رواية العشق الطاهر الفصل الخاتمة
سنة 1988م..
"طاهر"..
يقف أمام والده يرمقه بنظرة خذلان، وبألم حاد ظاهر بنبرة صوته قال..
"انت مكتفتش اني عايش زي اليتيم"..
نظر لشقيقته التي تقف بجواره تربت علي ظهره بحنان بالغ وتابع بمتنان..
"ولولا اختي فادية حنت عليا ومعملتش زي باقي اخواتي كان زماني ميت من الجوع او مرمي في الشارع"..
حرك رأسه بأسف مكملاً..
"انت شقيت قلبي بسكين بارد يوم ماروحت لوالدة جيلان وقولتلها كلام زي السم وضيعت مني البنت الوحيده اللي عشقتها يا أبويا"..
اقترب والده منه وعينيه مليئه بدموع الندم وربت علي كتفه بيد مرتعشه وبرجاء قال..
" حقك عليا يا ابني، سامحني انا والله ما كنت اعرف انك بتعشقها لدرجة دي"..
مسح عبراته وتابع باسف..
" انا اتجننت لما سالت عليها وعرفت انها بنت راجل مسافر وعايشه هي ومامتها لوحدهم، وبتجيلك البيت عند اختك كل يوم وبتفضل قاعده معاك، خوفت عليك توقع نفسك مع واحده تكون مش مظبوطه؟ "..
قطع حديثه طاهر بغضب عارم، وعبراته تهبط بحرقة علي وجنتيه..
"متقولش عليها كده، جيلان دي اشرف بنت في الدنيا كلها وكانت هتبقي مراتي وشيله اسمي وصاينه شرفي وانت حرمتني منها وخلتني ابقي مدمن علشان اقدر استحمل بعدها عني بعد ما كان الكل بيحلف بأخلاقي والتزامي"..
نظر والده لفاديه التي جلست تبكي بصمت يستجديها ان تجعل شقيقها يعطيه فرصه ويستمع له وبصوت يكسوه الحزن علي حال ابنه الوحيد وما فعله به دون قصد تحدث قائلاً..
" انا بعترف اني غلطان يا ابني، والله ما كنت اقصد كل اللي حصل، وانت الحمد لله بتتعالج وبقيت احسن من الاول"..
ابتسم طاهر بشرود
ومرر يده على قلادته التي اهدتها له معشوقة روحه يلملم منها عطرها الغائب هو الحياة بالنسبه له ، وبتنهيده مشتاقه قال..
"انا بتعالج علشانها هي، علشان عارف انها هترجعلي تاني والمرادي مستحيل اسبها تمشي حتي لو علشان خاطر ابنها، هخدها في حضني وهعوضها عن كل لحظة بعدت عني فيها"..
ابتسم والده بأمل وبلهفه قال..
"لو رجعتلك تاني فعلاً انا هقف في ضهرك واجوزهالك بنفسي كمان"..
بكي بنحيب مكملاً..
"بس تسامحني يا ابني، وترجع تمسك الشغل تاني انا من غيرك تايهه ومش عارف اقف لوحدي في السوق"..
رق قلب طاهر له لم يتحمل رؤية دموع والده، فقترب منه سريعاً وضمه لداخل صدره، وربت علي ظهره بحنان وهو يقول ببعض المرح..
" يعني اعتبر دا كلام رجاله وهتجوزهالي بنفسك يا أبو طاهر؟ "..
اجابه والده بلهفه..
" اه والله يا حبيبي وهعملك احسن فرح في البلد كلها، امال ايه دا انت طاهر طاهر الخيام صاحب اكبر معارض للموبيليات"..
ظهرت الدهشه علي ملامح طاهر، وبذهول عاد جملته..
"صاحب اكبر معارض؟!"..
نظر له بشك.." تقصد ايه يا بابا؟ "..
احتضن والده وجهه بين كفيه، وبابتسامة من بين كم دموعه قال..
" انا كتبت كل المعارض بأسمك يا طاهر علشان عارف انك هتحافظ علي ورث اخواتك البنات وحتي اخواتك اللي من مراتي الجديده"..
قالت فادية بفرحة غامرة..
"اطمن يا بابا طاهر عينه مليانه وعمره ما ياخد حاجه مش ليه ابداً..
قال والدها بيقين..
" انا واثق منه علشان كده ناوي اكتبله كل ما أملك مش بس المعارض"..
هم طاهر بالاعتراض لكن والده تابع بأصرار..
"دي اقل حاجه ممكن اقدمهالك يا ابني، وعارف انك هتدي اخوتك كل اللي يحتاجه وزياده عن حقهم كمان"..
غافلاً عن زوجته التي تستمع لما يحدث بقلب يشتعل بنيران الحقد والغل، وبغيظ شديد تمتمت هويدا بسرها..
" بقي عايز تكتبله كل حاجه كمان يا طاهر، طبعا ما هي العقربه اللي كنت متجوزها قبلي ضحكت علي عقلك لما سمته علي اسمك قال يعني من كتر حبها ليك"..
ابتسمت بشر وبوعيد تابعت..
"اما لبستك أسود عليه مبقاش انا هويدا"..
رسمت ابتسامة زائفه وسارت لداخل الغرفه وهي تقول بترحيب كاذب..
"يا ألف نهار ابيض، دا انا مصدقتش نفسي لما ابوكم قالي انه بعت العربية تجبكم عندنا"..
ابتسمت لها فادية ابتسامة باهته، وقد انقبض قلبها عند رؤيتها دون سبب..
نظرت هويدا لطاهر بتفحص وبابتسامة مصطنعه قالت..
"اما انا عملتلكو حته أكله هتاكلو صوابعكو وراها"..
رفع طاهر حاجبيه بدهشه من تغيرها المفاجئ،تذكر انها كانت تتعمد تخبئ الطعام منه بالفتره القصيره التي مكثها معهم..
هبت فاديه واقفة ونظرت لوالدها قائله..
"انا لازم امشي دلوقتي يا بابا لان عزمي هو والبنات علي وصول"..
قال والدها بحب..
" اقعدي كلي معانا لقمه يابنتي وابقي روحي"..
"لا مش هينفع اعذرني المرادي، تتعوض مره تانيه بإذن الله"..
قالتها فاديه وهي تحمل حقيبة يدها وتسير نحو الخارج، وبابتسامة تابعت..
"هتيجي معايا يا طاهر"..
" اه يا حبيبتي".. قالها طاهر وهب واقفاً استعداداً للسير، ليسرع والده ويمسك يده وبرجاء قال..
" خليك انت يا طاهر بقالنا زمن مكلناش مع بعض يا ابني"..
خضع طاهر لطلب والده وجلس جواره مره أخرى وببشاشه قال..
"حاضر يا ابو طاهر هقعد اكل معاك"..
تنهدت فادية بقلق قائله..
"طاهر يا حبيبي متتاخرش علينا علشان هنستناك تاكل معانا احنا كمان"..
حرك رأسه بالابجاب لها، علي مضض استدارت فاديه وسارت نحو الخارج بقلب يتاكله القلق والخوف..
وليتها لم تتركه، ليتها أخذته معها فقد عاد بذلك اليوم طاهر أخر شهقت بعنف حين لمحت هيئته عبر الشرفه..
يسير بضعف شديد، يجر ساقيه وجسده يتهاوي من حائط لحائط، يجاهد حتي يصل لباب المنزل، يظهر علي وجهه الاعياء الشديد، جبهته تتسبب عرقاً غزيراً، وعينيه حاوطهما هاله من السواد بعدما كانت عادت لطبيعتها..
وأخيراً وصل لباب المنزل فخارت قواه وسقط أرضاً فاقد وعيه، لتصرخ فاديه بإسمه بفزع..
"طااااااهر"
مرت خمسة أيام..
داخل منزل "فاديه" بالطابق الثالث الخاص بشقة "طاهر"..
تجلس فاديه الباكية بنحيب بجوار شقيقها، فلذة كبدها من تعتبره ابنها، تكاد تنقطع أنفاسها من شدة بكائها وهي تراه ملقي علي الفراش بحاله لا يرثي لها، يغيب عن الوعي لساعات ويفيق لدقائق معدودة يهمس "طاهر" باسم معشوقة قلبه وروحه بحسرة وألم قاتل، وعبراته تهبط علي وجنتيه ببطء..
"جيجي وحشتيني يا حبيبتي"..
اجهشت فاديه بالبكاء اكثر ونظرت لزوجها بشرار قائله..
"اتصرف يا عزمي اعمل حاجه، شوف اي مستشفي او حتي نسافره لأي بلد بس منسبهوش يتألم بالشكل دا ابوس ايدك"..
قال عزمي بأسف..
"مافيش ولا مستشفي راضيه تقبله،وكله بيقول دي حالة تسمم يا فاديه، والسم اللي واخده مفعوله طويل المدي وخطير جدا ومش عارفنلو علاج، بس انا بحاول اعمل كل جهدي علشان ادخله مستشفي الحميات هي الوحيده اللي هتقبله بس مافيش فيها مكان فاضي"..
صرخت فاديه بنهيار..
" محدش سامه غير مرات ابويا، عايزه تموتك يا طاهر يا قلب اختك"..
اقتربت من زوجها وجثت أرضاً امامه تقبل حذائه، وبتوسل قالت..
" ابوس رجلك اعمل اي حاجه يا عزمي، اخويا بيموت"..
بكي زوجها علي هيئتها وهيئة شقيقها التي تشق القلوب، وجذبها لصده سريعاً يضمها بقوه، لتبكي فاديه بصوت اشبه بالصراخ مردده من بين شهقاتها..
" يا طااااهر يا قلب اختك"..
صرخاتها جعلت طاهر يستعيد وعيه قليلاً، واعتدل جالساً بصعوبه..
لتركض فاديه نحوه وتساعده علي النهوض وبقلق قالت..
"ايه يا حبيبي عايز تروح الحمام"..
بين الوعي واللاوعي قال طاهر بتقطع..
"ج جيجي بتنادي عليا يا فاديه"..
انهمرت دموع فاديه بغزاره وهي تراه يستجمع شتات نفسه، وهب واقفاً لتسرع هي بأسناد يده حول كتفها، وسارت معه نحو الخارج يبحث عنها بلهفه وبهذيان قال..
"جيلان مستنياني يا فاديه، انا شايفها، وسامعها بتنادي عليا"..
صرخت فاديه بزوجها قائله..
" اتصرف يا عزمي اخويا جسمه سخن مولع، اخويا بيضيع مني ياعزمي"..
انتبهت فاديه علي سير شقيقها وكاد ان يصتدم بأحدي الحوائط، لتجذبه عليها وبلهفه قالت..
"حاسب يا حبيبي"..
ليلقي طاهر جمله علي سمعها اوشكت ان تصيبها بسكته قلبيه حين قال..
"انا مش شايف حاجه خالص يا فاديه"..
اتسعت اعين عزمي بذهول، واقترب منه يتفحص عينيه وهو يقول بتوتر..
"طاهر يا حبيبي فتح عينك كويس وقولي شايف ايه"..
بصعوبه فتح طاهر عينه، وبتعب شديد همس..
" مش شايف خالص"..
تعالت شهقات فاديه ولطمت وجنتيها قائله..
"اخويا يا عزمي، اخويا يعني ايه مش شايف"..
ترخي جسد طاهر، فجلست فاديه به ارضاً، ومال برأسه علي صدرها، وبصوت يكاد يسمع قال..
"لما بغمض بشوف جيلان بس، ولما بفتح مبشوفش حاجه خالص"..
بدأ ينتفض جسده بقوة بين يديها، وسالت الدماء من أنفه وفمه، ورغم هذا ابتسم برضا مردداً برجاء..
"متعيطيش يا فاديه انا رايح لمكان احسن من الدنيا القاسيه دي"..
تمسك بثيابها وضمها له وبهمس تابع..
"قولي لجيلان اني لاخر نفس فيا قلبي بينبض بحبها ولما ترجع خديها في حضنك ومتسبهاش يا فاديه، جيجي يا فاديه"..
زاد انتفاض جسده وهو يردد اسمها، وتوقف فجأه متمتاً الشهاده بشفاتيه وأغلق عيناه بابتسامة تزين محياه..
بعيون زائغه نظرت فاديه لزوجها الذي نكث رأسه وبدأ يبكي بنحيب بعدما فحص طاهر وتأكد من وفاته، وبصعوبه قال..
" البقاء لله يا فاديه"..
ضمت فاديه طاهر لحضنها بكل قوتها، وبأنفاس متقطعه قالت بغضب عارم..
"لااااا متقولش علي اخويا كده، بعد الشر عليه"..
هزت طاهر ببعض العنف مردده بتوسل..
"قوووم يا طاهر قووم يا قلب اختك هاتلي عيل من ريحتك"..
.. عوده للحاضر..
بعد مرور عدة أشهر من لقاء جيلان وطاهر..
شهقت جيلان بعنف، وفتحت عينيها وبدأت تصرخ بنهيار شديد مردده..
"ااااه طااااهر لااااا يا حبيبي متسبنيش بالله عليك، يااااااارب سبهولي يااااااارب"..
لتشعر بيد تحاوطها بحمايه ظهرها مقابل صدره، وصوت طاهر يهمس بإذنها بعشق شديد قائلاً..
"جيجي حبيبتي اهدي انا هنا يا روحي"..
تشبثت جيلان به بكل قوتها، وببكاء حاد قالت..
"نفس الكابوس البشع يا طاهر، ان ماما فاديه بتحكيلي انت مت ازاي"..
أغمض طاهر عينيه بعف وقبل رأسها بعمق مرات متتاليه وهو يقول..
"انا هنا معاكي مموتش يا جيجي"..
ذاد من ضمها له اكثر..
" انتي في حضني حبيبتي ومستحيل ابعد عنك تاني ابداً"..
دثت جيلان نفسها داخل حضنه، وتنهدت براحه حين تذكرت انها اصبحت زوجته منذ أيام قليله لتداهمها ذكري اول لحظات زواجهم..
.. فلاش بااااك..
بابتسامة منبهره، يتأملها بعينيه بتمعن شديد،يتفحص كل انش بها دون التفوه بحرف واحد،تبادله هي النظره بأخري مندهشه،باكيه، وحتي ضاحكه عقلها غير قادر علي استيعاب كل ما يحدث..
أيعقل بعد كل هذا الكم من الألم والعذاب الدائم الذي غلف قلبها بأبتعاده عنها سيمحيه هو اليوم؟!،
تفهم هو نظرتها فاقترب منها بخطوات هادئه، ورفع يده ومسح عبراتها بأنامله وبهمس قال..
"مش حلم يا جيجي"..
امسك يدها ووضعها علي موضع قلبه صعوداً بصدره، ولحيته التي ظهرت بها بعض الشعيرات الماسيه زادته وقاراً وشموخ، حتي توقف علي شفتيه، وقبلها بعمق مردداً..
"ايوه انتي انهارده بقيتي مراتي حلالي يا عشق الطاهر"..
شهقت بعنف واجهشت ببكاء لفرط تدافع مشاعر أشبه بالصراخ، ليسرع طاهر بلف يده حول خصرها، وجذبها لصدره يضمها بلهفه ويده تربت علي ظهرها تارة، وشعرها تارة، وبتوسل يهمس بأذنها..
"هششش اهدي حبيبتي"..
يعلم هو سبب بكائها، تنهد براحه وبتأكيد تابع..
"مش هابعد عنك تاني، ولا هاختفي من قدامك، ولا هطلع حلم من احلامك"..
ابعدها عنه واحتضن وجهها بين كفيه يتأمل ملامحها بافتنان، وبأنفاس متهدجه أثر قربها المهلك لقلبه، وأنفاسه التي تلفح نعومة بشرتها تجبرها علي اغلاق عينيها مستمتعه بعبيرها تابع بهمس يكاد يسمع..
"انا حقيقه يا جيلان"..
فتحت عينيها ونظرت له تستجديه أن يثبت لها ما يتفوه به، توردت وجنتيها بحمرة الخجل حين أدركت انه تفهم نظرتها كما يفعل دائمًا،ولكنه لا يريد اجبارها عليه،رغم انه ينتظر موافقتها علي قربه علي أحر من الجمر..
ابتسمت له ابتسامتها التي تجعل نبضات قلبه تعلو لعنان السماء، وبصوت مرتجف همست بخجل..
"مجنونتك انا يا عمري"..
جملتها التي يعشقها هو كثيراً كانت بمثابة ضوء اخضر تدعوه ليقترب..
وضع جبهته علي جبهتها، وساد الصمت للحظات يقطعه تمتمات "طاهر" ببعض الأيات القرآنية، ومن ثم رفع قبضة يده وضعها علي رأسها مردداً دعاء الزواج..
"اللهم إني أسألك أن تجعل زوجتي خير سندًا لي، وأن تجعلها متمسكة بعشرتي،
وأن تجعلها عوناً لي على طاعتك، وأن تجعلني عوناً لها على طاعتك، واجعلها لي زوجة صالحة..
اللهم حببني إلى قلب زوجتي وجمّلني في عينها، واجعلنا هداة مهتدين ومن عبادك الصالحين.
اللهم اجمع بيني وبين زوجتي بخير، وآلف بين قلوبنا وارزقنا الرضا وراحة البال وأبعد عنا الهم والكسل والحزن."
أنهى دعائه واقترب منها يغمرها بعشقه وبركان من الشوق يلفهما..
لم يسعها سوى الاستسلام الكامل له، والتنعم بفيض عشقه الذي أهاله عليها بكرم و شغف، وعالج جروحات قلبها الغائرة..
فاقت من شرودها علي يد طاهر التي تداعب وجنتيها وبعبوس قال..
" سرحانه وانتي في حضني يا جيجي"..
رفعت وجهها وتاملت ملامحه بهيام وبعشق قالت..
"سرحانه فيك يا عمر ونبض قلب جيجي"..
تأمل هو ملامحها بفتنان، ولثم شفتيها بقبله رقيقه للغايه، وبهمس قال..
"طيب يله قومي خليني اساعدك تجهزي"..
داعب ارنبة انفها بأنفه مكملاً..
"ولا ناسيه انك انهارده هتكوني ام العريس"..
ضحكت جيلان بفرحة غامرة وهي تقول..
"مش مصدقه ان طاهر ابني كبر وهيتجوز يا طاهر"..
قال طاهر بفخر..
"لا واللي هيتجوزها تبقي جيجي الصغيره"..
..............................................
زمردة"..
تقف أمام "مروان" ترمقه بنظرة معاتبه ممزوجه بالندم، تجاهد للسيطره علي دموعها التي تخونها وتنهمر علي وجنتيها ببطء..
ساد الصمت قليلاً، قطعه مروان بصوته الأجش قائلاً..
"انا فضلت في الحمام و مرضتش اخرج لخاطرك انتي بس يازمردة"..
نظرت له بتسائل فتابع بتنهيده متألمه..
"علشان خليل ميشوفنيش وتحصل مشكله أكبر وتتعقد الامور اكتر من كده"..
تهرب من عينيه المحاصره لها بشي الطرق،ليقترب هو منها خطوه حذرة، وبهمس قال راجياً..
"بصيلي يا زمرده متهربيش بعيونك مني"..
ابتسم ابتسامة يخفي بها عبراته، وبصوت متحشرج بالبكاء تابع..
"عارف وحاسس باللي جواكي يا حبيبتي"..
اغلقت عينيها بعنف لتنهمر عبراتها علي وجنتيها بغزاره، ومن ثم فتحتهما فجأه وبأسف همست..
"ايوه بحبك يا مروان"..
أجهشت بالبكاء بنحيب أكبر، وبتأوه تابعت..
" اااه بس بعشق خليل ومش هقدر أبعد عنه"..
ضربت علي موضع قلبها بقبضة يدها بقوة..
" قلبي حبك وعشق خليل في وقت واحد، واديني هخسركم انتم الاتنين برضو في وقت واحد"..
أنهت جملتها وبدأ جسدها يتهاوي، ليسرع مروان نحوها وجذبها لداخل صدره رغم اعتراضها وهمسها الضعيف..
" سبني وامشي وانساني خالص يا مروان، وروح شوف حياتك مع واحده تستهلك، مش واحده أنانية زي"..
لم تعد قدميها تحملها بسبب ارتجاف جسدها، فحملها مروان واضعاً يد أسفل ركبتيها والأخرى حول ظهرها، وسار بها نحو الفراش وضعها عليه بحرص شديد، وبعشق همس بأذنها..
"ارتاحي انتي يا حبيبتي وكل اللي انتي عيزاه انا هعملهولك"..
أذدرت غصة مريرة،وانهمرت عبراتها علي وجنتيه نزولاً بلحيته حتي استقرت علي عنق زمردة جعلتها تشهق بصوت خفيض وكأن عبراته من نيران تحرق روحها، وتمزق قلبها، وبحسرة تابع..
"حتي لو اللي عيزاه دا هو اني ابعد عنك يا زمردة"..
يد "فاديه"التي ربتت علي ظهرها بحنان، جعلتها تنتفض بفزع، وتعود لواقعها وبلهفه نظرت لوالدتها وقالت بفرحة غامرة ظهرت علي ملامحها..
"هو صوت خليل اللي بره دا يا ماما؟!"..
"اه يا حبيبتي خليل قاعد مع أبوكي بره"..
تفوهت بها فاديه وهي تمسح عبراتها من علي وجنتيها..
لتسرع زمردة وتهب واقفه وسارت نحو الخزانه تجمع ثيابها علي عجل،وهي تردد..
"مش قولتلك خليل هيجي ياخدني يا ماما، انا واثقه انه ميقدرش يستغني عني اكتر من كده و؟؟"..
صوت بكاء فاديه الحاد قطع حديثها، فستدارت ونظرت لها بقلب ارتعد من شدة خوفها، وبصوت مرتجف همست..
"هو مش جاي علشان ياخدني يا ماما؟!"
اجابتها فاديه بأسف..
"البسي هدوك ولفي حجابك علشان خليل جاي يطلقك رسمي وجايب معاه مأذون"..
عقدت حاجبيها، وبعدم استيعاب قالت..
"يعني ايه يطلقني رسمي؟"..
مسدت علي بروز بطنها الصغيره التي بدأت بالظهور، وتابعت بابتسامة مزيفه..
"هيطلقني وانا حامل منه؟! "..
قالت فادية بتعقل رغم تألمها لألم ابنتها..
"دي اقل حاجه يعملها بعد اللي عملتيه في حقه يابنتي، انتي جرحتي قلبه، وكرامته، ورجولته كمان"..
" بس مكنتش أقصد والله يا ماما"..تفوهت بها زمردة ببكاء اشبه بالأنهيار، وبهذيان رددت..
"انا بعشقه مش هقدر اعيش من غيره، خليه يسبني علي زمته ميطلقنيش حتي لو مش هياخدني معاه انا راضيه"..
أسرعت فاديه بالاقتراب منها وجذبتها لحضنها تضمها بحب شديد وتبكي لبكائها، وتربت علي شعرها كمحاوله منها لتهديئها..
تعالت شهقاتها، وبدأت تفقد القدرة علي السيطرة بأفعالها، وكأنها ستفقد عقلها قبل قلبها بأبتعاده عنها..
توقفت عن البكاء فجأه، وابتعد عن والدتها، وهرولت للخارج دون اكتراث لمنامتها الفيروزي التي تحدد جمال قوامها الممشوق والذي اذدات جمالاً بعدما ظهرت علامات الحمل عليها،وشعرها عقداه علي هيئة ذيل حصان، مع تمرد بعض الخصل علي جبهتها جعلتها بغاية الرقه..
اندفعت نحو خليل الجالس علي إحدي المقاعد يظهر عليه الحزن الشديد خافض رأسه ارضاً، مستند علي ركبتيه بمرفقيه، وبلحظة كانت جثت علي ركبتيها أمامه ممسكه بيده، وبتوسل همست من بين شهقاتها..
"خليل مطلقنيش"..
رفع خليل رأسه ببطء يتطلع بها بدهشه وذهول، وأسرع بامساك يدها يساعدها علي النهوض وهو يقول بجمود مصطنع..
"قومي من فضلك يا زمردة"..
أبت ان تبتعد عنه انش واحد، بل التصقت به اكثر حتي اصبحت داخل حضتنه، بل اصبح محاوطها بكامل جسده، رفعت يدها واحتضنت وجهه بين كفيها تجبره علي النظر لها وبعشق همست..
"واحشتني،معقول اهون عليك تطلقني"..
هبطت بيدها علي لحيته، وكتفيه، حتي وصلت لقبضة يده امساكتها ووضعتها علي بروز بطنها، وببكاء تابعت..
"وانا حامل منك يا خليلي"..
انسحبو جميع من بالغرفة تاركين لهم بعض الخصوصيه، بينما خليل أصبح بعالم أخر بفعل قربها منه الذي يجعل قلبه اوشك علي مغادرة صدره من عنف دقاته..
عاشق هو لكل تفاصيلها، ويشتاقها حد الجنون، ولكن ما فعلته به عقله غير قادر علي نسيانه..
رسم الجمود والبرود علي ملامحه، وابعدها عنه وهب واقفاً موليها ظهره، وبصرامه قال..
"انا وانتي مش هينفع نكمل مع بعض تاني يا زمرده"..
نظر لها من فوق كتفه مكملاً..
"مش انا الراجل اللي كرامته تسمحله يخليكي علي زمته بعد اللي عملتيه"..
ألم اعتصر قلبها وهي تستمع لحديثه اللازع الذي يؤلمها بشدة، وبوهن استندت علي المقعد أمامها وهبت واقفه واقتربت منه ضمته من ظهره لداخل حضنها بكل قوتها، وبصوت باكي همست بإذنه..
"بعترف اني غلطت في حقك انا أسفه ياخليل"..
وقفت علي أطراف اصابعها ولثمت عنقه ببطء جعلته يغمض عينيه مستمتعاً بملمس شفاتيها، ويتأه بسره بصوت خفيض..
يدها الصغيره تسللت بخبث تعبث بأزرار قميصه، ولم تبتعد بشفاتيها عن بشرته وبأنفاس ساخنه تابعت..
"خد كل وقتك، وازعل مني براحتك، واهجرني ومتكلمنيش"..
قبلته مرات متتاليه وبنحيب اكملت..
"بس مطلقنيش يا خليلي"..
سب خليل بسره متمتاً لنفسه بغضب..
"اجمد ياااااض يا خليل اوعي تحن يله"..
شعر بها تستدير حوله لتواجهه، فاسرع هو للجهه الأخرى حتي لا تري مدي تأثيرها عليه الذي يظهر علي وجهه بوضوح رغم انه نجح بالسيطره علي جسده الذي يصرخ بشتياق شديد لكل ذره بها..
فدثت وجهها بظهره تبكي بقوه وبرجاء قالت بصوت مكتوم..
"خليل انا بعشقك هموت لو طلقتني"..
ارتجاف جسدها علي جسده، وانفاسها التي فقدته عقله، وشدة عشقه واشتياقه لها تجبره علي انتشالها لداخل صدره وتحطيم عظامها بعناق حار، ولكنه يعلم انه لن يكتفي بضمها له فقط بعدما تعالت أنفاسه واصبح يتنفس بصوت عالِ، فلم يجد سوا الفرار من أمامها الآن وإلا سيمتلكها بمنزل والدها ويحدث ما يحدث..
سار للخارج بخطوات شبه راكضه دون النطق بحرف واحد، لتهلل اسارير زمردة بفرحة غامرة مردده..
"خليل مطلقنيش"..
أسرعت بالركض نحو غرفتها والقت نفسها بحضن والدتها وهي تقول..
"انا هروح بيتي يا ماما خليلي مطلقنيش"..
ضحكت فاديه من قلبها علي فرحة ابنتها، وبتعقل قالت..
"يله البسي وروحي وره جوزك اوام"..
"هروح بعد فرح جيجي".. تفوهت بها زمرده..
لتصر والدتها قائله..
" روحي لجوزك وابقي تعالي في ايده فرح اختك يا زمردة، وانا وزمزم مع جيلان من هنسبها، ومرات خالك طاهر علي وصول هي كمان هتفضل معانا"..
قبلت زمردة والدتها وفرت من أمامها سريعاً تستعد لذهاب خلف زوجها..
........................................
.. زمزم..
تجهز ثياب فرح شقيقتها لزوجها وابنائها، لتخبط صغيرتها قدمها ارضا وبغضب طفولي قالت..
" يا ماما انا عايزه البس بدله زي اخويا مش عايزه البس فستان"..
ضمتها زمزم بحب وهي تضحك علي حديثها وبتعقل قالت..
"يا عيون ماما انتي بنوته جميله تلبسي فستان ابيض زي خالتو جيجي العروسه، واخوكي ولد يلبس زي باباه"..
عبست الصغيره بملامحه، وابتعدت عنها وركضت نحو والدها وببوادر بكاء قالت..
" بابا ممكن تخلي مانا تلبسني زي اخويا"..
علي علم ان والدها ينفذ لها رغبتها دوماً حتي رغم اعتراض والدتها، ليفاجئها معتصم حين قال..
" فاطيما اللي ماما تقولك عليه تسمعيه يا حبيبتى"..
خرجت زمزم من الغرفه بخطوات بطيئه منذهله حين اخترقت جملته اذنها، وتطلعت به بدهشه..
لمحها هو فقترب منها وضمها بعشق وهو يقول..
"انتي دايما بتكوني صح يازمزم خصوصاً لو في حاجة بتخص الولاد، وانا بعد اللي حصل ليكي ولفاطيما عهدت نفسي علي اد ما اقدر مش هزعلك ابدا يا حبيبتي"..
ضمته زمزم لها بكل قوتها وقبلت كتفه بعمق قائله..
"بحبك اوي يا معتصم"..
ذاد من ضمها وغمر عنقها بقبله ناعمه مردداً..
" وانا بعشقك يا قلب معتصم"..
.............................................................
..زمردة..
تسير بخطي مرتجفه لداخل منزل زوجها، وقلبها يكاد يغادر صدرها من عنف دقاته، اوشكت علي الصعود نحو شقتها دون المرور علي شقة حماتها، ولكنها توقف واخذت نفس عميق، وطرقت علي الباب ووقفت تنتظر ان تفتح لها..
فتحت حماتها الباب، وتطلعت لها بدهشه قائله..
"انتي جايه لوحدك؟"..
حركت زمردة راسها بالايجاب، وببوادر بكاء قالت..
"انا عارفه ان حضرتك مبتحبنيش، وعايزه خليل يطلقني بس؟"..
قطعت حماتها حديثها حين اقتربت منها وضمتها لحضنها وهي تقول..
"حب ابني ليكي يجبرني احبك يابنتي"..
ابتعدت عنها وربتت علي وجنتيها برفق مكمله..
" انا مش عايزه غير راحة ولادي،ولما بعدتي عن خليل الفتره اللي فاتت مرتحش لحظة يا زمردة، تبقي راحة ابني معاكي، اطلعيلو يا بنتي ربنا يسعدكم"..
قبلت زمردة جبهتها بحب ونظرت لها بمتنان واسرعت بالصعود علي الدرج بلهفه حتي وصلت لشقتها، ضغطت علي الجرس طويلاً لم تبعد يدها حتي فتح خليل الباب بغضب وكاد ان يسب بأفظع الشتائم، لكن الجمته الصدمة حين القت زمردة بنفسها داخل حضنه، تعانقه بحراره وانفاس متهدجه، وبشتياق شديد قالت..
"واحشتني يا خليل وهتجنن عليك مع انك لسه سايبني من دقايق"..
تيبس خليل للحظات، لم يبادلها عناقها حتي شعرت هي بأنه ينفر منها، فهمت بالابتعاد عنه، الا انها شهقت بقوه حين حملها فجأه وجذبها لداخل شقتهما واغلق الباب بقدمه مستنداً عليه بظهره، وبلمح البصر كان مال علي شفتيها يلثمهما بمنتهي العشق مردداً من بين سيل قبلاته..
"وانتي موحشتنيش ولا هتجنن عليكي يا روح خليل"..
........................................
بعد مرور عدة ساعات..
بأحدي القاعات الفاخمه، بين الكثير من العشق والفرحة التي تملئ المكان يقف" طاهر"بجوار والدته "جيلان" ممسك بيدها بتوتر ظاهر علي ملامحه، يرتدي بذلة بيضاء رائعه من ماركة"إرمينيغيلد زينيا" اشهر الماركات العالميه، مصفف شعره الفحمي بعنايه. ينتظر عروسه"جيلان" القادمة نحوه ممسكه بيد خالها" طاهر" الذي عينيه تتأمل جيلان زوجته بعشق ليس كمثيله عشق بفستانها النبيتي بلون رابطة عنقه، وحجابها الذهبي الذي جعلها بغاية الجمال، واضعه لمسات لا تذكر من مساحيق التجميل، وتطلع اليه بعيون تصرخ بعشقه..
تقدم طاهر من عروسه بلهفه، والقي السلام علي طاهر زوج والدته وعانقه بحراره،بينما جيلان تحتضن العروس هي الاخري بحب شديد هامسه باذنها..
"مبروك يا بنتي الف مبروك"..
التفت طاهر لعروسه بابتسامة هائمه تزين شفاتيه، واقترب منها ازاح طرحتها الطل عن وجهها، لينبهر بطلتها الاورع علي الإطلاق، وفستانها الذي يشبه فستان المليكات..
غمز لها بأيحاء وهو يميل عليها يقبل وجنتيها ببطء مريب جعل جيلان ترتجف وتغمض عينيها بستمتاع من قربه، وبهمس قال لها..
"مبروك يا جيجي يا عشق الطاهر"..
ابتسمت بستحياء مصطنع، وبهمس قالت..
"شيلني ولف بيا بس اوعي توقعني لصوت والم عليك الفرح كله"..
اتسعت اعين طاهر بدهشه وضحك بقوه، ورفع يده يدلك بها جبهته مردداً..
"انا برضو استغربت من هدوئك اللي مش لايق عليكي دا يا جيجي"..
أنهى جملته وبلحظه كان حملها من خصرها لداخل حضنه حتي اصبحت قدميها لم تلمس الأرض، ظنت هي انه سيدور بها، ولكنه فجأها حين مال علي شفاتيها واقتنص منها قبلتهم الأولى بتمهل وعشق شديد..
ليتعالي صوت التصفيق لهم بحراره،
وخطت زمردة ممسكة بيد زوجها بوجه مشرق وفرحة ظاهرة باعينهما. وزمزم ايضا ممسكة بيد زوجها الذي يقبل يدها وجبهتها من حين لآخر،
بينما وقف "طاهر" محتضن جيلان بتملك شديد ملتف بكلتا يده حول خصرها، وكتفها مقابل صدره يستنشق عبيرها بهيام، وبعشق يهمس بأذنها..
"حبيبة قلبي الغالية انتي جيلان كوني واثقه اني علي قيد الحياة بنبض قلبك انتي غاليتي"..
تمت بحمد الله..