رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الخامس 5 بقلم نورهان ال عشري


رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الخامس بقلم نورهان ال عشري 



الإثم الخامس بعنوان " طوفان الماضي "


يُشْبهنَا فَصْل الشِّتَاء كثيرًا ،يَبدَأ بِعاصِفة وينْتَهي بِأخْرَى، ومَا بيْنهم كان عِبارة عن أَجوَاء مُلَبدَة بِغيوم الأسَى، وعواصف المعاناة .إِلى أن أتى إِعصَار الفرَاق وَأخَذ فِي طَرِيقة جميع الأحْلام والْأُمْنيات، اَلتِي نَقَشتهَا أناملنا سويًّا ذات يوْم فَوْق غُصْن أَخضَر ،شَهِد على مَلْحَمة عِشْق ظَنَناه أَبدِيا، وَلَكننَا نَسِينَا أنَّ بَعْض اَلظَّن إِثْم.

نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


_ بت مين يا هيام اللي مش عايزاه يقعد في قعدتها؟ 


تجمدت الحروف على شفاهها حين ظهر ياسر أمامها بعينين يغزوها الفضول لمعرفة إجابة سؤاله الذي من شأنه أن يُعيد طوفان الماضي من جديد 

_ ولا حاجه. دي . دي بت . كدا. انت متعرفهاش.


هكذا أخذت تتحدث بتلعثُم و ارتباك كان جليًا على ملامحها مما عزز من فضوله أكثر ليقترب منهما موجهًا حديثه هذه المرة الى جابر قائلًا 

_ مين البنت دي يا حاج جابر ؟ و هيام مالها متلخبطة كدا ليه؟ 


وقع فريسة بين هذا التوسل الصامت الذي يتساقط من نظراتها و بين تحذيرات عقله بأن يُخفي عنه تلك القنبلة التي ستتفجر في القريب العاجل و سيتردد صداها بكل مكان، لذا استمع الى صوت عقله و قال بنبرة تأكد من أن تكون لا مُبالية

_ غنى. بنت مرزوق الفران. 


اخترقت حروف اسمها قلبه و كأنها أسهُم تعرف طريقها إلى تلك المنطقة المنزوعة السلاح داخل صدره والتي لا تزال تحمل ذكريات تأبى النسيان، و قد تجلى ذلك للحظات بعينيه قبل أن يُعيد ارتداء قناع الجمود وهو يقول بنبرة خشنة

_ طب ليه مش عايزاه يقعد في قاعدتها يا هيام؟ 


اجتاحتها نوبة فزع جنونيه فهتفت بانفعال

_ ملناش صالح بالناس دي يا ياسر. تتطلق ولا تتحرق ملناش فيه.


صحح جابر حديثها قائلًا

_ لسه منعرفش إذا كان الموضوع هيبقى في طلاق ولا لا! 

هيام بصدمة 

_ نعم! يعني ايه دا أن شاء الله ؟ 


جابر بتوضيح

_ يعني عبد الحفيظ لما كلمته قالي انهم مش ناويين يطلقوا و أن ابنه متمسك بمراته. يعني وارد يكون في صُلح بينهم.


هيام بانفعال 

_ كمان. والله ما لينا دعوة بالبت دي. تتطلق ولا تتصلح بعيد عننا. 


مرارة الخذلان كانت قاسية ولكنها جعلته أشد صلابة من السابق لذا بدا جامدًا للحد الذي كان مُدهشًا لجابر وهو يستمع إليه حين قال بجفاء

_ ليه يا هيام ؟ 


تعرف جيداً ما يجيش بصدره و ما يُخفيه خلف تلك النظرات الجامدة، فهي الوحيدة التي شهدت على لحظات ضعفه و ألمه التي حولته إلى هذا الرجل لذا هتفت بغضب

_ من غير ليه . البت دي ملناش دعوة بيها و خلاص


لأول مرة كان مُجبر أن يقسو عليها فتحدث بنبرة حادة

_ عقل أختك يا ياسر و عرفها أننا مبندخلش مشاكلنا الشخصية في الأمور اللي زي دي. 


_ جابر. 


هكذا هتفت هيام بصدمة من حديثه ليُقاطعها ياسر بنبرة جافة

_ هيام عاقلة و عارفة الكلام دا كويس، و هي زيها زي غيرها من اللي بنقعد في قعداتهم. تصبحوا على خير. 


غادر ياسر تاركهم خلفه لتلتفت هيام ناظره إلى جابر بعتب تجلى في نبرتها حين قالت 

_ كدا بردو يا جابر! يهون عليك ياسر! 


الموقف برمته لا يُعجبه لذا قال بنبرة حادة بعض الشيء

_ ياسر زي ابني يا هيام و أنتِ عارفه دا، لكن مش معنى كدا اني أصغره قدام الناس. الموضوع مش هيتخبى. مسيره كان هيعرف. 


هيام بغضب

_كنت قولت للزفت مرزوق دا انك مالكش صالح بالقصة دي! 


_ ليه؟ 


_ يعني ايه ليه يا جابر؟ 


أعلن عن استفهام لن يُعجبها إجابته

_ يعني لما يسألني ليه مش عايز تقف جنب بنتي زي ما بتقف جنب الناس كلها أقوله ايه؟ 


لم تستطِع إجابته بلسانها، ولكن كان لعينيها رأيًا آخر حين ذرفت خوفها في عبرات لا حول لها ولا قوة، فتابع جابر بنبرة لينة

_ ياسر جدع، و راجل والموضوع دا انتهى بالنسباله من زمن. متفتحيش أنتِ في جرح طاب و تنبشي فيه من جديد. 


_ جرح ايه ؟ في حد متعور هنا؟ 


هكذا تحدث يزيد القادم من الخارج ليجد الحال غير مُبشر و الأجواء مُلبدة بالغيوم ليُشير جابر بعينيه إلى ه‍يام العابثة فتحدث يزيد بتلقائية

_ مالها هيام؟ ايه فتحتي دماغ حد ولا ايه؟ 


ناظرته هيام بسخط تجلى في نبرتها حين قالت 

_ لا بس ناوية. 


يزيد بتهكم

_ أنتِ عشان متجوزة كبير المنطقة و أخوكي دكتور قد الدنيا هتمشي تلطشي في الناس! 


تحدث جابر بنبرة ذات مغزى

_ هو في زي هيام في طيبة قلبها. دي عمرها ما تكسر بخاطر حد ولا ترد حد دق على بابها! 


يزيد باستهجان

_ ايه يوميات فاطمة كشري و عبد الغفور البرعي دي لا ارجعوا اتخانقوا أحسن. 


_ لا ربنا ما يجيب خناق. انا طالع انام تصبحوا على خير.


هكذا تحدث جابر وهو يتوجه إلى الأعلى و عينين هيام لازالت مُعلقة به بحزن فاقترب يزيد يتسائل بريبة

_ ايه يا هيام ؟ انتوا متخانقين ؟ 


هيام باختصار 

_ يعني! 


يزيد بسخرية

_ انا حسدتكوا ولا ايه؟ 


_ ابعد عني الساعه دي يا يزيد انا مش فيقالك. خليني اشوف أخوك 


_ ماله ياسر؟ حصله حاجه. 


استفهم يزيد بنبرة مُتلهفة لتُجيبه هيام بأسى

_ البت اللي اسمها غنى دي. ابوها جه لجابر عشان يطلقها من جوزها، و البيه حددلهم قاعدة يوم الجمعة عشان يحل للهانم مشكلتها.


يزيد بلا مُبالاة

_ طب ايه المشكلة مش فاهم! 


جن جنونها من حديثه و لا مُبالاته فهتفت بغضب

_ أنت في الطراوة يا واد انت! ولا جالك زهايمر؟ 


_ أيوا انا بحب اقعد في الطراوة فعلا بس دا ايه علاقته بالزهايمر ؟ 


هكذا تحدث يزيد بهدوء اغضبها أكثر فهتفت بحنق

_ واد انت بطل استعباط. انت تطلع دلوقتي تسأله هو في دماغه يقعد في القاعدة دي ولا لا؟ 


 كان يعلم بأنها ستطلب منه أن يفعل ذلك، و لذلك كان يحاول الهروب من هذا المأزق، ولكنها لم تيأس لذا حاول الوصول معها إلى نقطة التقاء حين قال

_ اولًا مش هيرد عليا علشان عارف انك اكيد بعتاني أسأله، و ثانيًا افرضي أنه قرر يقعد هتعملي ايه؟ 


_فال الله ولا فالك يقعد فين ؟ دا احنا ما صدقنا أنه نسيها. 


قالت جملتها الأخيرة بتحسُر، فهتف يزيد بنفاذ صبر

_ بس هو منسيهاش، وانا و أنتِ عارفين دا. 


_ و انت ايه عرفك دا أن شاء الله ؟ 


يزيد بتهكم 

_ واحد بيرفض كل العرايس اللي بتجيبيهاله من غير سبب، و بيرفض حتى أنه يذكر اسمها ومانع حد فينا ينطقه على لسانه، دا حتى مبيعديش من قدام بيتهم زي اللي بيخاف لا يلمحها، و كتر التجاهل دا اهتمام في حد ذاته. دا أي حمار يعرف الكلام دا هيستنتج أنه لسه بيحبها. 


تعاظم غضبها من حديثه لتهتف بحنق

_ زي سعادتك كدا ما استنتجت.


يزيد باندفاع

_ بالظبط. 


لم تستطِع الصمت أكثر فهتفت بغل

_ اه ياني ياما دا مُر و بيشُر. اوعى من وشي. 


يزيد بصدمة

_مُر و بيشُر ! بيشُر ايه مش فاهم! استني طيب. ايه المثل دا؟ 


لم تُجيبه بل تابعت الصعود إلى الأعلى وهي تُحدث نفسها بغضب. 


يا رب إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.♥️


★★★★★★★★★


_ أنت فين يا دكتور؟


هكذا تحدثت نبيلة بغضب في الهاتف ليُجيبها عُمر الذي كان يقود سيارته بانتباه خاصةً و أن الرواق الذي كان يسير به ضيق 

_ في الشارع يا ماما في حاجه؟


نبيله بحنق

_ مانا عارفة انك في الشارع مانت خلاص بقيت تخصص شوارع. 


عمر بسخرية 

_ تسلمي يا ماما يا حبيبتي. في ايه كنتِ بتتصلي عايزة حاجه ؟ 


تبدلت لهجة نبيلة إلى الحنو المُصطنع حين قالت

_ ابني حبيبي وحشني قولت اتصل اقولك تيجي بدري بقالنا كتير مقعدناش مع بعض. 


انكمشت ملامح عمر بعدم تصديق تجلى في نبرته حين قال 

_ ابنك، و حبيبك ،و وحشتك! ماما أنتِ سخنة ولا ايه؟ دي تقريبا أعراض حمى أو شيخوخة.


نبيلة بتوبيخ

_ شيخوخة أما تشيخك. مين دي اللي عندها شيخوخة ؟ انا لسه في عز شبابي يا واد.


عمر بتهكم

_ ايوا كدا ارجعي أمي اللي اعرفها. انا كدا اطمنت عليكِ انك بخير. 


زفرت نبيلة بحنق قبل أن تتحدث بنفاذ صبر

_ قصر في الكلام يا عمر. انا عايزة اتكلم معاك في موضوع مهم. متتأخرش النهاردة. 


ما كاد أن يُجيبها حتى سمع صرخات استغاثة من حوله جعلت الهاتف يسقط من يديه و قام بالضغط على فرامل السيارة بقوة حتى لا يدعس تلك الفتاة التي لا يعلم من أين ظهرت ؟

ترجل من سيارته بسرعه و تجمهر المارة حول الفتاة التي من حسن حظها كان الاصطدام بسيط 

_ أنتِ كويسة؟ 


هكذا استفهم عمر بلهفة فحدجته الفتاة بغيظ تجلى في نبرتها حين أجابته

_ كنت هبقى كويسه لو حضرتك مخبطنيش! 


تفاجيء عمر كثيرًا من حديثها و نبرتها وخاصةً و أن السيارة بالكاد لمستها لذا تحدث بسخرية

_ لا أنا كدا اطمنت عليكِ. اطمن بقى على العربية اللي زمانها اتخضت لما شافتك طالعه في وشها.


تفرق المارة بعد أن اطمأنوا على جميلة التي قالت بحنق

_ أنت كمان بتهزر! 


عمر باستنكار

_ و مهزرش ليه ؟ عليا اقساط ولا حاجه؟ 


زفرت بحنق قبل أن تقول بتقريع

_ ما شاء الله و كمان ظريف! 


لم يكد يُجيبها حتى جاءهم صوت حاد من الخلف 

_ جميلة. 

التفت ناظرًا للصوت و معه الفتاة التي هرولت تجاه شقيقتها تقول بلهفة 

_ انا كنت جايه في الطريق والله بس غصب عني اتأخرت بسبب الأخ. 


اقتربت شروق منه قائلة بنبرة مُتزنة

_ حصل اي؟ 


كانت عينيه تطوف فوق ملامح تلك الفتاة الجميلة ذو الشعر الأسود الحالك السواد كليل طويل لا نجوم فيه يوازي ظلمته عينيها التان يُحيط بهم سياج من الرموش الكثيفة تظلل سماءها الواسعة، بملامح رقيقة يٌميزها فم يُشبه حبات التوت، لم تكُن جميلة بدرجة كبيرة ولكن يُحيط بملامحها هالة من البراءة التي جذبت أنظاره لثوان كانت كافية لجميلة لكي تقص عليها ما حدث فتوجهت بخطوات ثابتة الى حيث يقف بعد أن اطمأنت بأن شقيقتها بخير و قالت بنبرة هادئة تُشبِهُها 

_ انا بعتذر لحضرتك على أسلوب جميلة في الكلام هي بس مندفعة شويه. 


هتفت جميله بحنق 

_ مين دي اللي مندفعة ؟ و بالنسبة لأنه داخل زي القطر في وسط حارة مليانه بني أدمين ماشيين على رجليهم دا يتقال عليه اي؟ 


_ متهور! 


هكذا تحدث عمر بمرح مما جعل عينيها تتوسعان باندهاش فتابع حديثه الذي كان يحمل تقريع خفي

_ بس لأن حضرتك بتتكلمي بسبعين لسان مدتنيش الفرصة اني اعتذر. يبقى الغلط عند مين؟ 


أوشكت جميلة على الرد حتى أوقفتها شروق قائلة بجدية 

_ أيا كان الغلط عند مين خلاص الموضوع خلص. 


اُعجب بجديتها الجديدة كليًا عليه فحاول التصرف بسلاسه حين قال 

_ طب متعرفناش بقى اسمك ايه؟ 


باغتته حين قالت بنفس لهجتها دون أن تتغير ملامحها  

_ عن اذنك.


أنهت جملتها و التفتت تحاوط كتف شقيقتها و تغادر دون أن تفكر حتى بالالتفات إلى الوراء ليشعر بالحرج يغمره من تصرفها فأخذ يتلفت يمينًا و يسارًا قبل أن يقول بسخرية

_ الحمد لله اني جاي لوحدي، كان زماني طلعت على الفضائيات دلوقتي. الهيبة لسه مكانها يا واد يا عمر. 


أنهى جملته و توجه إلى سيارته فوجد هاتفه يرن فالتقطه مُجيبًا بنفاذ صبر

_ بيتكوا فين يا أبني ؟ انا كان هيتفرشلي الملاية من شويه. الله يخربيت دا مشوار.


أجابه ياسر على الطرف الآخر 

_ اوصفلي أنت فين بالظبط وانا هطلعلك. 


أخذ عمر يصف له المكان المتواجد به ليغلق الهاتف وهو يتوجه إلى الخارج يتمنى لو لا يلتقي بشقيقته حتى لا تُثير ذلك الموضوع الشائك مرة أخرى، ولحسن حظه فقد تحققت أمنيته، ولكن القدر له رأيًا آخر فحين كان يقود سيارته متوجهًا إلى حيث ينتظره عمر تفاجيء حين وجد سيارة ذلك الرجل الذي ظفر بامتلاك أثمن أمنياته في هذه الحياة وهو يتوجه إلى طريق تمنى لو سار به و لو كان مفروش بالجمرات. 

تنهيدة حارة شقت جوفه، و ابتسامة ساخرة غزت ملامحه وهو يتمنى لو يعود للخلف و يخبر شقيقته بأن لا تقلق فالزوج المُحِب جاء ليُراضي زوجته. 


في السابق كان ينعيها بالبكاء ولكن الآن أبى كبرياؤه عليه أن يفعلها فتحجرت الدماء في عينيه لتتفجر بهم شرايين الغضب فكان وكأنهم جمرتين من لُظى الجحيم. 

أوقف سيارته ليتوجه إلى عمر الذي كان يستند بجسده فوق مقدمة السيارة و يلهو بهاتفه و ما أن رأى ياسر حتى استقبله بحفاوة وهو يقول بشوق

_ ياسور. واحشني يا باشا. 


حاول ياسر تجاهل انين قلبه و عانقه بقوة وهو يقول بشوق

_ وانت كمان يا عمر. عامل ايه يا غالي؟ 


_ الحمد لله. طمني عليك أنت عامل ايه؟ 


ياسر بهدوء

_ في نعمة الحمد لله . 


أخذ الصديقان يتبادلان أطراف الحديث لبعض الوقت الى أن استفهم عمر قائلًا 

_ مفكرتش بردو تنزل الصعيد ؟ 


ياسر بتهكُم تشوبه المرارة

_ هنزل ليه ولمين؟ 


عمر بتفكير

_ مش لحد معين. بس دول أهلك بردو يا ياسر، و دي بلدك. انت اكتر حد فينا كنت مرتبط بيها و بجدي الله يرحمه. 


كان كما لو أن القدر اقسم أن يُذكره بجميع خيباته دفعة واحدة ليحاول قمع حزنه قدر الإمكان يستبدله بالجفاء الذي خالط لهجته حين قال

_ اديك قولت كنت. انما دلوقتي انا ابن المكان دا، و الناس دول هما أهلي. هما اللي كبروني و قدروني. انما اللي بتقول عليهم أهل دول أول ناس داسوا عليا وعلى ابويا الله يرحمه. 


لامس الحزن والخيبة في حديثه رغمًا عن محاولاته المستميتة في اخفائهم عنه، ولكنه كان هُناك وشاهد مدى الظلم الذي وقع عليهم لذا هتف بتساؤل

_ في سؤال محيرني اوي يا ياسر. ليه عمي ربيع محاولش يدافع عن نفسه و يبرأها من التهمة دي؟ 


أسوء ابتسامة يُمكن أن ترتسم على شفاه المرأ هي التي يسخر بها من حاله، و خاصةً حين تكُن البديل الوحيد أمامه لكي لا يبكي. 


أجابه بتهكُم مرير

_ انا نفسي مش فاهم ليه؟ و لا قادر اتخيل ايه اللي ممكن يخلي انسان يتهاون في تهمة زي دي و يقبل أنه يتحرم من حقه، و يتطرد من بلده مع ولاده ، ويتحكم عليه و عليهم مينزلوهاش تاني، و بردو مش فارقله! 


عمر بتعاطُف

_ يمكن عشان مكنش في دليل معاه! 


حرك رأسه في كلا الجهتين قبل أن يُجيبه بجمود

_ أو يمكن عشان مش فارقله حد من الناس دي. ابويا بعد موت أمي اتبدل. بقى واحد تاني. مش هقول أنه كان ملاك وهي عايشة. بس تقريبًا كدا والله و اعلم عرف قيمتها لما ماتت، و قرر يموت وراها، و نسي أصلًا أنه عنده ولاد.


حاول مواساته قائلًا

_ بس انت كنت راجل وقدها يا ياسر، و كمان هيام مسابتكوش لا أنت ولا يزيد، و كانت أم تانيه ليكوا.


ياسر بحنو يعرف طريقة دائمًا إلى لهجته ما أن يُذكر اسم شقيقته

_ هيام دي مفيش منها في الدنيا. انا كتير بقول لنفسي دا انت لو امك كانت عايشة مكنتش هتحبك قدها. 


عمر بتفكير

_ عارف الغريب في الموضوع أن رحيم من بعد موت مراته هدي كتير. تقريبًا مبقاش يجيب سيرة اللي حصل زمان. دا حتى لما عرف من خالد أننا بنتقابل كل فترة أنا وأنت وكمال سأل عليكوا و على هيام تحديدًا و قعد يحكي على ذكرياتهم سوى، و حكى قد ايه أنت كنت متعلق بالأرض و بتحبها. 


الضياع بعد الأمان من أسوء المشاعر التي قد يختبرها الإنسان في حياته. أن تستيقظ بيوم من الايام تجد نفسك غريب بلا وطن ولا مأوى، و أن تُجرد من كل ما تملكه دون أن تقترف إثمًا واحدًا يُمكٍن أن تُعلِق عليه خسارتك المريرة. 


زفر ياسر بحرقة قبل أن يقول بنبرة قاسية تُـشبه قسوة ما مر به

_ بقولك ايه قفل عالليلة دي، وقولي كنت عايزني في ايه؟ 


فطن إلى محاولته تغيير دفة الحديث فلم يُطل في الأمر ليقول بحماس

_ بص يا سيدي من غير لف ولا دوران . عمتي نسمة اتوفت و طلعت سايبه بنتين و أنا بدور عليهم. 


ياسر باندهاش

_ نعم! و أنت ايه اللي خلاك تفتكرها بعد كل السنين دي؟ 


_ الحقيقة أنا مفتكرتهاش ولا حاجه. جوزها اللي افتكرنا لما كان خلاص هيموت بعت جواب لجدتي بيوصيها عليهم وهي من وقتها حالتها صعبه هتتجنن و تشوفهم، و مكلفاني بالموضوع دا، و كلام بيني وبينك انا مهتمتش اوي. بس من فترة شوفت عمتو في الحلم و كانت زعلانه مني، و عشان كدا بدأت ادور فعلا، وقولت محدش هيفيدني غيرك في الموضوع دا. 


ياسر باستفهام

_ و اشمعنى انا ؟ 


عمر بتوضيح

_ عشان جوز عمتي قبل ما يموت ساب عنوانه في منطقة قريبة من هنا. بس للأسف على ما وصلنا الجواب و تيتا قرأته كان مات بقاله كام يوم و لما روحت العنوان الناس قالولي أن البنات عزلوا.


ياسر بتفكير 

_ طيب انت متعرفش اي معلومة عنهم تساعدنا واحنا بندور عليهم؟ 


عمر بيأس

_ للأسف معرفش غير عنوانهم القديم و اسمائهم و سنهم، و شكرًا. 


_ العفو ياخويا. هو دا اللي أنت عارفه! طيب ليه مكلمتش حد من اخوالك يجيبلك خبرهم في ساعة زمن؟


عمر بلهفة

_ لا اوعى. انا حالف يمين الكلام دا ما هيطلع لحد من الوتايدة نهائي.


ياسر باستفهام

_ و قولتلي ليه لما أنت حالف؟ 


عمر بتوضيح

_ لا ماهي جدتي تجاوزًا سمحتلي اقولك علشان عارفة أن أمي مش بتطيقك أصلًا، فأكيد مش هتقولها، وهو دا اللي يهمها ان أمي متعرفش. 


ناظره ياسر بحنق قبل أن يقول بجفاء

_ ماشي. هشوف وهقولك. 


عمر بلهفة 

_ يعني اعتمد عليك يا ياسر؟ 


ياسر بهدوء

_ ربك يصلح الحال. 


اللهم إني فوضت أمري إليك وتوكلت عليك فكن لي خير وكيل، ودبّر لي أمري فإني لا أُحسِن التدبير. اللهم اعصمنا من شر الفتن، وعافنا من جميع المحن، وأصلح منا ما ظهر وما بطن، ونقّ قلوبنا من الحقد والحسد، ولا تجعل علينا تباعة لأحد♥️


★★★★★★★★★


_ يرضيكِ اللي بنتك عملته دا يا صابرين؟ 


هكذا تحدثت عنايات بغضب حاولت اخفاءه تحت ستار العتب لتتحدث صابرين بحرج

_ لا طبعًا ميرضنيش بس غنى أكيد مكنش قصدها. 


تدخل رأفت بانفعال 

_ لا كان قصدها و إلا مكنتش هربت. 


تحمحمت صابرين قبل أن تقول بتلعثُم 

_ أص. أصلها طول عمرها بت ، بتخاف من النار. 


_ اومال ليه ياختي طلبت الطلاق؟ مش أنت بردك اللي روحت للحاج جابر الصياد و قولتله يتوسطلك عندنا عشان نطلق! 


مرزوق بتلعثُم 

_ لا . انا مقولتش كدا. دانا . دانا كنت عايزه يشوف يعني اذا كنا نحلها ودي. 


كانت تعلم أنهم يهابونها لذا تحدثت بنبرة متوعدة

_ يعني انتوا مش عايزين تطلقوا ؟ 


تبادل كُلًا من مرزوق و زوجته النظرات قبل أن تهتف الأخيرة بلهفة

_ لا يا شيخة تفي من بقك. طلاق ايه بس؟ 


_ بس انا عايزة أطلق. 


هكذا تحدثت غنى بعد ما تحققت أسوأ كوابيسها، فقد تراجع أبويها أمام طُغيان تلك المرأة ولكن أن خذلوها ذويها فلن تخذل نفسها، و ستخوض حربها ضد هذا العدوان و أن افنت عمرها وهي تقاوم


_ كدا يا غنى. أخس عليكِ. بقى دي أخرتها؟ أخرة العشرة ! عايزة تطلقي!

كان فم هذه المرأة يقطُر بالحديث المسموم الذي استنكرته غنى بكل ما أوتيت من قوة حين قالت بنبرة حادة

_ أيوا عايزة أطلق، ولو رجع بيا الزمن كنت موت نفسي ولا إني ادخل بيتكوا واعيش فيه لحظة واحدة. 


كانت نظراتها مصوبه كالرصاص تجاه غنى التي كان قلبها يرتجف كعصفور صغير يخشى هبوب العاصفة التي من شأنها أن تقتلع جناحيه، ولكن أما المقاومة حتى النجاة أو الاستبسال حتى الموت. 


هبت من مقعدها و توجهت إلى حيث تقف غنى لتقول بنبرة حادة كالسيف

_ و ايه اللي قلبك علينا كدا يا ست غنى؟ ما احنا كنا أهل وحبايب من كان يوم، ولا رياح الهوى لفحتك لما جيتي بلدكوا؟ 


انفعل مرزوق و هب من جلسته وهو يقول بحدة

_ معناه ايه الكلام دا يا حاجة؟  


فطنت إلى محاولتها في قلب الحقائق و طمس الحقائق خلف مزاعم حقيرة ستودي بها إلى التهلُكة لذا هتفت بانفعال 

_ معمركوش كنتوا حبايب. بس أنا اللي كنت عيلة صغيرة ومش فاهمة، ووو


قاطعتها عنايات بقوة انتفض لها جسد غنى 

_ و أيه يا غنى؟ و ايه كمان يا بت الأصول! بقينا دلوقتي وحشين؟ بقينا مش على هواكي؟ بقولكوا ايه سيبوني مع غني عايزة اتكلم معاها شويه لوحدينا! 


ارتعبت غنى من أن تنفرد بها تلك المرأة فاندفعت. تقول بانفعال

_ انا اللي عندي قولته، و مش هقول حاجه تاني، ولو عايزة تتكلمي معايا اتكلمي قدام الكل. 


أنهت جملتها و اندفعت تجلس بين والديها في محاولة جيدة للإحتماء بهم فالتمعت عيني عنايات بالشر الذي حاولت قمعه وهي تقول بنبرة عتب تخفي نواياها الدنيئة 

_ يا معلم مرزوق بنتك عاشت معانا سنتين لا عمرها غضبت ياخويا ولا عمرها جتلك دمعتها على خدها، و فجأة غدرت بينا و عملت الفيلم الهندي دا و جتلكوا تجري. روح شوف بنتك مالها ؟ و ايه اللي قلبها على جوزها اللي آنيها؟ أقعد معاها ياخويا و شوف فيها اي ؟ و أنا عشان بت أصول هسيبها تهدالها يومين كدا، و ابقوا كلموني لما تبقوا تعدلوها. 


أنهت جملتها و أشارت إلى رأفت الذي كانت تعرف تلك النظرات التي يحدجها بها جيدًا أنها نظرات تُخفي شيطان مريد يود لو يفتك بها كما كان يفعل في السابق. 


_ انا عايز اعرف في ايه بالظبط؟ كلام الست دي مش مريحني ولا أنتِ كلك على بعضك مريحاني.


هكذا تحدث مرزوق بغضب ما أن غادروا، فهبت غنى من مكانها تقول بصدمة

_ انت بتقول ايه يابابا؟ 


_ بقول اللي سمعتيه. بعد عملتك السودا والناس باقيين عليكِ، وجايين لحد عندك عشان يصلحوكي، و أنتِ عماله تتفرعني. مالك يا بت أنتِ فيكِ ايه ؟ لا يكون الواد دا رجع شاغلك تاني ؟ 


رجفة قويه ضربت سائر جسدها ليس من مجرد الإشارة إليه في حديث مُبطن، ولكن لأنه لولاه لما كانت في هذه الحالة! لولا طعنة الغدر التي تلقتها على يديه لما كانت ستتذوق كل هذا العذاب الذي جعلها تنتفض في جلستها لتقرر الهرب من كل تلك الأوجاع التي تهاجمها بشراسة وهي تقول بانفعال 

_ حرام عليكوا سيبوني بقى، و ارحموني. 


_ اقفي عندك يا بت أنتِ أنا بكلمك، و قوليلي في ايه؟ 


من كل قلبها تتمنى لو تخبره، ولكنها تعلم بأنه لم يصدقها أحد بل و سوف تفتح على نفسها أبواب الجحيم الذي لم تقدر على ردعها لذا قالت بتعب

_ مفيش. الست دي مفترية وابنها ماشي وراها، وأنا مش قادرة اتحمل اكتر من كدا.


تدخلت صابرين مُستفهمة

_ طيب ولو هي مفترية هتجيلك لحد عندك ليه و تحاول تصالحك واحدة غيرها كانت قالت تروح في داهيه. 


زفر مرزوق قبل أن يقول بعصبية

_ انا مش فاهم حاجه، و مشيت وراكي زي العيل الصغير بس لما ألاقي الناس شاريينك، وجاينلك لحد عندك يبقى لا. نقعد كدا و تحكيلي في اي؟


كانت المواجهة تفوق شجاعتها بكثير و قلة الحيلة تُدمي قلبها الذي لا يعرف أي طريق عليه أن يسلك حتى يهرُب من ظلم أولئك الطُغاة؟ 


كان صمتها يُدينها في نظر أُناس لا يتعاملون مع القلوب و ما تشعر به بل مع الأفعال و ما ينتُج عنها لذا تحدث مرزوق بحسم

_ كدا يبقى نديلك فرصة تفكري، وانا بكرة هكلم المعلم جابر و أقوله أن الموضوع اتحل بيننا خلاص. 


سقطت جملته على قلبها كالسوط الذي جعلها تنتفض صارخة

_ لا. ابوس ايدك لا. انا كرهت الناس دي و مش عايزة اعيش معاهم. حرام عليك. متعملش فيا كدا. 


رق قلبه لحالها كثيرًا ولكنها لا تُعطيه أي حُجة لقرارها وهذا يُضعف من موقفها أمامه. 

تدخلت صابرين التي قالت بحسرة

_ والله دي عين وصابتك يا بتي. استكتروا عليكِ الهنا اللي أنتِ عايشة فيه. منهم لله البُعدا. 


عند هذه اللحظة لم تحتمل كل ما يحدُث، فاندفعت إلى غرفتها و جلبت عبائتها السوداء و ذلك الوشاح الذي وضعته فوق رأسها لتتوجه إلى باب البيت فاستوقفها صوت والدها الغاضب

_ راحة فين يا بت أنتِ ؟ 


غنى بنفاذ صبر

_ راحة عند خالتي رضا. لو قعدت هنا أكتر من كدا هتخنق و أموت. 


حين أوشك أن يوقفها قاطعته صابرين التي قالت بلهفة

_ سيبها تخرج، و تعالى أما اقولك.


اقترب منها مرزوق قائلًا بحدة

_ عايزة ايه أنتِ كمان؟ 


صابرين بنبرة خافتة 

_ بتك مش مظبوطة ولازم نكشف عنها.


مرزوق بعدم فهم

_ نكشف عنها ازاي ؟ نوديها لدكتور يعني؟ 


صابرين بلهفة

_ دكتور ايه و نيلة ايه؟ نوديها لشيخ يكشف عنها و يفتحلها الكتاب بنتك معمولها عمل و مسقية لما شبعانه


مرزوق بصدمة

_ بتقولي ايه يا ولية أنتِ؟ أنتِ اتجننتي ولا ايه؟ مسقية ايه و معمولها اي؟ 


صابرين باندفاع

_ اومال فكرك القلبة دي تيجي من الباب للطاق كدا؟ لااااه دي أعمال ولاد الأبالسة. حسبي الله فيهم. بس أنا مش هسيب بنتي تخرب بيتها لااا. انا هروح و اخلي الشيخ يكشف عنها و يفكلها البلا دا. 


مرزوق باقتناع

_ تفتكري يكون حاجه وحشة و تتصرف والبت تعقل و ترجع بيت جوزها ؟ 


صابرين بتأكيد 

_ إلا أفتكر، اقطع دراعي ان ما كانوا اللي ميتسموش سلايف عنايات عاملين للبت و سقينها. اومال عنايات صابرة عليها ليه؟ عشان عارفه انها مش مظبوطة، وموضوع الخلفة كمان. لا دانا مش هسكت. من بكرة هشوف شيخ يحللنا الموضوع، وأنت ابقى روح لجابر دا قوله متشكرين. بنتنا اتصلحت. 


اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، والبُخْلِ وَالهَرم، وعَذَاب الْقَبْر، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ ولِيُّهَا وَموْلاَهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلمٍ لا يَنْفَعُ، ومِنْ قَلْبٍ لاَ يخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشبَعُ، ومِنْ دَعْوةٍ لا يُسْتجابُ لهَا♥️


★★★★★★★★


كانت تُحيط جسدها بالعباءة و تلقي بالوشاح فوق رأسها بإهمال فقد كانت في وادٍ آخر تريد الهروب أبعد ما تأخذها خطاها ولكن قدماها مُكبلة تريد الفكاك و النجاة من ذلك الوحل الذي أن غرقت به ثانيةً، فلن تستطِع الهرب مرة أخرى. 


كانت غارقة في تفكيرها وهي تأخذ المنحنى الذي سيوصلها إلى بيت خالتها بنفس الوقت الذي كانت تلك السيارة تسير في الاتجاه المُعاكس، و إذا بها تنتفض في مكانها حين سطعت أنوار السيارة في عينيها لتتوقف واضعة يديها فوق خدها لتتوقف السيارة بنفس اللحظة قبل أن تدهسها ويترجل منها ياسر الذي تجمدت الدماء بعروقه وهو يشاهدها تقف أمامه وجهًا لوجه لأول مرة منذ أكثر من سنتين. 

صدمة اجتاحت معالم الاثنين فتوقفت يدها في الهواء و توقفت قدمه على عتبة السيارة ولا يزال مُمسِكًا بالباب لتمر ثوان و هما يقفان على بعد سنتيمترات قليلة احتشدت بها كم هائل من المشاعر شوق، ولهفة، و حنين من ثم انصبت كل هذه المشاعر في بوتقة الغضب الكبير من جانب ياسر الذي استطاع فك أسر تلك اللحظة ليعود إلى سيارته مُغلقًا بابها بعُنف ينتظر أن تتنحى من أمامه حتى يمُر و تمُر تلك اللحظات بكل ما تحمل من مشاعر ظن أنها ماتت بداخله، و الحقيقة أنه للحظة كاد أن يجذبها من خصلاتها المُتمردة لغرسها بجانب صدره حتى يستكين و يهدأ ولو قليلًا، ولكنها على عكسه لازالت تحت تأثير الصدمة لم تستفق بعد فظلت جامدة بمكانها عينيها تخاطبه بصمت فقد كانت أضواء السيارة تظهر ملامحها بوضوح، وقد كان هذا تحدي قاسٍ لثباته، فقد ظن بأنه تجاوزها او هكذا كان يقنع نفسه، ولكن الآن فقد تعرى أمامه ذاته و علِم بأن ظنه هذا ماهو إلا مزحة سخيفة فهو يمنع نفسه بصعوبة من الترجل من سيارته و معانقتها حتى تئن عظامها طالبة للرحمة، وهنا يأتي دور الكبرياء الذي كان بمثابة المُنقذ له، فقد استيقظ من غفوة الشوق التي جرفته و جعله يستنكر ما يحدُث ليقوم بالضغط بقوة على زامور السيارة مما جعل جسدها يرتجف و تراجعت للخلف لتمر السيارة بجانبها دون أن يُعيرها أي اهتمام، فتهدلت أكتافها، و تناثرت دماء عينيها و أخذت دقاتها تصرُخ احتجاجًا على كل ما يحدُث لتشعُر بأن أقدامها تتحول الى هُلام قد يخونها في أي لحظة، ولكن فجأة أحاطت بها ذراعين حنونتين تعرفهمَ جيدًا فارتمت بكامل ثقلها بين أحضان أسيا التي هتفت بلهفة

_ غنى! 


_ اسنديني علشان ادخل جوا. مش عايزة اقع قدام حد.


هكذا همست بخفوت فهتفت أسيا بلهفة

_ بعد الشر عنك يا حبيبتي. تعالي معايا. 


تأبطت ذراع أسيا، و توجهت معها للداخل و لكن قبل ان تدلف من باب البيت لم تستطِع أن تمنع نفسها من إلقاء نظرة إلى الخلف، فلم تجد أحد لتُصاب بخيبة أمل استنكرها عقلها، فهل تنتظر من قاتلها أن يُلقي عليها نظرة وداع؟ ، والحقيقة أنه هو الآخر لم يستطِع منع نفسه من اختلاس نظرة أخيرة عليها ليتفاجيء حين التفت إلى الخلف فقد كان الظلام يعُم المكان، فلم تلحظ ذلك الظل الذي ترك سيارته في شارع جانبي، و توقف يراقبها من بعيد مُستسلمًا لألمه وشوقه و غضبه بسبب كليهما.


_ عاملة ايه يا غنى ؟ أنتِ هنا من امتى؟ 


هكذا تحدثت أسيا فأجابتها غنى بخفوت

_ جيت النهاردة الصبح. 


أسيا باستفهام

_ وانا معرفش؟ طب ليه مقولتليش انك جاية ؟ مانا مكلماكي امبارح مقولتيش حاجة. 


غنى بأسى 

_ مانا مكنتش اعرف ان انا جاية. 


_ مالك يا غنى حصل ايه ؟ 


لم تستطِع منع عبراتها من الأنهمار بيأس فوق وجنتيها لتتعالى شهقات بكائها مما جعل أسيا تحتضنها بقوة وهي تقول بلهفة

_ مالك يا حبيبتي فيكِ اية؟


_ تعبانه اوي يا أسيا. 


أسيا بخفوت

_ كل دا عشان شوفتيه يا غنى ؟


تماوجت نظراتها بين القبول و الرفض لتحاول تغيير الموضوع قائلة

_ أنتِ عرفتي منين أن انا برة ؟ ولا ماما قالتلكوا اني جاية؟ 


_ لا. انا كنت تحت عند ضي و خالتو بدرية، و ماما قالتلي اتأكدي أن البوابة مقفولة قبل ما تطلعي فروحت أتأكد لقيتك جاية ووو


قاطعتها غنى تحاول عدم التطرُق إلى ذكر اسمه

_ ما علينا. قوليلي أنتِ عاملة ايه ؟ 


_ كويسة. بس أحنا مش بنتكلم عني. انا عايزة اعرف مالك و هربتي من القفص ازاي؟ 


ابتسامة ساخرة لونت ملامحها على تلك الكلمة التي دائمًا ترددها أسيا على مسامعها بأن بيتها ماهو الا قفص تُحتجز به. 


أطلقت زفرة متعبة قبل أن تقول بأسى

_ مش مهم هربت ازاي ؟ المهم اني قدرت اهرب، و مش ناوية ارجع هناك تاني.


أسيا بلهفة

_ بتتكلمي بجد يا غنى ؟ نويتي تطلقي ولا اي؟ 


غنى بتصميم 

_ نويت. 


تبدلت نظراتها و كذلك لهجتها قبل أن تُتابع قائلة

_ أسيا كنت عايزة منك خدمة ضروري. 


تحدثت أسيا بلهفة 

_ اؤمر يا صديقي 


اللهم يا سميع يا بصير يا من هو على كل شيء قدير يا من كان نعم المجيب لنوح لما دعاه يا ذا الجلال اللهم حقق امنياتى وبارك اللهم فيها، يا مسبب الأسباب يا مفتح الأبواب يا مجيب الدعوات يا قابل الحاجات يا سامع الأصوات♥️


★★★★★★★★★


كان الصباح مُغبرًا يُشبه ملامحه و صوته الذي كان كريهًا على أذنيها حين استمعت إليه 

_ ايه يا ست هانم ؟ الولد ماله وايه اللي خلاه تعب بالشكل دا؟ 


هكذا تحدث صارخًا فأجابته بجفاء

_ معرفش ايه اللي خلاه تعب؟ يمكن برد ولا حاجه 


أمين بتهكُهم

_ متعرفيش! طبعًا وأنتِ عندك وقت تشوفي فيه ولادك مالهم ؟ أنتِ مش فاضية غير في التمثليات الفاشلة. 


أشجان بصدمة 

_ تمثيليات أيه؟ انا مش فاهمة ؟ 


أمين باحتقار

_ اقصد الفليم الهابط اللي عملتيه النهاردة الصبح، و امك اللي جت منعرفش جاية ليه ولا عرفت منين؟ و لقيناها طابة علينا؟ كل دي أفلام من تأليفكوا و فاكرين ان الناس مش فهماها! 


أشجان باندهاش

_ ايه الكلام اللي أنت بتقوله دا؟ 


أمين بنفاذ صبر 

_ أنتِ بني أدمة غبية و فهمك على قدك. قرفتيني. 


هتفت بألم

_ انا عملت فيك ايه؟ 


جاءت فرصته ليُفتت بقايا ثقتها بنفسها و بقدراتها

_ أنتِ مبتعمليش حاجه صح اصلًا تتحسبلك. حتى ولاك يا هانم مش عارفة تهتمي بيهم؟ أنتِ تنفعي أم أنتِ؟ 


انتفض جسدها من فرط الغضب و حاولت الدفاع عن نفسها أمام تلك التهمة البشعة إذ قالت بانفعال

_ انا عمري ما قصرت في ولادي أبدًا. 


تجبر على ضعفها و هتف بقسوة قاصدًا كل حرف يتفوه به

_ ولادك دول خسارة فيكِ. انا هنزل الولاد يقعدوا مع ستهم تحت تهتم بيهم و تخلي بالها منهم.


انتفض قلبها ذُعرًا و هتفت بلوعة

_ انت بتقول ايه؟ ولادي لا يمكن يبعدوا عني خطوة واحدة. 


أمين باحتقار

_ اومال عيزاني أسيبهملك عشان تضيعيهملي بإهمالك و قلة مسئوليتك. 


تعرف أن توسلها أكثر ما يشتهيه و لأجل أولادها قد تفعل المستحيل لذا اقتربت تمسك بيده وهي تقول بتوسل

_ عشان خاطري يا أمين وحياة اغلى حاجه عندك. سيب ولادي في حضني وانا اوعدك اني هكونلهم خدامة، ومش هقصر فيهم أبدًا.


رغبة جشعة تملكته نحوها في تلك اللحظة، ولكن غروره المريض يأبى أن يُعبر عنها لذا تابع الدعس بقدمه فوق جرحها حين قال

_ أنتِ مفيش حاجه مش مقصرة فيها. 


تجاهلت عذابها وحرقة قلبها وقالت بتوسل

_ قولي ايه اللي أنا مقصرة فيه وأنا هعمل كل اللي انت عايزه.


يجاهد حتى لا يضعف أمامها فهو يُريدها بكل جوارحه ولكنه أيضًا يُريدها خاضعة له تتذلل لكي تُرضيه فهو أكبر من أن يسألها عن ما يُريد هكذا يصور له غروره المريض

_ للأسف أنتِ عمرك ما تعرفي تعملي اللي انا عايزه.


لا تعلم كم عدد المرات التي شاهدت قلبها يتناثر إلى أشلاء امام عينيها ؟ كم عدد المرات التي جردها هذا الرجل من كرامتها؟ و لكنها كعادتها مُجبرة لذا هتفت بصوت كان نشيجًا

_ طب اديني فرصة أحاول. يمكن اعرف ارضيك. 


وصل إلى النقطة التي يبتغيها لذا تصنع التفكير و قال بتبرُم

_ هنشوف. 


أنهى جملته و انقض عليها يحاول انتزاع كل ما لا يستحقه. يروي غليل شوقه ورغبته منها دون النظر إلى كونها راغبة أو لا. 

أخيرًا انتهى عذابها لينهض عنها دون أن يُكلف نفسه عناء النظر إلى تلك الشاة المذبوح قلبها و المطعونة كرامتها و المسلوبة حقها في كل ماهو جيد من تلك الحياة. 

نقطة واحدة كانت تفصل بينها وبين الجنون لو لم يُلهمها قلبها باللجوء إلى من لا يغفل ولا ينام لتنهض متوجهة إلى المرحاض تقف أسفل المياة التي اختلطت بدموعها تود أن تُذيل قذارة ما علق بها من رائحة رجُل تمقت ذرات الهواء التي تجمعها به.


أخيرًا انتهت لترتدي ملابسها و تتوجه إلى الخارج لتلتقط ثوب الصلاة و تشرع في تأديتها، فهي الدواء لقلبٍ تفشت به جميع العلل و نفض الأطباء أيديهم عنه.

كان فؤادها يحترق بكمد غير قادرة على تحمله لتخرج الكلمات من أعماق قلبها 

_ اللهم ان احد عبادك اظهر قوته علي فأرني عجائب قدرتك فيه انك حسبي و وكيلي يا ارحم الراحمين " 


أنهت صلاتها و توجهت إلى غرفة ابنائها تحتضن كليهما وهي تتوسل إلى الله أن لا يُبعدها عنهم أبدًا و أن يأتي ذلك الطوفان الذي سيطيح بهذا الطاغية الذي سمعت صوته المقيت وهو يقول في الهاتف

_ استنيني النهاردة انا جايلك .


اللهم إني أسألك فرجًا قريبًا، وصبرًا جميلًا، ورزقًا واسعًا، والعافية من البلايا، وشكر العافية والشكر عليها، وأسألك الغنى من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، اللهم إني أسألك بحق السائلين، وبأسمائك العظمى والحسنى أن تكفني شر ماأخاف وأحذر فإنك تكفي ذلك الأمر.♥️


★★★★★★★★


في اليوم الثاني تجمعت العائلة حول الطاولة ماعداه فكانت هيام في حالة من القلق جعلت أنفاسها مسموعة مما جعل الجميع يُلاحظ ليتدخل يزيد قائلًا بجمود

_ هو تقريبًا النهار مجاش عندك ولا ايه؟ قافلة وشك ليه عالصبح؟


هيام بحنق 

_ ياريت تفطر وانت ساكت. 


يزيد بسخرية 

_ بقولك ايه؟ ما أنتِ لو لقياني قدام باب جامع عرفيني. انا كدا كدا ناوي اتبرى منكوا، فمش حوار يعني.  


هيام بسخط

_ للأسف لا. امك الله يرحمها عقلها خف على كبر و قررت تبليني بيك. 


صحح يزيد حديثها قائلًا


_ قصدك تهاديكي بيا، و دا لأن انا نابغة. 


هيام بحنق

_ طب قولي يا سي نابغة متكلمتش بردو مع اخوك ؟ 


هنا تدخل جابر قائلًا بملل 

_ ريحي نفسك يا هيام. الموضوع اتفض خلاص. 


هيام بلهفة

_ تقصد ايه ؟ 


جابر بنفاذ صبر

_ يعني ابوها قابلني في صلاة الفجر وقالي أن الموضوع اتحل بينهم و انها خلاص راجعة لجوزها. 


في هذه الأثناء كان يهبط الدرج لتخترق تلك الجملة صدره، ولكن القدر لم يكتفي منه بعد، فقد تفاجيء بأحد الخدم يدلف إلى داخل المنزل وهو يقول

_ يا معلم جابر. في واحدة عايزة تقابلك. 


تقدم جابر و خلف هيام ليتسمر الجميع في مكانه حين شاهدوا.

الفصل السادس من هنا


تعليقات



×