![]() |
اسكريبت ولادك ماتو ازاي كامل بقلم الست نور
- ولادك ماتوا إزاي؟
- ملحقتش أداريهم.
كانوا بيقولوا لو ابنك كبر داريه وأنا ربنا رزقني بـ اتنين من البنات واتنين من البنين، كل ولد وبنت في بطن كانوا الكل بيحسدوني عليهم.
- صبرتي ونولتي يا أم التوائم.
- يختي ده أنتِ أكتر واحدة عارفة لفيت كعب داير عالخلفة وصرفت قد أي!
- أيوة أيوة على يدي وأهو ربنا كارمك آخر كرم بتجيبي بالاتنين في البطن الواحدة لا تعولي هم تجيبي عيل عيل ولا غيره.
قالتها بنبرة مرتاحلتهاش بس مركزتش وقولت يمكن بتهزر علشان كنت لسة والدة آخر توأم ياسين ومكة، واستقبلت الضيوف ولما مشيوا قومت أريح شوية وسيبت ماما وأخواتي مع العيال.
- نور قومي.
- فيه أي؟
- حماتك وعيالها جايين يباركولك.
- طيب قدميلهم حاجة يشربوها عقبال ما أفوّق.
حماتي دي كانت أكتر واحدة تنتقدني في الرايحة والجاية وتقول عليا أرض بور ومش مهنية ابنها بالخلفة بس أول ما جبتله التؤأم بقيت على الحجر وطيبة الدنيا فيها، بس بناتها هم اللي مش برتاحلهم ولا عمرهم اتقبلوني بينهم.
- مبارك عليكِ يا نور يتربوا في عز أخويا إن شاء الله
- الله يبارك فيكِ يارب عقبال ما ربنا يرزقك بالذرية الصالحة يا إيمان.
- قصدك أي يعني بكلامك ده؟
- مش قصدي حاجة والله بدعيلك.
- لأ أنتِ قاصدة وقاصدة أوي كمان! علشان يعني لسة مخلفتش؟ ربنا قادر ياخد منك ويديني.
- لا حول ولا قوة إلا بالله أي قلبك ده؟ وأي دخلني في حياتك وياخد مني ليه؟ هو علشان ربنا يديكِ لازم أنا أتحرم؟ روحي الله يسامحك.
الدنيا قامت مقعدتش واتخانقنا واتقلبت القعدة لصوت عالي وغلط فيا وفي أهلي وجوزي جه منصرنيش وقالي أنا اللي غلطت فيهم وهم في بيتي والمفروض كنت أعدي الموقف لحد ما يمشوا.
- يعني مش هتروحي بيتك يا بنتي؟
- بعد ما غلطوا فيا قدامكم وافتروا؟
- علشان عيالك وجرحك اللي لسة جديد.
- ياريتهم راعوا ده كنت قولتلك أعدي وأهو كلها بتفوت.
أمي اتنهدت وهي خارجة وضربت كف على كف:
- ربنا يصلحلك الحال يا بنتي يارب.
- آمين يا أمي يارب
يومها مكملتش في بيت أهلي ساعة وجوزي جالي يراضيني:
- نصرتهم عليا وغلطتني وأنا مش غلطانة.
- مسكوني أول ما وصلت البيت مراتك عملت وسوّت وعموا عيوني عن غلطهم ومسكت في رد فعلك بس.
- ويا ترى حكولك بعد ما مشيت ولا زودوا كلام عني؟
- لأ أمي حكتلي اللي حصل وهي مغلطة أختي وأنا أول ما عرفت جيتلك.
- والله ما كان قصدي حاجة وهي اللي كبرت الموضوع، بقى أنا أعايرها؟ ده أنا معتبراها أختي.
- حقك عليا أنا وآدي راسك أبوسها.
لا زعل بيطول ولا خصام بيدوم وحمدت ربنا على نعمة الزوج المتفهم وبيرجع عن غضبه ورجعت بيتي بولادي بس من وقتها وابتدت رحلة عذابي.
- الحقني العيال تعبانين.
- طب أنا جاي حالًا.
سيبت التؤأم الكبار في البيت مع حماتي وروحت بالتؤأم اللي لسة مولودين المستشفى واتحجزنا بيهم وشوفت بعيني يعني أي عيالي النن بتاع عينهم يروح ويرجع والنفس يتقطع ويرجع والعيال بدل ما ترجع عادي ترجع دم والإبر والحقن قطعت جسمهم وبقى أزرق.
- دكتور عايزة دكتوررر الولاد بيموتوا مني.
- فيه أي فيه أي؟
الدكتور دخل بسرعة يكشف عليهم وبعد كده رفع سماعته وقال بنبرة أنا عارفاها كويس وكنت متوجسة منها:
"البقاء لله يا مادام، ربنا أعطاكِ بعد فقد ورجع استرد أمانته، التؤأم جُم الدنيا مع بعض ومشيوا منها شابكين إيديهم في إيدين بعض، ساعة الوفاة 02:22"
بعد ما كنت رايحة بولادي يتعالجوا وجوزي مشي كان جاي تاني يوم ليا بلبس ليهم وليا، منتظرتوش لما ييجي وسبحان مين قوّاني ودخلت عليهم بولادي:
- جايباهم بكفنهم؟ داخلة علينا بكفنهم! هان عليكِ وقلبك طاوعك؟
قلبي! هو حد سامع صوت الكسرة اللي أنا فيها؟ طب حد شاف عيني اللي بتبكي بدل الدموع دم؟
- هاتي يا نور! الولاد لازم يتدفنوا.
- لا لا ابعد أيدك عنهم محدش هيقرب من ولادي، أنا هخليهم في حضني ومش هخلي حد يقرب منهم.
كأن كلمة يتدفنوا دي هي اللي صحتني وفوقتني من الغيبوبة وبدأت وقتها أبكي بـ هيستيريا وأصرخ والناس كلها بقت تبكي على حالتي، حالتي كان تصعب عـ الكافر زي ما سمعت منهم.
- اهدي يا نور ربنا يعوضك عوض الصابرين.
- ولادي يا عمتي! ولادي استلمتهم جثة في أيدي! عارفة يعني أي؟
- قولي الحمدلله يا بنتي إن ربنا رضاكِ وخلاكِ شيلتيهم على أيدك غيرك مش لاقي وأنتِ أحسن من غيرك!
- وأشيلهم جثة يا عمتي؟ هو ده اللي شايفاه أنا أحسن من غيري؟
- أيوة أحسن من غيرك لما تلفي عالدكاترة وتلاقي اللي يروح وييجي معاكِ أحسن من اللي يسيبك تحتاسي بيهم.
- لو مكنش جوزي اللي يلف معايا على تعب ولادي أومال هروح لمين؟
الجملة مخلصتش لقيت الرجالة داخلين بـ جوزي وقع من طوله في العزا وحاولوا يفوقوه فاق بالعافية بس كأنه مكنش معانا.
- إحنا لازم نروح للدكتور.
- لا لا أنا كويس.
- كويس أي وأنا شايفاك كده؟
- كلامي من كلامك يا نور يا بنتي ده حالته لازمها دكتور.
- نادي أخواته يا حماتي يجيبوا عربية ونروح نكشفله.
روحنا أنا وحماتي وأخوات جوزي الرجالة ودخلنا عند الدكتور واللي أول ما عرف إنها حالة وفاة قالنا البقاء لله وبعدها طلب مننا تحاليل لجوزي.
- نور
- معاك
- زعلانة مني؟
- هزعل منك ليه؟
- في أي حاجة عملتها، عايزك تسامحيني ومتشيليش في قلبك مني.
- عمري ما أقدر أزعل منك ده أنت جوزي وأبو عيالي.
لأول مرة أشوفه هزيل ومريض سند راسه على كتفي فحاوطته لحد ما التحاليل تظهر وأنا بطبطب عليه، وأنا بدعي من جوايا يطمن قلبنا ويرحم ضعفنا برحمته من الدوامة اللي إحنا فيها دي.
- للأسف التحاليل متبشرش بالخير وحضرتك لازم تشد حيلك لان الفترة الجاية هتبدأ علاج بالكيماوي.
- يعني أي؟ ليه جوزي ماله يا دكتور؟
- جوزك مريض سرطان يا مدام.
الدوامة لفت بينا أكتر وكنا بنزق الأيام وبنحاول نقوى على قد ما نقدر، حتى ولادي وقفت بُكا عليهم علشان اللي باقي مني يسند جوزي في محنته، كنت أبقى من جوا منهارة ومن برا بطبطب عليه وبأكله وبشربه وبديه علاجه وبروح معاه جلساته، بس حالتنا مكنش فيها تحسن وكنا من سيء لأسوأ وبيتنا بقى مأوى للنواح والحزن المُباح وحالتنا يتبكي عليها.
- النهاردة هريحك من تعبك معايا.
- وهو أنا اشتكيتلك؟ وبعدين مبحبش أشوفك تعبان بس اتعب أنت وملكش دعوة
- أنا مبعملش حاجة غير إني بتعبك.
- بس يكفيني إنك واخد بـ حِسي وربنا يباركلي فيك وميحرمنيش منك يارب.
- سايبلك أمانة خلي بالك منها.
- تعيش وتربيهم وتجوزهم هو أنت تفتكر هشيل أمانتك لوحدي؟
- ربك لما يريد.
- بس إحنا متفقناش على كده.
- لأول وآخر مرة أغيّر اتفاقي معاكِ.
ونام مصحيش، حِسه اللي كنت باخد بيه في الدنيا بقى ذكرى ومبقاش موجود، هو نفس مبقاش معايا! هدومه اللي بكويهاله مين هيلبسها؟ ولما أزعل مين هيراضيني؟ سابني في الدنيا بطولي لبنت وولد المفروض أكونلهم الأب والأم في غيابه! أمانتك تقيلة ياحبيبي تقيلة عليا وأنا تعبت والله تعبت.
- هي دي مراته؟
- هي يا قلبي عليها، اللي مموتة نفسها من البُكا والستات بيهدوها، في الأول ولادها وبعد كده جوزها، فاجعة كبيرة.
- الموت عزيز مبياخدش إلا كل عزيز أومال أنتِ فاكرة أي؟
- ربنا ما يكتب على أي ست اللي اتكتب عليها.
- أهو على الأقل يوم ما لفوا عالدكاترة لقيوا فلوس يصرفوها، محتاجوش لحد.
- على رأيك ياختي الحوجة مُرة.
سكاكين بتقطع في قلبي، وكل اختبار أصعب من اللي قبله لحد ما أمي طبطبت على راسي وقالتلي:
- حقك عليا أنا اللي منصحتكيش ومنقذتكيش.
- وأنتِ أي دخلك بس يا أمي؟
- النهاردة كلمت ليكِ الشيخ مُعتز، هييجي يقعد شوية.
الشيخ مُعتز قارئ قرآن وحافظ كتاب الله وحاجج بيت ربنا، معروف بين ناسه بـ صلاحه وتقواه.
- ممكن تجيبوا أرملة المرحوم وولادها؟
- حاضر يا شيخ.
أخواتي الولاد وأمي وحماتي وأخوات جوزي الرجالة بس اللي كانوا في القعدة وأنا دخلت بولادي الاتنين.
- اقعدي يا بنتي.
- طب وولادي؟
- خليهم في حضنك اوعي تفرطي فيهم.
ضميتهم ليا أكتر وبعدها بدأ يقرأ عليا قرآن وعليهم فجأة رميت ولادي من أيدي والشيخ كأنه كان متوقع رد فعل مني زي كده فمسكهم قبل ما يوصلوا الأرض، وكمل قراءة قرآن وأنا جسمي اتنفض وفضلت أترعش ونن عيني يروح وييجي وأنا حاسة روحي بتتسحب مني لحد ما اغمى عليا.
- شربوها من الميه دي مقروء عليها قرآن وفوقوها.
- هي مالها يا شيخ ووشها اصفرّ كده ليه؟
الشيخ رفع نظره للبيت ورجع بص لوجوه كل الموجودين واتكلم:
- في البداية حابب أذكر نفسي وإياكم أن كل ما يجري في هذا الكون، إنما هو بتقدير من الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].
فيعيش المؤمن بهذه العقيدة شجاعًا واثقًا بأن الله تعالى مقدر الأرزاق والآجال، مستحضرًا قوله سبحانه: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51].
- هل ده معناه إن اللي بيحصلنا إرادة ربنا مش حسد يا شيخ؟
- من حكمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل للعين تأثيرًا بإذن منه سبحانه، وقد دَّل على ذلك القرآن، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أدلة القرآن:
1- قوله تعالى عن يعقوب عليه السلام: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ [يوسف:67].
قال العلماء: إن ذلك كان خوفًا عليهم من العين، وقد وصف الله يعقوب بعد ذكره لهذه المسألة قائلاً: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاه.
2- وقوله سبحانه: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ [القلم:51].
ومن أدلة السنة:
1- الحديث الذي رواه أحمد ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين.
- طيب وجوزي يا شيخ؟ موته ممكن يكون بسبب العين؟
اتكلم بنظرة كلها أسف وحزن على حالي واللي وصلت ليه:
- ما رواه أبو نعيم في الحلية وابن عدي بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر.
شهقت شهقة وكأني بسمع الحديث الشريف لأول مرة وأنا دموعي نازلة من غير توقف، معقولة أخسر ولادي وجوزي بسبب العين؟!
- لسة باقي من ريحته التؤام الكبار يا بنتي حافظي عليهم وحصنيهم من العين، عيون الناس مبترحمش.
أخوات جوزي سألوا الشيخ وحماتي معاهم:
- شور علينا يا شيخنا وقولنا نعمل أي؟
- خليكم عارفين إن مفيش داء إلا وليه دواء وأدعية وأذكار التحصين كتير وأنا هحصنلكم البيت وأهله بذكر الله بس الباقي عليكم ولازم تواظبوا على الأذكار وسورة البقرة وتشغيل القرآن دايمًا في البيت، واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ومتدخلوش عيون الناس بيتكم بإيديكم.
- حاضر يا شيخ.
لأول مرة أقدر آخد ولادي في حضني وأنام، استودعت ربنا في أهلي ومالي وولادي وسبحان مين ربط على قلبي بعد كل الوجع ده، لقيته جالي في الحلم لأول مرة من بعد وفاته ومعاه ولادي الاتنين.
- معاك مكة وياسين؟
- أيوة تحبي تشوفيهم؟
- نفسي أشوفهم وآخدهم في حضني.
- تعالي شوفيهم.
مسكني من أيدي ووداني ليهم لقيتهم مع أطفال كتير بيلعبوا وعرفت وقتها أن دول الأطفال اللي أمهاتهم فقدتهم، وجوههم كانت حلوة أوي وكأنهم ملايكة وصوت ضحكتهم كأنه صوت من الجنة.
- خلي بالك من أمانتي اللي سبتها معاكِ.
- أنا هاجي معاك.
- ولما تيجي معايا مين ياخد باله من الأمانة؟
سابني واختفى وكان وشه زي البدر وماسك في إيديه الاتنين ولادي اللي ماتوا ولا كأنهم تعبوا ولا شافوا مرض قبل كده، علشان أصحى على صوت الراديو:
"فكم لله من لطفٍ خفي يدق خفاه عن فهم الذكي؛
وكم يسر أتى من بعد عسر ففرج كربة القلب الشجي؛
وكم أمر تساءُ به صباحًا فتأتيك المـسرة بالعشي؛
إذا ضاقت بك الأحوال يومًا فثق بالواحد الفرد العلي؛
ولا تجزع إذا ما ناب خطبٌ فكم لله من لطفٍ خفي"
بدأت أردد كلمات الشيخ النقشبندي بطمأنينة وسكون لأول مرة أحسه في وقت السحر والثلث الأخير من الليل:
الست نور
"فكم لله من لطفٍ خفي"
لمتابعه روايات سكيرهوم زورو موقعنا علي التلجرام من هنا