رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الثاني (عشقها أحياني) الفصل السادس
وليس لي سواكِ..ولا مأوى لي سواكِ..طفل أنا بأحضانك..عجوزاً أنا في غيابك..
ولا تستهين بقوة المرأة..فإذا إستخدمت عقلها..فسلاماً على الدنيا...
تيبست قدمي جاسر ولم تعد لها القدرة على الحراك..ولكن ذلك لم يمنع إحتقان عيناه..بالإضافة إلى تجهم وجهه وتحوله إلى الشراسة المطلقة..قبض على يديه بشدة حتى لا تنفجر نوبة الغضب بوجهها وجسدها أيضاً..وقابلت دينا كل ذلك ببرود تام..ألواح ثلجية تساقطت من القطبين لتجد مُستقرها على وجهها..إقتربت ببطئ مغري "بالنسبة لها"ثم قبلت وجنتيه وهو يقف كالأصنام..ثم قالت بنبرة خبيثة
-وحشتني أوي يا جسور..
دلفت وكأنها سيدة المنزل..خطواتها المُتغنجة والواثقة..صورت لها مدى إحكام مُخططها..صوت قرع كعبها الأنثوي..وصل إلى مسامع تلك القابعة بالداخل..إرتدت ملابسها سريعاً..ثم خرجت فتأخر جاسر قد جعل القلق يتسلل إلى قلبها..ثم تسائلت بتوجس
-مين يا جاسـ...
وقبل أن تُكمل سؤالها..تفاجأت بتلك السيدة التي تجلس على الأريكة بأريحية..تضع ساق فوق أختها..وتجلس بثقة..لمحت روجيدا تلك النظرات الخبيثة المُتقافزة من عينيها..حولت أنظارها إلى جاسر..الذي يقف أمام الباب مُتيبس..وموليهم ظهره..عادت بنظرها وقد تشكلت جزء من الصورة أمامها..تصنعت الجهل ونظرت إلى عينا دينا بقوة وهتفت بثبات
-مين حضرتك؟!
-نظرت دينا إلى جاسر وقالت بمكر:أسألي جوزك
-لم تحيد روجيدا بنظراتها عن دينا..ثم هتفت بنبرة لا زالت ثابتة:أنا بسأل حضرتك..مين حضرتك!!
نظرت لها دينا بغموض..ثم عبثت بمحتويات حقيبتها..وأخرجت ورقة..وضعتها على الطاولة الزُجاجية..نظرت إلى جاسر ثم إلى روجيدا..وقالت بنبرة خبيثة
-دينا..مرات جاسر الصياد....
**************
بعدما ذهب صابر إلى شركته..ظل يُفكر في تلك الفتاه..المجنونة..والثائرة..البريئة..مزيج عجيب هو لم يعشق فتاه قط..ولكن تلك الشيطانة الصغيرة حركت شيئاً ما بداخله..لا يعرف لما يُصيبه الإنتشاء كلما إقترب منها..عندما إحتمت به..وعندما حملها بعيداً عن جاسر..شعر بكل خلايا جسده تطلب الإقتراب منها..والوصال..هز رأسه يميناً ويساراً لينفض تلك الأفكار..سحب هاتفه من فوق مكتبه..ثم هاتف أحد أصدقائه..إنتظر ثوان..ثم ما لبث أن قال
-حبيبي..إزيك..
إنتظر رد الطرف الأخر..ليقول
-يا راجل عيب عليك....والله أنت اللي مُختفي..
ضحك ثم قال
-عيبك إنك فاهمني..بص..في واحدة لو تعرف تشوفهالي فـ قاعدة البيانات عندكوا وتجبلي معلومات عنها..يا راجل دا أنت أمن دولة حاجة بسيطة..أشطه..بص إسمها بسنت جمال..أختها أسمها روجيدا جمال..كانت عايشة فـ أمريكا فـ هاواى..تعرف تجيب معلومات عنها!!..دا أقصى ما وصلتله..تمام..شكراً يا زميلي..يا سيدي خدمة لواحد صاحبي..إطلع منها أنت بس..سلام....
أغلق الهاتف..وعلت الإبتسامة وجهه..لا يدري مصدرها ولكنه يبتسم..مجرد التفكير بها يجعله مُنتشي بالسعادة..حدث نفسه بسخرية
-أنت وقعت على بوزك يا أبو صابر..شكل البت دي وقعتك ولا حدش سم عليك..إلبس يا برنس..
لا تغيب عن باله..ولا تغيب عن عقله..تذكر تطاير ثوبها الرمادي المتطاير..ليكشف عن بياض ساقها..وخصلاتها السواد المجنونة..تلك الذكرى جعلت القُشعريرة تدب في أوصاله..ليبتسم بعدها بتهكم..وقال
-وقعت يابن فوزية...
****************
صاعقة من السماء وقعت على رأس روجيدا..صمتت..صمت..سكون..هدوء..لا يوجد سوى صوت أنفاس جاسر التي علت بشدة..والتي أيضاً تُنذر بوقوع عاصفة..أو ربما إعصار سيقتلع الجميع من جذوره..تسائلت روجيدا بصدمة
-جوزك!!..إزاي مش فاهمة؟
-نفخت دينا في أظافرها بملل وقالت بضجر:زي الناس..إلا هو مش قالك ولا إيه!!..
وضعت يدها على فاها..ثم قالت بدهشة مصطنعة..
-Oh My God (
وعلى حين غُرة إلتفت ذلك الوحش الكاسر..وعينا تُطلقان الشرر..وأخيراً إستطاعت قدماه التحرك..وإلتهمت خطواته الأرض إلتهاماً..تفاجأت دينا من قدومه..وتذبذبت عيناها عندما رأت تلك النظرة المخيفة في حدقتيه..ينظر لها بغضب عارم..أمسك خصلات شعرها بقسوة بالغة..ثم هدر بعنف
-جوز مين يا بنت الـ****..جوز مين يا ****..
جحظت عينا روجيدا بشدة..ولكنها تيبست في مكانها..بينما تأوهت دينا بشدة
-ااااه...سيب شعري يا جاسر..
-نطق من بين أسنانه..ثم قبض على فكها بقوة كاد أن يُهشمه بيداه:شعرك!!..ورحمة أبويا..يا أقذر ما خلقه ربنا لو ما مشيتي دلوقتي لاكون مقطعك وراميكي لكلاب السكك..
ثم دفعها بحدة..إرتدت على إثرها إلى الخلف وسقطت فوق الأريكة..أمسكت فكها بألم ..ثم ضحكت وقالت بنبرة ماكرة
-إيه خايف تقول قدام مراتك إننا متجوزين!!..ولا الأيام اللي قضيناها سوا!!..
نهضت ثم أمسكت ياقة قميصه بدلال..وقالت بهمس شيطاني..
-نسيت أول مرة بوستني فيها..
وصل إلى مسامع روجيدا ما ألقته تلك الحية..لتفغر فاها من الصدمة..وتجحظ عيناها من فرط الدهشة..أما جاسر..فلا داعي لذكر ما هو عليه الآن..وجهه خالي من التعابير..ولكن عيناه..تباً..تحولت إلى سواد..سواد يُغلفه ظلام دامس..ترقبت دينا ما هو رد فعله..وليتها لم تفعل..باغتها بصفعة مدوية..
وضعت روجيدا يدها على فاها..تكتم شهقتها..ولكنه لم يتوقف عند ذلك الحد..صفعة..فصفعة..وأخرى..يده تلطمها بلا هوادة..تتبادل يداه على وجنتيها..لا يرحم ولا يهدأ..ويداه تنزلان بقسوة وأكثر قسوة مما سبقتها..تحركت روجيدا سريعاً تُمسك يده..فـ إن لم تمنعه سيقتلها..أمسكت يده فكاد أن يصفعها هى الأخرى..شهقت..فتراجع..تلك اللحظة لم تعرف جاسر..تحول إلى وحش وكأنها لم تعش معه مُطلقاً..قالت بصوت مبحوح
-دا أنا يا جاسر إهدى..
نظر جاسر لتلك القابعة تضع كِلتا يدها على وجنتها..الدماء تسيل من أنفها وفمها..ولكن ذلك لم يمنع تسلل إبتسامة إلى شفتيها..نظر لها جاسر بنارية وقال بقتامة
-لو عندك ذرة عقل..إمشي يا ****..
نهضت وهى تبتسم بخبث..ثم قالت بصوت يملؤه الدلال
-همشي بس أكيد هنتقابل..يلا باي باي يا بيبي..
ثم رحلت..نظرت روجيدا إلى جاسر دون نبس كلمة..أزاح يدها عنه..ثم أخذ مفاتيحه وخرج.......
**************
جلست بسنت في الحديقة شاردة..لا تعلم كيف تتصرف..فذلك "الغوريلا" المدعو بجاسر..منعها من رؤية شقيقتها..وكم هي مُتلهفة لرؤيتها..أتشبه أبيها!!..أم تُشبه جين والدتها!!..حيرة تملكتها..قطع سيل أفكارها..إقبال هاجر عليها..التي جاهدت لرسم إبتسامة على وجهها..وتساءلت بمرح
-سبع ولا ضبع!!
-نظرت لها بسنت بعبوس وقالت بضيق:كلب..كلب يا مامي...
ضحكت هاجر بشدة على إبنتها..تأفأفت بسنت بشدة من والدتها لتقول بسنت بحدة
-مامي..لو هتضحكي كتير..يبقى الله يخليكي بعيد عني..مش ناقصة أنا
جلست بجانبها هاجر وهى لا تزال تضحك..نظرت لها بضيق وهتفت بنزق
-مامي..بس بقى
-كتمت هاجر ضحكتها..ثم تشدقت:خلاص يا حبيبتي..بس أنتي كنتي مستنية إيه!!..تاخدك فـ حضنها مثلاً..ولا..آآ..
-قاطعتها بسنت قائلاً:وهو أنا شوفتها أصلاً
-عقدت ما بين حاجيها وتسائلت:يعني إيه!!
-لوت بسنت فمها بضيق وقالت:جوزها الغوريلا دا..مخلانيش أشوفها..
-وبعدين؟
-ردت عليها بسنت بهدوء:بفكر أروحلها تاني..
-أوكيه..
نهضت بسنت سريعاً..ثم رسمت ملامح المرح على وجهها..وسحبت والدتها وتشدقت بمزاح
-بقولك إيه أنا جعانة..تعالي نخش نولع فـ المطبخ ونطلع..
ضحكت هاجر وتبعتها...بينما بسنت عزمت بداخلها على العودة ورؤية أختها الغير شقيقة...
***********
نظرت روجيدا في الفراغ الذي خلفه ورائه جاسر..وهى لا تزال واقفة..تذكرت مُنذ دقائق..عندما كاد يصفعها..تذكرت ملامحه..كانت سوادء بشدة..وعيناه تمتلأ بالظلام..أختفت ملامح معشوقها..وظهر شخص..لا ليس شخص بل وحش..تحولت ملامحه..ولم تستطع التعرف عليه..جلست على الأريكة..ثم حدقت بتلك الويثقة..حدثت نفسها قائلة..
-الموضوع دا فيه حاجة كبيرة..وجاسر مخبي عليا حاجات..بس ليه واحدة زي دي تجي تقول كدا..لازم فيه سر وأنا هكشفه..وأتمنى أني مش أندم أني كشفته....
صدح صوت هاتفها..أمسكته فوجدتها والدتها..وضعته على أُذنها ثم قالت بسعادة غامرة
-مامي..وحشتيني جداً..
-جين بسعادة مُماثلة:وأنتي كمان يا روح قلبي..عاملة إيه!..والبيبي عامل إيه!
-إبتسمت وهى تتحسس بطنها المنتفخة قليلاً:أنا كويسة..والبيبي كويسة..وبتسلم عليكي
-ضحكت جين وقالت:وأنا بسلم عليها..إبقي بوسيلي إياها..
-من عنيا يا حبيبتي
-تابعت جين حديثها:روجي..بصي إحنا جايين..عندك
-تسائلت روجيدا بتوجس:ليه يا مامي في حاجة!!
-أسرعت جين قائلة:لالالا..يا قلبي مفيش حاجة..أنا جاية أقضي فترة الحمل بتاعك عندك..عشان مش أبقى قلقانة..
-زفرت بـ إرتياح وقالت:خوفتيني..
-إبتسمت جين وقالت بهدوء:يلا أنا هقفل معاكي..عشان معاد الطيارة..خدي بالك من نفسك بلييز
-حاضر يا قلبي..مع السلامة..
ثم أغلقت الهاتف..سعدت بشدة بسبب قدوم والدتها..ولكن ذلك الأمر يشغل تفكيرها..أمسكت الوثيقة مرة أخرى ودققت بها..ثم لفت نظرها رقم هاتف دينا المدون على ورقة صغيرة خلف الوثيقة..إبتسمت روجيدا بمكر..فهى علمت أن كل ذلك خططت له دينا..وأنها كانت تعلم أن جاسر سوف يفعل ذاك وأكثر...
*************
جلس جاسر شريد الذهن..يجلس في سيارته..بمكان خالي تقريباً من المارة..وضع رأسه على المقود وهو يأخذ أنفاسه بصعوبة..لما هواجس الماضي تعود..لما تُشكل حواجز أما مستقبله!!..لما دائما كلما حاول نسيان الماضي عاد يطارده من جديد!!..شرد قليلاً فيما حدث من وقت طويل...
"عودة إلى وقتٍ سابق"
يجلسا على الشاطئ أمام البحر..هو خلفها وهى بين قدميه..يحتضنها من خصرها..ويستند برأسه على منكبها..ليهمس في أُذنها بحب
-أخيراً إتكتبتي ع إسمي..متعرفيش أنا مبسوط قد إيه..
أرجعت رأسها إلى الخلف ونظرت إلى عسليته بتعمق وقالت بـ إبتسامة
-وأخيراً بقيت حرمك يا بن الصياد
ضحك..وإزداد في ضمها له..يشعر وكأنه إمتلك العالم..ذلك الوسيم إبن الخمسة وعشرون عاماً..بعدما ما مر به..جاءت تلك الفاتنة لتُنير حياته..أحبها فـ أخلص..لم ينسى كم حارب لكي تكوم ملكه...
تطلع إليها بحب ثم قال بنبرة عاشقة
-أنتي اللي نورتي حياتي يا دينا بعد اللي حصل..خليكي ديما جمبي
إستدارت له..ثم حاوطت وجهه بين كفيها..وإقتربت منه حتى أصبحت أنفاسها تلفح وجهه..ثم قالت بهمس مُغري
-وأنا مش هسيبك أبداً..بحبك يا جسور
-رفع أحد حاجبيه بدهشة وقال:جسور!!..ودا إيه بقى إن شاء الله؟
-ضحكت بدلال:بدلعك يا حبيبي..دي حاجة ليا لوحدي
-همس هو الأخر:وأنا هاخد حاجة ليا لوحدي..
ثم مال ليلتقط أُولى قُبلاته منها..تلك الفاتنة التي سرقت لبه..قبلها بشغف عاشق..أول عشق..وأول حياه..لا يمكن أن يُنسى..إبتعد عنها وقال بتهدج
-دي ليا لوحدي..تحرم ع حد يدوقها...
"عودة إلى الوقت الحالي"
ضرب المقود بعنف عدة مرات..وصرخ بغضب..عاد يُغمض عيناه حتى يحمي أخر مشهد رأها به..ليقول بسخرية لاذعة
-وأهو مش بس شفايفها..دا كلها..خاينة...
****************
إستيقظت روجيدا في صباح اليوم التالي ..أخذت حماماً..ثم خرجت..أبدلت ثيابها..بحثت عنه في أرجاء المنزل فلم تجده..زفرت بضيق وحزن..فهو مُنذ أمس لم يظهر هاتفته عدة مرات ولكن بلا فائدة..تناولت بعض لُقيمات..قم تركت المنزل وخرجت إلى موعدها..
أوقفت إحدى سيارات..دلفتها ثم طلبت منه بهدوء
-لو سمحت ممكن توديني كافيه...
-أومأ السائق وقال:عنيا يا ست هانم..
ثم سار إلى وجهته..بعد دقائق وصلت سيارة الأجرة إلى وجهتها المحددة..توجهت إلى الداخل لتجد..ضيفها في الإنتظار..أخذت عدة أنفاس ثم زفرتها على مهل..هدأت نفسها قليلاً..ثم أكملت بخطوات واثقة..وبدون أي مقدمات..جلست روجيدا..تضع ساق فوق أختها..واثقة..شامخة مرفوعة الرأس..طلة لطالما عجز أمامها أعتى الرجال..وأوقعت بعشقها جميع الصبيان..تلك المتمردة..بدأت حديثها بقولها الصاعق
-مدام دينا..مين اللي بعتك عشان توقعي بيني وبين جاسر!!
توسعت عينا دينا دهشة..ولكنها إستدركت سريعاً..رفعت حاجبيها بـ إعجاب واضح..ثم قالت
-مكنتش أعرف إنك ذكية أوي كدا يا مدام روجيدا..بس أحب أقولك إن مفيش حد باعتني..
إقتربت من الطاولة ثم قالت بهمس وكأنه سر
-أنا عاوزة جاسر..وبعدين جاسر جوزي فعلاً..مش معاكي الورقة
صرت روجيدا على أسنانها..وتحولت عيناها إلى براكين..ولكنها هدأت نفسها وتلبست قناع البرود وهتفت بمكر
-الوثيقة دي مزورة يا..يا مدام..
قاطع حديثهم..النادل الذي قال بـ إحترام
-تشربي إيه يا فندم
-تحدثت روجيدا وعيناها مُسلطة على دينا:ولا أي حاجة..أنا أصلاً ماشية..
-تمام يا فندم
تركهم ورحل..كانت دينا تتصبب عرقاً..وبدى عليها الإرتباك واضحاً..إبتسمت روجيدا بـ إنتصار..بينما تحدثت دينا بتلعثم
-قـ..آآ..قصدك..إيه..!!
-ضحكت روجيدا بـ إستمتاع ثم قالت بمكر:بصي يا مدام دينا..بنصحك إنك تبعدي عنا..و قولي لـ اللي مشغلك يبعد..أنا عارفة هو مين فبلاش يعجل بمصيره..وأنتي إبعدي عشان مش ياخدوكي بذنبهم..
ثم نهضت..رحلت خطوتين..وعادت..تحدثت بهدوء ومكر
-ومتفكريش تعملي ناصحة..وتزوري قسيمة جواز..متفكريش إنك تضحكي ع طبيبة جنائية..
تركت دينا مبهوتة مما حدث..ودلفت خارج المقهى..تعلو شفتيها إبتسامة ثقة..ولكن ما يُخفيها حقاً..أمر تلك المنظمة اللعينة.....
***************
وصلت روجيدا منزلها وأبدلت ثيابها إلى أخرى مريحة..عبارة عن منامة بيضاء تتكون من سروال واسع يصل إلى منتصف فخذها..وكنزتها من اللون الأسود بها رسومات كرتونية بيضاء..واسعة..ذو حمالات عريضة..
جلست أمام التلفاز وعقلها مُنشغل بزوجها..بعد نصف ساعة وجدت زوجها يدلف بملامح مُرهقة..إنتفضت سريعاً..وإتجهت ناحيته..بينما هو لم يقوَ على رفع عيناه بها..لما فعله أمس..كان على وشك صفعها..وجد ظلها أمامه..إبتلع لُعابه بصعوبة..ثم رفع رأسه..وتحدث بتوتر
-روجيدا..أنا..آآ..
وقبل أن يُكمل وجدها ترتمي بـ أحضانه وتتشبث به بقوة..تفاجئ من رد فعلها ذاك..ولكنه أحاط خصرها بقوة..وكأنه يستمد القوة منها..سمعته يُهمهم بصوت منخفض
-أسف..أسف..أسف إني كنت همد إيدي عليكي..والله مكنتش فـ وعيي
فوجدها تزداد في ضمه لها..فتابع حديثه بصوت خافت
-روجيدا..هي..مش مراتـ..
-قاطعته بهدوء:هششش..أنا عارفة ومتأكدة من كدا..جاسر أنا بثق فيك أكتر من نفسي..ولو كنت شكيت فيك ولو مقدار ذرة..أبقى مستحقش حبك..
نظر لها ثم رفع ذقنها..تطلع بفيروزها التي تفيض عشقاً..ليقول بهمس
-أنتي كتير عليا
-ضحكت بدلال وهى تُحيط عنقه:منا عارفة
-والله!!
-أماءت برأسها بقوة وقالت بدلع:أها
ثم إرتفعت وقبلت وجنته بحب..إبتعدت ليميل هو ويلتقط شفاها في قُبلة عاصفة..إستهلكت طاقتهما كلها..قُبلة صارخة بعشق أبدي..عشق محى ما قبله..ولن يكون عشق بعده..يضمها إلى صدره بـ قوة..وكأنه غريق..وهى تلك القشة المُتعلق بها..
أجفل كلاهما صوت طرقات على الباب..إبتعد عنها بمضض..وهو يسب ويلعن..مسح على وجهه وقال بهدوء عاصف
-خشي جوه يا روجيدا..
-طيب..
إنتظرها حتى دلفت..ثم إتجه ناحية الباب..فوجد والدتها ويحيى زوج والدتها..تفاجئ قليلاً..ولكنه إستدرك الموقف ورحب بهما كثيراً..ثم نادى زوجته التي أتت ركضاً..إحتضنت والدتها..بشدة وهى تبكي..فقالت جين بمرح
-هرمونات الحمل إشتغلت..
ضحكت روجيدا وكذلك جاسر..فتساءل يحيى بمرح
-طلعت عينك ولا لسه!
-ضحك جاسر وقال:الصراحة لسه..بس هيطلع متخفش
عبست روجيدا بملامحها ثم قالت بطفولة
-ماشي يا جاسر..والله هطلعه عليك
-ضحك يحيى قائلاً:طب مش هتسلمي عليا ولا إيه!!
-ردت مسرعة:لأ طبعاً..إزاي يا أنكل
أتت أن تحضنه ولكنها شعرت بقبضة جاسر تعتصر يدها..نظرت له فوجدت عيناه تنظر لها بنارية..ومظلمة بشكل مُخيف..رأى يحيى ما يحدث..فلم يرد إضفاء أجواء متوترة بينهم..ليقول بمرح
-ولا أقولك بلاش يا روجيدا..أنا عندي برد ومش عاوز أعديكي..عشان البيبي كمان
نظرت له بـ إعتذار..فـ إبتسم لها..همست لزوجها بضيق
-ممكن بقى تسيب إيدي عشان وجعتني
-خفف قبضته عنها ولكنه قال بغضب مكتوم:حسابك بعدين
-نظرت له بخبث وقالت بمشاكسة:مش هتقدر..هما أصلاً يقعدوا معانا عشاني..
أخرجت لسانها له ثم تبعت والدتها ويحيى إلى الصالون..ضحك جاسر على زوجته..تلك اللعينة تستطيع إخراجه من أحلك لحظاته..وضع يده خلف رقبته وقال بحب
-مجنونة..يا فراولتي..
ثم تبعهم..جلس بجانب زوجته..وأحاط كتفها بتملك..نظرت له وإبتسمت..ليُبادلها الإبتسام..وإندمج مع الأجواء....
سمعت روجيدا صوت طرقات..قطبت حاجبيها ولكنها نهضت..أتى جاسر من المطبخ لتقول له
-خليك يا حبيبي أنا هشوف
-قال بحزم:لأ..أنا اللي هفتح..
-حدثته بلطف:خليك يا روحي..هتلاقيها مرات البواب أصلي طلبت منها شوية حاجات
-أماء بخفوت وقال:طيب
ثم عاد إلى المطبخ يُنهي الطعام..فزوجته لا تطيق الطهي..ما تبلث أن تتقيأ..فعرض عليها المكوث بجانب والدتها..بينما تولى جاسر و يحيى أمر الطهي..
إتجهت ناحية الباب..وفتحته..ظنت أنها زوجة البواب..ولكنها تفاجأت بفتاه في الثامنة عشر..تسائلت روجيدا بـ إستفسار
-عاوزة مين!!
-تحدثت بسنت بتوتر:مش دي شقة روجيدا جمال!
-عقدت ما بين حاجبيها وقالت:أيوة أنا..أنتي مين؟
نظرت لها بسنت بصدمة..فهى لا تُشبها مُطلقاً..هى تُشبه والدها عدا عيناها..ظلت تتفحصها..حتى قاطعتها روجيدا بنفاذ صبر
-أنتي معايا ولا أيه!!
-قالت بسنت بتلعثم:مـ..معاكي..
سكتت قليلاً..تستجمع شتات أمرها..إبتلعت بسنت ريقها بتوجس وقال بصوت أجش
-أنا بسنت..بسنت جمال..أختك من الأب!!......