رواية علي سبيل الألم الفصل الثاني عشر 12 بقلم رانيا ممدوح


رواية علي سبيل الألم الفصل الثاني عشر بقلم رانيا ممدوح 

بينما كان سيف ينهي آخر الترتيبات حول الجبيرة، نظر إلى سبيل بابتسامة دافئة وقال:


"تعرفي ؟ كنت دايما حاسس بفضول أعرف معنى اسمك... أو إيه اللي خلى والدك يختار لك اسم سبيل."


نظرت إليه سبيل بدهشة خفيفة، ثم تحركت شفتيها بابتسامة صغيرة


والدي كان دايما يقول إن الاسم ده معناه طريق الخير، وإنه دايما شايفني سبيل ليه للأمل والحياة... حتى لما الدنيا بتبقى صعبة عليه."


سيف هز رأسه بإعجاب وقال:


اسمك جميل ... وفيه قوة. يمكن ده اللي شايفه دلوقتي... رغم كل اللي مريتي بيه لسه واقفة وقوية.


سبيل شعرت بحرارة كلماته، لكن عينيها انخفضتا للحظة وهي تتمتم:


يمكن والدي كان شايف فيا حاجات أكبر مني .... لكن الحياة علمتني إنه مش سهل تكون سبيل للناس وأنت نفسك ضايع."


سيف رد بهدوء


"كلنا بنضيع في لحظات معينة، لكن ده ما يمنعش إننا نلاقي طريقنا تاني. يمكن ده اللي والدك كان شايفه فيكي ... الطريق مهما كان شاق، هيفضل موجود."

۵:٢١


:


:D


+


aya.blogspot.com


سبيل بتردد وصوت منخفض : "ممكن... أطلب منك يا دكتور حاجة؟"


سيف بابتسامة هادئة : "طبقا، اتفضلي عايزة تطلبي إيه؟"


لكن سبيل ظلت صامتة لفترة طويلة.


سيف شجعها بلطف: "أكيد، قولي اللي في بالك."


سبيل، وهي تخفض عينيها بخجل: "أنا... كنت عايزة أقول لحضرتك حاجة بس خايفة يكون طلب مش من حقي"


سيف بابتسامة هادئة : قولي مفيش حاجة اسمها طلب مش من حقك."


سبيل بتردد: اتعرفت هنا على بنت صغيرة اسمها هنا، وليها أخ صغير اسمه مدثر. لما اتقبض عليهم، فرقوهم عن بعض.... وكنت عايزة أعرف لو حضرتك ممكن تعرف لي أخبار مدثر. سمعتهم بيقولوا إن حضرتك بتشتغل في الأحداث تبع الولاد كمان.


توقفت للحظة، ثم أضافت بسرعة: "أسفة لو ده طلب زيادة مش قصدي أضايق حضرتك."

سيف نظر إليها باهتمام وقال بصوت مطمئن


" ولا يهمك يا سبيل لو الموضوع يهمك كده، أنا هسأل عن مدثر وأشوف لو أقدر أجيب لك أخباره. متقلقيش."


سبيل، بابتسامة صغيرة ظهرت على وجهها : بجد؟ شكراً جداً يا دكتور ربنا يكرمك."


سيف: "أنت بس اهتمي بصحتك دلوقتي، وأنا هعمل اللي أقدر عليه. طمني نفسك."


سبيل: "حاضر، شكراً مرة تانية."


سيف، بابتسامة مشجعة: "دا واجبي، متشغليش بالك."


كانت جليلة تقف خلف الباب، تستمع للمحادثة بين سيف وسبيل بوجه ممتقع من الغضب قبضت على يديها بعصبية، وشعرت بنيران الغيرة تشتعل في قلبها.


جليلة، في داخلها: "إيه اللي بيحصل ده؟ ليه بيهتم بيها كده؟ دي مجرد واحدة مسجونة وأنا... أنا هنا طول الوقت، وهو ولا بياخد باله مني"


لم تستطع جليلة التحكم في أعصابها أكثر، فابتعدت عن المكان بخطوات غاضبة، متوعدة في نفسها: "أنا مش هسيبها تفضل هنا مرتاحة معاه. هخليها تتمنى إنها ما طلبتش حاجة منه أصلاً"


وبينما كانت تسير بعيدًا، بدأت تخطط لخطوة جديدة لتبعد سبيل عن طريقها وعن اهتمام سيف.

وقفت جليلة في زاوية معزولة من حديقة المستشفى، بعيدا عن الأعين.


أخرجت سيجارة من جيبها وأشعلتها بشراهة، كأنها تحاول إخماد النيران التي تشتعل بداخلها. كان الدخان يتصاعد في الهواء، لكن غضبها كان أعمق من أن يهدأ بسيجارة.


جليلة، تحدث نفسها بغضب: "إيه اللي جرى ؟ أنا اللي كنت دايما الكل بيحسب حسابي، هأسيبها تاخده مني؟ لا ده مش هيحصل. لازم أشوف طريقة أرجع بيها السيطرة من تاني وأخلص من وجودها في المكان ده.


رفعت السيجارة إلى فمها مرة أخرى، وأخذت نفشا طويلا، بينما عيناها تلمعان بخطة جديدة تختمر في ذهنها كانت مصممة على أن تجعل سبيل تدفع ثمن كل شيء، ولو كلفها ذلك أكثر مما تتوقع.


بينما كانت جليلة تقف في الحديقة تدخن السجائر بشراهة، ظهرت المشرفة نهى فجأة أمامها توقفت جليلة عن التدخين للحظة، وألقت السيجارة على الأرض، محاولة الحفاظ على هدوئها.


نهی بوجه صارم مش عيب يا جليلة ؟ بتدخني في مكان المفروض يكون للمسؤولية والرعاية ؟ دي مش أول مرة أشوفك بتعملي كده ."


جليلة، بتحفز إيه يا مدام نهى؟ مش كفاية علينا الشغل اللي ميتحملش ؟ مش شايفة إن كل واحد محتاج وقت لنفسه، ولا إيه ؟"


نهى بحزم وقت لنفسك آه بس مش وقت للإفتراء على خلق الله . اللي عملتيه مع سبيل أنا عارفة إنه مش طبيعي البنت جاتلي بآثار ضرب وتعبانة في الليلة إياها ، وسمعت كتير عن أسلوبك معاها كمان."


جليلة، محاولة الدفاع: "ايه يعني ؟ هي دي قواعد المكان. كل السجينات لازم يتعلموا النظام بالطريقة دي. وإلا المكان هيفلت مننا."

نهى، بهدوء مليء بالتحذير: "تعليم النظام مش بالعنف ولا بالمؤامرات واللي حصل لسبيل مش هيعدي. أنا هبلغ الإدارة عن تصرفاتك، وأخليهم يحققوا في كل حاجة."


جليلة، بعصبية: "إدارة إيه ؟ دي مشاكل صغيرة، ليه بتكبري الأمور؟ البنت مش أول واحدة يحصلها كده، وماحدش اشتكى قبل كده


نهى، بثقة: "ده لأن مافيش حد كان يقدر يتكلم. بس دلوقتي فيه ناس هتتكلم وأنا مش هسكت خلي بالك يا جليلة، كل حاجة ليها حدود."


تركتها نهى وغادرت، تاركة جليلة تغلي من الغضب والخوف. كانت تعلم أن موقفها بات في خطر، وأن نهى قد تكون العقبة الكبرى أمام خططها.


بعد مغادرة الحديقة، توجهت نهى بخطوات واثقة إلى مكتب المديرة لتقديم شكوى رسمية ضد جليلة. طرقت الباب ودخلت بعد أن سمحت لها المديرة بالدخول.


نهى بصوت جاد: مساء الخير يا مدام سامية محتاجة أتكلم مع حضرتك بخصوص حاجة ضرورية جدا.


المديرة، وهي تشير إلى الكرسي: اتفضلي يا نهى. شكلك جايبة موضوع مهم. قولي."


نهى جلست وبدأت الحديث: "بصراحة، يا مدام سامية، أنا عندي مشكلة مع أسلوب المشرفة جليلة في التعامل مع البنات الحادثة الأخيرة مع سبيل كانت أكثر من مجرد صدفة. البنت اتعرضت لإهمال وتقصير مقصود، و أنا متأكدة إن ده أثر عليها صحيا ونفسيا ."

المديرة، بوجه جاد: إهمال وتقصير مقصود؟ وضحي أكثر."


نهى : "جليلة بتعامل البنات بعنف ومفيش رحمة فوق كده في شبهة إنها كانت ورا حادثة سقوط سبيل، لأن السلم اللي اتكسرت عليه كان فيه كسر واضح، وهي كانت الوحيدة اللي قريبة منه وقتها ، وكمان كانت ورديتها.


ومش أول مرة ألاحظ إنها بتستغل سلطتها بشكل خاطئ.


المديرة، وهي تسجل ملاحظات: "دي" اتهامات خطيرة جدا، يا نهى عندك أدلة على كلامك ؟"


نهى: "أنا مشفتش الحادثة بعيني بس البنات بيتكلموا، وفيه شهود ممكن يثبتوا كمان طريقة جليلة مع سبيل واضحة إنها بتستهدفها بشكل شخصي ، و معرفش السبب ايه من ساعة ما البنت دخلت هنا و جليلة متغيرة جدا.


المديرة، وهي تفكر: "هنتحقق من الموضوع ده، بس لازم الأمور تمشي بطريقة رسمية. هنتكلم مع البنات ونشوف مين ممكن يشهد. شكوتك هتتحط في الاعتبار، ولو ثبت الكلام ده التصرفات دي مش هتعدي أبدا."


نهى بحزم: شكرا يا مدام سامية. البنت دي في خطر لو فضلت تحت إيدها لازم نتحرك بسرعة.


المديرة: "اطمني، يا نهى العدالة هتتحقق."


نهضت نهى وخرجت من المكتب، وهي تشعر بالارتياح لأنها اتخذت الخطوة الأولى لحماية سبيل.


استدعت المديرة سامية جليلة إلى مكتبها بعد أن تلقت شكوى نهى. جلست سامية خلف مكتبها، وعيناها تنبعث منهما الجدية، بينما كانت جليلة تقف أداموا تراة

أمامها، تراقب الوضع بحذر.


سامية بصوت هادئ ولكنه قاسي: جليلة، تعالي هنا، فيه حاجة لازم نتكلم فيها."


جليلة، بحذر: خير يا مدام سامية؟ فيه حاجة ؟"


سامية، بنبرة حاسمة : وصلتني شكوى ضدك من نهى بتقول إنك كنتي السبب في الحادثة الأخيرة مع سبيل، وإنك كنت متعمدة إهمالها."


جليلة، باندهاش مصطنع : "إيه الكلام ده ؟! أنا ما عملتش حاجة. أنا كنت دايما براقبهم وأتابع كل حاجة سبيل دي ما كانتش تستحق اهتمام أكثر من كده."


سامية، بشدة و هي تدون الاسئلة : "هل يعني إنك تعترفي إنك مش بتهتمي بالسلامة ؟! كيف تفسري إن السلم كان مكسورا؟ هل دا كان من باب الإهمال أم فيه حاجة تانية؟"


جليلة، محاولة الدفاع عن نفسها: "لا، أنا ما قصدتش كده خالص. السلم كان عادي مش مكسور. دي مجرد حادثة، ولازم نوقف الموضوع ده ."


سامية، بنبرة حازمة: "لكن الناس مش شايفينها كده يا جليلة. في شكوى ضدك وفي إشاعات بين البنات. وإنت هنا في وظيفة تتطلب منك الرحمة والاهتمام، مش القسوة.


جليلة، بتوتر : "أنا مش قصدي. كل اللي كنت بعمله هو توجيههم، مش أكثر. أنا مش عايزة أكون سبب في مشكلة لأي حد."

سامية، بصرامة: "أنا هعمل تحقيق في الموضوع، ولو ثبت أي تقصير أو سوء تصرف منك لازم تكوني مستعدة انك تدفعي الثمن القوانين دي موجودة عشان تحمينا وتحمي كل اللي في رعايتنا احنا مش هنسمح بأي تجاوز."


جليلة بصوت منخفض: "مفهوم."


سامية: "كويس. خليكي جاهزة للتحقيقات، واحتفظي بهدوءك.


خرجت جليلة من المكتب، وقد شعرت بقلق يتسلل إلى قلبها. الأمور لم تكن تسير كما خططت لها، وكانت تدرك جيدا أن ما حدث قد يسبب لها الكثير من المشاكل.


تحدثت سامية مع مدير الإدارة نادر، بعدما تلقت الشكوى ضد جليلة جلست في مكتبها وهي تتصل به لتناقش الموضوع بجدية.

سامية، بصوت جاد: ألو، مع حضرتك سامية، مديرة قسم رعاية الأحداث.


عندي مشكلة مع إحدى المشرفات عندنا، جليلة. في شكوى جدية ضدها من زميلتها نهى بخصوص تعاملها مع سجينتنا، سبيل."


نادر، بصوت هادئ: "أيوة، أنا سمعت عن الشكوى. عايز تفهميني إيه اللي حصل بالضبط ؟"


سامية بصوت حازم: "الموضوع كبير جليلة كانت بتتعامل مع سبيل بطريقة مش لائقة، وفيه اتهامات إنها أهملتها لدرجة إنها وقعت من على السلم وكان ممكن يحصل لها حاجة خطيرة. الموضوع محتاج تحقيق .


نادر بصوت مقلق: "فيه دليل على الإهمال ؟ ولا دي مجرد شكوى ؟"


سامية، بشدة: "من اللي اكتشفناه لحد دلوقتي السلم كان مكسور بشكل متعمد، وكانوا عارفين إنه ممكن يوقع. جليلة كانت موجودة وهي شايفة كل حاجة. الموضوع دا لازم يتفتح ويتحقق فيه."


نادر بجدية: دي حاجة كبيرة. هنعمل اجتماع طارئ مع الإدارة، ونفتح تحقيق شامل. إحنا مش هنسكت عن أي تقصير، لكن لازم نكون حريصين في اتخاذ أي قرار."


سامية، بتأكيد: "أيوة، أنا فاهمة كويس. متابع مع الفريق هنا، وأوافيكم بكل جديد بس ياريت تتأكدوا إن التحقيق يبدأ بأسرع وقت."

نادر: "مفيش مشكلة هنتصرف بسرعة. هنبعت لك كل التفاصيل قريبا. شكرا إنك نبهتينا يا مدام سامية.


بعد المكالمة، كانت سامية حاسة بثقل المسؤولية عليها. الموضوع ليس مجرد حادث، لكن اختبار حقيقي لسلامة الإجراءات في المؤسسة.


طلب نادر من السكرتيرة الخاصة به أن تستدعي جليلة للمكتب على الفور. عندما دخلت جليلة، كانت تبدو متوترة، لأنها شعرت أن شيئا غير جيد سيحدث.


نادر، بنبرة رسمية: "إتفضلي ، يا جليلة. اقعدي."


جليلة، وهي تجلس بتوتر : "أهلاً، حضرة المدير. في حاجة ؟"


نادر بصوت حازم في شكوى اتقدمت ضدك من زميلتك نهى بخصوص تعاملاتك مع السجينة سبيل. إيه اللي حصل بالضبط؟"


جليلة، تحاول التماسك : "أنا مش فاهمة. أنا ما عملتش حاجة غلط نهى كانت عايزة تركز على شغلي وتكبر الموضوع.

نادر بجدية : الشكوى مش بس على شغل، لكن على تصرفاتك في التعامل مع سبيل. تم اتهامك بأنك سيبتيها تقع من على السلم بعد ما كان مكسور عمدًا. ده إهمال خطير.


جليلة، بحيرة: "مفيش حاجة زي دي حصلت السلم كان فيه كسر بسيط مكنش فيه أي خطر. أنا كنت بتابع شغلي كويس و أنا طلعت عليه كتير ."


نادر بنبرة مشككة: "أنا مش معاكي في اللي حصل ده يا جليلة. ده مش موضوع بسيط. لازم نفتح تحقيق في الموضوع ده، وإن كان عندك أي تفسير ده الوقت اللي تشرحي فيه.


جليلة، تحاول الدفاع عن نفسها: "أنا متأكدة مفيش حاجة تعمدتها، وكل اللي عملته كان في إطار الشغل. لو في أي مشكلة، مش هتأثر على شغلي." 11


نادر، بنظرة حادة: "التصرفات دي مش بسيطة، يا جليلة. التحقيق هيتفتح، وفيه إجراءات لازم تتاخد. اتأكدي إنك جاهزة لكل حاجة."


بعدما أكمل نادر حديثه، كانت جليلة تدرك أنها في موقف صعب جدا، ولا بد أن تتحمل عواقب تصرفاتها.

لكن فجأة نادر نظر إلى جليلة بإبتسامة خفيفة وكأنما يلاحظ فيها شيء من الماضي، وقال بنبرة مليئة بالفخر: "كأني شايف المرحومة والدتك قدامي، حكمت أبو المعاطي، كانت زيك بالظبط كانت شديدة و كل الاحداث كانوا بيخافوا منها و بيعملولها ألف حساب ، شغلك عاجبني، والضبط في السجن، والخوف اللي عند السجينات منك، كله واضح و كله كويس.


جليلة، التي كانت تظن أنها في موقف صعب اندهشت من كلام نادر. قالت بحذر: "حضرتك .... بتقول كده ليه ؟"


نادر، وهو يرمقها بنظرة مليئة بالتقدير: "أنا عارف إنك مش هتقبلي التعامل مع السجينات برفق، انت جاية من خلفية مش سهلة. لكن دي حاجة تانية شغلنا هنا محتاج نوع من القوة والصرامة. وأنت عندك القدرة على ده حبيت أقولك إنك قادرة على قيادة المواقف زي ما كانت والدتك كده.


جليلة، وهي تحاول استيعاب الكلام: "لكن... كان في شكوى ضدي. هل ده يعني إنك بتدعمني؟"


نادر، وهو يبتسم: "ما تقلقيش الشكوى هي بس جزء من الشغل إجراء روتيني مش أكثر . أنا حاسس إنك بتعرفي تتعاملي مع الوضع بذكاء. أنا هنا عشان أساعدك مش علشان أضايقك و أقف ضدك."

جليلة، التي بدأت تشعر بالراحة: "شكرًا لحضرتك أنا هعمل كل حاجة علشان أكون على قد المسؤولية."


نادر، وهو يوجه لها نظرة حادة: "أوعي تستهوني بأي حاجة، خصوصًا مع الوضع الحساس في السجن. الشغلة مش سهل، بس أنت قدها ."


جليلة، وهي تبتسم بابتسامة راضية: "مفيش مشكلة، أنا هكون قد التحدي."


نادر بنبرة حاسمة: "تمام. خليكي دايما مركزة. دلوقتي تقدر تروحي بس قبل ما تمشي هقولك حاجة تانية."


نادر نظر إليها مرة أخرى وقال بابتسامة خفيفة: " الترقية الجديدة هتكون بإسمك، وده بعد ما تم استبعاد نهى منها."


جليلة، التي شعرت بالدهشة، نظرت إليه وقالت: "إيه؟! يعني أنا؟"

نادر، وهو يمد يده ليغلق الملف أمامه: "أيوه، إنت. إحنا شايفين فيك القدرة على إدارة الأمور بشكل أفضل، ولديك القوة لفرض النظام. نهى كانت مشاكلها كتير و أكبر مشاكلها إن قلبها ضعيف ، وده أثر على شغلها. فكان القرار إن الترقية دي تكون ليك."


جليلة، بتردد: "أنا... مش متخيلة. ده شيء كبير."


نادر، وهو يرفع حاجبه بابتسامة خفيفة: "ما تتخضيش ده شغلنا، ودائمًا فيه تحديات بس إنت قادرة عليها، وأنا واثق فيك.


جليلة، بعد أن استوعبت الخبر: "شكرًا جدًا، هحاول أكون على قد المسؤولية."


نادر، وهو يتحدث بنبرة حاسمة: "مافيش حاجة اسمها محاولة ده شغل لازم تنفذيه على أكمل وجه. لو عملتي كده، هتقدري تثبتي نفسك أكثر في مكانك."


جليلة نظرت إلى نادر وقالت بحيرة: "لكن نهي أقدم مني وكمان أكبر مني بعشرين سنة، مش ممكن تكون هي الأولى في الترقية؟"


نادر ابتسم ابتسامة خفيفة وقال: "نهى" كانت ممكن تكون الأولى لو شغلها كان زي شغلك، لكن في الفترة

الأخيرة كان عندها مشاكل في الإدارة بسبب حنيتها الزايدة، واتعاملت مع السجينات بشكل مش مناسب لينا. إنتِ قدراتك مختلفة، وإنت أثبتي إنك قادرة على التحكم في الوضع بشكل أقوى. السن مش هو اللي بيحدد الكفاءة، الشغل هو اللي بيتكلم."


جليلة هزت رأسها بحيرة، لكنها بدأت تشعر ببعض الفخر: "أنا كنت شايفة إن نهى ممكن تكون أحسن مني، لكن دلوقتي فهمت إنك شايف في حاجة مميزة."


نادر بالظبط. وأنت قدها، لو ركزت في شغلك أكثر، هتثبت كفاءتك وتكوني قد المسؤولية. المهم دلوقتي هو الأداء، مش السن أو الخبرة بس."


قالت جليلة بتوتر : طب" والتحقيق اللي متقدم ضدي حضرتك متأكد إني كده فلتت منها ؟"


نادر نظر إليها بجدية وقال : "التحقيق ده هو جزء من الإجراءات، لكن أنا شايف شغلك بجدية وبتفاني. لو كان فيه أي حاجة ضدك، أكيد كان التحقيق هيتعامل معاك بشكل أقوى، بس لما نركز على الأدلة والشهادات ما فيش حاجة هتضرك."


جليلة بتوتر : لكن لو اتثبت إنني تجاوزت حدودي ده ممكن يأثر على مستقبلي هنا."


نادر ابتسم وقال: "ما فيش حاجة هتأثر عليك طالما أنت شغلك ممتاز، وأنا موجود عشان أضمن إنك هتحصلي على فرصتك. التحقيق مش إلا إجراء روتيني، وأنت لو ما عملتيش حاجة غلط غير اللي أعرفه ، يبقى ما فيش حاجة تخافي منها أبدا ."


ردت جليلة بنبرة ساخرة: "شكراً يا نادر باشا، لو فيه حاجة تانية أنا جاهزة.


وصل خبر الترقية إلى الأحداث بسرعة، وانتشر بين الجميع كالنار في الهشيم. كانت الصدمة واضحة على وجوه السجينات، فقد توقعوا أن تكون جليلة عرضة للمحاسبة بسبب تصرفاتها، لكن ما حدث كان مفاجئا تمامًا. الجميع كانوا يعتقدون أن هناك عدالة في محاسبة المسؤولين، لكن جليلة فاجأت الجميع بترقيتها، وحصولها على سلطة أكبر وشعبية وسط الجميع.


سبيل، التي كانت في المستشفى، سمعت عن الترقية وتساءلت عن السبب الذي يجعل جليلة تزداد قوة بدلاً من أن تدفع ثمن أفعالها. كانت تراقب الوضع عن كثب، وهي تشعر بالغضب، لكن في ذات الوقت كانت تلتزم الصمت تراقب وتنتظر الفرصة المناسبة للرد.


أما جليلة نفسها، فكانت تعرف تماما أن هذه الترقية ستكون بداية عهد جديد لها في السجن، 


تستطيع فيه التحكم أكثر، وتضمن من خلاله أن تبقى في قمة السلطة، لكن كان هناك شيء آخر يشغل بالها.


كانت شهيرة تعد نفسها لاستقبال جليلة بحماس. كانت تعرف جيدا ما تحبه جليلة، لذا اختارت بعناية باقة من التوليب الأبيض الجميل، الأزهار التي تعشقها جليلة لنعومتها ورقتها بجانب الأزهار وضعت الشيكولاتة البيضاء الخالية من أي حشوات التي كانت المفضلة لدى جليلة. شهيرة كانت تأمل أن يكون هذا الاستقبال بمثابة لفتة تقدير لجليلة على ترقيتها الجديدة، وكذلك لتهنئتها على صعودها السلم الوظيفي.


عندما دخلت جليلة، لم تستطع أن تخفي ابتسامتها الصغيرة عند رؤية الباقة والشيكولاتة، فقد كانت تعرف تماما أن شهيرة قد بذلت جهدًا كبيرًا في ترتيب هذا الاستقبال.


شهيرة: "اتفضلي، يا جليلة بوكية من التوليب الأبيض زي ما بتحبي، وكمان الشيكولاتة البيضاء من غير اي حشوة، عارفة ذوقك.


جليلة: "آه، يا شهيرة، إنت دايما فاهمة التفاصيل دي. شكراً ليكي بجد."


شهيرة: "ألف مبروك على الترقية، أنا فرحانة ليكي بجد كنت تستحقيها."

جليلة: "أيوة، الترقية دي جت بعد تعب كبير، بس الحمد لله دلوقتي بقت فرصتي إني أحقق اللي نفسي فيه مفيش حاجة بتيجي بسهولة، وده شغل متعب . 11


شهيرة: مبسوطين ليكي بس مفيش حد يقدر يقاوم جليلة في شغلها اللي عندها طموح هتوصل لللي عايزاه."


جليلة: "وأنا مش هوقف عند هنا، دي البداية بس. لازم أسيطر على كل حاجة، وأثبت للجميع إن مفيش حد يقدر يوقفني."


شهيرة: "إيه يعني... بس خلي بالك في ناس مش هتستحمل تشوفك دايمًا فوقهم ، و أعلى منهم."


جليلة : "اللي عايز مكان هيشوفني وأنا فيه، واللي مش عاجبه... دي حياته، مش هأهتم."


شهيرة: "بس برضه خلي بالك في اللي ممكن يشكوا فيكي... خصوصًا بعد التحقيقات اللي كانت معمولة ضدك."


جليلة: "التحقيقات ؟! ما حدش يقدر يهزني ده مجرد لعب أطفال. المهم إن اللي فوقي عارفين أنا عملت إيه و أنا مين ."

شهيرة أخرجت علبة تحوي على سجائر جليلة المفضلة، وضعتها أمامها وقالت بابتسامة: "دي بقى هدية خاصة، عارفة إنك بتحبيها."


جليلة أخذت العلبة وفتحتها بابتسامة غامضة، ثم قالت: "شكراً ليكي يا شهيرة، دي هدية مزاجها عالي و كمان بطعم الفراولة . أنا فعلا كنت عايزة حاجة زي حاجات اليومين دول شكلها زي حاجات الأطفال."


شهيرة بابتسامة: "مبروك عليك، وإن شاء الله دي بداية لنجاحات أكبر بس خلي بالك من نفسك، مش كل الناس هتفرح لترقيتك زي ما إحنا فرحانين ليكي."


جليلة ضحكت قليلاً وقالت: "الناس دول في دماغهم، لو زعلوا مني يبقى حياتي هتقف و لا فاكرين ده مش شغلي. اللي فوقي عارفين إمكانياتي، وده أهم حاجة عندي ."


شهيرة بابتسامة خفيفة: "أكيد، المهم إنك مستمتعة باللحظة ما تفكريش في اللي حواليكي دلوقتي استمتعي بحياتك الجديدة.


جليلة نكست رأسها بتفكير ثم قالت: "مستمتعة ؟ يمكن. لكن لازم أركز على الشغل دلوقتي، مفيش وقت للراحة."

علمت نهى بما حدث وأصيبت بصدمة كبيرة. كانت تنتظر أن يكون هناك تحقيق حقيقي، وأن يتم معاقبة جليلة على تصرفاتها، ولكن ما حدث كان عکس توقعاتها تمامًا. بدلاً من العقاب، تم ترقيتها وتقديرها. شعرت بخيبة أمل ومرارة في قلبها، وقررت أنها لن تترك الأمور تمر ببساطة.


نهى تحدثت مع نفسها بغضب: "إزاي ده يحصل ؟! جليلة دي غلطت كتير ومع ذلك جايه تترقى دلوقتي ؟ مش ممكن ! لازم أعمل حاجة."


ذهبت إلى مكتبها، وبدأت تفكر في كيفية التصرف وكيفية التعامل مع هذا الوضع الذي أصبح يهدد مكانتها في العمل. كانت تعلم أن الطريق أمامها ليس سهلا، ولكنها لن تستسلم بهذه السهولة.


نهی بخوف: "ما فيش حاجة هتوقفني. لو مش هينفع بالطريقة العادية، مستخدم طريقتي."


فوجئت نهى عندما اقتحمت جليلة الغرفة ووقفت أمامها بابتسامة ماكرة على وجهها.


جليلة، بنبرة متغطرسة: "إيه ده؟ إنتي هنا لسه ؟ ما خلاص ده دلوقتي بقي ملكي الترقية بتاعتي ومفيش حد يقدر ينافسني. لو سمحتي، قومي من مكانك مكانك مش هنا.

نهى، وقد شعرت بالغضب يتصاعد في داخلها: "إزاي بتتكلمي كده؟ ده مكان عملي، مش ملكك. إنتي مش هتقدري تسيطرى على كل حاجة كده.


جليلة، وهي تبتسم بتفاخر: "آه، خلاص بقی مفیش حاجة هتوقفني دلوقتي كل حاجة بقت تحت سيطرتي يا ريت لو تسمعي وتخلي مكانك مفيش حد فينا له قيمة في المكان ده إلا اللي بيعمل الصح."


نهى محاولة الحفاظ على هدوئها: "إنتي مش هتكمليني كده يا جليلة ده مش هيمشي بالطريقة دي.


جليلة، وهي تلتقط نفسًا عميقًا: "إزاي مش ماشي ؟ إنتي متأكدة من ده؟ ده مكان جديد ليا، وملك ليا دلوقتي عموماً، اعتبري المكان مكانك، بعد ما تسيبيه هتلاقي المكان كله اتغير.. أصله مش عاجبني كده ، تحسيه بيئة


نهى نظرت إليها بغضب، ثم خرجت من الغرفة بلا كلمة أخرى، بينما جليلة وقفت هناك تشعر بأنها حققت انتصارًا جديدًا في مشوارها.


جلست جليلة على الكرسي الفاخر في الغرفة وضعت ساقيها على المكتب وابتسمت بتفاخر وهي تنظر حولها. كانت تشعر أن كل شيء أصبح تحت سيطرتها، وأنها تملك كل شيء الآن. بعد لحظات نظرت إلى العاملة التي كانت واقفة بجانب الباب

وقالت بنبرة متعالية


"إيه رأيك تجيبي لي عصير مانجو؟ عارفه إنه مفضل عندي، ولا إيه ؟ لو مش عارفة اديكي عرفتي 11


العاملة، التي كانت تشعر بالرهبة من جليلة، ردت بسرعة: "حاضر يا فندم هجيبلك دلوقتي.


جليلة أغمضت عينيها قليلاً، وهي تشعر بالراحة بينما كانت تراقب العاملة وهي تخرج من الغرفة. ثم رفعت ساقيها عن المكتب، وضعتها على الأرض وبدأت تمشي بخفة في المكان، كما لو كانت تتأكد من أن كل شيء في محله الآن.


دخلت شهيرة المكتب وهي تحمل ابتسامة واسعة على وجهها، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة.


اقتربت من جليلة وقالت بفخر


اش اش محدش قدك يا جليلة ! ده يومك بجد كل حاجة دلوقتي تحت سيطرتك. الترقية كانت مجرد بداية دلوقتي الكل هيشوف مين الملكة هنا !"


جليلة نظرت إليها بابتسامة واثقة، ثم ردت بنبرة هادئة ولكنها مليئة بالفخر


طبعًا، زي ما توقعت كل حاجة كانت بتتحرك لصالحي دلوقتي مفيش حاجة توقفني."

شهيرة ضحكت وقالت "أنا مش شايفة حد يقدر يوقفك دلوقتي، ومبروك مرة ثانية على الترقية الكبيرة دي. بجد، تستاهليها."


جليلة ابتسمت وقالت "أنتِ" دايما فاهمة الموضوع صح، مش عايزة غير اللي لي ."


قالت جليلة بابتسامة ساخرة: "سلام، دلوقتي لازم أشوف العصفور الصغير اللي انكسر جناحه." ثم نهضت من مكانها، وأخذت نفسًا عميقا، وكأنها تحضر نفسها للمواجهة القادمة.


شهيرة نظرت إليها بتساؤل، ولكنها لم تسأل، لأنها كانت تعرف تمامًا إلى من كانت تشير جليلة. "خلي بالك دي خطوة محسوبة، مفيش حد هيقدر يوقفك دلوقتي." قالت شهيرة وهي تراقب جليلة تخرج من المكتب.


جليلة لم ترد عليها، بل كانت أفكارها مشغولة بشيء آخر، فقد كانت عازمة على اتخاذ خطوة جديدة لفرض سيطرتها، وتلك الخطوة كانت تبدأ من "العصفور الصغير".

الفصل الثالث عشر من هنا

تعليقات