![]() |
رواية جمر الجليد ج 2 وأنصهر الجليد الفصل الثالث والعشرون بقلم رانيا شروق مصطفي
همسة بصوت طفولي:
ما تضحكوش عليّا! انتي ووليد حتى هو بيضحك عليّا! أعمل إيه يا سيلا؟ مش بعرف ألبس لوحدي، ولا حتى ألبس الشوز! اعااااع، والبت دي بتقعد تضربني، بدأتها بدري!"
ضحكت سيلا:
"بتضربك إيه بس يا بنتي؟! دي بتلعب معاكي! يمكن تكوني أكلتي حاجة مسكرة أو شوكولاتة، فزودت نشاطها. يا إخواتي! طفلة هتجيب طفلة! الله يكون في عون وليد معاكم."
همسة معترضة:
"ليه يعني؟! أنا مش طفلة أوي! أنا الغلطانة إني كلمتك أصلاً!"
سيلا ضاحكة:
"خلاص، خلاص، انتي كبيرة وأعقل واحدة فينا. مقولتيش يا كرمبة، هتلبسي إيه بكرة في الفرح بكرشك ده؟"
همسة بتصنع الغضب:
"كده برضه يا غتتة؟ طيب مش هقولك! هروح أحضّر الغداء، وليد جاي في الطريق."
شهقت سيلا:
"إيه! جاي؟ طيب يلا يلا، سلام!"
أغلقت الخط بسرعة، مما جعل همسة تحدّق في الهاتف بدهشة قبل أن تعيد الاتصال بها، لكن بلا جدوى. همست لنفسها بمكر:
"بقى أنا الطفلة يا مجنونة؟! بس لما أشوفك بكرة، بقى أنا الكرمبة؟!"
ظلت تتأمل حالها أمام المرآة، وفجأة صرخت عندما شعرت بركلة قوية في بطنها. وضعت يدها على جانبها المنتفخ، وهمست بحنان:
"يا بت، اهدي! أنا زي ماما برده، عيب كده. آه، خلاص، خلاص، انتي حلوة وكيوت زي ماما برضه... اهدي بقى."
جلست على الفراش، وبدأت تمسد بطنها بحركات دائرية، وهمست مبتسمة:
"عارفة إنك سامعاني وبتحسي بيا، زي ما أنا حاسّة بيكي جوايا... بتلعبي! إمتى أشوف اليوم اللي تنوري فيه دنيتنا أنا وبابي؟ عارفة، بابا ده أجمل حاجة حصلت لي بجد، ربنا يباركلي فيه... إيه؟ مالك؟ مش عاجبِك؟ ليه؟ ده حتى هادي زيي وكيوت!"
توقفت قليلًا ثم ضحكت:
"آه طيب، ما تبكيش يا بت! انتي شكلك جعانة زيي، صح؟ مع إننا لسة واكلين علبة شوكولاتة من شوية! امممم، يلا بينا على المطبخ يا حلوة."
كادت أن تنهض، لكنها توقفت فجأة عندما لاحظت وليد يقف عند الباب، يستمع لحديثها بابتسامة دافئة. هتف مازحًا:
"زي ما انتوا والله! مش قايمين ولا بتتعبوا نفسكم، بس بتتكلموا عني! ها، وجايبين سيرتي، وأنا اللي كنت شرقان وهموت من شوية، وانتوا السبب! ها، أنا هعرف حبيبتي قالت إيه."
جثا على ركبتيه، ووضع أذنه على بطنها قائلًا بحماس:
"أنا بابا، كنتي بتقولي إيه بقى؟ سمعيني..."
شعر بركلة خفيفة، فانتفض بفرحة غير مصدق:
"ضربتني! شوفتي؟ حسيتي، صح؟!"
ابتسمت همسة وقالت:
"آه، حسيت... دي بتحبك أوي!"
احتضنها وليد بحنان وقبّلها على جبينها، ثم همس بحب:
"وأنا بحبكم أوي..."
ــــــــــــــــــــــــ
حاول الاتصال بها عدة مرات، لكن دون جدوى. راودته المخاوف حتى وصل إلى المنزل، فتح الباب بالمفتاح ودلف إلى الداخل، ليجد المكان غارقًا في هدوء مقلق.
نادَى بصوت مرتفع:
"داده! يا داده! سيلا، أنتو فين؟"
أخذ يتلفت حوله، يتساءل بقلق:
فين الست دي؟ وليه البيت هادي كده؟
فقد اعتاد عند عودته أن يجدها في المطبخ تطهو ألذ الأطباق، تدندن بصوتها العذب، أو تجلس أمام التلفاز تتابع فيلمًا قديمًا. في أغلب الأحيان، كانت منشغلة بصنع الحلويات أو تجربة وصفات جديدة تتعلمها من أشهر الطهاة. لكن اليوم... لا صوت، لا حركة!
شعر بانقباض في قلبه، راودته أسوأ الأفكار، فانطلق راكضًا نحو الطابق العلوي، حيث غرفتهم. وما إن فتح الباب حتى تجمد قلبه...
...
صباحا تململت سيلا بين أحضانه، ثم فتحت عينيها ببطئ. فوقع بصرها عليه، نائمًا بملامحه الرجولية الطاغية، فسرت ابتسامة هائمة على شفتيها، متذكرة رقة لمسته وحنانه ليلة أمس.
امتدت يدها إلى وردة صغيرة كانت بجانبها، واقتربت بها منه، تداعب أنفه بها بلطف. عبس قليلًا وأزاحها بيده وهو لا يزال غارقًا في النوم، لكنها لم تيأس، عاودت الكرة مرة أخرى.حتى فتح عينيه ببطء، ناظرًا إليها بإحدى حاجبيه مرفوعًا في تساؤل.
ابتسمت بخفة، ثم همست:
"صباح الورد، حبيبي!"
أجابها بمكر:
"على فكرة، مش بتتقال كده!"
رمقته بعينيها مستفسرة دون كلام، لكنها لم تشعر إلا وهي بين يديه، حيث انقلب الوضع وأصبحت تحته، بينما يعتليها، يهمس بخبث، يسرق منها بعض القبلات على شفتيها ووجنتيها:
"بتتقال كده!"
ضحكت سيلا، وعيونها اللامعة تعكس عشقها له:
"كده؟! خدني على خوانة! مكفكش إمبارح؟
ابتسم عاصم بعشق، مشددًا من احتضانها:
عمري ما أشبع منك! كان أحلى يوم بجد...
عندما دلف إلى الغرفة، كانت مظلمة إلا من بعض الشموع المتراصة بعناية على الأرض، تنشر نورًا خافتًا يأسر القلوب. صدحت في الأجواء موسيقى هادئة، تراقصها البالونات الحمراء المعلقة بالسقف، واكتملت اللوحة الرومانسية بتزيين الفراش بالورود الحمراء على هيئة قلب.
لكن أكثر ما خطف أنفاسه... هي!
وقفت أمامه كحورية من الجنة، تزين وجهها ابتسامة خجولة، بينما ينسدل عليها فستان بدا كأنه صُمم خصيصًا لها. طرحة رقيقة تغطي نصف وجهها، فاقترب منها ببطء، رفعها بأنامله، وأمسك وجنتيها بحنان:
"عملتي كل ده عشاني؟"
أومأت برأسها إيجابًا، فابتسم بحب:
حياتي، بجد! بس ليه ملبستيش الفستان بكرة في الفرح؟ ده فرحنا إحنا كمان... انتي نسيتي إنك معملتيش فرح؟"
ردت سيلا، وعينيها تشعان حبًا:
"أنت فرحي وفرحتي! أنا النهاردة فرحي، إيه رأيك؟"
ثم دارت حول نفسها بخفة، قبل أن يمسك خصرها ليوقفها أمامه، فقالت:
"كان نفسي ألبس فستان زفاف... ولبسته خلاص! الباقي كله شكليات مش أكتر! المهم إننا مع بعض، ولا إيه؟"
ثم أضافت بحماس:
"أما الفرح بكرة، فده يومها هي... أنا فرحي الحقيقي هيكون النهاردة، معاك! تعالَ معايا."
جذبته خلفها حتى وصلا إلى طاولة صغيرة تتوسطها شموع مضاءة، ومليئة بأصناف الطعام التي أعدّتها بنفسها. أشارت بمرح:
"اتفضل، العشاء جاهز!"
همّ بالجلوس، لكنها عندما أرادت أن تجلس بجانبه، جذبها لتجلس على ركبتيه، هامسًا بعشق:
"أنا اللي
"فكّي التكشيرة دي، ما أنا برقص معاكي، عايزة إيه تاني؟"
لكنها لم تبدُ راضية، بل هتفت بضيق:
"مش عاوزة."
تنهد عامر بنفاد صبر، محاولًا إقناعها:
يا بنتي، إنتِ عارفة إني مليش في جو الرقص ده، وبعدين إحنا عندنا بيت، نعمل فيه اللي عاوزينه. مش لازم نستعرض قدام الناس، مش كل الناس نواياها حسنة.
ثم اقترب منها هامسًا بمكر:
استني لما نروح، وأنا أعملك سهرة حلوة... بس نيمي البنات الأول.
لم يُكمل جملته، إذ شعر بشيء يشد بنطاله من الأسفل، فالتفت ليجد ابنته الصغيرة تنظر إليه بعينيها البريئتين، وهي تهتف بحماس:
"بابي! بابي! أوزه أيقص!"
وفي الناحية الأخرى، كانت شقيقتها تضرب قدمها الصغيرة في الأرض، وهي تعترض بغيرة:
"لا يا بابي، أيقص معايا أنا بس، هي لأ!"
انفجر عامر ضاحكًا وهو يتطلع إلى رودينا بنظرة ماكرة، قبل أن يرفع حاجبيه قائلاً بمرح:
"شوفتي؟ يلا روحي قعدي، عقبال ما أرقص مع ضرايرك الاثنين!"
ثم انحنى وحمل ابنته الصغيرة بين ذراعيه، وبدأ يتحرك بها برشاقة، يتمايل معها يمينًا ويسارًا وسط ضحكاتها الطفولية البريئة. لم تمر سوى لحظات حتى أنزلها، وجذب شقيقتها بين ذراعيه ليكرر معها نفس الحركات، بينما تعالت ضحكات الطفلتين، قبل أن يجلس معهما مرة أخرى، تاركًا رودينا تراقب المشهد بابتسامة دافئة، وقد هدأ غضبها تمامًا.
بقلم شروق مصطفى وانصهر الجليد
رحلة الحب والمغامرة
أما عند سيلا وعاصم، فكانت تحاول الإفلات من نظراته التي تحاصرها بعشقه الواضح، فتململت قائلة بخجل:
"أنا بتكسف على فكرة، ما تبصليش كده."
ابتسم عاصم بحنان وهمس:
"وأنا بعشق كسوفك ده."
تطلعت إليه بعينيها الواسعتين وسألته بخفوت:
"هتفضل تحبني الحب ده على طول؟ ولا الحب ممكن مع الوقت يروح أو يقل؟"
وضع يده على قلبه وأجاب بثقة:
"عمر الحب ما بيروح أو يقل، إلا لو ده" – وأشار إلى صدره – "نبضه وقف."
ثم أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه ببطء، محاولًا أن يترجم ما بداخله من مشاعر جياشة:
"اللي جوايا أكبر من حب أو عشق، يا سيلا، ده عدا مراحل العشق..." ثم اقترب منها هامسًا بجانب أذنها: "احنا روح واحدة."
في تلك اللحظة، صدحت الأغنية التي عبرت عن كل الثنائيات الموجودة، وكان كل زوجين يتشاركان رقصة تحمل بين طياتها مشاعرهم المتدفقة، فما كان من عاصم إلا أن حمل سيلا بين ذراعيه، وظل يدور بها وسط ضحكاتها الطفولية، بينما كانت تحتضن عنقه بقوة، غير قادرة على كتمان سعادتها.
انتهى حفل الزفاف سريعًا، فقد كان العروسان على موعد مع الطائرة التي ستقلهما إلى شهر العسل. ودّعا الأهل سريعًا، وغادرا مباشرة بملابس الزفاف إلى المطار.
وبعدما استقرا في مقعديهما على متن الطائرة، التفت معتز إلى مي وهمس لها بحب:
"مبروك لينا يا حياتي."
هتفت بخجل:
"الله يبارك فيك، بس مقولتليش بقى... إيه المفاجأة دي؟ حتى ملحقناش نغير هدومنا! هنروح فين بقى؟"
ضحك معتز وهو يغمز لها:
"متقلقيش، عامل حسابي قبلها، ولو كنت قلتلك، كانت بقت مفاجأة ازاي؟"
مي بحماس:
"أنا متحمسة جدًا!"
أخرج معتز خريطة العالم وظل يشير إلى جزر وأماكن كثيرة، ثم بدأ يشرح لها رحلتهم بأسلوب مليء بالحماس:
"بصي يا ستي... بعد ما ننزل من الطيارة دي، هنركب طيارة تانية لمدة 3ساعات، ومن هناك هنروح منطقة اسمها سامورايا، بعدين هنركب طيارة تانية 6 ساعات لغاية ما نوصل بلد اسمها كامورا. ومن هناك، بقى، هنركب فيلين صغيرين كده هيتمشوا بينا حد ما نوصل لبلد اسمها سيكوناية، ومن هناك هنركب طيارة 4 ساعات لحد ما نعدي المحيط..."
كانت مي تتابع كلامه بدهشة، تتنقل نظراتها بين الخريطة ووجهه المتحمس، غير مصدقة كم وسائل المواصلات التي ذكرها فقط للوصول إلى وجهتهم.
ثم تابع كلامه وهو يشير بيده بحركة دائرية:
"وبعد كده، هننزل بلد اسمها صهاياتا، ومن هناك هنركب قوارب ونمشي في المياه لمدة 3 أيام لحد ما نوصل جزيرة اسمها صهاينا..."
قاطعت مي بسرعة وهي تشير بحماس:
"هي دي صح؟"
ضحك معتز وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا:
"لأ طبعًا، مش دي... إحنا رايحين جزيرة اسمها مها ياتا!"
مي بفرحة:
"الله! فسحة حلوة أوي!"
معتز بحماس:
"أوي أوي! دا أنا عامل لك برنامج يجنن هناك..."
وبعد عدة ساعات من السفر المتواصل، وصلوا أخيرًا إلى الجزيرة المنشودة، ولكن بحالة يُرثى لها من الإرهاق البادي على وجوههم.
دلفا إلى الجناح الخاص بهما، وفتح معتز الباب قائلاً بمزاح:
"ادخلي برجلك اليمين يا أجمل عروسة."
لكن مي لم تتحرك، بل ظلت واقفة عند العتبة بوجه متجهم، مما جعله يتساءل بتعجب:
"في إيه يا مي؟ واقفة ليه؟"
قطّبت حاجبيها وقالت بتذمر طفولي:
"شلّني الأول."
بقلم شروق مصطفى
ضحك معتز وهتف:
"بس كده؟" ثم حملها بين ذراعيه، ودلف بها إلى الداخل، مغلقًا الباب بقدمه. لكن الإرهاق كان أقوى منهما، فسقطا معًا على الأرض وهما يتأوهان من التعب.
"آاااه!"
مي بتذمر وهي تئن:
"آه يا ماما... بقا كده؟! دي آخرتها؟!"
معتز ضاحكًا وهو يحاول استجماع طاقته:
"معلش، الرحلة كانت طويلة شوية... جسمي متكسر! بس متزعليش، محضر لك برنامج يجن...
لم يمهله الوقت ليكمل جملته، إذ قاطعته مي بقهقهة عالية:
"والله ما انت قايل حاجة تاني! عارفه... يجنن! وشكله البرنامج بدأ أهو... على الأرض!"
تحامل معتز على نفسه ونهض بصعوبة، ثم مد كفه لها قائلاً:
"حقك عليا يا حبيبتي، بس يلا... هاتي إيدك أقومك."
مدّت مي يدها إليه، لكنها بدلاً من مساعدتها، ضغطت عليه أكثر، فاختل توازنه وسقط مجددًا بجانبها!
أخذ معتز يحدق في السقف بملامح مستسلمة، ثم جلس مفترشًا الأرض مربعًا ساقيه، وهو يندب حظه بمزاح:
"طب والله ما أنا قايم! وأهي قاعدة... عارفة إن نوم الأرض مفيد جدًا؟!"
لم تستطع مي تمالك نفسها من الضحك، فتحاملت على نفسها ونهضت وهي تقلد صوته مازحة:
"برنامج يجنن، صح؟"
أخذ معتز يتمتم بسخرية:
اضحكي... اضحكي، انتي بس! آه يا شماتة أبلة ظاظا فيا... يا معتز، مكنش يومك، يا حبيبي! هيقولوا عليك إيه دلوقتي؟ معرفتش تشيلها!
ثم مد شفتيه للأمام بمكر، وأضاف:
"طيب... أشيلك الطرحة، والدبابيس؟! ثم توقف ضاحكًا وهو يمسك خصره بألم: "آاااااه!"
مي نظرت إليه بتعجب:
"أحـم... إشمعنى الدبابيس يعني اللي تشيلها؟ مش واخدة بالي!"
ضحك معتز وهو يشير إليها:
"مش إنتي مدبسة الطرحة بدبابيس كتير؟"
مي ردت بتلقائية:
"آه، بس بتسأل ليه؟" ثم اتجهت إلى المرآة، وبدأت تخلع دبابيس الطرحة واحدًا تلو الآخر.
بينما كان معتز يتابعها بنظرة مرهقة، تمتم بخفوت وهو يفرد جسده على أرضية الغرفة واضعًا كفه على وجنته:
"آه يا قلبي... كل دبوس ببوسة... على مهلك وانتِ بتخلعي... عديهم كويس طيب؟"
لم تمضِ لحظات حتى غفى مكانه، مبتسمًا لها، تاركًا مي تنظر إليه بامتنان، حمدت الله انه غفو...