رواية احيت قلب الجبل الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم ياسمين محمد


    رواية احيت قلب الجبل الفصل الرابع والأربعون  بقلم ياسمين محمد

الشر ..الظلام ..الزيف ...لا تفزع ..فلكل منهم ما يجابهه ..

الخير ..النور ..الحقيقة ..تلك هي المعادلة ..فقط تخشى عندما لا تملك القدرة على التفرقة بين النقيضين ...

________________

دخلت تخطو ببطء في الحديقة إلى باب المنزل ..وجدته مفتوح إلى نصفه تقريبا ..الغبية يمنى لقد أخبرتها ان تفتح فقط جزء صغيرا منه ..دخلت تنظر بحذر تبحث عن ابنتها ..لتتفاجئ بمن تقف قبالتها مستديرة .. توليها ظهرها .. سريعا عرفتها دون ان تلتفت ..تحفظ تفاصيلها كاملة ..وكيف لا وهي نسخة منسخة منها ..تحسست جيبها بابتسامة جانبية ..ابتسامة جحيميه ..تخرج سلاح ما اعدته قبل خروجها ..تخرجه ببطء وازى التفاتة الأخرى ..شهقة ملائكية ..عينين متسعتين .. واجهت ضحكة شيطانية خافته ..صوبت السلاح إلى منتصف صدرها ..تماما نحو قلبها ..تتحدث بنبرة بركانية ..تشتعل عينيها بشرارات حقد قاتمة ..وحروف تقطر سُما..

: اهلا اهلا ..اختي العزيزة ...

صوت هامس وعيون على وشك البكاء وافكار عدة ..خائفة ..كلها تصرخ باسم ولدها .."مازن"..

: ناهد ..؟

: بيتهيألي مش محتاجة تتأكدي ..الشبه واضح ..

قالتها بسوداوية قاتمة ..بينما الأخرى قبضة بركانية تعتصر قلبها ..بين جزء منها اشتاقت له ..ونفس الجزء هو سبب شقائها ..صمتت فقط تنظر لها وكون شيطان يقف امامها فلا مجال لتفسير الصمت على انه عتاب " العتاب نمط آدمي لا يناسب الشياطين"..الصمت صمت وفقط ..بسخرية لاذعة ونبرة مستنكرة..

: لاء ما تقوليش اني واحشتك .. لسه عايشة دور الملاك يا حنان ..؟ لسة بتاخدي كل حاجة من الدنيا ..

الأولى تحتاج لجواب ..اما الاخيرة خرجت بحقد ..بإقرار ..بعقيدة راسخة ..لا تستلزم وضوح ...

: ليه ..؟ ..ليه ناهد عملتي كده ..؟ لو انا باخد كل حاجة من الدنيا ..انتي خدتي مني الدنيا كلها .. خدتي حياتي حياتي ..سرقتيها مني وانا مش دارية ..انا كنت بموت في كل يوم ابني فيها مش جنبي ،ومش عارفة هو فين ..عايش ولا ميت ..لسة فاكرني ،فاكر امه ولا نسيني ..ليه ..قوليلي 

القت بكلماتها باكية تذرف دموع الألم الخذل ..مازالت تتحدث من مبدأها ..تدفعها الانسانية البالية من وجهة نظر الأخرى ..لمعرفة السبب ..عيون صغيرة ..حائرة بألم تمرر نظرها بينهم،تقف أعلى الدرج تشاهد ما يحدث بعدم فهم ..بتخبط ..ايهما الحق وايهما الباطل ..ايهما والدتها ..ومن هي ناهد تلك ..اختلط عليها الامر ..الوضع مهزلة ..بينما هي تأهبت جميع حواسها بانتشاء تبتسم..اعترافها بالقمر لما فعلته كان بمثابة فوز ..مكافئة ..ضيقت عينيها ببأس قائلة 

: عايزة تعرفي ليه ..؟اقولك ليه ..

بفحيح اكملت ..

: عشان طول عمرك احسن مني ..طول عمرك والكل بيفضلك عليا ..

يوازي كلماتها اقتراب خطواتها منها ..

: عشان انتي الاحسن باقرار الجميع ..وانا ..ولا حاجة ..

اذدردت حنان ريقها بقهر ..لم تكن تدرك ان نصفها الآخر بتلك البشاعة ..لم تكن تتخيل بأسوء كوابيسها انها تكن لها كل ذلك الكره ..

: حتى الراجل الوحيد اللي حبيته ..رفضني عشانك ..

تحولت نظراتها إلى نظرات مظلمة ..تخرج الكلمات معبأة بنيران الضغينة 

: انا كمان كنت بموت في كل مرة يرميني فيها بره اوضتك،عشانك .. كل مرة بيتمسك بيكي فيها كنت بموت  

سكين ..احدهم رشق سكينا ما بمنتصف قلبها ..كانت لأول مرة تستمع إلى ما تتفوه به الآن ..منصور نفسه لم يخبرها من قبل ..نظرت اليها بزهول ..عينيها مازالت تفيض بالدمع في صمت ..والصغيرة تتسع عينيها اعلى الدرج بصدمة ..تتمنى الا تكون تلك اللتي تتحدث هي والدتها .." ولا يدرك المرأ كل ما يتمنى " ..اكملت ناهد بكلمات تنضح بالكره 

: وانتي كنتي ساذجة ..عايشة دور ملاك الرحمة اللي نازل من السما ..عملتي عملية ومابقتيش تخلفي وده بردو ماخلهوش يسيبك و يجيلي ..

بابتسامة هستيرية وعيون تلتمع بشرارات بركانية باتساع طفيف ..اردفت 

: اتنازلتلك عن نصيبي في الورث ..وهمتكم اني مت في حادثة ..واخدت منك اللي هيدمر حياتك وحياته ..مازن ..يايعيش معاكي من غير ولاد يضحي بحقه انه يبقى اب تاني ..يا يتجوز عليكي ويقهرك ..

بأسف وحسرة ..بقهر اردفت 

: وبردو اختارك انتي ..وفي الآخر اتجوزت انا راجل ما بحبوش .. خلفت منه وانا بكرهه .. وابنك اللي ربيته وسط ولادي قتل ابني ..

إلى هنا وتبخر ضباب الكذب ..كاشفا عن ظلمة الحقيقة ..الصغيرة سقطت بفوهة الظلام ..تصلبت تعابير وجهها ..والدتها هي من فعلت ..هي القائلة ..تصلب جميع جسدها الضئيل ..عينهيا متسعة بزهول ..بجمود ..بظلمة حقيقة والدتها ..وقتل اخيها لأخيها الآخر ...شهقت حنان تنفي برأسها باستنكار ..

: لاء ..مستحيل ..مستحيل ..ابني ما قتلش حد ..

اتسعت عينيها باختلال ..نيران تتأجج داخل حدقتيها تحترق حروفها جوار نبرتها قائلة 

: مش هسيبه ..هقتله ..زي ما قتل ابني هقتله ..

توقف قلبها عن النبض ..نظراتها فزع ..روع ..ابنها الوحيد تتوالى صدمات الفقد فوق رأسها والفاعل شخص واحد ..نفس الشخص ..قلب الام يثور ..العاطفة تكتسح جميع مشاعرها .. وجسد صغير يسقط من الأعلى مرورا بدرجات سلم المنزل ..ارتباك طفيف غير منفعل صدر من شيطانها .. تشتت انتباهه ..الصغيرة فقدت الوعي غارقة بالظلام ..وضربة قوية بمزهرية كانت بجوارها سددتها حنان إلى رأس ناهد مباشرة ..ترنحت الأخبرة بعدم توازن ..اما عن الأخرى صرخت ببكاء هيستيري تلقي المزهرية من بين يديها ولتوها تقترب بتردد لتتفقدها ..فطرتها نور لا يبدده ظلام ..خيوط رفيعة من الدماء تسيل منسابة على وجهها ..تستقيم بتأوه ..تدور بها جميع الاشياء من حولها ..وفجأة .. يستعيد الشيطان تماسكة ..انتباهه ..مع ادراك صوت صافرة الشرطة عن قرب ..وصوت احتكاك عجلات سيارة بالخارج تماما ..سيارة يبدو ان سائقها يعلم بوجودها ..انتفضت تركض هاربة من باب المطبخ الصغير المؤدي إلى الحديقة ..ركضت بهلع ..السيارة بانتظارها ،فقط ستركب وتفر من المكان بأكملة .تتوعد بداخلها للعودة مرة أخرى ..خرجت من الباب الخلفي للحديقة ..ولحظة استدراك اخرى اشد قتامة ..السيارة ..لا وجود لها ..الشيطان متبسما يلوح لها من بعيد تاركا اياها بمنتصف الطريق ..مراد ..تخلى عنها ..افكارها لا تسعفها ..الشرطة تقترب ..لاتملك هي شيء قط ..سوى قدميها ..و سلاح ناري ..ركضت ..ركضت بلا وجهة محددة ..تتوعد بداخلها للجميع ..بلا استثناء ..صوت هادر اوقفها ..نبضاتها اخذت تتسارع عن معدلها الطبيعي ..صوت لم يزور مسامعها منذ زمن ..صوت طالاما كانت تعشق نبرته ..اللتي يلفها الآن الكثير من رباطة الجأش ..الثبات ..الانتقام ..

: نااااااااهد ...

صوت غاضب ..كانهيار جبل جليدي ..انفجار بركاني ..هي لا تكترث ..التفتت لتراه في لحظة ..كما هو بل ازداد الجبل شموخا وهيبة ..تتناثر شرارات غضبه تسبقه ..وكان ردها هو المتوقع دائما ..الخيانة ..رفعت السلاح بين يديها ..تصوبه نحوه ..حيث هو لم يعد وجهتها الآن هو يعوق الطريق نحو وجهتها الحقيقية ..اطلقت رصاصة واحدة انطلقت من سلاحها نحو قدمه مباشرة ..وفرت هاربة .....

_____________________________

المكان أشبه بصحراء خالية ..ففط كوخ صغير ..لا وجود لأي شيء حوله ..سوى الظلام ..يتطرف إلى مسامعها صوت امواج بحر هادرة ..لكنها لا تراها ..بارتعاش ونبرة مرتجفة تسائلت ..

: احنا فين ..؟

وهو يجيبها بصمت ..توقف بالسيارة ينزع المفتاح نازلا منها وسريعا هي تلحقه بالنزول ..خائفة ..تتجه إليه بخطواتها ويقابل هو خوفها بقبضته القاسية هول معصمها يجرها خلفه نحو ذلك الكوخ ..خائف ..وهي لن تفهم ..تناثرت عبراتها ترجوه باسمه فقط ..

: قصي ..

لم يعبأ بخوفها ..حيث خوفه اكبر ..خوف يفتح لغضبه الأبواب على مصرعيها .. فتح باب الكوخ ،ولجا سويا ..استمعت إلى صوت إغلاق الباب فانتفضت بذعر ..لا ترى شيئا امامها الظلام يغطي المكان بأكمله ..تسارعت نبضاتها ..او تباطئت لا تعلم ..شعور ما يشبه الموت سرى بجميع جسدها ..عندما ترك يديها فجأة ..اغمضت عينيها بقوة واضعة يديها عليهما رغم الظلام حولها ..لما يفعل هكذا هي لا تفهم ..وللعبث لن تفهم ..لحظات مرت عليها وكأنها دهرا ..ارتجافة نبرتها بإسمه وازت انارة الضوء بالمكان ..

: قصي اجوك ..انا خايفة ..

مازالت تغمض عينيها باكية ...نظر إليها ومع نبرة توسلها لم يستطيع تمالك مشاعرة ..اختطفها في عناق ..واحة مشرقة تحتل مساحتها اشجار و ورود ..كانت أحضانه بالنسبة إليها ..تشبثت به بقوة ..والهلاك له بنظرة عينيها تلتمع بالدموع ..حيث رفعت رأسها تنظر لعينيه مباشرة ..تتساقط دموعها على جانبي وجنتيها ..تشهق قائلة ..

: انت ليه بتعمل كده ..؟

عواصف بداخله تحمل جميع الفصول في آن واحد ..فقدها كفكرة يخيفه ..والخوف يغضبه ..يقوده باندفاع نحو حمايتها دون الالتفات لها ..حمايتها وامانها وفقط ..

: خايف ..! 

شرد بليل عينيها يجيبها دون تفكير ..وهي تستفسر عن السبب ويتلخص في كونها هي ..

: ايه السبب ..؟

ودون تفكير يجيبها مرة اخرى على عكس طبيعته ..

: انتي ..

معها فقط يكون مختلف ..عكس طبيعته ..وربما معها فقط تغلب عليه طبيعته ..غامت عينيها بحزن عميق تسأله 

: من ايه ..؟مني ؟

ومرهفة المشاعر يغزو مشاعرها ألم من نوع خاص ..هي عبئ يثقل ظهره هما ..هكذا ظنت ..

: عليكي ..خايف عليكي يا حياة ...انتي بذات مش هينفع اخسرك 

كانت تلك المرة الأخيرة التي يجيبها دون تفكير ..وببساطة هي لا تعي اي شيء ..وهو لا يضمن العواقب ..استعاد جموده سريعا يردف بحكم قاطع ..لا تمتلك بعده رفاهية الاعتراض حتى لو كانت حياتها 

: هتفضلي هنا ..لحد ما انا اللي اقرر امته ترجعي ..

نظرة استنكار منها وجهتها له ..ليستدير موليها ظهره ..تمسح هي وجنتيها سريعا تخطو نحوه تتوقف امامه مباشرة تنظر نحو عينيه بتسائل ورجاء ..تحمل نظراتها الاثنين معا ..

: قصي انت مش هتسيبني هنا صح ..؟ مش هتسيبني وتمشي ..

عينيها ترجوه بقول " لن اتركك " ..عينيها تعتم ..تغيم بقتامة ..حيث رده كان بمثابة ظلام ..

: لازم تفضلي هنا ..عنايات هتيجي تقعد معاكي ..

ان كان يتمادا فيما له حق به ..لن تسمح له بالتمادي أكثر ..اعتراضها كان على هيئة خطوات متسارعة وكلمات مبعثرة ترافق تبعثر عبراتها حول وجهها نحو الباب تحاول فتحه ..

: انا مش هقعد هنا دقيقة واحدة ..

يبدو انه اغلق الباب والمفتاح بحوزته ..التفتت له وقد جلس على مقعد ما بأريحية غير عابئا بما تفعله ..فقط ظاهريا ..

: افتح الباب انا مش هقعد هنا دقيقة واحدة ..انا عاوزة اروح ..

رفع الهاتف إلى اذنيه يضغط على زاوية عينيه بابهامه وسبابته في تعب ..

: ايوة ..انت فين ..؟ ..تمام ..

اغلق الهاتف يستقيم متقدما منها وهي تنظر اليه في ترقب باكية ..وقف امامها يسحق اسنانه غضبا من رؤيتها باكية ..بينما نبرته لا مبالية كاذبة ..

: اسمعي الكلام يا حياة ..انتي هنا في امان اكتر ..

يعلم انه مستهدف من الكثير ..وهي نقطة ضعفه ..بل النقطة الفاصلة بين الحياة والموت ..

: امان من ايه ..؟ وديني البيت وانا مش هخرج منه والله بس ماتسبنيش هنا ..

قالتها بلهفة تتشبث باكمام قميصة برجاء ..

بينما هو ضمها كليا إلى صدره يغمض عينيه بألم ..رن هاتفه برقم والده ..ليفتح متحدثا ..

لحظات من الصمت وهي ترفع نظراتها نحو الهاتف بتسائل ..ملامحه جامده لا تقبل القرائة ..التفت يمسح على وجهه بعنف ..في رده فعل ارعبتها ..تحدث قائلا ..

: انت كويس ..فيك حاجة ..؟

تصلب جسده بنظرة مصدومة ..سرعان ما اظلمت بدكنة غابات مظلمة ..عندما تحدث منصور من الجهة الأخرى قائلا بتردد ..

: انا كويس ما تقلقش ..بس ااا ..يمنى 

: مالها ..؟

قالها وقد اخذت خفقات قلبه تنبض بعنف ..

:..جالها انهيار عصبي ..حنان بتقول انها تقريبا كانت واقفة على السلم وسمعت كلام ناهد ..

صغيرته ..واجهت ما يفوق قدرة تحملها ..زهرته لم تستطيع الصمود تحت غيمة رعدية سوداء تمطر جحيما هي ابسط من تحمل احتراقه ..رد بجملة مقتضبة لا تعكس اشتعال النيران بداخله ..

: انا جاي حالا ..

اغلق الخط يلتفت إلى المرتجفة خلفه تسأله 

: في إيه ..خالو ماله ..؟

ثبتت تلك المكالمة قراره اكثر ..هو على حق فليحترق العالم بأكمله ..فليعارضه الجميع ..و لتبقى هي فقط بأمان ..

طرق الباب الهادئ اجفلها ..توجه ليفتحه ناظرا اليها متحدثا بسرعة وتحذير قائلا 

: ما تخافيش هو كويس ..وجودك هنا حماية ليكي وعنايات هتبقى معاكي مش هتبقى لوحدك .. عندك هنا كل حاجة ممكن تحتاجيها ..

هل يمزح ..هي لا تحتاج شيئا سوى وجوده بقربها ..وجوده فقط يشكل لها امانا من نوع خاص ..امان هي على وشك فقده ..

فتح الباب فاندفعت نحوه تشده في توسل ان لا يتركها ..سريعا دخلت عنايات التي احضرها يوسف للتو بنائا على رغبة صديقة ..تتلقفها مهدئة إياها ..بينما هو دفعها برفق حازم مغلقا الباب خلفه ..ندائها له وطرقها على الباب من الداخل يقتله ..توجه إلى صديقه االذي ينظر إليه بلوم آسف قائلا 

: اللي بتعمله ده مش صح على فكره ..البت كده هتكرهك ..

التفت يدور حول سيارته راكبا اياها قائلا 

: مش مهم ..تكرهني بس تبقى بخير ..اطلع ورايا 

قالها بجمود يشرع في تحريك سيارته ..يتجه متلهفا للإطمئنان على قطعة من روحه باتت بلا روح ...

_________________________


تكالبت الحقائق فوق ادراكها ..فلم تحتمل ..حقائق كانت اثقل من ان تتحملها سنوات عمرها القليلة ..بعيون قاتمة تختبئ خلفها غابات محترقة ..دخل إلى غرفتها بالمشفى وحرب تشيد داخل صدره لا يهزم فيها سوى قلبه متألما ..اقترب منها ..مجمدة كالصنم .. تتمدد بروح باردة ..باهتة ..فاقدة للألوان ..قطب جبينه يضيق ما بين حاجبيه ينظر اليها بألم ..حيث عينيها مفتوحة معلقة بسقف الغرفة وحركة حدقتيها جامدة بلا حراك ..

: يمنى ..

بصوت متهدج ناداها ولم تستجيب ..هي حاضرة غائبة بعالم آخر ..ربما كانت حبيسة خلف قضبان الحقيقة تمد يديها لهفة لتطول حرية كاذبة ..

: يمنى ..

نداء آخر ..وقد ادرك انها لن تستجيب ..انفاس حارقة ..النيران على اهبة الاستعداد .. ركض كمن يلاحق شيطانا يجري ضاحكا بجنون ..حاول يوسف ايقافه فدفعه يكمل خطواته الراكضة بعزم ..

: مازن ..

صرخة واحدة منها كانت كافية ان توقفه ..رغما عنه ..والدته ...اغمض عينيه يسحق اسنانه غضبا وألما ..بدورها خطت نحوه دامعة العينين وكلمة اختها لها لا تفارق مسامعا ( هقتله ) ..ببكاء حار التقطت يديه تقبلها برجاء 

: عشان خاطري خليك يا ابني انا هموت يا مازن لو جرالك حاجة ..ابوس ايدك يا ابني ..

يعلو صدره ويهبط ..غضبه اشبه ببركان مختنق يريد الانفجار ..وجمله واحدة لفظها بهدوء حيث هي لا تستحق انفجار البركان ..

: مش هسيبها ..

وازت كلماته خطواته الراكضة يتبعه يوسف راكضا خلفه كظله ..اما عن قلب الام ..فشاخ حزنا ..مدت يديها في الهواء .. إلى أثره زاهلة العينين ..تفتح فاهها قليلا بصدمة ..وكل تفكيرها انها لن تراه مرة ثانية ..لحظة استسلام ..وسقوط في ظلام دامس ..ثم ارتطام جسدها الضئيل بالأرض فاقدة للوعي ...

___________________________

تهالك ..ركض حد الانهاك ..لهاث حارق وانفاس جليدية ..وقطعة لحم تضخ الدماء بغزارة عنيفة ..فالشياطين لا تمتلك القلوب ..جف لعاب حلقها أثر الركض دون وجهة ..الركض بلا سبيل .. حتمية النهاية لا تشكل لها العظة ..حتمية الجحيم ذاته لا تكترث لها ..وربما لا تعترف بوجوده من الاساس ..ستحرق ..تخرب ..تدمر حتى لفظ النفس الأخير ..انحنت خائرة القوى باستسلام ...اتجهت إلى احد الوحدات السكنية قيد البناء ..صعدت درجها الهيكلي الشكل ..فقد ابتعدت بالقدر الكافي عن الخطر ..ارتمت ارضا تستند بكفيها وركبتيها فوق سطح البناية المحدد بسور صغير ..تسارعت انفاسها لبعض الوقت حتى بدأت تهدأ شيئا فشيئا ..وفجأة رفعت وجهها بنظرة ثاقبة مظلمة إلى الأمام وقد اخذت تلهث في ركض من نوع آخر ..صرخت تفرغ ما تعبئه داخلها من غضب ..كانت على مشارف هزيمة ..كاد الشيطان يحترق ..استندت بظهرها إلى عمود صخري حديث البناء تخرج من جيب سترتها هاتفها الخلوي ضاغطة على زر الفتح ..لتجري اتصالا بمراد .. وبنبرة انتقامية الصيغة تهمس من بين لهاثها ضاغطة على اسنانها عندما استقبلت عدم الإستجابة ..

: بعتني ..سلمتني تسليم اهالي يامراد الكلب ..

.. ولاول مرة لا يجيد الشيطان اختيار رعاياه .. وضعت الهاتف جوارها بإهمال حانقة فكما توقعت لن يجيب ..وثغرة ..فوهة صغيرة احدثها الجبل .. مدخل للوصول .. هاتف شقيقته وآخر رقما تحدثت إليه ..ومن ثم تحديد مكان الرقم بدقة ..كانت على مشارف هزيمة ..باتت الآن بوسط حرب ..بينها وبين شيطانها ..حيث اتسعت عينيها ينسكب منها الغضب منصهرا ..مع صوت اصتكاك حلقة معدنيه بأحد الأسياخ الملتوي طرفيها بداخل العمود ..واحتجاز يسراها بالحلقة المعدنية الأخرى ...اصفاد ..والشيطان رهن اعتقال .. نظرة بركانية قاتمة صوبها تجاهها قصي من أعلى ..يمر امام ناظره طفولته البائسة بتوقيعها ..آلام الفقد بعيني والديه..مرورا بفقد اخيه ..والخاتمة يمنى ..صغيرته .. قبضت يمناه بحزم على سلاح ناري موجه نحوها ..الأمر منتهي ..الآن بكل منون يضع الجبل توقيع نهايتها 

: خلاص ..دمرتي بما فيه الكفايه ..دورك انتهى ...

تضغط على اسنانها تطلق صوتا كالزمجرة ..تلهث ومن بين لهاثها تبتسم بسخرية قائلة ..

: لسة ..لسة يا ابن حنان ..

انتهى الامر .. رصاصة واحدة وينتهي كل شيء ..وهو لا يتردد ..

: قصي اوعى تعمل كده ..

بعيون متسعة قالها يوسف من بين انفاسه اللاهثة .. يرفع كفي يديه امامه في حركة مفادها تهدئة صديقه قائلا بتمهل ..

: بلاش تضيع نفسك يا قصي .. اوعى تعمل كده ..هي كده او كده ميته .. 

لا يرد ..فقط ينظر اليها وسلاحه مازال مصوبا نحو رأسها ..وهي تنظر إلى عينيه باستهزاء و يقين تام انه لن يطلق رصاصة واحدة ..تحدث يوسف يذدرد ريقه قائلا

: سلمها يا قصي ..ما تتهورش وسلمها ..

التفت برأسه نحو صديقه ينظر إليه نظرة غامضة .. يحاول يوسف ردعه ببعض الكلمات ..بينما هي بحوزتها سلاح ..تنظر إليه جوارها بخبث ..مدت يديها ببطء لتمسك به فإذا بصوت رصاصة صرخ لها يوسف متسع العينين ..

: لاااااء ..

وازت صرخته صرختها المتألمة ...حيث استقرت الرصاصة بذراعها الأيمن مازال هو ناظرا إليه ، اقتنص اهتزاز حدقتيها في لمحة منه فصوب السلاح نحو يمناها ..التفت اليها ببطء ولم ينزل سلاحه بعد ..وهي تنحني بلهاث متسارع الأنفاس ..وصوت أخرى تردد صداها وكأنها احلال أسر ما .. ثم صرخة ثانية خرجت منها كان صداها أقوى من الرصاصة ..

: آاااااه ...

واستقرت الثانية بقدميها ..صرخ بعدها يوسف ينهره 

: كفاية ياقصي ...

انزل سلاحه ..ينظر إليها بغموض ..تتألم أمامه ولا يبالي بها ..البعض يستحق بجدارة عدم المبالاة بألمه ..اذا كان سيسلمها ..فليفقدها فرصة الهروب مرة أخرى ... اقترب منها يهبط لمستوى جلوسها ..يضع فوهة المسدس تماما فوق أعلى رأسها ..رفعت نظرتها اليه متعرقة الجبين ..تحترق انفاسها لا تقوى على النطق ..يسكن الشيطان حدقتيها ويتولى هو ارسال رسائل صامتة عبر نظرتها ..بصوت رزين تحدث قائلا

: عشان ما تحاوليش تهربي تاني ..

ثم اشار برأسه نحو المسدس فوق رأسها مردفا

: لو فكرتي تحاولي ..التالتة هتبقى في راسك ..

انفاسها عبارة عن مرجل متقد يصب احدهم الزيت فوقه ..تتأجج ..ومن بين دخان احتراقها تحدثت .. ويبدو ان الشيطان يحتضر خارجا منها كالروح ..بتقطع قالت

: هقتلك ..هقتلك يا قصي ..هاخد حق عمر ..مش هسيبه ..هقتلك زي ما قتلته ..

وانتزع الشيطان امانته منها ..غابت عن الوعي في سبات قهري نتيجة الشعور بالألم .. اتسعت عينيه اتساع طفيف ..تسائلات وخيوط عدة ..تعلم بموت عمر ..تتهمه بقتله ..يمنى وانهيارها وفقدها للحياة ..من المؤكد انها وشت به لها بما لم يفعله .. الصغيرة لم تحتمل ...

خيوط عدة ..وجميعها تؤدي نحو شيطان آخر ..لم تكن هي سوى وسيلة ضمن وسائلة ...

_________________

تبدد الظلام بأشباحه ..وأشرق نور ملائكي جديد ...

صعد بإرهاق درجات السلم الداخلى للمنزل ..لم يذق طعما للنوم منذ ليلة امس ..ليلة عرسه ..تنهد بحنق يتجه نحو باب غرفته ..هم بطرقه فتوقفت يداه بالهواء ..قائلا في نفسه ..انه مازال الوقت مبكرا ربما تكون نائمة ..فتح الباب ببطء حريص ..ولج يتجه نحو خزانة الملابس وقد لمح جسدها الضئيل متكورا بزاوية السرير في وضع غير مريح ..يتدلى رأسها فوق كتفيها غارقة في نوم عميق .."كل هذا من مجرد لمحة فقط "..اخذ ملابسه وعيناه تحول بينها وبين باب الغرفة بتردد ..يبدو عليها التعب وذلك الوضع غير مريح لها ..زفر باستسلام يتجه نحوها ..حملها برفق ممددا اياها على الفراش بوضع نوم مريح ..ثم دثرها بالغطاء وهم ان يستقيم ..فظل على وضعه ينظر بتمعن نحو وجهها ..ملامحها الصغيرة ..خط عينيها الطويل واهدابها المتراصة بكثافة طبيعيه عليه ..ينم عن عينين واسعتين ..تسللت ابتسامة لا هوية لها تظهر على شفتيه ..وشعور غريب بانها جزء منه وازى تسلله تسلل تلك الابتسامه ..سرعان ما تدارك نفسه خارجا من الغرفة بخطوات متسارعة ينهر تلك الفكرة اللتي نبتت بداخله .. يؤد شعورا ما قبل رعرعته ...

وهناك فوق السرير جسد ضئيل يتمدد على الفراش ..وقلب يخفق بعنف ..نبضاته كقرع الطبول ..كانت مستيقظة ..طوال الليل تقاوم نومها خوفا من عودته مرة أخرى ..وعندما شعرت به يفتح الباب تصنعت النوم بمكانها لم يسعفها الوقت لتتمدد على الفراش ..كانت تخاف من عودته ..التي انبتت نفس الشعور المتسلل بداخله داخلها ..وابتسامة نتاج فكر ..هل يوجد من يهتم لها ..من يهمه راحتها ..من يلتفت لوجودها من الأساس ..؟ ..لم يكن كما ظنت امس ..يبدو ان تلك السيدة زوجة عمه محقة فيما يتعلق به ..

___________________

استيقظت تحتضن بين ذراعيها عبائته ..تستنشق عبقه بها ..ارتسمت ابتسامة عاشقة على شفتيها وبمجرد ادراكها وفتح عينيها اختفت الابتسامة ..متذكرة فعلته ..القت العبائة جوارها ثم نهضت جالسة تنظر اليها بشرود ..تساقطط دموعها ببطء قائلة بهمس ..

: صعبتها اوى سالم ..صعبتها عليا اوي ..مابقاش ينفع حتى افكر فيك .. عاملتك السودة في بت عمنا واقفة قصادي .. زي السور ..ومن الناحية التانية اللي شايلتني جميل لازمن اصونهولها العمر كله ..دمها بيجري جوايا ..لولاها كان زماني ميته ..صعبتها عليا اوي يا ابن عمي ...

تنهدت بحزن ثم نهضت تخفي عبائته بداخل خزانتها ..تتجه نحو الحمام تستعد للنزول ..او بالأحرى لمواجهة عاشق ثائر حان وقت ظهور عشقه ...

____________________

وقف امام تلك النافذة الزجاجية ينظر اليها بألم ..قطعة من روحه ..تتالم ،تبكي ولا يجد السبيل لكفكفة دموعها ..هو لها الآن كل عائلتها ..وهي بكل إصرار لا تريد رؤيته ..حديث الطبيب مازال يتردد صداه بأذنيه ..عندما دخل عليها الغرفة برفقة والدته منذ قليل ..وثارت ثائرتها خوفا وفزعا بمجرد رؤيتهم ..( صدمة نفسية أدت لانهيار عصبي مؤقت ..) ...

تفاجئ بيد حنونة لها أثر طيب تربت فوق كتفه ..التفت ليقابل اجمل ابتسامات الكون الباعثة للأمل والحياة ..

: هتبقى بخير ما تخافش ..

قالتها حنان ثم نقلت نظراتها إلى الصغيرة عبر ذلك الزجاج الشفاف مردفة بإشفاق ..

: انا حاسة بيك وبيها ..اللي حصل كان صعب اوي عليها ..الحمد لله ان ربنا جابها على اد كده ..الحمد لله ..

تنهد قصي بعمق ناجي من اعماق الظلام ..لتسأله حنان بلهفة قائلة ..

: صحيح .. حياة فين ؟..منصور قاللي انها معاك ..

اغمض عينيه بهم ..فعليه المجاهدة لإرضائها بعدما فعله أمس ..بنبرة هادئة اجابها ..

: رايح اجيبها دلوقت ..

__________________

جلس محسن بانتظار سالم في مكتبه ..التقط فنجان قهوته يرتشف منه متنهدا بحرارة كلما مرت صورتها في العرس امس بمخيلته .. ليفلت لسانه هامسا لنفسه ..

: آه .. قمر وهي قمر بصحيح ..

: بتكلم نفسك يامحسن بيه ولا ايه ..؟ 

اجفل على صوت سالم يلج إلى المكتب مرحبا به لم يلحظ ما تفوه به.. استقام يرد التحية بأيدي مرتجفة وضع فنجان القهوة فوق سطح الطاولة يسلم عليه بارتباك ..جلس سالم على كرسي مكتبه قائلا ..

: نورتنا يا محسن بيه ..تشرب ايه ..

اخرج محسن منديلا من جيبه يجفف جبينه المتعرق قائلا 

: لا لا ولا حاجة انا شربت قهوة خلاص ..

عم الصمت لبعض الوقت مما اثار حفيظة سالم لحدوث شيء لن يستهوية .. تحدث محسن مبتسما بحرج 

: انا في الحقيقة يا سالم بيه مش جاي بخصوص المحصول ولا الشغل .. انا جاي في موضوع شخصي ..

: ده بيانه نهار ازرق على الصبح ..

قالها سالم بخفوت ..ليتحدث محسن قائلا 

: بتقول حاجة يا سالم بيه ..؟

: لا بقول خير ايه الموضوع الشخصي ده ..

حمحم محسن متحدثا بابتسامة تكاد فيها شفتيه تصل إلى اذنيه ..

: انا ..طالب القرب منك في بنت عمك ..قمر ..

عفوا. ..! هل يشتم احدكم رائحة احتراق ما ..للحظة لم يستدرك ما تفوه به ذلك الثمين "النتن" كما نعته بداخله ،الجالس امامه .. وهناك بداخله مارد هو لم يوقظه بطلبة هذا ،لا هو دفعه نحو هاوية الجنون ليسقط بعدها فوق رأسه مهشما اياها بتلك الفكرة التي اشعلت غضب عاشق على محبوبته ..انتفض محسن أثر لكمة عنيفة ،تتسع عينيه بلهو ..تفاجئ المسكين ،انتقل من حلم وردي محلقا في السماء جوار القمر .. إلى حلبة مصارعة ثيران ..

: ايه ده ... في ايه ...؟ في ايه يا سالم بيه ؟

انقض سالم يمسكه من تلابيبه ينفجر زاعقا في وجهه بصوت جهوري وقلب ثائر وعاشق غاضب ..

: قمر مين اللي طالب قربها يا ابن النتن .. ده انت طلب قربك عزرائيل انهارده ،يومك مش فايت ...

____________________________

جلس امامها ينظر إليها بشرود ..كيف ومتى استحوذ عشقها على كيانه بأكمله لا يدري ..وكأن حبها شيء راسخ بقلبه ..ولد معه وظهر فقط بظهورها امامه ..تنهد بارتياح حيث زال خوفه ..الآن فقط استيقظ من كابوسه المرهق ..ذلك الكابوس طويل الامد ..لم يعد له وجود ..فتحت عينيها ..جميلته ،حياته .. وقد بدا عليهما بقايا بكاء طويل كما اخبرته عنايات قبل رحيلها ..

استيقظت تنهض مستندة على كفيها تنظر إليه بتفاجئ ..سرعان ما نظرت إلى الجهة الأخرى بغضب ..

..ابتسم ابتسامة صغيرة ثم استقام وقد علم انها غاضبة مما فعله امس ..

: عنايات فين ..؟

سألته باقتضاب عندما لاحظت عدم وجودها ..ليرد بمراوغه مبتسما 

: مافيش صباح الخير ..؟

صمتت تأبى النظر إليه .. غاضبة ..تجهل سبب جفاء تركه لها بذلك المكان دون شرح ..همش شخصيتها بسطوة تحكمه بها ..همت ان تستقيم ناهضة فامسك بكف يديها برفق ..يسبل عينيه في برائة لن تنكر انها رقت لها ..

: عايز اتكلم معاكي ..عارف انك زعلانة من اللي عملته امبارح ..

سحبت كفها من تحت يديه تستقيم قائلة بجفاء يخالف مكنون قلبها ..

: ما فيش كلام ما بينا ..عنايات فين ..؟

نهض بدوره يضع يديه بجيب بنطاله يبتسم بمشاكسة.. يبدو ان بعضا من بنات حواء لا تجدي معهم البرائة ..

: مشيتها ..احنا هنا لوحدنا ..انا وانتي بس ..

استشاطت غضبا من تلميحه بوجودها معه بمفردها ..والعجيب انها لم تخف ..بنبرة حادة ردت 

: انا عايزة امشي من هنا ..لو سمحت روحني ..

تنهد يقترب من الفراش متمددا عليه يضع ذراعه خلف رأسه بأريحيه قائلا 

: مافيش ?

الفصل الخامس والأربعون من هنا 

شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1