رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل التاسع والتسعون 99 بقلم فاطمه عبد المنعم


 رواية وريث آل نصران الجزء الثالث الفصل التاسع والتسعون بقلم فاطمه عبد المنعم 

إيديا فى جيوبي و قلبي طرب

سارح فى غربة بس مش مغترب

وحدي لكن ونسان و ماشي كده

وببتعد....معرفش....أو بقترب. 


(رباعيات صلاح جاهين) 


هي لحظات.. لحظات نقرر فيها أن المواجهة شر لازم، 

فنتخذ القرار بالمواجهة حتى ولو كانت النتائج ربما تصيبنا بالخيبة... وهكذا كان قرار "ملك" حين اختارت مصارحته قائلة وهي تستند على ذراعه ولكن تهرب بعينيها:

أنت عندك IED. 

أرادت وبشدة معرفة التعبير الظاهر على وجهه فرفعت عينيها ببطئ حتى التحمت نظراتهما وحين شعرت بأن تعبيره مبهم أكملت:

عندك اضطراب انفجاري متقطع... وأكملت شارحة:

نوبات مفاجأة من الغضب غير المبرر. 


انتظرت رده على أحر من الجمر، توقعت أي رد عدا الرد الذي قاله حيث صدمها حين تحدث بابتسامة ساخرة:

براڤو حافظة الاسم بالعربي، و حافظة الاختصار بالانجليزي كمان... 

اقترب بوجهه منها متعمدا إرباكها وهو يسألها:

حافظة الاسم على بعضه بالانجليزي كمان؟ 

هل هذا هو الرد!.... ما قاله كان كافي ليصيبها هي بنوبة غضب ولكنه مبرر تتخلص منه فيها نتيجة لردوده هذه، ونتج عن إثارته لغيظها قولها بإصرار وهي تعتدل جالسة على الفراش:

Intermittent Explosive Disorder

IDE

اضطراب انفجاري متقطع

واستكملت بعد أن نطقت كل ما أراده أمام عينيه التي لا تحيد عنها وكأنها تحفظ كل تفصيلة في وجهها:

حافظة كويس أوي يا "عيسى".


بعد قولها هذا مال على أذنها هامسا:

بس معرفتيش " عيسى" كويس أوي يا "ملك".


وعقب أقوالهما كان التحدي هو السائد في نظراتهما... تحدي في عينيها يخبره أنها قادرة، يعلن أن صاحبته قررت أن تكون المحاولة هذه المرة مستميتة، وتحدي في عينيه جعلها تشعر بمدى الرفض الذي ستقابله... جعلها لوهلة تحس وكأنه آخر غير ذلك الحاني الذي حاول جاهدا قبل لحظات مداواة وجعها.... بريق في عينيه يُعرف عن صاحبه من جديد، ليثبت وفي كل مرة أنه ملك المفاجأة. 


أبدت استغرابها وانكمش حاجبيها وهي تسأله:

يعني إيه معرفتكش كويس؟ 

قرر ترك الغرفة بأكملها و هو يقول:

يعني تبطلي كلام مش مهم. 


مسكت ذراعه قبل أن يترك الفراش و ألقت على مسامعه قولها الذي حاولت بكل جهدها ألا يصدر منها أي انفعال وهي تتفوه به:

لا يا " عيسى" ده كلام مهم... يخصك، و يخصني ويخص حياتنا. 


استدار له فتواجهت الأعين من جديد وهو يسأل بانزعاج:

مالها حياتنا؟ 


تنهدت بتعب وهي تخبره بالإجابة وقد قررت الثبات وعدم التراجع لآخر ثانية:

حياتنا محتاجة إنك تعرف إن في مشكلة. 


رفع كتفيه سائلا بضجر وقد علت نبرته:

وهي فين المشكلة؟ 

ترك الفراش بعد أن أبعد ذراعها واستكمل وهو يتحرك ناحية الباب:

كلمتين حفظتيهم من "ميرڤت" وجاية تردديهم...

كل واحد اتعصب شوية هتطلعوه عنده مشكلة؟ 


هرولت خلفه ووقفت أمامه قبل أن يصل إلى الباب وقالت ولم تأبه الصدام:

لا يا عيسى، أنا مش حافظة كلام وبردده... مين فينا معندهوش مشكلة؟، كلنا مليانين بلاوي... بس أنت اللي بتكابر ومش عايز تسمع لحد 


_ وسعي يا "ملك" علشان عايز أخرج. 

كان هذا رده وقد تجهم وجهه فسألته باعتراض:

تخرج ليه؟... مش احنا بنتكلم لسه؟ 


احتدت نظراته وهو يرد عليها بغضب:

أخرج علشان منتخانقش، و ترجعي تزعلي من اللي هقوله و تتقمصي بالشهر.


كانت جملته الأخيرة بها تعنيف ردت هي عليه بسؤالها المهاجم:

و هو اللي أنت عملته مكانش يستاهل إني ازعل؟ 


أعطاها ابتسامة يخبرها به مدى نزقه وهو يقول:

وأنا يا ستي أهو بقولك وسعيلي أخرج... علشان منشدش مع بعض. 


سألته بحزن شديد وقد بان الألم في نبرتها:

ليه كده يا "عيسى"؟... ليه بتقفل أي كلام في الموضوع ده مع إنك عارف إني خايفة عليك. 


لانت نبرته قليلا وهو يطالعها بعتاب مصرحا:

علشان زهقت وقولتلك بطلي تضغطي عليا... أنا معنديش حاجة. 

كانت سترد ولكن أوقفها حين وضع يده أمام فمها مستكملا:

كل الحكاية إني أوقات بفقد أعصابي بسرعة، ودي حاجة عادية بتحصل مع الكل... أي حد بيجي عليه أوقات ويزهق و يتعصب. 


أبعد يده فردت تنفي أغلب ما قاله:

لا يا عيسى كلامك نصه غلط، فعلا أي حد بيجيله أوقات ويزهق و يتعصب لكن مش بنفس طريقتك.


قرر أن يكون رده هذا هو الأخير في الحوار الدائر بينهما حيث أنهى كل ما يقال حين أردف:

بقولك إيه يا " ملك"... أنا يوم ما اتجوزتك موعدتكيش بحياة من غير مشاكل، كل واحد فينا عنده عيوب ومشاكل، أنا بعمل علشانك اللي أقدر أعمله، لو على العصبية هتجنبك خالص وقت ما أكون متضايق، لكن تقوليلي اضطراب تقوليلي أي حاجه مش هسمعك،

تابع ناظرا إلى عينيها:

كل واحد أدرى بنفسه، و أنا يوم ما أحس إن عندي مشكلة هروح لدكتور، لكن أنا مش شايف ده. 


التمعت الدموع في عينيها وهي تسمع رفضه لكل ما طُرِح وإنكاره له، تنحت ليسطتيع الخروج ولكن ألقت على مسامعه بنبرة بان فيها حزنها على المحاولة الفاشلة:

أتمنى لما يجي اليوم اللي تحس فيه، متكونش خسرت كل حاجة بسبب إن إحساسك ده اتأخر. 


خرج وأغلق الباب بعنف شديد غادر حتى لا يصيبها منه شيء، كان يأكل الدرج في نفس اللحظات التي كان والده يصرف فيها ضيفه، لم ينتظر والده بل غادر المنزل وكأنه يفر من وحش يطارده، ودخلت هي في نوبة بكاء شديد، ارتفع صوت نحيبها لدرجة جعلت "تيسير" التي أتت من أجل مناداتها، تدق على الباب سائلة بقلق:

ست "ملك" أنتِ كويسة؟ 


أغمضت عينيها بشدة وهزت رأسها بنفي وهي تهمس لنفسها بقهر:

لا مش كويسة، مش كويسة. 


لا تسمع "تيسير" رد فدقت على الباب من جديد، مسحت "ملك" دموعها سريعا وردت بنبرة حاولت أن تبان طبيعية:

كويسة يا "تيسير"... في حاجة؟ 


_ الحاج نصران عايزك تحت. 

أبلغتها بطلب رب عملها الذي أثار استغرابه رؤيته لإبنه وهو يهرول خارج المنزل أثناء توديعه للضيف. 

أخبرتها " ملك" أنها آتية، واتجهت ناحية صنبور المياه تغسل وجهها قبل أن تنزل لوالد زوجها. 

لم يمر الكثير حتى أصبحت في غرفة المكتب من جديد تجلس أمام "نصران" الذي ألقى على مسامعها سؤاله باستغراب:

عيسى كان ماله، شوفته خارج و مستناش حتى الراجل اللي معايا يمشي وأكلمه. 


كانت تنظر للأرضية، وقد شعر بالتغير في حالتها هي الآخرى فتحرك ليجلس أمامها سائلا برفق:

مالك يا "ملك"؟ 

رفعت رأسها تطالعه بحزن وهي تخبره بهدوء على عكس العراك في داخلها:

أنا اتكلمت مع " عيسى" في الموضوع اللي كنت بتكلم مع حضرتك فيه، الكلام جاب بعضه وقولتله عيسى أنت لازم تروح لدكتور واجهته. 


خيبة الأمل البادية على وجهها تحكي كل شيء، لذلك كان سؤال "نصران" باهتا وهو يستفسر:

وقالك إيه؟ 


_قالي إنه معندهوش مشكلة، هو بس عصبي شوية، ولما يحس إن عنده مشكلة هيبقى يعالجها. 

تجمعت العبرات في مقلتيها من جديد وهي تتابع بتعب:

طبعا الكلام ده هيجي بعده مقاطعة أسبوعين ولا حاجة... لا أنا بتكلم ولا هو بيتكلم 

سألت والد زوجها بحيرة وقد أوشك الانهاك أن يقضي عليها:

أعمل معاه إيه طيب؟ 

اقترب منها "نصران"، ربت عليها بحنو وهو يخبرها بحزم:

متعمليش حاجة، هيتعالج غصب عنه لو مش برضاه... أنا وراه لحد ما يروح للدكتور. 


أعطاها ابتسامة مستكملا:

ومتزعليش، و لما يرجع اتكلمي معاه عادي كأن الكلام اللي قولتوه مدارش أصلا. 


رفعت كتفيها وهي تهز رأسها نافية:

لا يا عمو لو اتكلمت معاه، هو مش هيبقي عادي... ممكن كمان يتكلم بطريقة تحرجني. 


ضحك " نصران" على قولها و أتى رده لينفي حديثها حين أردف:

بيتهيألك يا "ملك"، شوفي على قد ما مطلع عين عينك، بس هو بيحبك... جربي كده تتكلمي معاه أول ما يرجع و شوفي. 


ابتسمت على الرغم من حزنها، واستكمل هو أثناء توجهه ناحية أحد الأدراج:

زي ما قولتلك، يومين كده ولا حاجة وهنقابل الدكتور أنا وأنتِ، وخليكِ جامدة كده علشان الواد عيسى ده مينفعش معاه إلا حد يطلع عينه. 


مسحت العبرات عن وجنتيها وهي تضحك على قوله الأخير واستئذنها هو بابتسامة:

أنا هخرج أقضي مشوار، وهرجع علطول... متنسيش بقى. 


كان قد وصل إلى الباب وقبل أن يفتحه سمع تساؤلها:

أنسى إيه؟ 

استدار يطالعها وهو يذكرها بغيظ:

تكلميه يا مغلباني. 

أخبرها ورحل، فابتسمت ثم تنهدت وهي تتمتم:

والله ما حد مغلبني غير ابنك. 


★***★***★***★***★***★***★


الاشتياق واللهفة شعوران لم يفارقا " رفيدة"أبدا طوال تواجدها في هذا المنزل... اشتياق لمنزلها ولهفة لتجمعها مع عائلتها على مائدة الطعام، ولكنها لا تنكر الشعور بالألفة ناحية هذا المكان الذي أوشكت على مغادرته. 

كانت تجلس في الخارج أمام المنزل، تنعم بنسمات الهواء المنعشة، وقد جلست معها والدتها التي هتفت بابتسامة:

خلاص، هنرجع بيتنا تاني بعد يومين. 


_ البيت وحشني أوي. 

كان هذا قولها وقد نبع عن اشتياقها الجم لسكنها، فعلقت والدتها على هذا بقولها:

وأنا كمان، أنا كل حاجة هناك واحشاني. 


سمعت صوت هاتفها أثناء قدوم "عز" الذي قال بابتسامة مشرقة: 

ازيكم. 


قامت "سهام" لترد على هاتفها وهي تقول له:

الله يسلمك يا عز. 

ما إن ابتعدت قليلا حتى جلس هو على المقعد المقابل لرفيدة، ووضع الكيس البلاستيكي على الطاولة، فالتقطت أنفها رائحة شهية و قالت بغير تصديق:

أنت بتهزر؟ 

ضحكت وهي تتأكد من ظنونها أثناء إخراجه للعلبة الحاوية على ما صنعه من أجلها فهتفت:

أنت عملت المكرونة بجد؟ 


هز رأسه بتأكيد وهو يقدم الطبق منها بعد أن وضع لها فيه ثم أردف ضاحكا:

عيب... مش احنا قولنا العيل هو اللي يرجع في كلامه. 


طالعت الطبق وهي تخبره بما جعل ابتسامته تتسع:

هو الشكل بيقول إنك كسبت، بس ناولني الشوكة بقى علشان نشوف طعمها بيقول إيه. 

ناولها إياها وجلس ينتظر ردة فعلها بتأهب، تناولت للمرة الأولى، و تلتها الثانية التي هتفت بعدها بتلذذ:

دي حلوه أوي. 


أسعده قولها كثيرا ولكنه تصنع الغرور مردفا:

ده العادي. 

تناولت من جديد ثم رفعت حاجبها بغيظ وهي تخبره:

تصدق، كنت هقولك حاجة مش قايلاها. 


أسرع يعتذر حتى تفصح عما قررت ألا تقوله:

لا أنا أسف... قولي بقى. 

طالعته بترفع فأصر عليها فهزت رأسها تقول بضحك:

خلاص هقولك. 

استدارت لتتأكد من أن والدتها ما زالت تكمل محادثتها الهاتفية ثم عادت له وهمست:

طعمها أحلى من بتاعة ماما... مع إن أنا أحسن أكل دوقته في حياتي كان من إيد ماما. 


ابتهج كثيرا لهذا، وهتف بسعادة بانت على كل إنش به:

طب دي حاجه تفرحني أوي والله. 


أرادت وبشدة أن تسأله ولكن كانت تردع نفسها حتى تجرأت أخيرا أن تقول بعدما انتهت من تناول الطعام فبدأت الحديث تشكره أولا:

بجد تسلم إيدك... كده أنت ليك حق عندي 


غمز لها وهو يهتف بضحك:

وأنا مسامح. 


_ قولي يا عز صحيح، بما إنك عندك شغلك يعني، وطلعت طباخ شاطر كمان متجوزتش ليه لحد دلوقتي؟ 

شعرت بالندم بعدما تفوهت بهذا ولكن الأيام الأخيرة لفتت انتباهها ناحيته، إعجاب دفعها لسؤال كهذا ولكن الرد لم يرضها أبدا حيث قال بعدما فاق من صدمة أنها سألته سؤال كهذا:

والله هو لسه النصيب مجاش، بس أنا بحب واحدة. 


اختفت ابتسامتها تماما ولكنها سريعا ما تصنعت آخرى وهي تسأله:

والله؟... طب وإيه متجوزتهاش ليه ؟ 


تنهيدة مطولة، وهو يطالعها... هل يخبرها أنها هي من أحبها ويحبها حتى هذه اللحظة، هل يصرح أن جزء كبير من سعادته مرتبط بوجودها، وكأن كل شيء هرب ولم يبق إلا رده:

لسه مقولتلهاش إني بحبها... خايف ترفض. 

لمعت عيناه وهو يكمل بمشاعر صادقة كان مصدرها فؤاده الذي دق لها فقط:

وأنا رفضها ده عندي كبير أوي، بحبها من وهي لسه صغيرة وطول السنين دي ممكن مجرد إني أبص عليها بس ده يفرحني.... أعتقد لو رفضت إني هكمل حياتي لوحدي. 


لما داخلها حزين، غاضب، يتمنى لو أن هذا الحديث كان من أجلها هي... سؤال سألته لنفسها وهي تستمع لحديثه الذي يقطر حبا عن تلك التي لا تعرفها ولم تفق من شرودها إلا حين نبهها:

"رفيدة"؟... روحتي فين؟ 


ضحكت بارتباك وهي ترد مسرعة:

لا أنا معاك أهو... كنت بسمعك بس 

لم تعلم ماذا تقول كانت تنظر حولها بتوتر ثم أخيرا أردفت:

لازم أول ما تعترفلها أبقى أول واحدة أعرفها، وتعزمني متبقاش ندل. 


ضحك وهو يحرك رأسه بغير تصديق، بماذا يرد على قول كهذا، أيخبرها أن الاعتراف يجب أن يكون لها، تسائل كيف له أن يصرح لها وهي لا تدري بقلبه المعذب، كان على خطوة من الاعتراف ولكنه الخوف الذي منعه من قول أنا أحبك واستبدل قوله بآخر:

أكيد هعزمك... حد ينسى أخته برضو. 


_ أنا هقوم. 

هذا ما قالته بنزق بعد تكراره لهذه الكلمة التي رافقته طوال فترة مكوثها هنا، وكأنه كل دقيقة يذكرها أنها أخت، لذا ما أن قامت واستدارت تتجه نحو المنزل همست بغضب وهي تقلده:

بحبها ولو موافقتش هفضل لوحدي، وأنا ماسكلي في أنتِ أختي.

تنهدت بانزعاج شديد وحين أتت لتغلق الباب بعد أن دخلت، ألقت نظرة عليه و ابتسمت ابتسامة صفراء وهي تتمتم بنبرة لا يسمعها سواها:

يا شيخ جتك خوت. 

ثم أغلقت الباب حفاظا على المتبقي من أعصابها التي نجح هو بجدارة في إتلافها. 


★***★***★***★***★***★***★***★


على مدار أيام هو الحديث على ألسنة الجميع، من يعرفه ومن لا يعرفه، لقد وعده غريمه وصدق وعده... كان "صاوي" يتجنب مواجهة أي شيء، حتى المقاطع المنتشرة له على وسائل التواصل، يرفض مقابلة الجميع وفقط يفكر كيف تم خداعه هكذا على مرأى ومسمع الجميع، سمع دقات على باب غرفته فهدر بغضب:

قولت مش عايز أشوف حد. 


_ لو ما اتكلمناش دلوقتي مش هتتكلم معايا خالص. 

كان هذا صوت ابنته التي نطقت عبارتها بحزم لتدفع والدها للاستجابة إلى مقابلتها وبالفعل نجحت حيث فتح باب الغرفة ليجد ابنته على مقعدها أمامه بمساعدة إحدى العاملات في المنزل، صرفتها "قسمت" وما إن دلفت إلى غرفة والدها حتى سألها بانفعال:

عايزة تتكلمي في إيه... مش أنا بعمل كل حاجة علشانك وأنتِ بتهدي كل حاجة؟ 


هزت رأسها باستنكار لقوله الذي ردت عليه بنفي:

لا... أنا مقولتلكش دمر حياة ناس ملهاش ذنب علشاني، أنا طلبت منك تبعد عن "عيسى"، ولو كان هو سبب في اللي حصلي، أنت كمان يا بابا سبب... امتى كنت جنبي؟ 

قالت جملتها الأخيرة بألم، وتكونت الدموع في مقلتيها وهي تسأله:

أنا لما كنت بحتاجك مكنتش بلاقيك، كنت بلاقي

 " عيسى" ، و لما أنت فوقت و قررت تكون جنبي كان الوقت غلط.... 

ظهرت الحسرة في نبرتها وهي تقول بنبرة باكية:

جيت بعد ما كل حاجة ضاعت، بعد ما أنا ضيعت بسبب إني كنت لوحدي، أنا كنت محتجالك وملقتكش.... حتى دلوقتي وأنت مفكر إنك جنبي... 


وكأن حديثها سهام قاتلة تنهش في روحه وهي لا ترحم وتستكمل:

أنت صحيح موجود، بس مش معايا... موجود تفكر في شغلك وفي ازاي تنتقم من "عيسى"، وفين وفين لما تفتكرني... 

هتفت بوجع حقيقي برعت عيناها في إظهاره:

كان نفسي بس تفكر ازاي تلحق اللي فاضل مني... 

كان نفسي تكون جنبي يا بابا. 


شعور الذنب قاتل، وهي استطاعت بمهارة شديدة زرعه بداخله، قصت عليه ما اقترفته يداه في حقها فبهت وجهه وحل بدلا عن الغضب الشفقة والألم وخاصة حين أكملت ابنته وهي تمسح دموعها:

أنا هسافر يا بابا. 

أشارت على ساقيها بعينيها واستكملت:

دكتور " مراد" كلمني النهارده، وأنا قررت إني هسافر أعمل العملية... وسواء كانت النتيجة إني رجعت أمشي تاني أو حتى مرجعتش، فأنا جاية أطلب منك إنك تكون جنبي في الخطوة دي، 

ابتلعت ريقها وأغمضت عينيها وهي تقول آخر ما لديها بوجع:

وأتمنى لمره واحدة متخذلنيش. 

ليست جمل بل صفعات على وجهه، كل واحدة منهن أشرس من السابقة وجميعهن لديهن إصرار على ترسيخ شيء واحد في رأسه ألا وهو أن ابنته في حاجة إليه. 


★***★***★***★***★***★***★***★


وأخيرا أولاده أمامه، ثلاثتهم أمامه كل منهم على مقعده في الحديقة الخارجية المحيطة بالمنزل، طالعهم "نصران" بهدوء فسأله "حسن" ضاحكا:

اتفرجت يا حاج على الفضيحة؟ 

هز "نصران" رأسه وبدأ "طاهر" يقص عليه كل ما حدث داخل الحفل بأدق تفاصيله وما إن انتهى حتى سأل "نصران":

وأنت يا " حسن" بقى وديت البت فين؟ 


انكمش حاجبي حسن وهو يستفسر:

بت مين؟ 


تبادل "عيسى" و"طاهر" النظرات في حين أكمل نصران:

مش طاهر قال إنهم خرجوا البت اللي اسمها روان دي وبعتوها معاك علشان محدش يلحقها. 


صحح له "عيسى" الاسم بقوله:

اسمها رزان، هو وصلها ورجعلنا. 


اعترض "نصران" على خطوتهم هذه بقوله الساخط:

مكانش ليه لزمة تدخل البت دي في الليلة، كان كفاية فضيحته وهو بيتطوح يمين وشمال. 

ثم توجه ناحية "حسن" وهتف بلهجة آمرة:

افتح تليفونك. 


اعترض "حسن" على هذا بقوله:

في إيه يا بابا. 

كانت نظرات "نصران" حادة فاضطر حسن مجبرا لفتحه وما إن فعلها حتى جذب والده الهاتف ليتيقن من شيء ما، فتح قائمة الأسماء لدى ابنه يبحث عن اسم بعينه وما إن وجده حتى ابتسم بسخرية ثم قال:

اهو اللي بعتوه يوصلها... 

رفع الهاتف أمام عيون أبنائه مشيرا على أحد الأسماء فعلم كلاهما أن "حسن" قام بتسجيل رقمها لديه 

وبرر هو ذلك قائلا بانفعال:

هو فيها إيه يعني خدنا أرقام بعض... اتكلمنا عادي في الطريق وخدنا الأرقام. 


ترك "عيسى" مقعده وهتف بضجر:

لا أنا كنت باعتك توصلها مش تاخدوا الأرقام، وتعطف وتلطف... بس بابا عنده حق احنا اللي غلطنا. 


تأفف "حسن" بانزعاج، وقام والده بمسح رقمها من عنده وهو يحذره:

لو عرفت أنك عملت حاجة يا حسن... هتبقى جبت أخرك معايا. 

ثم ألقى الهاتف بغضب هاتفا:

الزفت بتاعك أهو. 


صعد "عيسى" إلى الأعلى بعد أن قال لوالده:

بابا احنا بكرا هنروح نجيب "رفيدة".


_ أنت كنت بايت فين ليلة امبارح؟ 

كان هذا سؤال " نصران" الذي جعل "عيسى" يقف، وطاهر يتمتم:

دي شكلها كده جلسة حساب جماعي. 


برر "عيسى" سبب غيابه قائلا:

كان عندي مشوار بقضيه، وبشير هنا في اسكندرية ففضلت معاه علشان كنا بنتكلم في حاجات تبع الشغل. 


هز "نصران" رأسه قائلا بسخرية بان فيها تعنيفه:

اه بشير اللي قولتلي إنه قاعد في فندق باين، أنت بقى كنت بايت في فندق. 


_ هو بقى حرام؟ 

كان هذا سؤال "عيسى" الذي رد عليه "نصران" بابتسامة:

لا يا حبيبي حرام ليه؟... بات فيه براحتك وأنا برضو بعتت مراتك بيت أمها وقولتلها متقعديش لوحدك طالما جوزك مش موجود. 


سأل "عيسى" بانفعال:

أنت عملت كده ليه يا بابا؟ 

أشار والده عليه وهو يجاوب على سؤاله:

بص أنت عملت ازاي أول ما عرفت إنها مشيت، ما هي متقعدش تستناك طول الليل وراحة جاية على الشباك تشوفك جيت ولا لا، وأنت مستكتر حتى مكالمة تقولها إنك مش راجع.... 

ضرب "نصران" على كتف ابنه قائلا بنبرة حاسمة:

أنت مش لسه عازب وتعمل اللي على كيفك يا بن نصران.... 

لا ينطق فقط يستمع ووالده يكمل:

وعموما مراتك طلعت أحسن منك، لما قولتلها لو عايزة تروحي لامك روحي، قالتلي لا، لما يجي "عيسى" وأقوله. 


ضرب "عيسى" على رأسه بتعب وقد صدق خدعة والده، ثم هتف بابتسامة:

يعني هي ممشيتش؟ 

صرفه والده بقوله:

اطلع يا "عيسى"، اطلع وكلامي معاك بعدين. 


لوح " عيسى" لوالده قائلا بابتسامة واسعة:

سلام. 


ما إن رحل واستدار "نصران" ناحية "طاهر" حتى هتف:

أقسم بالله أنا ما عملت حاجة، الحمد لله مفيش عليا غلطة.

ضحك "نصران" فغمز له "طاهر" قائلا بضحك:

طب طالما ضحكت بقى، أنا قاصدك في خدمة. 

انكمش حاجبي "نصران" فهتف ابنه بما انتوى فعله:

أنا هروح دلوقتي للست هادية، وأنت هتيجي معايا، مش عايزك تتكلم في موضوع إنها مش موافقة على الموضوع ككل، ده أنا هصلحه. 


_ امال هتكلم في إيه؟ 

كان هذا سؤال "نصران" الذي جاوب عليه "طاهر" وهو يضع يديه بين خصلاته بتعب:

تقنعها أكتب الكتاب بعد بكرا. 


في نفس التوقيت 

كان قد وصل هو إلى الأعلى حيث غرفتهما، توقع أنها نائمة ولكن وجدها تعبث بهاتفها، بمجرد دخوله ألقت عليه نظرة سريعة ثم عادت للهاتف من جديد، رفع حاجبه ثم أخرج هاتفه وأرسل:

إيه مش باين طيب؟... أخرج واخد ميعاد وبعدين أدخل علشان تبصيلي ولا أعمل إيه؟ 


ظهرت أمامها رسالته فجأة فسعت جاهدة أن تبقى على ثباتها وألا تبتسم ولكن لم تلحق بسبب قوله وقد أصبح أمامها فجأة:

بتضحكي ها؟ 


_ عايز إيه يا "عيسى" ؟ 

كان هذا سؤالها له بنظرات حاولت أن تبدو مبهمة كخاصته، استغربت أنه فتح هاتفه وبدأ في تشغيل شيء ما، ثوان وانطلقت واحدة من الأغنيات الشهيرة ووصلتها كلماتها التي كانت:

اديني رجعتلك، اديني بين ايديكي.... 

كفاية دموع بقى مش عارف أشوف عينيكي. 


أوقف الأغنية ثم هتف عيسى بضحكة واسعة:

الله، الهضبة بيقول حكم 

ثم طالع عينيها مستكملا:

أنا عايز أشوف عينيكي. 


_ وهو أنت لما بتقلب كل حاجة خناق مبتبقاش شايف عينيا، ولا بتبقى شفافة في الوقت ده؟ 

كان هذا سؤالها بغيظ، فرد عليها بابتسامة أثارت غيظها أكثر:

لا ببقى شايفهم.

ثم استكمل مشيرا على نفسه:

أنا راجل حقاني، بنحي الخلافات على جنب وبقدر الجمال، بس أنتِ شكلك نسيتي. 

كرر لها جملته التي تنجح كل مرة في أسرها من جديد:

أتمنى لما تيجي لحظة موتي، تبقى عيونك آخر حاجة أشوفها. 


انقبض فؤادها، و انكمشت ملامحها وهي تردعه بقولها:

وأنا قولتلك كتير متقولش الجملة دي علشان قلبي بيوجعني منها، وبخاف. 


ابتسم بحنان على أقوالها الصادقة وأردف:

لا متخافيش، احنا مع بعض.


سألت معاتبة:

مع بعض وبتسيبني كل ما تزعل بالأيام مش كده؟ 


هز رأسه نافيا وهو يخبرها برفق:

لا، أنا مقدرش أسيبك... أنا هشغلك معايا كمان علشان تفضلي تشوفيني لما تزهقي. 


انكمش حاجبيها باستغراب وهي تسأله:

اشتغل معاك ازاي؟ 


سألها وقد استقام وتوجه ناحية البراد يخرج مشروبه المفضل:

مش أنتِ عايزة تكملي دراسة، طبعا مش هينفع السنة دي، أنا مع بداية السنة الجديدة هشوفلك الدنيا... ولحد وقتها تيجي معايا وتشوفي الدنيا والشغل بيمشي ازاي. 


_ طب ليه؟ 

سألت بدافع الفضول فأجابها بعد أن ارتشف من زجاجته:

علشان الشغل هيخليكي أحسن، وهيعلمك تتصرفي أفضل، وتثقي في قدراتك أكتر... وبعدين أنتِ قلقانة ليه أنا معاكي. 


صرحت له عن مخاوفها وهي تخبره:

أنا بس خايفة أبوظلك حاجة... هكون متضايقة أوي.


_ أنتِ لو بوظتي حاجة هطلع عينك. 

طالعته بضجر فتراجع وهو يخبرها ضاحكا قبل توجهه ناحية المرحاض:

قصدي أنتِ تبوظي براحتك وأنا منطقش. 


اختفى تماما عن أنظارها فضحكت بحب على محاولاته في جعلها أفضل، محاولاته الدائمة لإخبارها أنها قوية، ولكن هذه المحاولات تصيبها بخوف شديد وكأنه يعلمها ألا تحتاج لأي شخص حتى له... وكأنه يتيقن من نجاحها في كل شيء بمفردها ليتركها تواجه بمفردها... محاولاته هذه تثير داخل نفسها خوف أصبحت مريضة به... الخوف من الفقد. 


★***★***★***★***★***★***★***★


الأيام كرياح عاتية، مرورها سريع ولكن الفرق أننا أحيانا لا نشعر بها، دائما قادرة على جعلنا نتساءل... مبهرة في إذهال عقولنا، وعلى الرغم من توقع "عيسى" حدوث كل شيء، الأكثر سوءا قبل الأقل لم ولكنه كان مندهشا حين شهد هذا 

لقد نجح غريمه الأول وعدوه اللدود في النيل منه، كان التوقيت منتصف اليوم حيث أوشكت الشمس على الغروب، وبان المنظر الدافئ لتراكم السحب في السماء ولكن المشهد لم يكن هكذا مطلقا، حيث في إحدى الطرق الخالية كان "عيسى" بمفرده ويحيط به من كل ناحية رجال... رجال تابعة لشاكر! 


"شاكر" الذي نزل من سيارته بحلة سوداء رسمية وهتف بابتسامة:

مساء الخير يا "عيسى".


أدرك أنه ينتوي له على الشر وخاصة مع رؤيته للرجال المحيطة به فهتف عيسى:

عايز إيه يا " شاكر" ؟ 


ضحك "شاكر" وتوجه ناحيته وهو يخبره عن نواياه بسهولة:

أنا لو عليا عايز أخد روحك، بس مش هينفع دلوقتي.... 

على الأقل دلوقتي. 


أخرج "شاكر" ورقة من جيبه وفتحها، ثم أشار لأحد الرجال فأحضر القلم، وقدم كلاهما لعيسى قائلا:

امضي. 


رفع كتفيه ببراءة مكملا:

ده حقي، اللي خدتوه مني وراحت كتبتهولك.... بيت أبويا اللي بقيت تدخله وكأنها زريبة اللي خلفوك. 

أشار لرجاله حتى يحكموا القبض عليه، ثم ركله بعنف في معدته فأغمض "عيسى" عينيه بألم شديد، بينما تابع شاكر بتشفي:

وأرض أبويا، اللي مش هسيبلك شبر منها.... ولو على ملك متقلقش لما تبقى في حضني هبقى أتصرف أنا وهي. 


هاج "عيسى" وكست الحمرة عينيه، عروقه النابضة بارزة تنذر بغضب صاحبها خاصة حين علق على جملة شاكر الأخيرة عن احتمالية أن تصبح ملك معه:

ده عند أمك.... 

لم يكد ينتهي من جملته حتى سدد له "شاكر" لكمة عنيفة وهو يقول ببرود:

مش عارف ازاي العالم متحمل الكم ده من الناس اللي معندهاش أدب... حقيقي العالم في معاناة يا "عيسى"


سال الدم من جانب فم "عيسى" وتسارعت أنفاسه، كان "شاكر" على يقين من أنه لن يوقع على الورق بسهولة أبدا ولكن لديه حل لكل شيء حيث رفع كفه يخبره بضحكة واسعة:

انا قاعد معاك لحد ما تزهق... بس خليك عارف شوية كمان وهبعت لملك فيديو أفرجها، ومش بعيد أجيبها هنا تشوف المشهد على الحقيقة. 


أشار "عيسى" على الرجال من حوله وهو يقول ببسالة على الرغم من ألمه:

لو راجل مشيهم وتعالالي. 


هز "شاكر" رأسه نافيا وهو يقول ببرود:

في اللعب كل شيء مباح.... 

ثم أشار لأحد الواقفين فسدد لعيسى ضربة شديدة جعلت عينيه تشتعل وغريمه أمامه يقول بتصنع الحزن:

بالراحة عليه مش كده. 


في اللحظة ذاتها ارتفع صوت هاتف "عيسى" الذي كان بين يدي "شاكر"، قرأ الاسم بابتسامة مشتاقة حيث كانت تتصل:

ملك. 


كان سيرد ولكن سمع آخر شيء توقع أن يقوله

 " عيسى" ، كان على يقين أنه من المستحيل أن يوافق على التوقيع ولكنه سمعه يقول بنبرة بان فيها غله:

أنا همضي. 


استدار يطالعه وكأن قوله هذا ليس إلا خدعة في حين كان "عيسى" كتلة من اللهيب... كتلة ترغب في هذه اللحظة أن تحرق شاكر وكل ما على الأرض، كانت النظرات في عينيه تتوعد بأن الرد على كل هذا الهراء... سيكون موجعا، سيكون رد لا يُنسى أبدا. 

الفصل المائة من هنا


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1