رواية غارقه فى بحر النسيان الفصل الرابع بقلم ساره عادل
وقف علاء مزمجراً ،وشعرت بطاقة غضبه التي ارسلت لي ذبذبات جعلت جسدي يقشعر فأول مرة أراه بهذه الحال:
_ليلى.... أود أن أفهم ماذا تفعلين هنا؟ في هذا الوقت
وفي هذه الساعه ؟ وفي هذا المكان بالذات وأين هم الأولاد؟.
قال بنبرة قاسيه ضاغطاً على أسنانه وضيق نظره على الشاب الذي وقف بدوره وطالعنا بحيرة كان شاباً،جذابا ، مرتب الهيئة والهندام،يرتدي ملابس أنيقه، فارع الطول عريض المنكبين أخضر العينين ذو لحية ،خفيفه مهذبه، لا أفهم ما علاقته بها لكنهما بدوا مناسبين لبعضهما تماماً، فهي لا تقل جمالاً وروعة عنه، أحالت عينيها الزرقاء لي، وتلافت إرتباكها بسرعه، استطاعت ضبطت مشاعرها ولاحظت كيف،توحشت ملامحها اللطيفه وأصبحت عدائيه بسرعه، انعقد حاجبيها الشقر الرفيعان، واعادت رأسها الصغير إلى علاء ثم كان جوابها:
_انا هنا برفقة، زميلي في العمل ،ونحن نتعشى
إن كنت لا ترى، والأولاد ،نيام أم هل تتوقع مني احضارهم معي كي أرضي جنابك؟
إنها تعمل إذن...حدقت في وجهها،حقاً فتاة مثل ليلى
لن تضيع وقتها في البقاء في البيت.
تململ علاء بضيق وبدأت الهمهمات الفضوليه ترتفع من حولنا ،راقبت العيون كيف تعلقت بنا، وعلاء بدى كماً سيرتكب فضيحه ، كان علي التصرف بسرعه انزلقت يدي نحو كفه شبكت اصابعي بخاصته والتصقت به ،ثم همست فوق أذنه:
_ لا داعي لكل هذا الغضب علاء....هذا عشاء عمل هيا
لنعد إلى طاولتنا ودعهما بسلام.
قلت ذلك ولاحظت تحفذ الشاب الذي وقف مستعداً لخوض شجار إن تطلب الأمر، على الرغم من رزانته وهدؤه ، إلا أنه سيخرج عن السيطرة إن تطلب الأمر.
سحب كفه من يدي وسط دهشتي وقال بحده:
_ لااااا....
الزمالة مكانها العمل....وليس التفتل في المطاعم بينما أمامك مسؤليات.
رمشت ليلى بأهدابها الطويله، مستنكرة ما نطق به للتو فقد احال علاء الوضع لأمر شخصي، لماذا فعل هذا؟ ابسبب الأولاد حقاً أم أنه يغار؟ .
تقدم نحوها ،عندها دفع الشاب الكرسي بحركة عصبيه حتى وقع من خلفه وأصدر صوتاً مزعجاً جعلت الشهقات تتعالى من خلفنا ،ورمتنا ليلى بنظرات مشتعله .
_سنذهب للبيت الآن وحالاً ....وستأتين معي.
-لن أذهب لأي مكان لأني لم آتي معك.
قالت بإصرار ورفعت زرقاويها الغاضبتان إلي وكأن لي دخل في تصرفات إبن عمها الغير مفسرة نحوها فأنا لا زلت غيره مصدقة رد فعله الأشبه بالغيرة تجاه طليقته، ولا أجد تفسير اخر غير هذا .
_بلى....سنغادر حتى ولو اتضررت لجرك جراً.
وبالفعل امتدت يده القويه وأمسك برثغها يشدها
إليه، وكان الأمر أشبه بالضغط على زر الانفجار
لأنه على الفور تبدلت ملامح الشاب واشتعلت عيناه بخطورة ، امتدت كفه القويه نحو ساعد علاء يوقفه بحده:
_مابك ....الا تفهم ما قالته؟ هي لا تود الذهاب لأنها ببساطة لم تأتي معك ....ومن المستحسن أن تترك الأمر ينتهي عند هذا الحد لأني لا اضمن رد فعلي التالي.
ارتجفت بزعر ، فالشاب لا ينوي مشادة كلاميه معه
كما أنه ليس من النوع الذي يهدد ويبقى محض كلام
حاولت التحدث إلى زوجي امسكت بساعده وأنا أنشد الخلاص من هذه الكارثه فكل شيء جميل يخصني تفسده ليلى بحضورها:
_علاء...!!!
ما عدت أشتهي شيء دعهما ولنذهب للبيت....
أرجوك....
قلت بصوتاً مهزوز بح من اختلاجات مشاعري واضطرابها.
لم ينظر لي بل لم يعر توسلاتي بالاً حتى ،إلتفت ناظراً للشاب بنظرات قاتله ،وبلحظه ، سحب ليلى خلفه لتصبح بجانبي وكادت تتعثر بحزائها الأحمر ذو الكعب العالي وتقع لولا أن تمالكت نفسها واستندت إليه ،ثم رمق الشاب شرذاً وقال بصوتاً قاطع لا يقبل التهديد:
_ دع يدي...وانا أنصحك بإبقاء فمك مطبقاً ،وعليك
في المرة القادمة التي تود الخروج فيها مع إحداهن
التأكد إن كانت متزوجة أم لااااا...فلا تتبجح وكن رجلاً.
شهقه خرجت من بين شفتي ليلى الكرزيتان ،واحمر وجهها وانتفخت اوداجه واتسعت نظرات الشاب بصدمه متحولة إليها ،باحثاً عن أي تفسير ،بينما خفق قلبي بجنون ،وشعرت كما لو أنه سينفجر من صدري ، أو أنني على شفا إنهيار عصبي .
ترك الرجل علاء ، ونظراته حوت تعبيراً اسراً ، ربما الأسف، الندم او الخزلان، وكأنما ليلى إنعقد لسانها وصدمتي أنا كانت أكبر، شعوراً بالغدر والخيانة تملكني ،ظللت ،أحملق في ليلى التي تقف إلى جانبي بدون ان ارمش ،أمرأة ك ليلى ملذي ينقصها، لتظهر بهذه الفتنة، لكي تغري رجلاً أخر، ولديها زوج ك علاء؟
ودون أي كلام آخر، التفت علاء لنا
_إنتظراني
قال بتهكم ،ثم عاد إلى منضدتنا ...أخرج محفظته ترك بعض المال وعاد إلينا ، نظر لي
_هياااا....
ثم امسكت كفه يد ليلى وجراها وراءه، بإهانة،لم أستطع التحرك، لثواناً ،التفت للشاب، وحرفياً كنت أتمذق ، سحبت نفساً قوياً ، وتحركت لا إرادياً ،نحو
طاولته سحبت حقيبة ليلى وهاتفها بيدان مرتجفتان،لا اعرف ماذا دهاني حتى افكر بأشيائها ، ووجهت له نظرة أخيرة ثم لحقت بهما .
عند وصولي كانت السيارة حاضره ، فتح علاء الباب الأمامي ودفع ليلى، ثم فتح لي الباب الخلفي، صعدت، دون أي كلمه، وكل شيء بدى كالحلم تماماً ، لاااا بل كابوس، عاد ودار حول السيارة وركب صافعاً بابها بقوة حتى خيل لي انه خلع، قادها بتهور، وهذا لم يكن طباعه ابدا ، التزمت الصمت ليلى ، بل كلتانا ، لربما ادركت ان مناقشته وهو بهذه الحالة العصبيه
لن تجدي نفعاً، بقيت أنظر امامي، وكل الأشياء الجميلة التي رسمتها راحت تتهاوى، وليلى غرقت في كرسيها وراحت تنتحب، على ماذا؟ لست أفهم! كان صوتها كالناقوس يضرب على رأسي، وعلاء ذاد من حدة قيادته وراح يضرب على المقود، ويلتف بالسيارة بقوة دون أن يخفف السرعه، فارتفع صوت بكائها بزعر وصرخت به عندما ضربت رأسها:
_ستقتلنا يا مجنون....
إبتسم ناظراً لها بتشفي وعاد ينظر للطريق ثم. رفع
نظراته لي ونظر لي بطريقة مخيفه قبل أن تتبدل
للقسوة ، وخلال ساعة وصلنا، لإحدى المباني السكنية" عمارة " اوقف السيارة وترجل منها ثم عاد إليها وفتح بابها، امسكها من ذراعها ، وسط صراخها وممانعتها :
_ إنتظريني
امرني بحزم،ثم ولاني ظهره ، نقرت على زجاج السياره فالتفت لي رفعت الحقيبة الأنثوية الحمراء وأشرت لها دون كلام والهاتف ايضاً، فتح الباب وتناولها مني، ثم رأيتهما يدخلان المبنى واختفياء عن ناظري ، روحت انظر للحي السكني الهادئ والجميل من حولي ، وشعرت بانفاسي ثقيله وبيد تطبق على قلبي وتعصره ، وهناك اسألة كثيره تدور في رأسي ،متى؟ وكيف! لست أفهم ، الدقائق الأخيرة مرت معذبه ،وشعرتها دهراً ، عشرون دقيقه ثم خرج علاء ، تدبعه إمرأة من خلفه ،بسبب الإضاءة القويه استطعت رؤيتها والتمعن في ملامحها ، بدت في منتصف الاربعين ،قصيرة ،ممتلئة الجسد وعندما اقتربت بدت في الشبه اقرب الى علاء ،ذات شعر اسود وعينان زرقاوان ، لأتأكد انها والدة ليلى كانت تتحدث اليه او ربما تتوسله ،لكنه ابتعد بإصرار رافض الإصغاء ،فتح الباب لي
_الى المقعد الأمامي هياااا
تحدث بلين رغم الغضب النافر من عينيه، وددت ان
اجادل ، ان اخبره انني غير قادرة على تحمله ولا سماع صوته، لكن وصول عمته حال دون ذلك :
_كيف أقنعك، آنه عشاء عمل بني، وان ليلى رغم طيشها انها امراة مسؤولة وهي لم تسيء إلى كلانا بشيء، ولا تزال محافظة على زواجك بها؟؟؟ .
_زواجك بها !!
خرجت هذه الكلمة منها اكثر إيلاماً ، وتأكيداً ،اتسعت عيناها
بدهشه عندما رأتني ،وارتبكت خطواتها،فلم تتوقع مجيئي او رؤيتي، ليس هنا، وليس في هذه الساعة بذات :
_عزراً...بنيتي...لم اكن...لم اعرف انك هناااا
نزلت من مقعدي ووقفت امامها :
_لا بأس عمتي....عمتي مساءاً.
قلت بصوتاً أبح...وفتحت الباب المجاور لمقعد السائق
وصعدت عليه .
_تصبحين على خير عمتي .
قال علاء، وبذلك انهى الحوار الدائر بينهما وصعد بقربي وادار المحرك ثم غادرنا، وهذه المرة كان الصمت رفيقنا الثالث .
دفعت باب الغرفة، واسرعت كالمغيبه نحو الحمام دون أن التفت خلفي ، وبعد ربع ساعة خرجت بثياب جديده، وغسلت المكياج وفردت شعري من عقدته ، كان علاء يقف في المنتصف،بدى نافذ الصبر وهو يمرر يديه في شعره بعصبيه وظهره لي ،استدار بكليته عندما شعر بي أتحرك ، ذهب الغضب عن عينيه وحل محله التعب والإرهاق ،انزل يديه عن رأسه وقال بصوتاً متردد:
_يجب ان نتحدث
رفعت بعض الخصل إلى خلف أذني ونظرت له دون كلام، تابع :
_تزوجنا انا وليلى...كان لا بد من ذلك...تعرفين!
لعقت شفتي ارطبها تحركت نحو الكرسي تحت النافذة بعدما شعرت بقدماي لم تعد تحملانني:
-فقط سؤال....واتمنى ان تكون صادقاً معي في الجواب؟ هل اجرت ليلى أي عمليه،قبل شهر ونصف؟
تحرك من مكانه اخذ كرسي آخر ووضعه أمامي ثم جلس عليه ليصبح في مستواي نظر في عيناي واجابني :
أصيبت ليلى بورم في الثدي "عافانا الله وإياكم" ، وكان لابد من إجراء جراحة مستعجله لأن العلاج الكيميائي لن يجدي نفعاً ،وانتي تعرفين بقية القصة.
لم. أصدق أن تلك المرأة المتمتعة بالشباب والجمال كانت مريضة بالسرطان ، رغم نحافتها، إلا أنها بدت كما لو أنها تتمتع بالصحه، إلتمعت الدموع في عيني ورمشت كي لا ادعها تسقط :
_ من...من الذي طلب الطلاق اولاً ؟
ضاقت عينيه انعقد ما بين حاجبيه بغير تصديق سابقاً لم اكن مهتمه لأسباب إنفصالهما ومن هو الذي اراد ان يخلي طرفه عن الآخر، والآن وجدتني راغبه بعد صمت دام دقائق قال:
_ ليلى...
مسح على وجهه وعينيه بضيق وزفر بحنق ثم اضاف:
_لم تعجبني الطريقة التي تدير بها حياتنا، طريقة عيشها وتحررها ، وطريقة لبسها للثياب ،لطالما تشاجرنا ، بسبب ذلك، وشعرت هي بأني اقيدها...لم تحتمل فنفذت رغبتها.
الثياب! تذكرت ملابسها، كيف كانت فاضحه،إذن علاء
يشعر بالغيرة من طريقة لبسها:
_اتغار عليها من أعين الفضوليين يا علاء؟ وانت الذي
قدتني إلى المطعم بكامل زينتي وأخبرتك أنها لك وحدك.
حدق في بدهشه واتسعت عيناه فقال مدافعاً:
-لااااا
انتي مختلفه عنها لوجين....
وليس الأمر كما تظنين ، او صوره عقلك ، هذا غضب وليس غيرة !!!
_ولما الغضب إذن وانت اكثر الناس دراية بأفعالها وتصرفاتها ؟؟
وقف على قدميه بعدما ارتفع صوتي، وحرك يده في شعره يبعثره ، فتناثر فوق جبينه ،وتشعث من فعل أصابعه :
_ هذا زواج على الورق لوجين....لم يحدث بيننا شيء صدقيني وسبب غضبي عليها لن تفهميه، بل وكل اسبابي, وأنتي على هذا الحال؟ .
_ ما به حالي....
قلت ووقفت بسرعه اوليه ظهري،تحرك من خلفي
شعرت بإقترابه.... الصق صدره بي واحاطت ذراعه
بجسدي وضمني إليه ، انحنى ومال براسه ليصير إلى جانب وجهي ولم اقاومه حتى هل فقدت الإحساس :
_غاضبه...غير متزنه...واي شيء قد يصدر مني الآن
ستأخذيه بعاطفه....ولن تستطيعي التفكير بشكل جيد..ثم إنك ترتجفين .
همس لي،وكنت حقاً مشوشه، لكن من قال ان العاطفة تسيطر علي؟ يا إلهي، هل كنت بهذا الغباء طوال الوقت لدرجة لم اعرف ان لي غريمه، رن قول ميس في اذني
_ ماذا إن كانا يستغفلانك ، وارجعها لعصمته؟
اغمضت عيناي، وصوت تنفسه الحار يضرب عنقي وجانب وجهي .
_متى كنت تنوي إخباري؟
سألت وخرج صوتي نبرة ما قبل البكاء.
إرتخت يداه لكنه ظل محتفظاً بي ولم يفلتني :
-كل يوم...وكل لحظه.
اجاب بسرعه
كاذب ،نطق بها عقلي، ولم تلفظها شفتاي، لكن كل قدراتي تداعت امام هذا الكم الهائل من المفاجأة:
_أريد أن انام....
تملصت من بين يديه بفتور وتوجهت نحو الفراش ودون أي اضافة ،اطفاة الضوء قرب الفراش وصعدت عليه ،ثم اندسيت تحت اللحاف وغطيت كامل جسدي،انشد الراحة، ولكن كيف سأنام وفي عقلي كل هذا الضجيج؟ .