![]() |
رواية ظل الغموض ج 2 الفصل الثالث
فيصل رجع يقفل التليفون وحطّه على الطرابيزة قدامه، ووشّه كان مليان غضب ممزوج بتوتر واضح. نجاة قعدت تتفرج عليه وهي بتحاول تفهم كل اللي بيحصل حواليها، بس عقلها كان مليان أسئلة أكتر من اللي تقدر تسألها.
نجاة (بتردد): "فيصل... تفتكر اللعبة دي ليها نهاية؟ ولا إحنا بنتوه أكتر كل ما نلاقي حاجة جديدة؟"
فيصل (بنبرة حادة): "كل حاجة ليها نهاية يا نجاة، بس النهاية دي ما بتجيش بسهولة. لازم نكمل لحد ما نلاقي الحقيقة."
في اللحظة دي، جدتهم فوزية دخلت عليهم في الصالة، ومعاها صينية شاي. كانت باينة عليها القلق، بس بتحاول تخفيه بابتسامة صغيرة.
فوزية: "يا ولادي، انتو شاغلين نفسكم بالحاجات دي ليه؟ اللي فات مات، ولو فيه حاجة في الماضي، ربنا كفيل بيها."
فيصل (بحزم): "يا ستّي، اللي فات مش مات. اللي فات بيطاردنا لحد دلوق. وما ينفعش نسيبه لحد ما نفهمه."
فوزية بصّت لنجاة كأنها بتحاول تطمنها: "نجاة، إنتي مش شايفة إنكم بتعرضوا نفسكم لخطر؟ أحياناً الغموض أحسن من الحقيقة."
نجاة (بنبرة ثابتة): "يمكن، بس الغموض بيوجع أكتر لما يفضل يلاحقنا في كل خطوة."
بعد ما شربوا الشاي، قرر فيصل إنه يفتح الدفتر مرة تانية. قعد يراجع الرموز والأرقام اللي فيه، وكان مركز بطريقة لفتت انتباه نجاة.
نجاة: "إنت شايف حاجة؟"
فيصل (بتركيز): "الرموز دي مش عشوائية. كل رقم هنا مرتبط بحاجة. التاريخ اللي لقيناه قبل اكديه كان مفتاح لذكرى معينة، أكيد الباقي ليه علاقة بأماكن أو أحداث تانية."
نجاة (بتردد): "طب إحنا هنروح فين دلوق؟ المزرعة لقينا فيها صندوق والبيت القديم فيه ريحة غريبة أكتر من إنه يجاوب."
فيصل (وهو بيقلب الصفحة): "فيه مكان تالت لازم نزوره... جسر الأموات."
نجاة (مصدومة): "بس إحنا حتى ما نعرفش مكانه. وسمعته لوحدها بتخوف!"
فيصل: "الخوف عمره ما كان حل. إحنا مش بنرجع، إحنا بنواجه."
تاني يوم الصبح، أخدوا السواق زين وطلعوا يدوروا على جسر الأموات. الطريق كان مليان منعطفات ووديان، والجو بدأ يدي إحساس غريب بالخطر. زين كان ساكت طول السكة، وده لفت انتباه نجاة.
نجاة: "يا عم زين، هو الطريق ديه ليه وحش اكديه؟"
زين (وهو بيبص في المراية): "الحتة ديه ما حدش بيقرب منها غير المضطر. الناس بتقول إنها ملعونة."
فيصل (بحدة): "ما فيش حاجة اسمها لعنة. دي مجرد إشاعات الناس بتصدقها عشان تخاف."
وصلوا الجسر، وكان شكله مرعب فعلاً. كان جسر خشبي قديم، محاط بمياه لونها غامق ومليانة ضباب. كأن المكان ديه ما شافش النور من زمان.
نجاة (وهي بتبص حواليها): "المكان ديه... مش طبيعي."
فيصل: "بس هو اللي هيودينا للي بندور عليه."
بدأوا يمشوا على الجسر بحذر. كل خطوة كانت بتصدر صوت كأنه صرخة، والمياه اللي تحتهم كانت بتتحرك ببطء زي ما تكون مستنية حاجة تحصول. فجأة، فيصل وقف مكانه.
نجاة (بتوتر): "فيه إيه؟ ليه وقفت؟"
فيصل (وهو بيبص تحت رجله): "فيه نقش على الخشب. بصي اهنيه."
نجاة قربت وشافت الرموز نفسها اللي كانت مكتوبة في الدفتر. النقوش كانت محفورة بعمق وكأنها بقالها سنين.
نجاة: "إيه معنى الرموز ديه؟"
فيصل: "ده تأكيد إننا في المكان الصوح. بس لسه مش لاقيين الإجابة."
في اللحظة دي، صوت جاي من بعيد قاطع تفكيرهم. كان صوت خطوات سريعة جاية ناحيتهم.
زين (بصوت مرعوب): "في حد جاي!"
فيصل (بحزم): "ما تتحركوش. خلينا نعرف مين."
الخطوات قربت أكتر وأكتر، لحد ما شافوا ظل شخص واقف في الضباب. كان شكله غامض، بس واضح إنه كان مستنيهم.
الرجل (بصوت واطي): "إنتو فعلاً جريئين. جيتوا المكان اللي محدش غيركم فكر يقرب منه."
فيصل (بحدة): "إنت مين؟ وعايز إيه مننا؟"
الرجل (بضحكة غامضة): "أنا اللي أعرفكم الحقيقة، بس كل حاجة ليها تمن. مستعدين تدفعوه؟"
نجاة (بتحدي): "إحنا مش هنخاف منك، ولا من أي حد غيرك."
الرجل قرب خطوتين، ووشه بدأ يظهر. كان باين عليه علامات تعب وندم، كأنه شايل ذنب كبير.
الرجل: "لو كنتوا فاكرين إنكم هتخرجوا من اللعبة ديه بسهولة، تبقوا بتحلموا. البداية من اهنيه، بس النهاية... مش في إيدكم."
فيصل حاول يقرب منه، بس الرجل رفع إيده كأنه بيحذره.
الرجل: "خطوة واحدة زيادة، وهتفتحوا باب مش هتقدروا تقفلوه."
فيصل: "الباب اتفتح خلاص. احنا مستعدين لكل حاجة."
الرجل اختفى في الضباب فجأة، وكأن المكان نفسه بلعه. نجاة بصّت لفيصل والقلق مالي عينيها:
نجاة: "إحنا بنلعب لعبة أكبر مننا يا فيصل. المكان ديه مش طبيعي، ولا الناس اللي حوالينا."
فيصل (وهو بيشد على إيدها): "مهما كان كبير، إحنا لازم نكمل. اللي بدأناه مش هنوقفه اهنيه."
رجعوا البيت بنفس التوتر، وكل خطوة كانت بتحسّسهم إن فيه حد بيراقبهم. بس المرة دي، كانوا واثقين إن الحقيقة أقرب من أي وقت فات.
فيصل وقف قدام الشباك، عينيه بتبص على الظلام اللي برا، وكأنه بيحاول يلاقي إجابة لكل الأسئلة اللي شاغلة باله. نجاة كانت قاعدة على الكرسي، ماسكة الدفتر القديم، وبتحاول تفك الرموز اللي فيه. الجو كان تقيل، والصمت اللي بينهم كان مليان بالقلق والخوف.
نجاة: "فيصل... انت فاكر إننا هنلاقي الإجابة في كل ديه؟ كل ما بنقرب، الدنيا بتعقد أكتر."
فيصل (بثقة رغم التوتر): "هنلاقيها يا نجاة. الحقيقة مش هتفضل مخبية للأبد، بس لازم نكون صبورين."
نجاة قامت من مكانها وقربت منه، وشافت التعب اللي باين على وشه:
نجاة: "إنت مش لوحدك في الموضوع ديه، عايزك تفتكر اكديه. إحنا فريق، وأي حاجة هتحصول هنواجهها سوا."
فيصل (وهو بيبص لها بابتسامة خفيفة): "عارف يا نجاة. وعارف إنك قوية، بس لازم نكون حذرين. الناس اللي ورانا مش عادية."
قبل ما يكملوا كلامهم، فجأة الباب الخلفي للبيت خبط خبطة خفيفة. الاتنين بصوا لبعض بنفس النظرة المتوترة. فيصل مسك عصاية حديدية كانت جنب الباب، وراح يفتح ببطء. لما فتح، لقوا ظرف صغير متعلق في مقبض الباب.
نجاة (بهمس): "الظرف ديه تاني؟ هما مش هيسيبونا في حالنا."
فيصل فتح الظرف بسرعة، ولقى جواه ورقة مكتوب عليها:
"اختاروا بعناية... الطريق الصحيح هيكون مكلف، والطريق الغلط هيكون مدمر."
فيصل (بحزم): "واضح إنهم بيحاولوا يخوفونا، بس الرسائل دي بتثبت إننا ماشيين في الطريق الصوح. هما اللي قلقانين من اللي هنكتشفه."
نجاة: "طيب، إيه الخطوة الجاية؟ هنكمل في المزرعة، ولا البيت القديم؟"
فيصل (بعد تفكير): "لازم نرجع للبيت القديم. المفتاح هناك. وكل الطرق بتدل إنه المكان اللي بدأ فيه كل حاجة."
في نفس الليلة، جمعوا كل الأوراق والصور اللي معاهم، وقرروا يروحوا للبيت القديم مرة تانية. كان الوقت متأخر والجو برد، بس كانوا عازمين إنهم ما يرجعوش إلا ومعاهم إجابات.
أول ما وصلوا، لقوا الباب مفتوح زي ما كان قبل اكديه. لكن المرة دي، كان فيه ريحة غريبة في المكان، زي ريحة خشب قديم محروق.
نجاة (بتوتر): "فيصل... المكان ديه مش طبيعي. أنا حاسة إن فيه حد كان اهنيه قبلنا."
فيصل: "مهما كان، لازم نعرف مين، ولازم نكمل."
بدأوا يفتشوا في البيت، وكل خطوة كانت تقربهم أكتر من الإجابة، أو من خطر أكبر.