انتبه لها الواقفون على حراسة منزل "منصور":
يا مرحب يا مرحب.... يا مرحب بابن نصران اللي وقع ومحدش سمى عليه، ومفكر إنها وكالة من غير بواب وجاي يتهجم على مراتي.
تملص "حسن" منه بعنف صارخا:
ابعد ايدك دي عني... أنا مجتش جنبها، و مراتك مين أصلا، فين مراتك دي
هرول "عز" ناحيتهم وسمع "جابر" الذي هتف بشر:
ده أنت هتتروق النهارده والبلد كلها هتتفرج عليك.
وهنا فقط أدرك "عز" أن هذا الأمر بأكمله ليس سوى فخ، فخ تم التدبير له جيدا حتى يقع فيه صيد ثمين ومنه يسترد جابر كرامته التي أهدرها أحد أبناء هذه العائلة ذات يوم، ليقسم هو أن يكرر لهم اليوم ولكن الضحية هذه المرة منهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دائما ما يسعى الإنسان لتجنب الأسوء ولكن وبكل أسف الأسوء لا يسعى لتجنبنا.
أدركت "ميرڨت" هذا حين لمحت "كارم" في الردهة، يقبض عليه "عيسى" متأهبا للفتك به، لحظات وكانت "ملك" في الخارج وسمعت صوت "كارم" يسأل زوجته:
جايبة ابن اختك ليه يا "ميرڨت"؟
وبخته بانهيار ردا على سؤاله:
أنت ليك عين تيجي هنا تاني بعد ما بعتلي الصيع اللي بتقعد معاهم، وكانوا هيموتوني علشان ياخدوا فلوسهم اللي أنت مش عارف تسدها.
أبدى دهشة متصنعة، وبرع في تمثيل الغضب وهو يقول:
مين دول اللي جم هنا.... أنا هخلي ليلتهم سودا النهارده.
حاول أن يتحرر ولكن "عيسى" لم يفلته، فصاح "كارم" بنزق:
ما تبعد عني أنت عايز إيه، ما هو المصايب دي أنت السبب فيها... عيل ناكر للجميل، أول إيد عضتها هي اللي اتمدتلك، لو كنت سيبت شغلي في حاله، ولا حتى وقفت جنبنا في الزنقة ذي مكانش كل ده حصل.
أدركت "ملك" أن الجمل هذه كافية تماما لإيقاظ إحدى نوبات زوجها ولكن قبل أن تفعل أي شيء سمعت "عيسى" يقول وهو يدفعه:
هقولهالك تاني، شغلك ده باظ علشان أنت وسخ، وكنت ممشيه كله شمال... وزنقة إيه اللي هقف جنبك فيها؟، عايزني أصرف عليك وتاخد فلوسي علشان تصرفها على لعب الترابيزة، وأصحاب اللعب اللي هيروقوك لو مرجعتش فلوسهم.
_ لو مخدوش فلوسهم، هيخلصوا على خالتك، أنا قولتلهم إن هي الوحيدة اللي تقدر تديهم.
كانت هذه كلمات "كارم" والتي جعلت "عيسى" يطالع خالته سائلا:
سامعة؟
ثم استدار يرد عليه شامتا:
خالتي أنا كفيل أحميها، وأنت خليك زي الكلب كده عمال تجري منهم هنا وهناك.
أبدى تحول رهيب وهو يستعطف زوجته بنظرات خادعة:
قوليله يا ميرڨت يدفعهم... وأنا أوعدك هبطل لعب خالص وهعملك اللي أنتِ عايزاه، قوليله يرد جميلك مش ده اللي ربتيه في خيرك.
من جديد يدفعه "عيسى" وهو يرد بغلظة:
خير أبويا...خير أبويا اللي كان مغرقك ومغرق أهلك كلهم طول ما أنا قاعد في البيت ده... أنا متربتش بمليم من فلوسك، ده أنت كان بيتصرف عليك من فلوسي يا....
قبل أن يسبه أوقفته خالته قائلة:
خلاص يا عيسى.
صرخ في وجهها بضجر:
متقوليليش خلاص...
جذبه من تلابيبه قائلا:
طلقها
أرادت "ملك" تهدئته ولكنها لم تفلح، وتجمعت الدموع في مقلتي "َميرڨت" وهي تتابع ما يحدث بينما أردف "كارم" بتبجح:
ده مش هيحصل.
ابتسم "عيسى" بتهكم وهو يؤكد:
لا هيحصل.
رد عليه "كارم" يعرض مطالبه لتنفيذ ما يريده القابض عليه:
يبقى خالتك تتنازل عن كل حاجة وفوق التنازل شيك بمليون.
اتسعت عيناها، تطالعه بغير تصديق، هل هذه قيمتها لديه حقا، أما هو فتابع باستخفاف:
و مليون ده قليل على فكرة، دول ميعملوش حاجة في الزمن ده، أنا كده كارمك... وبعدين أنت اللي عند أبوك مش شوية.
ابتسم "عيسى" وطالعها سائلا بتهكم:
إيه رأيك؟... باعك، باع عشرة السنين واللي استحملتيه معاه كله بمليون جنيه...
تحرك ليقف أمامها قائلا بلهجة ساخرة:
معملكيش تمثال أكتر ست متفانية في الآخر....
نطق بباقي جملته ونظراته تحمل الحسرة:
باعك بمليون جنيه.
تحركت "ملك" ناحيتها، جذبتها من مرفقها بلطف طالبة:
تعالي يا "ميرڨت" ندخل جوا.
بالفعل تحركت معها وكأن إراداتها مسلوبة، كل ما كانت تريده فقط الآن هو أن تبقى بعيدا عن كل هذا.
لم يتبق سواه هو و"عيسى" الذي أردف بهدوء وهو يجلس على الأريكة:
أنا موافق... هجيب مأذون دلوقتي وتطلقها، وهتاخد شيك باللي طلبته.
_ وأنا اضمنك منين؟
كان هذا سؤال كارم الذي حك عنقه متألما وجاء رد عيسى عليه حازما:
كلمتي واحدة وأنت عارف.
كل ما حدث بعد هذا مر وكأنه حلم، قدوم الشيخ، الطلاق الذي أتبعته "ميرڨت" بقولها:
أنا اللي رخصت نفسي وقبلت بالإهانة وعارف المشكلة فين
هتفت بعينين دامعتين:
إني كنت عارفة إنها إهانة...وإنك مبتعمليش حاجة واحدة حلوة تخليني أبقى عليك بس استحملت.
هرولت ناحية الداخل بينما كان تجاهل هو حديثها وهو يطالع الورقة التي تثبت حقه المالي بعد أن طلقها، استقام عيسى واقفا وتوجه ناحيته قائلا:
أنا مدفعتلكش الفلوس دي علشان ساومتني...
طالعه كارم ورأى الحقد في عينيه وهو يكمل بابتسامة قاسية:
أنت عارف كويس أوي إني كنت أقدر أخليك تطلق من غير مليم،
أقل حاجة كنت هعملها إني كنت هحبسك هنا وهبعت لحد من اللي بتلعب معاهم يجي يستلمك وهما بقى يخلصوا فلوسهم منك بمعرفتهم.
بان الخوف على وجه "كارم" ولكن هذا لم يمنعه من سؤال:
امال دفعت ليه؟
رد عليه "عيسى" وهو يرمقه باستحقار:
علشان هي أغلى عندي بكتير من المبلغ اللي أنت طلبته، وعلشان
باللي حصل ده هي عمرها ما هتفكر ترجعلك تاني، أصلها شافت بعينها والواحد لما بيحس نفسه رخيص بيتكسر أوي بس هي مش رخيصة...
بصق عليه وأكمل:
أنت اللي رخيص فاسترخصتها...بس اوعى تفتكر إنها خلصت كده، المليون دول أنت هتخسرهم وأنا هخليك تداين بضعفهم وبكرا الأيام تفرجك.
ضحك "كارم" باستهزاء ثم توجه ليغادر ولكن سمع "عيسى" يقول:
لو جيت ناحية البيت ده تاني مش هتخرج منه على رجلك.
حدث كارم نفسه بغل، المنزل الذي كان يأوي فيه ابن شقيقتها يوما ما، الآن يخرج منه مطرودا، بل ويتوعده ذلك الصغير الذي اعتاد تحطيمه حتى أتى يوم وثارت ثورته، أصبح شعلة ثائرة تحرق من يفكر الاقتراب فلم يعد يستطيع ردعه أبدا.
ما إن خرج من المنزل حتى سمع صوت "عيسى" يقول:
في ستين داهية تاخدك.
ثم صفع الباب بقوة في وجهه ... لم يهتم كارم، لم يعد يهمه أي شيء سوى ما حصل عليه، سوى الأموال التي تقاضاها وهي عنده تغنيه عن أي شيء.
★***★***★***★***★***★***★***★
لا يعلم كيف تحملت أعصابه كل هذا، كيف تحملت حتى وصل إلى منزل "منصور" بعد اتصال ورد إليه من "عز"، كان " طاهر" في ذروة غضبه وهو يدق الباب بعنف وحين فتحت له الخادمة وهتفت:
الحاج منصور مش موجود.
رد عليها وهو يدخل دون استئذان:
وأنا مش عايزه هو أنا عايز الحيلة ابنه.
وصل لأذنيه صوت شقيقه من إحدى الغرف وهو يصيح باستنكار:
بقولك سيبني أنا مجتش جنبها، ومعرفش إنها مراتك أصلا.
فهرول ناحية الغرفة، دفع الباب بانفعال ودخل، أول ما وقعت عيناه عليه هو شقيقه الذي يحاول إبعاد "جابر" عنه فسار ناحيته وجذبه سائلا الواقف أمامه:
أنت اتهبلت يلا ولا إيه؟
رد عليه "جابر" بتبجح:
لا ده أخوك... أخوك هو اللي جاي ومفكر إن البيت ده مفيهوش راجل يقفله.
_وهو فين الراجل ده؟
كان هذا قول "طاهر" الذي تبعه دفاع "حسن":
أنا معملتش حاجة يا " طاهر"، رزان بعتتلي رسالة بتقولي إنها عايزة تبلغ "عيسى" حاجة ومش عارفة توصله، قولتلها لما يرجع هخليه يكلمك طلبت مني اقابلها ضروري علشان الموضوع ميستناش والمفروض كانت مستنياني قريب من هنا، وجيت بس فجأة لقيت ده طلعلي وأنا رايحلها وبيقولي انت بتتهجم على مراتي.
تساءل "طاهر" بانزعاج شديد من حماقة شقيقه قبل أي شيء:
الزفت تليفونك فين؟
_هو خده.
برر "حسن" ثم قال مدافعا:
أنا ملحقتش أكلمها أصلا... أنا حتى حاولت اتصل بيها قبل ما اجي مردتش عليا فقولت الحقها ليكون في مشكلة.
طالع "طاهر" جابر الذي يرمقه بتحدي ثم هتف محاولا استدعاء صبره:
هات التليفون.
ضحك "جابر" بتهكم وهو يرد عليه:
مشوفتش تليفونات، و أخوك هيتروق قصاد البلد كلها وده حقي... زي ما أنت خدت حقك يومها.
قال جملته الأخيرة وهو يربت على كتف "طاهر"، فضحك " طاهر" وهو يخبره:
لا ده أنت بتحلم... قلة القيمة اللي بتبقى في وسط البلد دي بتبقى ليك أنت وللي زيك.
_ وأنا مش هرد عليك، بيني وبينك حكم أهل البلد اللي هيسمعوا بودانهم كلهم مراتي وهي بتتهم أخوك، وشاهد على اللي حصل أربعة كمان من الرحالة اللي كانوا واقفين.
بهت وجه "حسن" وأدرك طاهر أن شقيقه وقع في الفخ ولكن لم يأبه بما يقال بل وقف في الأمام ليصبح حسن خلفه وهو يقول:
ما تجيلي راجل لراجل وسيبك من الشغل ده... أنت قاصدني أنا مش حسن، خليك معايا أنا.
هز "جابر" رأسه نافيا وهو يؤكد على قراراه:
وأنا اخليني معاك أنت ليه؟... هو أنت اللي اتهجمت على مراتي؟ ... حقي هيجي من اللي انت خايف عليه اوي ده.
ثم هجم عليه ليطول "حسن" فتحداه "حسن" قائلا:
أنا مش هخاف منك ... أنا معملتش حاجة ومش وسخ زيك.
قبل أن يتمكن "جابر" من القبض عليه دفعه "طاهر" وهو يصيح:
ده بعينك يلا.
ثم استكمل وهو يحذره:
اللي أنت بتعمله ده أنا متأكد إن أبوك ميعرفش عنه حاجة... علشان أنت كده هتفتح الدم بيننا تاني، اعقل وكفاية المهزلة دي.
فأردف "جابر" بتهكم:
قصدك العداوة بتاعة زمان؟، اللي أبويا وأبوك قفلوها....لا سيبك منها احنا نعمل بتاعتنا احنا.
تنهد "طاهر" بنفاذ صبر ثم قال أخيرا ما لم يرد قوله أبدا:
ماشي يا جابر... أنا موافق.
قالها بابتسامة جعلت شقيقه يطالعه بغير تصديق، هل قال أوافق حقا!، بالتأكيد أن كل ما يحدث ليس إلا هراء.
★***★***★***★***★***★***★***★
كان جالسا بمفرده حين لمح "سهام" التي اقتربت من مقعده المطل على البقعة الخضراء وسألته بابتسامة:
تحب أعملك حاجة يا "نصران"؟
_ لا.
كان رده مختصرا دفعها لسؤاله بحزن:
مش كفاية بقى يا نصران؟... أنا قولت شوية وهترجع عن اللي في دماغك ده، يعني نبقى في بيت واحد وعايشين أغراب، طب محدش خد باله دلوقتي أكيد هياخدوا بالهم بعدين
قاطعها ثم سأل بعد أن تنهد بثقل:
لو عايزة تطلقي أنا مش هعترض
صاحت باستنكار شديد لجملته:
يعني ايه؟... أنت كده بتظلمني، أنا عارفة إني غلطت واعترفت بغلطي، بس في حاجات كتير تخليك تغفرلي، عشت معاك كل السنين دي بما يرضي الله معملتش يوم حاجة تزعلك، ربيت ابنك في حضني واعتبرته ابني ولحد النهاردة موجوعة على فراقه...
_ وخسرتيني ابني التاني، لو تعرفتي تعوضي واحد مكنتيش عمرك هتقدري تعوضي التاني اللي عارف إن على إيدك دم أمه يا " سهام" .
مواجهته القاسية دفعتها للصراخ بغضب:
أنا مقتلتهاش.
وبنفس غضبها رد هو يصارحها بما حبسه:
بس سكتي، وغرقتي اللي غدر بيها وأهله كلهم في خيري، وفي خير عيالها.
بمجرد انتهاء حديثه سمعا معا صوت ابنتهما التي طالعتهما معا وهي تهتف:
مين دي يا بابا؟
كان نظرات رفيدة متلهفة لسماع الإجابة بينما كان كل منهما يريد أن يندثر الآن، يتبخر حتى يلحق بالنجاة من إجابة سؤال كهذا.
★***★***★***★***★***★***★***★
لم يواجه، وبعد ساعات اختار المغادرة، فاستوقفته "ملك" سائلة:
رايح فين يا "عيسى"؟
_ محتاج اخرج شوية.
أتى رده معبرا عن رغبته فقالت:
طب الممرضة جوا مع طنط وهي نامت بعد ضغط اليوم ده كله، ممكن أجي معاك؟
وقبل أن يعترض هتفت بإصرار:
لو سمحت عايزة أكون معاك.
خضع لرغبتها بالفعل ولاحظت هي أنه يتجه ناحية دراجة بخارية فتساءلت باستغراب:
الموتوسيكل ده مش بتاعك
وضح لها بهدوء:
اه ده بتاع " بشير" ... خدته منه امبارح، لو عايزة تركبي العربية مفيش مشكلة.
هزت رأسها نافية بابتسامة فركب على الدراجة وأتت هي خلفه، تمسكت به جيدا، ولاحظ هو قبضها عليه بشدة فقال ضاحكا:
لا كلبشي أكتر، كده هتقعي.
ضربته على كتفه فبدأ قيادته، كانت سرعته تزداد تدريجيا وهي تشعر بالهواء يصفعها من كل جهة حتى وصلت السرعة إلى حد دفعها لقول:
"عيسى" ممكن بالراحة شوية.
هوى قلبها أرضا، من سرعته التي تزداد وكأنه يفرغ غضبه بها، فشعرت بأنهم على بعد خطوات من إحدى نوباته، وفجأة وعلى عكس ما توقعت توقف وقال:
انزلي.
نزلت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، وقلبها يدق بسرعة شديدة وكأنه ماراثون، نظرت حولها فلم تجد أحد، الشارع مظلم، أخذت نفس عميق ورمقته باستنكار قائلة:
أنت كنت هتموتنا.
_ قولتلك بلاش تيجي.
كان هذا رده الذي جعلها تسأل بنزق:
يعني ده غلطي؟
سألها بنفس نبرتها:
امال غلطي أنا؟
لا تعلم من أين أتتها هذه القوة ولكنها دفعته بكلتا يديها بتحدي وهي تقول بإصرار:
اه غلطك.
بان في عينيها ضيقها المتراكم من أفعاله وهتفت أمام ذهوله:
كفاية بقى... أنت قبلت من الأول إنك تدخلني حياتك دي يبقى لازم تكون مناسبانا احنا الاتنين.
ثم ارتفعت نبرتها وهي تضرب على دراجته البخارية:
امبارح قولتلي إني اتعلمت اخد وما اديش... هو فين ده؟
أنا طول الوقت عايزاك كويس، وأنت زي ما تكون في حاجة جواك بتحاربني وتقولي لا مش هيبقى زي ما أنتِ عايزة،
تلألأت الدموع في مقلتيها وهي تخبره:
لو أنت عايز تكمل كده أنا مش هكمل خلاص
سمعت صوت تعلمه جيدا، صوت قادر على إثارة الرعب داخل نفسها وتذكيرها بليلة لا تنساها، صوت نباح الكلاب، وسريعا ما رأت ثلاثة يهرولوا ناحيتهم فهرعت ناحيته و احتضنته بكل قوتها، مروا وابتعد الصوت رويدا رويدا فرفعت رأسها تطالعه بذعر، فسألها بعينيه الصافيتين وقد غرقا في تفاصيل وجهها:
كنتي بتقولي إيه بقى؟
نظراته هذه، هي على يقين أن هذه النظرات التي يطالعها بها قادرة على إرباك على أي أحد، ولكنها همست بصعوبة:
بقول مش هكمل.
سألها بنبرة مماثلة:
ليه؟
وأتى ردها عفويا صادقا وهي تسرح في عينيه:
نسيت يا "عيسى".
هتف وهو يمسح على وجنتها:
بس أنا منستش... تحبي أسمعلك؟
هزت رأسها وهي تبتلع ريقها بصعوبة فقال بابتسامة:
أنا مش هسيبك، وهحاول اعمل علشانك كل اللي اقدر عليه، علشان....
قطع حديثه سماعه صوت هاتفه، لم يكن ليرد ولكنها طلبت منه:
رد ممكن يكون حاجة مهمة.
بالفعل استجاب لها ورد، كان اتصال من " طاهر"، قطب جبينه وهو يستمع لما يقال وما إن انتهى حتى هتف بغضب:
دي ليلة أبوها سودا هي وهو... اقفل يا طاهر وأنا هكلمك تاني.
بالفعل أغلق وقبل أن يجري اتصاله وسط تساؤل "ملك" أتاه آخر من صديقه، كان سيقوم بالاتصال به فرد مسرعا:
اسمعني يا بشير
أتاه الرد سريعا:
اسمعني أنت... أنت فين؟
وأكمل ملقيا قنبلته التي قلبت كل شيء رأسا على عقب:
الدنيا مقلوبة، "كارم" اتقتل.
هي أقوال، بمجرد أن تتلقاها مسامعنا ننكرها ولا نصدق، نطالع من أمامنا ونطلب منه أن يقول أي شيء ولكن بعد دقائق ندرك الحقيقة، ندرك أنها أقوال لا تُنسى أبدا.