رواية فجوة زمنية الجزء الثانى الفصل السادس و العشرون 26 بقلم فاطمة على محمد

رواية فجوة زمنية الجزء الثانى  الفصل السادس و العشرون والاخير بقلم فاطمة على محمد

 



عدى أسبوع كانت فيه حالة "نيرون" غير مستقرة تمامًا، فجسده الهلامي ابتدى يضعف بشكل قوي، و"أوتو" بذل أقصى جهد عنده، واستخدم كل العقاقير الممكنة، وبحث في بلاد المشرق والمغرب عن أي دوا لحالته دي، لكن للأسف ما كانش فيه أي فايدة، أما "فولاك" فكان ملازمه أغلب الوقت، يدوب يسيبه دقايق بسيطة ويرجع تاني عشان يهتم بيه وبنضافته، ويفضل جنبه يتضرع للمولى بالدعاء، وده اللي كان بيحصل في الوقت ده. 


"فولاك" قاعد على المقعد المجاور للفراش بيتأمل ملامح "نيرون" المبهمة بأسى وهو بيقوله بشجن :

  - عمري ما كنت أصدق إنك توصل للحالة دي في يوم، كنت دايمًا شايفك قوي وشجاع، ومابتهابش حد ولا حاجة، أنا مش معترض على مرضك ولا موتك حتى لأننا كلنا زوار للدنيا دي، ومسيرنا نروح لدار الحق، لكني مش عايز الصورة دي تكون آخر صورة ليك في ذاكرتي يا "نيرون"، اتمسك بالحياة، ماتسمحش لجسمك ينهار بالشكل ده، ارجع تاني لطبيعتك.

 

وانفرجت ابتسامة خفيفة تزين محيا "فولاك" وهو بيتنهد بقوة وبيقوله :

  - تعرف وإنت صغير كنت متفوق عليا في الوسامة، وكنت بحب أبصلك، كانت ملامحك بريئة بشكل يخلي الكل مايقدرش يشيل عينيه عنك، عينيك كان فيها رضا عجيب، كانت بتضحك حتى في عز خناقنا، بس لما كبرت اختفت الإبتسامة دي، وبرائتك اتخبت ورا رعونتك، لكني واثق إنها لسه جواك، حتى لو عليها شوية عُفار.

 

 في اللحظة دي تعالت طرقات بباب الغرفة قطعت حديث "فولاك" عشان يلتفت ناحيته، ويلاقي "مويرا" داخلة وفي إيديها علبة معدنية متوسطة الحجم وهي بتهرول ناحيتهم مرددة :

  - إيه أخبار "نيرون"؟

 

بصلها "فولاك" بصدمة وهو بيقولها :

  - كنتِ فين طول الأسبوع ده يا "مويرا"؟!.. اختفيتي بشكل مفاجيء ومحدش قدر يوصلك.

 

وضعت "مويرا" ما بيدها على الطاولة المجاورة للطرف الآخر من سرير "نيرون" وهي بتفتحها وبتقوله :

  - كنت في مملكة البحور الخمسة، بحضر التركيبة دي.

 

نهض" فولاك" من مكانه باستغراب وهو بيبص لـ "مويرا" اللي ابتدت تاخد مادة دهنية لزجة من الصندوق، تدلكها بين إيديها بقوة لترتفع درجة حرارتها، ومن بعدها تدلك كتلة جسد "نيرون" اللي مش باين لها أي ملامح وهي بتقوله :

  - دي تركيبة من قيء الحوت الأكبر، بتخرج منه مرة واحدة كل خمس سنين، والحوت كان مريض الفترة دي، فاضطريت أعالجه الأول ومن بعدها أخد القيء ده، وأحط معاه أمصال وعقاقير من أملاح البحور الخمسة.

 

ضيق "فولاك" عينيه بدهشة وهو بيسألها:

  - وده هيعمله إيه؟!

 

أخدت "مويرا" مرة أخرى من الدهان ودلكته بين إيديها، ودهنت جسم "نيرون" وهي بتقول لـ "فولاك":

  - خد من الدهان ده وإعمل زي ما بعمل بالظبط، لازم كل خلية في جسم "نيرون" تشرب الدهان ده عشان يتعاد بُناها من جديد، بسرعة يا "فولاك"، مابقاش قدامنا وقت. 

 

مد "فولاك" ايده وأخد من الدهان وقلد كل خطوات "مويرا" وهو بيقولها :

  - ارفعي ايدك يا "مويرا"، أنا هكمل تدليك لجسمه.

 

فهمت "مويرا" مقصد "فولاك"، فرددت وهي تدلك موضع كتف "نيرون":

  - شكلك ما تعرفش إن "نيرون"  كان محتفظ بجسمي عاري في محلول حفظ، وجيه الوقت إني أردله جميله بالظبط، بس على العموم كمل إنت بكل طاقتك على ما أحضرله المصل اللي هيتحقن بيه.. وزي ما قولتلك كل خلايا جسمه تتشرب بالدهان.

 

 استمر "فولاك"  في تدليك جسد "نيرون" بكل طاقته من أسفل شرشفه الساتر، في نفس الوقت اللي أتجهت "مويرا" لركن بعيد من الغرفة، تخرج من بين طيات ثيابها عدة قناني زجاجية صغيرة، وهي تتنهد بتنهيدة حارة.


********

أما "نور" واللي كانت حاسة بملل رهيب وهي مش قادرة تشوف "فولاك"، ولا قادرة تدخل أوضته تتطمن عليه، لأنه مانع دخولها تمامًا ولسبب مجهول بالنسبالها، فخرجت للحديقة بزهق قوي وهي بتركل الأرض بقدمها وبتتأمل أشجار الحديقة زافرة زفرات متقطعة عشان تجيلها "رنة" بابتسامتها الودودة وهي بتقولها :

  - لسه ماقابلتيش جلالة الملك؟

 

توقفت "نور" مكانها بضيق قوي وهي بترفع أنظارها ناحية "رنة"  المُحلقة أعلاها، مرددة بحنق شديد :

  - ماعتيش تجيبيلي سيرته خالص، لا عايزة أشوفه ولا أطمن عليه حتى.

 

اتسعت إبتسامة "رنة" وهي بتهبط أرضًا، عشان تقف قصادها، وهي بتقرب منها مرددة :

  - عيني في عينك كده.

 

دفعتها "نور" بيدها للخلف وهي بتصيح بها ساخطة :

  - امشي يا "رنة" من قدامي دلوقتي خالص، أنا مش طايقة نفسي.

 

تيقنت "رنة" من غضب "نور" اللي حاولت تهونه عليها طوال الأيام الماضية، لكنها فشلت في ده تمامًا، عشان تبصلها بحزن وهي بتقولها:

  - جلالة الملك بيمر بأصعب أيام في حياته.

 

سحبت "نور" نفس قوي وزفرته بعصبية وهي بتبصلها بغضب مرددة :

  - إيه بقا اللي بيمر بيه عشان تكون أصعب أيام حياته؟.. أنا مش فاهمة أي حاجة غير إنه حابس نفسه في أوضته بدون أي سبب، وكمان "خوان" بقاله أسبوع مختفي مش عارفة عنه حاجة، أما "أوتو" فبيظهر حبة وبيختفي حبة!

 

غمرتها "رنة"، بنظراتها العطوفة وهي بترفرف بجناحها على كتفها قائلة:

  - كل حاجة هترجع لأصلها صدقيني، جلالته بخير، والقائد "خوان" كمان هيكون بخير.. اطمني.

 

اتنهدت "نور" تنهيدة حارة بيأس وهي بتقولها بصوت خنقه البكاء :

  - ولو ما اطمنتش؛ تفتكري فيه حد هيهتم؟، لأول مرة أحس إني غريبة وأسيرة جوه عالم مش بتاعي، عالم كل اللي بحبهم فيه أو بعتبرهم أهلي مختفين، وماعرفش عنهم حاجة، حتى اللي حبيته مش هاين عليه يطمني بكلمة، أو يخليني أشوفه لدقيقة واحدة ولو حتى من غير كلام.

 

حزنت "رنة" لأجلها بشدة، لكنها جاهدت لتهون عنها، فابتسمت ابتسامة مهزوزة وهي بتقولها :

  - وأنا مش من أهلك يا إنسية؟!.. كنت فاكرة إني صديقتك المقربة في العالم ده، لكني اكتشفت دلوقتي إني مجرد فراشة بتقوم بمهام مكلفة بيها مش أكتر.

 

استشعرت "نور" حزن "رنة" فسحبت نفس قوي وداخلها قرار أن تخرج من هذه الخيمة الكئيبة، لتبتسم بسخرية وهي بتقولها بتهكم :

  - فراشة إيه يا ست "رنة"؟!.. دا إنتي محسوبة من ضرايري في أم العالم ده، تقوليش ناقصني جنيات عشان تطلعي فراشة تحب الجني الوحيد اللي حبيته؟!

 

ابتسمت "رنة" بسعادة وهي مستمتعة بمشاكسة "نور" ليها، عشان تقرر تشاكسها هي كمان، فقالت لها:

  - طب بذمتك من يوم ما جيتي هنا شفتي جني يتحب غير جلالة الملك "فولاك"؟.. ده جني مابيجيش في العمر غير مرة واحدة، يا تستغلي الوضع، يا تضيعيه من ايدك.

 

اشتعلت نيران الغيرة بصدر "نور"، وتجعدت كل ملامحها، وهي بترفع حاجبها بغيظ قوي اعتراضًا على كلام "رنة"، مرددة :

  - تصدقي وتآمني بالله، أنا غلطانة إني فكرت أنكشك وأفرفشك، انتي فعلًا مجرد فراشة بتعمل شغلها على أكمل وجه، إياكي تنسي الكلام ده، ويلا من هنا عايزين نرش ماية.. انصرفي يلا. 

  

تعالت قهقهات "رنة" المدوية بالأرجاء، وهي بترفرف بأجنحتها مرتفعة في السماء مرددة :

  - الإنسية تغار علي جلالة الملك "فولاك" من "رنة" الفراشة المسكينة. 

  

تابعت "نور" أثرها بغيظ وهي بتصرخ بها بغضب :

  - فراشة خطافة عفاريت.. قال فراشة مسكينة قال! 

  

وهبطت بأنظارها، لتتفاجئ بقدوم "خوان" من مكان ما، لتتسع ابتسامتها سعادة وهي بتقول لنفسها :

  - أخيرًا حد ظهر منهم. 

  

وتمسكت بطرفي فستانها، ورفعته عن الأرض قليلًا وهي بتركض نحوه، لتقف أمامه مباشرة، وهي بتتنفس بقوة واضعة كفها أعلى موضع قلبها مرددة :

  - أخيرًا ظهرت؟!.. دا أنا قربت أنسى شكلك يا أخي. 


بصلها "خوان" بنظرات شجنة طويلة، عشان تضيق "نور" عينيها بدهشة وهي بتقوله :

  - مالك؟!.. فيه إيه؟

 

سحب "خوان" نفس قوي، وزفره بقوة وهو بيهز راسه ببطيء مرددًا :

  - أبدًا.. بعد إذنك.

 

واتحرك "خوان" خطوة واحدة تخطى بها "نور"، اللي اتحركت للخلف خطوة كمان، عشان تقف قدامه مرة تانية وهي مادة إيديها للجنب وبتقوله:

  - هو إيه اللي بعد إذنك؟!.. فهمني مالك؟ ده ولا كأنك كنت محبوس في زنزانة ضلمة؟.. فيه إيه؟

 

غمض "خوان" عينيه بقوة وهو بيتنهد بحرارة قبل ما يفتحهم مرة تانية، ويخطو ناحية مقعد جانبي في الحديقة وهو بيقولها:

  - أنا فعلًا كنت محبوس في زنزانة ضلمة، ولسنين طويلة كمان.

 

ضيقت "نور" عينيها بتركيز قوي وهي بتحاول إنها تستوعب كلامه، قبل ما تخطو ناحيته، وتقعد على طرف المقعد، مرددة :

  - سنين طويلة؟!.. هو أنا دخلت فجوة زمنية تاني ولا إيه؟!.. ممكن تفهمني.


رجع "خوان" راسه للخلف وهو بيرفع أنظاره ناحية السماء يتأملها بشرود متنهدًا بوجع شق صدره، وهو يردد:

  - اكتشفت إني عايش في كدبة كبيرة طول السنين دي، وإني كنت دمية بتحركها "هيرينا" على مزاجها، وكنت وسيلة رخيصة حاولت تحقق بيها غاية عظيمة.

 

مطت "نور" فمها بعدم استيعاب وهي بتهز راسها بحيرة وبتقوله :

  - أنا كل اللي فهمته إن الموضوع خاص بـ "هيرينا"، اللي مختفية من أسبوع زيك بالظبط، إنتوا اتخانقتوا سوا؟


ابتسم "خوان" ابتسامة متهكمة وهو بيجاوبها :

  - ياريتها كانت خناقة، أو حتى غضب وخصام، كانت هانت، وعدت. 

  

سألته "نور" بفضول قوي:

-أومال هي إيه؟ 


=خيانة. 


شهقت "نور" شهقة قوية وهي بتقوله:

  - "هيرينا" خانتك؟!.. إيه الناس اللي كلها بتخون دي؟!، قد كده الإخلاص والصدق بقوا عملة نادرة؟! 

  

تعالت ضحكة ساخرة من حلق "خوان" بشكل مفاجيء أدهش "نور" اللي كانت بتبصله بترقب، عشان يقولها بقهر :

  - عملة دهبية.. خزائن عملات دهبية، "هيرينا" كانت واخداني سلمة عشان توصل للدهب، للمُلك، لخزائن الجان.   


استوعبت "نور" أخيرًا مقصد "خوان"، وشعرت بغصة قوية في حلقها لأجله، وهي بتبلع ريقها بصعوبة، وبتسيطر على دموعها بكل قوتها وهي بتقوله بمرارة :

  - الخيانة أبشع إحساس ممكن تحسه في الدنيا، وللأسف ما بتجيش غير من اللي إنت مديهم الأمان، لكن على قد وجعها ما بيعلم وبيسيب أثر طعنته في قلبك، على قد ما بيصلبه، وبينشف عودك، وبيخليك قد أي حاجة، وإنت كده في الأصل، عشان كده وجعها أقوى حبتين، لكنه هيروح وبسرعة كمان، لكن علامته هتفضل منحوتة جواك، عشان تفكرك في كل يوم وكل لحظة. 

  

هبط "خوان" بأنظاره ناحية "نور" يتأملها للحظات قبل ما يسألها بتعجب :

  - هي ليه الخيانة مابتجيكيش غير من أقرب الناس لينا؟! 

  

ابتسمت "نور" ابتسامة باهتة وهي بتقوله :

  - والغريب عننا هيخوننا إزاي؟!، ده واحد لا يعرفنا ولا يعرف نقط ضعفنا، ده غير إنه مش فارق معانا أصلًا، ولا إحنا فارقين معاه، ويمكن وجوده في الحياة كلها ما نعرفش عنه أي حاجة. 

  

واتنهدت بقوة وهي بتخبط إيديها في بعض بهمة وبتقوله :

  - خلينا في المهم.. قوم كده خد شاور وفوق وتعالي نعمل هجوم عنيف على صاحبك المعتكف في أوضته بقاله أسبوع ده. 

  

ضيق "خوان" عينيه بدهشة وهو بيقولها:

  - "فولاك"؟!.. إيه السبب؟ 

  

نهضت "نور" من مكانها بعزيمة وإصرار وهي بتقوله :

  - السبب كان مجهول لحد اللحظة دي، لأني من دلوقتي قررت أكتشف خباياه، وأعرف بيخوني مع مين طول الاسبوع ده. 

  

*******

أما الحال عند "نيرون" فكان ابتدى يتحسن بشكل رهيب أدهش "أوتو" اللي كان واقف جنب "مويرا" ماسك علبة الدهان، يقربها من أنفه في محاولة منه لاستكشاف موادها الفعالة، عشان يعقد جبينه بحيرة وهو بيقولها :

  - إيه نوع الدهان ده؟ 

  

كانت "مويرا" بتراقب جسد "نيرون" اللي استعاد تشكيله مرة تانية بتركيز قوي وهي بتقوله :

  - دي وصفة خاصة بيا. 

  

هز "أوتو" راسه بتساؤل وهو بيقولها :

  - يعني عبارة عن إيه؟.. أنا مش قادر أحدد مكوناتها. 


ابتسمت "مويرا" بسعادة وهي بتلاحظ ارتفاع صدر "نيرون" وانخفاضه بقوة، وهي بتجاوبه :

  - أنا كمان طبيبة يا طبيب "أوتو"، الوصفة دي من أسرار مهنتي، وأهي جابت نتيجتها أهي. 

  

أنهت كلامها وهي بتشاور بايدها ناحية صدر "نيرون" وبتكمل كلامها :

  - ضربات القلب رجعت لطبيعتها. 

  

تقافزت اللهفة بعيون "فولاك" اللي جري ناحية "نيرون"، يراقب تنفسه بسعادة وهو بيقولها :

  - معاكي حق، وابتدي كمان يحرك عينيه. 

  

بالفعل عينين "نيرون" كانت بتتحرك أسفل جفونه، عشان تميل ناحيته "مويرا"، و"أوتو"  بتفحص، وتركيز قوي في مراقبة المؤشرات الحيوية لـ "نيرون" اللي فتح عينيه بشكل مفاجئ، وهو بيتأمل وجوههم بصدمة وبيقولهم بخفوت :

  - انتوا بتبصولي كده ليه؟! 


اتسعت إبتسامة "مويرا" وهي بتقوله بسعادة :

  - حمد الله على سلامتك. 

  

توقفت أنظار "نيرون"  على ملامح "مويرا" البشوشة، واللي اشتاق لها كثيرًا وهو بيهمس :

  -هو أنا دخلت الجنة؟ 

  

ابتسم "فولاك" متهكمًا وهو بيقوله :

  - لأ وحياتك، دا إنت رجعت من الموت، وأعتقد لو كنت كملت كان زمانك في جهنم عشان عمايلك الشيطانية. 

  

اتجه "نيرون" بأنظاره المصدومة ناحية "فولاك"، عشان يتأمله للحظات وهو بيقوله :

  - إنت إيه اللي جابك هنا؟ 

  

رفع "فولاك" جانب فمه بتهكم وهو بيستقيم بوقفته، كاشفًا عن غرفته، اللي شاور عليها بايده وهو بيقوله بسخرية :

  -  هنا ده اللي هو أوضتي، وإنت كنت مسكين بلا مأوى، فأشفقت عليك وجيبتك هنا لحد ما تفوق، وبما إنك فوقت دلوقتي تقدر ترجع زي ما كنت. 

  

رفع "نيرون" جذعه بألم وهو بيجعد ملامحه بضيق قوي وبيقوله:

  - أكيد همشي من هنا، وهرجع قصري. 

  

سندته "مويرا" بايدها عشان تعيده مكانه مرة تانية وهي بتقوله :

  - ما ينفعش تتحرك من مكانك كام يوم على الأقل، لأن البناء الداخلي لجسمك لسه هش، ممكن ينهار في أي وقت. 


استلقى "نيرون" بالفراش مرة أخرى بألم شديد وهو بيقولها :

  - أنا مش فاهم حاجة، ولا فاكر حاجة. 


سحبت" مويرا" نفس قوي بعمق، وخرجته مع كلامها :

  - هفهمك كل حاجة، بس لازم تكون مستقيم بنومتك، عشان عضمك يرجع لوضعه. 

  

مط "فولاك" شفايفه بلامبالاة مصطنعة وهو بيبص لـ "أوتو" وبيقوله :

  - نسيبهم بقا عشان تفهمه وضعه الصحي براحتها.

  

هز "أوتو" راسه بموافقة وغادر الغرفة، في نفس الوقت اللي بص فيه "فولاك"لـ "نيرون" وهو بيقوله :

  - إنت ضيف هنا، يعني لازم تحافظ على المكان، وتسيبه زي ما لقيته. 

  

وطوفه بنظرات أخوية صادقة ارتجف لها قلب "نيرون" بقوة، قبل ما يسيبه ويغادر الغرفة. 


********

"نور" واللي كانت بتخطو ناحية غرفة "فولاك" بخطواتها المهرولة، جواها إصرار وعزيمة لاقتحام الغرفة مهما كانت النتايج، وفعلًا وقفت قدامها تبص للحرس بغيظ وهي بتقوله :

  - عايزة أشوف "فولاك". 

  

انحني الجندي بتقدير واحترام وهو بيجاوبها :

  - جلالة الملك مانع الدخول. 

  

بصتله "نور" بغضب وهي بتتجه ناحية الباب، عشان يقطع عليها الحارس الطريق برمحه اللي مال به جانبًا، وهو بيقولها :

  - دي أوامر جلالة الملك. 

  

رفعت "نور" حاجبها بغيظ وهي بتقوله :

  - ادخل قوله "نور" وهو هيقولك دخلها على طول. 

  

هز الحارس راسه بنفي استفز "نور" اللي دفعت الرمح بعيد عن طريقها وهي بتدفع كل جسمها ناحية الباب، اللي ماكانش غير جسد "فولاك" اللي خرج للتو، واللي اصطدمت فيه بكل قوتها، عشان تتأوه بوجع وهي بتبصله بغيظ شديد:

  - حد يخرج فجأة كده؟! 

  

ضربات قلبه العاشق بين ضلوعه كانت بتتراقص فرحًا برؤياها، وعيونه المشتاقة لها كانت بتطوف ملامحها بعشق جامح، عشان يسحب ايدها بعيد عن الحارس، متجهًا بها نحو مخبأهما الآمن وعيونه بتهرب من مواجهة خاصتها في هذه اللحظة، حتى توقف أمامها تمامًا، وابتدي يطوفها بنظراته العاشقة متلهفًا لكل إنش بوجهها وهو يتنهد بتنهيدة محمومة قبل أن يجذبها إلى موطنها الدائم وهو يسحب نفسًا قويًا يحبس به شذاها داخل صدره للحظات طالت، حتى ارتوى شوقه لها، ليخرجها من صدره، يرمقها بوله مرددًا :

  - وحشتيني.. وحشتيني قوي يا "نور". 

  

عقدت "نور" جبينها بتذمر وهي بتقوله :

  -لأ ما هو واضح قوي، بأمارة إنك معتكف بقالك أسبوع في أوضتك، ومديهم أوامر ما يدخلونيش. 

  

سحب "فولاك" نفس قوي وهو بياخد بايدها يقعدها قدامه على مقعده الخاص، ويجلس جوارها هو الآخر وهو بيقولها بنبرة حانية :

  - ماكانش ينفع تدخلي أوضتي في الوقت ده. 

  

اشتعلت نيران الغيرة في لحظات بأحداق "نور" اللي رفعت حاجبها بغضب قوي وهي بتقوله :

  - وده ليه بقا؟!.. كنت معتكف مع جنية من عشيرتك ولا إيه؟! 

  

ابتسم "فولاك" ابتسامة خبيثة وهو بيقولها بجدية :

  - فعلًا، كان معايا جنية من عشيرتي. 

  

برقت عينين "نور" بصدمة وهي بتنهض من مكانها، بتقوله بذهول :

  - معاك جنية في الأوضة يا "فولاك"؟!.. مين دي؟ 

  

هز "فولاك" راسه بلامبالاة مرددًا :

  - "مويرا". 

  

تدلى فك "نور" بصدمة أقوى وهي بتجمع حروف كلامها اللي أخيرًا حررته من جوفها :

  - بتخوني مع الإكس؟!.. أتاريك كنت ساكت وراضي عن وجودها في المملكة، فعلًا كلكم صنف خاين، مفيش حد فيكم مُخلص. 

  

ورفعت أنظارها ناحية السما وهي بتقول:

  - يارب رزقتني بخاين من الإنس، قولت أكيد العوض في الجن، طلع هو كمان خاين، أنا مش عارفة ليه تملي كده جاذبة للخايينين؟!، تقولش عندهم عُقد نقص جايين يطلعوها فيّا؟ 

  

ونزلت بأنظارها مرة تانية ناحية "فولاك" اللي كان متحكم في ابتسامته بصعوبة، عشان تقوله :

  - بص يا عفريت الجن إنت، تنساني خالص، وتنسى إنك قابلت واحدة اسمها "نور"، وتنسى الأيام اللي عيشتها معاكم هنا، وحسك عينك تطلع العالم بتاعنا بعد ما أطلعه، وحركاتك القرعة دي تعملها مع حد من عشيرتك، وأهي عندك الست "مويرا" أشبع بيها، ولا أقولك إن شالله تطفحها يارب يا "فولاك" يا ابن "شمس الأخاديد". 

  

هنا فقد "فولاك" سيطرته على ضحكاته اللي تعالت بشكل مثير، أذهب عقل "نور" للحظات، لتعود وتستفزها مرة تانية، عشان تزفر بغضب وهي بتضرب الأرض بأقدامها وبتقوله بغيظ قوي :

  - تصدق إنك غلس ومستفز، وأنا غلطانة إني واقفة اتكلم معاك لحد دلوقتي.. عن إذنك. 

  

واستدارت بكل جسدها تهم بالمغادرة، لتجد جسمها مرتفعًا عن الأرض، وطائرًا بفضاء الحديقة، لتشهق شهقة قوية وهي بتهبط بأنظارها لأسفل، لتكتشف بُعد المسافة، فتشبثت بقميصه بكلتا يدها وهي تدفن رأسها بين أضلعه مرددة بتوسل :

  - نزلي يا "فولاك".. بالله عليكي تنزلي أنا عندي فوبيا من المرتفعات. 

  

اقترب من أذنها هامسًا بعشق :

  - خدي نفس قوي، اتمسكي بايدي، وفتحي عينيكي ببطء. 

  

الأمان جواره لا يضاهيه أمان العالم أجمع، فما كان منها غير أنها استجابت لكلامه، فتنفست بقوة وهي تبتعد عنه قليلًا، قبل أن تفتح عيناها ببطء، وتطوف المكان حولها بانبهار قوي متناسية هلعها تمامًا. 


راقبها "فولاك" بسعادة غامرة وهو بيدور بيها في سماء المملكة كلها، عشان تتسع ابتسامتها المنبهرة وهي بتشاور له على مخلوقات عجيبة الشكل ابتدت تتفك عنهم تعويذة التورية، عشان تظهر قدامها جميع مخلوقات المملكة بهيئتها، وتنحني لها مقدمة فروض الولاء والطاعة لملكتهم المستقبلية، واللي أعلن عنها "فولاك" حينما اقترب منها هامسًا :

  - تتجوزيني يا "نور"؟ 

  

غامت أعين "نور" بدمعات الفرحة وهي بتهز راسها بموافقة، عشان تتعالي صيحات السعادة والفرحة بالمملكة، ليهبط بها "فولاك" أخيرًا إلى حديقتهما الخاصة، مبتعدًا عن عيون جميع مخلوقات مملكته، ليضمها إلى صدره بسعادة وهو بيقولها :

  - بحبك يا نور دربي. 

  

اتنهدت "نور" بسعادة وهي بتشدد من احتضانه وبتقوله :

  - وأنا كمان بحبك. 

  

وفي لحظات ابتعدت عنه وهي بتبصله بابتسامة واسعة وبتقوله :

  - عندي ليك مفاجأة. 

  

هز "فولاك" راسه بتساؤل وهو بيقولها :

  - مفاجأة إيه؟ 

  

رفعت "نور" سبابتها تستسمحه في دقائق معدودة وهي بتقوله :

  - دقايق قليلة.. هروح أجيبها من أوضتي وهجيلك هوا. 

  

تنهد "فولاك" براحة وهو بيهز راسه بموافقة، عشان تركض "نور" ناحية غرفتها بسعادة غامرة في نفس الوقت اللي قفلت فيه دفتري وضميته لحضني بقوة وأنا بشارك "فولاك" نظراته لـ "نور" وبتنهد براحة وأنا بقوله:

  - وتوتة توتة خلصت الحدوتة. 

  

بصلي "فولاك" بطرف عينه وهو بيقولي باستغراب:

  - حدوتة إيه اللي خلصت؟! 

  

بصتله بحذر وأنا بقوله :

  - حدوتك إنت و"نور"، أديك طلبت ايدها للجواز وهي وافقت، وهتتجوزوا وهتعيشوا في تبات ونبات وتخلفوا صبيان وبنات، وأنا الحمد لله مش مأذون، يعني ماعتش ليا دور في حكايتكم دي. 

  

استدار "فولاك" بكل جسده، عشان يقف مقابل ليا وهو بيعقد ساعديه أمام صدره و بيقولي بجدية :

  - ومين بقا اللي هينقل باقي حكايتنا للناس يا "فاطمة"؟! 

  

ابتسمت ابتسامة ساخرة وأنا بقوله :

  - وأنا مالي، روح شوف غيري ينقلها للناس، أنا معتش هكمل معاكم هنا. 

  

هز "فولاك" راسه برفض وهو بيقولي :

  - ما ينفعش، لازم تكملي دورك للنهاية، وإلا... 

  

ضيقت عيني بصدمة وأنا بسأله بنبرة صوت حادة:

  - وإلا إيه بقا إن شاء الله؟! 

  

زم "فولاك" شفايفه بلامبالاة للحظات وهو بيقولي :

  - تدخلي فجوة زمنية عمرك ما تعرفي تخرجي منها. 

  

برقت عينيا بصدمة وأنا بقوله :

  - فجوة إيه؟!.. لا دا أنت اتجننت، بس أنا فعلًا اللي غلطانة، غلطت لما سيبت بيتي وحياتي وجيت لعالم مش بتاعي عشان أنقل حكاية ماتخصينيش من الأساس. 

  

رفع "فولاك" حواجبه بتفكير عميق وهو بيقولي باستنكار قوي:

  - ماتخصكيش من الأساس؟!.. أومال مين اللي بدأ الحكاية؟.. مش إنتِ اللي عملتي فيها الكاتبة العظيمة وكتبتي عن عالم ماتعرفيش خباياه؟.. عالم مجرد دخولك فيه حتى لو بمزاجك لازم تتبعي قوانينه، وتعيشي بأحكامها. 

  

هزيت راسي برفض وأنا بقوله :

  - وأنا مالي بكل ده، إنت جيبتني من بيتي لحد هنا عشان أكتب الحكاية على مزاجك، وأديني دونت كل اللي حصل، وبعدين أنا مأجلة حاجات كتير جدًا على ما أخلص تدوين حكايتك مع نور دربك. 

  

تعالت ضحكات "فولاك" المشاكسة وهو بيقولي :

  - عارف عارف.. عندك رواية المعرض اللي عايزة تخلصيها، وكمان عايزة تزوري مامتك اللي بقالك سبع شهور ما شوفتهاش. 

  

زفرت زفرة قوية وأنا بقوله :

  - براڨو عليك، أديك عارف كل حاجة أهو، ياريت تسيبني بقا أرجع العالم بتاعي، عايزة أشوف جوزي وحشني قوي. 

  

ضيق "فولاك" عينيه بتفكير عميق وهو بيحك دقنه بأطراف أنامله وبيقولي :

  - عندي شرط واحد. 

  

اتعصبت حقيقي، أنا واحدة وفيت بوعدي معاه مابقاش عندي أي طاقة أعمل أي حاجة تانية، فصرخت في وشه بغيظ وأنا بقوله :

  - شرطك مرفوض يا جلالة الملك "فولاك" العظيم، أنا وفيت بوعدي ليك، ياريت إنت كمان توفي بوعدك وترجعني بيتي. 


= قولتلك مش بمزاجك طول ما الحكاية لسه ماخلصتش. 


كزيت على سناني بغيط وقلة حيلة وأنا بقول :

  - يارب صبرني.. اخلص يا "فولاك" وقول شرطك. 

  

ابتسم "فولاك" ابتسامته الساحرة وهو بيقولي :

  - هوافق إنك تاخدي أجازة شهرين بالتمام والكمال من تاريخ النهاردة، وبعد الستين يوم هفتحلك الهالة تدخلي من سكات تدوني أحداث الجزء التالت اللي هعلمك فيه معنى العشق والتضحية والصداقة. 

  

فتحت فمي لآخره وأنا بدور على كلام أقوله، لكني قولت بشكل لا إرادي وعلى عكس كل الصراع اللي داير جوايا:

 - وأنا موافقة، بس أنا كمان عندي شرط.


رفع "فولاك" حاجبه بدهشة وهو بيقولي :

  - أنا محدش يتشرط عليا يا إنسية "فاطمة". 

  

ربعت دراعاتي قدامي وأنا بقوله :

  - بس أنا الإنسية اللي من غيرها مش هتقدر توصل حرف واحد من حكايتك لمعجبينك اللي بيحلموا بيك ليل نهار. 

  

اتنهد "فولاك" باستسلام وهو بيقولي :

  - اتفضلي قولي شرطك. 

  

هزيت راسي بنفي وأنا سرحانة في الفراغ قدامي وبقوله بجدية :

  - مش وقته. 

جارى كتابه الفصل الجديد من احداث الروايه وسيتم نشره فور انتهاء الكاتبه منه عاودو زيارتنا الليله او يمكنكم الاشتراك بقناتنا علي التليجرام ليصلك الفصل فور الانتهاء من كتابته ونشره

 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1