رواية جمر الجليد الفصل السادس عشر 16 بقلم شروق مصطفي


رواية جمر الجليد الفصل السادس عشر بقلم شروق مصطفي 

في منزل محسن، نرمين توقفت أمام محسن وهي تقوم بتعديل الكرافت له، وقالت:


"متأكد يا محسن من الخطوة دي؟ مش كنا استنينا حضور سيلا؟ أحسن تكون وسطينا على الأقل."


رد محسن بابتسامة مطمئنة:


"يا حبيبتي، هما جايين تعارف مش أكتر، ومش هنعمل أي حاجة إلا بحضور سيلا طبعًا."


نرمين أيدت كلامه قائلة:


"اللي تشوفه. هروح أشوفها خلصت ولا لسه."


ثم وجهت نرمين كلامها لمي وهمسة:


"ها يا بنات، جهزتوا؟"


ردت مي بثقة:


"أيوه يا طنط، خلاص، فاضل حاجات بسيطة بس."


أما همسة فقالت بخجل:


"إيه رأيك يا ماما؟"


ابتسمت الأم بفخر وقالت:


"قمر يا حبيبتي ما شاء الله."


رن جرس الباب، فالتفتت نرمين قائلة:


"أنا طالعة أستقبلهم. خليكوا لحد ما أنادي عليكم."


هزّ البنات رؤوسهن بالموافقة، لكن همسة سألت بقلق:


"شكلي حلو؟"


ردت مي مؤكدة:


"والله قمر!"


لكن همسة أضافت بتوتر:


"أنا هستناكي هنا، مش هحضر معاكو بره."


رفضت مي بشدة:


"لا طبعًا، إنتي هتقعدي معانا! إنتي مش شايفاني عاملة إزاي؟ لا لا."


مي قالت بقلق:


"أنا خايفة يجيب الزفت ده معاه. ولو شفته مش عارفة ممكن أعمل إيه بجد."


ردت همسة بحزن:


"هتسبني يعني لوحدي معاهم بره؟"


تنهدت مي قائلة:


"فين لوحدك بس!"


لكن همسة أصرت:


"لا لا لا، مش هينفع بجد، خلاص مش هطلع أنا كمان."


استسلمت مي:


"خلاص، أمري لله."


في الخارج


استقبلت نرمين ومحسن الضيوف؛ وليد، وأخوه عامر، وزوجته، وأولاده التوأم كرما وكنزي، وابن عمه معتز.


كانت رودينا متفاجئة عند دخولها المنزل، إذ ظنت أنه منزل صديقتها سيلا، وامتلأت بالحماس لرؤيتها.


قال محسن مرحبًا:


"أهلًا بيكم، اتفضلوا."


دخل الجميع وسلموا على نرمين، واتجهوا للصالون.


بدأ وليد بالتعريف عن عائلته:


"ده عامر، أخويا الكبير، ودي بنت عمي رودينا ومراته، ودول التوأم كرما وكنزي، وده معتز ابن عمي."


ثم أضاف:


"وعاصم في مأمورية، لكنه على علم بكل شيء، وأول ما ينزل هنتقابل تاني بإذن الله."


رحب محسن وزوجته بهم بحرارة:


"أهلًا بيكم، منورين والله. وكتاكيت صغيرين حلوين ما شاء الله."


ابتسمت رودينا وسألت:


"طنط، مش فاكراني؟"


نظرت لها نرمين وقالت بتردد:


"والله بشبه عليكي فعلًا."


قالت رودينا بحماس:


"أنا وسيلا كنا زمايل في الجامعة، ومي كمان."


تذكرتها نرمين وقالت:


"آه، فعلًا! اختفيتي فجأة مرة واحدة. سيلا لو شافتك هتفرح بيكي جدًا، ومي كمان. دي مي حتى جوة، هتفرح أوي لما تشوفك."


حين سمع معتز اسم مي، لمعت عيناه ببريق غريب؛ فقد كان ينتظر رؤيتها بفارغ الصبر بعد أن قطع عليها عملها ومنع الصحف من توظيفها.


قالت رودينا بحماس:


"بجد هنا؟ طيب ممكن أدخل لهم؟"


ردت نرمين بترحاب:


"آه طبعًا، تعالي معايا."


في غرفة البنات


طرقت نرمين الباب، ففتحت مي ووجدت رودينا أمامها. ما إن رأتها حتى قفزت من الفرحة:


"آآآآه دودو!"


ركضت مي نحوها واحتضنتها قائلة:


"وحشتيني يا جزمة! كل دي غيبة؟"


ردت رودينا:


"وانتي كمان وحشتيني، وسيلا كمان، غصب عني. إخواتي طبعهم صعب جدًا."


بحثت رودينا بعينيها وسألت:


"أمال هي فين؟"


حاولت مي تغيير الموضوع قائلة:


"أحم، ودي عروستنا. إيه رأيك؟"


ابتسمت رودينا وقالت:


"همسة حبيبتي، إزايك؟"


ردت همسة بتوتر:


"الحمد لله، انتي عاملة إيه؟"


سألت مي بمزاح:


"اتجوزتي يا بت؟"


ضحكت رودينا:


"أيوه، ومعايا كرما وكنزي كمان."


قالت مي بسعادة:


"الله! ماجبتيهمش نلعب بيهم ليه؟"


ردت رودينا ساخرة:


"مين هيلعب بمين؟ هما اللي هيلعبوا بيكو! هما بره مع باباهم."


ثم أضافت بحماس:


"خلينا نركز مع عروستنا. أنا فرحانة أوي إنك هتبقي سلفتي بجد."


احتضنت رودينا همسة وأضافت بمزاح:


"وليد عرف يختار بقى!"


ضحكت مي وقالت:


"يا بنت، خفي عليها شوية. مش شايفة قلبت ألوان إزاي؟"


ردت همسة:


"والله انتو رخمين أوي!"


قاطعتهم نرمين وهي تفتح الباب:


"يلا يا بنات، تعالوا اقعدوا وسطينا بقى."


في الصالون كان معتز جالسًا أمام الباب، منتظرًا لحظة ظهور مي بشغف.


تقدمت نرمين بجانب همسة، بينما كانت رودينا تمسك بيدها. لاحظ عامر ذلك وعلّق بابتسامة على زوجته:


"أنا شايف إنهم أخدوا على بعض أوي."


ردت رودينا بحماس:


"طبعًا! همسة دي أختي أصلاً. بجد يا وليد عرفت تختار." ثم جلست بجانب زوجها.


سلمت همسة على الجميع بتوتر، وقدمت المشروبات، ثم جلست بجانب والدها، وظلت تنظر إلى الأرض دون أن تتحدث كثيرًا.


تأخرت مي عن الانضمام إليهم قليلاً. وعندما جاءت، قدمتها نرمين قائلة:


"دي مي، صديقة العيلة."


رحبت مي بابتسامة جذابة ورقيقة:


"أهلًا بيكم." ثم جلست بجانب همسة وأمسكت بيدها، محاولة تخفيف حدة التوتر عنهما معًا، ولم تنظر أو تعره أي انتباه.


بدأ الجميع في الحديث وتبادل الأحاديث العامة، إلى أن تحدث عامر بجدية قائلًا:


"إحنا يا عمي جايين النهارده قعدة تعارف، وإن شاء الله يكون فيه قبول بينا. إحنا طالبين إيد بنتك همسة لأخويا وليد.


أنا ووليد ملناش غير بعض، وولاد عمنا قريبين من بعض جدًا. جايين نتعارف النهارده، لأن في فرد من العيلة غايب، سواء عندكم أو عندنا."


رد محسن بابتسامة ترحيب:


"ده شيء يشرفني طبعًا، وأنا اتشرفت بمعرفتكم بجد. خصوصًا لما وليد كلمني، وقلتله مفيش حاجة تتم إلا بحضور بنتي. هو كمان أكدلي إنه مش هيتم أي شيء إلا بحضور الكل."


قال عامر:

"على بركة الله."


ثم استأذن وليد قائلًا:

"عمي، ممكن أتكلم معاها شوية؟"

رد محسن موافقًا:


"طبعًا، تعالوا اقعدوا في الفرندة هناك."


وأشار لهم إلى مكان جانبي في نفس الغرفة (الصالون).


وقفت همسة بتردد، ووقف وليد بجانبها، ثم ذهبا معًا للتحدث.


بعد ذلك، استأذنت مي قائلة:


"بعد إذنكم، هقوم شوية."


وبعدها مباشرة، استأذن معتز قائلاً:


"ممكن أدخل الحمام؟"


رد محسن بابتسامة:


"أيوة طبعًا، اتفضل."


لكن دخول الحمام كان مجرد حجة من معتز لـ...


عند وليد ينظر إلى همسة بحاجب مرفوع:

"إيه بقى؟ ينفع كده مترديش عليا؟ أهون عليكِ؟"


ردت همسة بخجل ممزوج بالصراحة:


"الصراحة... آه.


وليد بدهشة وابتسامة ساخرة:


"والله؟"


همسة، محاوِلة توضيح موقفها:


"يعني أنا مش بكلم حد ما أعرفهوش، ومش ممكن أخون ثقة أهلي. بس كده."


ابتسم وليد وقال بنبرة هادئة:


"وعشان كده أنا جيت النهارده، علشان أتعرف عليكِ. مش كده أحسن؟"

همسة بخجل شديد:


"أكيد."


بدأ الاثنان يتحدثان بهدوء للتعرف أكثر على بعضهما، وظهر القبول على ملامحهما، وكأنهما بدآ يشعران بالراحة تدريجيًا.


---

في الداخل - ترك محسن معتز عند باب الحمام وعاد إلى باقي الضيوف. لكن معتز لمح مي واقفة في المطبخ، فتأكد أن الجميع منشغل، وذهب إليها.


توقف معتز عند باب المطبخ، وربع يديه بنبرة استفزازية:


"حلوة القعدة في البيت، مش كده؟"


انتفضت مي من أثر صوته، ثم التفتت إليه بنظرة ممتلئة بالاشمئزاز:


"تصدق إنك بجح؟ وليك عين تتكلم كمان؟ اتفضل اخرج برا."


معتز ببرود:


"أنا أقف في المكان اللي يعجبني!"


مي، وقد بدأت تفقد أعصابها:


"إنت بني آدم متكبر ومستفز جدًا! مش كفاية اللي عملته؟ جاي تشمت كمان؟ أنا لو أقدر كنت قتلتك بجد!"


ضحك معتز بقهقهة مستفزة:


"بجد؟ ضحكتيني."


مي وهي تحدق فيه بغضب:


"يخرب بيت برودك. إيه كمية الغل والسواد اللي جواك دي؟ روح عالج نفسك الأول، إنت مريض بجد!"


معتز بغضب مكتوم:


"بنت! احترمي نفسك واعرفي إنتِ بتكلمي مين."


مي بسخرية:


"هه، وهكلم مين يعني؟ واحد مغرور وشايف نفسه. ولزق كده... مش عارفة على إيه."


ثم نظرت إليه بنظرة مليئة بالاشمئزاز:


"ملزق! يا بيئة إنت. هو إنت تطول تكلم واحدة زيي أصلاً؟"


معتز، وقد فقد صبره:


"وأنا أصلاً مين قالك إنك تعنيلي حاجة؟ أنا...!"


قاطعت مي بحدة:


"ومين قالك إني عايزة أكلمك؟ ولا هموت عليك أصلاً؟! ومبسوطه إني قعدت في البيت... كنت محتاجة أريح نفسي من كل ده."


ثم تركته دون أن تنتظر رده، وخرجت من المطبخ بعد أن أنهت عملها.

خرجت مي من المطبخ، ولم تكن ترغب في العودة للجلوس مع الباقين. وبينما كانت في طريقها للدخول إلى غرفتها، نادت عليها رودينا قائلة:


"مي!"


التفتت مي إليها بقلة حيلة، ثم جلست بجانبها. سألتها رودينا بابتسامة:


"كنتي فين؟"

ردت مي:

"كنت في المطبخ، بعمل حاجة."

رودينا بغمزة ماكرة:


"طيب، مفيش أخبار جديدة كده ولا كده؟"

ضحكت مي محاولة التهرب:

"يعني!"


رودينا:


"يعني إيه؟ مش فاهمة!"


في هذه اللحظة، كان معتز جالسًا قريبًا منهما، وبدأ يشعر بغضب غريب دون أن يفهم سببه، خاصة بعدما سمع حوارهما.


--

بينما كان عامر يتحدث مع محسن ونرمين عن طبيعة شغلهم ومشاريعهم، كان هناك اتفاق على التعاون المستقبلي بين العائلتين في مجال الحراسة، إذ إن عامر يملك شركات مختصة في هذا المجال.


مي، في الجهة الأخرى، ضحكت بصوت عالٍ وهي تحاول كتمه، لكنها لم تستطع. أمسكت بفمها وقالت:


"بصي، يعني هو زميلي في الجريدة، وناوي يتقدم قريب!"


رودينا بفرحة:


"بجد يا حبيبتي؟ ربنا يتمم لكِ على خير يا رب!"


ثم سألت رودينا:


"وإيه أخبار سيلا؟"

ردت مي بنبرة حزينة:

"للأسف، سيلا حكايتها حكاية... هي رافضة فكرة الزواج من زمان. وكل مرة حد يتقدم، بترفض."


رودينا باستغراب:


"ليه كده؟


مي بحزن: "من وقت الحادثة اللي حصلت زمان، وهي اتعقدت من الموضوع كله."


رودينا بتعاطف:


"يااه، معقولة؟ ربنا يهديها ويطمن قلبها يا رب."


مي:


"يا رب."


في هذه اللحظة، جاءت ابنة رودينا الصغيرة تقول:


"ماما، عايزة أشيب!"


ضحكت مي وقالت مازحة:


"ترجمي يا دودو، هي عايزة إيه؟"


رودينا بضحك:


"عايزة تشرب."


مي بابتسامة عريضة:


"بقت أشيب دلوقتي؟ أيامنا كان أمبو! إحنا اتطورنا خالص."


رودينا:


"أكيد يا بنتي!"

--


انتهى اللقاء بعد حديث ممتع، وتم الاتفاق على لقاء جديد في حضور الأخ الأكبر الغائب. غادر الجميع المنزل، وكل شخص كان يحمل أفكارًا ومشاعر مختلفة عما حدث في هذا اليوم.


.

كان جالسًا في مكتبه، محاطًا بأوراقه وملفاته، بينما الحاسوب أمامه يعرض مجموعة من البيانات. فجأة، صدر صوت إشعار أزعجه. رفع نظره إلى الشاشة بدافع الفضول، لكن ما رآه جمد الدم في عروقه. محتوى الرسالة كشف شيئًا لم يكن يتوقعه أبدًا.


تجمد للحظة، ثم تبدلت ملامحه بالكامل إلى الغضب الشديد. أسقط القلم من يده، ونهض بسرعة، متجهًا بخطوات غاضبة نحو غرفتها.


فتح الباب بقوة، ليجدها تخرج لتوها من الحمام، تمسك المنشفة لتجفف شعرها. التقت عيناها بعينيه، وشعرت وكأنها أمام بركان على وشك الانفجار. لم تتوقع أن يكتشف الأمر بهذه السرعة، خاصة أنها لم تذكر أي أسماء.


قالت بتوتر وهي تحاول السيطرة على الموقف:


"إيه... إيه مالك؟ داخل كده ليه؟"


وبسرعة حاولت أن تخفي الحاسوب المحمول خلف ظهرها، محاولة حماية ما عليه.


لكن عاصم لم يكن مستعدًا لسماع أي أعذار. بخطوة واحدة، اقترب منها، وجذبها بقوة نحوه. أمسك الحاسوب من يدها، وسحبه بعنف وألقاه على أقرب مقعد.


أمسك يدها بقسوة وقال بصوت مليء بالغضب:


"تعالي! أنا هوريكي شغل المافيا الحقيقي! وهعلمك غسيل الأموال بيتعمل إزاي مع اللي زيك!"


حاولت التملص منه وهي تصرخ:


"سيبني! موديني فين؟! سيبني بقى!"


لكنه لم يستجب، بل زاد من قبضته عليها وسحبها بعنف إلى الخارج. نزل بها السلالم بخطوات متسارعة، متجهًا إلى الطابق السفلي حيث القبو.


فتح بابًا خشبيًا قديمًا يؤدي إلى غرفة معتمة، ودفعها للداخل بقوة. أغلقت الباب خلفها بصوت صاخب.


نظرت سيلا حولها، لتجد نفسها في غرفة باردة مظلمة، أرضيتها خرسانية، والهواء يكاد لا يدخل إلا من نافذة صغيرة جدًا في الأعلى. كل شيء فيها يوحي بالخوف.


تراجعت للخلف بخوف، وقالت بصوت مرتعش:


"إحنا فين؟ إنت عايز تعمل إيه؟ أبعد عني!"


لكن لم يتراجع. تقدم نحوها بخطوات ثقيلة وصوت غاضب هز المكان:


"أبعد؟ أيوة؟ بعد ما تخرجي وتطلعي أسوأ ما فيا! هااااااه؟!"


 كانت تحاول الحفاظ على شجاعتها، بدأت تشعر بالخوف الحقيقي. قالت محاولة تهدئته


"عاصم... إهدى شويه أنا مش قصدي حاجة! كنت... كنت بس بحاول أفهم أكثر!"


لكنه لم يهدأ. كان واضحًا أن غضبه قد تجاوز كل الحدود، وعيناه تلتهبان كالنار مما جعل سيلا تدرك أن هذه المواجهة لن تمر بسهولة.


عاصم كان في حالة غضب أعمت بصيرته، عيناه اشتعلتا بسواد لا يرحم. أمسك سيلا من شعرها القصير بقسوة، وجذب رأسها للخلف بشدة، صرخ بصوت غاضب ومتهدج:


"عاوزة تشوفي شغل المافيا؟ هوريكي العصابات بجد!"


اندفع جنونه إلى أقصى درجاته، وفقد كل سيطرة على نفسه. بقبضة مشحونة بالغضب، وجه ضربة قوية إلى معدتها، متناسيًا أنها فتاة، متناسيًا كل معايير الإنسانية.


صرخت سيلا بصوت مملوء بالألم:


"آه أبعد!" أمسكت مكان الضربة في معدتها، وهي تتألم بشدة، تحاول جاهدة أن تلتقط أنفاسها. لكن لم يمهلها لحظة لتهدأ، فقد اقترب منها مجددًا، وأمسك بشعرها بعنف، وجذبها للأعلى حتى اضطرت للوقوف. كان غضبه عارمًا، يشعل فيه ثورة لا يعرف كيف يوقفها. بدأ يهزها بعنف، وصوته يرتفع في كل لحظة


"إيه اللي إنت عملتيه ده؟ تعرفي إيه عشان تكتبي كده؟ عاوزة تشوهي أي حد قدامك ؟ عشان سبق صحفي ؟ انطقي!"


كان يصرخ بكلمات مليئة بالغضب وكأنها لا تملك حق في الاختيار ، وهي تكافح لتلتقط أنفاسها وسط آلام موجعة، ردت بصعوبة وعينان تملؤهما الدموع وتحدِ:


"وإنت... تعرف إيه عني عشان تبعدني عن أقرب ناس لي زمان؟" قالتها بصوت متوتر، حاولت التملص من قبضته. "مين أعطاك الحق تسيطر عليّ؟ مين سمحلك تضربني كأني مش إنسانة؟! كان المفروض تحميني وأنا وسط أهلي... مش تجيبني هنا... سيبني بقى!"


لكن صوته كان أقوى منها، حيث صرخ بها بغضب مكتوم، وكان صوته مليئًا بالتهديد:


"عشان أنتي غبية... وما زالتِ... وأنانية! ما بتفكريش في غير نفسك، وطز في أي حد حواليك، وطز فيهم لو اتأذوا بسبب تهورك! ولا حتى بتتعلمي من غلطاتك!"


ثم انفجر بصوت عالٍ، كالرعد الذي يهز المكان، فيما وجهها يتلقى موجات من صراخه:

"لكن معايا أنا؟ لا! عندي أنا خط أحمر! فاااااهمه؟ خط أحمر ما ينفعش حد يتعداه!"


 ض،ربها مرة أخرى في معدتها بقوة، مما جعلها تفقد توازنها وتسقط على الأرض، متكورة من شدة الألم. وقف للحظة، عينيه خالية من أي رحمة أو تعاطف، ثم استدار بسرعة، فتح الباب بقوة، وخرج بخطوات عنيفة، دون أن يلتفت خلفه. أغلق الباب بعنف، مما جعل المكان يهتز، تاركًا إياها وحيدة في الظلام، تكافح بين ألمها ودموعها.


فاطمة، التي كانت قريبة، ركضت نحوه عندما رأته وهو يسحبها للأسفل بسرعة، وقالت بتوتر: "يا بني، دي لسه متصابة، خليها ترتاح شويه."


عاصم نظر إليها بنظرة قاسية لا تقبل النقاش، وقال بصرامة: "كلمة واحدة، أوعي تفتحي لها الباب، ولا تدخليها أكل ولا شرب، سيبيها زي الكلبة جوه كده فاهمة؟"


 قالت بتنهيدة دون حيلة منها: "حاضر يا بني."


وتركت المكان، عائده إلى عملها في صمت.


 لم تهدأ ثورته بعد، توجه إلى غرفتها، سحب جهاز اللاب توب، وحاول مسح ما نشرته، لكن لم يتمكن من مسح جميع المشاركات الأخرى التي نشرها الآخرون. زفر بغضب وأجرى بعض المكالمات، ثم خرج من المنزل متوجهًا إلى صالة الألعاب ليخرج غضبه.


هو بارد كالجليد، لكن عندما يغضب، لا أحد يجرؤ على مواجهته. عائلته بالنسبة له خط أحمر، ولا أحد يستطيع الاقتراب منهم.


ظلَّت سيلا تسعل بشدة وتتلوى بألم في معدتها حتى غفت في حالتها المزرية.


مرَّ يوم كامل دون أن يسمع عنها شيئًا.

… 


في اليوم التالي، دخل عاصم إلى غرفتها ليجدها ما زالت متكورة على الأرضية، وقد لاحظ تجمعًا دمويًا خارج فمها. توقف مندهشًا، نظر إلى جرحها فوجد أنه كما هو، لم يتغير. حاول إفاقتها، نادى على فاطمة ليحضر شيء مسكر بسرعة.


فاطمة جاءت بماء وسكر، لكن رغم محاولاته لم تستجب. فاستدعى الطبيب الخاص به ليأتي على وجه السرعة. عندما وصل الطبيب، قام بمحاولة إفاقتها، لكن ما قاله له الطبيب صدمه بشكل كبير، وأقفل فمه عن الكلام، تاركًا الطبيب يذهب وهو في حالة من الصدمة.


عاصم استعاد وعيه بعد فترة، نظر إليها بعينين محملتين بالهموم، فوجدها قد أغمضت عينيها مجددًا. لم ترغب في رؤيته، فتركها وخرج من الغرفة.


في المساء، استفاقت سيلا وطلب منها عاصم أن تستدعيها إلى مكتبه. فاطمة صعدت لإخبارها، لكن سيلا ردت بنفاذ صبر: "مش عاوزة أقابل حد، من فضلك قولي له إني هفضل هنا لحد ما نتكرم ونمشي من هنا خالص."


فاطمة نزلت وأخبرت عاصم، فطلب منها أن تعطي سيلا الهاتف لكي تتصل بأهلها، ثم تعيده مرة أخرى.


عادت فاطمة وأعطت سيلا الهاتف، فقالت سيلا بسخرية: "يا لكرم أخلاقه"، ثم أمسكته وأخذت تنتظر الرد بشغف.

الفصل السابع عشر من هنا

 

تعليقات



×