![]() |
رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الرابع والعشرون بقلم إسراء على
هي ينبوع عذب في صحراء قاحلة
فتحت سديم عينيها و نظرت إلى جوارها فـ لم تجد أرسلان ، لتزفر و تنهض جالسة و لكنها شهقت عندما سمعت صوته يدخل من الشُرفة
- مالك بتنفخي ليه على الصُبح!
إنتفضت في جلستها مُجفلة لسماعها صوته الذي لم تتوقع سماعه و وجود صاحبه من الأساس ، حدقت به و بـ ثيابهِ التي بدلها بـ أُخرى غير تلك أمس ، فـ سألته عاقدة لحاجبيها
- أنت رايح فين كدا!
اقترب أرسلان منها دون أن يرد حتى جلس أمامها يُداعب خُصلاتها مع إبتسامةٍ مُهلكة ، غريبة ترتسم على شفتي القاسي ، ثم بعدما تأملها و هي لم تمنعه قال بـ تنهيدةٍ ساخرة
- كأي زوج مُتحضر و مؤدب راح يجيب عيش.
رفعت سديم حاجبها حتى أوشك أن يلتصق بـ منبت شعرها ثم عقدت ذراعيها و هتفت بـ نبرةٍ تنُم عن شر و عدم تصديق
- يا راجل!
- حتى أسألي بتاع الفُرن
- تحولت نبرتها إلى البرود: و ليه أسال صاحب الفُرن و أنا هنزل أشوف المطبخ تحت
- قرص وجنتها و هتف بـ جديةٍ ثقيلة: و مين هيسمحلك تسألي!
لم يُكمل عبارته و هي لم تحتج فـ هي على درايةٍ بـ مقصدهِ فـ هتفت تغيظه بـ نبرةٍ عادية و بسيطة
- مش أنت اللي قلت أسأله!
- شد خُصلتها فـ تأوهت ليقول: و أنت مُطيعة أوي يا ست الدكتورة.
أخرجت سديم نفسًا حار و تحركت يداها لتفتح أزرار قميصه في صمتٍ ، لينظر هو إلى يدها ثم ابتسم من زاوية فمه و هتف
- مش ع الصُبح كدا يا دكتورة ، خُدي نفسك.
اغتاظت لتلميحه الفج فـ وجدت نفسها تضغط على جرحهِ و هتفت من بين أسنانها دون النظر إليه ، ربُما تُحاول إخفاء كذبها
- حبيب قلبي ، دماغي أنضف من دماغك بـ كتير ، بشوف جرحك يا فالنتينو.
سمعت صوت قهقه خفيض و أنفاسه الدافئة تُداعب خُصلاتها فـ تُبهج قلبها ، إتكأ أرسلان بـ كفيهِ إلى الفراش و ترك لأصابعها النحيلة حُرية التجول و مُحاولة مُداواة جرح قد سبق و داوته مُذ أعطته فُرصةً ثانية للنجاةِ بها
كانت عيناه تتجول ما بين يديها و ملامحها التي تُخفيها خُصلاتها المُشعثة ، رغم تلك العُقد الواضحة و لكنها تظل أجمل خيوط تراها عيناه ، كاد أن يمد يده و يُداعبها و لكنه آثر المُراقبة و كم اشتاقت عيناه القاسية تأمُلها حتى في نومها
رغم اللسعة التي شعر بها إثر الجرح و لكن يدها كانت تربت و كأنها تعرف توابع لمساتها ، رفعت بصرها أخيرًا و هي تُبعد خُصلاتها إلى الخلف و قالت مُتنهدة بـ حنقٍ و غضب
- الجرح محتاج يتخيط يا أستاذ ، و إلا هيحصل عدوى ، قوم دلوقتي عشان نعقمه و نخيطه.
و لكنه كان ينهل من ملامحها و خاصةً تلك الشفتين اللتين تتحركان في استفزاز واضح له ، فـ مال أثناء حديثها و إقتطف الفاكهة الطازجة كـ سارقٍ فتنته حلاوة الفاكهة ، تسمرت سديم في مكانها و شعرت بـ الدوار يُصيبها و لكنها رفعت يدها و وضعتها على وجنتهِ تُداعب لحيته الخفيفة
إبتعد أرسلان مُرغمًا عنها ثم وضع جبهته على جبهتها و قال بـ صوتٍ هادئ رغم تعثر أنفاسه
- هاتي العِدة و تعالي.
و ارتاح فوق الفراش لتضحك سديم و تنهض سريعًا ، بـ داخلها سعادة كبيرة رغم إنتقاص جُزء منها يتضمن عدم قُدرتها على المُسامحة و النسيان و لكنها لن تستسلم و هي تعلم أنها لن تستطيع إكمال حياتها دونه أبدًا
توقفت يد سديم عن التقاط عُلبة الإسعافات الأولية و هي تعي شيئًا واحدًا الآن و الذي يجعلها أكثر سذاجة و حُمقًا ، لقد ألهاها و لم يسمح لها بـ معرفةِ أين يذهب ، أو ربُما هو فقط قد عاد
عند تلك النُقطة قطبت جبينها غضبًا و هي ترفض أن تظهر بـ شكلِ مُهرج فـ التقطت العُلبة و خطت إلى الخارج بـ خطواتٍ كادت أن تُحطم الأرض أسفل خطواتها القوية ، و فتحت الباب تنوي تقريعه و لكنها وجدت أرسلان الصغير و سيلا يلتفان حول والدهم في مشهد يسلب أنفاسها
فـ قررت تأجيل التقريع إلى أن ينتهي هذا المشهد الجميل و يُمحى من ذاكرتها حتى لا تضعف أمامه مُجددًا
*****
قبل الوقت الحالي بـ ساعتين
قرر عابد التدخل و قد بدأ أرسلان يفقد السيطرة على وعيهِ و نظرات الإنتقام التي تُحلق بين حدقتين سوداوين تعتزم القتل كـ ديةٍ ، و الاتفاق لم يكن أن يؤول الأمر إلى القتل ، فـ لذلك تقدم و أمسك قبضة أرسلان و التي أوشكت أن تهوي على وجه قاسم الذي كاد أن يتهشم وجهه ثم هدر عله ينتشله من تلك البؤرة التي كادت أن تبتلعه هو أيضًا
- دا مش إتفاقنا ، جتل لأ و أنا محتاجه لبرائتي.
كاد عابد أن يتهاوى أرضًا ميتًا لشدة ظلام ملامح أرسلان و سوادها المُخيف ، كان كـ وحشٍ أُطلق صراحه من أقبح بقاع الأرض ، إزدرد ريقه بـ توترٍ و قال بـ صوتٍ حاول إخراجه قوي
- يا شيطان إحنا بنريده حي ، و أنت كمان ، لسه فيه دفاتر ما إتقفلت.
تشنج جسد أرسلان و نظر إلى قاسم الذي يبدو كـ جُثةٍ هامدة ثم دفعه من يدهِ التي تُمسكه و إلتفت إلى عابد ، ثم قال هادئًا و كأن ما حدث كان وهمًا نسجه خيال الآخر
- سيبني طيب أكلم حضرة الظابط.
حدق به عابد مُتشككًا فـ هو لا يثق به ، و لكنه تركه في النهايةِ و بـ الفعل كان أرسلان يُخاطب أخيه ثم أغلق الهاتف و جلس فوق صندوق خشبي يُحدق بـ قاسم ، و مع كُلِ ثانية تمر كانت نظرات أرسلان تزداد قتامة و توحشًا و عقله ينسخ آلاف الخيالات عن علاقة مؤمن بـ قذر مثله جعله في النهايةِ كبش فداء لصفقة مُلطخة بـ دماءهِ و دماء شبابٍ لم تبدأ حياتهم بعد
كُلما تذكر الماضي و تذكر قساوة المشهد و إحساس تناثر دماء مؤمن على يدهِ ، شعر بـ الصقيع الذي يُجمد قلبه و مشاعره كـ بشري ، نظر أرسلان إلى يدهِ
سكين
و دماء
و إبتسامةٍ
و همسة حَمّلته عبء
” أنا عارف إنك هتجيب حقي“
ثم جُثة تتهاوى
و بعدها لم يعد أرسلان كما كان ، عاد إلى منزلهِ ليرى النهاية الكُبرى ، نهاية بشعة خلقت منه مسخ و جعلت هوايته الدماء و القتل ، أقسم أن يجعل الجميع يُعاني ، أن يُقتل كُل من كان سببًا في قتل عائلتهِ و مؤمن ، و دومًا ما كان يُتمتم
إنه القصاص ، إنه العدل لِما نكره القانون ، لِما رفض الجميع البوح بـ الحقيقةِ عنه ، لذلك لم يجد غير الظُلم و الشيطان ليُعيد حقه ، و لم يحتج الكثير ليفقد نفسه بل كان ينتظر دومًا النهاية عله يجد الراحة أخيرًا
و من بين كُل ذلك السواد و الظُلمة ، من بين دنس قذر و بحور الدماء التي سبح فيها يتلذذ بـ دماءٍ تُراق على يديهِ ، ظهرت هي ، كـ ضبابٍ ناعم يسرقه من وحشة الحقيقة ، كـ قطرات الندى التي تتساقط على وجنة عطِش فـ ترويه ، لم يكن أرسلان هو ذاته حتى أعادته هي إلى ذاتهِ التي سلبها أولئك القتلة ، فما كان منه إلا أن يتمسك بها بـ شدةٍ
بينما هو غارق في أفكاره و كانت تُلقيه في النهاية إلى مركبها ، و أن ما تُعايشه من تلاطم عجيب كان هو سببه ، فما عليه سوى تنظيف تلك الفوضى و إعادة تنظيم حياتها
وقف قُصي أمامه مُتنهدًا يعقد ذراعيه أمام صدرهِ ، و إنتظر أرسلان ليرفع رأسه إليه ثم هتف بـ صوتٍ هادئ و لكنه لا يخلو من الغضب
- أديني جيت ، ممكن أفهم إيه في إيه!
رفع أرسلان بصره إلى قُصي و رغم إبصاره له ، لم يرَ سوى صورته و هو مُلقى أرضًا و النيران تكاد تلتهمه في جوعٍ ، و يومها تحركت عضلاته من تلقاء نفسها لتنقذه ، و في داخله يهمس
”الوحيد المُتبقي“
رغم أن قُصي كان يكرهه و أنه لم يجد سواه ليلومه عن مقتل عائلتهِ إلا أنه لم يتخلَ عنه و لم يستطع تركه ليغرق حتى و إن كان سببًا في إلقاءهِ ظُلمًا خلف القُضبان و المسؤول عن ندبةٍ لم تندمل بعد ، حتى أنها تركت نفسي داخله تعتزم كُلما نسى أن تُذكره بـ أبشعِ ليلةٍ على الإطلاق
تنهد أرسلان و أشار بـ ذقنهِ إلى قاسم الذي يئن ألمًا ، فـ نظر إليه قُصي حيث أشار ثم إلى أخيه و قال بـ نفاذ صبر
- شوفته أول ما دخلت ، بس مفهمتش
- ليرد أرسلان بـ فتورٍ: إتعامل معاه ، بـ القانون.
أردف بـ الكلمةِ الأخيرة بـ سُخريةٍ ليرتفع حاجبي قُصي ثم قطبهما و تسائل في قلقٍ
- أرسلان أنت كويس!
- تصلبت تعابير وجهه و رد بـ جمودٍ: بحاول أكون مُتحضر.
نظر إلى يده التي إختفى عنها الدماء ثم قال بـ نبرةٍ و إن خرجت لا مبالية إلا أن قُصي قرأ بها الحُزن و المرارة
- عشان موسخش إيدي تاني .
حينها أومأ قُصي و عيناه أغلقها حتى لا يرى بهما أرسلان الشفقة و التعاطف ثم قال و هو يجلس جواره
- محتاجين قصة عشان لما نستدعيك.
نظر إلى عابد الذي يقف مُتجهمًا في أحد الزوايا ، ثم أشار إليه قائلًا
- و تعالى أنت كمان ، أنت قصتك قصة .
يبدو أن أرسلان إكتسب عادة جديدة في الحديث و الثرثرة
*****
وضعت يدها على كتفهِ في خفةٍ ، رغم خطواتها المسموعة و لكن ذهنه كان مُشتتًا و عيناه كانت تنظر في إتجاهٍ واحد لطالما نظر إليه قلبه قبل عيناه ، و الشوق الذي يلمع في حدقتيه يقتله ، ليلتفت أيوب إليها فـ سألته
- ليه بتبص هناك! وحشتك!
ألقى أيوب نظرة أخيرة ثم إلتفت مُتنهدًا بـ حُزنٍ استطاعت أن تقرأه بـ وضوحٍ تام و قال
- طول عمرها وحشاني، دي أرضي و بلدي و أحلى مكان فـ الدُنيا.
تعلم قوت جيدًا مدى تعلق أيوب بـ وطنهِ المسلوب ، فـ قد روى عنها ما جعلها تشتاق لزيارتها و ربُما الإقامة فيها ، تركته قوت يحكي دون مُقاطعا
- ساعات بحس إني جبان و هربت مع إن فيه كتير بيعانوا و رفضوا يتركوا الأرض
- هزت كتفيها و قالت: جايز ترجعلها أقوى.
ابتسم أيوب من زاوية فمه بـ أسى قوي جعلها تهتز ثم قال و هو يركل حصاه
- محدش بيكون أقوى بره بلده ، بره المكان اللي بيديله النبض.
نظر من جديد إلى ذلك المعبر و البوابات الضخمة ثم هتف بـ صوتٍ يتخلله الخزي
- إحساسي بـ العجز و أنا هنا و المقاومة هناك بتجارب ، احساس وحش بياكل من روحي.
حينها لم تستطع قوت الانصات أكثر ، فـ إلتفتت تقف أمامه ثم قالت بـ صوتٍ صارم ، و قوي عله يفهم
- أيوب لازم تفهم إنك واحد من ضمن كتير ليهم تار و هياخدوه دا وعد ربنا ، ثاني شيء أنت بتحارب بطريقتك زي ما الناس هنا بتحارب برضو بطريقتها ، اينعم مبتحاربش بس على الأقل بتحاول تمنع التمن اللي بيقتلوا بيه الشهداء هناك.
صمتت تلهث ثم أكملت و هي تنظر إلى عينيكِ اللتين تنظران إليها في دهشةٍ و زهوٍ
- الأرض أرض ربنا و ليه أكيد حكمة فـ اللي بيحصل ، أه الغُمة و الكرب كبير بس نصر ربنا جاي و دا وعد ، ممكن يتأخر لسبب برضو بس كدا كدا دا وعد ربنا بـ نصر المؤمنين و الأرض من حق أصحابها.
ابتسمت شبه إبتسامة ثم أكدت و هي تومئ بـ رأسها
- و صاحب الحق ميخافش أبدًا ، لأن حقه هيرجع.
نظرت إمتنان لمعت في عينيهِ لدعمها و إستئثار عبارات والدها و التي أخبره بها مُنذ قدومه ثم هتف بـ صوتٍ عميق
- عارف و مُتأكد من كدا ، لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا.
و رغم داخله الذي لم يهدأ و لكنه يعلم تمام العِلم أنه سيخوض الحرب ، فلا معنى من وجودهِ دون أن يُدافع عن حقهِ ، أن يشعر بـ حلاوة النصر و هو يُمسك سلاحه بين يديهِ و يقتل عدوه كما سبق و ثأر لعائلتهِ ، حينها فقط سيُزيل ذلك القناع الطعن عن روحهِ