![]() |
رواية جمر الجليد ج 2 وأنصهر الجليد الفصل العشرون
بينما كانت تمسك بهاتفها محاولة معرفة مكان أخيها، لم تجده بالخارج كما توقعت. لكنها لمحته وهو يشير لها من بعيد بجوار سيارة، داعيا إياها للاقتراب. أغلقت الهاتف بخفة، ثم تقدمت نحوه بخطوات متسارعة، وعيناها تتفحصان السيارة بريبة قبل أن تسأله باستفسار مباشر:
— عربية مين دي؟
لم يجبها فورًا، بل اكتفى بالإشارة نحو باب السيارة المفتوح وهو يحثها على الركوب:
— "اركبي بس الأول بدل الوقفة دي..."
ترددت للحظة قبل أن تتقدم وتجلس في المقعد الأمامي، تغلق الباب خلفها بحذر. وما إن استقرت في مكانها حتى التفت إليها معتز بابتسامة متسلية قائلًا:
— "أهلاً... وأخيرًا اتقابلنا."
ارتبكت أنفاسها للحظات، لكنها حاولت التماسك، فارتسمت على شفتيها ابتسامة بلهاء وهي ترد عليه بمرح مصطنع:
— "إيه ده معتز، عامل إيه؟ مش باين يعني..."
لكن لم يدم تبادلهما الحديث طويلًا، إذ ظهر هيثم فجأة، مال بجزعه مستندًا بمرفقيه على حافة نافذة السيارة، وعيناه تحملان نظرة ماكرة وهو يوجه حديثه نحو مي:
— "معتز هيوصلك عشان عربيتي عطلت، هستنى شوية كده بس وأجي وراكم."
مي تحاول الهروب من تلك المآزق:
اا طيب، أستناك عادي و...
وكادت أن تفتح الباب لتخرج، سبقها وأغلق "لوك" السيارة ووجه نظره لأخيها متجاهلًا إياها:
متقلقش يا هيثم، مش آخرها.
وانطلق بها...
ساد فترة من الصمت قطعته مي:
مش كنا وقفنا معاه لحد ما العربية تتصلح؟
لا يوجد رد، فقط يقود السيارة بصمت، يفكر كيف يفعل مع مجنونته التي طيرت عقله. قطعت تخيله:
هاااي، انت فين؟ ساكت ليه؟ بقولك مش كن...
نظر لها نظرة جانبية متنهداً، ثم رجع نظره للأمام:
لسه برده يا مي زي ما انتي... إيه آخر هروبك مني؟ وبعدين لا انتي مرتاحة ولا أنا كمان.
ليه بتعملي كده؟ أنا عاوزك تكلمني وتواجهيني مباشرة يا مي، أنا ضيعت وقت كتير متضيعش انتي الباقي في الهروب. واجهيني، نفسي تفهمني بجد، لكن للأسف...
توقف بمكان ما وأمرها بالنزول.
بدأت مي تراجع كلمات همسة وسيلا في ذهنها، تربط بينها وبين حالة معتز التي تراها الآن. شعرت بما مر به من معاناة، وبما يعانيه بسببها الآن، لتتخذ قرارًا حاسمًا: ستوقف هذه الحرب.