![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل التاسع بقلم نورهان ال عشري
" بدايات غير مُوفقة "
سيأتي يوم و سيعرِف الغائبين اننا كُنا أكثر الحاضرين صِدقًا، ولكنهم لن يستطيعوا البوح بذلك، فـ ذنوبهم عظيمة لا يُستهان بها، والأعظم من الذنب المُجاهرة به، فلا سلام عليهم ولا عِتاب لهم، وليكن هذا درسًا قاسيًا يُعلِمهم كيف يحترمون الفُرص، فالقلوب التي عانت من الخذلان في الماضي أقسمت على الحاضر بأن لا تغفر. مُعلنة راية العصيان أمام كل ذكرى قد تُعيدها إلى نقطة الصفر من جديد، آملة في مستقبل يحمل لافتة بعنوان بدايات خُلِقت لتُلائم قلوبنا، لكن أترتضي القلوب بغير سُكانها؟ و هل في الروح مُتسع لذنبًا جديد؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
يؤسفني بأن قلبي لازال عامرًا بالحنين إلى إمرأة عشقها بلية، و قربها مهانة، و نسيانها مُحال!
فإن كان شر البلية ما يُضحِك، فمُرها يُبكي، و البكاء في شريعة رجلٌ مثلي نقيصةً و امتثال.
_ ياسر.
تجمدت الدماء بأوردته و اهتاجت دقات قلبه حين استمع الى صوتها الذي كان يحمل بحة خفيفة ولكنها تُمثل إعصارًا على حواسه التي مازالت تتأثر بها و كأن ما مَر من مُر طوال العامين الماضيين كان هباءًا
التفت بسائر جسده ليصطدم ببحور الحزن تغزو بؤبؤي ليلها الحالك الذي تتشعب به شعيرات حمراء تحكي هول ما ذرفته من الدمع، ولكنه حاول ألا يتأثر بهيئتها مُذكرًا نفسه بأنها تنتمي لآخر
_ نعم.
هكذا تحدث بنبرة جافة جعلت حفنة من الوخزات تتفشى في سائر جسدها، و لوهلة شعرت بالندم لقدومها ، ولكنها أرادت تلمُس الأمان ولو كان من بعيد
_ خلاص . مش مشكلة . شكلك رايح مشوار مهم. مش عايزة اعطلك.
هُراء تتفوه بالهُراء كعادتها دائمًا أمامه حين لا تعرف ماذا عليها أن تقول، ولكنه لم يعُد ذلك الذي يتفهم حتى صمتها
_ انا فعلًا ورايا مشوار مهم. بس عادي في حاجه؟
شيطان يلهو بدقات قلبها حين لامست اذنيها اسم تلك الفتاة التي كان يُحادثها، و قد حاولت قمع استفهام يُلِح عليها قلبها به لتقول بتلعثُم
_ أنا. يعني . كنت. كنت بس عايزة اقولك شكرًا.
توسعت حدقتيه من كلماتها و الأدهى مظهرها الذي يوحي بأنها حقًا تود أن تشكره لذا لم يتمالك نفسه حين قال بسخرية
_ على ايه؟
عبأت صدرها بالهواء قبل أن تقول بخفوت
_ عاللي عملته معايا في القاعدة…
قاطعها بجفاء أجفلها
_ اللي عملته معاكِ في القاعدة بعمله كل يوم مع غيرك. مش مستحق انك تشكريني ولا حاجه.
تفشى الغضب و الألم بأوردتها، فهي ترى الأمور من منظورها الذي يُدينه إلى أخر العمر، ولكن لا تعلم من أي جهة تسرب هذا الضعف إلى أوصالها ليجعلها تقول بخفوت
_ مش بس في القاعدة. يوم.
تلعثمت الحروف على شفاهها قبل أن تُتابع بحرقة
_ لو مكنتش لحقتني. مكنتش عارفه هيحصلي ايه…
لم يتحمل الأسى في عينيها و القهر في نبرتها لذا هتف بحزم
_ مكنش هيحصل حاجه و متفكريش في اللي حصل تاني. كإنه محصلش.
غنى بلوعة
_ مش بالسهل اعتبر اني مفيش حاجه حصلت.
ياسر بقسوة
_ لا سهل. أنتِ شاطرة اوى في الموضوع دا.
استشعرت المغزى وراء كلماته، فعاود الغضب أدراجه من جديد لتهتف بجفاء
_ عندك حق. عمومًا شكرًا مرة تانية، و معطلكش عن مشوارك أحسن تتأخر عن اللي مستنياك.
بلحظة تبددت الأجواء حولهم و اشتعلت رغبة هوجاء داخله في إهاجة تلك الشرارة التي تتوسط حدقتيها ليهتف بنبرة خشنة
_ تقصدي روضة! عندك حق مينفعش أتأخر عليها.
باغتتها الكلمات وخرجت مندفعة من بين شفاهها حين قالت
_ و دي مين روضة دي أن شاء الله ؟
_ و دا يخصك في اي؟
استفهام كان كالجمر أحرق كُلًا من قلبها و كبرياءها في آن واحد لتحاول تجاوز سقطتها قائلة بلامُبالاة
_ لا عادي بس سمعتك بتقول روضة الصياد وانا معرفش أن المعلم جابر عنده بنات.
استفحل التشفي بصدره، و شعور عارم بالارتياح سكن داخله وهو يرى ملامحها الغائمة ليواصل هجومه السافر قائلًا بنبرة ذات مغزى
_ متشغليش بالك أنتِ.
_ مش شاغله بالي و لو مفكر اني بشكرك عشانك انت فأنت غلطان. انا بردو كلمت حسن و شكرته أنه قال الحقيقة يوم القاعدة و مخفش من عمه.
رغمًا عن كل شيء غضب و تفشت علة الغيرة الهوجاء بصدره فهتف بسخرية غاضبة
_ والله ! شكرتي حسن كمان! دا ايه الأصل دا؟ طب حلو ابقي فكريني اديكِ رقم الرجالة اللي كانت في القاعدة كلها علشان تشكريهم.
غنى بتشفي
_ متشغلش بالك انت. انا هعرف اشكرهم ازاي.
لا إراديًا أخرجت شياطينه من جحيمها ليهتف بغضب
_ بت أنتِ اعدلي بدل ما اعدلك.
توقف الوقت و سكن كل شيء حولهم، فتلك الجملة كان دائمًا يُلقيها على مسامعها حين كانت تغضبه في السابق، فتكُن رادع لها، والآن و في تلك اللحظة تود لو تتجاوز عن العامين الماضيين و تخبره جملتها المُعتادة في مثل هذا الموقف
_ و تهون عليك الغريبة بتاعتك!
لا تعلم أن جملتها سمعها قلبه الذي ردد دون وعي جملته المُعتادة
_ الدنيا كلها تهون لكن أنتِ لا.
كان حديث صامت أعادهم إلى الماضي الذي لم يرحمه لذا زمجر بقسوة
_ روحي، و اعرفي أن أي حاجه عملتها معاكِ هعملها مع أي حد كان في مكانك.
أنهى جملته و التفت يستقل سيارته و ما أن أخذ موقعه بجانب المقعد حتى تفاجيء برؤوف ابن عم أسيا يتقدم إلى جانبها و يُحادثها بل و يُصافحها فبدا و كأنه على حافة الجنون الذي جعله يُغادر و كأن أبواب الجحيم السبعة فُتِحت على مصرعيها لتطارده شياطينها.
و أفوض أمري إلى الله والله بصير بالعباد ♥️
★★★★★★★★★
تجمدت نبيلة بمكانها حين شاهدت تلك التي تصعد الدرج بمساعدة الحرس لتترك أقدامها للريح لتحملها خلف تلك الغرفة المُتهالكة و قلبها ينتفض من فرط دقاته، فقد تحقق ظنها و لحسن حظها فقد كانت تسبق خصمها بخطوة ولهذا جاءت إلى هنا، و لكن كانت تميز من الغيظ لأنه ليس في مقدورها معرفة ما يحدث في الداخل.
لم تكد تلتقط أنفاسها و تنفس ذرات الغضب العالقة بصدرها جراء ذلك اللقاء السيء مع هذه المرأة لتتفاجيء بتلك العجوز التي تقف أمام باب بيتها تناجيها بأعيُن يلتمع بهم شيء يُشبه الأسى، ولكنه لم يُزيدها إلا غضب لتقف أمام الباب كسد منيع قائلة بنبرة جافة
_ اقدر اساعد حضرتك في حاجه ؟
كانت عيني سعاد تطوف فوق ملامح شروق بشوق ولهفة لا تجرؤ عن التعبير عنهمَ فذنوبها تقف كالجبل الشامخ بينها و بين تلك الفتاة التي تكاد تقسم أنها علمت هويتها.
التفتت الى الحرس قائلة بلهجة آمرة
_ استنوني تحت.
انصرف الرجلان اللذان يحملان المقعد المتحرك الجالسة فوقه فالتفتت ناظرة إلى شروق التي كانت ملامحها جامدة لتقول سعاد بنبرة هادئة
_ عاملة ايه يا شروق؟
شروق بنفس جمودها
_ الحمد لله بخير.
لم تتوقع منها أن تُلقي بنفسها بين أحضانها بل توقعت الأسوء من ذلك ولكنها رغمًا عنها تألمت فبدا ألمها ساطعًا في عينيها و تحشرجت نبرتها بالبكاء حين قالت
_ عمر قالي انك مش عايزة تعرفينا ولا عايزة أي صلة تربطك بينا.
شروق بجمود
_ كويس أنه وصل الرسالة كاملة.
سعاد بهدوء رغمًا عن حزنها
_ انا مش جاية اجبرك انك تعرفي عيلتك، ولا حتى هطلب منك تتقبلينا. انا بس عايزة اقولك أن اللي راحت دي كانت بنتي، واللي حصل دا كان بيني و بينها، و عشان كدا ابوكي الله يرحمه بعتلنا و طلب مننا…
قاطعتها شروق بنبرة جامدة جاهدت على ألا تكون حادة، فتلك المرأة استفزتها بحديثها الخال من الذنب تجاه ما فعلته في السابق
_ ابويا الله يرحمه كان خايف يسيب بنتين يتامى في الدنيا لوحدهم من غير حماية، و كان بالنسباله دا احسن حل، بس اطمني انا و اختي الحمد لله كويسين وعايشين وسط ناس كويسه معانا و بتحبنا و بتعتبرنا منهم.
سعاد باختصار
_ يعني ايه؟
شروق بجفاء
_ يعني أنا برفع عنك الحرج يا سعاد هانم، و بقولك متشغليش بالك بينا احنا كويسين واللي ابويا عايزة حصل احنا هنا وسط أهلنا.
تشقق قناع الجمود الذي تُحيط به نفسها و تحاول الإبقاء عليه قدر الإمكان لتتساقط عبرات الندم من عينيها بينما ملامحها لازالت هادئة فقط حشرجة انتابت لهجتها حين قالت
_ طيب. كويس انكوا مرتاحين وسط الناس هنا. بس دي بردو مش وصية والدك الله يرحمه، ولا هو كدا مرتاح.
لم تسمح لنفسها أن تأثر بعبراتها إنما أجابتها بنبرة جامدة
_ معتقدش أن راحة بابا الله يرحمه تهمك اوي، و مع ذلك انا بعفيكِ من اي واجب حاسة بيه تجاهنا بسبب طبعًا الجواب اللي هو بعتهولك.
لسوء حظها أنها لم تعرف التنازل أبدًا، و حتى في تلك اللحظة التي تود فيها الاعتذار لا تعرف كيف؟ تريد أن تخبرها بأنها تشتاق ابنتها الراحلة كثيرًا ولا تعلم كيف؟ فقط عبرات غزيرة لا تقدر على كبحها و عينين تتوسلان بصمت علها تُشفق عليها، ولكن اي شفقة وهي لم تُعط بادرة سلام واحدة!
_ تعرفي انك مش شبة نسمة خالص.
جملتها أصابت اعماق قلبها و اهتز شيء ما بقوة داخلها ولكن هناك جراحًا لم تندمل بعد، و ذكريات لم تفلح الأيام في محوها لذا هتفت بنبرة يشوبها السُخرية
_ ايه دا هو أنتِ لسه فاكرة شكلها؟
تهدجت نبرة سعاد و علت شهقهاتها وهي تقول
_ هو في حد بينسى ضناه يا شروق؟
لم تكُن القسوة طبع مُتأصل بها أنها صفة اكتسبتها كلما نقشت الأيام وجعًا جديدًا فوق جدران قلبها لذا هتفت بجمود
_ أه في. أنتِ.
سعاد بأسى
_ انا عمري ما نسيت بنتي لحظة واحدة. انا مفيش حاجه كسرتني قد بعدها.
ابتسامة ساخرة رنت في أرجاء الغرفة تلاها صيحة استنكار غاضبة خرجت من فم شروق التي ارتجفت جميع أوداجها غضبًا و قهرًا
_ اهي دي أحدث نكته انا سمعتها في حياتي. أنتِ عارفة كام مرة امي حاولت تشوفك و أنتِ رفضتي؟ عارفة كام مرة اتقفل بابك في وشها؟ واوعي تقولي مكنتش اعرف.
أومأت سعاد بقهر تجلى في نبرتها
_ والله ما كنت اعرف. معرفتش غير متأخر.
شروق بقهر
_ ولما عرفتي عملتي ايه؟ سألتي عنها؟ قولتي عايزة اشوف بنتي؟
_ لا مقولتش، و مكنتش هقول.
تفاجئت شروق من حديث سعاد التي استرسلت بأسى
_ مكنتش عيزاها ترجع عش الدبابير. مكنتش عيزاها تتأذي. كنت ببعدها عشان خايفة عليها.
توسعت حدقتي شروق من فرط الصدمة التي جعلتها تُردد باستنكار
_ خايفة عليها؟
اومأت سعاد بقهر تفشى في لهجتها حين قالت
_ ايوا كنت خايفه عليها. كنت بحميها امك بعد ما مشيت حاجات كتير اتغيرت، و كل الوشوش اتكشفت، و النتيجة زي ما أنتِ شايفة انا بقيت قاعدة على كرسي.
لم تستطِع استيعاب حديث سعاد التي كان الأسى جليًا على ملامحها، مما يجعل استحالة كذبها، ولكن لوهلة نسبت حديثها إلى تلك المرأة التي كانت هنا منذ قليل، فقالت بجمود
_ تقصدي نبيلة مرات ابنك؟
رفعت سعاد رأسها بلهفة تجلت في نبرتها حين قالت
_ أنتِ عرفتيها منين؟ عرفتي نبيلة منين؟
شروق باستفهام
_ ومالك اتخضيتي كدا ليه؟ ماما الله يرحمها كانت بتحكيلي عنها، و كمان هي كانت لسه هنا قبل ما أنتِ تيجي.
بهتت ملامح سعاد و انهارت كل ذرة تماسك لازالت تتحلى بها فصرخت بذُعر
_ سعاد عرفت مكانكوا منين؟ اختك فين؟ انتوا ملكوش قعاد هنا. كلميلي عمر…
أنهت جملتها و انتابتها نوبة سُعال جعلت شروق تهرول إلى الداخل لتجلب كوب من المياة حتى تساعد تلك المسكينة التي كان جسدها يرتجف و صدرها يعلو و يهبط من فرط السُعال فقامت بمساعدتها في ارتشاف عدة قطرات من المياة ولكن لاتزال ترتجف كورقة شجر تجاهد حتى لا تسقط فريسة لرياح عاتية، فلم تستطِع شروق سوى أن تحاوطها وهي تقول بلهفة
_ اهدي. في ايه؟ محصلش حاجه.
سعاد بتلعثُم
_ هيحصل. دي شيطانه. هي اللي ضيعت بنتي زمان، و عايزة تضيعكوا مني دلوقتي. حرمتني من بنتي زمان، و عايزة تحرمني منكوا. بس والله ما هسمحلها. لو حكمت هقتلها.
كانت مُمسكة بيد شروق بقوة فشعرت الأخيرة بأن تلك المرأة صادقة إلى أبعد حد، فنحت كل شيء جانبًا و جلست على ركبتيها وهي لازالت مُمسكة بيد سعاد لتقول بنبرة هادئة
_ ممكن تهدي شوية. هي متقدرش تقرب مني ولا من أختي. بس انا عايزة اعرف ايه سبب حالتك دي؟ الست دي ممكن تعمل ايه؟
سعاد بغل
_ مفيش حاجة متقدرش تعملها. دي ممكن تسخر الشياطين عشان مصلحتها. ميهمهاش اي حد غير نفسها و بس. لكن ورحمة بنتي ما هسيب حقها، و هخليها تندم على كل اللي عملته زمان.
شروق بلهفة
_ اللي هو ايه؟ عملت ايه زمان عشان تكرهوها كدا؟ امي الله يرحمها لما كانت بتجيب سيرتها كانت جسمها بيرتعش. ليه؟
صمتت سعاد لثوان قبل أن تقول بنبرة جامدة
_ هقولك بس بشرط !
شروق بترقب
_ شرط ايه؟
سعاد بتصميم
_ تساعديني اجيب حق امك منها.
لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ♥️
★★★★★★★★★★
_ أنتِ مجنونة ؟
هكذا صرخت أسيا بملء صوتها بعد أن احرقتها القهوة الساخنة التي قامت تلك المجنونة بسكبها فوقها لتهتف وهي تضحك بشر
_ دا عشان بس تعرفي أن المقامات محفوظة، وانك طلعتي نزلتي لسه بردو شغاله عندنا. يا بنت الخدامة
لم تستطِع تحمل تلك الإهانة لتقترب منها و تقوم برفع كفها تنوي اخراسها إلى الأبد وإذا بها تتفاجأ بيد قوية تُمسِك كفها من الخلف و صوت صارم اخترق أذنيها
_ أنتِ اتجننتي بتعملي ايه؟
ارتعش سائر جسدها و تعاظم القهر بصدرها حين جذبتها يداه إلى الخلف وهو يناظرها بتلك العينين اللتان تقطران غضبًا إضافة إلى أنامله القوية التي كانت تقسو على كفها حتى كادت عظامها أن تتهشم، ولكن أكثر ما آلمها هي تلك الفتاة التي اندفعت إلى أحضان أخيها وهي تنوح باكية
_ ألحقني يا أبيه كمال. شوف الحيوانة دي كانت عايزة تضربني .
احتواها كمال بين ذراعيه و لازالت عينيه تقدحان الشرر وهو يُناظر تلك التي تجددت ذكرى سيئة أمام عينيها فحاولت قمع عبراتها و السيطرة على إرتجافة جسدها و صوتها حين قالت
_ الحيوانة دي تبقى أنتِ.
افزعتها صرخته حين قال بصوت هز أرجاء المكان
_ لا دي أنتِ قليلة الأدب بجد بقى! أنتِ بتشتميها وانا واقف؟
من أصعب المواقف التي يخابرها الإنسان في حياته أن يقف في مواجهة رياح الظلم دون أن يمتلك جدار واحد يُمكنه الاختباء خلفه أو الاستناد عليه. ذلك القهر الذي يُخالج الروح حين تُلام على جُرم لم ترتكبه و إثم هي ضحيته بينما يتواطأ الظالم مع الجلاد بكل دناءة هكذا كان حالها، ولكنها أبدًا لن تسقط أمامهم ولن تخرج من بينهم الا وهي مرفوعة الرأس حتى ولو كلفها الأمر حياتها.
_ لا معلش لما تيجي تذكر قلة الأدب يبقى متنساش تقول اسم الأنسة ميرهان اختك. عشان تقريبا وانتوا بتبنوا الصرح العظيم دا و اللي هو فرصة كبيرة لأي متدرب تقريبا نسيتوا تربوها.
أنهت جملتها ولم تنتظر لسماع اي رد من شأنه أن يبعثر كبريائها أكثر من ذلك إنما هرولت إلى الخارج حتى تطلق العنان لعبراتها التي كانت كالفيضان أغرقت وجهها وملامحها لتستقل المصعد تبغي الهرب من هذا المكان بأقصى سرعة و ما أن خرجت من باب الشركة حتى وقفت تسترد أنفاسها واضعة يدها فوق صدرها و أخرى فوق فمها تكتم شهقاتها لتتفاجيء بظل ضخم يجثو فوقها و صوت خشن جعلها تنتفض في مكانها
_ أنتِ كويسة ؟
وقعت انظارها على اخر شخص توقعت أن تراه الآن فهتفت بصدمة
_ خالد بيه؟
ضيق خالد عينيه بتفكير قبل أن يقول بجفاء
_ انا عارفك؟ حاسس اني شوفتك قبل كدا.
محت عبراتها بأناملها قبل أن تقول بنبرة متحشرجة
_ انا متدربة هنا و ..
صمتت لثوان فأومأ برأسه كي تُتابع لتقول بنبرة خافتة
_ انا بنت رضا. الدادة اللي عندكوا في البيت.
خالد بتذكُر
_ أنتِ أسيا؟
اومأت بصمت فطافت نظراته على ملامحها و هيئتها المُبعثؤة ليتابع باستفهام
_ طب وليه نازلة تجري و بتعيطي كدا ؟ حد عملك حاجه؟
لم تفلح في قمع عبراتها التي انهالت مرة أخرى و هتفت من بين شهقاتها
_ لا أبدًا مفيش حاجه..
قاطعها خالد بصرامة
_ تعالي ورايا.
لم يُمهلها الوقت للتفكير انما توجه إلى الداخل لتجد نفسها مُرغمة على اللحاق به و داخلها تلعن ذلك المكان ألف مرة
_ ممكن تقوليلي حصل ايه بينكوا عشان تفكر تمد أيدها عليكِ ؟
هكذا هتف كمال بصُراخ مما جعل ميرهان تنتفض خوفًا تجلى في نبرتها المُرتجفة حين قالت
_ مع.معرفش. كنا بنتكلم و هي اصلا بنت قليلة الأدب و تنكة و بتعاملنا وحش انا و هايدي.
كمال في محاولة منه للتحكم في غضبه
_ ميرهان متكذبيش عليا، و متمثليش انك ضعيفة عشان أنا مش عبيط. حصل ايه بينك و بينها؟
ضاقت ذرعًا بالأمر كله، وهتفت بحرقة
_ عايرتني اني فاشلة وأنها ناجحة، وانكوا عينتوها في الشركة وانا لا، ولما قولتلها عيب و احترمي نفسك. حبت تعمل نمرة قدام سلمى قامت جت عشان تضربني. هي اصلا طول عمرها تنكة و مغرورة و محدش بيحبها، و بدل ما تطبطب عليا عمال تبهدل فيا.
شعر بالألم على انهيارها و عبراتها التي بدت حقيقة، ولأنه لمس من تعامله مع أسيا أنها بالفعل تملك ثقة و غرور كبيران لذا اقترب منها شقيقته يحتضنها ولكن طرق على باب الغرفة جعله يلتفت و خاصةً حين أطلت سلمى برأسها من الباب تقوب و الذُعر باد على ملامحها. و في نبرتها
_ خالد بيه عايز حضرتك انت و الأنسة ميرهان ضروري على مكتبه.
تفاجئ كمال من حديثها ولكن المفاجأة الكبرى حين رأى أسيا التي كانت تجلس على المقعد أما مكتب خالد الذي لم يكُن وجهه يُبشر بالخير، و قد تعاظم الغضب بصدره ليهتف بتهكُم
_ ايه دا هي جت عيطتلك ولا ايه؟
ناظرته بكُره لم تحاول قمعه ليخترق صوت خالد الحاد أسماعهم
_ حصل ايه بينك و بين أسيا؟
كان الحديث لمريهان التي انتفض جسدها و اقتربت للإحتماء بجانب كمال الذي كان الشرر يتطاير من عينيه وهو يتطلع إلى أسيا ثم التفت إلى خالد قائلًا بجفاء
_ و ياترى سألت السؤال دا للانسة المحترمة اللي هزقتنا و طلعتها ناس قليلة الأدب؟
باغته حديث خالد القاسي حين قال
_ الحقيقة هي مكذبتش.
برقت عيني كمال و كذلك ميرهان فتابع خالد بجفاء و حدة
_ لما نهين الناس و نعايرهم و ندلق عليهم القهوة نبقى ناس قليلة الأدب فعلًا.
كمال بصدمة
_ ايه؟
علا صوت خالد حد انتفاض جسد الفتاتين حين قال
_ هتعرفي تعتذري ولا أنتِ اخرك تهيني الناس وبس؟
ميرهان بصدمة يخالطها الذُعر
_ اعتذر ازاي يا أبيه و لمين؟
زمجر خالد بوحشية
_ تعتذري للإنسانة اللي اهنتيها و ذكرتي والدتها بالسوء، في حين أن والدتها دي هي اللي ربتك، و طول عمرها عايشة معانا كإنها واحدة مننا.
ميرهان بقهر
_ هي اللي غلطت الأول.
خالد بجفاء
_ غلطت عملت اي؟
ميرهان بانفعال
_ قالت إن محدش فكر يشغلني في شركتنا عشان انتوا بتاخدوا المتفوقين بس.
خالد بسلاسة أثارت جنونها
_ بس هي مكذبتش. احنا فعلًا بنعمل دا. بس هل دا بقى يديكِ الحق انك تهينيها و ترمي القهوة عليها بالشكل دا؟
تكاد تنفجر من الغضب و القهر في تلك اللحظة فلم تستطِع الحديث ليقول خالد بنبرة فولاذية لا تقبل النقاش
_ اعتذري لأسيا حالًا.
ميرهان بتوسل
_ يا أبية…
_ اعتذري.
كانت تطحن ضروسها من فرط الغل قبل أن تقول من بين أسنانها
_ أنا أسفة يا أسيا.
خالد بنبرة قاسية
_ على البيت.
تراجعت ميريهان للخلف وسط نظرات أسيا التي بالكاد استطاعت اخفاء شماتتها، ولكنها لم تُخفي كُرهها لذلك الذي كان يُراقب أدق انفعالاتها ليخترق حربهم الصامتة حديث خالد حين قال
_ تقدري تروحي على مكتبك، و خليكِ فاكرة انك هنا مش بتلعبي. أنتِ بتحققي ذاتك و بتكملي مسيرة واحد و عشرين سنة قضتيهم من حياتك في الدراسة. خليكِ قد الفرصة اللي خدتيها واعرفي أنها مش هتتكرر مرة تانية.
كانت تعلم إلى ما يرمي حديثه لذا ابتسمت بهدوء و امتنان حقيقي تجلى في نبرتها حين قالت
_ حاضر يا مستر خالد، و بجد مش عارفة اشكرك ازاي.
كانت ملامحها هادئة صافية مُمتنة على عكس طبيعتها التي عاهدها من قبل. لذا تولد بداخله شعور قوي بأن تلك الفتاة ليست كما تبدو من الخارج، وانها لغز كبير يُخفي الكثير من الأسرار و الخبايا خلف جدار الجمود هذا، وقد أقسم أنه سيكشف سر هذا اللغز و سيعلم ما الذي تُخفيه.
استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم و اتوب اليه ♥️
★★★★★★★★★★
_ حمد لله عالسلامة يا روضة. البلد نورت.
هكذا تحدث ياسر بنبرة هادئة تتنافى مع حالته الداخلية المُضطربة قابلتها روضة بالمرح حين قالت
_ ايوا اعترف انكوا كنتوا عايشين في ضلمة من غيري.
يزيد بتهكم
_ مش للدرجادي يعني.
_ يا عم اضحك عليا جاملني .
هكذا هتفت بمرح قابله يزيد بالسخرية
_ ما انتِ بتسوقي فيها.
ناظرته روضة شذرًا قبل أن تقول بحنق
_ على فكرة انا اصلًا كنت بكلم ياسر.
يزيد بملل
_ ابقي كلميه بينك وبينه عشان مرارتنا مش لعبة في ايدك أنتِ وهو..
تدخلت هيام بسخط
_ ما تبطل سخافة يا واد انت. مالك و مالها؟
يزيد بحنق
_ ما هو احنا لو نبطل نطبل للرخم و نقوله انت رخم في عينه كانت الدنيا اتصلح حالها. إنما النفاق دا اللي جايبنا ورا. انا هقوم اذاكر.
زمجر ياسر بتحذير
_ يزيد اعملك قفلة.
يزيد بملل
_ عملنا. الا انت مش هتحضر القاعدة اللي دايرة جوا دي؟
حاول السيطرة على ملامحه و نبرة صوته حين قال
_ لو الموضوع استدعى هحضر.
كانت هيام تتوعد الى يزيد بالهلاك ولكن الأخير لم يُبالي انما تابع بجمود
_ اصل المأذون أتأخر فممكن يكون الدنيا مش ماشية تمام جوا.
وهل لا يعلم؟ لقد كان يجلس على الجمر ينتظر أن يأتي الشيخ ليُعلن انفصالها عن ذلك الرجُل حتى يستطِع أن يهنأ في نومه ولو لليلة واحدة، فمهما ادعى عدم الاهتمام، فبمجرد أن يختلي بنفسه يبدأ عذاب لا مثيل له، ولم يعُد في مقدروه تحمله.
_ واحنا مالنا. يتأخر ولا ان شالله ما جه.
لم يستطِع الإنتظار فقد كان يقرضه و كأن عقارب الساعة تلدغ قلبه بكل دقيقة تمر عليه لذا نصب عوده وهو يتلحف بعباءته فوق ذلك الجلباب الأبيض الذي يُبرز عوده الفارع و جسده المُعضل ليتوجه إلى الداخل تزامنًا مع حديث عبد الحفيظ الغاضب
_ أظن ميرضيش ربنا أنها تأخد الدهب كمان. مش كفاية هتاخد المبلغ دا كله وهما مغرموش حاجه في الجوازة دي؟
تولى ياسر الإجابة بنبرة خشنة
_ وانت كان حد ضربك على ايدك عشان تكتب القايمة دي لما هما مجابوش حاجة يا حاج عبد الحفيظ؟
عبد الحفيظ بجفاء
_ مكنتش مدي خوانه، ولا كنت اعرف انهم هيعملوا كدا في ابني.
ياسر بصرامة
_ القايمة دي عقد وابنك مضى عليه، و مضى أنه الحاجة دي تخص بنت عم مرزوق وهو أمين عليها، ولا هو مش أمين يا حاج عبد الحفيظ؟
عبد الحفيظ بحنق
_ القايمة بمبلغ كبير اوي. نقسم البلد نصين حتى.
ياسر بجفاء
_ ولا ربعين. الراجل لما يقول كلمة يبقى قدها، ولا ايه يا رجالة؟
جابر بوقار
_ والله يا ياسر يا ابني الحاج عبد الحفيظ فاجأني بصراحة. طول عمري اعرف عنه أنه راجل حقاني و ميرجعش في كلمته.
ياسر بنبرة يشوبها السُخرية
_ ماهو السمع غير الشوف، و بعدين يا حاج عبد الحفيظ دا الرقم اللي مكتوب في الورق دا ميجيش نقطة في بحر من اللي عندك. مش مستحق الفصال دا كله.
قال جملته وهو يُقلب الورق الخاص بقائمة المنقولات بين يديه باستخفاف ليحاول عبد الحفيظ كظم غيظه قدر الإمكان وهو يقول
_ خلينا نخلص يا حاج جابر.
ياسر بجفاء
_ و حق الولية؟
عبد الحفيظ بحنق
_ تاخده عالجزمة.
لم يستطِع منه الكلمات من الإفلات من بين شفاهها حين قال
_ هات المأذون يا ابني.
إلى هُنا و لم يعُد يملك من الجلد ما قد يُمكنه من البقاء، و خاصةً حين قال جابر موجهًا حديثه إلى مرزوق
_ ابعت هات غنى عشان رأفت يرمي عليها يمين الطلاق.
في تلك اللحظة كان يود لو يُخرِج قلبه من مكانه ويلقي به في أعماق بحرًا هائج حتى يتخلص من شعوره المُخزي بالسعادة كونها ستتحرر أخيرًا ، ولكنه و لسوء حظه لا يستطِع التبرأ منه كل ما استطاع فعله هو البقاء جامدًا حين أطلت بشمسها الحزينة على مجلسهم و عينيها تزوغ في كل الوجوه الا وجهه لتبدأ أنفاسه بالتناحر بصدره وهو يستمع إلى حديث الشيخ، و قلبه يدق بعُنف إلى أن استمع إلى تلك الجملة التي كانت كإطلاق سراح سجين قضى عمره بين غياهب السجون و الآن تحرر
_ أنتِ طالق.
ظاهريًا كانت هي من أُطلِق سراحها ولكن داخليًا هو من تحرر، و أخيرًا سينام الليل مُطمئنًا بأنها لا تنتمي لرجل آخر.
وقعت عينيه عليها رغمًا عنه ليتفاجيء حين وجد عبرات غزيرة صامته تنهمر على وجنتيها، فجن جنونه هل هي حزينة على خلاصها من شبه الرجل هذا؟ ألم تكُن تُريد الإنفصال عنه؟
تناحر الألم بصدره وود في تلك اللحظة لو يقوم بصفعها حتى يُدمي وجهها الجميل هذا و يُخرج جميع شحنات غضبه و ألمه طوال العامين الماضيين. لذا اختار أن يهرُب حتى لا يفعل ما قد يضعه تحت طائلة الاتهامات، فلم يلحظ نظرتها التي تعلقت بظهره وكأنها تُريد أن تهرول إلى ذراعيه و تصرُخ بملء فمها لقد تحررت، ولكن ملامحه كانت خير دليل على كلماته ظهر اليوم بأنه يفعل معها ما يفعله مع الكثير غيرها.
انتهت الجلسة و تسلم مرزوق مبلغًا من المال لا بأس به و معه جميع متعلقاتها و توجه معها إلى بيت رضا حيث ينتظرهم الجميع هُناك، فما أن دلفوا إلى باب البيت حتى هرولت أسيا إلى غنى لتحتضنها بينما دلف مرزوق إلى الداخل وهو مُنكث الرأس، و كأنه عائد من معركة كان هو الطرف الخاسر بها.
جذبتها آسيا إلى الداخل وهي تقول بلهفة
_ خلاص خلصتي ؟
أومأت غنى بصمت وكأنها غير مصدقة لتهتف أسيا بعدم فهم
_ بت القطة كلت لسانك؟
ناظرتها غنى بضياع و هي تنظر إلى يديها التي لازالت تحتوي اخر شيء يربطها بهذا الرجل وهي تلك الحلقة التي يضيق بها صدرها لتقوم بجذبها من يدها وبكل قوتها قامت بإلقائها من النافذة وهي تهتف بسعادة غامرة
_ انطلقت. خلاص. خلصت. الكابوس انتهى.
التفتت تناظر أسيا بفرحة جعلت أنهار من الدمع تتفجر في مقلتيها وهي تُعيد قولها بصراخ
_ الكابوس خلص. خلاص يا أسيا. انا حرة. انا حرة.
أخذت تقفز كالأطفال وهي تبكي بطريقة هستيرية فقامت أسيا باحتضانها بقوة وهي تقول ببكاء
_ يا قلبي اخيرًا.
غنى بهمس من بين عبراتها
_ أخيرًا خلاص. خلاص يا أسيا.
أخذت الفتاتين تحتضنان بعضهم البعض و انخرطوا في نوبة بكاء كانت تعبيرهم الوحيد عن فرحتهم بانقشاع تلك الغمة.
حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله وإنا إلى الله لراغبون ♥️
★★★★★★★★★★★
_ و بعدين يا أمين؟ هنعمل ايه يا ابني ؟
هكذا هتفت مديحة بقهر فزمجر أمين بغضب
_ العمل عمل ربنا. اديني مستني اشوف المحامي الزفت دا هيعمل ايه؟
مديحة بانفعال
_ كله من بوز الاخس دي هي اللي جابتلنا الفقر.
أمين بحنق
_ سيبك منها دلوقتي. انا لازم اعمل اي حاجه تخرجني الأزمة دي. حتى لو هبيع هدومي.
مديحة باستنكار
_ يالهوي تبيع هدومك ايه ؟ هي حصلت لكدا؟ طب مفيش حل يا ابني؟
أمين بتفكير
_ في حل بس عايز كتير.
_ حل ايه؟
شاركها أمير تفكيره قائلًا
_ قضية المخدرات اللي كنت ماسكها. ممكن نطبخها اني كنت هناك في مأمورية تبعها، في واد من اللي شغالين في البيت دا ممكن يعترف أنه كان مرشد ليا هناك، وأني روحت عشان اشوف ايه الدنيا. دا الحل الوحيد اللي قدامي، و خصوصًا أن ملفي نضيف.
مديحة بلهفة
_ طب و مستني ايه؟ ما نعمل كدا.
امين بحنق
_ ما احنا عملنا. المشكلة في بنت الكلب اللي هناك. البت مصوراني، و حالفة لو متجوزتهاش هتوريهم التسجيلات.
مديحة باستهجان
_ يا نهار اسود. الله يخربيتها بنت ال**** طب وبعدين؟
امين بغل
_ والله لو اتنشرت ما هنولها اللي في بالها. بس انا محتاج اسد بقها، و أسايرها لحد ما اخلص من الورطة دي.
مديحة بحنق
_ هتسد بق مين ولا مين؟ دي عالمة يعني ميملاش عنيها الا التراب.
زفر امين بغضب
_ هبيع العربية، و اشوف هقدر اتصرف في ايه تاني.
لمعت عينيها بتفكير شيطاني فهتفت بلهفة
_ و تبيع عربيتك ليه؟ ما تبيع دهب المحروسة اللي متلقحة فوق دي.
برقت عينيه بإعجاب من تلك الفكرة ليقول بلهفة
_ تصدقي فكرة.
مديحة بتخطيط
_ و مش بس كدا. دي تنزل تشتغل زي النسوان لحد ما تنزاح الغمة دي و تطلع منها و تقف على رجلك.
امين بصدمة
_ بتقولي ايه؟ تشتغل ازاي؟
مديحة بإقناع
_ ايوا تشتغل. ما انت شايف الستات كلها بتشتغل اهي و بتساعد رجالتها في العيشة، وانت أديلك كام سنة متجوزها و مهننها و مدلعها. تسد بقى هي شويه لما حالك يتعدل.
راقت له الفكرة كثيرًا فأخذ يُقلب الأمر داخل عقله قبل أن يقول باستحسان
_ تصدقي فكرة.
ربي إني لما أنزلت إلي من خيرًا فقير ♥️
★★★★★★★★★★★
_ يعني انت فين دلوقتي يا رحيم؟
هكذا تحدث خالد على الهاتف مع رحيم الذي أجابه وهو يقوم بصف سيارته بجانب أحد المحلات
_ بجولك اني رايح لياسر، و هتكلم معاه، و هجوله على كل اللي عِندي، و مش بس أكده انا هسلمه حجه أن مرديش يستلم الأرض، هشتريها منه و اخلوص من الموال الطين ده.
خالد بتفكير
_ طب مش كنت تستنى شوية لما تفكر هتقوله ايه في موضوع عمتك صافية؟
رحيم بتعب
_ هجوله اللي يخصه يا واد عمي. عرفت منين و ازاي دا ميخصوش.
_ طب تحب اجيلك؟
رحيم بحزن
_ هتاچي تعمل ايه يا خالد ؟ مالوش لزوم هو جدر ولازم اتجبله. متجلجش عليا. اني هجف اصور الورج كله، و اسيبهوله لحد ما يشوف هيعمل ايه و ناوي على ايه و لو حب يتكلم هحكيله واريح روحي.
خالد باختصار
_ ربنا معاك. ابقى طمني لما تخلص.
_ أن شاء الله خير.
أنهى رحيم مكالمته و توجه إلى تلك المطبعة العتيقة قائلًا بصوته الخشن
_ يا رب يا ساتر.
انتفض جسد نجاة التي كانت تمسك بحفنة من الأوراق و تقوم بترتيبها، فهي تتناوب في العمل في تلك المطبعة مع شروق التي كانت متعبة اليوم فلم تستطِع الحضور، وحين كانت منشغلة بعملها تقاجئت من هذا الضخم الذي كان يسد مدخل الباب بطريقة أجفلتها، و خاصةً حين نادى مرة أخرى بصوته الغليظ
_ ياللي هنه.
خرجت نجاة من تلك الغرفة الجانبية التي يضعون بها آله طباعة الورق وهي تقول بانفعال
_ اي في اي يا چدع انت ؟ بتنادي في ملأه ولا اي؟
تفاجيء من تلك الفتاة التي كانت ترتدي الأسود و تتحدث باللغة الصعيدية التي يعرفها جيدًا و خاصةً تلك اللكنة التي لن يُخطيء في معرفتها فأجابها بجفاء
_ ايه يا ست أنتِ؟ بنادي محدش بيرد اجف طول النهار مستني طلتك ولا اي؟
ما أن أنهى جملته حتى كانت وصلت لتقف أمامه مُباشرةً، فإذا به ينبهر بذلك الجمال الخارق للطبيعة و تلك العينين الكحيلتين بلونهم الأسود و سياج رموشهم الكثيفة و ذلك الأنف المُرتفع و تلك الشفاة التوتية الشكل واللون و هذا الوجه المُستطيل الذي كان خمريًا مُطعمًا بحُمرة طبيعية جذابة، فإذا به يتسمر أمامها لثوان قبل أن يفيق على حديثها الحاد
_ ناديت مرة خلاص استنى. لازمن تسرع الناس؟
رحيم بتهكُم
_ اتسرعتي عشان ناديت بصوت عالي؟ اومال لو ضربت طلجتين كنتِ عِملتي اي؟
ناظرته شذرًا قبل لأن تقول بجفاء
_ نهايته. نعم . عايز ايه حضرتك؟
رحيم باختصار بينما عينيه تتعمقان في ملامحها بطريقة اجفلتها
_ عايز اصور الورج دا.
مد يده بالأوراق لتأخذها من بين يديه التي شددت عليها لترفع رأسها تناظره، فوجدته يُناظرها بتمعُن جعل الغضب و الخوف يمتزجان بأوردتها لتهتف بارتباك
_ في اي؟
لا يعلم لما شعر بأنها لم تكُن المرة الأولى التي يلتقي بتلك العينين، ولكنه لم يُفصِح عن دواخله انما ترك الورق دون أي حديث لتشرع في بدأ التصوير الذي استغرق عشر دقائق حيث كان يُبحر بذاكرته عله يتذكر أين رآها؟ ولكن دون جدوى و كذلك هي كانت تشعُر بأنها تعرف ذلك الصوت، و ربما تلك الملامح ولكنها لا تتذكر أين رأتها؟ لا تعرف لما هذا الشعور بالإنقباض داخل صدرها جل ما تُريده أن ينصرف ذلك الرجُل المُخيف.
توقفت أمامه تقوم بعد الأوراق حتى تُحاسبه و في أثناء ذلك علقت أحد أكمامها في ماكينة تدبيس الورق لينكشف ذراعها، و فجأة تجمدت الدماء بعروقها حين قبض رحيم على كفها بعُنف و عينيه يتطاير منها الشرر وووو…