رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الثالث 3 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الثالث 

الشيطان الجاد يتخار مكانًا آخر لسكن فيه وليس روحك
فـ أنت مكان لا يستحق الإقامة فيه...

أوقف حمزة سيارته أمام الباب الداخلي للقصر ثم سحب عدة محارم ورقية ليُعطيها إلى جويرية قائلًا بـ لُطفٍ صارم

-خلاص يا جويرية متعيطيش..أنتِ كويسة ومفيش حاجة حصلت...

مسحت عبراتها ثم قالت بـ نشيج وهي تنظر إليه بـ عينين متورمتين من كثرة البُكاء

-أنا أسفة
-تنهد حمزة وقال:بتعتذري ليه!...

رفعت كتفيها دون حديث ليفهم هو ما تود قوله..فـ أمسك كف يدها ثم قال بـ إطمئنان

-مش محتاجة تعتذري يا جويرية..غلطتي وعرفتي غلطك فـ متقرريهوش تاني...

أومأت مُبتسمة لتضغط على يدهِ فـ إتسعت إبتسامته الرائعة ثم قال بـ مُزاح بـغرض تلطيف الأجواء

-أنا صعبان عليا الحارس..دا هياكل علقة...

ضحكت جويرية بـ قوة حتى أغلقت عيناها فـ أطربت أُذنيه بـ صوتها المُدلل..فـ سمحت له بـ تأملها بـ أريحية..على الرغم أنها لم ترث لو عيني والدتها إلا أن لونهما ذا البريق المُدهش والذي يأثره دون جُهد

تنهد حمزة بـ تعب ما بال نسوة الصياد يمتلكن أعين أخطر من الأسلحة النووية..وأكثر تدميرًا من الحرب العالمية

نظر إلى شفتيها المُغريتين اللتان ترتعشان بـ شغف ليجد نفسه دون وعي يهدر بـ عصبية وشيطانه يحثه على فعل ما هو أسوء من مجرد تلامس أيدي برئ

-جويرية بطلي ضحك...

نظرت إليه بـ دهشة عاقدة لحاجبيها فـ أوضح قائلًا وهو يضغط على يدها أكثر وكأنه يُصارع مارده

-صوتك عالي و الحراس بدأوا ياخدوا بالهم...

نظرت حولها بـ إستدارك لتجد الحارسين ينظران إليهما بـ تعجب فـصمتت وهي تعود بـ نظرها إليه بـ حرج

تُحب تلك العلاقة الصامتة ولكنها لا تُحب تماديه بـ إثارة غيرتها

تُحب تفاصيله الرجولية الصغيرة ولكنها تكره وسامته المُلفتة

تُحب عيناه السوداوين ولكنها تكره تلك النظرة العابثة بهما الجاذبة لنساء حولهِ

إستفاقت من شرودها على صوتهِ الأجش وهو يضع الحقيبة فوق ساقيها

-إنزلي يا جويرية عشان شكلي هخدش برائتك دلوقتي...

ضحكت الصبية على إستحياء ثم ترجلت بـ صمت..ليُطلق حمزة زفيرًا حارًا وهو يُتمتم بـ عذاب

-معقول طفلة زي دي قادرة تحرك فيك مشاعر مبتحركهاش أجدعها ست!!...

*******************************

لم تتخيل جُلنار أن تكون كـ تلك المُراهقات اللآتي يُعجبن بـ أحدهم ثم يبدأن بـ رسم خيالات غيرُ منطقية بـ المرة معه

إلا أنها إختلفت في خيالاتها اللآتي رسمتهن حقيقةً بقلمها الرصاص بـ لوحة تحتوي فقط على وجههِ وتلك النظرة الغامضة التي رمقها بها ووعده الأخير أنها ستُصبح من مُمتلكاته

وأسفل اللوحة كتبت حروف اسمه مُنفصلة بـ خط عربي مُزخرف بـموهبة لا تمتلكها بنات الصياد إلا هي

تنهدت وهي تتطلع إلى ملامحهِ وعينيه اللتين أسرتا عيناها وكأنها تُنافسها بـ جمالها و روعتها..لطالما أصابها الغرور بسبب لو عينيها المُميز ولكن ما أن أبصرت عيناه أيقنت أنها لا تُماثل جمال خاصته بـ شئ خاصةً تلك النظرة المُبهمة 

إنتفضت عندما دلف والدها لتُخفي اللوحة خلفها بـحركة سريعة ثم إعتدلت راسمة إبتسامة بلهاء في إستقبال جاسر و الذي لم تفت عينيه الصقرية هذا الإرتباك وما أخفته ولكنه رسم الصلابة على وجههِ وتقدم منها

إبتعدت جُلنار قليلًا ثم حركت ناظريها بعيدًا عن عيني والدها التي تخترقها دون رحمة مُنتظرة ما سيتفوه به

تنحنح جاسر ثم قال وهو ينظر إلى ما خلفها بـ طرف عينيه 

-مالك مش على بعضك ليه!
-زفرت نفسًا حار وأردفت:مفيش يا بابتي..بس خضتني لما دخلت كدا
-تهكم هو قائلًا:سلامتك من الخضة...

لوت شدقها بـعبوس ليُكمل جاسر حديثه وهو ينظر إليها بـ تركيز

-مين اللي إتكلمتي معاه فـ النادي؟...

نظرت إليه بـ صدمة لسؤالهِ والذي أعدت نفسها أمس لأستقباله ولكنه لم يتحدث..مما جعلها تشك أن جاسر الصياد لم يعلم عن ذلك الحدث والذي يحدث لأول مرة وكأنه طفرة چينية نادرة الحدوث

ولكنها ماذا تنتظر من جاسر الصياد!..يتبع سياسة شديدة الخُبث لإستخلاص المعلومات دون جهدًا يُذكر وقد كان..فـما أعدته أمس لتقوله ذهب أدراج الرياح وفقدت الذاكرة

إبتلعت ريقها بـ توتر وهي تنظر إليه عندما سأل مرةً أُخرى ولكن بـ صوتٍ خطير

-إنطقي يا جُلنارأحسنلك
-أخذت جُلنار نفسًا عميقًا ثم قالت بـ هدوء:معرفش صدقني...

حك جاسر ذقنه ثم قال بـ صوتٍ أكثر خطورة مما قبل

-منا مصدق إنك متعرفيهوش..وهو لو كُنتِ تعرفي كان زمانك بتكلميني عادي كدا؟!...

ها قد بدأ تحذيره الذي يُذيب العظام..لما والدها بـ هذه القسوة فيما يتعلق بـ من تعرفهم ومن لا!..خاصةً إذا كان شابًا..تذكر مغامراتها والتي آخرها كادت أن تودي به إلى المشفى بـ الثانوية العامة تُخبره بـ كل بساطة أنها تُحب أُستاذها وستتزوجه وإن لم يوافق فـ ستهرب معه

لا تتذكر كيف هربت من بين يديه ولكن ما تتذكره أن أُستاذها قد أمضى أكثر من شهر بـ المشفى قبل شهر آخر من إختفاءهِ دون أن يعرف أحد طريقه

لذلك وبـ دون كذب أردفت بـ ثقة سُرعان ما إكتسبتها من والدتها وكأنها فطرة وُضعت بهن

-اسمه صُهيب على ما أذكر
-وبعدين!!
-مطت شفتيها وقالت:معرفش..قال شوية كلام مش فاكرة منه حاجة بس أنا إديته اللي فيه النصيب ومشيت...

حك أسفل شِفاه بـ إبهامهِ ثم أردف بـ هدوء تعلم توابعه السيئة..السيئة جدًا

-ماشي يا جُلنار..عالله أشوفك واقفة مع *** بعد كدا...

ثم نهض بـهدوء يرحل بـ برود صقيعي أثلج قلبها..تعلم جيدًا أن والدها لن يتخطى تلك المُغامرة السيئة أبدًا بل صُنفت لديه كـ وصمة عار لتربيتهِ لها

تنهدت جُلنار بـ إحباط ولكن سُرعان ما إرتفعت عيناها إلى جاسر الذي أردف بـ جدية وصرامة لا تقبل النقاش

-من بكرة هتنزلي الشركة معايا كفاية دلع..مفهوم!
-غمغت بـ خنوع:مفهوم يا بابتي...

رمقها جاسر بـ نظرةٍ أخيرة ثم خرج وأغلق الباب تاركًا جُلنار تنظر خلفه بـحسرة..ضاع حُلمها بـ إفتتاح معرض خاص بها بكل تلك السهولة

وهي تستحق أكثر هي من سعت لتُفسد حُلمها بـ يدها..ذلك التباعد بينها وبين جاسر لن يختفي إلا بـ مُعجزة..خطأ واحد هدم ما تبقى من حياتها و واجب عليها التحمل علها تصل إلى الغُفران

*********************************

 

طرق باب المكتب بـ هدوء ليسمع صوتها الرخيم يسمح بـ الدلوف 

تقدم منها راسمًا إبتسامة خفيفة ثم قال بـ نبرةٍ مُتحفظة بعض الشئ

-صباح الخير يا دكتورة روجيدا
-إبتسمت روجيدا وقالت:صباح النور يا دكتور صُهيب...

ثم أشارت بـ يدها ليجلس قائلة بـ ود لم يخفى عليه

-إتفضل إقعد واقف ليه!...

جلس صُهيب أمام روجيدا ثم أجلى حلقهِ وقال بـ رزانة و ثقة

-أنا مبحبش اللف والدوران يا دكتورة فـ هدخل فـ الموضوع على طول
-إستشعرت جديته فـ قالت بـهدوء:كُلي أذانٍ صاغية...

رسم أبتسامة دبلوماسية على وجههِ ثم أردف وهو يُشبك يديه فوق المكتب ناظرًا إلى عيني روجيدا بـ تركيز

-أنا شوفت بنت حضرتك جُلنار فـ النادي إمبارح وأُعجبت بيها جدًا..ولما عرفت إنها بنتك حبيت أفتح الموضوع معاكِ...

صُدمت روجيدا أول الأمر فـ رفت بـ جفنيها عدة مرات قبل أن تستعيد توازنها ثم أردفت بـ جدية وتحفظ

-كلام جميل..بس مش الأفضل تتكلم مع بابها!
-أجابها سريعًا:هيحصل..بس من الأصول أكلم حضرتك الأول..بما إنك تعرفيني تعرفي أخلاقي فـحبيت أفتح معاكِ الموضوع بـ شكل ودي ولو أراد ربنا يبقى فيه نصيب ساعتها هاجي البيت مع والدتي ونتكلم...

زفرت روجيدا بـحيرة ثم قالت وهي تحك جبهتها بـ تعب

-والله مش عارفة أقولك إيه!
-متقوليش حاجة..حضرتك بس فاتحي جاسر باشا وأنا هقوم بـ الباقي
-خلاص تمام..تقدر تروح السكشن دلوقتي ونتكلم بعدين...

أومأ ثم رحل..وبعدما خرج من الغُرفة أفلتت سبة نابية من بين شفتيه لما خرج اسم جُلنار!..ألم يكن المُخطط الجديد هي چيلان؟!..إذًا لما حدث وإختار جُلنار!!

تنهد بـ إحباط ثم تحرك بـ الممر..لم يتوقع أن يخرج اسم جاسر من شفتيهِ بـ تلك السهولة..مُنذ ما يقرب العشرون عامًا حُفرت كلماته بـ رأسهِ وهو يرى بيت عائلته يشتعل ويأكله هشيم النار..كل ما بنته سناء الهواري تحول إلى رماد بـ كلمة واحدة من جاسر الصياد

كان اسمه فيما مضى يُشعره بـ الرهبة والغضب..لم يكن سوى فتى لم يتجاوز عشرُ سنوات عندما أخبره أن هذا المشهد المحفور بـ ذاكرتهِ حتى الآن هو بسبب ما إقترفته يدي جدته و والده

والده الذي سيبقى وصمة مُخزية بـ حياتهِ..أخبرته والدته عن كل جرائمه..إنتهاكه للحُرمات وقد مات حينما أوشك على إنتهاك حُرمة بيت جاسر الصياد

جرائمه التي لا لها أول من آخر وقد آثر هو الإبتعاد عن كل ما يخص عائلة الهواري حتى اللقب تخلى عنه و وُضع لقب عائلة والدته ليمحي أي صلة بهم

حتى ذلك اليوم الذي إقتحمت تلك العائلة حياته مرةً أُخرى..تلك الحية الخبيثة زوجة عمه عادت..عادت و بـ قوة تنوي الإنتقام بـ أبشع الطُرق والوسائل هي بناته

توقف سيل الذكريات عندما وصل إلى المكان الذي سيُلقي به المُحاضرة الخاصة بـ مادةٍ ما ليدلف وعلامات الإحباط تلوح على وجههِ

********************************

دلفت جويرية إلى داخل القصر تبعها حمزة الذي يشد من أزرها ولكنهما تفاجآ بـ جاسر الذي يقف واضعًا يديه خلف ظهره وملامحه مُكفهرة بـ غضب 

إبتلعت جويرية ريقها بـ صعوبة ثم تمتمت بـ توتر وهي تُحاول بـ جهدٍ مُضني تخطيه

-إزيك يا بابي...

تجمدت واقفة عندما أتى صوت جاسر يدوي كـ الرعد

-أنا سمحتلك تطلعي؟!...

حركت رأسها نافية وقد بدأ الرعب يتسلل إلى جسدها إلا أن جاسر أكمل حديثه بـ صوتٍ جهوري

-أنا حاططلك حارس يجيبك وياخدك..بتهربي منه ليه!..بتعملي إيه من ورايا؟!...

لم تجد جويرية القُدرة على النُطق ليتدخل حمزة وقد آلمه قلبه على صغيرتهِ قائلًا بـ توتر

-أنا جيت أخدتها يا عمي ونسيت أبلغ الحارس...

نظر إليه جاسر نظرة قاتلة فـ صمت حمزة وقد أيقن أنه يعلم ما حدث..فـ قرر الصمت ولكنه سيتدخل إن تطور الأمر

إلتفتت جويرية إلى أبيها الذي يُطالعها بـ غضب أذاب عظامها لتُخفض رأسها سريعًا مُغمغمة بـ أسف وصوتها قد شارف على البُكاء

-أسفة وأوعدك مش هتحصل تاني
-ولكن جاسر هدر:ما هو مش هيحصل فعلًا...

إبتلعت ريقها بـ صعوبة ليقول جاسر أمرًا

-إطلعي أوضتك وحسابك معايا لما أرجع من الشركة...

فرت جويرية من أمامه ليلتفت جاسر إلى حمزة بـ عُنف فـ بادره الأخير بـ جدية

-متقلقش يا عمي جويرية فـ عنيا...

لم يُعقب على حديثهِ بل أشار بـعينيه وقال بـ جمود

-قدامي على الشركة
-أمرك يا بوس...

تحرك حمزة أمامه تبعه جاسرالذي حك جبينه بـتعب ثم غمغم بينه وبين نفسهِ

-ولادك هيموتوك يا جاسر...

صعد سيارته وتبعه حمزة الذي بادره بـ الحديث فـ قد أصابه ما حدث مُنذ قليل لصغيرته بـ بعض الألم

-متقساش على جويرية يا عمي..أنت عارف طايشة بس أنا موجود عشان أوقفها
-أدار جاسر المُحرك وقال بـ صلف:بنتي مش محتاجة حد يوقف طيشها..هي لازم تتعود تشيل المسئولية نفسها..لازم تعرف الصح من الغلط..أنا مربتهاش على كدا...

مسح حمزة على خُصلاتهِ الداكنة ثم أردف بـ جدية وهو ينظر إلى جانب وجه جاسر

-جويرية تهمني..وعشان تهمني أنا المسئول أعلمها..مش هي اللي هتتعلم لوحدها..والنهاردة إديتها درس فيصل على اللي عملته وعرفتها المرة الجاية هيبقى فيه عقاب...

لمعت عيني جاسر بـ إعجاب نادرًا أن يظهر ثم قال بـ شبه أبتسامة مُتحفظة

-تربية صابر نفعت..كُنت عارف إنه هيربي راجل بـ صحيح...

إنتفخ صدر حمزة بـ غرور وفخر فـ أكمل جاسر بـ نفس النبرة

-لولا إني واثق فيك يا حمزة مُكنتش سيبتلك جويرية تربيها
-تمتم حمزة بـ هدوء:وأنا أد الثقة دي وصدقني عُمري ما هخذلك...

أومأ جاسر بـ رأسهِ ولم يرد..وكذلك لم يلمح حمزة تلك النظرة الشرسة بـ عيني الأول..نظرة تشي بـ مقدار ما قد يرتكبه جاسر الصياد..وما قد يرتكبه يعلم تمام العلم أنه سيحرق الأخضر واليابس

********************************

خرج جواد من أسفل السيارة بعدما أصلح العُطل بها ليرمي بـ قطعة قُماش قديمة ثم أردف إلى أحدهم

-الموتور تعبان شوية وشوية حاجات محتاجة تتغير...

قذف القطعة القُماشية ثم جذب من يد الذي أمامه كوب الشاي تحت أنظاره المُتعجبة وأردف

-العربية دي مش هينفع أدخل بيها السباق الجاي 
-والعمل!!...

إرتشف جواد من كوب الشاي ثم أجابه بـ هدوء

-دبرلي واحدة جديدة
-صعب يا جواد
-رد جواد بلا مُبالاة:مش صعب عليك...

حك الآخر صدغه بـ عدم راحة إلا أنه قال فجأة وقد إلتمعت عيناه

-جاتلي فكرة!
-عقد جواد حاجبيه وقال:إيه؟!...

ضرب الآخر على صدرهِ ثم عاد يسحب الكوب من يد جواد قائلًا وهو يصعد السيارة

-سيبها أنت عليا..أنا ماشي...

مط جواد شفتيه بـ برود ثم ترجل خارج الورشة وإتجه إلى قصر الصياد

تطلع إلى ثيابهِ المُتسخة ليزفر بـ غضب هاتفًا

-مش هينفع أروح الشركة كدا..لازم أغير...

خطى إلى داخل الحديقة لترهف أُذنه السمع لتلك الضحكة المُدللة كـ صاحبتها لتتحول أنظاره إليها..جالسة بـ هيئة ملوكية وخُصلاتها تنعكس عليها أشعة الشمس فـ تحرق عيناه بـ جمالها الآخاذ

زفر نفسًا حار وقد تصاعد ضربات قلبه عن المُعدل الطبيعي ثم همس بـ قلة حيلة

-حظك إنك تحب جِبلة بتموت فـ الرومانسية من الكُل ما عادا المتعوس أنا...

تقدم من تلك الجالسة بـ خطواتٍ مُتمهلة حتى يستطيع التشرب من ملامحها..لا يفهم سر حُبها الشديد بـ القراءة وأيضًا يكرهها وبشدة..فـ الحمقاء لا تعرف أنها تُصبح شديدة الفتنة وملامحها تتحرك لتُعبر عن مشاعرها ما بين إنعقاد الحاجب إلى عينيها التي تتسع فجأة حتى شفتيها المزمومتين بـ إغراء برئ

تنهد بـ تعب ثم تقدم منها أكثر وهو يُزيل عن يدهِ أثر الشحوم ليقول بـ هدوء

-صباح الخير يا إيلاف!... 

لترد بـ صوتٍ به من الدلال الفطري الذي يُذيب قلبه بل روحه أيضًا

-جواد!... 

نهضت تاركة كتابها السحري ثم توجهت إليه تتفحصه بـ حاجب مرفوع لتقول بعدها بـ عتاب

-سباقات تاني يا جواد!..والله حرام عليك
-أمسك كف يدها الرقيق وقال:ليه! 
-ورددت بـ عصبية:عشان كدا غلط وخطر..ليه مش عايز تفهم إن حياتك مهمة؟…

ابتسم جواد ابتسامته المُهلكة التي ورثها عن أبيه ثم
 قال وهو ينظر إليها بـ عينيه ذات اللون الغريب

-لأ عارف ومُتأكد كمان
-ضربته بـ غيظٍ وقالت:ولما أنت عارف؟..بتعمل كدا ليه! 
-وبـ جدية أجاب:شغف..زي ما القراءة عندك شغف… 

وإجابته جعلتها تصمت لتبتسم بعدها قائلة 

-أنكل جاسر لو عرف مش هيعديها
-ضحك جواد وقال:أنكل جاسر عارف كل حاجة..مش بعيد يكون عارف لون البوكسر اللي لابسه إيه… 

وضحكت ذات الدلال وهي تعود بـ رأسها إلى الخلف حتى كادت أن تقع فـ حاوط خصرها بـ تملك ثم قال بـ عبث لا يقل عن عبث جاسر الصياد نفسه

-ما تحاسبي يا بت أنتِ عشان أنا من ساعتها عمّال أقول اللهم أغزيك يا شيطان..ها عارفة الشيطان اللي بيخلي البني آدم يعمل حاجات تدخله النار دي؟… 

أومأت بـ خجل ليتنهد بـ حرارة قائلًا 

-أهو أنا بقى هدخلها فعلًا…

ضربته إيلاف بـ خجل ثم أردفت بـ غيظ

-بلاش الكلام دا..عيب يا جواد مينفعش كدا
-شاكسها قائلًا:أومال إيه اللي ينفع؟!...

مطت شفتيها بـ إمتعاض لتلمع عيني جواد لحركتها المغوية العفوية دون أن تدري ليحل أسرها قائلًا بـ حرارة مُقتبسًا العبارة الشهيرة للفنان القدير "توفيق الدِقّن"

-صلاة النبي أحسن...

تحكمت إيلاف بـ إبتسامتها ثم قالت مُعاتبة

-جواد بلاش كلامك دا على فكرة بيوترني
-غمزها بـ شقاوة وقال:منا قاصد جايز البعيدة تحس...

ضحكت بـ دلال يُذيب الأعصاب..ليُمسك كنزته بـ المنتصف ثم حركها بـ هدف تبريد حرارة وهمية ثم أردف بـ غيظ

-والله لو مبطلتيش..أبوكِ هيكتب علينا حالًا يداري الفضيحة اللي هتحصل دلوقتي يا لوفي...

وضعت يدها على شفتيها تُخفي إبتسامة خجلة ولكنها لم تستطع إخفاء إحمرار وجنتيها ليتأفف بـ غيظ هادرًا وهو يرحل

-عليا النعمة هرتكب جريمة...

*********************************

 

في المساء

نظرت جُلنار من شُرفتها تستعيد ذكريات فترة المُراهقة تحديدًا سن السادسة عشر

"كانت فتاة تتجسد بها الرقة والأنوثة ، بـ الإضافة إلى الذكاء والفطنة..ولكن حظها العثر أن وقعت بـ غرام أُستاذ اللُغة الأجنبية

كان شاب بـ الثالثة و العشرين من عُمرهِ..كامل الأوصاف كما يقولون وسُرعان ما نسج شباكه حولها وكانت سهلة الوقوع بـ الفخ فـ لم تكن ذي خبرة بـ أمور الحُب وما شابه

 تقابلا وتقاربا..وأحبها الأحمق بـ صدق بـ أول الأمر إتخذها كـ تسلية له ولكن جُلنار فاقت كل توقعاته

كما نسج شباكه..نسجت شباكها
كما راوغ بـ ذكورية مُفرطة..مكرت هي مكر النساء

وبـ النهاية تعادل..أحبها وأحبته..وحينما قرر أن يتخذ خطوة جدية إرتعب..إرتعب من جاسر وفُقدانها فـ آثر التمهل"

إنقطع سيل أفكارها عندما صدح صوت هاتفها فـ تأففت ودلفت إلى الداخل لتجده رقمًا غيرُ مسجل..كادت أن تتجاهل الأمر ولكن حسمت أمرها بـ الرد

وضعت الهاتف على أُذنها لترد بـ حذر قائلة بـ نبرةٍ مُتحفظة

-ألو..مين معايا؟!...

أتاها صوت غريب ولكنها تعرفت عليه بـ سهولة من عبث نبرته

-مين معاكِ!..مين يا واد يا صُهيب...

ثم أردف مُتصنعًا الدهشة 

-يا خبر وقعت بـ لساني
-ردت عليه جُلنار بـ إستنكار:أنت عبيط يالا!...

صدحت صوت ضحكاته الرخيمة فـ هوى قلبها لصوتها الرجولي المُهلك الذي ذكرها بـ حبيبها الأول..ليقول بـ مُزاح لا يليق إلا به

-مش فـ طب!..لازم أتخرج يا عبيط يا مريض نفسي
-أردفت جُلنار بـ تهكم:وأنت ما شاء الله الأتنين
-مقبولة يا بنت الأكابر...

مطت جُلنار شفتيها ثم عادت إلى الشُرفة وتساءلت بـ إستدراك

-أنت جبت رقمي منين!
-متأخر أوي السؤال دا
-هدرت جُلنار بـ عُنف:بقولك جبته منين؟!...

أتاها صوت صُهيب بـ نبرة تحمل من الراحة وكأنه طفل لا يحمل لـ الحياة هم

-بكرة حاولي نتقابل وأنا هفهمك كل حاجة
-ردت بـ سُرعة:مش موافقة
-مطت شفتيه وقال بـ برود:براحتك..بس الموضوع مُهم...

ساد الصمت لدقائق كادت فيها أن ترد عليه لتقطع الطريق ولكنه أخرسها بـ عبارتهِ

-مامتك عارفة
-تمتمت بـذهول:مامي عارفة
-أكد حديثه:أيوة..عمومًا مش عاوزك تقلقي مني يا جُلنار..محتاج أقعد معاكِ عشان أفهمك كل حاجة..لأنك خطوة مُهمة
-حكت جبينها بـ عدم راحة وقالت:أنا مش فاهمة حاجة!...

إبتسم صُهيب ثم قال وهو يضع يديه بـ جيبي بنطاله

-بكرة تفهمي..يلا تصبحي على خير...

أغلق صُهيب الهاتف وتركها بـحيرتها..لا تنكر إعجابها بـ شخصيته..إخترقها بـ عبثهِ وملامحه التي شابهت ملامح الأول

هي نست تمامًا ذلك الحُب..بل تسخر أنها أدرجته تحت بند حُب بل مشاعر ثائرة ، هائجة لم تجد من يحتويها سواه..وكم هي شاكرة له أن يكون أول مُعلم بـ الحُب أن يكون أول من يخطو بها إلى درج المشاعر فـ إستطاعت الآن تصنيف مشاعرها تجاه صُهيب أنها أُعجبت به

حكت جُلنار جبينها بـ حركة تفعلها عادةً عندما تتوتر ثم أردفت بـ خوف

-بابي لو عرف..هتبقى أخرتي ونهايتي معاه...

*********************************

دلف جاسر المسجد يمسحه بـ عينيهِ حتى وجد ضالته يُصلي إمامًا بـ المُصلين ليرتفع حاجبيه بـ سُخرية ثم إنتظره حتى إنتهى

ليتقدم منه مُتمتمًا بـ صوتٍ عال وحوله الناس يجتمعون يسألوه أسئلة فقهية

- يا مساء النفاق يا شيخ كُفتة...

إلتفت الجميع إليه بـ تعجب بـ من فيهم الشيخ "كُفتة" ليقف جاسر أمامه ينظر إليه نظرات قاتلة أسرت الرُعب بـداخل الذي أمامه ثم أردف

-تعالى معايا..عاوز أسألك شوية أسئلة كدا...

ثم وضع جاسر يده حول عُنقه وجذبه معه إلى الخارج..وبجواره الرجل يبتلع ريقه بـصعوبة بالغة يكاد يموت من فرط الرُعب

ترجلا خارج المسجد ليتطلع جاسر إلى وجههِ المُدمى ثم سأله بـ جمود

-إيه حُكم الشرع فـ واحد بيتحرش بـ طفلة فـ وسط الشارع؟!...

هربت الدماء من وجههِ وقد بدأ جسده بـ الإرتجاف..دنى منه جاسر أكثر وهمس بـ فحيح

-مسمعتش الإجابة يا شيخ...

تنحنح الشيخ ثم بدأ الحديث بـ توتر وتلعثم واضح..وجاسر أمامه يحك ذقنه بـ خشونة وعلى حين غُرة..أرجع رأسه إلى الخلف ثم ضرب أنفه بـ كل قوته سقط الآخر أرضًا متأوهًا بـ قوة

لينحني إليه جاسر يُمسكه من تلابيبهِ ولكمه بـ قوة كُسرت أحد أسنانه لقوتها  وهدر بـ صوت أرعب الجميع

-ولما هو كدا يا ***بتقرب من بنتي ليه!
-صرخ الآخر بـ ذُعر:آآ..والله..والله ما أعرف...

لم يدعه يُكمل بل عاوده بـ لكمة أشد قوة من ذي قبل ثم زأر بـ صوتٍ جهوري مُفزع

-بنات جاسر الصياد خط أحمر..وأنت تخطيت الحدود دي..وأنا مبسامحش...

ركله جاسر بـ معدتهِ فـ بصق الدماء من فمهِ مُتألمًا..فـ دنى إليه وهمس بـ فحيح

-مين اللي باعتك إنطق!!...

بكى الرجل بـ نواح شابه نواح النسوة ثم هدر بـ تقطع

-سُليمـ..سُليمان..الهواري...

تعليقات



×