![]() |
رواية احيت قلب الجبل الفصل الثامن بقلم ياسمين محمد
وقفت امامه ترتعد خوفا بداخلها ، اما ظاهرها ثبات.. تحدث نفسها ..يجب عليها الا تظهر له ذالك الخوف يجب ان تخفيه في اعماق داخلها . صعدت نيران الغضب فورا بداخلها لتشتعل عينيها العسليتين ، تربع يديها امام صدرها ، تنظر له نظرات حادة ، لكن هنالك بداخلها صراع..حرب ..تردد ..لو لم تسمح له بالدخول سيتأكد انها خائفة ..وربما يستغل ذالك الخوف لصالحه
لكنها ايضا لا تريد وجودها معهه بمفردها تدرك تماما خوفها بل رعبها من تلك اللحظة ، لينظر هو الي بريق الاشتعال بعسليتيها بابتسامة اعجاب قائلا
: جرى ايه..خايفة ..؟
انتهى الصراع ..وحسمت الحرب ..وبات التردد صريعا لكن لا يزال الخوف باقيا عندما ردت قائلا بسخرية مهينة بنظرات تكاد تحرق الماثل امامها رغم زعرها
: ليه ..مش بيقولو انكم بتعرفو الاصول كويس ..؟
لم يستطيع هو ان يخفى نظرة اعجاابه بها رغم هيبته الواضحة امام ضعفها الا انها لم تخشاه تواجهه بثقة مقاتل يعلم جيدا قدر نفسه ، اومأ مؤكدا بنظرات لا تخلو من الاعجاب ، لتردف هي بنفس نبرة السخرية
: والاصول بتقول ان ما ينفعش تدخل ..مش بتقول كده بردو ..؟
اتسعت ابتسامته ليجد نفسه يرد قائلا
: صوح .. تحبي نتحدثو فين ..
اذدردت ريقها ببطء يا إلاهي ما هذه الورطة..؟، اين انت ياحنان .. ردت بدون تفكير
: مش فاضية انهارده ..وقت تاني
التقطت حقيبة ملابسها ثم اغلقت باب المنزل على مرأى من سالم بعينين مزهولتين من تصرفها، لم يجرؤ احد قط علي التعامل معه بتلك الطريقة
توقفت امامه بابتسامة صفراء قائلة
: عن اذنك ..
همت ان تخطو الي الخارج
ليضيق هو عينيه بغضب يمسكها من مرفقها بقوة
قائلا بغضب ، وفي الحقيقة يريد هو اظهاره لها ، او بالأحرى يختبر مدى خوفها
: على فين اكده ..؟، اياك تكوني جولتي انك عايشه لحالك ..وهتمشي على حل شعرك ..
لحظة ..الاشتعال تحول الي حريق ..يأكل احشائها غضبا من هذا ليتهمها بذالك اين كان عندما كانت بحاجة اليهم ،
ثورة غضب تأججت نيرانها بداخلها، لكنها اخفتها بإعجاز عندما لمحت بعيونه ترقب انفجارها غضبا، اظهرت برودا ولا مبالاة ، لتنفض يديها من تحت قبضته قائلة وشعاع العسل يتوهج غضبا في مقلتيها
: مالكش دعوة ..كلامك يبقى مع المحامي بخصوص الورث ..وما تجيش هنا تاني ..
وقبل ان يستوعب ما قالته كانت قد ذهبت من امامه ليتملكه الغيظ الشديد ، زفر بغضب ينفض عبائته لتلتمع عينيه باعجاب تام لتلك النارية، لاول مرة في حياته يرى ذالك النموذج من النساء، فالنساء في بلده يقدمن للرجل فروض الولاء والطاعة، اما تلك فمختلفة مختلفة تماما .. نوع آخر لم يستساغه بعد وعلى ما يبدو انه لن تجدي معها تلك الطريقة عليه التفكير لها جيدا .. والاستعداد للفوز بها ، فربما تكون هي "الثروة "...
_______________________
توقف بسيارته علي الجانب الاخر امام المشفى،نظر الي الجالس بجواره بحزم قائلا
:تنزل تخلص بسرعه هستناك هنا ..
اومأ له رشدي ثم نزل من السيارة يعبر الطريق متجها الي باب المشفى الرئيسي ، يستعير قوى شياطينه لتساعده في مهمته للقضاء على منصور آخر عائق بطريقه ، ربما لا يدرك ان هناك المزيد من العوائق بعد ..وربما سدود..
صعد رشدي درجات السلم الى ان وصل الي قسم العناية المركزة ، خطى نحو باب الغرفة ينظر يمينا ويساراً ليتأكد من عدم وجود احد ، تلصص نحو الداخل ثم اغلق الباب ، نظر الى منصور الراقد في عجز تام، اقترب منه اكثر ينظر له بتشفي مريب، قائلا من بين الحقد الذي يقبع بجنبات قلبه ..حقد تعتق لسنوات ..وربما التصق به حتى تعفن بداخله
:ياااااه ماتعرفش انا شمتان فيك اد ايه يا اخي ..
ضحك بخفوت ينظر ارضا ثم رفع نظره اليه مردفا
:بقالي اكتر من عشرين سنه مستني اللحظة الي تموت فيها .. شرد قليلا بعينين تلتمع بالشر..بالكره ..بالغيظ
: حتى اختك ..
ثم ضحك بسخرية قائلا
: ماعرفتش الين دماغها واقنعها بالشغل معانا ..نفس المبادئ والاخلاق ..
ثم اقترب يدنو اكثر من منصور تحديدا قرب اذنيه و بصوت كفحيح الأفعي اردف يبخ كلامه كالسم
: اقولك علي سر ..
واردف ببطء وكأنه يؤكد وصول الكلام اليه
: اختك ما انتحرتش .. انا اللي قتلتها ، علشان كانت نااويه تقولك على شغلنا
ثم وضع سبابته امام فمه قائلا بعينين متسعتين ونظرات هستيرية
: هوششش..زي ما هقتلك دلوقتي
ابتسم باتساع ابتسامة ظفر من يراه يظنه مختل
اخرج من جيب سترته مدية حادة تقدم نحو الاسلاك الموصله بمنصور ثم جمعهم في قبضة يده ليقطعهم مرة واحدة ليتفاجأ بمن يفتح الباب بغتة يسأله
:انت مين ...
________________
قبل ساعة تقريبا
استيقظ قصي من نومه اخذ حماما دافئا ثم ارتدى ملابسه بنطال كلاسيكي اسود وقميص بلون السماء ، وحذاء جلدي اسود ،صورتها لم تفارق خياله ..رقتها ..ومجددا اسمها ردده بداخله وبمجرد تذكره ترتسم علي وجهه ابتسامة هادئة ، توجه نحو الدرج بمنزل يوسف صديقه ، نزله فوجد يوسف يحتسي قهوته الصباحية القى عليه التحيه ثم سأله يوسف
: علي فين كده ..؟
لا يعرف قصي بماذا يرد، هو يريد وبشده ان يذهب للاطمئنان عليها ،لكنه يحتاج الى زريعة قوية ..التمعت عينيه بدهاء "خالها".. تلك اقوى زريعه للذهاب اليها عليه اولا ان يذهب للمشفى ليطمئن ثم يذهب اليها يطمئنها..نعم فقط يطمئنها حتى لو كانت نواياه غير ذالك..!! ..لكنه سيطمئنها ، ليرد قصي
: رايح المستشفى
لينظر له يوسف بااستغراب تام
: ليه..؟.. مش كنت هناك امبارح وقالولك بقى كويس
رد قصي ينهض واقفا
: ايوة ما هي مش هتفضل علي طول قاعدة هناك ، هروح اطمن واشوفه وصل لحد فين .
اومأ له صديقه ايجابا فاردف قصي
:محتاج عربيه لحد ما اجيب عربيتي من الفيلا
ابتسم يوسف بقهر ثم اعطاه مفاتيح سيارته قائلا
: خد انا بعد علقة امبارح دي مش هعرف اسوق تاني لمده اسبوع
ابتسم له قصي ثم رد قائلا
:هخلص واروح الشركة اشوف اخبار الشغل ايه
ثم تركه و خرج يركب السيارة متوجها بها نحو المشفى ...
---------------
وصل قصي امام المشفى صف السيارة ثم نزل منها متوجها الى الداخل يسأل غرفة منصور ،اخبره احدهم عن الطابق الخاص بالعنايه ورقم غرفة منصور ، صعد قصي درجات السلم حتى وصل الى رواق العناية اقترب من غرفة منصور فتح الباب ببطء ليتفاجأ برجل يفعل شيء ما مستديرا يعطيه ظهره لا يبدو عليه انه من الطاقم الطبي الخاص بالمشفى ليسأله قصي
: انت مين ..؟
ولا يدرك هو انه للمرة الثالثة علي التوالي ينقذ "حياة " منصور ..
تفاجأ رشدي بصوته ،لم يلتفت له مباشرة بل بقى علي حاله للحظات، جز على اسنانه غيظا فهو كان علي بعد خطوة واحدة وينتهي من منصور للأبد ،أدخل المدية الى كم قميصه حتى لا يلحظها قصي ، ثم رفع يده يفرك وجهه وكانه يبكي لتسقط المديه بداخل الكم، وهنا التفت الى قصي ، من شدة ارتباكه الذي حاول جاهدا اخفائه ظن ان قصي الطبيب المعالج الخاص بحالة منصور ليتصنع البكاء قائلا
: انا نسيبه ..جوز اخته ..
ثم نظر الي منصور بحزن مصتنع قائلا
: واكتر من الاخوات....
شرد قصي في تلك الاثناء بحديثه مع حياة، هي لم تخبره ان لها اقارب سوى خالها، ترى لماذا لم تلجأ لذالك الرجل اذا ..قطع شروده رشدي عندما رن هاتفه فاستأذن من قصي يتخطاه خارجا ليرد على المكالمة وبمجرد ان خرج من الغرفة فر بخطوات سريعة اتجه الى خارج المشفى يعبر الشارع للمرة الثانيه عائدا الى سيارة باسم ركب بجواره يلهث من شدة خوفه ،ثم زفر بارتياح ليرد باسم و بريق شيطاني يلتمع بعينيه قائلا بلهفة
: سبع ولا ضبع ..؟
نظر له رشدي قائلا بغيظ شديد
: خلاص كان ثانيه وكل حاجه تخلص ..
ثم اردف حانقا
:لولا الدكتور ابن ال..... دخل في اخر لحظه
غضب باسم بشدة ثم ضرب عجلة القيادة بيده قائلا
.: انت غبي ..ازاي تفوت فرصة زي دي ؟
رد رشدي يبرر له موقفه
: بقولك الدكتور دخل في اخر لحظة ..تقولي فرصه فرصة ايه ؟
ليرد رشدي بتفكير ماكر
: الموضوع ده عايز حد ما يتوترش ..ما يرتبكش لو الدكتور دخل مرة واحدة .. وجوده يبقى طبيعي جمب المريض
ابتسم رشدي ابتسامة جانبية يسأله
: قصدك ايه..؟
لتلتمع عينا باسم بثعلبية سوداء قائلا بشر
: حد من جوه المستشفى ...
__________________________
يجلس على كرسي مكبل بأغلال من حديد وفي الجهة المقابلة له كرسي اخر تجلس عليه اخته شعرها مشعث يبدو علي بشرتها اثار ضرب مبرح تنزف الدماء من انفها وخيط دماء رفيع يخرج من فمها تنظر اليه وكأنها تستجديه ان ينقذها هم بالنهوض فمنعته تلك الاغلال اللعينة شعر ببراكين من نار تتأجج بداخله ،..ماذا عساه ان يفعل..؟، ظل يحاول جاهدا بفكها والنهوض لإنقاذها لكن دون جدوي لينظر لها عاجزا ..ودموع عينيه تتسابق الواحدة تلو الأخرى ، ليظهر له من الظلام خلف الكرسي المقيدة به اخته نصل يلتمع.. يبرق ببريق من نار ، يحمله رشدي بين يديه ينظر لعجزه بتشفي ، قبض على شعر اخته ليرفع رأسها للخلف نظر منصور له بعيون متسعه عندما قرب النصر من رقبتها تماما ثم نقل نظره الي عيون اخته ليجدها "حياة" اتسعت عينيه اكثر عندما غرس رشدي النصل برقبتها وخيط دماء رفيع يتسلل بدئا من النصل نزولا الى صدرها ليصرخ بكل ما اوتى من قوة
: حياة...
فتح عينيه فجأه فإذا بقصي يتقدم نحوه يتفقده، لينطق منصور بصوت متعب جدا
:حياة..حياة
تقدم قصي اليه ثم دنا منه قليلا يطمئنه
: ما تقلقش ..هي كويسه
انتبه منصور الي الصوت بجواره وما زالت الرؤيا تتشوش امامه ليغمض عينيه ثم يفتحهما مرة ثانيه ينظر بجواره
الى ملامح قصي بعيون شبه ناعسة قائلا
:انت..انت مين..؟
ابتسم له قصي شبه ابتسامة قائلا
:قصي ..قصي الزيني ..اللي حياة كلمتك من تليفونه
تأثرت ملامح منصور تلتمع عينيه بالدموع واذا بدمعة تنزل من عينيه تستقر بجوار رأسه علي وسادته يشعر وكأن روحه تسحب منه ببطء قائلا
:هي فين ..؟..سافرت ؟
اما هو لا يعلم لماذا تألم لرؤيا دموع ذالك الرجل شيء ما بداخله وكأنه ينكسر ..?