رواية ميراث العشق والدموع الفصل الحادي عشر
لم تراه النهار بطوله بعد ان خرج حانقا ...
هل تراها قد تمادت فى قسوة كلماتها!؟..هل حقا تلك الكلمات .. كانت موجهة له...أم كانت موجهة لها فى الاساس..!؟..كأنما تذكر نفسها بأن عاصم الهوارى ... هو خاطفها... هو من جاء بها إلى هنا لينتقم من عائلتها ويذل أبيها.. وها قد حقق مراده.. وهى الان أسيرته... حبيسة داره... لا يمكن أن يجمعهما سوى البغض والكراهية التى هى مراثهما الأذلى ...
هى تشعر انه يتغير فى طريقة معاملته لها.. يبحث عن ما يرضيها.. أو يشعرها بالأمان ليفعله لأجلها... لكن عقلها أكد عليها مراراً أن ذلك ليس له دافع غير دافع الإحساس بالذنب فقط لاغير... ولا يمكن أن يكون لأى دافع
أخر قد يومهما قلبها به... عاصم الهوارى غول بلا قلب...
لا تنسى ذلك تأكدى تماماً ان ما يفعله قد يحمل أغراضا أخرى غير رغبته المفاجئة فى ارضاءك... أنتِ بحق ساذجة.. هتف عقلها فى سخرية... أنتبهى لخطواتك فقد تجدين قدميك مغروستين فى أرض موحلة ولن
تستطيعى ساعتها الفكاك ...
كان قلبها منزوى يئن فى صمت يحاول الدفاع عن ما يجول بداخله من خواطر ومشاعر.. لكنه وقف عاجزا
أمام سطوة عقلها المسيطرتماماً..
وفجأة جفلت وأخرجها عنوة من تخيلاتها وخواطرها طرق عنيف واندفاع لسهام داخل الغرفة ..وهى تهتف فى فزع :- ألحجينى يا زهرة .. ألحجينى.. حسام واد عمك راح يطلبنى من اخوى عاصم دلوجت .. وأخذت تولول بعد جلوسها تلتقط انفاسها على احد المقاعد وهى تضرب بكفيها على رأسها ..
-بجد .!!.. حسام راح لعاصم يطلبك .. مش قلتيله استنى اما أكلمه انا ..!؟؟..
-مرضيش.. وجالى من ميتا بنوسطوا الحريم فى امور النسب .. دى تبجى عيبة فى حجه ولازماً هو اللى يكلمه كلام رجالة وراح له.. هانعملوا ايه دلوجت ..!؟؟.. يا مُرك يا سهام .. يا مُرك ..
-اهدى يا سهام .. بإذن الله هاتيجى سليمة .. ومتهئ لى حسام أتصرف صح ..هو ادرى بالواجب والمفروض .. متخافيش ان شاء الله كله هايبقى تمام .. قالت هذه الكلمات وهى تربت على كتف سهام تطمئنها على الرغم من توجسها هى شخصيا بِمَا يمكن ان يحدث .. وخاصة ان اختيار حسام للتوقيت قاتل .. فعاصم بعد ما حدث بينهما بالامس .. لا تعتقد ابدا انه يفضّل ان يراها او يرى اى شخص من طرفها او له صلة بها .
توقيت خاطئ تماما قد اخترته يا بن عمى للحديث فى موضوع شائك بهذا الشكل ..همست فى نفسها .. وهى ترجو ان يمر الأمر على خير ..
وصل حسام لداخل حدود إسطبلات الهوارية متقدما نحو المقاعد المتراصة التى يجتمع فيها كل رجال الهوارية وشبابها على فترات لتباحث امور العائلة واستشارة كبيرها فيما يخص اعمالها او خصوماتها ..
ولحسن الحظ .. لم يكن هناك الا جمع قليل ..هموا بالإنصراف فى نفس اللحظة التى ظهر فيها حسام
يلقى السلام .. فألقوا السلام بدورهم ورحلوا ..
-اتفضل اجعد .. خير يا حسام .. مش بعادة .. قالها عاصم فى تعجب من وجود حسام فى مكان هو اقرب ما يكون من حرم مقدس للهوارية لا يتطفل عليه غريب ..ولا يطأه غيرهم.
تنحنح حسام فى حرج .. وقال فى هدوء :- أنا چاى لك يا عاصم فى موضوع شخصى ..
-موضوع شخصى.. وعقد عاصم حاجبيه تعجبا .. خير تحت امرك ..
-انا من غير مجدمات كتير .. چاى اطلب يد الانسة سهام أختك ..
ظل عاصم بلا اى ردة فعل للحظات ثم نهض فى تثاقل .. متسائلا فى سخرية:- سهام ..!؟؟...أختى أنى.!؟
رد حسام فى هدوء متجاهلا نبرة السخرية فى تساؤل عاصم :- ويكون ليا الشرف طبعا .. يا عاصم ..
-وانت بجى ..وانت چاى تخطبها .. محدش جالك ان واد عمها متكلم عليها ولسه مديناهوش كلمة !؟..ولا انت متعرفش عويدنا ..!؟.. نطق كلماته الأخيرة بنبرة تقطر استهزاءً.. مما دفع حسام لينتفض من مجلسه قائلا :- لاه ..محدش جال انها مخطوبة لواد عمها .. واللى نعرفه انه اتجدم لها واترفض والحديت دِه جديم..
-لاه .. قالها عاصم مؤكداً .. طلبها تانى من كام يوم .. واحنا مردناش عليه .. وبعدين اذا كنّا رفضنا واد عمها اللى من توبها وأولى بيها .. هانجبل بيك إنتا .. ليه !؟؟.. واستمرت نبرة الإستهزاء والتعالي فى كلمات عاصم ..
-أفهم من كِده .. ان طلبى مرفوض !؟ سأل حسام وهو يتمسك بأقصى درجات ضبط النفس حتى لا ينفجر غاضبا فى وجه ذاك المتغطرس الذى يحدثه ..
-معلوم .. رد عاصم وهو ينظر لحسام نظرة إحتقار من أعلى رأسه حتى اخمص قدميه.. مش عايزة ذكاوة دى.. ويكون فى معلومك اللى انت بتفكر فيه مش ها يحُصل ..فريح روحك احسن ..
-اللى بفكر فيه ..!!؟..سأل حسام وقد بدأ يفقد رباطة جأشه .. جصدك ايه!! انى طمعان فى اختك وعايزها لمالها .. ليه ..!؟؟ انت متعرفش بتكلم مين!؟ انا حسام جدرى التهامى.. وعِندى اللى عِندك وبزيادة .. يعنى عمرى ما هطمع فى مال ولا أرض لإنى عندى منهم ويفيض والحمد لله ..
انفجر عاصم ضاحكا بإستهزاء.. وهو يقول :- طب اهدا على نفسك بس .. بلاها فشخرة كدابة .. وكون انك تفكر فى اختى من اساسه .. دِه كِده انت دماغك شطحت لبعيد جوووى.. والأبعد ..انك تفكر انى بالساهل كِده ممكن اچوزك اختى عشان تنتجم منيها وترد لى اللى عملته مع بت عمك .. نچوم السما اجرب لك من مچرد التفكير فى دِه..
-هو ده اللى چه فى بالك .. !!؟.. رد حسام بصوت هادر .. اذا كان كِده يبجى انى اللى ميشرفنيش أحط يدى فى يد بنى ادم ذييك .. واندفع حسام خارجا من حرم الهوارية .. تتعقبه شياطين الدنيا .. والمزيد من ضحكات عاصم الساخرة ..
***************
اندفع عاصم لداخل السراىّ كالثور الهائج ينادى بصوت جهورى على سهام التى قفزت من مكانها منتفضة عندما سمعت صراخه تحتمى بزهرة وهى ترتعد والتى طمأنتها .. وخرجتا سويا لمقابلته على اعلى الدرج .. وما ان رأها حتى هتف صارخا فى اخته المذعورة:- تعالى هنا .. حلاااا..
نزلت سهام الدرج فى بطء.. وكأنما تساق الى قدرها وهى متشبثة بذراع زهرة من خلفها تأبى التخلى عنها .. حتى وصلت لأسفل الدرج وهى تسأل فى براءة مصطنعة وبنبرة مهزوزة متوترة :- خير .. يا خوى .. !!؟..
-حضرى نفسك .. خطوبتك السبوع الجاى .. قالها فى هدوء مخيف ..
-صح يا خوى ..!!؟...هتفت فى سعادة
-أه .. أمال أيه..!!؟؟ .. واد عمك سليم مستعچل .. رد فى نبرة تحمل الكثير من الغموض والترقب ..
-سليم ..!؟.. هتفت سهام فى صدمة .. سليم واد عمى.. سألت فى ذهول ..
-اه .. هو فى حد تانى .. !!؟... سأل ساخرا ..
فأندفعت سهام فى لوعة تنحنى قرب كفه القابضة على رأس عصاه الأبنوسية تقبلها فى توسل:- لاه .. لاه ياخوى .. أحب على يدك .. سليم لاه .. الا سليم .. متجبلش حسام التهامى .. لكن .. مترمنيش لسليم .. اهون عليك تچوز.. لم تكمل جملتها .. فقد جذبها من شعرها لتصبح فى مواجهته وهو يقول جازا على اسنانه :- وانتِ عرفتى كيف .. ان حسام التهامى .. اتجدم لك ِ..!؟.. كان ينظر الى عيونها التى تحولت لعيون مذعورة وبدأ جسدها ينتفض .. و..
صرخت زهرة إنقاذا لها:- انا اللى قلت لها ..
كانت المرة الاولى التى يتنبه لوجودها فقد أعماه غضبه عن رؤيتها تقف على جانب الدرج مختبأة خلف احد الأعمدة تشاهد المشهد من بعيد دون تدخل .. والآن .. لا تعلم ما الذى جعلها تقف فى وجه المدفع بهذا الشكل السافر ..!؟
دفع عاصم اخته بعيدا لتتعلق بأحد المقاعد قبل ان تسقط أرضا وبدأ فى التحرك صوب زهرة بعد تصريحها الأخير الذى اخرجه عن طوره ..
انقض على كتفيها بكفيه قابضا عليهما وهو يهزها فى ثورة صارخا بصوت هادر كالرعد :- اذا كنتِ فاكرة انى هسمح ان أختى تبجى فى يوم مكانكِ تبجى بتحلمى با بت الدااااكتور ناجى .. بتحلمى .. اختى مش ها تدخل دار التهامية .. عشان يخلصوا منها الجديم والچديد .. سمعانى ..جولى لواد عمك خطتكم انتِ وهو خطة خايبة متخيلش على عيل صغير ما بالك بعاصم الهوارى .. واخذ يهزها بقوة ..
وهو يصرخ .. سمعاااانى ..تلك الهزات المتتابعة جعلتها تشعر بالغثيان الذى فاق الحد خاصة بعد سماعها كلماته المسمومة طاعنا فيها وفى بن عمها بتهمة كلاهما منها برئ ..
تركها دافعا إياها بعنف عائدا لأخته صارخا فيها :- جومى .. هاتى المحمول بتاعك .. جووومى ..
أندفعت سهام مهرولة تصعد الدرج .. فى تخبط ناظرة لزهرة بإمتنان لإنقاذها وفى نفس الوقت .. يقتلها إحساسها بالذنب تجاهها .. فلقد وضعت نفسها امام ثورة اخيها التى يتجنبها الجميع من اجل انقاذها من مصير مظلم .. لو علم مجرد علم انها على علاقة بحسام و تبادله الرسائل والمكالمات الهاتفية على فترات لقتلها بلا رحمة ... وتذكرت ان عليها حذف كل الأرقام والرسائل قبل اعطائه الهاتف ..
اما زهرة والتى لازال الغثيان يسيطر عليها لم تستطع الوقوف صامتة امام اتهاماته البشعة ..
فتقدمت مترنحة لتقف أمامه من جديد لا تعرف كيف واتتها القوة او الشجاعة للوقوف أمامه و هو كان أشبه بقطار بدون مكابح لتتحداه الان .. لكنها .. لن تصمت على إهانتها .. وإهانة بن عمها وعائلتها بالكامل ولو كلفها هذا حياتها
-عارف ..!؟؟.. سألت فى هدوء يسبق العاصفة جعله ينتفض متعجبا ناظرا لها بعيون يملأها الغضب والثورة وبحواجب معقودة بنفاذ صبر ينذر بتجدد العاصفة .. لتكمل هى بنفس الهدوء ..انا بشفق عليك ..
انتفض متوجها لها بكليته يشرف عليها بقامته المديدة وبصدر يهبط ويرتفع ملتقطا الإنفاس بعد ثورته الهادرة .. ومنذرا بإندلاع ثورة قد لا تقل إشتعالا عن سابقتها .. اكملت دون ان يرمش لها جفن :- بجد والله انت صعبان عليا قوووى...معقول كل السواد والحقد والرغبة الغريبة دى فى الانتقام .. كل ده مخزون هنا !! واشارت بسبابتها لقلبه .. لتسأل بصوت متحشرج :- انت ازاى عايش كده..!!؟..
و بدأت عيونها تدمع رغما عنها وهى تستطرد غير قادرة على التوقف وكبح جماح لسانها :- اول مرة اعرف ان الناس عندها حق لما سمتك الغول .. غول قلبه مات ودفنه من زمان ومبقاش غير الحقد والانتقام معششين فى صدره .. بجد ..ربنا يعينك على نفسك .. قالت كلمتها الاخيرة وهى تندفع من أمامه قبل ان تغلبها دموعها صاعدة الدرج لتقابل سهام فى طريقها اليه وفى يدها هاتفها الذى تناوله فى غضب وبكل غل و انفعال .. وخاصة بعد كلماتها التى سمعها للتو قذف به للحائط ليسقط اجزاءً .. مع صرخات سهام المذعورة وهتاف الحاجة فضيلة وهى تدخل من باب السراىّ متسائلة عن الثورة الهادرة التى تسمع احداثها من الخارج ..
وكذلك .. تلك العيون الدامعة التى كانت تراقب المشهد من بعيد من احد النوافذ وهى غير قادرة على الدفاع عن حبيبة لطالما تمناها ولا يستطيع ولا يجرؤ على البوح ..
****************
اندفع زرزور مبتعدا عن النافذة التى كان يسترق النظر والسمع منها على ما كان يحدث داخل السراىّ ليعود ادراجه لحجرته المتواضعة فى أطراف الحديقة المحيطة بالسراىّ والتى كانت دوما ملاذه من الدنيا عندما تضيق به نفسه ويريد ان يبتعد عن البشر بكل آثامهم وضغائنهم وأحقادهم لا يؤنسه إلا صحبة ناى .. ينفس فيه لتتمثل انفاسه أنغاما لا يستطيع البوح بما تحمله من معانى .. كان نايه هو وسيلة حديثه وبوحه للعالم .. جلس يحتضن ركبتيه لصدره وهو يتذكرها .. لقد دخل لهذه السراىّ وهى ابنة الثلاث سنوات .. وشعر يوم أوكلت له الحاجة فضيلة حمايتها أن قدره أصبح مرهون بها .. رأها تترعرع كزهرة ندية امام عينيه وتحت إشرافه وحمايته .. مثلما كان أخيها عاصم .. تحت حمايته .. على الرغم من انهما فى نفس السن تقريبا ربما هو يكبر عاصم بعام او أكثر .. لكن هى كانت دوما موضع اهتمامه ورعايته .. لم يكن يغفل عنها ولو لحظة ..
كم عشق اسمه عندما نادته به للمرة الاولى .. انه يتذكر كل لحظة من لحظات حياتها مقترنة بحياته .. حتى أصبحت تلك الشابة فائقة الجمال .. بروح مرحة .. وعيون نجلاء .. وقلب طاهر .. أه .. يا سهام ..
هتف زرزور فى لوعة .. وهو يحدث نفسه جاذبا أياها من أتون الذكريات ... عرفتى تعشجى يا سهام .. عرف جلبك يدج لغير زرزور ... لو تعرفى انى اولى الناس بيكِ وبحبكِ ...أه .. يا سهاااام ... والله .. ما فى حد بالدنيا دى كلها .. يعرفك كدى.. ولا هيحبك كدى.
وأحتضن نايه بين شفتيه ليخبر العالم كله انه عاشقها دون ان يستطيع البوح بابجديات عشقه لمخلوق...
*************
-على ايه الغاغة اللى انت عاملها دى يا عاصم .. خبر ايه .. ايه اللى حُصل لكل دِه ..!!؟..سألت الحاجة فضيلة فى حجرتها التى اصطحبت اليها ولدها البكر لتستفهم عن سبب ثورته التى لم تشهد منها الا القليل عندما دلفت لداخل السراىّ بعد قضاء بعض المصالح الخاصة ببعض الاقارب و الذين تودهم كل فترة وتجود بما فيه النصيب لإعانتهم على مطالب الحياة والتزاماتها ..
هم بأن يتكلم ..لكن قاطعه طرق على باب الغرفة .. أذن لمن بالباب بالدخول فى ضيق لتتقدم فتاة بصينية عليها أكواب عصير منعش طلبته الحاجة فضيلة قبل صعودها .. كانت فتاة فى السابعة عشرة من عمرها لم ترفع وجهها عن الصينية التى تحملها .هتف فيها عاصم بغضب :- انتِ مين يا بت .. !!؟.. اضطربت الفتاة حتى كادت تُسقط الصينية بما عليها .. ورفعت رأسها بإضطراب تستنجد بالحاجة فضيلة التى هتفت
فى عاصم :- رچفت البنية يا ولدى .. دى كسبانة.. بت رچب الكلاف الله يرحمه .. بتچرى على عيشها وعيش اخواتها وجصدتنى .. جلت تاجى تساعد ام سعيد فى شغل السرايا ونكسبوا فيها ثواب ..
-طيب .. هدأ قليلا ....حطى اللى فى يدك وروحى.. ولو الحاچة شكت منيكِ.. ملكيش عيش هنا.. هتف فى الفتاة التى وضعت الصينية من يدها وهى تحرك رأسها موافقة عدة مرات حتى غابت من الغرفة وهى تغلق الباب خلفها....
-ها مجلتش .. كانت على ايه الخناجة اللى شفتها تحت دى .. !!؟.. أعادته الحاجة لواقع القصة بسؤالها فعادت لهجته تنضح بالثورة والشدة من جديد
-على أيه ..!؟.. أجولك يا حاچة .. على أخر الزمن .. بن جدرى التهامى يتچرأ ويتجدم يطلب يد سهام ..تخيلى
انا اسلم اختى .. لولاد التهامى ..!!؟... وبيدى ..!؟؟..
لمعت عيون الحاجة فضيلة ببريق عجيب عندما سمعت ما اخبرها به عاصم ورددت فى شرود عجيب :- بتجول واد جدرى التهامى ..هو اللى طلب سهام ..!!؟..
-أه .. يا حاچة .. تصدجى .. !!؟.. هتف عاصم ساخراً
- طب وفيها ايه دى ..!؟.. سألت الحاجة فضيلة ببراءة جعلت ولدها ينتفض متعجبا وهو يتفرس فى أمه وكأنها شخصا غريبا لا يعرفه .. ليسأل باستغراب :-خبر ايه يا حاچة!؟ انت واعية انا بجول ايه ..
وعلى مين .. !!؟.. دوول التهامية اللى طول عمرك ما بطجيش سيرتهم .. ها تديهم بتك .. !؟!..
-خابرة انهم التهامية ..قالت بهدوء مريب ..وبعدين انت شفتنى وافجت على چواز بتى من ولدهم .. انا بجول وفيها ايه .. ما يتجدم .. واحنا لينا نجبل او نرفض .. ولا أيه ..!؟..
نظر عاصم لأمه بشك وريبة .. لا يعرف ما الذى تخفيه الحاجة فضيلة بجعبتها .. فهى أمه التى يدرك عقليتها جيدا .. ويدرك تماما ان ردها هذا .. يخفى ويبطن ..الكثير والكثير...
****************************
اندفعت سهام لحجرة ابيها الحاج مهران باكية شاكية ظلم أخيها :-يرضيك يا حاچ ..!!عاصم عايز يجوزنى لسليم انت ترضهالى دى .!؟ ترضى يرمينى لسليم واد عمى اللى مش عايزنى الا عشان مالى وورثى بعد العمر الطويل ليك .. تجبل يا حاچ.. .. قالت سهام كلماتها متشنجة وقد تورمت عيونها من البكاء والنحيب..
أشار اليها ابوها وهو يسعل كعادته فدنت منه مطرقة الرأس جسدها يهتز انفعالا وتشنجا على ما أل اليه حالها .. أخذ ابوها يربت على كتفها فى إشفاق فهى مدللته بلا منازع وما كان يرفض لها طلبا ولا يقوى على حزنها يوما ..
-أهدى بس .. مين ده اللى يستجرى يزعل الجمر .. تلاجيكى ضايجتى عاصم فجال الكلمتين دوول .. لكن عمر اخوكى ما يعمل كِده .. وبعدين هو انا رحت فين ..!؟.. هو يجدر يعمل حاچة من غير شورتى .. جوليلى بجى .. عملتى ايه خلتيه عايز يجوزك المدعوج سليم ..!!؟..
-انا معملتش حاچة .. قالت سهام فى براءة .. واد جدرى التهامى هو اللى عِمل .. وارتسم الخجل على محياها .. طلب يدى من عاصم ..
-واد جدرى التهامى .. مين فيهم .!؟ ما هو عنديه وادين ..
-الكَبير يا حاچ .. حسام .. قالت سهام بإندفاع ..
فأنفجر الحاج مهران ضاحكا :- دِه انتِ تعرفيه بجى.!؟؟
طأطأت سهام رأسها من جديد لا تقوى على مواجهة عيون ابيها الذى قال فى ود :- طب وماله .. لو بن حلال وراچل چدع .. ايه المانع .. !؟؟..
-جول الكلام دِه لولدك يا حاچ ..راجل محترم ومحاسب كد الدنيا ..ومنسبينهم وبتهم عندينا.. وأخلاجهم ذى الفل .. دِه يتعيب ..!؟.. قالت سهام فى حماس منقطع النظير دفع ابيها للإنفجار فى الضحك مجددا مصحوبا بنوبة السعال المعتادة وهو يقول بعد ان هدأ سعاله قليلا :- يخيبك يا سهام .. انى لازماً اشوف الحليوة دِه اللى وافجت عليه سهام الهوارى بچلالة جدرها ..
-انا مجلتش انه حليوة على فكرة .. .. قالت سهام مشاكسة ابوها فى مرح ..
-مش محتاجة تجولى يا جلب ابوكى.. الحاچ مهران يفهمها وهى طايرة .. وربت على رأسها فى حنو وهو يقول:- متجلجيش .. اخوكى عيحبك ومش ممكن يزعلك او ياجى عليكِ..
أنتفضت سهام عندما أستأذن عاصم فى الدخول وما ان رأها حتى قال فى ضيق :- حلاً جاية چرى تشكينى للحاچ ..!!
-واااه يا عاصم .. امال تشتكى لمين غير لابوها..!!؟؟.. هتف الحاج مهران فى نبرة مؤنبة جعلت عاصم يتراجع من فوره هاتفاً :- لاه .. طبعا يا حاچ .. دِه انت الخير والبركة .. احنا عايشين بحسك ومن خيرك ..
فأندفعت سهام تستأذن للخروج من الغرفة لا تقوى على رفع رأسها لتقابل نظرات اخيها المتوهجة غضبا .. بينما نظر ابوه له وهو يقول فى صرامة غيرمعهودة عند حديثه لولده:- خبر ايه يا عاصم .. مش كنّا فضيناه موضوع سليم دِه .. ايه اللى فتحه تانى .. وايه المشكلة فى ان واد جدرى التهامى يتجدم لأختك ..ما احنا منسبينهم .. وبتهم اللى هى مرتك بالمناسبة عندينا .. ايه المشكلة لما نديهم بتنا .. وهم ناس محترمين .. وولدهم .. ميتعيبش ...!!؟..
-خبر ايه ..!!!؟.. انت كمان يا حاچ!؟ .. انا مبجتش عارفلكم .. بجيت أنا دلوجت اللى غلط .. وانا اللى ضد التهامية على طوول الخط وكلكم معاهم ..لاه ...وايه كمان ..هتف ساخراً.. بتشعروا فيهم .. وهتدوهم بتكم..ثم هتف من جديد حانقا :- وانى ايه درانى يا حاچ انه مش عايز اختى تخليص حج ذى ما خدنا بتهم ..!!؟.. مين يضمن لى انهم هايعملوها بما يرضى الله ويشيلوها فوج روسهم .!؟ انا بعمل كِده .. عشان خايف على اختى .. يا حاچ ..فهمتنى..!؟..
-فهمك .. فهمك جوووى يا ولدى .. فهمك اكتر من روحك ..بس انت معذور .. فاكر ان التهامية كلاتهم جواهم نفس الغل والانتجام اللى امك سجتهولك ضدهم .. اللى چواك دِه .. چواك لوحدك يا عاصم عامى عينك وجلبك عن حاچات كتير حواليك
حاچات لو نسيت غلك وانتجامك شوية .. مش هتشوف أچمل منيها .. وهاتندم على كل لحظة من عمرك ضيعتها فى اوهام كدابة ملهاش عازة
اسمع من ابوك اللى ميهموش فى الدنيا كلها الا سعادتك .. وراحة بالك...
نزلت كلمات الحاج مهران على قلب عاصم كالبلسم الشافى فقد كانت كلماته شبيهة لحد كبير بكلمات سمعها منذ ساعة ... وتذكر كلمة واحدة .. دوت ببراح روحه .. نطقتها صاحبة نظرات نارية ولهجة متحدية
.....أنت أزاى عايش كده ....!؟؟...
*******************
كانت تحتمى دوما بحجرة الحديقة تقضى فيها جل وقتها ..تجلس فيها بالساعات تقلب اوراق رواياتها وكتبها هربا من واقع يحيط بها .. وواقع اخريفرض نفسه داخلها .. واقع من مشاعر وأحاسيس تفتك بها رغم رفض عقلها .. الا ان قلبها .. يضرب بكل تعقلها عرض الحائط ..لم تكن تعرف ان هذا ممكن ..
ان يتعارض قلب وعقل فى جسد واحد .. ان يتخذ العقل اتجاها.. ليأخذ القلب الاتجاه المضاد ..
يا لها من معضلة ..!!
وهى التي تدفع ثمن تلك المعضلة و تتمزق اشلاءً ما بين بين .. لا هى قادرة على مطاوعة عقلها بسبب سطوة القلب .. ولا هى قادرة على مطاوعة قلبها ..عندما يفرض العقل قرارته المصيرية ..
كانت غارقة فى متابعة احداث حياتها متصنعة الغرق بين سطور احدى الروايات .. لكن تركيزها كان ينصب على ما يدور بمخيلتها ولم تنتبه لذاك الخيال الأنثوي الذى يقترب
-أزيك يا زهرة .. كيفك ..!!؟؟.. سألت سمية فى وداعة مصطنعة..
-أهلا يا سمية .. اتفضلى .. نطقتها زهرة بلا حماسة فلا داعى لتصنع المودة فكل واحدة منهما تعرف انها لا تتقبل الاخرى على اي حال ..
-مش عايزة اعطلك .. بس انا كنت معدية من چنب السرايا جلت أجى أطل على مرت عمى .. وعليكم ..
-فيكى الخير يا سمية .. بيتك فى اى وقت ..
-أه طبعا بيتى .. امال ايه معلوم .. بيت عمى يبجى بيتى ..
قالتها وقد بدأ غلاف المودة المصطنع يذوب ويظهر الغل والحقد يقتر من الكلمات ..
-طب أقوم أجيبلك حاجة تشربيها .. نهضت زهرة رغبة فى تجنب ذاك الحوار العقيم مع تلك الحاقدة التى كانت علي استعداد لفعل اى شئ فى سبيل الفوز بقلب عاصم .
ودت ان تهتف فى وجهها :- خذيه بكل سرور .. فلتأخذى قلبه القاسى .. فهو يناسبك تماما .. وصدقينى لن أغضب أو أحزن فهو يستحقك ..كما انك تستحقينه..
رأت مِن موضعها خيال سهام يشير لها من نافذة علوية...فاستأذنت وغادرت المكان الموبوء بالحقد مبتعدة متعللة بجلب المشروب ..
اندفعت لداخل السراي فبادرتها سهام لتلحق بها عند مهبط الدرج وهى تتلفت حولها قبل ان تتكلم :- زهرة ..
هو حسام مبعتلكيش حاچة ..!! سألت سهام فى قلق وترقب
-بعتلى ..!!؟.. ها يبعت لى ايه ..!!.. سألت زهرة فى تعجب
-رسالة .. او اى حاچة نفهموا منيها هو ناوى على ايه ..!!؟..
-ما هو اللى كان ناوى عليه عمله .. وطلبك وأخوكى رفض .. انتِ مستنية يعمل ايه تانى .. !!؟..سألت زهرة بتعجب
-مش عارفة .!؟.. بس اهو بسأل .. بصبر روحى ..
-طيب .. اروح اطلب حاجة لبنت عمك تشربها .. عشان نخلص وتمشى هى مش ناقصة تعب اعصاب كفاية اللى احنا فيه .. هتفت زهرة بنفاذ صبر
-عِندك حج....انا مش طايجاها .. ولا طايجة سيرتهم هى وأخوها.. الله يكون فى عونك انك جاعدة معاها ..
تركت سهام و توجهت للمطبخ تطلب شاى لسمية لتعود لها لتجدها من البعد تقلب بين الروايات وتعبث بالكتب على الأرفف.. والأدهى من ذلك كله انها لاحظت انها كانت تعبث بهاتفها المحمول .. والذى نسيته هى .. حين اندفعت مسرعة لداخل السرايّ لإحضار المشروب وهربا من سخافاتها وقد تركته سمية على عجل عندما شعرت بإقترابها .. ماذا كانت تفعل به يا ترى وتتصنع الان العبث بالارفف.. وكأنى لم أرها ..!!؟..
أرتشفت سمية رشفة سريعة من الشاى ثم نهضت راحلة على عجالة ليست من طبعها أثارت تعجب زهرة .. لكن رغبتها فى رحيلها كانت أقوى من ان تتساءل لما رحلت ..
أخذت زهرة تقلب فى جوالها لتعرف لما كانت تعبث به لكنها لم تجد شئ غريب يدعو للدهشة .. ربما أعجبها وكانت تتفحصه .. ربما ..
وفجأة اهتز هاتفها معلنا عن وصول رسالة .. فضتها بوجيب قلب عال .. ظنا انها من عاصم .. لكن خاب ظنها
فضت الرسالة العجيبة .. " يا ريت يا بت عمى .. انا عايز اجابلك فعلا.. فى حاچات لازماً نحط فيها النجط على الحروف .. هجيلك فى إسطبلات التهامية النهاردة الساعة خامسة المغرب .. معلش .. مش فى البيت مش عايز عمك ياخد خبر.. ".. تعجبت .. هذه رسالة من حسام .. فضتها من جديد لتتساءل فى استغراب هامسة :-.. بيقول يا ريت فى أول الرسالة على ايه ..!!؟.. وبعدين وانا هقدر اعمل ايه فى موضوعكم تانى يا حسام .. اكتر من اللى حصل ..!؟..
وبعدين هخرج ازاى أصلا ..!!؟..
اندفعت بالرسالة الى سهام التى تلقتها فى فرحة غامرة ..
-روحى يا زهرة عشان خاطرى.. شوفيه بيفكر يعمل ايه .!؟
-اروح فين يا سهام ..!!؟.. هتفت زهرة غير مصدقة لما تطلبه سهام ..لا كده جنان رسمى .. انا اصلا هخرج ازاى.. !؟.. ده أخوكى يدور فينا كلنا القتل .. انت شوفتى عمل فيا ايه لمجرد انه عرف ان انا اللى قلتلك على خبر طلب حسام لأيدك .. أنت أكيد ناوية على موتى .. صح !!!
لم ترد سهام .. وظلت تزرع الغرفة جيئة وذهابا حتى هتفت فى نشوة :- لجيتها .. انتِ تروحى للحاچة فضيلة وتستأذنى منيها انكِ عايزة تزورى عمك جدرى .. وتروحى تشوفى حسام .. ولا من شاف ولا من درى.. ايه رأيك .!؟.
-أه من دماغك لما تكونى عايزة حاجة!؟.. انفجرت زهرة ضاحكة وسهام تنحنى تحييها وترسل لها القبلات فى الهواء .. كنجمة سينمائية.
-خلاص .. انا هروح استأذن من الحاجة واجهز و ربنا يستر .. قالت زهرة فى خوف
-ها يستر .. بس بجولك .. صمتت سهام فى خجل .. أبجى سلميلى عليه .
-حااااضر ... قالت زهرة بإبتسامة وهى تندفع باحثة عن الحاجة فضيلة لتجدها قابعة بمكانها المفضل فى أحدى القاعات المطلة على الحديقة..
ما أن دخلت حتى استرعت انتباه الحاجة فضيلة فورا.. كانت تشم فيها رائحة العزيزة الراحلة .. فأشارت لها الحاجة قبل جلوسها .. بأن تأتى لتجلس بجوارها فأطاعت زهرة فى وداعة لتربت الحاجة على كتفها فى محبة خالصة هاتفة:- كيفك يا بتى .. زينة ..!؟..
-الحمد لله .. أجابت زهرة ..
-بجولك .. انتبهت زهرة .. أوعاكِ تكونِ زعلتى من عاصم ..والله عاصم جلبه طيب .. بس هو حمجى حبتين..
لم تكن زهرة لتجادلها فيما يخص عاصم مطلقا.. لذا آثرت الصمت .. ثم تشجعت :- ممكن أروح لعمى .. لو سمحتى يا حاجة..!؟..
-زيارة يعنى .!؟.. سألت فضيلة فى توجس..
-أه طبعا .. ولو حضرتك فاكرة انى ممكن أقوله حاجة من اللى حصلت هنا .. حضرتك أطمنى .. مش ممكن طبعا .. انا بس عايزة ازوره .. لأنى مرحتلوش خالص.. بابا وصانى أزوره دايما .. لو مفيش عند حضرتك مانع ..!!؟؟..
-طب .. ومطلبتيش من چوزك ليه .. كان وداكِ بنفسه.!!..
سألت الحاجة فضيلة فى خبث ولكن زهرة صمتت قليلا ثم اجابت فى هدوء:- مش عايزة أفتح معاه مواضيع تخص عيلتى خاصة بعد موضوع حسام وطلبه أيد سهام .. فجيت
أطلب من حضرتك السماح بالزيارة .. لو مش ها يحصل من وراها مشكلة ..
-طيب يا بتى روحى وماله .. حجك طبعا ..
-متشكرة يا حاجة .. هروح أجهز .. عن إذنك ..
-روحى يا حبيبتى .. فى حفظ الله ..