رواية انت لي والا الفصل السادس
عادت الشمس إلى مهدها بعد يوم مليء بالحزن والفراق، كان ينظر بعينيه الحزينتين إلى الفراغ، دمعت عيناه حزنا عندما تذكر كيف وضعها بيديه في قبرها ليواريها الثرى، شعر بمرارة بحلقه كانت كالعلقم، لم يعرف قيمتها إلا عندما فقدها، تذكر طفلته التي لم يكتب الله لها رؤية والدتها، مسح دمعة خائنة عندما وجد يد توضع على كتفه، رفع رأسه ليجده ابن عمه الصغير، لا حظ حزنه الشديد عليها، فكانت أقرب إليه من الجميع، خفض رأسه للأسفل لتهطل دموعه تباعا لفراقها، أخذه بين أحضانه لينهار باكيا، وكأن كلا منهما يشكي حزنه للآخر، تمالك ذاته سريعا
مراد: ادعي لها يا "حمزة" ربنا يرحمها
ازداد بكاءه ليتحدث من بين شهقاته
حمزة: هتوحشني اوي يا أبيه، "نور" كانت طيبة اوي هو ربنا بياخد الطيبين ليه
نهره ببساطة مترأفًا بحاله يحدثه بعقلانية
مراد: إحنا كلنا أمانة ربنا على الأرض يا "حمزة" وبعدين انتَ لما بتختار حاجة معينة أكيد بتختار أحلى حاجة، وربنا سبحانه وتعالى عارف إيه الحلو والطيب اللي جوانا، بيختار أحسن ناس فينا
نظر نحوه بعيون مليئة بالدموع
حمزة: انا مش عارف إيه اللي حصل، ماما قالت إنها هتكون كويسة، طيب و "نوران" هتفضل كدة يا أبيه دي مش مبطلة عياط
نظر نحوه بيأس لا يدري ماذا يجب عليه فعله، نهض وأخذه معه متجهين لرؤية الصغيرة
مراد: تعالى نروح نشوفها ونطمن عليها
نهض معه مؤيدا
حمزة: حاضر
دقائق وكانا يقفان بالغرفة يطمئنا عليها، حملها والدها بين يديه ليشعر بالحنين تجاهها، قلبه ينبض بالحب لتلك الصغيرة التي حرمت من حنان والدتها مبكرا، أقبل يقبل يدها وهي بين أحضان والدها
حمزة: جميلة يا أبيه، سكتت لما شيلتها
تحدثت والدته بحزن لحاله
حياة: حاسة بحب أبوها وحنيته يا "حمزة"
رفع رأسه لزوجة عمه ليعلم ما يؤلم قلبها، ففقدانها لابنتها الرضيعة التي فقدت منذ عشرون عاما، وكذلك فقدانه لشقيقه الأكبر، تنهد بأسي لحالهم ليجلس والصغيرة مستكينة بين أحضانه، عقله يدور ويدور ولا يجد الراحة
★————★
يسير مع رفيقه بين الطرقات، الغضب يتملك كل خلية من جسده، يبث سمه في أذنيه كالشيطان الرجيم، ومع كل كلمة يزداد غضبه ويتعاظم، يشعر بأن الدماء الساخنة تنبعث في شرايينه كالنيران، كيف لها أن ترفض حبه بهذه الطريقة; بعدما ساعدها ووقف لجوارها
ليكمل بث سمومه في أذنيه
إياد: لا بس هي كدة كانت بتخدعك يا معلم، يعني إيه صحاب والكلام ده، هو في ولد وبنت صحاب وبس
أجابه وهو يسير ينظر أمامه بشرود
شريف: أنا كلمتها وصارحتها بحبي ليها، بس رد فعلها كان غريب، وبعدين حتى لو رفضت مش مهم
نظر نحوه بابتسامة خبيثة فيبدوا أنه قد وصل لمرحلة لا رجوع منها، فكما رفضته سابقًا لن يجعلها تهنأ، فلم ينسى كيف صارحها بإعجابه بها هو الآخر لترفضه رفضا قاطعا
إياد: يعني يا "شريف" إنتَ مش هتسيبها وخلاص وتفكك منها
نظر له بنظرة شرسة شعر أنه كمهووس فقد عقله
شريف: أسيبها أنتَ بتخرف بتقول إيه، "رهف" دي بتاعتي مش بعد محبيتها كل الحب ده تقول لي اسيبها وخلاص، هي بتاعتي وبس ولو مكانتش ليا مش هتكون لغيري
نظر نحوه بهلع انبعث من عينيه، فحالته هذه ليست طبيعية، أيعقل أنه مهووس بها لهذه الدرجة، فحالته ليست طبيعية، شعر بالخوف منه ومن حالته غير الطبيعية، شعر بالخطر منه
إياد: اهدي يا زعامة كدة الحكاية مش مستاهلة كل ده، فيها إيه يعني سيبها في حالها وخلاص، متعلقش دماغك بيها
نظر نحوه بغضب أعمى، حتى احمرت عيناه من شدة الغضب
شريف: انتَ اللي جاي دلوقت تقول لي معلقش دماغي بيها، مش انتَ اللي فضلت تقول لي إنها جميلة وشكلها هي كمان بتحبني، ولما اتعلقت بيها وحبيتها تقول اسيبها، أنا مش هقدر اسيبها، "رهف" دي بتاعتي ملكي، ومش هسيبها مهما حصل انتَ سامع ولو حد فكر يقرب لها هقتله، حتى لو كنت انتَ
وتركه وغادر بغضب يعصف بقلبه وعقله، ليشعر أنه على شفا الانهيار، وحالته غيرطبيعية، فرفضه فكرة رفضه من خلالها جعله يصاب بالهوس
★—————★
وضع عقب السيجارة في فمه، يسحب منها أنفاسًا متلاحقة بانتشاء، ينظر نحو المنزل القابع أمامه بنظرات غريبة، يشعر برغبة كبيرة في امتلاك هذه الملاك، فعينيها ذات لون العسل الصافي كفيلة أن ترسل سهامها نحو قلبه، تنبع البراءة من عينيها كالطفل الصغير،
نقل بصره لرفيقه الجالس لجواره يشاركه جميع أفعاله الشيطانية
عابد: قول لي يا "سيكا" عملت ايه في الموضوع اياه اللي قلت لك عليه
نظر له ينفس دخان القنينة التي بيده لترسم سحابة من الدخان السام حولهم
سيكا: لسة بدعبس وراهم; بس الراحل ده موته عطل حاجات كتير، شكله مستحملش الكلام اللي انت قلته، طلع قلبه دعيف
اختتم حديثه بأسلوب ساخر، أعقبه صوت ضحكاتهم التي اختلطت بسحابة الدخان من حولهم،
شاركه حالة الاستهزاء
عابد: مكنتش مصدق إنه هيودع بدري، بس أحسن حاجة عملها، ده الناس اللي واخد منهم عيالهم لما يظهروا كانوا هيحبسوه، انا دلوقت اللي يهمني هو ست الحسن والدلال "حور"
نظر له ليتشدق بحديثه مستبيحًا الغوص في عرض فتاة ليس لها من الأمر شيء
سيكا: بس تصدق عندك حق البت حتة إنما إيه طلقة، بس فكرك أخوها هيرضى بيك يا مَعْلمة، ده واد قفل، ومش هيخليك تهوب ناحية أخته
عاد ببصره للأمام ينفخ دخانا كثيفا من فمه
عابد: عابد يسمح ولا ميسمحش مهو لو موافقش بمزاجه هيكون غصب عنه، عابد لما يعوز حاجة لازم ياخدها
وكأنه ارتضاها لنفسه عنوة، ليس من حقها الرفض، ليأكد الآخر إعجابه بحديثه
سيكا: ايوة كدة يا مَعْلمة نرجع للساحة، ومتقلقش انا هكل عَث ورا تاريخ المرحوم ومش ههمد إلا لما اعتر على كل الليلة
★—————★
تسللت أشعة الشمس بخيوطها الذهبية، تبدد ظلمة الليل وتنير الكون بضيائها، فتحت عيناها الذهبية ببطء تستقبل أشعة الشمس التي تماثل عينيها، جاهدت حتى استطاعت فتحهما فلم يزر الوَسَنُ جفنيها إلا بعد منتصف الليل، تحركت بتؤدة تهبط من على الفراش، اتجهت نحو دورة المياه توضأت حتى تؤدي فرضها انتهت من أداء فرضها الذي فاتها دونما إرادة منها، نهضت ترى شقيقها وبعد طرقات على باب غرفته أتاها صوته، يأذن لها بالدخول
محمد: أدخلي يا "حور"
تفاجأت به يرتدي ثيابه كاملة يستعد للخروج، تعجبت من حالته فمظهره كأنه لم يذر النوم جفنيه، علامات القلق واضحة على وجهه، انتابها القلق
حور: انت هتخرج يا أبيه وانتَ تعبان كدة، شكلك منمتش خالص
أجابها وهو يرتدي حذائه، يستعد للذهاب لعمله، فهم في أمس الحاجة إليه، لن يستطيع الإهمال فيه من أجل أن يستطيع رعاية شقيقته، حتى يحدث الله بعد ذلك أمرا.
محمد: أنا فعلا منمتش نهائي طول الليل صاحي; بس لازم اروح الشغل يا "حور" أنا مصدقت لقيت شغل زيه، وبعدين وضعنا دلوقت ميسمحش إني أسيب الشغل
تلألأ الدمع في عينيها وهي تصدق بحديثه; لكنها تذكرت أمرا توارد لذهنها
حور: هو انت تعرف والد "روح" يا أبيه، هو فعلا مدير الشركة اللي انتَ بتشتغل فيها
أجابها وهو ينهض ويقف أمامها داخله الكثير والكثير من الأسئلة التي تطل من عينيه ويصيغها قلبه
محمد: أيوة هو، بس انتِ تعرفي "روح" كويس يا "حور" ووالدتها كمان شكلها بتحبك جدا
نظرت لشقيقها بعيون طغى عليها الحنين، تشعر بحنانها وكأنها والدتها التي حرمت منها، لا تدري لما تشعر بهذا
حور: أيوة عارفاهم كويس بس أول مرة أقابل والدها كان امبارح; لكن الدكتورة "حياة" عارفاها كويس كانت بتوصل "روح" دايما الجامعة وكانت بتتكلم معانا على طول، عارف يا أبيه بحسها بتعاملني بحب وحنية زي "روح" بالضبط، يمكن عشان اتحرمت من حنان أمي بحس بده
ركز نظراته على عينيها الذهبية التي احمرت من البكاء، عقله يخبره أن يخبرها بالحقيقة، وقلبن يمنعه من ذلك فحالتها لن تحتمل الصدمة.
محمد: هما ناس محترمين ومتواضعين جدا، حتى في معاملاتهم معانا في الشغل، المهم أنا نازل خلي بالك من نفسك، وكلمي "رهف" تيجي تقعد معاك شوية على ما اجي، يمكن اتأخر شوية هروح أعزي البشمهندس "مصطفى" عارفة وقفوا معانا زي أهلنا وأكتر
تحدث بأسى وهو يختم جملته، لتشعر بحزنه على فراق والدها
حور: أنا كمان حسيتهم زي أهلي، لو هتروح على طول كنت جيت معاك، بس أنا مش هقدر هتصل ب
قطع حديثها رنين هاتفها باسم رفيقتها التي كان اسمها على طرف لسانها، نظرت لهاتفها بابتسامة مخضبة بالدموع، رفعت عيناها لشقيقها ليعلم سبب حالتها
محمد: ردي عليها ومتنسيش تعزيها، أنا نازل، في حفظ الله
تركها وغادر لتجيب عليها بدموع غزيرة، علم أنها بحاجة لها ليتركها ويغادر، هبط درجات السلم بهدوء، لم يلحظ هذا الذئب المتربص، ينتظر خروجه
★—————★
ارتدى ثيابه على عجل، بنطالا من الچينس الأسود وقميص أسود اللون، أراد الذهاب لزيارة زوجته المتوفاة، هبط الدرج في وقار يميزه وجد عائلته جميعًا مجتمعين على طاولة الإفطار، وجد مقعدها فارغا من وجودها، تنهد بثقل واقترب من مجلسهم وجد طفلته تبكي في أحضان والدته، اقترب منها يأخذها بين أحضانه ينظر لوجهها البريء، عندما اقترب بوجهه منها استكانت الصغيرة لتأخذ طعامها في سكون غريب،
نظر "حمزة" نحوه بحزن يسأله
-انا عاوز اجي معاك المقابر يا أبيه، عاوز ازور" نور"
نظرت له والدته بأسى فهي تعلم تعلقه الشديد بها، فقررت الذهاب معهما
حياة: انا جاية معاك أنا و "روح" يا "مراد" وبالمرة توصلنا بعدها نطمن على "حور"
أماء برأسه موافقا ولا زال نظره معلقا بطفلته التي استكانت بين يديه وخلدت للنوم
مراد: حاضر، اجهزوا انتم ويلا نتحرك، وخلوا "روح" تنجز عشان منتأخرش
حياة: هي بتكلم "حور" وهنتحرك على طول
تحدثت والدته بحزن شديد
ناهد: كان نفسي اجي معاكم; بس مش هينفع اسيب "نوران" لوحدها
مراد: لا يا ماما خليكي انت مش هينفع نسيب "نوران" لوحدها
نظر له والده وعمه بحزن لحالته، يريدان الإفصاح عما في جعبتهما، تنقلا النظرات فيما بينهما في صمت، لاحظ توترهما
مراد: بابا وعمي إذا كان عندكم وقت محتاجكم دقيقة في اوضة المكتب
وكأنهما وجدا سبيلا للنجاة لينهضا خلفه، وعندما أغلقت الأبوات، همّ كلا منهم يبوح بما يموج في قلبه
محمود: انا كنت قلت لك اللي حصل زمان يا "مراد" وقلت لك اسماء الناس اللي شاكين فيهم، بس امبارح حصلت حاجة غريبة
قاطعه قائلا
مراد: حضرتك قلت لي انك شاكك في أهل البنت زميلة "روح"
قاطعه عمه بسيل معلومات قد اكتشفها أمس
مصطفى: "مراد" امبارح وانا معاهم اكتشفت ان ابن الراجل ده بيشتغل عندنا في الشركة، وحصل موقف قدامي وعرضت عليه مساعدة اني أخلص له باقي إجراءات المستشفى، ومن شهادة الوفاة دي
مد يده بها إليه
عرفت واتأكدت انه هو نفسه "كارم" اللي كان شغال عندنا من عشرين سنة
نظر في الورقة بين يديه ليتحدث دون رفع رأسه
مراد: انتوا متأكدين انه هو
محمود: أيوة هو يا ابنِ، بس هنتأكد ازاي، ولا هنعرف ولادنا فين
اقترب منه يتمسك بيده برجاء
-أنا عارف إنك موجوع، بس غصب عننا يا "مراد" الكيل فاض يا ابن، نطمن بس لو عايشين أو ميتين بس نرتاح
تنهد وهو يتحدث بأسى لا يظهره أمام أحد
مصطفى: هما ماتوا وارتاحوا واحنا قلوبنا بتتقطع لحد دلوقت
نظر لهم يعلم عذابهم جيدا، ليقرر صب طاقته في التحري والبحث عن الأمر، حتى يجد غايته
مراد: متقلقوش سيبوها على الله وعليا، وبأمر الله ربنا هيهدينا لحلها
تركهم وغادر بعدها للمقابر، وداخله عزم على إيجادهم