رواية الظل المجهول الفصل الخامس والاخير
قررت أكتب الملاحظات دي وحاولت أربط بينها وبين الأحداث الغريبة اللي بيمر بيها.
هل الكيان الغريب اللي شافه ليه علاقة بهاجر او بالميتين عموماً..وهل ممكن يكون بيفتش في الأماكن الغريبة دي عن طريقة انه يهرب بيها من حزنه.
أخدت نفس عميق وكتبتله رد سريع:
-اللي بتحكيه مرعب جدًا.
فعلاً انا كنت مرعوب من كل كلمة سمعتها منه..للأسف الشديد، ماردش عليا..قررت أكمل أبحث، وأبعت لواحد من الروحانيين اللي ردت عليا:
-عندي حالة غريبة جدًا، شخص بيشوف كائنات أو كيانات في أماكن معينة،وبيشوف كمان ناس ميتة ويتعايش معاهم، واللي بيشوفه بيأثر على حياته بشكل غريب..محتاج أعرف رأيك، هل ده ممكن يكون تداخل بين العوالم، أو حاجة ليها علاقة بالماضي.
بعت الرسالة وقعدت مستنى الرد، لكن المرة دي،الشعور بالترقب كان مختلف..كأن كل حاجة حواليا بتتحرك في اتجاه مجهول،وأنا ماشي فيه من غير ما أعرف نهايته.
في اللحظة دي جات رسالة من المجهول:
"اللي جاي رعب أكتر يا دكتور..أول أجازة أخدتها،قررت أروح بيت هاجر،مش عارف ليه كنت حاسس إنها لسه موجودة هناك،رغم كل حاجة سمعتها.
روحت وخبطت على الباب،لكن مفيش حد فتح..خبطت كتير وكنت خلاص همشى،لكن باب الجيران فتح وطلع شيخ كبير..سألني:
-اتفضل يا ابني، إنت مين وعايز ايه.
قولتله:
-أم هاجر تبقى خالتي،وهاجر خطيبتي.
صدمني بزيادة وقال:
-لا حول ولا قوة إلا بالله،أهل البيت ده عملوا حادثة من ٨ سنين، وماتوا كلهم،هاجر وأمها وأبوها وإخواتها،الله يرحمهم.
الكلام ده خبط في دماغي زي الصاعقة. مش معقول..يعني كنت بكلم مين طول السنين دي..حتى ام هاجر طلعت ميتة.
رجعت البيت وانا مش قادر أصدق..كان عندي ألف سؤال في دماغي، هل ده كان حلم..ولا في حاجة غريبة بتحصلي.
رجعت سلمت على أهلي ودخلت نمت علطول،النوم كان المكان الوحيد اللي قدرت أهرب فيه، لكن حتى النوم ماكانش مرتاح..تخيل أنا نومت ١٠ أيام على بعض..نمت فترة الإجازة كلها،والغريب أن اهلي مفكروش يطمنوا عليا.
رجعت المعسكر،لكن كنت مش أنا. حسيت إن عقلي تاه مني وخسيت النص،كان عندي إحساس إن في حاجة غلط حاجة كبيرة،حاجة أنا مش قادر أفهمها..وفي يوم وأنا نايم،صحيت مفزوع،لقيت نفسي في العنبر المهجور..العنبر ده كان كله رعب..أول ما فتحت عيني،شوفت نفس العسكري اللي طلعلي بوشه المليان شعر وعينيه حمرا زي الدم..كان واقف قدام الباب..قلبي كان بيدق بسرعة،ملامحه كانت مرعبة أكتر لما قرب،وشه متشوه،الفك بتاعه التحتاني مش موجود،والدم كان على وشه كأنه يادوب فكة مبتور،وعينيه كأنها نار.
كل خطوة كان بيقرب فيها،وأنا بتراجع وقلبي بينفجر من السرعة..قرب عليا لحد ما وشه بقي في وشي،وحسيت بالدم اللي نازل من فكه لمس وشي، وكان صوت أنفاسه زي زئير وحش..وفجأة،مع صوت الأذان كل حاجة اختفت..الدنيا هديت،ومفيش حاجة،مفيش حد..وأنا لسه واقف مش فاهم،هل ده كان حلم..ولا إيه.
طلعت وأنا رجلي بالعافية وشيلاني..لقيت المعسكر مهجور ومدمر..فضلت أدور عن أي حد في المكان،لكن القطاع كله كان مهجور تماماً.
خرجت من المكان بعد ما اتأكدت أن مفيش حد موجود..قابلني واحد بصلي بخوف واستغراب وسألني:
-أنت كنت جوه بتعمل إيه.
قولت:
-أنا جيشي هنا،وفجأة نمت وصحيت لقيت المكان مهجور.
رد وقال:
-أنت بتخرف بتقول ايه،المكان ده مهجور من زمان..أنا عندي 30 سنة، وطول عمري بشوفه مهجور من وقت نكسة 68.
لا لا لا، كده كتير خالص اللي بيحصل معايا ده..سبته واقف ومشيت بصدماتي..رجعت البيت بعد ما كنت فاقد الأمل في كل حاجة،وكنت مش قادر أصدق اللي مريت بيه..لما دخلت البيت، لقيت المكان خالي تماماً..الهواء كان ساكن،المكان كان هادي لدرجة مخيفة،مفيش صوت خالص،مش زي كل مرة.
خبطت على باب الجيران،طلعت ست الجيران وقالت بصوت متعجب:
-حمد الله على السلامة يا حبيبي.
قولتلها:
-الله يسلمك يا رب..أهلي فين.
قالت وصوتها كان فيه نوع من الشفقة:
-لا حول ولا قوة إلا بالله..أهلك ماتوا من زمان في حادثة يا ابني،وأنت الوحيد اللي نجيت فيه..مالك يا حبيبي،انتوا كنتوا رايحين تصيفوا كلكم والاتوبيس اللي كنتوا راكبينه، عمل حادثة،وكل اللي كان راكب الأتوبيس مات،انت الوحيد اللي طلعوك من القبر بعد ما دفنوك.
الشعور كان غريب، كأن الدنيا كلها وقفت..أنا مش قادر أتحرك، فكرت إنها بتخرف أو إن أنا في حالة صدمة..سبتها ودخلت بيتنا بسرعة، وحاسس الدنيا بتدور حواليا..لقيت كوباية شاي معمولة سخنة،لكن الدنيا كانت لسه هادية بشكل غريب..وفجأة، سمعت صوت كركبة في المطبخ.
دخلت لقيت النور شغال،وأمي قدامي حسيت بصدمة..كانت بتغسل الأطباق زي ما هي،بصتلي وقالت:
-حمد الله على السلامة يا حبيبي..إحنا كلنا مستنيينك.
ابتسمت في وشي، لكن أول ما شوفت عينيها..اختفت فجأة.
لكن صوتها ما اختفاش،واستمر يرن في ودني..واضح إنه مش مجرد خيال، وكان فيه حاجة مش صح.
أنا مش قادر أفهم إذا كانت أمي اللي في المطبخ هي الحقيقة، ولا كانت خيال..الأصوات بدأت تظهر حواليا بعد ما كان صوت امي بس،أصوات ناس كتير،ناس اعرفهم وناس معرفهمش،كلهم بيقولوا كلمة واحدة بس:
-مستنيينك، مستنيينك، مستنييك.
الصوت دلوقتي مش بيسكت،الكل كان بيقول نفس الكلمة:
"مستنيينك"
أنا خلاص قررت اروحلهم..انا هنتحر.."انتهت الرسالة".
في اللحظة دي قلبي كان بيدق بسرعة، وأنا مش قادر أصدق الكلام اللي قريته..مش قادر أستوعب إن المجهول ده لسه عنده الأمل في إنه يتكلم معايا، وكأني في لحظة فاصلة،يا اما حياتنا أو موته..كنت حاسس بتوتر كبير،بس لازم أبقى هادي وأرد عليه زي ما اتعلمت.
كتبت بسرعة وقولت:
-أرجوك متعملش كده، مش عايزك تخلص على نفسك..كلنا بنمر بلحظات صعبة،بس مش هو ده الحل..أنا عارف إن الدنيا قاسية،بس في ناس حواليك، وفي حلول ممكن تساعدك،في طرق تانية ممكن تديك فرصة..أنا جنبك علشان أساعدك،بس متخليش الألم يعميك عن الفرص اللي لسه قدامك..متخليش اللحظة دي تكون النهاية، لازم تحاول تلاقي أمل تاني.
ضغطت على الإرسال، وأنا مش قادر أوقف تفكيري..هيرد عليا..ان شاء الله هيقدر يلاقي الأمل في كلامي..كان عندي إحساس إن ده مش مجرد نقاش، ده كان لحظة حاسمة في حياته.
كتبت الرد وأنا حاسس إن كل كلمة بقولها ممكن تغير حاجة في تفكيره، لكن بعد ما بعت الرسالة بلحظات، لقيت حاجه غريبة بتحصل..الشاشة كانت فاضية ومفيش اي رد..قعدت مستني ومش قادر أصدق إني مش هسمع رد،لحد ما جات رسالة جديدة.
فتحت الرسالة دي وكانت من المجهول، بس الجملة كانت واضحة زي السكين،بيقول:
-أنا قررت خلاص..شكراً لأنك حاولت تساعدني، بس ده قراري مفيش حاجة هتغيره..سلام.
بعدها على طول،وقبل ما أفكر ارد عليه، لقيته عملي بلوك..الشاشة كانت باردة، مجرد كلمة واحدة اختفت في لحظة، وهو مش هيقدر يرجع تاني.
حسيت بخيبة أمل كبيرة..انا حاولت أساعده،حاولت أكون موجود علشان يفهم إن فيه أمل،بس في النهاية فشلت..حتى لو كنت حاولت برضوا فشلت..التفسير المنطقي الوحيد للأموات اللي بيشوفهم،هما الناس اللي كانوا معاه في الأتوبيس،حتى هاجر وعيلتها ماتوا في نفس الحادثة.
مش قادر أفهم لحد دلوقتي إزاي إن الشخص ده وصل للنهاية دي،وكيف إني ما قدرتش أعمل حاجة أكتر من كده.
الشاشة قدامي كانت فارغة، المجهول اختفى، وأمل إني أقدر أغير حاجة ضاع..كان شعور سيء،إحساس بالخيبة اللي مكانش ليها تفسير..غمضت عيني وحاسس إن السكون اللي مالي المكان ده هو نفس السكون اللي جوايا..فشلت في إنقاذه،فشلت في إنهاء كابوسه.
بس السؤال اللي لسه شاغل دماغي هو: هل كان في حاجة فعلاً أقدر أعملها..ولا كان القرار دايمًا بأيديه..إزاي مشاعرنا توصلنا ننهي حياتنا بأيدينا..إزاي الخوف واليأس ممكن يتملكوا الواحد لدرجة إنه يقرر يهرب من الحياة نفسها..ابتسمت في الآخر، رغم كل حاجة، وقولت لنفسي:
-الأمل دايمًا موجود..بس مش كل الناس هيوصلوله...
النهاية
