رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل السادس
ليست حقيقةُ الإنسان بما يُظهره لك
بل بما لا يستطيع أن يظهرهُ
لذلك إذا أردت أن تعرفه فلا تُصغِ إلى ما يقوله بل إلى ما لا يقوله…
إنتفضت چيلان بـ فزع وهي تنظر إلى يد والدها التي تسحق فك شهاب والثاني الذي أخذ منه الكثير من الوقت حتى إستوعب ذلك الألم بـ فكهِ
شهقت جُلنار وهي تقترب من چيلان المشدوهة ثم مالت إليها وتساءلت بـ توتر
-مين دا يا چيلان اللي أبوكِ هيفعصه دا؟
-أجابت چيلان بـ عدم إستيعاب:شهاب
-زفرت جُلنار بـ ضيق وقالت:أيوة نوعه إيه شهاب دا!...
خرجت من شتفيهما صرخة وهما تريان شهاب بين قبضتي والدهما إذ
رفعه جاسر من تلابيبهِ بـ شراسة مُطلقًا زمجرة خشنة وهو يهدر بـ صوتٍ جهوري مُرعب
-بتعمل إيه يا ***.. ماسك إيد بنتي ليه بروح أُمك!...
حاول شهاب إبعاد يده عنه ثم أردف بـ دفاع
-يا عمي أنا مقصدش
-عمى الدبب يا خويا..اسمي جاسر الصياد يا عين أُمك..عارف مين جاسر الصياد ولا أعرفه لك؟…
صر شهاب على اسنانهِ بـ غضب حاول أن يحجمه ثم نظر إلى چيلان التي تكاد تموت بل أصبحت في عداد الموتى وهي تنظر إلى المشهد بـ أعين مُتسعة إستطاع تبينها حتى وراء إطارات نظارتها الداكن ليردف بـ عصبية
-يا جاسر باشا أنا ظابط مينفعش كدا سُمعتي
-جأر جاسر بـ حدة:ظابط إيه يا خويا!!.. مش لما تظبط نفسك الأول…
حاول شهاب التملص بـ هدوء ولكن جاسر عاجله بـ لكمة قوية لا تتناسب مع سنهِ ثم هدر بـ صوتٍ قاتل، مُخيف،يُذيب العظام وهو يُشير بـ سبابتهِ بـ توعد
-حذاري تجرؤ وتقرب من بنتي تاني.. چيلان جاسر الصياد..إفتكر اسم الصياد ديمًا…
دفعه بـ قوة تراجع على إثرها وظل يحك فكه وشِفاه النازفة وهو ينظر إلى چيلان المُرتعبة نظرات قاتلة
إلتفت جاسر إلى چيلان على حين غُرة لتصرخ هي وتختبئ خلف جُلنار التي هتفت بـ جزع وهي تلتف بـ رأسها إلى شقيقتها
-بترميني فـ وش النار؟..دا إحنا هنتنفخ سوا…
قبضت چيلان بـ قبضتيها الصغيرتين على ثياب شقيقتها وهي تستمع إلى صوت جاسر المُخيف
-على العربية حالًا…
أومأت الفتاتيتن بـ توتر هائل ثم ركضتا سريعًا إلى الخارج.. لينظر جاسر إلى شهاب الذي ينظر إلى الأول بـ وجهٍ صخري خالي التعابير وأردف بـ قتامة
-لو شوفتك بتحوم حولين بنتي تاني همحيك من على وش الأرض
-هدر شهاب بـ قسوة:أنا عاوز أتقدم لبنتك…
رفع جاسر حاجبه بـ إستهجان ودقق النظر به.. ملامح شرقية جامدة.. عينان حادتان ذي لونٍ بُني داكن مُنفرة.. جسد رياضي ضخم يتناسب مع طبيعة عمله التي حددها بـ كُل سهولة ويُسر وهو يرى مُسدسه المُثبت حول جزعه
عاد جاسر بـ عينيهِ إلى عيني شهاب وهدر بـ قسوة
-وأنت مين عشان تتجرأ وتطلب بنتي؟
-صر شهاب على أسنانهِ وقال:شهاب.. ظابط في المباحث العامة
-طظ…
إقترب جاسر من شهاب ثم لكزه بـ إصبعه بـ صدرهِ هامسًا بـ صوتٍ مُرعب
-إياك ثم إياك تقرب من بنتي..بلاش تقع معايا عشان أنا اللي بيقع معايا يا بيموت يا بيتمنى الموت…
إبتعد عنه ثم نظر إلى القادمين معه وهدر بـ جمود
-الـmeeting إتلغى.. أشوفكوا وقت تاني…
تحدث واحدًا منهم بـ ضيق بعدما إبتلع صدمته مما حدث مُنذ قليل
-بس يا جاسر باشا الإجتماع دا إتحدد بعد عذاب
-إقترب جاسر منه وهمس بـ فحيح:وأنا قولت الزفت على عنيكوا إتلغى
-إبتلع الآخر ريقه بـ صعوبة وهمس:كدا بتضطرنا نلغي الشراكة…
أختطف جاسر العقود من يدهِ ثم مزقها وقذفها بـ وجههِ هادرًا بـ صوتٍ جامد، غليظ
-فـ داهية.. متنساش الشرط الجزائي اللي مضيت عليه…
ثم تركه جاسر ورحل ولكن ليس قبل أن يرمي شهاب بـ نظرة قاتلة، نارية ليُكمل بعدها طريقه وهو لا يكاد يرى أمامه
*************************************
تأففت بـ ضيق وهي تتطلع حولها لعلها تجد ما قد يرشدها إلى قصر الصياد ولكنها لم تجد
وضعت يدها فوق جبهتها تحتمي من الشمس وهي تكاد تبكي.. لُتغمض عينيها العسليتين بـ تعب أرهقها ثم تمتمت بـ تذمر طفولي يليق بـ سنواتها التي تُماثل صديقتها جويرية
-مكنش لازم أعمل فالحة وأقول لسواق أنا عارفة المكان والمكان دا لعبتي…
حكت جبهتها بـ سبابتهِا ثم قالت وهي تعود لتنظر خلفها
-أكيد حد نقل القصر من هنا..مش معقول أكون أنا اللي حمارة وتُهت…
وعلى الجانب الآخر
لم يفتهُ تلك الجنية الصغيرة التي لاحظتها ما أن وطأت قدمها أرض الصيادية..عيناها العسليتين والتي تنعكس أشعة الشمس بها فـ تُماثلها دفئًا وإشراقًا
قدها المائل للنحول مع منحنيات بدأت تتلمس طريقها لـ النضوج..خُصلاتها السوداء المُتطايرة بـ تموجات طبيعية وعلى وجههِ إبتسامة عابثة تُزين ثغره الرجولي
قذف لُفافة التبغ ثم تقدم منها واضًا يديه بـ جيبي بنطاله وهو لا يزال يتفحصها ويتفحص ملامحها المُمتعضة وشفتيها المغوية المزمومة بـ طريقة جعلته أكثر إغواءًا
وقف خلفها يتشمم عطرها الفواح بـ ثمالة أثره لثوان قبل أن يميل إليها مُتساءلًا بـ عبث
-أقدر أساعدك يا أنسة!!...
شهقت بـ فزع ثم إستدارت إليه ومع إستدارتها لفحته خُصلاتها فـ تفاجئ وتراجع بـ جفلة لذلك الإحساس الذي ضربه لجزء من الثانية ولكنها كانت كفيلة لبعثرة كيانه
من قال أنه لا يوجد حُب من أول نظرة؟.. بل هُناك أسر من أول نظرة خاصةً وهي ترمقه بـ أعين مُتسعة بـ براءة جعلتها شهية بـ عينيهِ ولكنه آثر التماس بـ قناع واهي لم يتشقق ظاهريًا
وضع يدها على صدرها الذي يصعد ويهبط بـ سرعة ثم همست مُتلعثمة
-حـ..حضرتك..مين!!
-ضحك الشاب بـ جاذبية وقال:حضرتي حابب يساعدك…
تراجعت ريتاج بـ خوف وهي تُتمتم بـ داخلها بـ رُعب وفضلت الصمت.. ليتقدم هو منها خطوة واحدة حتى لا يُخيفها ثم قال بـ نبرةٍ لطيفة
-متخافيش.. أنا غرضي شريف…
حكت عُنقها الأبيض بـ توتر ثم قالت وهي تتحاشى النظر إلى ملامحهِ ذات الجاذبية المُهلكة
-عاوزة..أروح قصر الصياد
-بس كدا؟.. تعالي أوصلك…
إتسعت عيناها بـ رهبة ليضحك بـ قوة ثم قال وهو يحك خُصلاتهِ السوداء
-تفتكري ينفع أخطفك وسط الناس هنا!.. متخافيش مني وعمومًا عشان أثبتلك حُسن نيتي…
مدّ كفه ثم قال ولا تزال إبتسامته تُظلل شفتيه
-أنا اسمي سُفيان.. طالب فـ السنة الأخيرة من كُلية تربية رياضية..صاحب جواد الصياد
-تهللت أساريرها فجأة وقالت:بجد؟..طب يلا عشان منتأخرش…
وتحركت سريعًا أمامه.. عقد حاجبيه بـ تعجب ثم قال ضاحكًا
-لأ هبلة وبشهادة…
تبعها وهو يُتابع تمايل قدها بـ براءة سالبة الأنفاس.. ليزفر بـ حرارة ثم أردف وهو يُشيح وجهه
-إستغفر الله العظيم يارب…
تقدم منها سريعًا ليسير جوارها حتى لا تخونه عيناه مرةً أُخرى.. وهذه المرة سيُزج خلف القُضبان بـ تُهمة التحرش النظري الخادش للحياء
مال إليها عله يصل إلى قامتها القصيرة ثم تساؤل بـ إبتسامتهِ اللطيفة
-اسمك إيه؟
-أجابت بـ عفوية:ريتاج صاحبة جويرية الصياد.. أخوها جواد صاحبك…
إتسعت إبتسامته ثم أومأ وهو يُشيح بـ وجههِ بعيدًا عنها مُغمغمًا
-لأ هبلة هبلة يعني مبتهزرش…
أتاه صوتها الناعم لينظر إليها فـ وجدها تقول وهي تتلاعب بـ خُصلاتهِا اللولبية
-أنا أول مرة أتوه هنا.. بس بقالي فترة مجتش فـ عشان كدا توهت
-بقالك أد إيه كدا؟
-غمغمت بـ حرج:شهر…
كبح ضحكة كادت أن تنفلت حتى لا يُزيد إخراجها ليومئ دون رد
مرت فترة قصيرة حتى وصلا إلى قصر الصياد لتقفز بـ سعادة قائلة بـ إمتنان وهي تنظر إليه
-شُكرًا جدًا يا سُفيان…
إقترب منها على حين غُرة ثم همس وهو يميل إليها فـ شهقت هي بـ إجفال
-بعد كدا متصدقيش أي حد يقولك أنا صاحب جواد الصياد.. لأن مش كلهم هيكون نيتهم صافية زيي…
أخذ وقته وهو يحفر رائحتها العطرة المُمتزجة بـ رائحتها الطفولة بـ عقلهِ قبل أن يبتعد يُهديها إبتسامة رائعة لا مثيل لها بـ لطافتها ثم رحل كما أتى
واضعًا يده بـ جيبي بنطاله وكل خطوة يخطوها يستدير ليُحملق بها قليلًا ثم يعود إلى سيرهِ
*************************************
بـ السيارة
كانت چيلان تعض أناملها خوفًا وهي ترى جاسر يجلس بـ مقعدهِ جوار السائق بـ معالم غير مقروءة وخاصةً بـ وضعهِ تلك النظارة الشمسية التي تُخفي عيناه
إبتلعت ريقها بـ توجس ثم قالت وهي تميل هامسة بـ أُذن جُلنار
-هعمل إيه لما أروح؟
-أجابتها جُلنار بـ إشفاق:هتعملي إيه يعني!.. إعملي نفسك ميتة طبعًا…
نظرت إليها چيلان بـ إستنكار لتربت جُلنار على ظهر يدها ثم قالت بـ همسٍ
-صدقيني هيبقى أرحم من اللي هتشوفيه..أبوكِ هيشوفك أبو لهب.. خصوصًا إنه هادي من أول أما ركب العربية…
ضمت چيلان شفتيها بـ خوف لتضم جُلنار رأسها إلى صدرها ثم همست وهي تنظر إلى وجه والدها الصخري من المرآة الأمامية
-اللهم أسألك الثبات…
بعد عدة ساعات
كانت السيارة تخترق بوابة القصر وما أن توقفت حتى ترجلت چيلان راكضة إلى الداخل
ترجل جاسر هو الآخر بـ هدوء.. ذلك الهدوء المُرعب قبل عاصفة أكثر رُعبًا.. تبعته جُلنار وهرولت هي الأُخرى تلحق بـ شقيقتها
بعد عدة دقائق كانت روجيدا معهما بـ الغُرفة تُحاول تبين سبب رُعب چيلان البادي على ملامحها الشاحبة
-چيلاااااان!!!...
إخترق صوت جاسر الغُرفة وهو يؤكل بابها بـ ساقهِ حتى إنفحت على مصرعيها لترتجف چيلان بين يدي والدتها بـ خوفٍ ملحوظ
إنتفضت روجيدا تسأله بـ حدة لم تستطع إخفاء خوفها من ملامحهِ القاتلة
-إيه الهمجية دي يا جاسر؟!...
وضع إصبعه على شفتيهِ علامةً أن تصمت ولكنها لم تأبه فـ أكملت بـ عناد وصوتًا علت نبرتهِ كثيرًا
-لأ مش هسكـ
-روجيداااااااا!!!...
إنتفضت على صوتهِ الجهوري الذي قبض قلبها ثم نظرت إليه بـ أعين جاحظة وهو يُكمل
-إطلعي من الليلة دي عشان مش عاوز أأذيكِ فيها
-هدرت هي أمامه:وأسيبك تأذي بنتي
-أردف بـ جمود:ما هي بنتي هي كمان ولا جبتيها لوحدك…
صرت على أسنانها ولكنها لم تأبه بل جلست جوار چيلان التي كانت تبكي بـ صوتٍ مكتوم.. بينما چُلنار تقبض على يد شقيقتها بـ غرض طمأنتها
تقدم جاسر ثم أردف وهو يقف أمام فراشها
-عملتي حاجة غلط بـ كل قلب جامد يبقى تُقفي تواجهني بيها.. مش تستخبي زي الفيران…
عضت چيلان على شفتيها وظلت على وضعها ليعود جاسر ويهدر بـ غضب عجز عن جمحه
-قومي فزي وأنا بكلمك…
لم تحتج أن يقول أمره مرتين بل نهضت سريعًا بـ وجهٍ متورم من كثرة البُكاء..وظل جاسر على صمتهِ لثوان قبل أن يقول بـ صوتٍ خال من المشاعر
-سامعك…
سرت رجفة عنيفة بـ جسدها مصدرها قلبها المُنتفض من بين أضلعها ثم قالت وهي تقبض على يد جُلنار أكثر
-بحبه يا بابا…
ضحك جاسر بـ قوة حتى كادت أن تدمع عيناه فـ نظرن إليه بـ تعجب قبل أن يتجهم فجأة وهو يهدر بـ حدة
-حُب إيه دا إن شاء الله اللي يخليكِ تكدبي على
عيلتك وتعملي الغلط من وراهم!
-بابا أنا…
قاطعها جاسر وهو يضرب على الحائط جوراه بـ قوة ثم جأر بـ صوتٍ جعل جميع من بـ القصر يصعدون بمن فيهم جويرية وريتاج
-قصرت معاكِ فـ إيه عشان تعملي كدا؟.. ليه مُصرين توطوا راسي وتقطموا ضهري بـ عمايلكوا…
وضعت چيلان كفيها على وجهها ثم بـكت بـ قوة ليُكمل جاسر بـ تحذير ناري
-من النهاردة مفيش خروج من البيت.. وكُليتك مش هتروحيها إلا على الأمتحانات.. ولما تروحيها الحارس هيفضل على راسك حتى فـ اللجنة.. أما أشوف أخرتها معاكِ…
وقبل أن يرحل أردف بـ خيبة أمل وهو يرمقها بـ نظرات إخترقت روحها وهشمت قلبها
-لو بيحبك بـ صحيح مكنش نطلك من الشباك..دا كان وقف قدامي و حاربني عشان يوصلك.. لكن هو أما صدق لاقى حاجة يتسلى بيها…
إتسعت عيني چيلان بـ صدمة وتبلدت مشاعرها فجأة وهي تُغمغم بـ تبرير
-بس هو قالي إنه بيحبني و عاوز يتجوزني…
نظرت إلى والدتها التي غشتها الصدمة وقالت
-دا زعل مني يا مامي عشان أنا اللي أخرت الموضوع دا
-ضحك جاسر ثم قال وهو يُغادر:يبقى هو لعيب مُحترف وعرف يلعبها صح…
إنهارت چيلان باكية بين ذراعي والدتها بينما جاسر هبط الدرج دون أن يلتفت إلى أحد حتى خرج من القصر
رفع الهاتف إلى أُذنهِ وأردف بـ جمود قاسي ونبرةً خطيرة
-هاتلى كل المعلومات عن واحد اسمه شهاب.. ظابط فـ المباحث العامة…
**********************************************************
بعدما أسدل الليل ستائره على ذلك اليوم القاسي
كانت جُلنار تتمدد بـ فراشها تُمسك قلمها الرصاص وتخط ملامح چيلان المُنكسرة.. لا تعلم لمَ لامست تلك الملامح قلبها.. أيعقل أن الإثنتين تتشارك نفس الآلام؟.. أم أن شقيقتها تجسيد لما حدث معها مُنذ سنوات!
تنهدت بـ تعب وهي تُظلل عيني چيلان الحزينة بـ وضع اللمسات الأخيرة ثم كتبت حروف اسمها لتضع بعدها الورقة بـ جوارها على الفراش
إستدارت تُمسد على خُصلات شقيقتها بـ حنو ثم مالت و قَبّلت رأسها.. بعد بُكاء طويل نامت ثم نهضت وأعربت عن رغبتها في النوم جوارها
وعندما أتى جواد يتساءل عن توأمهِ أخبرته روجيدا أنها تنام جوار شقيقتهم الكُبرى وأخفت عنه ما حدث
إلتقطت هاتفها الذي صدح بـ نغمتهِ الصاخبة بسرعة حتى لا يوقظ چيلان وبـ دون أن ترى اسم المُتصل أجابت بـ صوتٍ مُنمق حذر
-ألو!...
أتاه صوته الذي لا يصعُب تمييز نغمته الرجولية والبحة الزينة يقول بـ تملق
-إيه دا كروان بيرد؟…
ضمت شتفيهما حتى صارتا خطًا مُستقيم ثم قالت بـ صوتٍ مُتجهم أودعت به رغبتها العامة بـ رفض الحديث معه
-بتكلمي ليه؟!
-شهق صُهيب وقال:يا ندامتى!!.. بقى حد يقول كدا لخطيبه!!...
كبحت ضحكة على وشك الخروج لتلك الكلمة التي لا تعلم معناها ثم تساءلت
-يعني إيه يا ندامتي دي!
-ضحك صُهيب وقال:حاجة كدا زي يا فضحتي…
إرتسمت إبتسامة عريضة على شفتيها دون صوت ولكن صوتها حينما خرج.. خرج حازمًا وهى تتساءل بـ جدية
-على فكرة مينفعش تتصل بيا وبابي أصلًا يعني مش موافق وقالي مينفعش أشوفك تاني
-رد عليها بـ هدوء:أبوكِ شافني النهاردة وإتكلمنا…
ساد الصمت طويلًا تستوعب ما قاله حتى ترجم عقلها حديثه لتتساءل بـ خفوت
-إتقابلتوا أمتى!
-تنهد وأجاب:بعد مُقابلتي معاكِ بالظبط…
شهقت جُلنار واضعة يدها على شفتيها ليصلها صوت صُهيب يردف بـ جدية و تفهم
-أنتِ مفكرة إنه مش هيعرف!..لأ كان عارف وشايفنا وإختبرنا أنا وأنتِ
-تساءلت بـ خفوت وصدمة:يختبرنا إزاي!
-أجابها:إنك هتقولي له على مُقابلتنا.. وأنا إني فعلًا مزقوق عليكِ عشان أأذيكِ ولا لأ…
حكت عُنقها بـ إجهاد ثم نهضت وتوجهت ناحية النافذة ثم قالت وهي تنظر إلى الظلام أمامها
-وأنت بجد صادق ولا بتضحك عليا!
-أجاب صُهيب بـ صدق ونبرة إخترقت جُلنار:مش هقولك إني صادق وإن نيتي مش سوء ناحيتك.. بس هقولك على قصة وأنتِ إحكمِ…
صمت قليلًا وقد ظهر عليها الإهتمام لما سيقصه.. فـ أجلى صُهيب حلقه وقال بـ هدوء ناظرًا أمامه وهو يتكئ إلى سور الشُرفة
-كان في ولد صغير شاف بيته اللي عاش فيه طفولته هو وأهله وأخواته فيه بـ يولع.. ودا بسبب أبوه وجدته اللي حاولوا يدمروا ناس تانية.. عيلة كبيرة وكبيرة العيلة دي بيحب مراته.. بالمناسبة مراته كانت حامل وهو عمل كدا عشان كانوا هيأذوا أهم أتنين عنده
-همست جُلنار:مراته و بنته!
-أومأ وقال:أيوة.. وبعدين الولد دا حقد على الشخص دا طول عمره.. بس جُلة قالها مرة فضلت محفورة فـ عقله وهي اللي خلته يوصل لهنا فـ يوم…
صمت قليلًا وهو يسترجع أحداث ذلك اليوم.. جاسر الذي يضع يده على كتفه.. ينظر إلى عينيهِ بـ نظرات كان من الصعب نسيانها ثم أردف صُهيب وكأنه يقولها بـ صوت جاسر الصياد
-إفتكر إن اللي حصل دا ذنب أبوك وجدتك…
مسح صُهيب على خُصلاتهِ بـ عصبية ثم قال وهو يمسح على شفتيهِ بعدها
-الجُملة دي رمت فـ ودني..قصدي فـ ودنه لحد أما كبر وفهمها..والدته فهمته وعرفته إن الشخص دا مظلمش أبوه..أبوه كان شخص جبار، طاغية يستاهل اللي حصله.. خصوصًا إن الشخص دا كان هيُنتهَك حُرمة بيته…
وضعت جُلنار يديها على شفتيها لا تُصدق ما قاله.. عيناها مُتسعة بـ صدمة.. على الرغم من تلك الأحاديث التي إنتشرت مُنذ نعومة أظارفها عن جابر الهوارى وما شهده هذا القصر من صراعات بين العائلتين ولكنها لم تسمعها من الطرف الآخر بـ كُل هذا التسامح
لذلك لم تعي لنفسها وهي تقول بـ صدمة تُرجع خُصلاتهِ إلى الخلف
-الطفل دا أنت مش كدا!...
سمعت صوت ضحكته يُدغدغ حواسها ثم قال بـ هدوء تعجبت منه بعدما قص عليها ما حدث قبل أن تولد
-أيوة صُهيب الهوارى.. بس صُهيب معترفش بـ نفسه من الهوارى نهائي.. العيلة دي إنتهت بـ حرق القصر…
ساد الصمت لـ لحظات قبل أن يقطعه هو بـ صوتٍ غريب لأول مرة هي تسمعه منه
-الولد دا مش بـ تسامح اللي بحكيهولك.. لأ دا هياخد حقه فـ يوم بس من اللي أذاه.. لأني إتعلمت من حد إني مأذيش اللي مأذانيش…
همت أن ترد ولكنه قاطعها قائلًا بـ إبتسامة ولهجة جادة
-أنا مبنساش لا اللي أذاني ولا اللي أحسنلي فـ يوم.. كُله بياخد نصيبه
-تساءلت جُلنار بـ همس:والمطلوب مني إيه دلوقتي؟
-أجابها دون تردد:تساعديني أقنع والدك بـ إرتباطنا.. صدقيني مفيش وقت…
إلتفت على صوتٍ أنثوي يكرهه وهو يُناديه بـ دلال يُثير إشمئزازه
-صُهيب!!!