رواية جمر الجليد الفصل التاسع والعشرون بقلم شروق مصطفي
عمّ الصمت المكان، وصُدم الحاضرون بشدة، إذ تسمرت أنظارهم عليه في دهشة عارمة. استعاد الشيخ هدوءه وعاد إلى مجلسه قائلاً بصوت رزين:
على خيرٍ بإذن الله... أين العروس؟
وقف عاصم قبالة سيلا، ينظر إليها بثبات كأنه يبحث عن ردّ فعلها، ثم أطلق ابتسامة خفيفة قبل أن يقول بنبرة واضحة:
سيلا!
انصبت الأنظار جميعها على سيلا، التي جلست متجمدة في مكانها، غارقة في أفكارها، عاقدة العزم على إزالة كل العقبات التي تحول دون إتمام مخططها. لكنها سرعان ما انتبهت لصوت الشيخ وهو يكرر سؤاله: "أين العروس؟"، ولتلك النظرات والابتسامة الغامضة التي أطلقها عاصم نحوها.
تملكتها موجة من الغضب، فهبت واقفة كعاصفة هوجاء، وقد تملكتها الصدمة، ثم صاحت بنبرة حادة وشرر الغضب يتطاير من عينيها:
سيلا مين؟! أنا؟ ومع مين؟! أنت اتجننـ؟!
همّت بإكمال عبارتها، لكن عاصم قاطعها سريعًا بصوت حازم موجّهًا حديثه للحضور:
بعد إذنكم يا جماعة... هستأذنكم آخذ سيلا ونتكلم لوحدنا.
ثم أمسك بيدها بحزم، وسحبها نحو الغرفة المجاورة دون أن يترك لها مجالًا للاعتراض.
ما إن أغلق الباب خلفه، حتى أفلتت يدها من قبضته بعنف، وقالت بغضب عارم وصوت مرتفع:
إنت إزاي تقول حاجة زي كده قدامهم؟! مين عطاك الحق في ده؟!
نظرت إليه بنظرات تتقد غضبًا وأكملت بصوت يقطر احتقارًا:
أنا وأنت؟! مستحيل يجمعنا أي شيء... فاهم؟!
توقفت للحظة، ثم أردفت بحزم لا يخلو من تحدٍّ:
إنت بتحلم! أنا مستحيل أوافق عليك، ولو كنت...
لم تتم عبارتها، إذ تقدم نحوها بخطوات ثابتة، وكمّم فمها بيده، ثم دفعها بخفة إلى الحائط، واقترب منها متحدثًا بنبرة هادئة لكنها لا تخلو من الصرامة:
سيلا، صوتك مايعلاش، اسمعي الكلام مرة واحدة من غير عِند.
توقف لبرهة ينظر في عينيها، ثم أردف بثقة وهدوء قاتل:
إنتِ فاكرة إنك تقدري تلعبي اللعبة دي لوحدك؟ لا... أنا فاهم كل حاجة.
حاولت دفعه بيديها، ولكن بالنسبة لها كان أشبه بحائط صلب لا يتحرك، ولم يُبدِ أي اهتمام لمحاولاتها. اقترب أكثر، وصوته جاء هادئًا لكنه ممتلئ بالعاطفة:
صدقيني، اللي عملته ده هو الصح. أنا عملت كده عشانك... قبل أي حاجة تانية.
توقف لبرهة، ينظر في عينيها كأنه يحاول أن يخترق صمتها، ثم تابع بنبرة أكثر دفئًا:
مش هقولك "ادي فرصة لعلاقتنا يمكن يحصل وفاق"... لا. أنا عايز أبقى في ظهرك، عايز أرجعلك سيلا القوية اللي عرفتها زمان. إنما سيلا اللي قدامي دي... ضعيفة، مهزومة...
(رفع حاجبه قليلًا، وكأن كلامه أصابها مباشرة، ثم أكمل بصوت منخفض مليء بالعتاب):
عاوزة تستسلمي... للموت؟! لوحدك؟ وتسيبي المرض ينتصر عليك؟ ده اللي كنتي بتفكري فيه... مش كده؟
(لم تنتبه سيلا للدمعة الخفية في صوته، لكنه أكمل بحزم أكثر):
جوزتي أختك بسرعة عشان تبقي لوحدك؟ عشان محدش يحس بيكي وأنتِ بتستسلمي؟ صح؟!
(توقف لحظة ينتظر ردها، ثم اقترب أكثر، وقال بهدوء):
ردي عليا... أنا شفت ده في عنيكي... حسيته.
(نظر إلى وجهها بثبات، ثم تابع بصوت مملوء بالصدق):
سيلا، أنا اتغيرت كتير. مش عاوز منك حاجة غير إنك تثقي فيا... بس كده. وأنا هكون أمانك، وظهرك، وكل حاجة.
كانت كلماته مليئة بالحب والعشق، ليس مجرد حبٍ عابر، بل عشق يريد أن ينتشلها من ضعفها، أن يعيدها قوية كما عرفها. يريدها أن تواجه مرضها وتنتصر عليه، لكنه أدرك أن ذلك لن يحدث إلا إذا كان بجانبها، سندًا لها.
حاولت التملص منه مرة أخرى، تهز رأسها يمينًا ويسارًا رفضًا لكلماته، ولكن هذه المرة لم يقاومها. حرر يده من على فمها، وكأنه يريد أن يسمع منها الجواب الذي سيحسم كل شيء بينهما.
سيلا (بنبرة مشحونة بالرفض والوجع):
إنت... إنت فاكر إنك هتعرف تساعدني؟ إنت مين عشان تشيل اللي أنا فيه؟! ده أنا حتى مش عارفة أشيل نفسي!
(توقفت للحظة، ثم أكملت بنبرة مختنقة):
متحاولش معايا... أنا خلاص... تعبت. مش ناقصة حد يحسسني إني ضعيفة أكتر من كده.
(عينيها لمعت بالدموع، لكنها لم تسقط. حاولت أن تبدو قوية رغم انكسارها، لكن عاصم لم يتحرك خطوة. فقط نظر إليها بعينيه الممتلئتين بالحزن والحب، ثم قال بهدوء):
عاصم:
أنا مش هسيبك، حتى لو رفضتِ. مش هسيبك تدمري نفسك، ولا تستسلمي. أنا هنا، وهفضل هنا، غصب عنك وعن أي حاجة.
تراجعت سيلا خطوة للخلف، لكن كلماته اخترقت قلبها رغمًا عنها. شعرت وكأنها تواجه حربًا داخلية، لكنها أدركت أنه لن يتراجع بسهولة.
في الخارج جلس وليد بجانب همسة التي لم تصدق حتى الآن أن عقد قرانها قد كُتب. ظلت تنظر خجلًا إلى الأرض، وقد اختلطت في عينيها مشاعر الفرح والألم.
أخذ وليد ينظر إليها بابتسامة دافئة، سعيدًا برؤيتها ترتدي الحجاب، الذي لم يضف إليها إلا نورًا وجمالًا. كسر الصمت بينهما قائلًا بنبرة مفعمة بالإعجاب:
مبروك... الحجاب جميل أوي عليكي، ياريت تلبسيه على طول.
رفعت همسة رأسها قليلًا لتنظر إليه بابتسامة خجولة وقالت:
حلو بجد؟
أجابها، وعيناه تتلألآن بشدة عشقه لها:
إنتِ اللي محلياه أكيد.
نظرت للأرض خجلًا من غزله الصريح، بينما امتلأت عيناها بالدموع التي حاولت أن تخفيها. شعر وليد بوجعها الداخلي، فاقترب منها وقال برفق:
همستي... هما أكيد حاسين بيكي وفرحانين ليكي. أنا واخدك بُكرة نزورهم... أنا وإنتِ، إيه رأيك؟
رفعت همسة رأسها بسرعة، وقد اشتعلت السعادة في عينيها:
بجد؟! نفسي أزورهم أوي... ربنا يخليك ليا يا وليد.
ابتسم وليد ابتسامة واسعة وقال:
ويخليكي ليا يا حبيبتي. قريب جدًا تنوري بيتك... كلها أسبوع، وتيجي تنورينا وتكملي حياتي. ساعتها نعمل عيلة صغيرة... أنا وإنتِ... قد كده!
ابتسمت له بخجل، ولم تستطع الرد.
---
على الجانب الآخر، جلس معتز وقد أخذت العصبية مأخذها منه، يهزّ ساقه بعنف في حركة لا تهدأ، وعيناه معلقتان بمي بنظرات ملؤها الغضب والوعيد. كلما جالت بخاطره أحداث ما جرى، أحس بغصة تخنق صدره وغيظ يعتصر قلبه. أما مي، فقد جلست بوقار يخفي في طياته انتصارًا واضحًا، نظراتها الموجهة نحوه كانت أشبه بتحدٍّ صامت، وكأنها تقول له دون أن تنطق: لا سبيل للحديث معها مرة أخرى.
متذكرًا ذلك الموقف السخيف، حاول معتز أن يقترب منها ويتحدث إليها، لكنه لم يجد الفرصة المناسبة. كانت مي دائمًا تتجاهله ببرود متعمد، وكأنما تسد كل أبواب الحوار بينهما. إلا أنه في تلك المرة الأخيرة، لمحها تسير على الرصيف أمامه. دون تردد، أوقف سيارته على الفور ونزل منها، متجهاً نحوها بخطوات ثابتة.
وقف في طريقها واضعًا يده في جيب بنطاله محاولًا أن يبدو متماسكًا، على الرغم من الغليان الذي كان يعصف بداخله. عندما اقتربت منه، استوقفه شيء في ابتسامتها، تلك الابتسامة الغامضة التي لا تخلو من تحدٍّ خفي. أخذ نفسًا عميقًا وقال بصوت هادئ، محاولًا أن يتحكم في نبرة حديثه:
"مي، لو سمحتي، خلينا نتكلم. تعالي نقعد في أي مكان ونتفاهم زي الكبار. بلاش شغل أطفال."
كان يأمل أن تجد كلماته صدىً لديها، لكن ما حدث بعد ذلك تركه في حالة من الصدمة. تراجعت مي خطوة إلى الوراء، وبدون سابق إنذار رفعت صوتها عاليًا بشكل مباغت، قائلة:
"الحقوني!"
التفت الشباب الذين كانوا يجلسون على مقربة منهم بسرعة، وأشارت مي إلى معتز وهي تصيح بصوت واثق:
"بيتحرش بيا!"
ركضت مي بعيدًا بخفة، تاركة معتز في مواجهة موقف لم يكن يتخيله حتى في أسوأ كوابيسه. وقف في مكانه مذهولاً، وعيناه تتبعانها وهي تبتعد. غص حلقه بالكلمات، ولم يجد سوى جملة خرجت بصوت مبحوح:
آه يا بنت اللـ...!
لكن الأمر لم ينتهِ عند ذلك. الشباب الأربعة تقدموا نحوه والتفوا حوله بوجوه غاضبة. أحدهم قال بلهجة حادة:
مش جدعنة منك على فكرة.
لم يمنحوه فرصة للدفاع عن نفسه، وانهالوا عليه بالضرب. أربعة شباب ضد واحد، حتى أن مي، التي ابتعدت قليلًا، التفتت لترى ما يحدث. شهقت بصوت مكتوم عندما رأت المشهد. وضعت يدها على فمها، لكنها لم تستطع منع نفسها من الابتسام داخليًا.
تركتهم يكملون ما بدأوه، واتجهت سريعًا نحو الصيدلية. اشترت المسكن وعادت إلى المنزل مهرولة، قلبها ينبض بالخوف من أن يراها مرة أخرى.
عاد للواقع وما زالت عيناه مليئتين بالتوعد، وكأنها رسالة خفية لا تحتاج إلى ترجمة. ظل يكرر الوعيد داخل عقله، منتظرًا الفرصة المناسبة للتحرك.
لاحظت مي الكدمة الزرقاء التي تلطخ أسفل عينه اليسرى، تلك العين التي لم تتوقف عن إرسال تهديدات صامتة نحوها. شعرت بضيق غريب في صدرها لا تعرف سببه، لكنها لم تستطع تجاهل شعور الخوف الذي تملكها. تسللت لتختبئ خلف شقيقها، وكأن وجوده يمنحها بعض الأمان من تلك النظرات التي بدت كأنها تخترق دفاعاتها.
قطع الصمت صوت معتز، موجّهًا كلامه نحو والدتها، وشقيقها الجالسين أمامه:
"أستاذ هيثم، مش كده؟"
ابتسم هيثم ردًا:
"صح، وأنت معتز، ابن عم وليد؟"
هز معتز رأسه بالإيجاب وأردف قائلاً:
"بالضبط... كنت حابب أكمل نص ديني أنا كمان. طنط نبيلة أكيد عرفتني الفترة اللي فاتت."
ونظر نحوها بنظرة تحمل الكثير من المعاني.
ردت نبيلة بابتسامة ودودة:
"أكيد يا ابني، الصراحة تتقال، أنت وقفت معانا وما سبتناش خالص. ربنا يبارك فيك."
ابتسم معتز بخفة، ثم وجه حديثه لهيثم مباشرة:
"يشرفني إني أطلب إيد أختك على سنة الله ورسوله."
كانت الصدمة واضحة على وجه مي، حدقت فيه بدهشة وكأنها فقدت القدرة على النطق. حاولت التحدث، لكن شقيقها كان الأسرع:
"ده شرف كبير لينا، لكن الأصول إنك تطلبها من بيتها."
رد معتز بسرعة، وكأنه كان يتوقع الرد:
"ما عنديش أي مانع... شوفوا الميعاد اللي يناسبكم، وأنا أجي فيه."
نظرت له مي بضيق واضح، لكنه قابل نظرتها بنظرة تحدٍّ تحمل الكثير من الإصرار.
تحدث هيثم مع والدته بصوت منخفض، ثم التفت إلى معتز وقال:
"إيه رأيك على آخر الأسبوع الجاي؟ أنا أكون إجازة وقتها."
بدت الفكرة بعيدة جدًا بالنسبة لمعتز، فرد قائلاً:
"بعيد أوي... طيب خليها يوم الاثنين اللي بعد بُكرة."
ابتسمت نبيلة وقالت بلطف:
"اللي تشوفه يا بني."
ارتسمت على وجه معتز ابتسامة نصر واضحة، ثم نظر إلى مي نظرة سريعة، رفع خلالها إحدى حاجبيه في إشارة مليئة بالمعاني الخفية.
بعد ذلك، تبادلوا أرقام الهواتف للترتيب، بينما بقيت مي تنظر له بضيق لم تستطع إخفاءه.
ترك يده عن فمها لكي يسمع ردها، ولكن فجأة ثنت نفسها للأمام، وتلوّت من الألم، ثم سقطت على الأرض. همست بصوت ضعيف: "آه، هموت، مش قادرة... مسكن... مسكن بسرعة... مي... آه." بالكاد نطقت بها.
هرع خارجًا ينادي على صديقتها:
"مي، لو سمحتي، دقيقة واحدة."
جاءت إليه، وكان الاستفهام واضحًا على وجهها، ثم تحدث إليها بصوت منخفض:
"المسكن بسرعة."
ذهبت لجلب الدواء، ثم أحضرته ودخلت معه.
هرول إليها بعينين مليئتين بالقلق والخوف أثناء تناولها للدواء.
أعطتها مي الدواء، ثم ناولتها بعض المياه، لكنها ظلّت متألمة قليلاً، ثم هدأت تدريجيًا.
عاصم، بقلق ظاهر في صوته:
"حاسّة بإيه دلوقتي؟ أحسن؟"
تحاملت على نفسها قليلاً، ثم قامت لتحاول إنهاء هذا اليوم العجيب. نظرت إليه بنفاد صبر، وقالت:
"هكون أحسن فعلاً لو بعدت عني وسبتني في حالي، وانسيت كل الفيلم اللي قولته من شويه... مش عاوزة لا سند ولا ظهر، سندي مات، معنديش بديل، ابعدوا عني بس، وأنا هكون مرتاحة، مش عاوزة حد جنبي، أنا كده كويسة أوي."
أمسكها من يدها، لكنها دفعته بكلتا يديها، وبدأت تفقد السيطرة على نفسها. ظلّت تضرب صدره ضربات متتالية:
"مش بتفهم؟ ليه؟ ابعد عني بقى، مش عاوزة شفقة من حد، وخاصة منك أنت، مش عاوزة حاجة، سبوني لوحدي بقى."
قالتها وهي تنهار، وقلبها ينبض بشدة.
حزنت مي عليها، لكنها لم تعرف ماذا تفعل مع استسلامها هذا، فاستنجدت بعاصم وأخبرته بما تنوي فعله.
استفاقت من شرودها بعد مشاورة عاصم لها. تقدمت إليه وهمس في أذنها بشيء ما، ثم انصرفت بعد ذلك.
أطاعت ما قاله، وتركتهم، وانصرفت للخارج لتنفيذ ما طلبه منها.
أمسك يدها مرة أخرى محاولًا تهدئتها، لكنها دفعته بعيدًا قائلة بغضب:
"ابعد عني! ابعدوا عني! سيبوني لوحدي، جاي ليه دلوقتي؟ مش كنت بتبعديني عن حياتك وعن أختك؟ إيه حصل دلوقتي؟ أنا بكره شفقتك عليا، ملكوش دعوة بحياتي! أنا حرة أعيش ولا أموت!"
صمتت قليلاً تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تابعت بغضب شديد:
"ولو آخر راجل، مش هكون ليك، سامع؟"
تركها تفرغ كل ما بداخلها، ثم تحدث أخيرًا بصوت هادئ:
"خلصتي؟"
نظرت له بدهشة من لا مبالاته بما قالته، وهزت رأسها بصمت إلى أعلى وأسفل.
عاصم، محاولًا الحفاظ على بروده:
"طيب، بصي بقى... خلاصة الكلام، طالما هنمشيها بعند، أنا مشيت الناس اللي بره تمام، لكن بطريقتك دي هتضطريني أعمل حاجات عقلك ده مش هيقدر يتوقعها!"
قال هذه الكلمات بجفاء، وتركها في حالة من التخبط والحيرة. ثم خرج بعد ذلك، وأغلق الباب خلفه بقوة.
انتفضت جراء غلق الباب المفاجئ، ثم جلست على أقرب كرسي لها، تحاول تهدئة نفسها قليلاً.
بعد لحظات، خرجت، لكنها لم تجد أحدًا في المكان سوى شقيقتها. يبدو أن الجميع قد غادروا، حتى مي!
جلست بجانبها، فانتبهت الأخيرة لها، ثم قامت سيلا بحضنها بحرارة وقالت:
"مبروك يا حبيبتي، ألف مبروك! كنتِ زي القمر النهاردة."
خرجت سيلا من أحضانها وهمست في أذنها:
"تعرفي هتوحشيني أوي... البيت هيبقى وحش أوي من بعدك."
خرجت همسة من أحضانها وقالت بصوت هادئ:
"طيب، ليه يا سيلا، ترفضي عاصم؟ هو هيصونك بجد، راجل يعتمد عليه، شكله بجد بيحبك. ما شوفتش شكله لما خرج من عندك؟ كان عامل إزاي."
ابتسمت سيلا لها بحب وكأنها لم تستمع لكلماتها، ثم أجابت:
"سيبك مني أنا دلوقتي، المهم عندي إنتي. كلها أسبوع وها تسيبيني. عاوزين نجيبلك الحاجات اللي ناقصاك، من أول بكره ننزل أنا وإنتي. إيه رأيك؟"
أجابتها همسة بابتسامة صغيرة.
عند مي كانت لا ترغب في الذهاب مع والدتها وأخيها، كانت تفضل البقاء معهم لتبيت عند رفيقتها. لكنها لم تفهم ما كان ينوي عاصم فعله.
فلاش باك
عادت مي بذاكرتها إلى ما حدث قبل رحيلها من منزل صديقتها.
بعد أن أمرها عاصم بشيء ما وانصرفت لتنفيذه، خرجت وقدمت اعتذارًا للمأذون وطلبت تأجيل كتب الكتاب، موضحة أنه سيتواصل معه لاحقًا.
استأذن المأذون وغادر.
بعد قليل، خرج عاصم من المنزل بوجهٍ لا يبشر بالخير.
نبيلة: "طيب يلا يا هيثم، نمشي، الوقت تأخر علينا."
هيثم: "يلا يا أمي، هتيجي معانا يا مي ولا حتقعدي؟"
همّت مي بالرد بأنها ستظل، لكنها بالكاد قالت: "أه، حف..." قبل أن يقاطعها عاصم بنبرة صارمة، قائلاً وهو ينظر إليها: "روحي معاهم يا مي، انتي."
نظرت له مي باستفهام وقالت: "بس... أأ...!"
قابل نظرتها بحركة رأسٍ إلى الأسفل، في إشارة منها إلى أن توافق دون نقاش.
ورغم عدم فهمها لما يجري، إلا أنها وافقت وذهبت معهم.